الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَسمي اختصاراً لاجتماعه، وَمِنْه المخصرة، وخصر الْإِنْسَان.
والاختصار فِي الْكَلَام مَحْمُود للْحَدِيث الْآتِي قَرِيبا، وَقَالَ عَليّ رضي الله عنه:" خير الْكَلَام مَا قل وَدلّ وَلم يطلّ فيمل "، فقربته وقللت أَلْفَاظه حجماً.
والاختصار تقليل الشَّيْء، فقد يكون بتقليل مسَائِله، وَقد يكون بتقليل أَلْفَاظه مَعَ تأدية الْمَعْنى، وَمِنْه قَوْله صلى الله عليه وسلم َ -: "
أُوتيت جَوَامِع الْكَلم وَاخْتصرَ لي الْكَلَام اختصاراً "، وَهُوَ مرادنا.
واختصاره مشَاهد بالعيان كَذَلِك، إِذْ لَو كَانَ مطولا لَكَانَ أوسع وأكبر حجماً، وَإِنَّمَا اختصرناه لمعان.
مِنْهَا: لِئَلَّا يحصل الْملَل بالإطالة.
وَمِنْهَا: ليحفظ، فَإِن حفظ الْمُخْتَصر أيسر
وأسهل وأهون على النُّفُوس، فَإِن الْكتاب المطول فِي هَذِه الْأَزْمِنَة وَلَا سِيمَا فِي أصُول الْفِقْه لَا يرغب فِيهِ وَلَا يقْرَأ، فضلا عَن أَن يحفظ، فَإِن الهمم قد قصرت والبواعث قد فترت.
وَمِنْهَا: قلَّة الْأَلْفَاظ وَكَثْرَة الْمعَانِي الَّتِي بحثها لَو جازة لَفظه، فيكثر علمه ويقل حجمه.
قَوْله: {فِي أصُول الْفِقْه}
أَي: لَا فِي علم غَيره، وَهُوَ الْعلم الْآتِي حَده وتفصيله وَحكمه.
قَوْله: {جَامع لمعظم أَحْكَامه} .
أَي: يؤلف المتفرق من غَالب أَحْكَامه، إِذْ لم أر فِي / الْغَالِب مَسْأَلَة فِي أصُول الْفِقْه إِلَّا ذكرتها فِيهِ، خُصُوصا فِي الْمَذْهَب.
وَمَعَ هَذَا لم أستوعبه، إِذْ جَمِيعهَا لَا يُحِيط بهَا بشر، بل ذكرت المتداول بَين الْعلمَاء الْأَعْيَان غَالِبا، وَفَوق كل ذِي علم عليم.
قَوْله: {حاو لقواعده وضوابطه وأقسامه} .
أَي: جَامع ومحرز لقواعده
…
إِلَى آخِره.
فَمَعْنَى حاو: جَامع، وَإِنَّمَا أتيت بهما لمُخَالفَة اللَّفْظ، وَإِن كَانَ الْمَعْنى وَاحِدًا.
وَالْقَوَاعِد جمع قَاعِدَة، والضوابط جمع ضَابِط.
وَالْقَاعِدَة: هِيَ الْأَمر الْكُلِّي الَّتِي تنطبق على جزئيات كَثِيرَة تفهم أَحْكَامهَا مِنْهَا.
فَمِنْهَا: مَا لَا يخْتَص، بِبَاب كَقَوْلِنَا (الْيَقِين لَا يرفع بِالشَّكِّ) . وَمِنْهَا: مَا يخْتَص، كَقَوْلِنَا:(كل كَفَّارَة سَببهَا مَعْصِيّة فَهِيَ على الْفَوْر) .
وَالْغَالِب فِيمَا يخْتَص بِبَاب وَقصد بِهِ نظم صور متشابهة يُسمى ضابطاً
وَإِن شِئْت قلت: مَا عَم صوراً، فَإِن كَانَ الْمَقْصُود من ذكر الْقدر الْمُشْتَرك الَّذِي بِهِ اشتركت الصُّور فِي الحكم فَهُوَ الْمدْرك.
وَإِلَّا فَإِن كَانَ الْقَصْد ضبط تِلْكَ الصُّور بِنَوْع من أَنْوَاع الضَّبْط من غير نظر فِي مأخذها فَهُوَ الضَّابِط وَإِلَّا فَهُوَ الْقَاعِدَة.
وَمن الْقَوَاعِد الْأُصُولِيَّة وَهِي الْمَقْصُودَة هُنَا قَوْلنَا: الْأَمر للْوُجُوب، وللفور، وَدَلِيل الْخطاب حجَّة، وَقِيَاس الشّبَه دَلِيل صَحِيح، والْحَدِيث الْمُرْسل يحْتَج بِهِ، وَنَحْو ذَلِك من مسَائِل أصُول الْفِقْه هِيَ قَوَاعِد للمسائل الْفِقْهِيَّة، وَيَأْتِي الْإِلْمَام بذلك فِي التَّكَلُّم على حد أصُول الْفِقْه لقباً إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
والأقسام جمع قسم، وَهُوَ الْجُزْء من الشَّيْء.
قَالَ فِي " الْقَامُوس ": (هَذَا يَنْقَسِم قسمَيْنِ، بِالْفَتْح إِذا أُرِيد الْمصدر، وبالكسر إِذا أُرِيد النَّصِيب أَو الْجُزْء من الشَّيْء الْمَقْسُوم) انْتهى.
فَهُوَ هُنَا كالجزء المفروز، كالأبواب الْمَذْكُورَة فِي الْكتاب. / قَوْله:{مُشْتَمل على مَذَاهِب الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة الْأَعْلَام} .
مُشْتَمل، أَي: محتو أَو مُحِيط، وَهُوَ اسْم فَاعل من اشْتَمَل، يُقَال: اشْتَمَل على كَذَا، أَي: أحَاط بِهِ، قَالَه فِي " الْقَامُوس ".
وَقَالَ: (شملهم الْأَمر كفرح وَنصر: عمهم، أَو شملهم خير أَو شَرّ: أَصَابَهُم ذَلِك، وأشملهم شرا: عمهم بِهِ، واشتمل بِالثَّوْبِ: أداره على جسده كُله حَتَّى لَا تخرج مِنْهُ يَده، واشتمل عَلَيْهِ الْأَمر: أحَاط بِهِ) انْتهى.
والمذاهب: جمع مَذْهَب، وَالْمذهب: الطَّرِيق الْوَاضِح.
[يُقَال] : ذهب مذهبا حَقًا، وذهاباً وذهوباً.
وَالْمرَاد هُنَا على طَرِيق الْأَئِمَّة، أَي: آراؤهم واختيارهم، وَمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ من الْأَدِلَّة وَالْأَحْكَام.
قَالَ فِي " الْقَامُوس ": (الْمَذْهَب المعتقد الَّذِي يذهب إِلَيْهِ والطريقة وَالْأَصْل) انْتهى.
وَالْأَئِمَّة: جمع إِمَام، وَالْإِمَام: الْكَبِير المقتدى بِهِ، الْجَامِع للخير والمتبع.
وَالْأَرْبَعَة: هم الإِمَام أَبُو حنيفَة النُّعْمَان بن ثَابت، وَالْإِمَام أَبُو عبد الله مَالك بن أنس الأصبحي، وَالْإِمَام أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِدْرِيس،
وَالْإِمَام أَبُو عبد الله أَحْمد بن حَنْبَل الشَّيْبَانِيّ، قدس الله أَرْوَاحهم، وَنور ضرائحهم، وَرَضي عَنْهُم وأرضاهم، وَجَعَلنَا من محبيهم وأتباعهم، وَهُوَ مرادي فِي الْمَتْن بِقَوْلِي:(الْأَرْبَعَة)، وَأما قولي:(الثَّلَاثَة) ، أَو (عِنْد الثَّلَاثَة) ؛ فَإِنِّي لَا أطلق ذَلِك إِلَّا صرحت باسم الرَّابِع، فَيعلم حِينَئِذٍ الثَّلَاثَة.
قَوْله: {وأتباعهم} .
أَعنِي: ومشتمل على أَقْوَال أتباعهم، أَي: أَتبَاع الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة غَالِبا، أَي الَّذين اتَّبَعُوهُمْ على مذاهبهم وأقوالهم وَمَشوا خَلفهم، وَرُبمَا ذكرتهم بِأَسْمَائِهِمْ، وَهَذَا هُوَ مُعظم الْمَقْصُود من هَذَا التصنيف، فَإِن مدَار الْإِسْلَام واعتماد أَهله قد بَقِي على هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة وأتباعهم، وَقد ضبطت مذاهبهم وأقوالهم وأفعالهم، وحررت ونقلت من غير شكّ فِي ذَلِك.
بِخِلَاف مَذْهَب غَيرهم، وَإِن كَانَ من الْأَئِمَّة الْمُعْتَمد عَلَيْهِم، لَكِن لم تضبط الضَّبْط الْكَامِل، وَإِن كَانَ صَحَّ بَعْضهَا فَهُوَ يسير، فَلَا يَكْتَفِي بِهِ وَذَلِكَ لعدم الِاتِّبَاع، و - أَيْضا - فَإِن أَقْوَالهم إِمَّا أَن تكون مُوَافقَة لقَوْل أحد من هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة وأتباعهم، أَو خَارِجَة / عَن ذَلِك، فَإِن كَانَت مُوَافقَة فقد حصل الْمَقْصُود، وَيحصل بهَا التقوية، وَإِن كَانَت غير مُوَافقَة كَانَت فِي الْغَالِب شَاذَّة لَا يعول عَلَيْهَا، وَقد أذكرهم فَإِنَّهُم أهل لذَلِك.
وَأما غَيرهم من أَرْبَاب الْبدع، كالجهمية والرافضة والخوارج والمعتزلة وَنَحْوهم، فَلَا اعْتِبَار بقَوْلهمْ الْمُخَالف لأقوال الْأَئِمَّة وأتباعهم، وَلَا اعْتِمَاد عَلَيْهَا، لَكِن إِن ذكرتها فعلى سَبِيل الْإِعْلَام والتبعية، وَقد
يذكرهَا الْعلمَاء؛ ليردوا على قَائِلهَا وينفروا عَنهُ، ويعلموا مَا فِيهِ من الدسائس، وَقد ذكر الأصوليون ذَلِك حَتَّى بالغوا، فَذكرُوا بعض مَذَاهِب الْيَهُود وَالنَّصَارَى والسوفسطائية، والسمنية فرقة من عَبدة الْأَصْنَام، والبراهمة وهم الَّذين لَا يجوزون على الله بعث الرُّسُل، والملاحدة وَغَيرهم.
وَكَانَ شيخ الْإِسْلَام سراج الدّين البُلْقِينِيّ يعيب على من يذكر ذَلِك فِي أصُول الْفِقْه، وَيَقُول:(إِنَّمَا مَحل ذَلِك أصُول الدّين) ، وَهُوَ كَمَا قَالَ.
قَوْله: {اجتهدت} .
أَي: بذلت الوسع. {فِي تَحْرِير نقُوله} .
أَي: فِي تقويمها، لما فِيهِ من الْخبط وَالِاخْتِلَاف وَالِاضْطِرَاب الَّذِي لَا يُوجد فِي علم غَيره، حَتَّى رُبمَا وجد عَن عَالم فِي مَسْأَلَة وَاحِدَة نقُول كَثِيرَة مُخْتَلفَة، فَلهَذَا تحريت النَّقْل الصَّحِيح عَن صَاحبه، وتنكبت عَن غَيره حَيْثُ حصل الِاضْطِرَاب، جهد الطَّاقَة.
وَقد أنتقد على كثير من المصنفين عزوهم أقوالاً إِلَى أشخاص وَالْمَنْقُول الصَّحِيح عَنْهُم خِلَافه، أَو قَوْلهم مؤول وَمَا أشبهه.
وَنحن نسْأَل الله السّتْر والسلامة والتوفيق للصَّوَاب وَالْهِدَايَة ،
وَقد يكون لأَحَدهم الْقَوْلَانِ وَالثَّلَاثَة فَرُبمَا ذكرتها.
قَوْله: {وتهذيب أُصُوله} .
أَي: تَخْلِيصهَا وتسهيلها بعبارات وَاضِحَة مقربة إِلَى الْفَهم، مَعَ الْإِتْيَان بِالْمَعْنَى الْجَلِيّ الْوَاضِح.
قَوْله: {مُجَردا عَن الدَّلِيل / وَالتَّعْلِيل} .
أَي: خَالِيا عَنْهُمَا، وَالْأَمر كَذَلِك، وَذَلِكَ للفوائد الَّتِي ذَكرنَاهَا قبل،
فَإِن الدَّلِيل وَالتَّعْلِيل يطول بِهِ الْكتاب، وَمحله الْكتب المطولة، وَإِن ذكر فِي المختصرات قل علمهَا.
وَيَأْتِي حد الدَّلِيل.
وَالْعلَّة: حِكْمَة الحكم، أَي: مَا يثبت الحكم لأَجله فِي مَحَله، وَهِي أخص من الدَّلِيل، إِذْ كل تَعْلِيل دَلِيل، وَلَيْسَ كل دَلِيل تعليلاً، لجَوَاز أَن يكون نصا أَو إِجْمَاعًا.
وَيَأْتِي معنى الدَّلِيل قَرِيبا، وَتَأْتِي الْعلَّة فِي خطاب الْوَضع، وَفِي الْقيَاس أَيْضا.
قَوْله: {وَالله المسؤول لبلوغ المأمول} .
هُوَ المسؤول وَالْمَقْصُود والمرجو فِي جَمِيع الْأُمُور، وَفِي بُلُوغ مَا نؤمله من تَكْمِيل الْكتاب وَغَيره، وَقد كمل بِحَمْد الله تَعَالَى، ونرجوا من كرم الله تَعَالَى تَكْمِيل الشَّرْح.
قَوْله: {وأقدم الصَّحِيح من مَذْهَب الإِمَام أَحْمد وأقوال أَصْحَابه} .
وَهَذَا فِي الْغَالِب، لِأَن الْكتاب للحنابلة، ومصنفه حنبلي الْمَذْهَب، وَالَّذِي يَنْبَغِي لَهُ تَقْدِيم مَذْهَب إِمَامه الَّذِي هُوَ مقلد لَهُ، وأقوال أَصْحَابه، وَكَذَا سَائِر المصنفين من أَتبَاع الْأَئِمَّة يَفْعَلُونَ ذَلِك.
وَفِيه فَائِدَة أُخْرَى وَهِي الْمَقْصُودَة: وَهِي معرفَة الصَّحِيح من مَذْهَب الإِمَام أَحْمد وَأَصْحَابه، وَهُوَ من أعظم الْمُهِمَّات وأجلها.
قَوْله: {ومرادي بِالْقَاضِي: أَبُو يعلى} .
وَهُوَ مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْفراء، من أعظم أَئِمَّة الْمَذْهَب، وَعَلِيهِ الْمُعْتَمد فِي نقُوله وتصانيفه، وَله الْيَد الطُّولى فِي الْمَذْهَب من الْأُصُول وَالْفُرُوع وَغَيرهمَا، بل هُوَ الَّذِي جمع أشتاته وشوارده وهذبه وحرره بعد الْخلال.
وَلما كَانَ إِطْلَاق القَاضِي فِي غَالب المختصرات والمطولات فِي أصُول الْفِقْه ينْصَرف إِلَى القَاضِي أبي بكر الباقلاني؛ لِأَن مُرَادهم مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب وَغَيره.
وَعند الْمُعْتَزلَة فِي كتبهمْ ينْصَرف / إِلَى القَاضِي عبد الْجَبَّار، احتجت أَن أبين مَا اصطلحت عَلَيْهِ، لِئَلَّا يشْتَبه بِغَيْرِهِ فَيحصل لبس وَشك، وَقد يكون اختيارهم مُخْتَلفا، فَيحصل الْخبط، عِنْد من لَا يعرف المصطلح.
قَوْله: {وبأبي الْفرج: الْمَقْدِسِي} .
وَأَيْضًا لما كَانَ ذكر أبي الْفرج بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَصْحَاب يَشْمَل: أَبَا الْفرج الْمَقْدِسِي الشِّيرَازِيّ الإِمَام الْجَلِيل المستجاب الدُّعَاء صَاحب القَاضِي أبي يعلى.
ويشمل أَبَا الْفرج ابْن الْجَوْزِيّ الْحَافِظ الْكَبِير، وَيشْتَبه بِإِطْلَاقِهِ على السَّامع فَلَا يعرف من هُوَ مِنْهُمَا، احتجت أَن أبين أَن مرادي بِهِ الشِّيرَازِيّ الْمَقْدِسِي صَاحب " الْمُبْهِج "، و " الْإِيضَاح "، و " الْإِشَارَة "، و " التَّبْصِرَة "، و " جَامع الْأَنْوَار لتوحيد الْملك الْجَبَّار " فِي الْأُصُول، وَغير ذَلِك، وَلِأَن أَقْوَاله فِي أصُول الْفِقْه أَكثر من أَقْوَال ابْن الْجَوْزِيّ.
وَإِذا كَانَ لِابْنِ الْجَوْزِيّ قَول فِي الْمَسْأَلَة ذكرته بِقَوْلِي: (قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ) ، و (عِنْد ابْن الْجَوْزِيّ) وَنَحْوه.
وَإِذا أردْت وَلَده أَبَا مُحَمَّد يُوسُف، صَاحب " الْإِيضَاح " فِي الجدل، قلت:(الْجَوْزِيّ) ، بِإِسْقَاط ابْن، ليحصل التَّمْيِيز بَينهمَا أَيْضا.
قَوْله: {وبالفخر: إِسْمَاعِيل أَبُو مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ} .
لما كَانَ أَيْضا الْفَخر يشْتَبه بالفخر الرَّازِيّ، بل أَكثر النَّاس إِنَّمَا يسري وهمهم إِلَى الرَّازِيّ، بيّنت مصطلحي فِي ذَلِك لأجل الِاشْتِبَاه.
فَإِن هَذَا اسْمه إِسْمَاعِيل بن عَليّ، وَيعرف بِابْن الرفا، وبابن الماشطة، واشتهر بِغُلَام ابْن المنى، أَبُو مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ، حنبلي الْمَذْهَب، لَهُ الْيَد الطُّولى فِي الْأَصْلَيْنِ وَعلم الجدل وَغَيرهَا من الْعُلُوم.
وَالْفَخْر الرَّازِيّ أشعري الْمَذْهَب.
قَوْله: {ورتبته على مُقَدّمَة} .
تشْتَمل على سِتَّة وَأَرْبَعين فصلا، وعَلى ثَلَاثِينَ فَائِدَة، وعَلى ثَلَاثَة عشر تَنْبِيها، وخاتمة، وَفرع، وتتمة.
{وأبواب} .
عدتهَا ثَمَانِيَة عشر بَابا، وَهِي: بَاب الْكتاب، بَاب السّنة، / بَاب
الْإِجْمَاع، بَاب الْأَمر، بَاب النَّهْي، بَاب الْعَام وَالْخَاص، بَاب التَّخْصِيص، بَاب الْمُطلق والمقيد، بَاب الْمُجْمل، بَاب الْمُبين، بَاب الظَّاهِر والتأويل، بَاب الْمَنْطُوق وَالْمَفْهُوم، بَاب النّسخ، بَاب الْقيَاس، بَاب الِاسْتِدْلَال، بَاب الِاجْتِهَاد، بَاب التَّقْلِيد، بَاب تَرْتِيب الْأَدِلَّة والتعادل والتعارض وَالتَّرْجِيح.
وَهَذِه الْأَبْوَاب {مُشْتَمِلَة على فُصُول وفوائد} وتنابيه وَفِي بَعْضهَا خَاتِمَة وتذنيب.
وَيَأْتِي حد التذنيب آخر الْكتاب.
والفصول جمع فصل، كفروع جمع فرع، وأصول جمع أصل، وَهُوَ لُغَة: الحجز بَين شَيْئَيْنِ، وَمِنْه: فصل الرّبيع؛ لِأَنَّهُ يحجز بَين الشتَاء والصيف، وَهُوَ فِي كتب الْعلم كَذَلِك؛ لِأَنَّهُ يحجز بَين أَجنَاس الْمسَائِل وأنواعها، لكنه فِي كتَابنَا: الحجز بَين أَنْوَاع الْمسَائِل.
والفوائد: جمع فَائِدَة، وَهِي فِي الأَصْل: الزِّيَادَة تحصل للْإنْسَان، وَهِي اسْم فَاعل من قَوْلك: فادت لَهُ فَائِدَة فيداً من بَاب بَاعَ، وأفدته مَالا إِفَادَة: أَعْطيته، وأفدت مِنْهُ مَالا: أَخَذته، وَفَائِدَة الْعلم وَالْأَدب من هَذَا.
قَوْله: {وتنابيه} .
جمع تَنْبِيه، مثل: تَعْلِيل وتعاليل، وَهُوَ تذكير شَيْء غفل عَنهُ الْمُخَاطب
أَو السَّامع أَو الْقَارئ أَو الْمطَالع.
والخاتمة: وَهِي آخر الشَّيْء، وَهِي فِي كتب الْفِقْه وَالْأُصُول وَنَحْوه: آخِرَة الشَّيْء الَّذِي قبلهَا من الْأَبْوَاب وَنَحْوهَا.
والتذنيب يَأْتِي بَيَانه آخر بَاب التَّقْلِيد، فَإِنِّي ذكرته هُنَاكَ.
فالمقدمة فِي تَعْرِيف هَذَا الْعلم، وَفَائِدَته، واستمداده، وَمَا يتَّصل بذلك من مُقَدمَات ولواحق، كالدليل، وَالنَّظَر، والإدراك، وَالْعلم، وَالْعقل، وَالْحَد، واللغة ومسائلها وأحكامها، وَأَحْكَام خطاب الشَّرْع، وخطاب الْوَضع، وَمَا يتَعَلَّق بهما، وَغير ذَلِك.
فمقدمة الْكتاب فِي غير الْمنطق: مَا يذكر فِيهِ قبل / الشُّرُوع فِي الْمَقْصُود لارتباطها بِهِ.
قَالَ التَّفْتَازَانِيّ: (يُقَال: مُقَدّمَة الْعلم: لما يتَوَقَّف عَلَيْهِ مسَائِله، - كمعرفة حُدُوده وغايته وموضوعه - ومقدمة الْكتاب: لطائفة من كَلَامه قدمت أَمَام الْمَقْصُود؛ لارتباط لَهُ بهَا وانتفاع بهَا فِيهِ - سَوَاء توقف عَلَيْهَا أم لَا -.
قَالَ: وَالْفرق بَينهمَا مِمَّا خَفِي على كثير من النَّاس) انْتهى.
وَهِي بِكَسْر الدَّال - على الْمَشْهُور -: كَلَام مقدم أَمَام الْمَقْصُود لتوقفه
عَلَيْهِ وانتفاعه بِهِ بِوَجْه، كمقدمة الْجَيْش وَهِي طَائِفَة تتقدمه، وَهِي من قدم بِمَعْنى تقدم، لقَوْله تَعَالَى:{لَا تقدمُوا بَين يَدي الله وَرَسُوله} [الحجرات: 1]، أَي: لَا تتقدموا.
وَقد تفتح الدَّال؛ لِأَن صَاحب الْكَلَام أَو أَمِير الْجَيْش قدمهَا، أَو لِأَنَّهَا مشبهة لمقدمة الرحل، وَهِي أَمَام الرَّاكِب، مُقَابلَة لمؤخره، وَهِي مَا وَرَاءه.
قَالَ السُّبْكِيّ: (وَهِي أشهر) ، وَاخْتَارَ أَبُو حَيَّان الْفَتْح وَمنع الْكسر.
وَاقْتصر جمَاعَة على الْكسر، وَالْحق جَوَاز الْوَجْهَيْنِ بالاعتبارين.
وَهَذِه الْمَادَّة ترجع تراكيبها إِلَى معنى الأولية، فمقدمة الْكتاب أَوله، وَهِي فِي الأَصْل صفة ثمَّ استعملوها اسْما لكل مَا وجد فِيهِ التَّقْدِيم، كمقدمة الْجَيْش، وَالْكتاب، ومقدمة الدَّلِيل، وَالْقِيَاس، وَهِي الْقَضِيَّة الَّتِي تنْتج ذَلِك مَعَ قَضِيَّة أُخْرَى، نَحْو: كل مُسكر خمر وكل خمر حرَام، وَنَحْو ذَلِك: كل وضوء عبَادَة وكل عبَادَة تشْتَرط لَهَا النِّيَّة، والعالم مؤلف وكل مؤلف مُحدث، وَنَحْو ذَلِك.