الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَوْله: {فصل}
{الْحَد لُغَة: الْمَنْع، وَاصْطِلَاحا: الْوَصْف الْمُحِيط بِمَعْنَاهُ الْمُمَيز لَهُ عَن غَيره} .
الْحَد لَهُ مَعْنيانِ: معنى فِي اللُّغَة، وَمعنى فِي الِاصْطِلَاح.
فَمَعْنَاه فِي اللُّغَة: الْمَنْع، وَلذَلِك سمي البواب حداداً؛ لِأَنَّهُ يمْنَع من دُخُول الدَّار، وَسمي السجان حداداً؛ لمَنعه المعتقل من الْخُرُوج من السجْن، وَسميت الْحُدُود حدوداً، لِأَنَّهَا تمنع من الْعود، وَمِنْه: إحداد الْمَرْأَة فِي عدتهَا لِأَنَّهَا مَمْنُوعَة من الطّيب والزينة، وَسمي الْحَدِيد حديداً؛ لما فِيهِ من الْمَنْع
لِامْتِنَاع حامله، ولابسه، وَسمي التَّعْرِيف حدا؛ لمَنعه الدَّاخِل من الْخُرُوج، وَالْخَارِج من الدُّخُول.
وَمَعْنَاهُ فِي الِاصْطِلَاح - أَي: حَده فِي الِاصْطِلَاح -: (الْوَصْف الْمُحِيط بِمَعْنَاهُ، الْمُمَيز لَهُ عَن غَيره) . قَالَه العسقالني سارح الطوفي. قَالَ القَاضِي عضد الدّين فِي " شرح الْمُخْتَصر ": (الْحَد عَن الْأُصُولِيِّينَ مَا يمييز الشَّيْء عَن غَيره) قَالَ الْغَزالِيّ: (قيل: حد الشَّيْء نَفسه وذاته، وَقيل: هُوَ اللَّفْظ الْمُفَسّر لمعناه على وَجه يجمع وَيمْنَع) انْتهى.
وَقيل: (هُوَ شرح مَا دلّ عَلَيْهِ اللَّفْظ بطرِيق الْإِجْمَال) .
وَقدم فِي " نِهَايَة المبتدئين ": (أَنه قَول يكْشف حَقِيقَة الْمَحْدُود) وَذكر ثَمَانِيَة / أَقْوَال فِيهِ.
قَوْله: {وَهُوَ أصل كل علم، قَالَه الْفَخر} .
قَالَ الْفَخر إِسْمَاعِيل أَبُو مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ - من أَصْحَابنَا -: (الْحَد على الْحَقِيقَة أصل كل علم، فَمن لَا يُحِيط بِهِ علما لَا ثِقَة لَهُ بِمَا عِنْده) . انْتهى.
وَقَالَهُ غَيره، وَهُوَ صَحِيح.
وَحَقِيقَة الانعكاس هُنَا: كلما وجد الْمَحْدُود وجد الْحَد، فَإِنَّهُ عكس الاطراد، وَهُوَ: كلما وجد الْحَد وجد الْمَحْدُود، وَيلْزمهُ: كلما انْتَفَى الْحَد انْتَفَى الْمَحْدُود، فَإِنَّهُ إِذا وجد الْمَحْدُود وجد الْحَد، فَإِذا انْتَفَى انْتَفَى، صرح بِهِ القَاضِي عضد الدّين، وَغَيره، وَهُوَ وَاضح.
وَفَسرهُ ابْن الْحَاجِب وَغَيره بلازمه، فَقَالَ:(المنعكس كلما انْتَفَى الْحَد انْتَفَى الْمَحْدُود) ، وَالتَّحْقِيق الأول.
وَتجب مُسَاوَاة الْحَد للمحدود، لِأَنَّهُ إِن كَانَ أَعم فَلَا دلَالَة لَهُ على الْأَخَص، وَلَا يُفِيد التَّمْيِيز، وَإِن كَانَ أخص، فَلِأَنَّهُ أخْفى، لِأَنَّهُ أقل وجودا مِنْهُ.
وَكَون الْمَانِع تَفْسِيرا للمطرد، وَالْجَامِع تَفْسِيرا للمنعكس - كَمَا قُلْنَا - هُوَ الصَّحِيح عِنْدهم، وَعَلِيهِ الْأَكْثَر من أَصْحَابنَا.
{وَعكس الْقَرَافِيّ، وَغَيره} .
وَهُوَ: أَبُو عَليّ التَّمِيمِي فِي " التَّذْكِرَة " فِي أصُول الدّين، والطوفي فِي " شَرحه "، فَقَالُوا:(كَونه مطرداً هُوَ الْجَامِع، وَكَونه منعكساً هُوَ الْمَانِع) .
قَالَ الْأَكْثَر: لَا يجوز أَن يدْخل لفظ الْحَد الْمجَاز، وَقَالَ الْغَزالِيّ: يجوز إِذا عرف بالقرائن؛ لحُصُول الْبَيَان بهَا.
وَكَذَا لَا يجوز أَن يدْخل لفظ الْحَد الْمُشْتَرك عِنْد الْأَكْثَر، وَاخْتَارَ الْقَرَافِيّ الْجَوَاز إِذا وجدت قَرَائِن تدل عَلَيْهِ، وَمَا هما بِبَعِيد.
الْحَد يَنْقَسِم إِلَى خَمْسَة أَقسَام: أَحدهَا: حَقِيقِيّ تَامّ - وَهُوَ الأَصْل - وَذَلِكَ إِن أنبأ عَن ذاتيات الْمَحْدُود الْكُلية المركبة، كَقَوْلِنَا: مَا الْإِنْسَان؟
فَيُقَال: حَيَوَان نَاطِق، وَهَذَا وَشبهه لَيْسَ لَهُ إِلَّا حد وَاحِد؛ لِأَن ذَات الشَّيْء لَا يكون لَهُ حدان.
لَا يُقَال: جَمِيع ذاتيات الشَّيْء عين الشَّيْء، وَالشَّيْء لَا يُفَسر نَفسه؟
لأَنا نقُول: دلَالَة الْمَحْدُود من حَيْثُ الْإِجْمَال، وَدلَالَة الْحَد من حَيْثُ التَّفْصِيل، فَلَيْسَ عينه من كل وَجه، فصح تَعْرِيفه بِهِ، وَلذَلِك لم يَجْعَل اللفظان مترادفين - على الْمُرَجح، على مَا يَأْتِي - إِلَّا إِذا كَانَ الْحَد لفظياً.
الثَّانِي: حَقِيقِيّ نَاقص لَهُ صُورَتَانِ:
الأولى: أَن يكون بفصل قريب فَقَط، كَقَوْلِنَا: مَا الْإِنْسَان؟ فَيُقَال: النَّاطِق.
الثَّانِيَة: أَن يكون بفصل قريب مَعَ جنس بعيد، كَقَوْلِنَا فِي جَوَاب مَا الْإِنْسَان؟ جسم نَاطِق.
الثَّالِث: رسمي تَامّ.
الرَّابِع: رسمي نَاقص.
وَذَلِكَ إِن أنبأ بِلَازِم مُخْتَصّ بِهِ؟
فالتام مِنْهُ: أَن يُؤْتى بذلك اللَّازِم مَعَ الْجِنْس الْقَرِيب، ك (الْإِنْسَان حَيَوَان ضَاحِك) .
والناقص مِنْهُ: أَن يُؤْتِي بِتِلْكَ الْخَاصَّة وَحدهَا، أَو مَعَ الْجِنْس الْبعيد، وَله صُورَتَانِ أَيْضا، كالإنسان ضَاحِك، أَو جسم ضَاحِك.
الْخَامِس: اللَّفْظِيّ: أَن يُؤْتى بِلَفْظ مرادف لَكِن هُوَ أشهر عِنْد السَّامع من الْمَحْدُود، كَقَوْلِه: مَا الخندريس؟ فَيُقَال: الْخمر أَو نَحْو ذَلِك.
قَوْله: {وَيرد عَلَيْهِ: النَّقْض، والمعارضة} .
يرد على الْحَد: النَّقْض، والمعارضة، عِنْد الْأَكْثَر.
قَالَ الْقَرَافِيّ فِي " شرح التَّنْقِيح ": (فَإِن قلت: إِذا لم يُطَالب على صِحَة الْحَد بِالدَّلِيلِ وَنحن نعتقد بُطْلَانه، فَكيف الْحِيلَة فِي ذَلِك؟
قلت: الطَّرِيق فِي ذَلِك أَمْرَانِ، أَحدهمَا: النقيض، كَمَا لَو قَالَ: الْإِنْسَان عبارَة عَن الْحَيَوَان، فَيُقَال: ينْتَقض عَلَيْك بالفرس، فَإِنَّهُ حَيَوَان مَعَ أَنه لَيْسَ بِإِنْسَان.
وَثَانِيهمَا: الْمُعَارضَة كَمَا لَو قَالَ: الْغَاصِب من الْغَاصِب / يضمن لِأَنَّهُ غَاصِب، أَو ولد الْمَغْصُوب مَضْمُون لِأَنَّهُ مَغْصُوب، لِأَن حد الْغَاصِب: من وضع يَده بِغَيْر حق، وَهَذَا وضع يَده بِغَيْر حق، فَيكون غَاصبا.
فَيَقُول الْخصم: أعارض هَذَا الْحَد بِحَدّ آخر، وَهُوَ: أَن حد الْغَاصِب من رفع الْيَد المحقة وَوضع الْيَد المبطلة، وَهَذَا لم يرفع الْيَد المحقة فَلَا يكون غَاصبا) انْتهى.
فقد ورد عَلَيْهِ النَّقْض والمعارضة.
وَقيل: لَا تقبل الْمُعَارضَة فِيهِ؛ لشعورها بِصِحَّة الْمعَارض، وَلَيْسَ لوَاحِد حدان، فأحدهما حق، وَلم يبْق سوى النَّقْض.
قَوْله: {لَا الْمَنْع فِي الْأَصَح} .
يَعْنِي: أَن الْمَنْع هَل يرد على الْحَد أم لَا؟ فِيهِ قَولَانِ.
أَحدهمَا: يرد، لِأَن الْحَد دَعْوَى فَيمْنَع كَغَيْرِهِ، وَالأَصَح عدم الْوُرُود، وَمَا قيل بِالْجَوَازِ فخطأ، لعدم الْفَائِدَة غَالِبا، وَلِهَذَا لَا يجوز منع النَّقْل لتكذيب النَّاقِل وَبعده من الْفَائِدَة، وَلِأَنَّهُ لَا يُمكن إثْبَاته إِلَّا بالبرهان، وهما [مقدمتان] كل مِنْهُمَا مفردان، فطالب الْحَد يطْلب تصور كل مُفْرد، فَإِذا أَتَى المسؤول بحده وَمنع، احْتَاجَ فِي إثْبَاته إِلَى مثل الأول، وتسلسل، ثمَّ الجدل اصْطِلَاح يجب الرُّجُوع إِلَى أربابه.