الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تحيضي سِتا أَو سبعا، وَهُوَ مَعْلُوم الله تَعَالَى.
السَّابِع عشر: اعْتِبَار وصف زائل، كإطلاق العَبْد على الْعَتِيق.
تَنْبِيه: قَوْله تَعَالَى: {وأورثكم أَرضهم وديارهم وَأَمْوَالهمْ} [الْأَحْزَاب: 27] ، من هَذَا الْقَبِيل عِنْد الْأَكْثَر، فَإِنَّهَا قبل إرثنا لَهَا كَانَت أَرضهم وديارهم وَأَمْوَالهمْ، خلافًا للشَّيْخ تَقِيّ الدّين.
وَمثله قَوْله تَعَالَى: {وَلكم نصف مَا ترك أزواجكم} [النِّسَاء: 12] ، فَإِنَّهَا زَوْجَة بِاعْتِبَار مَا كَانَ.
وَقَوله صلى الله عليه وسلم َ -: "
أَيّمَا رجل وجد مَاله عِنْد رجل قد أفلس فَصَاحب الْمَتَاع أَحَق بمتاعه "، قَالَ القَاضِي
…
...
…
...
…
...
…
...
…
...
…
وَغَيره: (أَي: الَّذِي كَانَ صَاحب الْمَتَاع، [وَالَّتِي كَانَت] أَرضهم، واللاتي كن أَزْوَاجًا، وَهُوَ مجَاز مُسْتَعْمل يجْرِي مجْرى الْحَقِيقَة، وَمِنْه قَوْلهم: درب فلَان، وَقَطِيعَة فلَان، ونهر فلَان) انْتهى.
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: (وَالصَّوَاب أَن هَذَا حَقِيقَة؛ لِأَن الْإِضَافَة يَكْفِي فِيهَا أدنى مُلَابسَة، لَكِن قد يكون عِنْد الْإِطْلَاق لَهُ معنى، وَعند الاقتران بِلَفْظ آخر لَهُ معنى، فَيرجع [إِلَى أَن] الْقَرِينَة اللفظية الدَّالَّة بِالْوَضْعِ، هَل يكون مَا اقْترن بهَا دَالا بِالْحَقِيقَةِ أَو الْمجَاز؟ وَالصَّوَاب الْمَقْطُوع بِهِ: أَنه حَقِيقَة، وَإِن كَانَ طَائِفَة من أَصْحَابنَا وَغَيرهم قَالُوا: إِنَّه مجَاز) انْتهى.
قَوْله: بِشَرْط أَن لَا يكون متلبساً الْآن بضده.
فَلَا يُقَال للشَّيْخ: طِفْل بِاعْتِبَار مَا كَانَ، وَلَا [للثوب] الْمَصْبُوغ: أَبيض بِاعْتِبَار مَا كَانَ، وَلَا لمن أسلم: كَافِر بِاعْتِبَار مَا كَانَ، وَكَأَنَّهُم يُرِيدُونَ بذلك: أَنه لَا يطْرَأ وصف وجودي محسوس قَائِم بِهِ، وَإِلَّا فَمَا الْفرق بَين ذَلِك وَبَين تَسْمِيَة الْعَتِيق عبدا بِاعْتِبَار مَا كَانَ؟ وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا يَخْلُو ذَلِك كُله من نظر قَالَه الْبرمَاوِيّ.
الثَّامِن عشر: إِطْلَاقه بِاعْتِبَار مَا يؤول بِنَفسِهِ، ليخرج: أَن العَبْد لَا يُطلق عَلَيْهِ حر بِاعْتِبَار مَا يؤول إِلَيْهِ.
وَقَوله: قطعا [أَو ظنا] .
إِشَارَة: إِلَى اعْتِبَار كَون الْمَآل مَقْطُوعًا بِوُجُودِهِ، نَحْو:{إِنَّك ميت وَإِنَّهُم ميتون} [الزمر: 30] ، / أَو غَالِبا، كتسمية الْعصير خمرًا، فَإِن الْغَالِب إِذا بَقِي أَن يَنْقَلِب خمرًا إِلَّا مَا كَانَ نَادرا، أَو مُحْتملا على السوَاء، فَلذَلِك ضعف أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيَّة حمل الْحَنَفِيَّة " فنكاحها بَاطِل "، على أَن المُرَاد: يؤول إِلَى إِلَى الْبطلَان، لكَون الْوَلِيّ قد يردهُ ويفسخه، فَإِن ذَلِك لَيْسَ قَطْعِيا وَلَا غَالِبا، وَيَأْتِي.
وَقَوله: بِفعل أَو قُوَّة، فالفعل: كإطلاق الْخمر على الْعِنَب، وَالْقُوَّة: كإطلاق الْمُسكر على الْخمر.
التَّاسِع عشر: الزِّيَادَة، كَقَوْلِه تَعَالَى:{لَيْسَ كمثله شَيْء} [الشورى: 11]، فالكاف زَائِدَة: أَي: لَيْسَ مثله شَيْء، وَقيل: الزَّائِد مثل، أَي: لَيْسَ كَهُوَ شَيْء، وَإِنَّمَا حكم بِزِيَادَة أَحدهمَا؛ لِئَلَّا يلْزم أَن يكون لله تَعَالَى مثل وَهُوَ منزه عَن ذَلِك، لِأَن نفي مثل الْمثل يَقْتَضِي ثُبُوت مثل، وَهُوَ محَال، أَو يلْزم نفي الذَّات، لِأَن مثل مثل الشَّيْء هُوَ ذَلِك الشَّيْء، وثبوته وَاجِب، فَتعين أَن [المُرَاد نفي الْمثل] وَذَلِكَ: إِمَّا بِزِيَادَة الْكَاف، أَو مثل.
وَقَالَ ابْن جني: (كل حرف زيد فِي الْكَلَام الْعَرَبِيّ، فَهُوَ قَائِم مقَام إِعَادَة الْجُمْلَة مرّة أُخْرَى) .
فَيكون معنى الْآيَة: (لَيْسَ مثله شَيْء) مرَّتَيْنِ للتَّأْكِيد.
وَقد ادّعى كثير من الْعلمَاء عدم الزِّيَادَة، والتخلص من الْمَحْذُور بِغَيْر ذَلِك، وَلَا سِيمَا على القَوْل بِأَنَّهُ لَا يُطلق فِي الْقرَان وَلَا فِي السّنة زَائِد، وَذَلِكَ من وُجُوه:
أَحدهَا: أَن سلب الْمَعْنى عَن الْمَعْدُوم جَائِز، كسلب الْكِتَابَة عَن ابْن فلَان الَّذِي هُوَ مَعْدُوم، وَلَا يلْزم من نفي الْمثل عَن الْمثل ثُبُوت الْمثل.
الثَّانِي: أَن المُرَاد هُنَا بِلَفْظ الْمثل: الصّفة، كالمثل - بِفتْحَتَيْنِ - كَمَا قَالَ تَعَالَى:{مثل الْجنَّة الَّتِي وعد المتقون} [الرَّعْد: 35، وَمُحَمّد: 15]، فالتقدير: لَيْسَ كصفته.
قَالَ الرَّاغِب: (الْمثل هُنَا بِمَعْنى الصّفة، وَمَعْنَاهُ: لَيْسَ كصفته صفة) .
قَالَ فِي " الْبَدْر الْمُنِير ": (مثل يُوصف بِهِ الْمُذكر والمؤنث وَالْجمع، وَخرج بَعضهم على هَذَا قَوْله تَعَالَى: {لَيْسَ كمثله شَيْء} [الشورى: 11] ، أَي: لَيْسَ كوصفه، وَقَالَ: هُوَ أولى من القَوْل بزيادتها، لِأَنَّهَا / على خلاف الأَصْل) انْتهى.
الثَّالِث: أَن المُرَاد بِمثل: ذَات، كَقَوْلِك: مثلك لَا يبخل، أَي: أَنْت لَا تبخل، قَالَ الشَّاعِر:
(وَلم أقل مثلك أَعنِي بِهِ
…
غَيْرك يَا فَردا بِلَا مشبه)
وَقَوله:
(أَيهَا العاذل دَعْنِي من عذلك
…
مثلي لَا يصغى إِلَى مثلك}
وَقد قَالَ تَعَالَى: {فَإِن ءامنوا بِمثل مَا ءامنتم بِهِ فقد اهتدوا} [الْبَقَرَة: 137]، أَي: بِالَّذِي آمنتم بِهِ، لِأَن إِيمَانهم لَا مثل لَهُ، وَهَذَا اخْتَارَهُ ابْن عبد السَّلَام، فالتقدير فِي الْآيَة: لَيْسَ كذاته شَيْء، بل هَذَا النَّوْع من الْكِنَايَة أبلغ من الصَّرِيح: لتَضَمّنه إِثْبَات الشَّيْء بدليله.
قَالَ فِي " الْبَدْر الْمُنِير ": (وَقيل: الْمَعْنى لَيْسَ كذاته شَيْء، كَمَا يُقَال: مثلك من يعرف الْجَمِيل، وَمثلك لَا يفعل كَذَا، أَي: أَنْت تكون كَذَا، وَعَلِيهِ قَوْله تَعَالَى: {كمن مثله فِي الظُّلُمَات} [الْأَنْعَام: 122] ) .
الرَّابِع: أَنه لَو فرض لشَيْء مثل، وَلذَلِك الْمثل مثل، كَانَ كِلَاهُمَا مثلا
للْأَصْل، فَيلْزم من نفي مثل الْمثل، نفيهما مَعًا، وَيبقى الْمَسْكُوت عَنهُ، وَذَلِكَ بِالضَّرُورَةِ، لِأَنَّهُ الْمَوْضُوع، وكل مِنْهُمَا مُقَدّر مثليته، وَقد نفيا عَنهُ.
قَالَ شرف الدّين ابْن أبي الْفضل: (اجْعَل الْكَاف أَصْلِيَّة وَلَا يلْزم مَحْذُور، قَالَ: لِأَن نفي الْمثل لَهُ طَرِيقَانِ: إِمَّا بِنَفْي الشَّيْء، أَو بِنَفْي لَازمه، وَيلْزم من نفي اللَّازِم نفي الْمَلْزُوم، وَمن لَوَازِم الْمثل أَن لَهُ مثلا، فَإِذا نَفينَا مثل الْمثل انْتَفَى لَازم الْمثل، فَيَنْتَفِي الْمثل لنفي لَازمه) .
الْخَامِس: قَالَه يحيى بن إِبْرَاهِيم [السلماسي] فِي كتاب " الْعدْل فِي
منَازِل الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة ": (إِن الْكَاف لتسبيه الصِّفَات، وَمثل لتشبيه الذوات، فنفى الشبيهين كليهمَا عَن نَفسه تَعَالَى، فَقَالَ "{لَيْسَ كمثله شَيْء} [الشورى: 11]، أَي: لَيْسَ لَهُ مثل، وَلَا كَهُوَ شَيْء) انْتهى.
وَقَالَ ابْن هُبَيْرَة من أَصْحَابنَا: (آلتا التَّشْبِيه فِي كَلَام الْعَرَب: الْكَاف وَمثل، تَقول: هَذَا مثل هَذَا، وَهَذَا كَهَذا، فَجمع الْحق سبحانه وتعالى / آلتي التَّشْبِيه، وَنفى عَنهُ بهما الشّبَه) .
تَنْبِيه: قَالَ القَاضِي عبد الْوَهَّاب الْمَالِكِي: (قَالَ الْجُمْهُور: الْكَلَام يصير بِالزِّيَادَةِ مجَازًا، وَقيل: إِن نفس الزِّيَادَة هِيَ الْمجَاز دون سَائِر الْكَلِمَات؛ لِأَن الْكَاف - مثلا - مستعملة فِي غير موضوعها، وَأما الْمثل فمستعمل فِي مَوْضُوعه، وَالصَّحِيح الأول) .
الْعشْرُونَ: علاقَة النُّقْصَان، أَن ينقص لفظ من الْمركب وَيكون كالموجود للافتقار، سَوَاء كَانَ مُفردا أَو مركبا، جملَة أَو غَيرهَا، كَقَوْلِه تَعَالَى:{إِنَّمَا جزاؤا الَّذين يُحَاربُونَ الله} [الْمَائِدَة: 33]، أَي: يُحَاربُونَ عباد الله وَأهل دينه، وَمثله:{فقبضت قَبْضَة من أثر الرَّسُول} طه: 96] ، أَي: من أثر حافر فرس الرَّسُول، وَبِه قرئَ شاذاً، وَمثله:{فَمن كَانَ مِنْكُم مَرِيضا أَو على سفر فَعدَّة من أَيَّام أخر} [الْبَقَرَة: 184]، أَي: فَأفْطر، وَمثل:{وَسُئِلَ الْقرْيَة} [يُوسُف: 82] ، واسأل العير، و {وَاشْرَبُوا فِي قُلُوبهم الْعجل} [الْبَقَرَة: 93] ، أَي: حبه. فاسأل الْقرْيَة من مجَاز النُّقْصَان عِنْد الْأَكْثَر، هَذَا إِذا لم نجْعَل الْقرْيَة اسْما للنَّاس المجتمعين بهَا، من قَرَأت الشَّيْء: جمعته، أَو الْقرْيَة مُشْتَركَة بَين الْأَبْنِيَة والمجتمعين بهَا وَأُرِيد الثَّانِي، أَو أَن نجْعَل الْمجَاز فِيهِ من إِطْلَاق الْمحل على الْحَال، أَو المُرَاد سُؤال الْأَبْنِيَة لتجيب وَيكون ذَلِك معْجزَة، والأرجح الأول، وَنَصّ عَلَيْهِ الشَّافِعِي فِي " الرسَالَة ".
الْحَادِي وَالْعشْرُونَ: علاقَة المشابهة بالشكل، كالأسد على مَا هُوَ بشكله من مجسد أَو منقوش، وَرُبمَا وجدت العلاقتان، {فَأخْرج لَهُم عجلاً جسداً لَهُ خوار} [طه: 88] .
الثَّانِي وَالْعشْرُونَ: علاقَة المشابهة فِي معنى، كالأسد للشجاع، بِشَرْط أَن يكون صفة ظَاهِرَة لَا خُفْيَة، ليخرج إِطْلَاق الْأسد على الأبخر، لِأَن البخر فِيهِ خَفِي.
الثَّالِث وَالْعشْرُونَ: علاقَة المضادة، بِأَن يُطلق اسْم الضِّدّ على الضِّدّ، كإطلاق الْبَصِير على الْأَعْمَى، وَأكْثر مَا تقع هَذِه العلاقة عِنْد التقابل، نَحْو:{وجزاؤا سَيِّئَة سَيِّئَة مثلهَا} [الشورى: 40]، {فاعتدوا عَلَيْهِ بِمثل مَا اعْتدى عَلَيْكُم} [الْبَقَرَة: 194] ، {ومكروا ومكر الله} [آل عمرَان: 54] ، " لَا يمل الله حَتَّى تملوا ".
قَالَ الْإِسْنَوِيّ: (الأولى: التَّمْثِيل بالمفازة / للبرية الْمهْلكَة) .
قَالَ القَاضِي أَبُو يعلى: (كإطلاقهم السَّلِيم على اللديغ، والمفازة على الْمهْلكَة) .
الرَّابِع وَالْعشْرُونَ: علاقَة الْمُجَاورَة، وَهِي تَسْمِيَة الشَّيْء بِمَا جاوره، كإطلاق لفظ الرِّوَايَة على ظرف المَاء، وَإِنَّمَا هِيَ فِي الأَصْل للبعير، وَمِنْه: جرى النَّهر، وسال الْمِيزَاب، و {تجرى من تحتهَا الْأَنْهَار} [الْبَقَرَة: 25، وَالْبَيِّنَة: 8] ، إِذا لم يَجْعَل من مجَاز الْحَذف، أَي: مَاء الْمِيزَاب، أَو مَاء النَّهر.
قَوْله: (وَنَحْوه) .
أَي: وَنَحْو مَا ذكرنَا من العلاقة مِمَّا لم نذكرهُ، وَقد ذكر غير ذَلِك أَشْيَاء كَثِيرَة، نَحن ذاكروا بَعْضهَا.
مِنْهَا: إِطْلَاق الْمُنكر وَإِرَادَة الْمُعَرّف، كَقَوْلِه تَعَالَى:{إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تذبحوا بقرة} [الْبَقَرَة: 67] ، إِن كَانَ المُرَاد بهَا مُعينَة، وَقد يُقَال: إِن الْمُعَرّف جزئي للْمُنكر، وَإِطْلَاق الْكُلِّي على الجزئي حَقِيقَة لَا مجَاز.
وَمِنْهَا: عَكسه، وَهُوَ إِطْلَاق الْمُعَرّف وَإِرَادَة الْمُنكر، كَقَوْلِه تَعَالَى:{ادخُلُوا الْبَاب سجدا} [النِّسَاء: 154]، إِن قُلْنَا: الْمَأْمُور دُخُول أَي بَاب كَانَ،
وَقد يُقَال: إِذا كَانَت اللَّام فِيهِ للْجِنْس، كَانَ المُرَاد ذَلِك، وَكَون اللَّام للْجِنْس حَقِيقَة.
وَمِنْهَا: إِطْلَاق الِاسْم الْمُقَيد على الْمُطلق، كَقَوْل القَاضِي شُرَيْح:(أَصبَحت وَنصف النَّاس عَليّ غَضْبَان)، المُرَاد: مُطلق الْبَعْض، لَا خُصُوص النّصْف، لِأَن النَّاس بَين مَحْكُوم عَلَيْهِ ومحكوم لَهُ، وَنَحْوه قَول الشَّاعِر:
(إِذا مت كَانَ النَّاس صنفان
…
)
وَمِنْهَا: عَكسه، وَهُوَ: إِطْلَاق الْمُطلق على الْمُقَيد، كَقَوْلِه تَعَالَى:{فَتَحْرِير رَقَبَة} [المجادلة: 3] ، عِنْد من يرى أَن المُرَاد بهَا مُؤمنَة، وَقد يُقَال: إِن التَّقْدِير: رَقَبَة مُؤمنَة، فحذفت الصّفة، فَيكون من مجَاز الْحَذف.
وَمِنْهَا: تَسْمِيَة الْبَدَل باسم الْمُبدل، كتسمية الدِّيَة دَمًا، كَقَوْلِه صلى الله عليه وسلم َ -:" أتحلفون وتستحقون دم صَاحبكُم "، وَقد يُقَال: إِنَّه من مجَاز الْحَذف، أَي: بدل دَمه.
وَمِنْهَا: الْمَدْح فِي صُورَة / الذَّم، وَعَكسه، نَحْو:(مَا أشعره قَاتله الله)، وَنَحْو قَوْله تَعَالَى:{ذُقْ إِنَّك أَنْت الْعَزِيز الْكَرِيم} [الدُّخان: 49] ، وَيُمكن دخولهما تَحت مجَاز المضادة تمليحاً أَو تهكماً.
وَمِنْهَا: الِاسْتِثْنَاء الْمُنْقَطع من غير الْجِنْس، وَقد يُقَال: إِنَّه بتأويله بِدُخُولِهِ تَحت الْجِنْس يكون من مجَاز المشابهة أَو نَحوه، وَيَأْتِي.
وَمِنْهَا: وُرُود الْأَمر بِصُورَة الْخَبَر، وَعَكسه، نَحْو:{والوالدات يرضعن أَوْلَادهنَّ} [الْبَقَرَة: 233]، وَقَوله تَعَالَى:{أسمع بهم وَأبْصر} [مَرْيَم: 38]، وَقد يُقَال: إِن ذَلِك من الْمُبَالغَة والمضادة، بتنزيله منزلَة الَّذِي اسْتعْمل فِيهِ حَقِيقَة بِسَبَب اعْتِقَاده.
وَمِنْهَا: وُرُود الْوَاجِب أَو الْمحَال فِي صُورَة الْمُمكن، كَقَوْلِه تَعَالَى:{عَسى أَن يَبْعَثك رَبك مقَاما مَحْمُودًا} [الْإِسْرَاء: 79]، وَقد يُقَال: إِنَّه لَا يخرج عَن إِطْلَاق الْمَلْزُوم [على] اللَّام لتعذر الْحَقِيقَة.
وَمِنْهَا: التَّقَدُّم والتأخر، كَقَوْلِه تَعَالَى:{وَالَّذِي أخرج المرعى فَجعله غثاء أحوى} [الْأَعْلَى: 4 - 5]، والغثاء: مَا احتمله السَّيْل من الْحَشِيش، والأحوى: الشَّديد الخضرة، وَذَلِكَ سَابق فِي الْوُجُود، ويكمن أَن يدعى أَنه من التَّجَوُّز بِمَا كَانَ عَلَيْهِ.
وَمِنْهَا: إِضَافَة الشَّيْء إِلَى مَا لَيْسَ لَهُ، نَحْو:{بل مكر اللَّيْل وَالنَّهَار} [سبأ: 33] ، وَقد يدعى أَن الْإِضَافَة أدنى مُلَابسَة، فَلم تخرج عَن كَونهَا حَقِيقَة،
وَقد يُقَال: إِن هَذَا من بَاب التشكيك على الْمُخَاطب، فَلم يخرج عَن كَونه حَقِيقَة.
وَمِنْهَا: إِيرَاد الْمَعْلُوم مساق الْمَجْهُول، وَرُبمَا عبر عَنهُ: بتجاهل الْعَارِف، إِذا كَانَ فِي غير كَلَام الله، ومثلوا بِنَحْوِ:{وَإِنَّا أَو إيَّاكُمْ لعلى هدى أَو فِي ضلال مُبين} [سبأ: 24] .
فَهَذِهِ اثْنَتَا عشرَة صُورَة ادعِي فِيهَا أَنَّهَا من الْمجَاز، وفيهَا مِمَّا تقدم.
فَائِدَة: يتَفَاوَت الْمجَاز قُوَّة وضعفاً بِحَسب تفَاوت ربط العلاقة بَين مَحل الْمجَاز والحقيقة، وَفِي ذَلِك فَائِدَتَانِ:
إِحْدَاهمَا: أَن الْمجَاز بالمجاورة قد / يكون بِدَرَجَة وَاحِدَة، كالرواية بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْجمل، وَالْغَائِط بِالنِّسْبَةِ إِلَى المطمئن من الأَرْض، وَقد يكون بِأَكْثَرَ من دَرَجَة، كتسميتهم الْغَيْث سَمَاء فِي قَول الشَّاعِر:
(إِذا نزل السَّمَاء بِأَرْض قوم
…
رعيناه وَإِن كَانُوا غضاباً)
أَي: إِذا نزل الْغَيْث، وَفِيه مجازان:
أَحدهمَا: إفرادي بِأَكْثَرَ من دَرَجَة، من جِهَة أَنه سمى الْغَيْث سَمَاء؛ لحصوله عَن المَاء النَّازِل من السَّحَاب المجاور للسماء.
وَالثَّانِي: إسنادي، وَهُوَ وَصفه الْغَيْث بالنزول؛ لحصوله عَن المَاء المتصف بالنزول من الْغَمَام.
الْفَائِدَة الثَّانِيَة: الْمجَاز السببي يكون - أَيْضا - بمراتب، كَقَوْلِه تَعَالَى:{يَا بني ءادم قد أنزلنَا عَلَيْكُم لباساً يواري سوءتكم} [الْأَعْرَاف: 26] ، وَنَفس اللبَاس لم ينزل من السَّمَاء، وَإِنَّمَا أنزل المَاء الَّذِي يكون عَنهُ اللبَاس بوسائط.
مِثَاله: ثِيَاب الْكَتَّان، حَاصِلَة عَن الْكَتَّان، الْحَاصِل عَن بذره النَّابِت فِي الأَرْض، بِالْمَاءِ النَّازِل من السَّمَاء، وَنَحْوه.
وَمن هَذَا قَول الراجز:
(الْحَمد لله المليك الديَّان
…
[صَار] الثَّرِيد فِي رُؤُوس العيدان)
يُرِيد بالثريد: السنبل الَّذِي فِي رُؤُوس الزَّرْع، وَهُوَ مَادَّة الثَّرِيد؛ لِأَن النسبلة يحصد، ثمَّ يدرس، ثمَّ يذرا، ويصفى، ثمَّ يطحن، ثمَّ يخبز، ثمَّ يطْبخ فَيصير ثريداً، فَهَذَا مجَاز بست مَرَاتِب، فَهَذَا وَأَمْثَاله من محَاسِن لُغَة الْعَرَب، وَيَنْبَغِي لمن حاول علم الشَّرِيعَة النّظر والارتياض فِيهِ؛ ليعرف مواقع أَلْفَاظ الْكتاب وَالسّنة وَكَلَام أهل الْعلم، وَالله أعلم.
قَوْله: {وَلَا يشْتَرط النَّقْل فِي الْآحَاد، بل فِي النَّوْع فِي الْأَصَح} .
هَل يَكْتَفِي بِوُجُود العلاقة مُطلقًا، أم لَا بُد من اعْتِبَار الْعَرَب لَهَا، أَي: بِأَن تستعملها فِيهِ؟ مذهبان، حَكَاهُمَا الْآمِدِيّ من غير تَرْجِيح، ويعبر عَنْهَا: بِأَن الْمجَاز هَل هُوَ مَوْضُوع أم لَا؟
أصَحهمَا عِنْد ابْن الْحَاجِب وَغَيره: أَنه لَا يشْتَرط؛ / لِأَن أهل الْعَرَبيَّة لَا يتوقفون على ذَلِك، بل يستعملون مجازات متجددة لم تسمع من أهل اللُّغَة وَلَا يخطئون صَاحبهَا، وَلذَلِك لم يدونوا المجازات تدوينهم الْحَقَائِق.
قَالَ ابْن قَاضِي الْجَبَل: (الْعَرَب وضعت الْمجَاز فِي الْمُفْردَات، وَهل وضعت المركبات؟ على قَوْلَيْنِ: الْجُمْهُور على الْوَضع) انْتهى.
وَاخْتَارَ الرَّازِيّ، وَأَتْبَاعه، وَأَبُو الْمَعَالِي فِي " التَّلْخِيص ": أَنه يشْتَرط؛ لِأَن الْأسد لَهُ صِفَات، وَهِي: الشجَاعَة، والحمى، والبخر،
والجذام، وَمَعَ ذَلِك لَا يجوز إِطْلَاقه لغير الشجَاعَة، وَلَو كَانَت المشابهة كَافِيَة من غير نقل لما امْتنع.
وللخصم أَن يَقُول: المشابهة كَافِيَة فِي صفة ظَاهِرَة، وَهَذِه لَا يتَبَادَر الذِّهْن إِلَيْهَا.
قَالَ الْقَرَافِيّ: (وَالْخلاف إِنَّمَا هُوَ فِي الْأَنْوَاع، لَا فِي جزيئات النَّوْع الْوَاحِد، فالقائل بالاشتراط يَقُول: لابد أَن تضع الْعَرَب نوع التَّجَوُّز) .
وَقَالَ ابْن الْعِرَاقِيّ: (هَل يشْتَرط أَن يكون بَين الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ والمجازي علاقَة اعتبرتها الْعَرَب؟ اجْمَعُوا على أَنه لَا يعْتَبر شخص العلاقة وَأَنه لَا بُد من جِنْسهَا، وَاخْتلفُوا فِي النَّوْع، اخْتَار جمَاعَة اشْتِرَاطه، وَجَمَاعَة [مُقَابلَة] ، فعلى الأول لَا يحْتَاج إِلَى اسْتِعْمَال الْعَرَب) انْتهى.
قَالَ القَاضِي عضد الدّين: (أَقُول: بعد الِاتِّفَاق على وجوب العلاقة فِي الْمجَاز، هَل [يشْتَرط] فِي آحَاد المجازات أَن تنقل بِأَعْيَانِهَا عَن أهل اللُّغَة أم لَا؟ بل يَكْتَفِي بالعلاقة، قد اخْتلف فِيهِ) .
قَالَ ابْن قَاضِي الْجَبَل: (إِطْلَاق اسْم على مُسَمَّاهُ الْمجَازِي لَا يفْتَقر فِي الْآحَاد إِلَى النَّقْل عَن الْعَرَب، بل الْمُعْتَبر ظُهُور العلاقة على الْأَصَح، وَأما فِي الْأَنْوَاع فمعتبر وفَاقا) انْتهى.
وَقَالَ القطب: (هَل يفْتَقر فِي كل صُورَة إِلَى كَونه مَنْقُولًا عَن الْعَرَب، أَو يَكْفِي فِيهِ ظُهُور / العلاقة الْمُعْتَبرَة فِي التَّجَوُّز؟ - حكى الْخلاف - قَالَ: وَإِنَّمَا قَالَ فِي " التَّلْخِيص ": فِي الْآحَاد، لِأَن النَّقْل فِي غير آحَاد الصُّور، كنقل جَوَاز إِطْلَاق اسْم الْمَلْزُوم على اللَّازِم مثلا، وَغَيره من الْأَنْوَاع الْمَذْكُورَة، مُعْتَبر وفَاقا) وَعلله.
وَقَالَ ابْن الْحَاجِب: (وَلَا يشْتَرط النَّقْل فِي الْآحَاد على الْأَصَح) .
قَالَ الْأَصْفَهَانِي فِي " شَرحه ": (الْمَطْلُوب: أَنه لَا يشْتَرط فِي اسْتِعْمَال اللَّفْظ فِي كل وَاحِدَة من الصُّور الَّتِي يُوجد فِيهَا أحد أَنْوَاع العلاقة الْمُعْتَبرَة، النَّقْل عَن أهل اللُّغَة باستعمالهم فِيهَا، بل يَكْفِي فِي اسْتِعْمَال اللَّفْظ فِي كل صُورَة ظُهُور نوع من العلاقة الْمُعْتَبرَة) انْتهى.
فتلخص أَن الْمُحَقق أَن مَحل الْخلاف فِي النَّوْع، وَإِن كَانَ ظَاهر كَلَام بَعضهم أَن مَحَله فِي الْآحَاد، وَأَن النَّوْع لَا خلاف فِيهِ كالجنس، وَصرح بِهِ بَعضهم.
يَنْقَسِم الْمجَاز بِحَسب جِهَة وَضعه إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام: لغَوِيّ، وعرفي، وشرعي، كَمَا انقسمت الْحَقِيقَة إِلَى ذَلِك.
فاللغوي: كالأسد للشجاع، لعلاقة الْوَصْف الَّذِي هُوَ الجرأة، فَكَأَن أهل اللُّغَة باعتبارهم النَّقْل لهَذِهِ الْمُنَاسبَة، وضعُوا الِاسْم ثَانِيًا للمجاز.
والعرفي قِسْمَانِ: عَام، وخاص، فالعام: كالدابة لمُطلق مَا دب، فَهُوَ حَقِيقَة لُغَة، مجَاز عرفا، لِأَن حَقِيقَة الدَّابَّة فِي الْعرف لذات الْحَافِر، ولمطلق مَا دب مجَاز عِنْدهم، وَالْخَاص: كالجوهر للنفيس، انتقالاً فِي الْعرف من ذَات الْحَافِر للمعنى المضمن لَهَا من الدب فِي الأَرْض، وَكَذَا فِي الْخَاص.
والشرعي: كَالصَّلَاةِ لمُطلق الدُّعَاء، انتقالاً من ذَات الْأَركان للمعنى المضمن لَهَا من الخضوع وَالسُّؤَال بِالْفِعْلِ أَو الْقُوَّة، فَكَأَن الشَّارِع بِهَذَا الِاعْتِبَار وضع الِاسْم ثَانِيًا، لما كَانَ بَينه وَبَين اللّغَوِيّ هَذِه الْمُنَاسبَة. /
فَكل معنى حَقِيقِيّ فِي وضع، هُوَ مجَاز بِالنِّسْبَةِ إِلَى وضع آخر، فَيكون حَقِيقَة ومجازاً باعتبارين، كَمَا تقدم، أَن الْحَقِيقَة قد تصير مجَازًا، وَأَن الْمجَاز قد يصير حَقِيقَة، عِنْد أَصْحَابنَا وَغَيرهم.
ذكرُوا أَشْيَاء يعرف بهَا الْمجَاز من الْحَقِيقَة، وَالْمجَاز تَارَة يعرف بتصريح أهل اللُّغَة بِهِ، وَهُوَ قَلِيل جدا، أَو بحده، أَو بِخَاصَّة من خواصه، وَتارَة يعرف بالاستدلال، فتركوا الْأَقْسَام الأول؛ لوضوحها، وَذكروا للأخير وُجُوهًا.
مِنْهَا: صِحَة النَّفْي، كَقَوْلِك للبليد: لَيْسَ بِحِمَار، وللجد: لَيْسَ بأب، بِخِلَاف الْحَقِيقَة فَإِنَّهَا لَا تنفى، فَلَا يُقَال للحمار: لَيْسَ بِحِمَار، وَلَا للبليد: لَيْسَ بِإِنْسَان، وَلَا للْأَب: لَيْسَ بأب.
زَاد بَعضهم: فِي نفس الْأَمر، احْتِرَازًا عَمَّا إِذا كَانَ ذَلِك لظن ظان، فَإِنَّهُ لَا يدل عَلَيْهِ.
قَالَ الْعَضُد: (ليندفع: مَا أَنْت بِإِنْسَان، لصِحَّته لُغَة) .
وَقيل: دور؛ لِأَنَّهُ يلْزم سبق الْعلم بالمجاز، قَالَه ابْن الْحَاجِب وَغَيره.
قَالَ الْأَصْفَهَانِي: (وَذَلِكَ لِأَن صِحَة النَّفْي وامتناعه تتَوَقَّف على معرفَة الْحَقِيقَة وَالْمجَاز، فَلَو عرفناهما بِصِحَّة النَّفْي وامتناعه لزم الدّور) ، وَإِنَّمَا يلْزم الدّور إِن أُرِيد نفي الْمُسْتَعْمل لَا نفي الْوَاضِع.
وَقيل: هُوَ حكم نَقله ابْن مُفْلِح.
وَمِنْهَا: تبادر غَيره لَوْلَا الْقَرِينَة الْحَاضِرَة هُنَاكَ، بِخِلَاف الْحَقِيقَة فَإِنَّهَا المتبادرة إِذا كَانَت وَاحِدَة.
فَإِن قيل: الْمجَاز الرَّاجِع يتَبَادَر أَيْضا.
قيل: إِن رجح قرينَة، فَالْكَلَام حَيْثُ لَا قرينَة، أَو رجح باشتهاره فقد صَار حَقِيقَة بِحَسب مَا اشْتهر فِيهِ من عرف أَو شرع، فَمَا تبادر إِلَّا لكَونه حَقِيقَة، وَإِن كَانَ مجَازًا بِاعْتِبَار / وضع آخر، فَلم يتَبَادَر من كَونه مجَازًا.
وَأورد على (الْحَقِيقَة تتبادر عِنْد الْإِطْلَاق) : بِأَن اللَّفْظ الْمُشْتَرك بِالنِّسْبَةِ إِلَى كل وَاحِد من معنييه حَقِيقَة، مَعَ أَنه إِذا أطلق على أَحدهمَا بِدُونِ الْقَرِينَة لم تتبادر الْحَقِيقَة إِلَى الذِّهْن.
وَأجِيب: بِأَن اللَّفْظ الْمُشْتَرك حَقِيقَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى أحد معنييه، لَا على التَّعْيِين، وَقد يتَبَادَر أَحدهمَا لَا على التَّعْيِين عِنْد إِطْلَاق اللَّفْظ بِدُونِ الْقَرِينَة، فَلم يلْزم عدم انعكاس التَّعْرِيف، وَلزِمَ حِينَئِذٍ أَن يكون اللَّفْظ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كل وَاحِد من معنييه على التَّعْيِين مجَازًا؛ لِأَن غَيره تبادر إِلَى الذِّهْن عِنْد إِطْلَاق اللَّفْظ بِدُونِ الْقَرِينَة، و - أَيْضا - لزم أَن يكون إِطْلَاق اللَّفْظ الْمُشْتَرك فِي كل
وَاحِد من معنييه بالتواطؤ، ضَرُورَة كَون اللَّفْظ مَوْضُوعا للقدر الْمُشْتَرك بَينهمَا، وَهُوَ أَحدهمَا لَا على التَّعْيِين.
وَلقَائِل أَن يُجيب عَن أصل الْإِيرَاد: بِأَن مَا ذكرنَا عَلامَة الْحَقِيقِيَّة لَا تَعْرِيفهَا الْحَقِيقِيّ، والعلامة جَازَ أَن تكون خَاصَّة مُفَارقَة، فَلَا يجب الْعَكْس فِيهَا، وَفِيه نظر.
وَمِنْهَا: عدم وجوب اضطراده، بل قد يطرد تَارَة كالأسد للشجاع، وَلَا يطرد تَارَة أُخْرَى، نَحْو:{وَسُئِلَ الْقرْيَة} [يُوسُف: 82]، أَي: أَهلهَا، فَلَا يُقَال: اسْأَل الْبسَاط، أَي: أَهله، بِخِلَاف الْحَقِيقَة، فَإِنَّهَا وَاجِبَة الاطراد.
وَقَول ابْن الْحَاجِب: الاطراد لَيْسَ دَلِيل الْحَقِيقَة؛ لِأَن الْمجَاز قد يطرد، فَمُسلم، لَكِن الَّذِي هُوَ عَلامَة الْحَقِيقَة إِنَّمَا هُوَ وجوب الاطراد، عكس الْمجَاز، فَإِنَّهُ لَا يجب، وَقد يطرد.
فَإِن قيل: فالحقيقة قد لَا تطرد، كالقارورة للزجاج مَعَ كَونهَا من الْقَرار، والدبران لمنزلة الْقَمَر مَعَ كَونهَا من الدبور، فَلَا يُسمى كل مَا فِيهِ
قَرَار قَارُورَة / وَلَا مَا فِيهِ دبور [دبرانا] ، وَكَذَلِكَ السخي حَقِيقَة فِي الْكَرِيم، والفاضل فِي الْعَالم، وهما موجودان فِي الله تَعَالَى، مَعَ عدم إطلاقهما عَلَيْهِ.
قيل: عدم اطراده لكَون الْمحل الْمعِين قد اعْتبر فِي وضع الِاسْم، فَلَا يُسمى مَا وجد أصل الْمَعْنى فِيهِ - غير هَذَا - بذلك الِاسْم، لفقدان تَمام مُوجب التَّسْمِيَة.
وَالْحَاصِل: الْفرق بَين تَسْمِيَة غير ذَلِك، لوُجُود الْمَعْنى، أَو بِوُجُود الْمَعْنى فِيهِ، وَالْمرَاد الثَّانِي، فَلَا يتَعَدَّى.
وَنَظِيره: لَو علل فِي بَاب الْقيَاس بِالْمحل، أَو جزئه، أَو لَازمه، لم يقس غَيره عَلَيْهِ، كجوهرة النقدية الْغَالِبَة فِي الرِّبَا فِي الذَّهَب أَو الْفضة، وَإِنَّمَا لم تطرد، وَلم تعد إِلَى شَيْء آخر؛ لتعذر وجود الْعلَّة فِيهِ.
وأَيْضا - أَسمَاء الله تَعَالَى توقيفية.
وَمِنْهَا على قَول: جمعه على خلاف جمع الْحَقِيقَة، كالأمر يجمع إِذا كَانَ بِمَعْنى القَوْل الَّذِي هُوَ حَقِيقِيَّة، على (أوَامِر) ، وَإِذا كَانَ بِمَعْنى الْفِعْل، على (أُمُور) ، وَهَذَا قَول الْجَوْهَرِي، وَلَا يعرف ذَلِك لغيره، وَتَابعه على ذَلِك
كثير من الْأُصُولِيِّينَ تقليداً لَهُ، وَالْمَعْرُوف فِي اللُّغَة خلاف ذَلِك.
قَالَ الْأَزْهَرِي فِي " التَّهْذِيب ": (الْأَمر ضد النَّهْي وَاحِد الْأُمُور) .
وَقَالَ ابْن سَيّده فِي " الْمُحكم ": (الْأَمر لَا يكسر على غير الْأُمُور) .
وَقَالَ فِي " الْقَامُوس ": (الْأَمر ضد النَّهْي، جمعه أُمُور) .
وَأما أَئِمَّة النَّحْو فَلم يقل أحد مِنْهُم: أَن " فعلا " يجمع على " فواعل "، مَعَ ذكرهم الصِّيَغ الشاذة، وَمَعَ ذَلِك لم يذكروه مِنْهَا.
وَمِمَّنْ نبه على أَن قَول الْجَوْهَرِي شَاذ، الأبياري فِي " شرح الْبُرْهَان "، ثمَّ حكى عَن بَعضهم: أَن " أوَامِر " جمع " آمُر " بِوَزْن فَاعل، قَالَ:(وَفِيه تجوز؛ لِأَن الْآمِر هُوَ الْمُتَكَلّم، فإطلاقه على الْمصدر أَو الصِّيغَة مجَاز، وَإِن كَانَت صِيغَة " فَاعل " أَو " فاعلة " تجمع على " فواعل "، اسْما كَانَ كفواطم، أَو صفة ككواتب) انْتهى.
[وَتعقب على ابْن جني] فِي كتاب " التَّعَاقُب " / ذكر مَا يَقْتَضِي أَن جمع " أَمر " و " نهي " على " أوَامِر " و " نواهي "[سَائِغ] ، وَذكر لَهُ نظيراً.
وَأما جعل " أوَامِر " جمعا ل " آمُر " بِوَزْن فَاعل، وَإِن كَانَ فِيهِ تجوز، إِلَّا أَنه عرف شَائِع، وَلِهَذَا يُقَال فِي صِيغ الْقُرْآن وَالسّنة: إِنَّهَا آمرة بِكَذَا، أَو ناهية عَن كَذَا.
وَقَالَ الْأَصْفَهَانِي: (قَالَ بَعضهم: إِن " أوَامِر " جمع الْجمع، فَجمع أَولا جمع قلَّة على " أفعل "، ثمَّ جمع " أفعل " على " أفَاعِل "، كَمَا فعل فِي كلب وأكلب وأكالب)، وَضعف: بِأَن " أوَامِر " فواعل لَا أفَاعِل، فَلَيْسَ مثله، وَلَكِن فِيهِ نظر؛ فقد يدعى أَنه أفَاعِل لَا فواعل، وَأما إِذا قُلْنَا: إِنَّه جمع " آمُر "، فَهُوَ أفَاعِل والهمزة الَّتِي هِيَ فَاء " آمُر "، هِيَ المبدلة واواً من " أوَامِر "، فَهُوَ وزن أكالب سَوَاء، لَكِن هَذَا وَإِن كَانَ مُحْتملا فَجعله على فواعل كضوارب أوضح. انْتهى.
وَقَالَ فِي " الْبَدْر الْمُنِير ": (أَمر بِكَذَا أمرا، وَجمع الْأَمر " أوَامِر "، هَكَذَا يتَكَلَّم بِهِ النَّاس، وَمن الْأَئِمَّة من يُصَحِّحهُ، وَيَقُول فِي تَأْوِيله: إِن الْأَمر مَأْمُور بِهِ، ثمَّ حول الْمَفْعُول إِلَى فَاعل، كَمَا قيل: أَمر عَارِف، وَأَصله: مَعْرُوف، وعيشة راضية، وَالْأَصْل: مرضية، إِلَى غير ذَلِك، ثمَّ جمع فَاعل على فواعل فأوامر جمع مَأْمُور، وَبَعْضهمْ يَقُول: جمع على " أوَامِر " فرقا بَينه وَبَين الْأَمر بِمَعْنى الْحَال، فَإِنَّهُ يجمع على فعول) انْتهى.
قَوْله: وَقيل: لَا يجمع.
قَالَ بعض الْعلمَاء: إِن الْمجَاز لَا يجمع، وأبطله الْآمِدِيّ، بِأَن لفظ الْحمار للبليد يثنى وَيجمع إِجْمَاعًا.
وَمِنْهَا: الْتِزَام تَقْيِيده ك " جنَاح الذل "، ونار الْحَرْب، فَإِن الْجنَاح وَالنَّار يستعملان فِي مدلولهما الْحَقِيقِيّ من غير قيد، وَإِنَّمَا قيل: بِالْتِزَام تَقْيِيده، وَلم يقل: بتقييده، لِأَن الْمُشْتَرك قد يُقيد فِي بعض الصُّور، كَقَوْلِك: عين جَارِيَة، لكنه لم يلْزم التَّقْيِيد فِيهِ.
وَمِنْهَا: توقفه على مُقَابِله، يَعْنِي: توقف اسْتِعْمَاله على الْمُسَمّى الآخر الْحَقِيقِيّ، سَوَاء كَانَ ملفوظاً / بِهِ كَقَوْلِه تَعَالَى: (ومكروا ومكر الله
وَالله} [آل عمرَان: 54]، فَلَا يُقَال: مكر الله ابْتِدَاء، أَو مُقَدرا كَقَوْلِه تَعَالَى:{قل الله أسْرع مكراً} [يُونُس: 21] ، وَلم يتَقَدَّم لمكرهم ذكر فِي اللَّفْظ، لَكِن تضمنه الْمَعْنى، والعلاقة: المصاحبة فِي الذّكر.
وَزعم بَعضهم: أَنه لابد من سبق الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ كَمَا مثلنَا، وَهُوَ مَرْدُود بِنَحْوِ مَا فِي الحَدِيث:" فَإِن الله لَا يمل حَتَّى تملوا " فَإِن الْمجَازِي فِيهِ مُتَقَدم لمقابلة الْحَقِيقِيّ الْمُتَأَخر.
وَمِنْهَا: إِضَافَته إِلَى غير قَابل، ك " اسْأَل الْقرْيَة "، واسأل العير، وَبَعْضهمْ يعبر عَنهُ بِالْإِطْلَاقِ على المستحيل، فَإِن الإستحالة تَقْتَضِي أَنه غير مَوْضُوع لَهُ، فَيكون مجَازًا.
وَأورد: أَن الْمجَاز الْعقلِيّ كَذَلِك، مَعَ أَنه حَقِيقَة لغوية.
وَأجِيب: بِأَن المُرَاد معرفَة اسْتِحَالَة ذَلِك بهديهية، والامتناع فِي الْمجَاز الْعقلِيّ نَظَرِي.
وَمِنْهَا: عدم الِاشْتِقَاق مِنْهُ، بِلَا منع عِنْد القَاضِي أبي بكر ابْن الباقلاني، وَالْغَزالِيّ، وَالشَّيْخ الْمُوفق، والطوفي، وَابْن مُفْلِح، وَابْن قَاضِي الْجَبَل، وَغَيرهم، وَقَالَ أَكثر الْعلمَاء: يجوز الِاشْتِقَاق من الْمجَاز.
هَذَا الْمَسْأَلَة مِمَّا اخْتلف فِيهَا الْعلمَاء، وَهِي أَن الْمجَاز هَل يشتق مِنْهُ، أَو لَا يكون الِاشْتِقَاق إِلَّا من حَقِيقَة؟
فنحو: الصَّلَاة، إِذْ قُلْنَا: حَقِيقَتهَا الدُّعَاء، ومجازها ذَات الرُّكُوع وَالسُّجُود، فَهَل يُقَال من الثَّانِي: صلى وَيُصلي ومصل من حَيْثُ كَونه مجَازًا قبل أَن يصير حَقِيقَة شَرْعِيَّة، أَو يقدر: أَن هَذَا أَخذ من الصَّلَاة بِمَعْنى الدُّعَاء، ثمَّ تجوز بِهِ كَمَا تجوز بِأَصْلِهِ؟ الْجُمْهُور على الأول، وَخَالف جمَاعَة مِنْهُم القَاضِي ابْن الباقلاني، وَغَيره، فمنعوا الِاشْتِقَاق من المجازات، وَأَنه لَا اشتقاق إِلَّا من الْحَقَائِق.
قَالَ الْغَزالِيّ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَا أَمر فِرْعَوْن برشيد} [هود: 97] : بِمَعْنى الشَّأْن مجَازًا، فَلَا يشتق مِنْهُ آمُر وَلَا مَأْمُور وَلَا غَيرهمَا.
وَيدل لِلْجُمْهُورِ: إِجْمَاع البيانيين على صِحَة الِاسْتِعَارَة بالتبعية، وَهِي مُشْتَقَّة من الْمجَاز، لِأَن الِاسْتِعَارَة تكون فِي الْمصدر، ثمَّ يشتق مِنْهُ.
قَالَ الكوراني: (وَالدَّلِيل على الِاشْتِقَاق / من الْمجَاز قَوْلهم: نطقت الْحَال بِكَذَا، أَي: دلّت، لِأَن النُّطْق مُسْتَعْمل فِي الدّلَالَة أَولا، ثمَّ اشتق مِنْهُ اسْم الْفَاعِل على مَا هُوَ الْقَاعِدَة فِي الِاسْتِعَارَة [التّبعِيَّة] فِي المشتقات) انْتهى.
وَمِنْهَا: مَا ذكره ابْن عقيل فِي " الْفُنُون " وَغَيره: أَن الْمجَاز لَا يُؤَكد، وَرَأَيْت ذَلِك فِي كَلَام ابْن الْعِرَاقِيّ فِي " شرح جمع الْجَوَامِع "، وَالظَّاهِر أَنه تَابع أَصله وَهُوَ " شرح الزَّرْكَشِيّ ".
قلت: ثمَّ رَأَيْت ذَلِك فِي كَلَام ابْن مُفْلِح فِي " فروعه ": أَن أهل اللُّغَة ذَكرُوهُ، مِنْهُم: ابْن قُتَيْبَة، وَغَيره، وَتقدم ذَلِك فِي قَوْله:(التوكيد يُقَوي وينفي احْتِمَال الْمجَاز) .
قَوْله: {تَنْبِيه: إِنَّمَا صير إِلَيْهِ: لبلاغته، أَو ثقلهَا، [وَنَحْوهمَا] } .
قَالَ الْعلمَاء: إِنَّمَا عدل عَن الْحَقِيقَة إِلَى الْمجَاز لفوائد كَثِيرَة حَسَنَة.
مِنْهَا: بلاغة لفظ الْمجَاز، لصلاحيته للسجع والتجنيس، وَسَائِر أَنْوَاع البديع، دون الْحَقِيقَة، وَفِيه نظر.
وَمِنْهَا: ثقل لفظ الْحَقِيقَة على اللِّسَان، كالخنفقيق - بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون وَفتح الْفَاء وَكسر الْقَاف وَإِسْكَان الْيَاء الْمُثَنَّاة من تَحت وَآخره قَاف - اسْم للداهية، يعدل عَنهُ إِلَى النائبة، أَو الْحَادِثَة، وَنَحْوهمَا.
وَمِنْهَا: بشاعة اللَّفْظ، كالتعبير بالغائط عَن الْخَارِج.
وَمِنْهَا: جهل الْمُتَكَلّم والمخاطب لفظ الْحَقِيقَة.
وَمِنْهَا: كَون الْمجَاز أشهر من الْحَقِيقَة.
وَمِنْهَا: أَن يكون مَعْلُوما عِنْد المتخاطبين، ويقصدان إخفاءه عَن غَيرهمَا.
وَمِنْهَا: عظم مَعْنَاهُ، كَقَوْلِه: سَلام الله على الْمجْلس العالي، فَهُوَ أرفع فِي الْمَعْنى من قَوْله: سَلام عَلَيْك.
وَمِنْهَا: كَونه أَدخل فِي التحقير ،
وَمِنْهَا: [أَلا] يكون للمعنى الَّذِي عبر عَنهُ [بالمجاز] لفظ حَقِيقِيّ. فَهَذِهِ تسع فَوَائِد فِي الْعُدُول عَن الْحَقِيقَة إِلَى الْمجَاز.