الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَوْله: {فصل}
اخْتلف الْعلمَاء فِي الْعلم، هَل يحد أم لَا؟
فَذهب الْأَكْثَر إِلَى أَنه يحد، وَلَهُم فِيهِ حُدُود كَثِيرَة لَا تحصر، وَلَا يسلم أَكْثَرهَا من خدش وتزييف.
وَقد ذكر أَبُو الْخطاب، وَابْن عقيل، وَغَيرهمَا، من ذَلِك حدوداً كَثِيرَة وزيفوها.
وَمِمَّنْ قَالَ يحد: أَصْحَابنَا، والأشعرية، والمعتزلة، وَغَيرهم.
وَذكرنَا هُنَا من حدودهم أَرْبَعَة.
الأول قَالَه ابْن أبي مُوسَى فِي " الْإِرْشَاد ": وَهِي: (معرفَة الشَّيْء) ، وَفِيه إِيهَام وتعريف الشَّيْء بمرادفه وَهِي الْمعرفَة، وَالشَّيْء أَيْضا لَا يكون إِلَّا للموجود، فَخرج غَيره، فَلَيْسَ بِجَامِع.
الثَّانِي قَالَه القَاضِي أَبُو بكر ابْن الباقلاني، وَالْقَاضِي أَبُو يعلى، وَأَبُو الْفرج فِي مُقَدّمَة " الْإِيضَاح "، وَأَبُو الْخطاب، وَأَبُو الْمَعَالِي فِي " الورقات "، وَغَيرهم هُوَ:(معرفَة الْمَعْلُوم) .
ورد بِوَجْهَيْنِ:
أَحدهمَا: بِكَوْن الْمعرفَة مرادفة للْعلم، وتعريف الشَّيْء بمرادفه لَا يَصح.
وَالثَّانِي: أَن لفظ مَعْلُوم مُشْتَقّ من الْعلم، وَلَا بُد من مَعْرفَته، فَيحْتَاج فِي معرفَة الْعلم إِلَى معرفَة الْعلم، وَهُوَ دور.
وَلَكِن الْمَعْلُوم يَشْمَل الْمَوْجُود وَغَيره، فَكَانَ أجمع من التَّعْرِيف الَّذِي قبله.
قَالَ فِي " نِهَايَة المبتدئين ": (فِيهِ دور يمْتَنع، وتعريف بالأخفى، وَعلم الله لَا يُسمى معرفَة فَلَا يعمه) .
الثَّالِث قَالَه ابْن عقيل فِي " الْوَاضِح " فَقَالَ: (الْعلم: وجدان النَّفس الناطقة للأمور بحقائقها) .
وَيرد عَلَيْهِ: / أَن وجدان مُشْتَرك أَو مُتَرَدّد، غير أَن قرينَة التَّعْرِيف دلّت على أَن المُرَاد بِهِ الْإِدْرَاك فَيقرب الْأَمر، فَلذَلِك قلت ذَلِك:(بِمَعْنَاهُ) .
وَيرد عَلَيْهِ أَيْضا: أَن علم الله يخرج مِنْهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ نفسا ناطقة قَالَه
الطوفي، وَقَالَ:(لَو قَالَ: وجدان النَّفس الْأُمُور بحقائقها لأمكن دُخُول علم الله، إِلَّا أَن يكون ابْن عقيل عرف الْعلم الْمُحدث) .
الرَّابِع - وَهُوَ الأولى - قَالَه ابْن حمدَان فِي " مقنعه "، فَقَالَ:(هُوَ صفة يُمَيّز بهَا الْإِنْسَان بَين الْجَوَاهِر والأجسام والأعراض وَالْوَاجِب والممكن والممتنع تمييزاً جَازِمًا مطابقاً) .
وَمَعْنَاهُ للآمدي، ونقحه ابْن الْحَاجِب فِي " مُخْتَصره "، فَقَالَ:(هُوَ صفة توجب تمييزاً لَا يحْتَمل النقيض) .
فَقَوله فِي " الْمقنع ": (صفة، هُوَ كالجنس للحد يتَنَاوَل جَمِيع الصِّفَات كالحياة وَالْقُدْرَة والإرادة.
وَقَوله: (يُمَيّز المتصف بهَا تمييزاً جَازِمًا " أخرج جَمِيع الصِّفَات إِلَّا الصّفة الْمَذْكُورَة، لَكِن بَقِي الْحَد متناولاً الظَّن وَالشَّكّ وَالوهم؛ لِأَنَّهَا جَمِيعًا صِفَات توجب تمييزاً.
وَقَوله: (جَازِمًا) ، أخرج ذَلِك.
وَقَوله: (مطابقاً) ، المطابق الْمُوَافق لما فِي نفس الْأَمر، وَبِه يخرج الْجَهْل الْمركب، فالتمييز المطابق هُوَ الَّذِي لَا يحْتَمل النقيض، فَهُوَ بِمَعْنى حد ابْن الْحَاجِب.
فَائِدَة: (اعْترض على هَذَا الْحَد بِالْعلمِ بالأمور العادية، ككون الْجَبَل حجرا، فَإِنَّهُ علم وَيحْتَمل النقيض؛ لجَوَاز انقلاب الْجَبَل ذَهَبا مثلا، لتجانس الْجَوَاهِر واستوائها فِي قبُول الصِّفَات مَعَ ثُبُوت الْقَادِر الْمُخْتَار، وهما [يوجبان] جَوَاز ذَلِك.
وَأجِيب بِالْمَنْعِ، [وَأسْندَ] بِأَن الشَّيْء يمْتَنع أَن يكون فِي الزَّمن الْوَاحِد حجرا وذهباً بِالضَّرُورَةِ، فَإِذا علم بِالْعَادَةِ كَونه حجرا فِي وَقت، اسْتَحَالَ أَن يكون فِي ذَلِك الْوَقْت ذَهَبا، [وَإِذا] علم كَونه حجرا دَائِما، اسْتَحَالَ أَن يكون ذَهَبا فِي شَيْء من الْأَوْقَات، وَنفي احْتِمَال النقيض فِي نفس الْأَمر فِي جَمِيع الْعُلُوم ضَرُورِيّ.
نعم، إِنَّه يحْتَمل النقيض بِمَعْنى: أَنه لَو قدر بدله / نقيصه لم يلْزم مِنْهُ محَال لنَفسِهِ، وَذَلِكَ لَا يُوجب الِاحْتِمَال كَمَا فِي حُصُول الْجِسْم فِي حيزه واختصاصه بحركته أَو سكونه إِذا علم بالحس، فَإِنَّهُ لَو قدر نقيضه فِي ذَلِك الْوَقْت لم يلْزم مِنْهُ محَال، مَعَ أَن نقيضه فِي ذَلِك الْوَقْت غير مُحْتَمل.
وَالتَّحْقِيق: أَن احْتِمَال مُتَعَلقَة لنقيض الحكم الثَّابِت فِيهِ، لَا يسْتَلْزم أَن لَا يجْزم بِأَن الْوَاقِع أَحدهمَا بِعَيْنِه جزما مطابقاً لأمر [يُوجِبهُ] من [حس] وَغَيره) قَالَه الْعَضُد.
ثمَّ اخْتلفُوا بعد ذَلِك: هَل يدْخل إِدْرَاك الْحَواس فِيمَا لَا يحْتَمل النقيض؟ وَهل هُوَ من الْعلم أم لَا؟
وَالصَّحِيح عدم الدُّخُول، فَلذَلِك قُلْنَا:{فَلَا يدْخل إِدْرَاك الْحَواس خلافًا للأشعري وَجمع} .
ذهب الْأَشْعَرِيّ وَمن تبعه إِلَى دُخُول إِدْرَاك الْحَواس فِي الْحَد، إِلَّا أَن يُزَاد فِيهِ: فِي الْمعَانِي الْكُلية، حَتَّى يخرج إِدْرَاك الْحَواس، وَفِيه نظر؛ لِأَن المُرَاد بِالْعلمِ الْمَعْنى الْأَخَص الَّذِي هُوَ قسم من التَّصْدِيق، وَإِلَّا [لورد مَا] يحْتَمل النقيض كالظن والتصورات الساذجة، فَإِنَّهُ لَا يعْتَبر فِيهَا مُطَابقَة.
وَذهب جمع من أَصْحَابنَا كَابْن مُفْلِح وَغَيره: إِلَى عدم دُخُولهَا فِيمَا
لَا يحْتَمل النقيض، وَهُوَ أظهر، وَلِهَذَا قدمْنَاهُ فِي الْمَتْن، لِأَنَّهَا تَمْيِيز بَين المحسات الْجُزْئِيَّة لَا الْأُمُور الْكُلية، والتصديق مُتَعَلق بِالنِّسْبَةِ وَلَا يحْتَاج إِلَى الزِّيَادَة عَلَيْهِ فِي الْمعَانِي الْكُلية، لِأَن المُرَاد بِالْعلمِ: الْمَعْنى الْأَخَص، الَّذِي هُوَ قسم من التَّصْدِيق.
قَالَ ابْن قَاضِي الْجَبَل: (عِنْد الْأَشْعَرِيّ أَن إِدْرَاك الْحَواس نوع من الْعلم)، قَالَ:(وَفِيه نظر لجَوَاز غلط الْحس) .
قَالَ الْأَصْفَهَانِي بعد كَلَام الْأَشْعَرِيّ: (وَلقَائِل أَن يَقُول: هَذَا الْحَد إِمَّا أَن يكون للْعلم بِالْمَعْنَى الْأَخَص الَّذِي هُوَ قسم من التَّصْدِيق، أَو يكون للْعلم بِالْمَعْنَى الْأَعَمّ، المنقسم إِلَى التَّصَوُّر والتصديق، فَإِن كَانَ للثَّانِي فقيد: (لَا يحْتَمل النقيض) غير صَحِيح؛ لِأَن الظنون والاعتقادات علم بِهَذَا الْمَعْنى وهما يحتملان النقيض، وَأَيْضًا التصورات / الساذجة -[وَهُوَ] حُصُول صُورَة الشَّيْء [من غير كَون اعْتِبَاره] مطابقاً أَو غير مُطَابق - علم بِهَذَا الْمَعْنى، وَلم يعْتَبر [عدم] احْتِمَال النقيض فِيهِ.
وَإِن كَانَ الأول؛ فَلَا نسلم اندراج إِدْرَاك الْحَواس تَحت الْحَد؛ لِأَن إِدْرَاك الْحسي من قبيل التصورات) انْتهى.
وَقَالَ القطب الشِّيرَازِيّ فِي " شرح الْمُخْتَصر ": (فِي دُخُوله نظر؛ لأَنا لَا نسلم أَن إِدْرَاك الْحَواس مِمَّا يُوجب تمييزاً لَا يحْتَمل النقيض؛ لِأَن الْحس قد يدْرك الشَّيْء لَا على مَا هُوَ عَلَيْهِ، كالمستدير مستوياً، والمتحرك سَاكِنا، وَنَحْوهمَا) انْتهى.
قَوْله: {وَقيل: لَا يُسمى علما} .
ذكره ابْن مُفْلِح، أَي: لَا يُسمى إِدْرَاك الْحَواس علما، وَلذَلِك قَالَ الْأَصْفَهَانِي - لما قَالَ ابْن الْحَاجِب:(وَإِلَّا زيد فِي الْأُمُور المعنوية) - (أَي: وَإِن لم يسم إِدْرَاك الْحَواس علما، زيد على الْحَد) .
فَدلَّ على أَنه قيل: لَا يُسمى علما، وَهُوَ ظَاهر مَا قدمه ابْن حمدَان فِي " الْمقنع "؛ فَإِنَّهُ قَالَ فِي حد الْعلم:(وَهُوَ صفة يُمَيّز بهَا بَين الْأُمُور الْكُلية تمييزاً) جَازِمًا بدهياً، أَو ضَرُورِيًّا، أَو نظرياً، وَقيل: أَو حسياً) .
فَمَا أَدخل الْحسي إِلَّا على قَول.
وَهُوَ الَّذِي مَال إِلَيْهِ القطب الشِّيرَازِيّ، وَابْن قَاضِي الْجَبَل، وَتقدم لَفْظهمَا.
قَوْله: {وَقيل: لَا يحد، قَالَ أَبُو الْمَعَالِي، وَالْغَزالِيّ: لعسره، ويميز ببحث وتقسيم، و [قَالَ] الرَّازِيّ: لِأَنَّهُ ضَرُورِيّ، ثمَّ حَده فناقض.
وَقيل: الأول: لمُجَرّد الْإِدْرَاك، وَالثَّانِي، لليقيني، وَهُوَ أولى} .
اخْتلف من قَالَ: الْعلم لَا يحد، فَذهب أَبُو الْمَعَالِي وتلميذه الْغَزالِيّ إِلَى أَنه لَا يحد لعسره، لَكِن يُمَيّز ببحث وَمِثَال وتقسيم.
قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: (لَا يحد لعسره) ، وَمرَاده بِحَدّ حَقِيقِيّ.
واستبعد مَا قَالَا، لِأَنَّهُمَا إِن أفادا تمييزاً فَيعرف بهما، وَإِلَّا فَلَا يعرف بهما.
ورده القَاضِي عضد الدّين.
وَذهب الرَّازِيّ وَمن تبعه إِلَى إِنَّه ضَرُورِيّ من وَجْهَيْن:
أَحدهمَا: أَن غير الْعلم / لَا يعلم إِلَّا بِالْعلمِ، فَلَو علم الْعلم بِغَيْرِهِ كَانَ دوراً، لكنه مَعْلُوم، فَيكون لَا بِالْغَيْر، وَهُوَ الضَّرُورِيّ.
وَالْجَوَاب - بعد تَسْلِيم كَونه مَعْلُوما -: أَن توقف تصور غير الْعلم إِنَّمَا هُوَ على حُصُول الْعلم بِغَيْرِهِ، أَعنِي علما ً جزئياً مُتَعَلقا بذلك الْغَيْر، لَا على تصور حَقِيقَة الْعلم، وَالَّذِي يُرَاد حُصُوله بالغيرإنما هُوَ تصور حَقِيقَة الْعلم لَا حُصُول جزئي مِنْهُ، فَلَا دور للِاخْتِلَاف. الثَّانِي: أَن علم كل أحد بِأَنَّهُ مَوْجُود ضَرُورِيّ، أَي: مَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ، وَهَذَا علم خَاص، وَهُوَ مَسْبُوق بِالْعلمِ الْمُطلق، وَالسَّابِق على الضَّرُورِيّ ضَرُورِيّ، فالعلم الْمُطلق ضَرُورِيّ. وَالْجَوَاب: أَن الضَّرُورِيّ حُصُول الْعلم، وَهُوَ غير تصور الْعلم، الَّذِي هُوَ الْمُتَنَازع فِيهِ، وَذَلِكَ أَنه لَا يلْزم من حُصُول أَمر تصَوره، حَتَّى يتبع تصَوره حُصُوله، وَلَا تقدم تصَوره، حَتَّى يكون تصَوره شرطا لحصوله، وَإِذا كَانَ كَذَلِك جَازَ الانفكاك مُطلقًا فتغايرا، فَلَا يلْزم من كَون أَحدهمَا ضَرُورِيًّا كَون الآخر كَذَلِك.
مَعَ أَن الْفَخر الرَّازِيّ بعد كَلَامه هَذَا، حَده فِي تَقْسِيم حصر فِيهِ الْعلم وأضداده، فعد ذَلِك من تناقضه.
وَاخْتَارَ الْبرمَاوِيّ فِي " شرح منظومته ": أَنه أَرَادَ بِالَّذِي لَا يحد لكَونه ضَرُورِيًّا هُوَ الْعلم بِمُجَرَّد الْإِدْرَاك على مَا يَأْتِي، وَمَا ذكره فِي التَّقْسِيم إِنَّمَا هُوَ التَّصْدِيق اليقيني.
وَلذَلِك قَالَ: (هُوَ حكم الذِّهْن الْجَازِم المطابق لموجب) .
وَهُوَ أولى من نسبته إِلَى التَّنَاقُض.
قلت: وَيحْتَمل أَن يكون لَهُ فِيهِ قَولَانِ، وَلم يزل الْعلمَاء على ذَلِك.
قَوْله: {تَنْبِيه: يُطلق الْعلم - أَيْضا - على مُجَرّد الْإِدْرَاك، فَيشْمَل الْأَرْبَعَة، {مَا علمنَا عَلَيْهِ من سوء} [يُوسُف: 51] ، [وعَلى التَّصْدِيق، فَيخْتَص][الظني والقطعي] } .
اعْلَم أَن للْعلم إطلاقات لُغَة وَعرفا.
أَحدهَا: اليقيني، وَهُوَ الَّذِي لَا يحْتَمل النقيض، / وَهُوَ المُرَاد بِالْحَدِّ الأول، وَهُوَ الأَصْل.
الثَّانِي: مُجَرّد الْإِدْرَاك، سَوَاء كَانَ جَازِمًا، أَو مَعَ احْتِمَال رَاجِح، أَو مَرْجُوح، أَو مسَاوٍ، مجَازًا، وَمن هَذَا الْقَبِيل: قَوْله تَعَالَى: {مَا علمنَا عَلَيْهِ من سوء} [يُوسُف: 51]، إِذْ المُرَاد: نفي كل إِدْرَاك.
الثَّالِث: مُطلق التَّصْدِيق - قَطْعِيا أَو ظنياً - لَا التَّصَوُّر، فَحِينَئِذٍ يكون
مُقَابلا للمعرفة الَّتِي هِيَ تصور ساذج لَا حكم فِيهِ، وَمعنى مُقَابلَته: أَنَّك تَقول: إِمَّا معرفَة وَإِمَّا علم، كَمَا تَقول: إِمَّا تصور وَإِمَّا تَصْدِيق، وَيَأْتِي ذَلِك قَرِيبا فِي الْمَتْن.
وَمن أجل مَا قَرَّرْنَاهُ؛ كَانَ " عرف " وَمَا فِي مَعْنَاهُ من مادته مُتَعَدِّيا إِلَى مفعول وَاحِد، تَقول: عرفت زيدا، أَي: تصورته، بِلَا زِيَادَة على ذَلِك، بِخِلَاف الْعلم وَمَا تصرف مِنْهُ، فَإِنَّهُ مُتَعَدٍّ إِلَى مفعولين، تَقول: علمت [زيدا] صَائِما، إِذْ الْمَقْصُود نِسْبَة الصّيام إِلَى زيد، فَيتَوَقَّف على مُسْند ومسند إِلَيْهِ، فَمن الأول قَوْله تَعَالَى:{فعرفهم وهم لَهُ منكرون} [يُوسُف: 58] وَمن الثَّانِي قَوْله تَعَالَى: {فَإِن علمتموهن مؤمنات} [الممتحنة: 10] .
قَوْله: { [فَيَأْتِي] الْعلم بِمَعْنى الظَّن: {فَإِن علمتموهن مؤمنات} [الممتحنة: 10]، [وَعَكسه] :{الَّذين يظنون أَنهم ملاقوا رَبهم} [الْبَقَرَة: 46]، وَبِمَعْنى الْمعرفَة:{لَا تعلمهمْ} [التَّوْبَة: 101] } .
لما تقدم أَن الْعلم يُطلق على مُطلق التَّصْدِيق، فَيشْمَل الْيَقِين وَالظَّن.
مِثَاله فِي الظَّن: قَوْله تَعَالَى: {فَإِن علمتموهن مؤمنات} [الممتحنة: 10]، أَي: ظننتموهن مؤمنات؛ إِذْ الْيَقِين هُنَا مُتَعَذر؛ إِذْ لَا قدرَة إِلَى الإطلاع عَلَيْهِ، لَكِن لما نزل ذَلِك منزلَة الْيَقِين، لتعذر الْيَقِين، ولعظم كلمة التَّوْحِيد، أطلق عَلَيْهِ علما.
وَيَأْتِي الظَّن بِمَعْنى الْعلم اليقيني - عكس الأول - وَمِنْه: قَوْله تَعَالَى: {وَإِنَّهَا لكبيرة إِلَّا على الخاشعين الَّذين يظنون أَنهم ملاقوا رَبهم وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُون} [الْبَقَرَة: 45 - 46]، وَقَوله تَعَالَى [فِي] / فصلت: 0 وظنوا مَا لَهُم من محيص} [الْآيَة: 48] .
وَقَوله تَعَالَى على الْأَصَح فِي بَرَاءَة: {وظنوا أَن لَا ملْجأ من الله إِلَّا إِلَيْهِ} [الْآيَة: 118] .
بِخِلَاف قَوْله تَعَالَى: (قَالَ الَّذين يظنون أَنهم ملاقوا الله كم من
فِئَة قَليلَة غلبت فِئَة كَثِيرَة بِإِذن الله} [الْبَقَرَة: 249]، وَقَوله تَعَالَى:{ورءا المجرمون النَّار فظنوا أَنهم مواقعوها} [الْكَهْف: 53] ، فَإِنَّهَا على بَابهَا على الْأَصَح فِي الثَّانِيَة.
وَيَأْتِي الْعلم بِمَعْنى الْمعرفَة، وَمِنْه: قَوْله تَعَالَى: {لَا تعلمهمْ نَحن نعلمهُمْ} [التَّوْبَة: 101]، أَي: لَا تعرفهم نَحن نعرفهم.
قَالَ الْبرمَاوِيّ وَغَيره: (قد جَاءَ علم بِمَعْنى عرف، وَمِنْه: قَوْله تَعَالَى: {يعلم السِّرّ وأخفى} [طه: 7] ، {يعلم خَائِنَة الْأَعْين} [غَافِر: 19] ، {حَتَّى نعلم الْمُجَاهدين مِنْكُم} [مُحَمَّد: 31] ، وَهُوَ كثير) .
قَوْله: { [وَعَكسه] }
يَعْنِي: تَأتي الْمعرفَة بِمَعْنى الْعلم، وَقد قَالَ فِي " الْمِصْبَاح ":(عَلمته أعلمهُ: عَرفته، هَكَذَا يفسرون الْعلم بالمعرفة، وَبِالْعَكْسِ، لتقارب الْمَعْنيين) انْتهى، وَيَأْتِي.
قلت: وَفِي التَّنْزِيل: {مِمَّا عرفُوا من الْحق} [الْمَائِدَة: 83]، أَي: علمُوا.
اخْتلف الْعلمَاء فِي الْعلم هَل يتَفَاوَت، أم تفاوته بِكَثْرَة المتعلقات وَأما نَفسه فَلَا يتَفَاوَت؟ فِيهِ قَولَانِ لَهُم، هما رِوَايَتَانِ عَن أَحْمد.
أَحدهمَا: يتَفَاوَت، وَهُوَ الصَّحِيح، وَعَلِيهِ الْأَكْثَر، قَالَ ابْن قَاضِي الْجَبَل فِي " أُصُوله "، فِي التَّوَاتُر هَل يُفِيد الْعلم أم لَا؟ لما قَالَ من نفي إفادته للْعلم: لِأَنَّهُ يحصل مِنْهُ التَّفَاوُت وَهُوَ منَاف لليقين، وَأجَاب الرَّازِيّ عَن ذَلِك.
بِجَوَاب غير سديد -: قَالَ الأرموي: (وَالْجَوَاب أَن هَذَا لَيْسَ بِجَوَاب، بل الْحق أَن المعلومات تَتَفَاوَت) . - قَالَ ابْن قَاضِي الْجَبَل -: (وَهِي مَسْأَلَة خلاف، وَعَن أَحْمد فِيهَا رِوَايَتَانِ، الْأَصَح: التَّفَاوُت، فَإنَّا نجد بِالضَّرُورَةِ الْفرق بَين كَون الْوَاحِد نصف الِاثْنَيْنِ، وَبَين مَا علمناه من جِهَة التَّوَاتُر، مَعَ كَون الْيَقِين / حَاصِلا فيهمَا) .
وَيَأْتِي هُنَاكَ إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَقَالَ - أَيْضا - ابْن قَاضِي الْجَبَل فِي مَوضِع آخر قبل قَوْله: الْأَنْبِيَاء معصومون: (وَاخْتلفُوا فِي المعلومات هَل تَتَفَاوَت؟ وَفِيه رِوَايَتَانِ عَن أَحْمد فِي الْمعرفَة الإنسانية، ذكره أَبُو يعلى) انْتهى.
وَقَالَ ابْن مُفْلِح فِي " أُصُوله " فِي الْكَلَام على الْوَاجِب: (قَالَ بعض أَصْحَابنَا - يَعْنِي بِهِ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين -: وَالصَّوَاب أَن جَمِيع الصِّفَات الْمَشْرُوطَة بِالْحَيَاةِ تقبل التزايد، وَعَن أَحْمد فِي الْمعرفَة الْحَاصِلَة فِي الْقلب فِي الْإِيمَان هَل تقبل التزايد وَالنَّقْص؟ رِوَايَتَانِ، وَالصَّحِيح من مَذْهَبنَا، وَمذهب جُمْهُور أهل السّنة: إِمْكَان الزِّيَادَة فِي جَمِيع ذَلِك) انْتهى.
وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين - أَيْضا - فِي بحث مَعَ القَاضِي أبي يعلى فِي مَسْأَلَة الإحساس وَمَا يدْرك بالحواس هَل يخْتَلف؟ قَالَ: (والأصوب أَن القوى الَّتِي هِيَ [الإحساس] وَسَائِر الْعُلُوم والقوى تخْتَلف) .
وَيَأْتِي هَذَا - أَيْضا - فَجعل سَائِر الْعُلُوم تخْتَلف، وَقَالَ:(هَذِه الْمَسْأَلَة من جنس مَسْأَلَة الْإِيمَان) .
قَالَ ابْن الْعِرَاقِيّ: (الْأَكْثَرُونَ على التَّفَاوُت، أَي: يكون علم أجلى من علم، وَنَقله فِي " الْبُرْهَان " عَن أَئِمَّتنَا، وَحكى إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي " الشَّامِل ": أَنه لَا يتَفَاوَت عِنْد الْمُحَقِّقين، وَاخْتَارَهُ هُوَ، والأبياري فِي شرح
البرها [ن] . - قلت: وَهُوَ الرِّوَايَة الثَّانِيَة عَن أَحْمد - فعلى هَذَا تفاوته بِكَثْرَة المتعلقات.
وَمن فَوَائِد الْخلاف: أَن الْإِيمَان هَل يزِيد وَينْقص؟ قِيَاسه على أَنه من قبيل الْعُلُوم لَا الْأَعْمَال، خلافًا للمعتزلة) انْتهى.
قلت: أهل السّنة وَالسَّلَف على أَن الْإِيمَان يزِيد وَينْقص، وَالْمَسْأَلَة مَعْرُوفَة مَشْهُورَة، وَالْقُرْآن مَمْلُوء من ذَلِك مِمَّا ذكر بَعْضهَا البُخَارِيّ فِي " صَحِيحه " وَغَيره من الْأَئِمَّة، وَتَأْتِي محررة فِي مَسْأَلَة الْإِيمَان.
قَوْله " {الثَّانِيَة: علم الله [تَعَالَى] قديم} ، / لِأَنَّهُ صفة من صِفَاته، وَصِفَاته قديمَة، {لَيْسَ ضَرُورِيًّا وَلَا نظرياً} ، بِلَا نزاع بَين الْأَئِمَّة، وَهُوَ وَاحِد لَيْسَ بِعرْض، فَيتَعَلَّق بِجَمِيعِ المعلومات إِجْمَالا وتفصيلاً على مَا هِيَ بِهِ.
قَالَ فِي الْمقنع: (علم الله صفة ذاتية وجودية وَاحِدَة، أحَاط الله بهَا - لم تزل وَلَا تزَال - بِكُل كلي وجزئي مَوْجُود ومعدوم على مَا هُوَ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ ضَرُورِيًّا وَلَا نظرياً) انْتهى.
قَوْله: {وَلَا يُوصف بِأَنَّهُ عَارِف} .
لَا يُوصف سبحانه وتعالى بِأَنَّهُ عَارِف؛ لِأَن الْمعرفَة قد تكون علما مستحدثاً، وَالله تَعَالَى مُحِيط علمه بِجَمِيعِ الْأَشْيَاء على حقائقها على مَا هِيَ عَلَيْهِ، وَهُوَ صفة من صِفَاته، وَهُوَ قديم، وَحكي إِجْمَاعًا.
قَالَ ابْن حمدَان فِي " نِهَايَة المبتدئين ": (علم الله تَعَالَى لَا يُسمى معرفَة، حَكَاهُ القَاضِي إِجْمَاعًا) .
وَخَالف الكرامية فَقَالُوا: يُوصف بِأَنَّهُ عَارِف لِاتِّحَاد الْعلم والمعرفة.
وَقَالَ القَاضِي من أَصْحَابنَا فِي " الْمُعْتَمد ": (يجوز وَصفه تَعَالَى بِأَنَّهُ عَارِف) .
قلت: ومرادهم - وَالله أعلم -: أَن الْمعرفَة كَالْعلمِ، فَكَمَا أَنه يُوصف بِالْعلمِ يُوصف عِنْد هَؤُلَاءِ بالمعرفة، وَلَيْسَ مُرَادهم بالمعرفة فِي حَقه: الَّتِي هِيَ مستحدثة بعد أَن لم تكن، وَإِن هَذَا لَا يَقُوله أحد من أهل السّنة، إِنَّمَا ينْسب إِلَى الرافضة، على مَا يَأْتِي فِي بَاب النّسخ، وَهُوَ كفر.
وَحكي عَن ابْن الباقلاني: اتِّحَاد الْعلم والمعرفة، ثمَّ وجدته فِي " الْمِصْبَاح الْمُنِير " قَالَه، فَإِنَّهُ قَالَ: (قَالَ النيلي [ (لَا تَعْلَمُونَهُم الله