الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَالَ ابْن الْقيم فِي " عدَّة الصابرين ": (الشُّكْر يتَعَلَّق بِالْقَلْبِ وَاللِّسَان والجوارح، فالقلب للمعرفة والمحبة، وَاللِّسَان للثناء وَالْحَمْد، والجوارح لاستعمالها فِي طَاعَة المشكور وكفها عَن معاصية.
وَالشُّكْر أخص بالأفعال، وَالْحَمْد أخص بالأقوال.
وَسبب الْحَمد أَعم من سَبَب الشُّكْر، ومتعلق الشُّكْر وَمَا بِهِ الشُّكْر أَعم مِمَّا بِهِ الْحَمد.
وَمَا يحمد الرب عَلَيْهِ أَعم مِمَّا يشْكر عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ يحمد على أَسْمَائِهِ وَصِفَاته وأفعاله ونعمه، ويشكر على نعمه.
وَمَا يحمد بِهِ أخص مِمَّا يشْكر بِهِ؛ فَإِنَّهُ يشْكر بِالْقَلْبِ وَاللِّسَان والجوارح، ويحمد بِالْقَلْبِ وَاللِّسَان) انْتهى.
وَلَقَد أَجَاد وأفصح عَن المُرَاد.
وَقَالَ أَيْضا: (الْحَمد الْإِخْبَار عَنهُ بِصِفَات كَمَاله مَعَ محبته وَالرِّضَا وَعنهُ، فَإِن كرر المحامد شَيْئا بعد شَيْء صَار ثَنَاء، فَإِن كَانَ الْمَدْح بِصِفَات / الْجلَال وَالْعَظَمَة والكبرياء وَالْملك صَار مجلداً، وَيدل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ مُسلم أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ -
قَالَ: " قَالَ الله تَعَالَى: قسمت الصَّلَاة بيني وَبَين عَبدِي نِصْفَيْنِ
ولعبدي مَا سَأَلَ، فَإِذا قَالَ: الْحَمد لله رب الْعَالمين، قَالَ الله: حمدني عَبدِي.
وَإِذا قَالَ: الرَّحْمَن الرَّحِيم، قَالَ الله: أثنى عَليّ عَبدِي.
وَإِذا قَالَ: مَالك يَوْم الدّين، قَالَ الله تَعَالَى: مجدني عَبدِي) فَفرق بَين الْحَمد وَالثنَاء، وَلَو كَانَ الْحَمد هُوَ الثَّنَاء لما صَحَّ الْفرق) انْتهى.
وَذهب الْمبرد وَغَيره إِلَى أَن الْحَمد وَالشُّكْر بِمَعْنى وَاحِد.
قلت: قَالَ فِي " الْقَامُوس ": (الْحَمد: الشُّكْر وَالرِّضَا وَالْجَزَاء وَقَضَاء الْحق، وَأحمد الله إِلَيْك وأشكره) انْتهى.
وَقد قَالَ ابْن عَبَّاس: " معنى الْحَمد لله: الشُّكْر لله ".
وَسُئِلَ - أَيْضا - عَن الْحَمد فَقَالَ: " كلمة شكر لأهل الْجنَّة ".
ورده جمع وَقَالُوا: (لَيْسَ بمرضي) ؛ فَإِن فِي الحَدِيث: " الْحَمد رَأس الشُّكْر " رَوَاهُ الْبَغَوِيّ فِي " تَفْسِيره "، وَهُوَ دَال على الْفرق بَينهمَا.
وَقيل: الشُّكْر أَعم من الْحَمد؛ فَإِنَّهُ بِاللِّسَانِ والجوارح، وَالْحَمْد بِاللِّسَانِ فَقَط، ذكره ابْن الملقن.
وَالْحَمْد لَا يكون إِلَّا عَن علم، وَالشُّكْر قد يكون عَن ظن، نَقله ابْن الْعِرَاقِيّ فِي " مُخْتَصر لَهُ على الْمِنْهَاج ".
تَنْبِيهَات:
الأول: مَا ذكر من معنى الْحَمد وَالشُّكْر أَولا مَعْنَاهُمَا لُغَة، وَأما مَعْنَاهُمَا فِي عرف الْأُصُولِيِّينَ وَغَيرهم فَهُوَ: أَن الْحَمد لَيْسَ هُوَ قَول الْقَائِل: الْحَمد لله. وَإِن كَانَ هَذَا القَوْل فَردا من أَفْرَاد الْمَاهِيّة، بل هُوَ فعل يشْعر بتعظيم الْمُنعم بِسَبَب كَونه منعماً، وَذَلِكَ الْفِعْل: إِمَّا فعل الْقلب. أَعنِي: اعْتِقَاد اتصافه بِصِفَات الْكَمَال والجلال.
أَو فعل اللِّسَان. أَعنِي: ذكر مَا يذكرهُ بِقَلْبِه.
أَو فعل الْجَوَارِح. وَهُوَ الْإِتْيَان بِأَفْعَال دَالَّة على ذَلِك.
وَالشُّكْر لَيْسَ هُوَ قَول الْقَائِل: الشُّكْر لله، وَلَا القَوْل الْمُطلق الدَّال على تَعْظِيم الله، وَإِن كَانَ الثَّانِي / جُزْءا مِنْهُ وَالْأول فَرد من هَذَا الْجُزْء، بل هُوَ صرف العَبْد جَمِيع مَا أنعم الله عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ إِلَى مَا خلق لأَجله من جَمِيع الْحَواس والآلات والقوى، فَالْحَمْد هُنَا أَعم من الشُّكْر مُطلقًا، فَكل شكر حمد وَلَا عكس.
إِذا علم ذَلِك؛ فقد يوضع الْحَمد مَوضِع الشُّكْر، فَيُقَال:(حمدته على معروفه عِنْدِي)، كَمَا يُقَال:(شكرته) وَلَا عكس، فَلَا يُقَال:(شكرته على شجاعته وَكَرمه) .
فَائِدَة: اخْتلف فِي اشتقاق الْحَمد، فَقَالَ النَّضر بن شُمَيْل:(هُوَ مُشْتَقّ من الحمدة، وَهِي شدَّة لَهب النَّار) .
قلت: قَالَ فِي " الْقَامُوس ": (حمدة النَّار بِالتَّحْرِيكِ، صَوت التهابها، وَيَوْم محتمد شَدِيد الْحر) انْتهى.
وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: (هُوَ مقلوب من الْمَدْح، كَقَوْلِهِم: مَا أطيبه وأيطبه) وَيَأْتِي هَذَا. الثَّانِي: قد تقدم أَن بَين الْحَمد وَالشُّكْر اللغويين عُمُوما وخصوصاً من وَجه؛ لِأَن الْحَمد قد يَتَرَتَّب على الْفَضَائِل وَهِي الصِّفَات الجميلة لَا يتَجَاوَز مِنْهَا أثر وَلَا مَنْفَعَة إِلَى غير الممدوح كالشجاعة.
وَالشُّكْر يخْتَص بالفواضل وَهِي النعم، وَهِي الصِّفَات والمزايا المتعدية الَّتِي يحصل مِنْهَا مَنْفَعَة لغير الممدوح، كالإحسان والمواهب والعطايا.
وَبَين الْحَمد وَالشُّكْر العرفيين عُمُوم وخصوص مُطلقًا، فَالْحَمْد أَعم مُطلقًا لعُمُوم النعم الْوَاصِلَة إِلَى الحامد وَغَيره، واختصاص الشُّكْر بِمَا يصل إِلَى الشاكر.
وَذَلِكَ لِأَن الْمُنعم الْمَذْكُور فِي تَعْرِيف الْحَمد مُطلق، لم يُقيد بِكَوْنِهِ منعماً على الحامد وَغَيره فتناولهما.
بِخِلَاف الشُّكْر؛ إِذْ قد اعْتبر فِيهِ منعم مَخْصُوص وَهُوَ الله تَعَالَى، ونعمه واصلة إِلَى الشاكر.
وَالنِّسْبَة بَين الحمدين اللّغَوِيّ والعرفي عُمُوم وخصوص من وَجه؛ لِأَن الْحَمد الْعرفِيّ هُوَ الشُّكْر اللّغَوِيّ.
وَبَين الشكرين الْعرفِيّ واللغوي عُمُوم مُطلق؛ لِأَن الشُّكْر اللّغَوِيّ يعم النِّعْمَة إِلَى الْغَيْر دون الْعرفِيّ فَهُوَ أَعم والعرفي أخص مُطلقًا، وَكَذَا بَين الشُّكْر الْعرفِيّ / وَالْحَمْد اللّغَوِيّ؛ لِأَن الأول مَخْصُوص بِالنعْمَةِ على الشاكر سَوَاء كَانَ بِاللِّسَانِ أَو لَا، وَالثَّانِي - وَإِن خص بِاللِّسَانِ - فَهُوَ مشترط فِيهِ مُطَابقَة الْأَركان والجنان؛ ليَكُون على جِهَة التبجيل، وَقد لَا يكون فِي مُقَابلَة نعْمَة فَهُوَ أَعم مُطلقًا فَكل شكر عرفي حمد لغَوِيّ وَلَا ينعكس، وَهَذَا بِحَسب الْوُجُود، وَكَذَا بَين الْحَمد الْعرفِيّ وَالشُّكْر اللّغَوِيّ عُمُوم مُطلق - أَيْضا - إِذا قيدت النِّعْمَة فِي اللّغَوِيّ بوصلها إِلَى الشاكر، وَأما إِذا لم يتَقَيَّد فهما متحدان.
وَأما الشُّكْر الْمُطلق فَهُوَ على قِيَاس مَا مضى من تَعْظِيم الْمُنعم بِصَرْف نعْمَته إِلَى مَا يرضيه.
الثَّالِث: الْحَمد والمدح أَخَوان فِي الِاشْتِقَاق الْأَكْبَر لَا مُتَرَادِفَانِ، ويشتركان - أَيْضا - فِي الْمَعْنى؛ لِأَن الْحَمد هُوَ الثَّنَاء على الْجَمِيل الِاخْتِيَارِيّ من نعْمَة وَغَيرهَا.
والمدح هُوَ الثَّنَاء على الْجَمِيل مُطلقًا.
فاشتركا فِي الثَّنَاء، وَهُوَ الذّكر بِالْخَيرِ مُطلقًا، لَكِن الْحَمد يخْتَص بِأَهْل الْعلم بِخِلَاف الْمَدْح.
وَلِأَنَّهُ شَامِل الْأَفْعَال الاختيارية وَغَيرهَا، وَالْحَمْد لَا يكون إِلَّا على الْأَفْعَال الاختيارية من الْإِحْسَان والفضائل.
تَقول: (حمدته على علمه وَكَرمه)، وَلَا نقُول:(حمدته على صباحة خَدّه ورشاقة قده) بل (مدحته) ، فالمدح أَعم، لِأَن كل حمد مدح وَلَيْسَ كل مدح حمداً.
وَالشُّكْر على النِّعْمَة خَاصَّة لَكِن بِالْقَلْبِ وَاللِّسَان والجوارح، فبينه وَبَين الْحَمد والمدح عُمُوم من وَجه، كَمَا تقدم فِي الْحَمد وَالشُّكْر.
وَقَالَ الرَّافِعِيّ وَتَبعهُ الرَّاغِب: (الْمَدْح أَعم من الْحَمد؛ لِأَن الثَّنَاء على الشَّخْص بِمَا لَا اخْتِيَار لَهُ [فِيهِ] كحسن الْوَجْه وَالْقد وَنَحْوهمَا يُطلق على الْمَدْح دون الْحَمد، وَحِينَئِذٍ يكون مُتَعَلق الْمَدْح هُوَ الممدوح عَلَيْهِ أَعم الثَّلَاثَة) انْتهى.
وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: (الْحَمد مقلوب / الْمَدْح) كَمَا تقدم ذكره.
تَنْبِيه: إِنَّمَا خص الْحَمد هُنَا دون الْمَدْح، ليؤذن بِالْفِعْلِ الِاخْتِيَارِيّ، وَدون الشُّكْر ليعم الْفَضَائِل والفواضل، وَلِأَن الْحَمد رَأس الشُّكْر، واقتداء بِالْكتاب الْعَزِيز كَمَا تقدم.
قَوْله: {لله} .
أَقُول: قرن الْحَمد بِاللَّه دون سَائِر أَسْمَائِهِ لفائدتين جليلتين عظيمتين.
إِحْدَاهمَا: أَنه اسْم للذات مُخْتَصّ بِهِ على مَا يَأْتِي قَرِيبا، فَيعم جَمِيع أَسْمَائِهِ الْحسنى.
قَالَ الْقُرْطُبِيّ: (وَاخْتِيَار الشَّافِعِي وَكثير من الْمُحَقِّقين: أَنه
اسْم علم للذات المقدسة - وَسَيَأْتِي ذَلِك وتعليله - وَالْألف وَاللَّام لَازِمَة لَهُ لَا للتعريف وَلَا لغيره) انْتهى.
الثَّانِيَة: أَنه اسْم الله الْأَعْظَم عِنْد كثير من الْعلمَاء.
قَالَ الْبَنْدَنِيجِيّ: (قَالَ أَكثر أهل الْعلم: اسْم الله الْأَعْظَم هُوَ الله) .
وَاللَّام فِيهِ للاستحقاق والاختصاص، أَي: الْحَمد يخْتَص بِهِ الله تَعَالَى دون غَيره من الموجودات، أَي: أَنه مَقْصُور عَلَيْهِ لَا يسْتَحقّهُ أحد سواهُ.
فَالله [يُقَال] اسْم للباري مُخْتَصّ لم يسم بِهِ غَيره.
ثمَّ قيل: بل هُوَ مُعرب من اللُّغَة السريانية نقلته الْعَرَب إِلَى لغتها، وَأَصله:(لَاها) فحذفوا الْألف من آخِره، وَأتوا بِالْألف وَاللَّام فِي أَوله.
وَنسب هَذَا القَوْل إِلَى الْبَلْخِي، وَهُوَ وَجه لأَصْحَاب الشَّافِعِي، حَكَاهُ ابْن الملقن فِي الإشارات وَغَيره.
وَقَالَ الْجُمْهُور: بل هُوَ عَرَبِيّ.
ثمَّ قيل: هُوَ مرتجل لَيْسَ بمشتق كأسماء الْأَعْلَام كزيد وَعمر، وَهُوَ محكي عَن الشَّافِعِي وَجمع من الْعلمَاء، وَنقل عَن أبي حنيفَة، والخليل بن أَحْمد، وَنَقله الْبَغَوِيّ عَن الْخَلِيل وَجَمَاعَة غَيره.
وَقيل: مُشْتَقّ، وَعَلِيهِ الْأَكْثَر، وَحَكَاهُ سِيبَوَيْهٍ عَن الْخَلِيل.
ثمَّ قيل: هُوَ صفة لَا علم، فَهُوَ وصف فِي أَصله، لَكِن لما غلب عَلَيْهِ بِحَيْثُ إِنَّه لَا يسْتَعْمل فِي غَيره وَصَارَ كَالْعلمِ / مثل الثريا والصعق أجري مجْرَاه فِي إِجْرَاء الْوَصْف عَلَيْهِ، وَامْتِنَاع الْوَصْف بِهِ، وَعدم تطرق احْتِمَال الشّركَة؛ لِأَن ذَاته من حَيْثُ هُوَ هُوَ بِلَا اعْتِبَار أَمر آخر حَقِيقِيّ أَو غَيره غير مَعْقُول للبشر، وَهَذَا اخْتِيَار الْبَيْضَاوِيّ.
وَقيل: علم لذاته الْمَخْصُوصَة، وَهُوَ الْأَصَح، وَتقدم اخْتِيَار الشَّافِعِي وَغَيره، لِأَنَّهُ يُوصف وَلَا يُوصف بِهِ، وَلِأَنَّهُ لابد من اسْم تجرى عَلَيْهِ
صِفَاته، وَلَا يصلح لَهُ مِمَّا يُطلق عَلَيْهِ سواهُ، وَلِأَنَّهُ لَو كَانَ وَصفا لم يكن قَول:(لَا إِلَه إِلَّا الله) توحيداً، مثل قَول:(لَا إِلَه إِلَّا الرَّحْمَن) ، فَإِنَّهُ لَا يمْنَع الشّركَة، قَالَه الْبَيْضَاوِيّ.
ثمَّ اخْتلف فِي اشتقاقه.
فَقيل: أَصله (الْإِلَه) ، ألقينا حَرَكَة الْهمزَة على لَام الْمعرفَة، ثمَّ سكنت أَو أدغمت فِي اللَّام الثَّانِيَة، ثمَّ فخمت إِذا لم يكسر مَا قبلهَا فَإِن [كسر] رققت، وَمِنْهُم من يرققها على كل حَال، وَمِنْهُم من يفخمها على كل حَال، والتفخيم من خواصه.
قَالَ أَبُو عَليّ الْفَارِسِي: (همزَة " إِلَه " حذفت من غير إِلْقَاء، وَعوض عَنْهَا الْألف وَاللَّام، وَكَذَلِكَ قيل: " يَا ألله " بِالْقطعِ) . ف " أل " فِي الِاسْم الْجَلِيل، قيل: للتعريف تفخيماً وتعظيماً، ثمَّ صَار علما بالغلبة.
وَقيل: بل [هما] من أصل الْكَلِمَة، وَلَعَلَّ قَائِله أَرَادَ: إِذا قُلْنَا: إِنَّه غير مُشْتَقّ، وهمزة " إِلَه " أصل، وَهُوَ من أَله - بِكَسْر اللَّام - يؤله إلاهة وألوهة وألوهية بِمَعْنى عبد، فإله مصدر فِي مَوضِع الْمَفْعُول، أَي: المألوه وَهُوَ المعبود.
وَقيل: من أَله: إِذا تحير، إِذْ الْعُقُول تتحير فِي مَعْرفَته.
وَقيل: أَله: إِذا فزع من أَمر نزل عَلَيْهِ، وألهه غَيره: أجاره، إِذْ العابد يفزع إِلَيْهِ.
أومن ألهت إِلَى فلَان: سكنت إِلَيْهِ؛ لِأَن الْقُلُوب تطمئِن بِذكرِهِ، والأرواح تسكن إِلَى مَعْرفَته، قَالَه الْمبرد.
أَو من أَله الفصيل: إِذا / ولع بِأُمِّهِ؛ إِذْ الْعباد مولعون بالتضرع إِلَيْهِ فِي الشدائد.
وَقيل: من أَله - بِفَتْح اللَّام - بِمَعْنى عبد.
وَقيل: أصل الْهمزَة وَاو؛ لِأَنَّهُ من الوله، فأبدلت الْوَاو همزَة، كَمَا فِي إشاح أَصله وشاح، فالإله الَّتِي تتوله الْقُلُوب إِلَيْهِ، أَي: تتحير أَو تطرب.
وَقيل: من وَله: إِذا تحير وتخبط عقله، وَكَانَ أَصله " ولاها " فقلبت الْوَاو همزَة؛ لاستثقال الكسرة عَلَيْهَا، وَهُوَ كَالَّذي قبله.
وَقيل: أَصله لَام، وياء، وهاء، مصدر من لاه يَلِيهِ ليهاً: إِذا ارْتَفع، لِأَنَّهُ تَعَالَى مُرْتَفع على كل شَيْء وَعَما لَا يَلِيق بِهِ.
وَقَالُوا فِي مقلوبه: لهى أَبوك.
وَقيل: أَصله لَام، وواو، وهاء، من لاه يلوه: احتجب، لِأَنَّهُ مَحْجُوب عَن الْأَبْصَار، ثمَّ أدخلت الْألف وَاللَّام.
وَحَاصِل مَا نقل فِي أصل الْجَلالَة قَولَانِ:
أَحدهمَا: لاه، وَنقل عَن الْبَصرِيين.
وَالثَّانِي: إِلَه، وَنقل عَن الْكُوفِيّين.
فوزنه على الأول: " فعل " أَو " فعل " قلبت الْوَاو وَالْيَاء ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا، وأدخلت " أل " وأدغمت اللَّام فِي اللَّام ولزمت، وَهِي زَائِدَة لم تفد تعريفاً فتعريفه بالعلمية، وَتقدم ذَلِك، ويقصد حذفهَا فِي قَوْلهم: لاه أَبوك، أَي: لله أَبوك.
ووزنه على الثَّانِي: " فعال "، وَمَعْنَاهُ: مفعول، كالكتاب بِمَعْنى الْمَكْتُوب، وَقد تقدم أَيْضا.
قَوْله: {الَّذِي وفْق} ، أَي: سهل طَرِيق الْخَيْر وَالطَّاعَة.
والموفق اسْم فَاعل، وَهُوَ صفة من صِفَات الله تَعَالَى، سمي بِهِ؛ لِأَنَّهُ يوفق الْعباد، أَي: يرشدهم ويهديهم إِلَى طَاعَته، مَأْخُوذ من الوفق والموافقة وَهِي الالتحام بَين الشَّيْئَيْنِ.
والتوفيق مصدر وفْق، قَالَ ابْن الْقيم فِي " شرح منَازِل السائرين ": (التَّوْفِيق إِرَادَة الله من نَفسه أَن يفعل بِعَبْدِهِ مَا يصلح بِهِ العَبْد، بِأَن يَجعله قَادِرًا على فعل مَا يرضيه، مرِيدا لَهُ محباً مؤثرا لَهُ على غَيره، وَيبغض إِلَيْهِ مَا يسخطه ويكرهه، وَهَذَا مُجَرّد فعله، وَالْعَبْد مَحل لَهُ. /
قَالَ: وفسرت الْقَدَرِيَّة التَّوْفِيق، بِأَنَّهُ خلق الطَّاعَة، والخذلان: خلق الْمعْصِيَة) انْتهى.
وَقَالَ الْبَغَوِيّ: (هُوَ تسهيل سَبِيل الْخَيْر وَالطَّاعَة) انْتهى.
وَقَالَ غَيره: (هُوَ خلق قدرَة الطَّاعَة وتسهيل سَبِيل الْخَيْر، وَعَكسه الخذلان) .
وَهُوَ قريب من الَّذِي قبله، أَو هُوَ هُوَ، وَنسب إِلَى الْمُتَكَلِّمين.
وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي فِي " الْإِرْشَاد ": (صرفت الْمُعْتَزلَة التَّوْفِيق إِلَى خلق [لطف] يعلم الرب تَعَالَى أَن العَبْد يُؤمن عِنْده، والخذلان مَحْمُول على امْتنَاع اللطف) .
إِذا علم ذَلِك؛ فَهُوَ الَّذِي وفْق الْإِنْسَان لمراشد أمره، وَلَوْلَا توفيقه سبحانه وتعالى لما قدر العَبْد على فعل شَيْء من الطَّاعَات، لَا من الْعلم وَلَا من غَيره، وَلَا ترك شَيْء من الْمعاصِي، والأشياء إِنَّمَا تحصل وتوجد بتوفيقه وتسديده، وَلكنه عَزِيز، وَلذَلِك يُقَال:(التَّوْفِيق أعز الْأَشْيَاء) .
قَالَ بعض السّلف: (مَا نزل من السَّمَاء أعز من التَّوْفِيق، وَلَا صعد من الأَرْض أعز من الْإِخْلَاص) انْتهى.
وَلِهَذَا لم يرد فِي الْقُرْآن إِلَّا فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
أَحدهَا: قَوْله تَعَالَى فِي قصَّة شُعَيْب عليه السلام: {وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه عَلَيْهِ توكلت وَإِلَيْهِ أنيب} [هود: 88] .
الثَّانِي: قَوْله تَعَالَى عَن الْحكمَيْنِ: {وَإِن يريدا إصلاحاً يوفق الله بَينهمَا} [النِّسَاء 35] الثَّالِث: قَوْله تَعَالَى عَن الْمُنَافِقين {ثمَّ جاءوك يحلفُونَ بِاللَّه إِن أردنَا إِلَّا إحسانا وتوفيقا} [النِّسَاء: 62] .
قَوْله: {فَعلم} .
أَي: بتوفيقه علىعلم الْإِنْسَان، وَلَوْلَا توفيقه وهدايته وتيسيره لما حصل الْعلم أحد وَلَا تعلمه، قَالَ الله تَعَالَى:{الَّذِي علم بالقلم علم الْإِنْسَان مَا لم يعلم} [العلق: 4 - 5]، وَقَالَ تَعَالَى:{وعلمك مَا لم تكن تعلم} [النِّسَاء: 113]، وَقَالَ تَعَالَى:{الرَّحْمَن علم الْقُرْآن خلق الْإِنْسَان علمه الْبَيَان} [الرَّحْمَن: 1 - 4] وَقَالَ تَعَالَى: {وَعلم ءادم الْأَسْمَاء كلهَا} [الْبَقَرَة: 31]، وَقَالَ تَعَالَى:{وَاتَّقوا الله ويعلمكم [الله} [الْبَقَرَة: 282] ، وَهُوَ وَارِد] فِي آي كَثِيرَة، وَيَأْتِي قَرِيبا حد الْعلم.
قَوْله: {وأنعم فألهم وَفهم} . /
أنعم مصدره: إنعام، والإنعام: الْإِعْطَاء من غير مُقَابلَة.
قَالَ فِي " الْقَامُوس ": (أنعمها الله وأنعم بهَا: عطيته) .
فَهُوَ الَّذِي أنعم على عَبده، بِأَن ألهمه طَرِيق الْخَيْر والسعادة، وسهلها لَهُ، وفهمه مَعَاني كِتَابه وَسنة رَسُوله صلى الله عليه وسلم َ - والعلوم النافعة والأعمال الصَّالِحَة.
وَيَأْتِي معنى الإلهام عقب فصل الْأَعْيَان المنتفع بهَا، وَمعنى الْفَهم قَرِيبا.
و" فهم " مضعف للفورية والتكثير.
قَوْله: {وَالصَّلَاة} .
ثلثنا بِذكر الصَّلَاة عَلَيْهِ - صلوَات لله وَسَلَامه عَلَيْهِ تترى إِلَى يَوْم الْقِيَامَة - لما قَامَ بِهِ الدَّلِيل على ذَلِك عقلا ونقلاً.
أما النَّقْل: فقد قرن الله تَعَالَى ذكره بِذكرِهِ فِي كِتَابه، فَهُوَ مَعَه فِي قَوْله تَعَالَى:{وَأَطيعُوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُول} [الْمَائِدَة: 92، والتغابن: 12]، {وَمن يطع الله وَرَسُوله} [النِّسَاء: 13، والأحزاب: 71، وَالْفَتْح: 17] ، {وَالله وَرَسُوله أَحَق أَن يرضوه} [التَّوْبَة: 62] ، {ألم يعلمُوا أَنه من يحادد الله وَرَسُوله} [التَّوْبَة: 63] ، إِلَى غير ذَلِك من الْآيَات.
وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {ورفعنا لَك ذكرك} [الشَّرْح: 4]، قَالَ الْمُفَسِّرُونَ:(لَا أذكر إِلَّا وتذكر معي) .