الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَوْله: {فصل}
ذهب الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة، وأتباعهم، إِلَى أَن الْحَقِيقَة / لَا تَسْتَلْزِم الْمجَاز، وَحكي إِجْمَاعًا، فتوجد الْحَقِيقَة وَلَا يُوجد لَهَا مجَاز.
وَحكى القَاضِي أَبُو بكر الباقلاني عَن بعض الْقَدَرِيَّة أَنَّهَا تستلزمه، وَأَنه مَا لَا مجَاز لَهُ لَا يُقَال لَهُ: حَقِيقَة، وَهُوَ مَرْدُود بالواقع، واللغة طافحة بحقائق لَا مجازات لَهَا.
وَأما الْعَكْس، وَهُوَ أَن الْمجَاز هَل يسْتَلْزم الْحَقِيقَة أم لَا؟ اخْتلف فِي ذَلِك.
فَذهب أَكثر الْعلمَاء إِلَى أَنه يستلزمها، وَأَنه مَتى وجد الْمجَاز وجدت الْحَقِيقَة، اخْتَارَهُ أَبُو الْخطاب فِي " التَّمْهِيد "، وَابْن عقيل فِي " الْوَاضِح "، والموفق فِي " الرَّوْضَة "، والطوفي فِي " مختصرها "، وَأَبُو الحيسن الْبَصْرِيّ، وَابْن السَّمْعَانِيّ، وَالْفَخْر الرَّازِيّ فِي مَوضِع، وَغَيرهم.
وَاحْتَجُّوا على ذَلِك: بِأَن الْمجَاز فرع، والحقيقة أصل، وَمَتى وجد الْفَرْع وجد الأَصْل.
وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ لَو لم يسْتَلْزم لعري الْوَضع عَن الْفَائِدَة.
وَاخْتَارَ الْآمِدِيّ: أَنه لَا يستلزمها، وَنَقله صَاحب " البديع "
عَن الْمُحَقِّقين، وَاخْتَارَهُ الرَّازِيّ فِي مَوضِع آخر من " الْمَحْصُول "، نظرا إِلَى أَنه لَو استلزم الْمجَاز الْحَقِيقَة لَكَانَ لنَحْو: قَامَت الْحَرْب على سَاق، وشابت لمة اللَّيْل، من المجازات الإسنادية حَقِيقَة، وَلَيْسَ كَذَلِك؛ لِأَنَّهَا لَيست مَوْضُوعَة أَولا لمعان أخر، حَتَّى يدعى أَنَّهَا منقولة عَنْهَا.
ورد: بِأَنَّهُ مُشْتَرك الْإِلْزَام للُزُوم الْوَضع لَهما، وَبِأَنَّهُ لَا مجَاز فِي التَّرْكِيب.
وَقَوْلهمْ: لَو لم يسْتَلْزم لعري الْوَضع عَن فَائِدَة، غير مُسلم؛ فَإِن الْفَائِدَة لَا تَنْحَصِر فِي اسْتِعْمَاله فِيمَا وضع لَهُ أَولا، وَقد يتجوز فَتحصل الْفَائِدَة بالمجاز.
قَالَ ابْن مُفْلِح: (وَقد يسْتَعْمل بعد الْمجَاز) .
وَقد حكى ابْن الْعِرَاقِيّ فِيهَا ثَلَاثَة أَقْوَال، الثَّالِث: أَن الْمجَاز لَا يستلزمها فِي غير الْمصدر، قَالَ:(اخْتَارَهُ الْآمِدِيّ والتاج السُّبْكِيّ) .
ورد ذَلِك الكوراني ردا بليغاً، وَقَالَ:(هَذَا لَا يساعده عَلَيْهِ عقل وَلَا نقل) .
قَوْله: { [وَلَفْظهمَا] حقيقتان / عرفا، مجازان لُغَة} .
لَا شكّ أَن لَفْظهمَا حقيقتان عرفيتان، لِأَن استعمالهما فِي ذَلِك باصطلاح أهل الْعرف، لَا من مَوضِع اللُّغَة، وهما مجازان لُغَة؛ لِأَن الْحَقِيقَة الْعُرْفِيَّة مجَاز لُغَة، وَقد تقدم أَنَّهُمَا منقولتان، وَذكرنَا كَيْفيَّة نقلهما وتصريفهما، فليعاود أول الْحَقِيقَة، وَأول الْمجَاز.
قَوْله: { [وهما] من عوارض الْأَلْفَاظ فِي الْأَشْهر} .
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين لما تكلم على أَن الْمجَاز هَل هُوَ وَاقع أم لَا؟ : (الْمَشْهُور أَن الْحَقِيقَة وَالْمجَاز من عوارض الْأَلْفَاظ، وَهَذَا التَّقْسِيم حَادث بعد الْقُرُون الثَّلَاثَة) .
يَعْنِي: تَقْسِيم اللَّفْظ إِلَى: حَقِيقَة، ومجاز، وَيَأْتِي هَذَا هُنَاكَ.
قَوْله: {وَاللَّفْظ قبل اسْتِعْمَاله لَيْسَ حَقِيقَة وَلَا مجَازًا} .
إِذا وضع اللَّفْظ لِمَعْنى، وَلم يتَّفق اسْتِعْمَاله لَا فِيمَا وضع لَهُ أَولا وَلَا فِي غَيره، لم يكن حَقِيقَة وَلَا مجَازًا، لعدم ركن تعريفهما وَهُوَ الِاسْتِعْمَال؛ لِأَن الِاسْتِعْمَال جُزْء من مَفْهُوم كل مِنْهُمَا، وَانْتِفَاء الْجُزْء يُوجب انْتِفَاء الْكل.
{زَاد ابْن حمدَان، وَالشَّيْخ} تَقِيّ الدّين: {إِن قُلْنَا: اللُّغَة اصْطِلَاح} ، كأسماء الْأَعْلَام وَالصِّفَات.
وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَيْضا: (إِنَّمَا يَصح إِن كَانَت اللُّغَة اصطلاحية، وَإِن الْمَعْرُوف بالتواتر اسْتِعْمَال هَذِه الْأَلْفَاظ فِيمَا عنوه بهَا من الْمعَانِي، فَإِن ادّعى مُدع أَنه يعلم وضعا يتَقَدَّم ذَلِك فَهُوَ مُبْطل، فَإِنَّهُ لم يَنْقُلهُ أحد) .
وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْن الْبَصْرِيّ: (لَو قَالَ الْوَاضِع: سميت هَذَا حَائِطا، أَو قَالَ: سموا هَذَا حَائِطا، لَا يكون قَوْله فِي تِلْكَ الْحَال حَقِيقَة وَلَا مجَازًا؛ لِأَنَّهُ لم يتَقَدَّم ذَلِك مواضعة واصطلاح) .
قَالَ أَبُو الْخطاب فِي " التَّمْهِيد ": (وَهَذَا خطأ، لِأَن الْكَلَام إِذا خلا عَن حَقِيقَة ومجاز مهمل، وَهَذَا كَلَام مَفْهُوم غير مهمل) .
الْعلم تَارَة يكون من وضع اللُّغَة، وَتارَة يكون متجدداً.
فَإِن كَانَ من وضع اللُّغَة فحقيقة، صرح بِهِ بَعضهم، واستثناء من عُمُوم / كَلَامهم.
وَإِن كَانَ الْعلم متجدداً، فَالْأَصَحّ لَيْسَ بِحَقِيقَة وَلَا مجَاز، اخْتَارَهُ الْأَكْثَر، لَا بِالْأَصَالَةِ وَلَا بالتبعية، لِأَن الْأَعْلَام وضعت للْفرق بَين ذَات وَذَات، فَلَو تجوز فِيهَا لبطل هَذَا الْغَرَض، و - أَيْضا - فتقلها إِلَى مُسَمّى آخر إِنَّمَا هُوَ بِوَضْع مُسْتَقل، لَا لعلاقة، وَشرط الْمجَاز العلاقة.
وَقَالَ فِي " التَّمْهِيد ": (أَسمَاء الألقاب لَا يدخلهَا حَقِيقَة وَلَا مجَاز، لِأَنَّهَا لم تقع على [مسمياتها] الْمعينَة بِوَضْع لغَوِيّ أَو شَرْعِي، فَلم يقل: إِن مستعملها اتبع حَقِيقَتهَا أَو مجازها) .
وَقَالَ ابْن عقيل فِي " الْوَاضِح ": (أَسمَاء الْأَعْلَام حَقِيقَة لَا مجَاز فِيهَا، وضعت للْفرق بَين الْأَشْخَاص لَا فِي الصِّفَات، وإفادة معنى فِي الْمُسَمّى، حَتَّى إِذا [أجري] على من لَيست لَهُ تِلْكَ الصّفة قيل: مجَاز) انْتهى.
وَقيل: يجْرِي فِيهَا الْمجَاز مُطلقًا، حَكَاهُ الأبياري، كَمَا يُقَال قَرَأت
سِيبَوَيْهٍ: إِذا نقلت علم صَاحبه إِلَيْهِ مجَازًا.
ورد: بِأَنَّهُ على حذف مُضَاف، فَهُوَ من مجَاز الْإِضْمَار.
وَقَالَ ابْن عقيل - أَيْضا -: (وَقد يجوز فِي مَوضِع أَن يتجوز بِالِاسْمِ لمعناه [وَحَقِيقَته] ، كَقَوْلِك للنحوي: هَذَا سِيبَوَيْهٍ زَمَانه، وللجواد: هَذَا حَاتِم، وللشجاع: هَذَا عَليّ، وَهَذَا قِيَاس على الْوَضع اللّغَوِيّ بِالْمَعْنَى الَّذِي سلكه أهل اللُّغَة) انْتهى.
وَحكى الْقَوْلَيْنِ فِيهِ عبد الْوَهَّاب فِي " الملخص "، وَصَاحب " الْمِيزَان " من الْحَنَفِيَّة، وَقَالَ:(الْأَكْثَر على دُخُول الْمجَاز فِيهِ) ، لَكِن قَالَ
الْهِنْدِيّ: (إِن الْخلاف جَار فِي الْأَعْلَام المنقولة)، وَقَالَ غَيره:(الصَّوَاب جَرَيَانه فِي الْأَعَمّ من الْمَنْقُول والمرتجل)، وَنقل بعض أَصْحَابنَا أَن الْآمِدِيّ قَالَ:(أَسمَاء الألقاب قد تصير حَقِيقَة ومجازاً) .
قَالَ بعض أَصْحَابنَا: (وَهُوَ غَرِيب بعيد) .
وَقيل: بِالْفرقِ بَين مَا تلمح فِيهِ الصّفة، فَيجوز، كأسود وحارث وَنَحْوهمَا، دون الْعلم الَّذِي وضع للْفرق الْمَحْض بَين الذوات، كزيد وَعَمْرو / وَبِه قَالَ الْغَزالِيّ.
قَالَ الكوراني لما قدم التَّاج السُّبْكِيّ: أَن الْمجَاز لَا يكون فِي الْأَعْلَام مُطلقًا: (مَا ذهب إِلَيْهِ المُصَنّف خلاف مَا عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ.
إِذْ قَالُوا: إِذا قلت: رَأَيْت حاتماً، وَأَرَدْت شخصا معينا، وَإِنَّمَا أطلقت عَلَيْهِ لفظ حَاتِم بعد التَّشْبِيه بِهِ فِي الْجُود مجَاز؛ لكَونه اسْتِعَارَة تصريحية، وَهِي مجَاز لغَوِيّ عِنْد الْمُحَقِّقين، وَكَذَلِكَ إِذا قلت: رَأَيْت الْيَوْم أَبَا لَهب،