المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ في فرس أبي طلحة لماركبه: " وجدناه بحرا "، ونحوه.قوله: { [وفي] إسناد، خلافا لقوم} .يكون المجاز في الإسناد على الصحيح، وعليه المعظم، وكثير من أصحابنا فيجري فيه وإن لم يكن في لفظي المسند والمسند إليه تجوز، وذلك بأن يسند الشيء - التحبير شرح التحرير - جـ ١

[المرداوي]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌شرح مُقَدّمَة الْكتاب

- ‌ حَيْثُ ابْتَدَأَ بهَا فِي [كِتَابَته] إِلَى الْمُلُوك وَغَيرهم.واقتداء بقوله

- ‌ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة وَغَيره أَنه قَالَ: " كل أَمر ذِي بَال لَا يبْدَأ فِيهِ بِالْحَمْد لله فَهُوَ أقطع ".وَفِي رِوَايَة: " بِحَمْد الله "، وَفِي رِوَايَة: " بِالْحَمْد "، وَفِي رِوَايَة: " بِبسْم الله الرَّحْمَن " كَمَا تقدم، وَفِي رِوَايَة:: فَهُوَ أَجْذم "، وَفِي رِوَايَة: " لَا يبْدَأ فِيهِ

- ‌ قَالَ: " قَالَ الله تَعَالَى: قسمت الصَّلَاة بيني وَبَين عَبدِي نِصْفَيْنِ

- ‌ عَن جِبْرِيل عليه السلام عَن رب الْعَالمين، ذكره النَّوَوِيّ وَغَيره.وَيدل على ذَلِك ذكره مَعَه فِي التَّشَهُّد، والخطب، والتأذين، وَغَيرهَا.وَأمر الله تَعَالَى الْمُؤمنِينَ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَام عَلَيْهِ، وَأخْبر أَنه وَمَلَائِكَته يصلونَ عَلَيْهِ فِي الْآيَة الْكَرِيمَة، وَأدنى مَرَاتِب الْأَمر

- ‌ وَصلى صَلَاة دَعَا) انْتهى.قَالَ ابْن الْقيم فِي / " جلاء الأفهام ": (أصل الصَّلَاة لُغَة يرجع إِلَى

- ‌ إِذا دعِي أحدكُم إِلَى الطَّعَام فليجب فَإِن كَانَ صَائِما فَليصل "، أَي: فَليدع، على الصَّحِيح) انْتهى.وَقَالَ السُّهيْلي: (معنى الصَّلَاة حَيْثُ تصرفت يرجع إِلَى الحنو

- ‌ قَالَ: " من صلى عَليّ صَلَاة صلى الله عَلَيْهِ عشرا) ، وَفِي غير مُسلم " سبعين "، وَظَاهره الِاقْتِصَار على الصَّلَاة، وَهَذَا أظهر

- ‌ أَنا سيد ولد آدم وَلَا فَخر ".وَمِنْهَا: مَا خصّه الله تَعَالَى بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة.فَفِي الدُّنْيَا: كَونه بعث إِلَى النَّاس كَافَّة، وَغَيره مِمَّا لَا يُحْصى.وَفِي الْآخِرَة: اخْتِصَاصه بالشفاعة، والأنبياء تَحت لوائه

- ‌ أُوتيت فواتح الْكَلم وخواتمه وجوامعه " رَوَاهُ أَحْمد، وَفِي رِوَايَة: " وَاخْتصرَ لي الحَدِيث اختصاراً ".فَبَعثه الله تَعَالَى بجوامع الْكَلم، وَخَصه ببدائع الحكم.وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " من حَدِيث أبي هُرَيْرَة: " بعثت بجوامع الْكَلم ".قَالَ الزُّهْرِيّ: (جَوَامِع الْكَلم

- ‌ أَنه قَالَ: " فضلت على من قبلي بست وَلَا فَخر "، فَذكر مِنْهَا " وَأُوتِيت جَوَامِع الْكَلم "، وَهَذَا مِمَّا لَا يحْتَاج إِلَى إطالة وَلَا تَقْرِير.قَوْله: {وَأعلم} .كَونه أعلم خلق الله من الْمُتَّفق عَلَيْهِ بَين الْأمة من غير توقف، لِأَن من تتبع مجاري أَحْوَاله

- ‌ أرجح النَّاس عقلا وأفضلهم رَأيا) .وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: فَوجدت فِي جَمِيعهَا: (أَن الله تَعَالَى لم يُعْط جَمِيع الْخلق من بَدْء الدُّنْيَا إِلَى انْقِضَائِهَا من الْعقل فِي جنب عقله

- ‌ لِكَثْرَة خصاله المحمودة.أَي: ألهم الله تَعَالَى أَهله ذَلِك لما علم من خالصه المحمودة، قَالَه ابْن فَارس.وَقَالَت أمة: (سَمَّاهُ الله بذلك)

- ‌ وباسمه، وَكَانَ كل وَاحِد مِنْهُم قد خلف امْرَأَته حَامِلا، فَنَذر كل وَاحِد مِنْهُم إِن ولد لَهُ ولد أَن يُسَمِّيه مُحَمَّدًا، فَفَعَلُوا ذَلِك

- ‌ لَكِن لم يكن / مُحَمَّدًا حَتَّى كَانَ أَحْمد، حمد ربه فنبأه وشرفه، فَلذَلِك تقدم اسْم أَحْمد على اسْم مُحَمَّد

- ‌ تالية لحمد الله، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ

- ‌ رزقنا الله محبتهم وَاتِّبَاع آثَارهم، وَلَا جعل فِي قُلُوبنَا غلاً للَّذين آمنُوا.نُكْتَة: إِنَّمَا جَمعنَا بَين الْآل وَالْأَصْحَاب مُخَالفَة للمبتدعة؛ لأَنهم يوالون الْآل فَقَط، وَأهل السّنة يوالون الْآل وَالْأَصْحَاب.وجمعنا الْعلم بقولنَا: الْعُلُوم، وَإِن كَانَ الْعلم جِنْسا

- ‌ فَإِن كَانَ يَقُولهَا فِي خطبه وَشبههَا، رَوَاهُ عَنهُ الْخَمْسَة وَثَلَاثُونَ صحابياً، ذكر الْحَافِظ الرهاوي اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ فِي كِتَابه " الْأَرْبَعين "، وَذكر رِوَايَة كل وَاحِد مِنْهُم بِالْأَسَانِيدِ.وَزَاد ابْن مَنْدَه فِي مستخرجه ثَلَاثَة

- ‌ أُوتيت جَوَامِع الْكَلم وَاخْتصرَ لي الْكَلَام اختصاراً "، وَهُوَ مرادنا.واختصاره مشَاهد بالعيان كَذَلِك، إِذْ لَو كَانَ مطولا لَكَانَ أوسع وأكبر حجماً، وَإِنَّمَا اختصرناه لمعان.مِنْهَا: لِئَلَّا يحصل الْملَل بالإطالة.وَمِنْهَا: ليحفظ، فَإِن حفظ الْمُخْتَصر أيسر

- ‌{الْكَلَام على الْمُقدمَة}

- ‌ يتلَقَّى من جِبْرَائِيل، فَلَا حَاجَة فِيهِ إِلَى الِاسْتِدْلَال.{وَقيل: بالاستدلالي} . أَي: أَن علمهمْ استدلالي.قَالَ بعض الْأُصُولِيِّينَ: (علمهمْ استدلالي؛ لِأَنَّهُ يعلمُونَ الشَّيْء على حَقِيقَته، أَي: على مَا هُوَ بِهِ، وحقائق الْأَحْكَام تَابِعَة لأدلتها وعللها، فَكَمَا

- ‌ إِذا أَدّوا الْجِزْيَة فَلهم مَا لنا وَعَلَيْهِم مَا علينا

- ‌ فِيمَا جَاءَ بِهِ عَنهُ، ويتوقف صدقه على دلَالَة المعجزة.وَلِهَذَا ذكرت فِي هَذَا الْمُخْتَصر من أصُول الدّين بعض الْمُتَعَلّق بأصول الْفِقْه، كل مَسْأَلَة فِي مَكَانهَا الْمُتَعَلّق بهَا، وَقد ذكره الأصوليون ضمنا، لأجل التَّعَلُّق الْمَذْكُور.الثَّانِي: استمداده من الْعَرَبيَّة؛ وَذَلِكَ [

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌ وَمَا بِهِ الْإِرْشَاد، هُوَ كتاب الله وَسنة رَسُوله

- ‌ وَإِلَى عُلَمَاء الْأمة، لم يخرج شَيْء من أَحْكَام الْمُسلمين وَالْإِسْلَام عَنْهَا.قَوْله: وَالدَّلِيل: الْقُرْآن.قَالَ الْفَخر أَبُو مُحَمَّد إِسْمَاعِيل الْبَغْدَادِيّ: (هَذَا دَلِيل على أَن الدَّلِيل حَقِيقَة قَول الله تَعَالَى)

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌ تعرف إِلَى الله فِي الرخَاء يعرفك فِي الشدَّة

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌ أَلا إِن فِي الْجَسَد مُضْغَة إِذا صلحت صلح الْجَسَد كُله، أَلا وَهِي الْقلب) .وَقد دللنا - أَيْضا - على أَن الْعقل بعضالعلوم الضرورية، والعلوم الضرورية لَا تكون إِلَّا فِي الْقلب، وَمَعَ هَذَا لَهُ اتِّصَال بالدماغ، قَالَه التَّمِيمِي من أَصْحَابنَا، وَغَيره من الْأَصْحَاب

- ‌ قَالَ للنِّسَاء: " أَلَيْسَ شَهَادَة إحداكن مثل [نصف شَهَادَة] الرجل؟ " قُلْنَ: بلَى، قَالَ: " فَذَلِك من نُقْصَان عقلهَا ". { [وَخَالف ابْن] عقيل، والأشعرية، والمعتزلة، [وَقَالَهُ] الْمَاوَرْدِيّ فِي الغريزي لَا التجربي، وَحمل الطوفي الْخلاف على ذَلِك}

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌ من الْأَنْبِيَاء الْمُرْسلين، / إِنَّمَا كَانَ مَبْعُوثًا لِقَوْمِهِ خَاصَّة، فَهُوَ مَبْعُوث بلسانهم، وَمُحَمّد

- ‌ أصدق كلمة قَالَهَا [شَاعِر] كلمة لبيد أَلا كل شَيْء مَا خلا الله بَاطِل "، فَسمى ذَلِك كُله كلمة.وَهُوَ مجَاز مهمل فِي عرف النُّحَاة، فَقيل: هُوَ من تَسْمِيَة الشَّيْء باسم بعضه، وَقيل: لما ارْتبط أَجزَاء الْكَلَام بَعْضهَا بِبَعْض حصل لَهُ بذلك وحدة، فشابه بهَا الْكَلِمَة

- ‌ عَن الله تَعَالَى أعلم أمته أَنه كَلَام الله تَعَالَى لَا كَلَام غَيره، وَهَذَا يبطل قَول من قَالَ من الْمُتَأَخِّرين: إِن الْكَلَام يُقَال بالاشتراك على اللَّفْظ وَالْمعْنَى، فَيُقَال لَهُم: إِذا كَانَ كل مِنْهُمَا يُسمى كلَاما

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌قَوْله {فصل}

- ‌قَوْله: / {فصل}

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌ بالبطحاء فمرت سَحَابَة، فَقَالَ النَّبِي

- ‌ وَالله لأغزون قُريْشًا " وكرره ثَلَاثًا، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن عِكْرِمَة مُرْسلا

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌ للْعَبَّاس: " لَا يفضض الله فَاك "، أَي: أسنانك؛ إِذْ الْفَم مَحل

- ‌ كل مُسكر خمر "، لِأَن فِيهِ قُوَّة الْإِسْكَار

- ‌ تحيضي - فِي علم الله - سِتا أَو سبعا "، فَإِن التَّقْدِير:

- ‌ أَيّمَا رجل وجد مَاله عِنْد رجل قد أفلس فَصَاحب الْمَتَاع أَحَق بمتاعه "، قَالَ القَاضِي

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌ فِي فرس أبي طَلْحَة لماركبه: " وَجَدْنَاهُ بحراً "، وَنَحْوه.قَوْله: { [وَفِي] إِسْنَاد، خلافًا لقوم} .يكون الْمجَاز فِي الْإِسْنَاد على الصَّحِيح، وَعَلِيهِ الْمُعظم، وَكثير من أَصْحَابنَا فَيجْرِي فِيهِ وَإِن لم يكن فِي لَفْظِي الْمسند والمسند إِلَيْهِ تجوز، وَذَلِكَ بِأَن يسند الشَّيْء

الفصل: ‌ في فرس أبي طلحة لماركبه: " وجدناه بحرا "، ونحوه.قوله: { [وفي] إسناد، خلافا لقوم} .يكون المجاز في الإسناد على الصحيح، وعليه المعظم، وكثير من أصحابنا فيجري فيه وإن لم يكن في لفظي المسند والمسند إليه تجوز، وذلك بأن يسند الشيء

وَأَرَدْت شخصا معينا، وقصدت كَافِرًا مثله، يكون اسْتِعَارَة، فَمَا ذكره الْغَزالِيّ هُوَ كَلَام فِي غَايَة الْحسن والدقة، فَلَا وَجه لعدم قبُوله) انْتهى.

قَوْله: {وَيكون فِي مُفْرد} .

بِلَا نزاع عِنْد الْقَائِل بالمجاز، كإطلاق لفظ الْأسد على الشجاع، وَالْحمار على البليد، وَالْبَحْر على الْعَالم والجواد، وَالْفرس [الشَّديد] الجري، فِي قَوْله صلى الله عليه وسلم َ -‌

‌ فِي فرس أبي طَلْحَة لماركبه: " وَجَدْنَاهُ بحراً "، وَنَحْوه.

قَوْله: { [وَفِي] إِسْنَاد، خلافًا لقوم} .

يكون الْمجَاز فِي الْإِسْنَاد على الصَّحِيح، وَعَلِيهِ الْمُعظم، وَكثير من أَصْحَابنَا فَيجْرِي فِيهِ وَإِن لم يكن فِي لَفْظِي الْمسند والمسند إِلَيْهِ تجوز، وَذَلِكَ بِأَن يسند الشَّيْء

إِلَى غير من هُوَ لَهُ بِضَرْب من التَّأْوِيل بِلَا وَاسِطَة وضع، كَقَوْلِه:

ص: 446

(أشاب الصَّغِير وأفنى الْكَبِير

كرّ الْغَدَاة وَمر الْعشي)

فَلفظ الإشابة حَقِيقَة فِي مَدْلُوله وَهُوَ تبييض الشّعْر، وَلَفظ الزَّمَان الَّذِي هُوَ مُرُور اللَّيْل وَالنَّهَار حَقِيقَة فِي مَدْلُوله أَيْضا، لَكِن إِسْنَاد الإشابة إِلَى الزَّمَان مجَاز، إِذْ المشيب للنَّاس فِي الْحَقِيقَة هُوَ الله تَعَالَى، فَهَذَا مجَاز فِي التَّرْكِيب، أَي: فِي إِسْنَاد [الْأَلْفَاظ] بَعْضهَا إِلَى بعض، لَا فِي نفس مدلولات الْأَلْفَاظ، وَهَكَذَا كل لفظ كَانَ مَوْضُوعا فِي اللُّغَة ليسند إِلَى لفظ آخر، فأسند إِلَى غير ذَلِك اللَّفْظ، فإسناده مجَاز تركيبي، وَمِنْه: قَوْله تَعَالَى: {وَإِذا تليت [عَلَيْهِم] ءايته زادتهم إِيمَانًا} [الْأَنْفَال: 2]، {رب إنَّهُنَّ أضللن كثيرا من النَّاس} [إِبْرَاهِيم: 36] ، فَكل من طرفِي الْإِسْنَاد حَقِيقَة، وَإِنَّمَا الْمجَاز / فِي الْإِسْنَاد الزِّيَادَة إِلَى الْآيَات، والإضلال إِلَى الْأَصْنَام، وَكَذَلِكَ نَحْو:{ينْزع عَنْهُمَا لباسهما} [الْأَعْرَاف: 27] ، وَالْفَاعِل لذَلِك فِي الْكل هُوَ الله تَعَالَى.

وَيُسمى الْمجَاز الْعقلِيّ، والحكمي، ومجاز التَّرْكِيب؛ لِأَن النِّسْبَة إِلَى الْمركب أَمر عَقْلِي، بِخِلَاف الْمجَاز فِي الْمُفْردَات فَإِنَّهُ وضعي فِي اللُّغَة.

ص: 447

وَأنكر السكاكي الْمجَاز الْعقلِيّ، ورده إِلَى الِاسْتِعَارَة بِالْكِنَايَةِ، فنحو: أنبت الرّبيع البقل، اسْتِعَارَة عَن الْفَاعِل الْحَقِيقِيّ بِوَاسِطَة الْمُبَالغَة فِي التَّشْبِيه على قَاعِدَة الِاسْتِعَارَة، وَنسبَة الإنبات إِلَيْهِ قرينَة الِاسْتِعَارَة، وَهَكَذَا تصنع فِي بَقِيَّة الْأَمْثِلَة، [وَقَالَهُ] ابْن الْحَاجِب فِي " أَمَالِيهِ "، وَفِي مُخْتَصره الْكَبِير فِي أصُول الْفِقْه، واستبعده فِي الصَّغِير.

وعَلى الْمَنْع فَقيل: الْمجَاز فِي الْمسند، فنحو: أنبت الرّبيع البقل، (أنبت) فِيهِ بِمَعْنى:(تسبب)، وَالْمرَاد: التَّسَبُّب العادي، وَهُوَ رَأْي ابْن الْحَاجِب.

وَقيل: فِي الْمسند إِلَيْهِ، فَهُوَ فِي الرّبيع من الْمِثَال، فَأطلق على الْفَاعِل الْحَقِيقِيّ مجَازًا، ثمَّ وَقع الْإِسْنَاد، وَهُوَ رَأْي السكاكي إِذْ جعله من الِاسْتِعَارَة بِالْكِنَايَةِ.

وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا: الْمجَاز فِي التَّرْكِيب عَقْلِي، نَحْو:{وأخرجت الأَرْض أثقالها} [الزلزلة: 2] ، أسْند الْإِخْرَاج إِلَى الأَرْض، فَهُوَ فِي حكم الْعقل مُسْند إِلَى الله تَعَالَى، فالنقل عَن ذَلِك نقل لحكم عَقْلِي.

ص: 448

وَقيل: بل لَفْظِي؛ لِأَن (أخرج) مَوْضُوع لصدور الْخُرُوج عَن قَادر، فاستعماله فِي الأَرْض مجَاز.

قَالَ بَعضهم: هَل الْمُسَمّى بالمجاز فِي الْعقلِيّ، نفس الْإِسْنَاد أَو الْكَلَام الْمُشْتَمل عَلَيْهِ.

قَالَ صَاحب " الْكَشَّاف " بِالْأولِ، وَنَقله ابْن الْحَاجِب عَن عبد القاهر، لَكِن الْمَوْجُود فِي " دَلَائِل الإعجاز " لَهُ: أَن الْمُسَمّى بالمجاز الْكَلَام لَا الْإِسْنَاد، وَعَلِيهِ جرى السكاكي فِي " الْمِفْتَاح "، وَاخْتَارَ الرَّازِيّ فِي " نِهَايَة الإيجاز " مذهبا رَابِعا:(أَن هَذَا وَنَحْوه من بَاب التَّمْثِيل، فَلَا مجَاز فِيهِ وَلَا فِي الْمُفْرد وَلَا فِي الْإِسْنَاد، بل هُوَ كَلَام أورد ليتصور مَعْنَاهُ، فَينْتَقل الذِّهْن مِنْهُ / إِلَى إنبات الله تَعَالَى فِي الْمِثَال الْمَذْكُور، وَيُقَاس عَلَيْهِ غَيره) .

وَقَالَ القَاضِي عضد الدّين: (وَالْحق أَنَّهَا تَصَرُّفَات عقلية، وَلَا حجر فِيهَا، وَالْكل مُمكن، وَالنَّظَر إِلَى قصد الْمُتَكَلّم) .

قَوْله: {وَفِيهِمَا مَعًا} .

ص: 449

أَي: يكون الْمجَاز فِي الْمُفْردَات وَفِي الْإِسْنَاد مَعًا، كَقَوْلِهِم: أحياني اكتحالي بطلعتك، إِذْ حَقِيقَته: سرتني رؤيتك، لَكِن أطلق لفظ الْأَحْيَاء على السرُور مجَازًا إفرادياً، لِأَن الْحَيَاة شَرط صِحَة السرُور، وَهُوَ من آثارها، وَكَذَا لفظ الاكتحال على [الرُّؤْيَة] مجَاز إفرادي، لِأَن الاكتحال جعل الْعين مُشْتَمِلَة على الْكحل، كَمَا أَن الرُّؤْيَة جعل الْعين مُشْتَمِلَة على صُورَة المرئي، فَلفظ الْإِحْيَاء والاكتحال حَقِيقَة فِي مدلولهما، وَهُوَ سلوك الرّوح فِي الْجَسَد وَوضع الْكحل فِي الْعين، واستعماله - أَي: لفظ الْإِحْيَاء والاكتحال - فِي السرُور والرؤية مجَاز إفرادي، وَإسْنَاد الْإِحْيَاء إِلَى الاكتحال مجَاز تركيبي، لِأَن لفظ الْإِحْيَاء لم يوضع ليسند إِلَى الاكتحال، بل إِلَى الله تَعَالَى، لِأَن الْإِحْيَاء والإماتة الحقيقيين من خَواص قدرته سبحانه وتعالى.

قَوْله: {وَفِي فعل، ومشتق، وحرف، وفَاقا للنقشواني، وَابْن

ص: 450

عبد السَّلَام، وَمَعَ الرَّازِيّ الْحَرْف بِالْأَصَالَةِ، وَالْفِعْل والمشتق إِلَّا بالتبع} .

الصَّحِيح: أَن الْمجَاز يجْرِي فِي الْأَفْعَال وَمَا فِي مَعْنَاهَا من المشتقات، كاسم الْفَاعِل، وَالْمَفْعُول، وَالصّفة المشبهة، وَنَحْوهَا مِمَّا اشتق من الْمصدر، كَمَا يجْرِي فِي الجوامد.

وَسَوَاء كَانَ الْمجَاز فِي الْأَفْعَال والمشتقات بطرِيق التّبعِيَّة للمصدر، كَمَا يُقَال: صلى بِمَعْنى: دَعَا، فَهُوَ مصل، بِمَعْنى: دَاع، تبعا لإِطْلَاق الصَّلَاة، وَقس على ذَلِك، أَو لَا بطرِيق التّبعِيَّة، كإطلاق الْفِعْل الْمَاضِي بِمَعْنى الِاسْتِقْبَال، نَحْو:{وَنفخ فِي الصُّور} ، و {أَتَى أَمر الله} [النَّحْل: 1] ، {ونادى أَصْحَاب / الْجنَّة} [الْأَعْرَاف: 44] ، أَي: وينفخ، وَيَأْتِي، وينادي، وَإِطْلَاق الْمُضَارع بِمَعْنى الْمَاضِي، نَحْو:{وَاتبعُوا مَا تتلوا الشَّيَاطِين} [الْبَقَرَة: 102]، {فَلم تقتلون أَنْبيَاء الله} [الْبَقَرَة: 91] ، أَي: مَا تلته، وَلم قَتَلْتُمُوهُمْ؟ وَالتَّعْبِير بالْخبر عَن الْأَمر، نَحْو:{والوالدات يرضعن} [الْبَقَرَة: 233]، وَعَكسه:{فليمدد لَهُ الرَّحْمَن مدا} [مَرْيَم: 75] ، " فَليَتَبَوَّأ

ص: 451

مَقْعَده من النَّار "، " وَإِذا لم تَسْتَحي فَاصْنَعْ مَا شِئْت " على أحد الْأَقْوَال، وَالتَّعْبِير بالْخبر عَن النَّهْي:{لَا يمسهُ إِلَّا الْمُطهرُونَ} [الْوَاقِعَة: 79] .

قَالَ عُلَمَاء الْبَيَان: هُوَ أبلغ من صَرِيح الْأَمر وَالنَّهْي؛ لِأَن الْمُتَكَلّم لشدَّة تَأَكد طلبه نزل الْمَطْلُوب منزلَة الْوَاقِع لَا محَالة. وكإطلاق اسْم الْفَاعِل بِمَعْنى الِاسْتِقْبَال، أَو الْمَاضِي، على الرَّاجِح، كَمَا سَيَأْتِي فِي مسَائِل الِاشْتِقَاق.

وَمنع الرَّازِيّ فِي " الْمَحْصُول ": دُخُول الْمجَاز فِي الْأَفْعَال والمشتقات إِلَّا بالتبع للمصدر الَّذِي هِيَ مُشْتَقَّة مِنْهُ، قَالَ:(لِأَن الْمصدر فِي ضمن الْفِعْل وكل مُشْتَقّ، فَيمْتَنع دُخُول الْمجَاز فِي ذَلِك إِلَّا بعد دُخُوله فِيمَا هُوَ فِي ضمنه) .

ص: 452

وَضعف بِمَا سبق من التَّجَوُّز فِي الْفِعْل بالاستقبال والمضي، وَكَذَا فِي الْأَوْصَاف، إِذْ لَا مدْخل للمصدر فِي التَّجَوُّز بذلك.

وَقَوله: وَفِي حرف.

أَي: يجْرِي الْمجَاز فِي الْحُرُوف كَمَا يجْرِي فِي الْأَفْعَال، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح كَمَا فِي (هَل) تجوزوا بهَا عَن الْأَمر فِي قَوْله تَعَالَى:{فَهَل أَنْتُم مُسلمُونَ} [هود: 14، والأنبياء: 108]، {فَهَل أَنْتُم مُنْتَهُونَ} [الْمَائِدَة: 91] ، أَي: فأسلموا وفانتهوا، وَعَن النَّفْي، كَقَوْلِه تَعَالَى:{فَهَل ترى لَهُم من بَاقِيَة} [الحاقة: 8]، أَي: مَا ترى لَهُم من بَاقِيَة، وَعَن التَّقْرِير، كَقَوْلِه تَعَالَى:{هَل لكم من مَا ملكت أَيْمَانكُم من شُرَكَاء فِي مارزقناكم} [الرّوم: 28] ، وَشبه ذَلِك، لَا سِيمَا على القَوْل بِأَن كل حرف لَيْسَ لَهُ إِلَّا معنى وَاحِد، وَإِذا اسْتعْمل فِي غَيره كَانَ مجَازًا، وَخَالف فِي ذَلِك الرَّازِيّ - أَيْضا - فِي " الْمَحْصُول "، وَقَالَ: لَا يجْرِي فِي الْحُرُوف إِلَّا بالتبع، كوقوع الْمجَاز فِي مُتَعَلقَة، قَالَ:(لِأَن مَفْهُوم الْحَرْف غير مُسْتَقل، فَإِن ضم إِلَى مَا يَنْبَغِي ضمه إِلَيْهِ كَانَ حَقِيقَة، وَإِلَّا كَانَ / من مجَاز التَّرْكِيب، لَا من مجَاز الْإِفْرَاد) .

قَوْله: {ويحتج بِهِ، ذكره القَاضِي، وَابْن عقيل، وَابْن الزَّاغُونِيّ

ص: 453

وَحكي إِجْمَاعًا} .

حَكَاهُ ابْن قَاضِي الْجَبَل وَغَيره إِجْمَاعًا، والناقل عَن هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَة بِأَنَّهُ يحْتَج بِهِ: الْمجد، وحفيده فِي " المسودة "، وَقطع بِهِ ابْن عقيل.

قَالَ القَاضِي: (وَالدَّلِيل عَلَيْهِ: أَن الْمجَاز يُفِيد معنى من طَرِيق الْوَضع، كَمَا أَن الْحَقِيقَة تفِيد معنى من طَرِيق الْوَضع، أَلا ترى إِلَى قَوْله:{أَو جَاءَ أحد مِنْكُم من الْغَائِط} [النِّسَاء: 43، والمائدة: 6] ، فَإِنَّهُ يُفِيد الْمَعْنى وَإِن كَانَ مجَازًا، وَكَذَا قَوْله تَعَالَى:{وجوهٌ يَوْمئِذٍ ناضرة إِلَى رَبهَا ناظرة} [الْقِيَامَة: 22 - 23]، وَمَعْلُوم أَنه أَرَادَ: أعين الْوُجُوه ناظرة، لِأَن الْوُجُوه لَا تنظر، وَقد احْتج الإِمَام أَحْمد بِهَذِهِ الْآيَة على وجوب النّظر يَوْم الْقِيَامَة.

وَأَيْضًا فَإِن الْمجَاز قد يكون أسبق إِلَى الْقلب، كَقَوْل الرجل: لزيد عَليّ دِرْهَم، فَإِنَّهُ مجَاز، وَهُوَ أسبق إِلَى الْفَهم من قَوْله: يلْزَمنِي لزيد دِرْهَم، وَإِذا كَانَ يَقع الْمجَاز أَكثر مِمَّا يَقع بِالْحَقِيقَةِ، صَحَّ الِاحْتِجَاج بِهِ) انْتهى.

قَوْله: {وَلَا يُقَاس عَلَيْهِ، فَلَا يُقَال: سل الْبسَاط وَنَحْوه، ذكره

ص: 454

ابْن عقيل، وَابْن الزَّاغُونِيّ، وَحكي إِجْمَاعًا، وَلنَا وَجه: يجوز} .

قَالَ أَبُو بكر الطرطوشي الْمَالِكِي: (أجمع الْعلمَاء أَن الْمجَاز لَا يُقَاس عَلَيْهِ فِي مَوضِع الْقيَاس)، وَكَذَا قَالَ الْآمِدِيّ:(نسخت الْكتاب لَا يشبه الْإِزَالَة، فَهُوَ من النَّقْل، فَهُوَ حَقِيقَة فِي النَّقْل، لِأَن الْمجَاز لَا يتجوز بِهِ فِي غَيره بِإِجْمَاع أهل اللُّغَة) .

وَقَالَ القَاضِي فِي مَسْأَلَة ثُبُوت الْأَسْمَاء قِيَاسا: (أهل اللُّغَة أجروا اسْم الشَّيْء على الشَّيْء؛ لوُجُود بعض مَعْنَاهُ فِيهِ، كالشجاع سبعا، وَلما لم تُوجد كل مَعَانِيه كَانَ مجَازًا، وَأما النَّبِيذ فتوجد فِي مَعَاني الْخمر كلهَا، وَكَذَا النباش، فَلهَذَا كَانَ حَقِيقَة) .

ص: 455

قَالَ بعض أَصْحَابنَا: (هَذَا تَصْرِيح بِثُبُوت الْأَسْمَاء حقائقها ومجازاتها قِيَاسا، لَكِن فِيهِ قِيَاس الْمجَاز بِالْحَقِيقَةِ، وَقِيَاس الْمجَاز بالمجاز مُقْتَضى كَلَامه إِن وجد فِيهِ مَعَاني الْمجَاز / المقاس عَلَيْهِ كلهَا جَازَ) .

وَفِي " جمع الْجَوَامِع " وَغَيره: (هَل تثبت اللُّغَة قِيَاسا؟ أَقْوَال، ثَالِثهَا: تثبت الْحَقِيقَة لَا الْمجَاز) انْتهى.

وَحكى ابْن الزَّاغُونِيّ وَجها لنا بِثُبُوتِهِ، بِنَاء على الثُّبُوت الْأَسْمَاء قِيَاسا.

احْتج من مَنعه بِلُزُوم جَوَاز نَخْلَة لطويل غير إِنْسَان، وشبكة للصَّيْد، وَابْن للْأَب، وَبِالْعَكْسِ.

[أُجِيب] : لوُجُود مَانع هُنَا، وَأَيْضًا: هِيَ دَعْوَى بِلَا دَلِيل.

قَوْله: لَو جَازَ لَكَانَ قِيَاسا لُغَة - وَفِيه خلاف -، أَو اختراعاً، وَلَيْسَ بلغَة.

أُجِيب: بِأَن العلاقة مصححة كرفع الْفَاعِل، وَسبق كَلَام أَصْحَابنَا ،

وَاحْتج من أجَازه بِعَدَمِ توقف أهل الْعَرَبيَّة، وَبِأَنَّهُ لَو كَانَ نقلياً لما احْتِيجَ إِلَى النّظر فِي علاقَة.

أُجِيب: بِنَظَر الْوَاضِع، وَإِن نظر الْمُسْتَعْمل فليعرف الْحِكْمَة.،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

ص: 456