الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَوْله {فصل}
{إِذا اتَّحد اللَّفْظ ومدلوله} - أَي: مَعْنَاهُ - {واشترك فِي مَفْهُومه كثير} - يحملهُ عَلَيْهِم إِيجَابا لَا سلباً، لِأَن الجزئي يشْتَرك بَين كثيرين بسلبه عَنْهَا فَالْمُعْتَبر الْإِيجَاب - {وَلَو بِالْقُوَّةِ: فكلي، وَهُوَ ذاتي، وعرضي} .
اعْلَم أَن معنى اللَّفْظ إِن لم يمْنَع تصَوره من وُقُوع الشّركَة فكلي كإنسان.
والكلي لَهُ تقسيمات؛ لِأَنَّهُ: إِمَّا أَن يُوجد مِنْهُ فِي الْخَارِج، أَو لَا يُوجد، فَإِن وجد: فَأَما أَن يُوجد وَاحِد فَقَط، أَو كثير، وَمَا وجد مِنْهُ وَاحِد: إِمَّا أَن يكون غَيره مُمْتَنعا وجوده، أَو جَائِزا، وَمَا وجد مِنْهُ كثير: فإمَّا أَن يكون متناهياً، أَو غير متناه، وَالَّذِي لم يُوجد مِنْهُ شَيْء: إِمَّا أَن يُمكن وجوده، أَو يَسْتَحِيل، فَهَذِهِ سِتَّة أَقسَام.
وَبِهَذَا يعلم أَن التَّعْبِير بقولنَا: (إِن لم يمْنَع)
إِلَى آخِره /، أولى من نَحْو قَول ابْن الْحَاجِب:(إِن اشْترك فِي مَفْهُومه [كَثِيرُونَ] ) ، لخُرُوج بعض
هَذِه الْأَقْسَام عَن تَعْبِيره، إِلَّا أَن يحمل قَوْله (إِن اشْترك) على الْأَعَمّ من الِاشْتِرَاك بِالْفِعْلِ أَو بِالْقُوَّةِ، لذَلِك قُلْنَا فِي الْمَتْن:(وَلَو بِالْقُوَّةِ) ، لأجل مَا يرد عَلَيْهِ.
مِثَال مَا وجد مِنْهُ وَاحِد وَامْتنع غَيره: " إِلَه "، فَإِن الله لَا إِلَه غَيره، وَلَا يُمكن وجود إِلَه غَيره، لقَوْله تَعَالَى:{لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا} [الْأَنْبِيَاء: 22]، وَمعنى دُخُول " إِلَه " فِي تَعْرِيف الْكُلِّي: أَنه لَا يمْنَع تصور مَعْنَاهُ من الشّركَة فِي مَعْنَاهُ بِاعْتِبَار التَّصَوُّر فِي الذِّهْن، لَا بِاعْتِبَار الْمُمكن فِي الْخَارِج، فَلهَذَا ضل من ضل [بالإشتراك] .
وَمِثَال مَا وجد مِنْهُ وَاحِد وَلَا يمْتَنع وجود غَيره: الشَّمْس.
وَمِثَال مَا وجد مِنْهُ كثير فِي الْخَارِج وَهُوَ متناه: إِنْسَان، وَغير المتناهي مُتَعَذر على قَول أهل السّنة؛ إِذْ لَا يُوجد فِي الْعَالم شَيْء من الموجودات إِلَّا وَهُوَ متناه.
وَمِثَال مَا لَا يُوجد مِنْهُ شَيْء أصلا وَيُمكن وجوده: بَحر من زئبق.
وَمِثَال مَا يَسْتَحِيل: شريك الْبَارِي سبحانه وتعالى، فَإِنَّهُ محَال، وَلَا يخفى مَا فِي التَّمْثِيل بِهِ وَبِمَا قبله من إساءة الْأَدَب، وَهَذَا من اصْطِلَاحَات المناطقة.
وَقَوله: وَهُوَ ذاتي، وعرضي، يَعْنِي: أَن الْكُلِّي يَنْقَسِم إِلَى: ذاتي، وعرضي.
فالذاتي: هُوَ الَّذِي لم يخرج عَن حَقِيقَة الشَّيْء، مثل: الْحَيَوَان بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِنْسَان، والعرضي: هُوَ الَّذِي يخرج عَن حَقِيقَته، مثل: الضاحك.
قَوْله: {فَإِن تفَاوت فمشكك، وَإِلَّا فمتواط} .
إِذا تفَاوت أَفْرَاد الْكُلِّي فِي مَدْلُوله بأولوية وَعدمهَا، أَو شدَّة وَضعف، أَو تقدم وَتَأَخر، - كالوجود للخالق والمخلوق، فَإِنَّهُ يتَفَاوَت فيهمَا بالاعتبارات [الثَّلَاثَة؛ فَإِنَّهُ] فِي الْخَالِق أَشد واقدم وَأولى - فمشكك، فأفراد الْكُلِّي تَتَفَاوَت بِاعْتِبَار الْوُجُوب والإمكان، كالوجود للقديم والحادث كَمَا مثلنَا، وَبِاعْتِبَار الِاسْتِغْنَاء والافتقار، كالموجود الْمُمكن للجوهر المستغني عَن مَحل وَالْعرض / المفتقر إِلَى مَحل يقوم بِهِ.
وَبِاعْتِبَار الشدَّة والضعف، كبياض الثَّلج وَبَيَاض العاج، وكالنور لضوء الشَّمْس وضوء السراج.
وَسمي مشككاً: لما فِيهِ من تشكيك النَّاظر فِي مَعْنَاهُ، هَل هُوَ متواط لوُجُود الْكُلِّي فِي أَفْرَاده، أَو مُشْتَرك لتغاير أَفْرَاده؟
فَهُوَ اسْم فَاعل من (شكك) المضاعف من (شكّ) إِذا تردد.
وتمثيلنا بالوجود للخالق والمخلوق للمشكك، ذكره بعض أَصْحَابنَا وَغَيرهم، تبعا للآمدي، وَابْن الْحَاجِب؛ لكَونه حَقِيقَة فيهمَا عِنْد أَصْحَابنَا وَغَيرهم، وَذكره الْآمِدِيّ إِجْمَاعًا، وَذكر أَصْحَابنَا فِي كتب الْفِقْه أَنه حَقِيقَة فِي الْخَالِق، مجَاز فِي الْمَخْلُوق، وَقَالَهُ النَّاشِئ المعتزلي، وَعَن جهم وَمن تبعه عكس ذَلِك، يَعْنِي: حَقِيقَة فِي الْمَخْلُوق، مجَاز فِي الْخَالِق.
وَقَوله: وَإِلَّا فمتواط، يَعْنِي: وَإِن لم تَتَفَاوَت أَفْرَاد الْكُلِّي فمتواط، لِأَنَّهُ الَّذِي يتساوى أَفْرَاده بِاعْتِبَار ذَلِك الْكُلِّي الَّذِي تشاركت فِيهِ، كالإنسان بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَفْرَاده؛ فَإِن الْكُلِّي فِيهَا وَهُوَ الحيوانية والناطقية لَا تَتَفَاوَت فِيهَا بِزِيَادَة وَلَا نقص.
وَسمي بذلك من التواطؤ وَهُوَ التوافق، قَالَ الله تَعَالَى:{ليواطئوا عدَّة مَا حرم الله} [التَّوْبَة: 37]، أَي: ليوافقوا.
فإطلاق لفظ (المبدأ) على النقطة - أول خطّ - أَو على آن - أول زمَان - متواط، وَقيل: مُشْتَرك، وَالْمرَاد: إِن أضيف إِلَى الْخط.
وَإِطْلَاق لفظ (الخمري) على التَّمْر وَالْعِنَب والدواء لعُمُوم النِّسْبَة إِلَى
الْخمر متواط، وباختلاف النّسَب مُشْتَرك، وَلَفظ (أسود) لقار وزنجي متواط، ولرجل مُسَمّى بأسود وقار مُشْتَرك.
تَنْبِيه: اشْتِرَاط عدم التَّفَاوُت فِي المتواطئ كَيفَ يُجَامع قَوْلهم: سمي مشككاً لشك النَّاظر فِي كَونه متواطئاً؟ كَيفَ يَقع الشَّك وَالْفَرْض أَنه متفاوت وَقد شَرط فِي المتواطئ عدم التَّفَاوُت؟
وَيُمكن الْجَواب عَنهُ: بِأَن تقَابل المتواطئ / والمشكك تقَابل الْأَعَمّ والأخص، فالمتواطئ أَعم من المشكك، فَيكون المُرَاد بقَوْلهمْ:(إِن تَسَاوَت أَفْرَاده) أَي: لم يشْتَرط فِيهَا تفَاوت بل سَوَاء اتّفق فِيهَا وُقُوع تفَاوت، [أَو لَا؛ لِأَن] النّظر إِلَى كَونه متواطئاً من حَيْثُ الِاشْتِرَاك.
وَبِذَلِك يجمع بَين قَول ابْن الْحَاجِب: (فَإِن تفَاوت كالوجود للخالق والمخلوق فمشكك وَإِلَّا فمتواط) ، وَقَوله فِي مَسْأَلَة وُقُوع الْمُشْتَرك، فِي جَوَاب اسْتِدْلَال لَا يرتضيه:(وَأجِيب بِأَن الْوُجُوب والإمكان لايمنع التواطؤ) فَجعله متواطئاً مرّة، ومشككاً أُخْرَى، فَلَيْسَ ذَلِك إِلَّا لما ذكرنَا لَا تناقضاً.
وَمن هُنَا يعلم جَوَاب سُؤال ابْن التلمساني الْمَشْهُور: أَنه لَا حَقِيقَة للمشكك، لِأَن مَا حصل بِهِ الِاخْتِلَاف إِن دخل فِي التَّسْمِيَة كَانَ اللَّفْظ مُشْتَركا، وَإِلَّا كَانَ متواطئاً؛ لأَنا نقُول:[هُوَ دَاخل] فِي التَّسْمِيَة، وَلَا يلْزم أَن يكون مُشْتَركا؛ لِأَن الْمُشْتَرك مَا لَيْسَ بَين معنييه قدر مُشْتَرك سمي بذلك الِاسْم، وَلَا يكون خَارِجا من المتواطئ؛ لِأَن [المتواطئ] أَعم مِمَّا تَسَاوَت أَفْرَاده أَو تفاوتت، إِلَّا أَنه إِذا كَانَ فِيهِ تفَاوت فَهُوَ مشكك، وَهَذَا أحسن من جَوَاب الْقَرَافِيّ عَنهُ: بِأَن كلا من المتواطئ والمشترك مَوْضُوع للقدر الْمُشْتَرك، وَلَكِن الِاخْتِلَاف إِن كَانَ بِأُمُور من جنس الْمُسَمّى فمشكك أَو بِأَمْر خَارج فمتواط؛ لِأَن ذَلِك إِنَّمَا يمشي فِيمَا فِيهِ التَّفَاوُت [بالشدة] والضعف فَقَط، لَا فِيمَا هُوَ مُخْتَلف بالإمكان وَالْوُجُوب، أَو بالاستغناء والافتقار، وَنَحْو ذَلِك، وَالله أعلم.
قَوْله: {وَإِن لم يشْتَرك فجزئي} .
أَي: وَإِن لم يشْتَرك فِي مَفْهُومه كثير فجزئي، مثل: زيد، وَعَمْرو، وَهَذَا الْإِنْسَان.
والجزئي يُقَال على المندرج تَحت الْكُلِّي.
{وَيُسمى النَّوْع جزئياً إضافياً} ، مثل: الْإِنْسَان، [جزئي] ، لِأَنَّهُ مندرج تَحت كلي، فَهُوَ كالجنس، فَكل جنس وَنَوع عَال أَو وسط أَو سافل كلي لما تَحْتَهُ جزئي لما فَوْقه، لَكِن لابد فِي الجزئي من مُلَاحظَة قيد الشَّخْص وَالتَّعْيِين / فِي التَّصَوُّر، وَإِلَّا لصدق أَنه لم يمْنَع تصَوره من وُقُوع الشّركَة فِيهِ، إِذْ لابد من اشْتِرَاك وَلَو فِي أخص صِفَات النَّفس.
قَوْله: { [كمضمر فِي الْأَصَح] } .
اخْتلف فِي مُسَمّى لفظ الْمُضمر حَيْثُ وجد، هَل هُوَ كلي أَو جزئي؟ قَالَ الْقَرَافِيّ: (فَرَأَيْت الْأَكْثَر على أَن مُسَمَّاهُ جزئي، وَاحْتَجُّوا على ذَلِك بِوَجْهَيْنِ.
الأول: أَن النُّحَاة أَجمعُوا على أَن الْمُضمر معرفَة، وَالصَّحِيح: أَنه أعرف المعارف، فَلَو كَانَ مُسَمَّاهُ كلياً لَكَانَ نكرَة فَإِن النكرَة إِنَّمَا كَانَت نكرَة؛ لِأَن مسماها كلي مُشْتَرك فِيهِ بَين أَفْرَاد غير متناهية لَا يخْتَص بِهِ وَاحِد مِنْهَا دون الآخر، والمضمر لَيْسَ كَذَلِك.
الثَّانِي: أَن مُسَمّى الْمُضمر إِذا كَانَ كلياً كَانَ دَالا على مَا هُوَ أَعم من الشَّخْص الْمعِين، وَالْقَاعِدَة الْعَقْلِيَّة: أَن الدَّال على الْأَعَمّ غير دَال على الْأَخَص، فَيلْزم أَن لَا يدل الْمُضمر على شخص خَاص أَلْبَتَّة، وَلَيْسَ كَذَلِك.
قَالَ: وَالصَّحِيح خلاف هَذَا الْمَذْهَب، وَعَلِيهِ الأقلون، وَهُوَ الَّذِي أَجْزم بِصِحَّتِهِ، وَهُوَ أَن مُسَمَّاهُ كلي، وَالدَّلِيل [عَلَيْهِ] أَنه لَو كَانَ مُسَمَّاهُ جزئياً لما صدق على شخص آخر إِلَّا بِوَضْع آخر كالأعلام، فَإِنَّهَا لما كَانَ مسماها جزئياً لم تصدق على غير من وضعت لَهُ إِلَّا بِوَضْع ثَان)
وَأطَال فِي ذَلِك وَفِي الرَّد على القَوْل الأول.
تَنْبِيه: قد قسم الجزئي إِلَى: نكرَة، وَمَعْرِفَة؛ وَاعْترض: إِذا كَانَت النكرَة فِيهَا شيوع كَانَت مِمَّا لَا يمْنَع تصَوره من وُقُوع الشّركَة فِيهِ.
وَأجِيب: أَن المُرَاد بِالشّركَةِ فِي الْكُلِّي التَّعَدُّد لمحاله، وَإِذا كَانَت النكرَة فَردا وَاحِدًا، وَاللَّفْظ إِنَّمَا دلّ عَلَيْهِ من حَيْثُ هُوَ فَرد، فقد منع تصَوره من وُقُوع الشّركَة فِيهِ من حَيْثُ فرديته، وَلِهَذَا كَانَ دَاخِلا فِي الْجمع وَنَحْوه، وَفِي الْأَعْدَاد نَحْو ثَلَاثَة وَعشرَة؛ لِأَن الْجمع لَيْسَ قَابلا لِأَن يكون جمعين، وَلَا الْعشْرَة عشرتين، فَتَأمل ذَلِك فَإِنَّهُ دَقِيق / وَالله أعلم.
يَعْنِي: إِن تعدد اللَّفْظ وَالْمعْنَى فأساه متباينة لتباينها، لكَون كل وَاحِد مِنْهَا مبايناً للْآخر فِي مَعْنَاهُ.
سَوَاء { [تفاصلت] } .
أَي: لَيْسَ لأَحَدهمَا ارتباط بِالْآخرِ، كإنسان وَفرس، وَضرب زيد عمرا.
{ [أَو تواصلت] } .
بِأَن كَانَ بعض الْمعَانِي صفة للْبَعْض الآخر، كالسيف والصارم، فَإِن السَّيْف اسْم للحديدة الْمَعْرُوفَة وَلَو مَعَ كَونهَا كالة، والصارم اسْم للقاطعة، وكالناطق والفصيح والبليغ، وَالْمرَاد: أَنه يُمكن اجْتِمَاعهمَا فِي شَيْء وَاحِد، وَنَحْوه لَو كَانَ أَحدهمَا جُزْءا من الآخر كالإنسان وَالْحَيَوَان.
إِذا اتَّحد اللَّفْظ وتعدد الْمَعْنى يَنْقَسِم قسمَيْنِ: إِن كَانَ اللَّفْظ حَقِيقَة للمتعدد فَهُوَ مُشْتَرك، سَوَاء تباينت المسميات أَو لَا، على مَا يَأْتِي فِي الْمُشْتَرك: مثل: الْعين والشفق والجون وَنَحْوهَا، وَلِهَذَا قُلْنَا:(مُطلقًا) .
وَإِن لم يكن حَقِيقَة للمتعدد، أَي: لَا يكون مَوْضُوعا بِإِزَاءِ كل وَاحِد مِنْهَا وضعا حَقِيقَة أَولا، بل يكون مَوْضُوعا لأحدها ثمَّ نقل للْبَاقِي لمناسبة، فَهُوَ حَقِيقَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَوْضُوع لَهُ، مجَاز بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَنْقُول إِلَيْهِ، كالأسد فَإِنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحَيَوَان المفترس حَقِيقَة، وبالنسبة إِلَى الرجل الشجاع مجَاز.
قَالَ القَاضِي عضد الدّين: (وَهَذَا بِنَاء على أَن الْمجَاز يسْتَلْزم الْحَقِيقَة، وَإِلَّا فقد يكون لَهما مجازين) .
قَالَ ابْن الْعِرَاقِيّ فِي " شرح جمع الْجَوَامِع ": (إِذا اتَّحد اللَّفْظ وتعدد الْمَعْنى وَوضع لأَحَدهمَا ثمَّ نقل إِلَى الآخر لعلاقة سمي بِالنِّسْبَةِ إِلَى الأول مَنْقُولًا عَنهُ، وبالنسبة إِلَى الثَّانِي مَنْقُولًا إِلَيْهِ.
وَمُقْتَضى هَذَا: أَنه لَا يُطلق عَلَيْهِ اسْم الْحَقِيقَة وَالْمجَاز، وَهُوَ مُخَالف لقَولهم: إِنَّه قد تكون الْحَقِيقَة مرجوحة وَالْمجَاز راجحاً) .
قَوْله: / {وَعَكسه مترادفة} .
أَي: عكس الَّذِي قبله، وَالْعَكْس: إِذا تعدد اللَّفْظ واتحد الْمَعْنى، تكون متردافة، كالأسد والغضنفر وَاللَّيْث وَنَحْوه، وَإِن كَانَ كل وَاحِد مِنْهَا وضع للحيوان المفترس.
قَوْله: {وَكلهَا: مُشْتَقّ} : إِن دلّ على ذِي صفة مُعينَة، كضارب وعالم
وَنَحْوهمَا، {وَغير مُشْتَقّ} : إِن لم يكن كَذَلِك كالجسم وَالْإِنْسَان وَالرجل.
وَأَيْضًا كل وَاحِد مِنْهَا {صفة} : إِن دلّ على معنى قَائِم بِذَات، كالضحك وَالْعلم وَالْكِتَابَة، وَقَالَ الْعَضُد هُنَا:(الصّفة مَا يدل على ذَات غير مُعينَة بِاعْتِبَار معنى معِين كضارب) .
{وَغير صفة} : كالجسم وَالْإِنْسَان وَالرجل وَنَحْوهَا.
قَوْله: {وَيكون اللَّفْظ الْوَاحِد: متواطئاً، ومشتركاً، ومتبايناً، ومترادفاً، باعتبارات} .
يكون اللَّفْظ الْوَاحِد: متواطئاً، ومشتركاً، باعتبارين، كَمَا تقدم فِي إِطْلَاق لفظ (الْخمر) على التَّمْر وَالْعِنَب والدواء لعُمُوم النِّسْبَة إِلَى الْخمر متواط، وباختلاف النّسَب مُشْتَرك، وَلَفظ (أسود) لقار وزنجي متواط، ولرجل مُسَمّى بأسود وقار مُشْتَرك.
وَيكون - أَيْضا -: متبايناً، ومترادفاً، باعتبارين، قَالَه ابْن قَاضِي الْجَبَل فِي " أُصُوله "، وَالظَّاهِر أَن مُرَاده: مَا قَالَه ابْن حمدَان فِي مقنعه "، وَابْن مُفْلِح فِي " أُصُوله "، وَغَيرهمَا، فِي صارم ومهند: (فَإِنَّهُمَا مُتَرَادِفَانِ على الذَّات
كسيف، ومتباينان صفة، وناطق وفصيح متباينان؛ لاختلافهما معنى، ومترادفان، على موصوفهما من لِسَان أَو إِنْسَان) انْتهى.
قَوْله: فَائِدَة: {الْعلم: اسْم يعين مُسَمَّاهُ مُطلقًا} .
تقدم أَن الْعلم من أَقسَام الجزئي، فَهُوَ دَاخل فِي أَحْكَام الجزئي، وَإِنَّمَا ذَكرْنَاهُ هُنَا لأحكام تخْتَص بِهِ، قد عَرفْنَاهُ بِأَنَّهُ: اسْم يعين مُسَمَّاهُ مُطلقًا.
فقولنا: (اسْم) ، جنس.
و (يعين مُسَمَّاهُ) ، فصل مخرج للنكرات.
و (مُطلق) ، مخرج لما سوى الْعلم من المعارف، فَإِنَّهُ لَا يُعينهُ إِلَّا بِقَرِينَة: إِمَّا لفظية / ك (أل) ، أَو معنوية كالحضور والغيبة فِي (أَنْت) و (هُوَ) .
وَهَذَا الْحَد لِابْنِ مَالك فِي " ألفيته "، وَهُوَ أحسن من حد ابْن الْحَاجِب فِي " الكافية "، وَمن تبعه، لقَوْله:(هُوَ مَا وضع لمُعين لَا يتَنَاوَل غَيره) ، لما عَلَيْهِ من الاعتراضات.
قَالَ ابْن الْعِرَاقِيّ وَغَيره: (وَاعْترض عَلَيْهِ فِي قَوْله: لَا يتَنَاوَل غَيره، بِأَنَّهُ إِذا قصد بذلك إِخْرَاج الضَّمِير كَأَنْت مثلا، فَإِنَّهُ يَصح أَن يُخَاطب بِهِ زيد وَعَمْرو وَغَيرهمَا، يُقَال لَهُ: وَالْعلم كَذَلِك، فَكَمَا أَنه قد يعرض الِاشْتِرَاك فِي لفظ الضَّمِير بِحَسب الْمُخَاطب، قد يعرض للْعلم بِاعْتِبَار تعدد التَّسْمِيَة، لَكِن كل مِنْهُمَا لم يوضع إِلَّا لوحد بِخِلَاف النكرات - قَالَ -: وَلَو تبع فِي " جمع الْجَوَامِع " لِابْنِ مَالك فِي تَعْرِيفه كَانَ أحسن) انْتهى.
الْعلم يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ:
أَحدهمَا: علم شخص، كزيد وَنَحْوه.
الثَّانِي: علم جنس، كأسامة علم على الْأسد وَنَحْوه.
وَالْفرق بَينهمَا: بِأَن التَّعْيِين فِي الشخصي خارجي، وَفِي الجنسي ذهني.
وَتَقْرِير الْفرق: أَن علم الشَّخْص مَوْضُوع للْحَقِيقَة بِقَيْد الشَّخْص الْخَارِجِي، وَعلم الْجِنْس مَوْضُوع للماهية بِقَيْد الشَّخْص الذهْنِي.
وَإِنَّمَا وضع علما لبَعض الْأَجْنَاس الَّتِي لَا تؤلف غَالِبا كالسباع
والوحوش، وَقد يَأْتِي فِي بعض المألوفات كَأبي المضا لجنس الْفرس.
وَعلم الْجِنْس يُسَاوِي علم الشَّخْص فِي أَحْكَامه اللفظية، فَإِنَّهُ لَا يُضَاف، وَلَا يدْخل عَلَيْهِ حرف التَّعْرِيف، وَلَا ينعَت بنكرة، وَلَا يقبح مَجِيئه مُبْتَدأ، وَلَا انتصاب النكرَة بعده على الْحَال، وَلَا يصرف مِنْهُ مَا فِيهِ سَبَب زَائِد على العلمية كأسامة.
ويفارقه من جِهَة الْمَعْنى لعمومه، إِذْ لَيْسَ بعض الْأَشْخَاص أولى بِهِ من بعض، أَلا ترى أَن أُسَامَة صَالح لكل أَسد بِخِلَاف الْعلم الشخصي.
فَإِن قلت: مَا الْفرق بَينه وَبَين اسْم الْجِنْس النكرَة من جِهَة الْمَعْنى؟
قلت: ذهب ابْن مَالك، وَجمع: إِلَى أَن أُسَامَة / لَا يُخَالف فِي مَعْنَاهُ دلَالَة أَسد، وَإِنَّمَا يُخَالِفهُ فِي أحاكم لفظية، وَإِنَّمَا أطلق عَلَيْهِ أَنه معرفَة مجَازًا.
قَالَ ابْن مَالك: (أُسَامَة نكرَة معنى، معرفَة لفظا، وَإنَّهُ فِي [الشياع] كأسد) .
قَالَ الْمرَادِي فِي " شرح ألفيته ": (وَأَقُول: تَفْرِقَة الْوَاضِع بَين " أُسَامَة " و " أَسد " فِي الْأَحْكَام اللفظية، يُؤذن بفرق من جِهَة الْمَعْنى.
وَمِمَّا قيل فِي ذَلِك: إِن " أسداً " وضع ليدل على شخص معِين، وَذَلِكَ الشَّخْص لَا يمْتَنع أَن يُوجد مِنْهُ أَمْثَاله، فَوضع على [الشياع] فِي جُمْلَتهَا / وَوضع " أُسَامَة " لَا بِالنّظرِ إِلَى شخص، بل على معنى الأَسدِية المعقولة، الَّتِي [لَا يُمكن] أَن تُوجد خَارج الذِّهْن، بل هِيَ مَوْجُودَة فِي النَّفس، وَلَا يُمكن أَن يُوجد مِنْهَا اثْنَان أصلا فِي الذِّهْن، ثمَّ صَار أُسَامَة يَقع على الْأَشْخَاص، لوُجُود مَاهِيَّة ذَلِك الْمَعْنى الْمُفْرد الْكُلِّي فِي الْأَشْخَاص.
وَالتَّحْقِيق فِي ذَلِك أَن نقُول: اسْم الْجِنْس: هُوَ الْمَوْضُوع للْحَقِيقَة الذهنية من حَيْثُ هِيَ هِيَ، فاسم أَسد مَوْضُوع للْحَقِيقَة من غير اعْتِبَار قيد مَعهَا أصلا، وَعلم الْجِنْس كأسامة مَوْضُوع للْحَقِيقَة بِاعْتِبَار حُضُورهَا الذهْنِي الَّذِي هُوَ نوع تشخيص لَهَا مَعَ قطع النّظر عَن أفرادها، وَنَظِيره الْمُعَرّف بِاللَّامِ الَّتِي للْحَقِيقَة والماهية.
وَبَيَان ذَلِك: أَن الْحَقِيقَة الْحَاضِرَة فِي الذِّهْن وَإِن كَانَت عَامَّة بِالنِّسْبَةِ إِلَى أفرادها فَهِيَ بِاعْتِبَار حُضُورهَا فِيهِ أخص من مُطلق الْحَقِيقَة، فَإِذا استحضر الْوَاضِع صُورَة الْأسد فَإِن هَذِه الصُّورَة وَاقعَة لهَذَا الشَّخْص فِي زمَان، وَمثلهَا يَقع فِي زمَان آخر وَفِي ذهن آخر، والجميع يشْتَرك فِي مُطلق صُورَة
الْأسد، فَإِن وضع لَهَا من حَيْثُ خصوصها، فَهُوَ علم الْجِنْس أَو من حَيْثُ عمومها، فَهُوَ اسْم الْجِنْس) انْتهى.
وَالْفرق بَين علم الْجِنْس وَاسم الْجِنْس من أغمض مسَائِل النَّحْو حَتَّى قَالَ الْقَرَافِيّ: (كَانَ الخسروشاهي يقرره، وَلم أسمعهُ من أحد إِلَّا مِنْهُ، وَكَانَ يَقُول: مَا فِي الْبِلَاد المصرية من يعرفهُ) انْتهى.