المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ من الأنبياء المرسلين، / إنما كان مبعوثا لقومه خاصة، فهو مبعوث بلسانهم، ومحمد - التحبير شرح التحرير - جـ ١

[المرداوي]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌شرح مُقَدّمَة الْكتاب

- ‌ حَيْثُ ابْتَدَأَ بهَا فِي [كِتَابَته] إِلَى الْمُلُوك وَغَيرهم.واقتداء بقوله

- ‌ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة وَغَيره أَنه قَالَ: " كل أَمر ذِي بَال لَا يبْدَأ فِيهِ بِالْحَمْد لله فَهُوَ أقطع ".وَفِي رِوَايَة: " بِحَمْد الله "، وَفِي رِوَايَة: " بِالْحَمْد "، وَفِي رِوَايَة: " بِبسْم الله الرَّحْمَن " كَمَا تقدم، وَفِي رِوَايَة:: فَهُوَ أَجْذم "، وَفِي رِوَايَة: " لَا يبْدَأ فِيهِ

- ‌ قَالَ: " قَالَ الله تَعَالَى: قسمت الصَّلَاة بيني وَبَين عَبدِي نِصْفَيْنِ

- ‌ عَن جِبْرِيل عليه السلام عَن رب الْعَالمين، ذكره النَّوَوِيّ وَغَيره.وَيدل على ذَلِك ذكره مَعَه فِي التَّشَهُّد، والخطب، والتأذين، وَغَيرهَا.وَأمر الله تَعَالَى الْمُؤمنِينَ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَام عَلَيْهِ، وَأخْبر أَنه وَمَلَائِكَته يصلونَ عَلَيْهِ فِي الْآيَة الْكَرِيمَة، وَأدنى مَرَاتِب الْأَمر

- ‌ وَصلى صَلَاة دَعَا) انْتهى.قَالَ ابْن الْقيم فِي / " جلاء الأفهام ": (أصل الصَّلَاة لُغَة يرجع إِلَى

- ‌ إِذا دعِي أحدكُم إِلَى الطَّعَام فليجب فَإِن كَانَ صَائِما فَليصل "، أَي: فَليدع، على الصَّحِيح) انْتهى.وَقَالَ السُّهيْلي: (معنى الصَّلَاة حَيْثُ تصرفت يرجع إِلَى الحنو

- ‌ قَالَ: " من صلى عَليّ صَلَاة صلى الله عَلَيْهِ عشرا) ، وَفِي غير مُسلم " سبعين "، وَظَاهره الِاقْتِصَار على الصَّلَاة، وَهَذَا أظهر

- ‌ أَنا سيد ولد آدم وَلَا فَخر ".وَمِنْهَا: مَا خصّه الله تَعَالَى بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة.فَفِي الدُّنْيَا: كَونه بعث إِلَى النَّاس كَافَّة، وَغَيره مِمَّا لَا يُحْصى.وَفِي الْآخِرَة: اخْتِصَاصه بالشفاعة، والأنبياء تَحت لوائه

- ‌ أُوتيت فواتح الْكَلم وخواتمه وجوامعه " رَوَاهُ أَحْمد، وَفِي رِوَايَة: " وَاخْتصرَ لي الحَدِيث اختصاراً ".فَبَعثه الله تَعَالَى بجوامع الْكَلم، وَخَصه ببدائع الحكم.وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " من حَدِيث أبي هُرَيْرَة: " بعثت بجوامع الْكَلم ".قَالَ الزُّهْرِيّ: (جَوَامِع الْكَلم

- ‌ أَنه قَالَ: " فضلت على من قبلي بست وَلَا فَخر "، فَذكر مِنْهَا " وَأُوتِيت جَوَامِع الْكَلم "، وَهَذَا مِمَّا لَا يحْتَاج إِلَى إطالة وَلَا تَقْرِير.قَوْله: {وَأعلم} .كَونه أعلم خلق الله من الْمُتَّفق عَلَيْهِ بَين الْأمة من غير توقف، لِأَن من تتبع مجاري أَحْوَاله

- ‌ أرجح النَّاس عقلا وأفضلهم رَأيا) .وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: فَوجدت فِي جَمِيعهَا: (أَن الله تَعَالَى لم يُعْط جَمِيع الْخلق من بَدْء الدُّنْيَا إِلَى انْقِضَائِهَا من الْعقل فِي جنب عقله

- ‌ لِكَثْرَة خصاله المحمودة.أَي: ألهم الله تَعَالَى أَهله ذَلِك لما علم من خالصه المحمودة، قَالَه ابْن فَارس.وَقَالَت أمة: (سَمَّاهُ الله بذلك)

- ‌ وباسمه، وَكَانَ كل وَاحِد مِنْهُم قد خلف امْرَأَته حَامِلا، فَنَذر كل وَاحِد مِنْهُم إِن ولد لَهُ ولد أَن يُسَمِّيه مُحَمَّدًا، فَفَعَلُوا ذَلِك

- ‌ لَكِن لم يكن / مُحَمَّدًا حَتَّى كَانَ أَحْمد، حمد ربه فنبأه وشرفه، فَلذَلِك تقدم اسْم أَحْمد على اسْم مُحَمَّد

- ‌ تالية لحمد الله، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ

- ‌ رزقنا الله محبتهم وَاتِّبَاع آثَارهم، وَلَا جعل فِي قُلُوبنَا غلاً للَّذين آمنُوا.نُكْتَة: إِنَّمَا جَمعنَا بَين الْآل وَالْأَصْحَاب مُخَالفَة للمبتدعة؛ لأَنهم يوالون الْآل فَقَط، وَأهل السّنة يوالون الْآل وَالْأَصْحَاب.وجمعنا الْعلم بقولنَا: الْعُلُوم، وَإِن كَانَ الْعلم جِنْسا

- ‌ فَإِن كَانَ يَقُولهَا فِي خطبه وَشبههَا، رَوَاهُ عَنهُ الْخَمْسَة وَثَلَاثُونَ صحابياً، ذكر الْحَافِظ الرهاوي اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ فِي كِتَابه " الْأَرْبَعين "، وَذكر رِوَايَة كل وَاحِد مِنْهُم بِالْأَسَانِيدِ.وَزَاد ابْن مَنْدَه فِي مستخرجه ثَلَاثَة

- ‌ أُوتيت جَوَامِع الْكَلم وَاخْتصرَ لي الْكَلَام اختصاراً "، وَهُوَ مرادنا.واختصاره مشَاهد بالعيان كَذَلِك، إِذْ لَو كَانَ مطولا لَكَانَ أوسع وأكبر حجماً، وَإِنَّمَا اختصرناه لمعان.مِنْهَا: لِئَلَّا يحصل الْملَل بالإطالة.وَمِنْهَا: ليحفظ، فَإِن حفظ الْمُخْتَصر أيسر

- ‌{الْكَلَام على الْمُقدمَة}

- ‌ يتلَقَّى من جِبْرَائِيل، فَلَا حَاجَة فِيهِ إِلَى الِاسْتِدْلَال.{وَقيل: بالاستدلالي} . أَي: أَن علمهمْ استدلالي.قَالَ بعض الْأُصُولِيِّينَ: (علمهمْ استدلالي؛ لِأَنَّهُ يعلمُونَ الشَّيْء على حَقِيقَته، أَي: على مَا هُوَ بِهِ، وحقائق الْأَحْكَام تَابِعَة لأدلتها وعللها، فَكَمَا

- ‌ إِذا أَدّوا الْجِزْيَة فَلهم مَا لنا وَعَلَيْهِم مَا علينا

- ‌ فِيمَا جَاءَ بِهِ عَنهُ، ويتوقف صدقه على دلَالَة المعجزة.وَلِهَذَا ذكرت فِي هَذَا الْمُخْتَصر من أصُول الدّين بعض الْمُتَعَلّق بأصول الْفِقْه، كل مَسْأَلَة فِي مَكَانهَا الْمُتَعَلّق بهَا، وَقد ذكره الأصوليون ضمنا، لأجل التَّعَلُّق الْمَذْكُور.الثَّانِي: استمداده من الْعَرَبيَّة؛ وَذَلِكَ [

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌ وَمَا بِهِ الْإِرْشَاد، هُوَ كتاب الله وَسنة رَسُوله

- ‌ وَإِلَى عُلَمَاء الْأمة، لم يخرج شَيْء من أَحْكَام الْمُسلمين وَالْإِسْلَام عَنْهَا.قَوْله: وَالدَّلِيل: الْقُرْآن.قَالَ الْفَخر أَبُو مُحَمَّد إِسْمَاعِيل الْبَغْدَادِيّ: (هَذَا دَلِيل على أَن الدَّلِيل حَقِيقَة قَول الله تَعَالَى)

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌ تعرف إِلَى الله فِي الرخَاء يعرفك فِي الشدَّة

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌ أَلا إِن فِي الْجَسَد مُضْغَة إِذا صلحت صلح الْجَسَد كُله، أَلا وَهِي الْقلب) .وَقد دللنا - أَيْضا - على أَن الْعقل بعضالعلوم الضرورية، والعلوم الضرورية لَا تكون إِلَّا فِي الْقلب، وَمَعَ هَذَا لَهُ اتِّصَال بالدماغ، قَالَه التَّمِيمِي من أَصْحَابنَا، وَغَيره من الْأَصْحَاب

- ‌ قَالَ للنِّسَاء: " أَلَيْسَ شَهَادَة إحداكن مثل [نصف شَهَادَة] الرجل؟ " قُلْنَ: بلَى، قَالَ: " فَذَلِك من نُقْصَان عقلهَا ". { [وَخَالف ابْن] عقيل، والأشعرية، والمعتزلة، [وَقَالَهُ] الْمَاوَرْدِيّ فِي الغريزي لَا التجربي، وَحمل الطوفي الْخلاف على ذَلِك}

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌ من الْأَنْبِيَاء الْمُرْسلين، / إِنَّمَا كَانَ مَبْعُوثًا لِقَوْمِهِ خَاصَّة، فَهُوَ مَبْعُوث بلسانهم، وَمُحَمّد

- ‌ أصدق كلمة قَالَهَا [شَاعِر] كلمة لبيد أَلا كل شَيْء مَا خلا الله بَاطِل "، فَسمى ذَلِك كُله كلمة.وَهُوَ مجَاز مهمل فِي عرف النُّحَاة، فَقيل: هُوَ من تَسْمِيَة الشَّيْء باسم بعضه، وَقيل: لما ارْتبط أَجزَاء الْكَلَام بَعْضهَا بِبَعْض حصل لَهُ بذلك وحدة، فشابه بهَا الْكَلِمَة

- ‌ عَن الله تَعَالَى أعلم أمته أَنه كَلَام الله تَعَالَى لَا كَلَام غَيره، وَهَذَا يبطل قَول من قَالَ من الْمُتَأَخِّرين: إِن الْكَلَام يُقَال بالاشتراك على اللَّفْظ وَالْمعْنَى، فَيُقَال لَهُم: إِذا كَانَ كل مِنْهُمَا يُسمى كلَاما

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌قَوْله {فصل}

- ‌قَوْله: / {فصل}

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌ بالبطحاء فمرت سَحَابَة، فَقَالَ النَّبِي

- ‌ وَالله لأغزون قُريْشًا " وكرره ثَلَاثًا، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن عِكْرِمَة مُرْسلا

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌ للْعَبَّاس: " لَا يفضض الله فَاك "، أَي: أسنانك؛ إِذْ الْفَم مَحل

- ‌ كل مُسكر خمر "، لِأَن فِيهِ قُوَّة الْإِسْكَار

- ‌ تحيضي - فِي علم الله - سِتا أَو سبعا "، فَإِن التَّقْدِير:

- ‌ أَيّمَا رجل وجد مَاله عِنْد رجل قد أفلس فَصَاحب الْمَتَاع أَحَق بمتاعه "، قَالَ القَاضِي

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌ فِي فرس أبي طَلْحَة لماركبه: " وَجَدْنَاهُ بحراً "، وَنَحْوه.قَوْله: { [وَفِي] إِسْنَاد، خلافًا لقوم} .يكون الْمجَاز فِي الْإِسْنَاد على الصَّحِيح، وَعَلِيهِ الْمُعظم، وَكثير من أَصْحَابنَا فَيجْرِي فِيهِ وَإِن لم يكن فِي لَفْظِي الْمسند والمسند إِلَيْهِ تجوز، وَذَلِكَ بِأَن يسند الشَّيْء

الفصل: ‌ من الأنبياء المرسلين، / إنما كان مبعوثا لقومه خاصة، فهو مبعوث بلسانهم، ومحمد

‌قَوْله: {فصل}

أَي: فِي اللُّغَة، قد سبق أَن أصُول الْفِقْه يستمد من اللُّغَة، وَذَلِكَ لما كَانَ الِاسْتِدْلَال من الْكتاب وَالسّنة اللَّذين هما أصل الْإِجْمَاع بل وأصل الْقيَاس مُحْتَاجا إِلَى معرفَة اللُّغَة - الَّتِي لَا تعرف دلالتهما إِلَّا بمعرفتها؛ لِأَنَّهُمَا عربيان، وَفهم معانيهما مُتَوَقف على معرفَة لُغَة الْعَرَب، بل هما أفْصح الْكَلَام الْعَرَبِيّ - احْتِيجَ إِلَى مَعْرفَتهَا.

قَالَ الله تَعَالَى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قرءاناً عَرَبيا} [يُوسُف: 2]، {وَهَذَا لِسَان عَرَبِيّ مُبين} [النَّحْل: 103] ، {وَمَا أرسلنَا من رَسُول إِلَّا بِلِسَان قومه} [إِبْرَاهِيم: 4] ، وَغير ذَلِك من الْآيَات.

فَإِن قيل: من سبق نَبينَا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم َ -‌

‌ من الْأَنْبِيَاء الْمُرْسلين، / إِنَّمَا كَانَ مَبْعُوثًا لِقَوْمِهِ خَاصَّة، فَهُوَ مَبْعُوث بلسانهم، وَمُحَمّد

صلى الله عليه وسلم َ - مَبْعُوث لجَمِيع الْخلق، فَلم لم يبْعَث بِجَمِيعِ الْأَلْسِنَة، وَلم يبْعَث إِلَّا بِلِسَان بَعضهم وهم الْعَرَب؟

فَالْجَوَاب: أَنه لَو بعث بِلِسَان جَمِيعهم كَانَ كَلَامه خَارِجا عَن الْمَعْهُود، وَيبعد بل يَسْتَحِيل أَن ترد كل كلمة من الْقُرْآن مكررة بِكُل الْأَلْسِنَة، فَتعين الْبَعْض، وَكَانَ لِسَان الْعَرَب أَحَق؛ لِأَنَّهُ أوسع وأفصح، وَلِأَنَّهُ لِسَان المخاطبين وَإِن كَانَ الحكم عَلَيْهِم وعَلى غَيرهم، كَذَا قرر

ص: 280

ابْن السَّمْعَانِيّ السُّؤَال وَالْجَوَاب، وَهُوَ حسن.

قَوْله: {سَبَب اللُّغَة حَاجَة النَّاس [إِلَيْهَا] ، ولخفتها، وَكَثْرَة فائدتها} .

وَذَلِكَ أَن الله تَعَالَى لما خلق النَّوْع الإنساني وَجعله مُحْتَاجا لأمور لَا يسْتَقلّ بهَا، بل يحْتَاج فِيهَا إِلَى المعاونة، ولابد للمعاون من الإطلاع على مَا فِي [نفس] الْمُحْتَاج بِشَيْء يدل، وَذَلِكَ إِمَّا لفظ أَو إِشَارَة أَو كِتَابَة أَو مِثَال أَو نَحوه، وَكَانَ اللَّفْظ أَكثر إِفَادَة وأيسر.

فَأَما كَونه أَكثر إِفَادَة؛ فَلِأَن اللَّفْظ يَقع على الْمَعْدُوم وَالْمَوْجُود وَالْغَائِب والحاضر الْحسي والمعنوي، وَلَا شَيْء من [الْبَاقِي] يستوعب ذَلِك.

ص: 281

وَأما كَونه أيسر؛ فَلِأَنَّهُ مُوَافق لِلْأَمْرِ الطبيعي؛ لِأَن الْحُرُوف كيفيات تعرض للنَّفس الضَّرُورِيّ؟

قَالَ الْمَاوَرْدِيّ: (وَإِنَّمَا كَانَ نوع الْإِنْسَان أَكثر حَاجَة من جَمِيع الْحَيَوَانَات، لِأَن غَيره قد يسْتَقلّ بِنَفسِهِ عَن جنسه، وَأما الْإِنْسَان فمطبوع على الافتقار إِلَى جنسه فِي الِاسْتِعَانَة، فَهُوَ صفة لَازِمَة لطبعه، وخلقة قَائِمَة فِي جوهره) .

قَالَ ابْن مُفْلِح وَغَيره: (سَبَب وجودهَا: حَاجَة الْإِنْسَان، ليعرف بَعضهم مُرَاد بعض، للتساعد والتعاضد بِمَا لَا مُؤنَة فِيهِ، لخفتها وَكَثْرَة فائدتها، وَلَا مَحْذُور) .

وَهَذِه من نعم الله تَعَالَى / على عباده، فَمن تَمام نعمه علينا أَن جعل ذَلِك بالنطق دون غَيره.

قَوْله: {وَهِي: أَلْفَاظ وضعت لمعان} .

أَي: اللُّغَة أَلْفَاظ، وَقَوله:(أَلْفَاظ) يَشْمَل الْمَوْضُوع والمهمل.

وَقَوله (وضعت لمعان) ليخرج المهمل؛ لِأَنَّهُ لم يوضع لِمَعْنى، وَيَأْتِي قَرِيبا أَنه مَوْجُود، وَلَكِن لم تضعه الْعَرَب قطعا.

ص: 282

قَوْله: {فَمَا احتاجه [الْإِنْسَان] لم تخل من لفظ لَهُ} .

قد تقرر الِاحْتِيَاج إِلَى الْوَضع، فَكلما اشتدت الْحَاجة إِلَيْهِ افْتقر إِلَى مَا يوضع لَهُ، فَلَا بُد لَهُم من وَضعه.

قَوْله: {وَالظَّاهِر عدم خلوها مِمَّا كثرت حَاجته، وَعَكسه [فيهمَا] يجوز [خلوها] } .

الظَّاهِر من اسْتِعْمَال الْعَرَب: عدم خلو اللُّغَة مِمَّا كثرت الْحَاجة إِلَيْهِ، قَالَه الْعلمَاء، وَهُوَ وَاضح، لَا سِيمَا وَهِي أوسع اللُّغَات وأفصحها.

وَعَكسه فيهمَا، يجوز خلوها عَنهُ، يَعْنِي: أَن مَا لَا يحْتَاج أَلْبَتَّة، أَو يحْتَاج إِلَيْهِ فِي النَّادِر، يجوز خلوها مِنْهُ، وَلَيْسَ بممتنع.

قَالَ ابْن حمدَان فِي " مقنعه ": (مَا احْتَاجَ النَّاس إِلَيْهِ لم تخل اللُّغَة من لفظ يفِيدهُ، وَمَا لم يحتاجوا إِلَيْهِ يجوز خلوها عَمَّا يدل عَلَيْهِ، وَمَا دعت الْحَاجة إِلَيْهِ غَالِبا فَالظَّاهِر عدم خلوها عَنهُ، وَعَكسه بعكسه) انْتهى.

وَحَاصِله: أَن مَعنا أَرْبَعَة أَقسَام:

أَحدهَا: احتاجه النَّاس واضطروا إِلَيْهِ، فَلَا بُد لَهُم من وَضعه.

الثَّانِي: عَكسه، مَا لَا يحْتَاج إِلَيْهِ أَلْبَتَّة، يجوز خلوها، وخلوها - وَالله أعلم - أَكثر.

ص: 283

الثَّالِث: مَا كثرت الْحَاجة إِلَيْهِ الظَّاهِر عدم خلوها، بل هُوَ كالمقطوع بِهِ.

الرَّابِع: عَكسه، مَا قلت الْحَاجة [إِلَيْهِ] ، يجوز خلوها مِنْهُ، وَلَيْسَ بممتنع.

قَوْله: {فالصوت: عرض مسموع} .

شرعنا فِي تَبْيِين الملفوظ بِهِ، فَأول مَا يلفظ بِهِ الصَّوْت، ورسمه: عرض مسموع يحصل عِنْد اصطكاك الأجرام، وَسَببه: انضغاط / الْهَوَاء بَين الجرمين، فيتموج تموجاً شَدِيدا، فَيخرج، فيقرع صماخ الآذان، فَتُدْرِكهُ قُوَّة السّمع، وَلِهَذَا تخْتَلف الْأَصْوَات فِي الظُّهُور والخفاء؛ لاخْتِلَاف الْأَجْسَام المتصاككة فِي الصلابة والرخاوة، فصوت الْمُتَكَلّم: عرض حَاصِل عَن

ص: 284

اصطكاك أجرام الْفَم - وَهِي مخارج الْحُرُوف - وَرفع النَّفس للهواء حَتَّى أذن السَّامع متكيفاً بِصُورَة كَلَام الْمُتَكَلّم.

وَقَوْلنَا: (الصَّوْت عرض) ، هُوَ جنس يتَنَاوَل جَمِيع الْأَعْرَاض الحيوانية وَغَيرهَا، كالحركات، والألوان والطعوم.

وَقَوْلنَا: (مسموع) ، خرج جَمِيعهَا إِلَّا الْعرض الَّذِي يدْرك بِالسَّمْعِ وَهُوَ الصَّوْت، وَإِنَّمَا بدأنا بالصوت؛ لِأَنَّهُ الْجِنْس الْأَعْلَى للْكَلَام الَّذِي نَحن بصدد الْكَلَام عَلَيْهِ.

قَوْله: {وَاللَّفْظ: صَوت مُعْتَمد على بعض مخارج الْحُرُوف} .

اللَّفْظ لُغَة: الرَّمْي، يُقَال: لفظت النواة: إِذا رميتها، ولفظت النخامة: إِذا نفثتها من فِيك، ثمَّ سمي بِهِ الصَّوْت الْمُعْتَمد على مخرج الْحُرُوف؛ لِأَن الصَّوْت لِخُرُوجِهِ من الْفَم صَار كالجوهر الملفوظ الْملقى، فَهُوَ ملفوظ حَقِيقَة أَو مجَازًا فإطلاق اللَّفْظ عَلَيْهِ من بَاب تَسْمِيَة الْمَفْعُول باسم الْمصدر، كَقَوْلِهِم: نسج الْيمن، وَهَذَا الدِّرْهَم ضرب الْأَمِير، أَي: منسوج الْيمن، ومضروب الْأَمِير.

إِذا عرفت ذَلِك؛ فاللفظ الاصطلاحي نوع للصوت؛ لِأَنَّهُ صَوت مَخْصُوص؛ وَلِهَذَا أَخذ الصَّوْت فِي حد اللَّفْظ؛ وَإِنَّمَا يُؤْخَذ فِي الشَّيْء جنس ذَلِك الشَّيْء.

ص: 285

وَالْمرَاد بالمخرج: الْقدر الْمُشْتَرك بَين الْمخْرج الْوَاحِد وَجَمِيع المخارج، وَهُوَ بعض المخارج.

فَلَو قيل: (اللَّفْظ صَوت مُعْتَمد على بعض مخارج الْحُرُوف) كَانَ أَجود وَأبين، قَالَه الطوفي فِي " شَرحه "؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْمَتْن:(اللَّفْظ صَوت مُعْتَمد على مخرج من مخارج الْحُرُوف) . /

فَلهَذَا قُلْنَا ذَلِك فِي الْمَتْن.

قَوْله: { [وَالْقَوْل: لفظ] وضع لِمَعْنى [ذهني، وَقَالَ الشِّيرَازِيّ، وَابْن مَالك: لخارجي] ، والسبكي: للمعنى من حَيْثُ هُوَ} .

تقدم الْكَلَام على الصَّوْت، وَهُوَ أَعم من اللَّفْظ، وعَلى اللَّفْظ، وَهُوَ أَعم من القَوْل.

وَالْقَوْل فِي اللُّغَة: مصدر قَالَ يَقُول قولا، إِذا نطق، ثمَّ نقل اصْطِلَاحا إِلَى الْمَقُول من اللَّفْظ الْمُسْتَعْمل.

فَالْقَوْل فِي الِاصْطِلَاح: هُوَ اللَّفْظ الْمَوْضُوع لِمَعْنى.

ص: 286

وَإِنَّمَا قُلْنَا: (لِمَعْنى) ليخرج اللَّفْظ المهمل، فاللفظ أَعم من القَوْل - كَمَا تقدم - مُطلقًا عِنْد الْأَكْثَر، وَقطع بِهِ أَكثر الْأُصُولِيِّينَ.

وَذهب بعض النُّحَاة إِلَى أَنَّهُمَا مُتَرَادِفَانِ، ذكره الْمرَادِي فِي " شرح ألفية ابْن مَالك "، فيستعمل القَوْل فِي المهمل - أَيْضا - على هَذَا.

ثمَّ اخْتلف الْعلمَاء فِي القَوْل إِذا وضع لِمَعْنى، هَل هُوَ مَوْضُوع للمعنى الذهْنِي - وَهُوَ مَا يتصوره الْعقل - سَوَاء طابق فِي الْخَارِج أَو لَا، أَو للمعنى الْخَارِجِي، أَي: الْمَوْجُود فِي الْخَارِج، أَو للمعنى من حَيْثُ هُوَ من غير مُلَاحظَة كَونه فِي الذِّهْن أَو فِي الْخَارِج؟ على ثَلَاثَة أَقْوَال، أولاها القَوْل الأول، وَهُوَ: كَونه مَوْضُوعا للمعنى الذهْنِي، اخْتَارَهُ الرَّازِيّ،

ص: 287

وَأَتْبَاعه، وَابْن حمدَان، وَابْن قَاضِي الْجَبَل من أَصْحَابنَا؛ لدوران الْأَلْفَاظ مَعَ الْمعَانِي الذهنية وجودا وعدماً، فَإِن الْإِنْسَان إِذا رأى شخصا من بعيد تخيله طللاً سَمَّاهُ بذلك، فَإِذا قرب مِنْهُ وظنه شَجرا سَمَّاهُ بِهِ، فَإِذا دنا مِنْهُ وَرَآهُ رجلا سَمَّاهُ بِهِ.

ورد: بِأَن ذَلِك إِنَّمَا هُوَ لاعتقاد مُطَابقَة الذهْنِي للخارجي، فالمدار على الْخَارِجِي.

قَالَ ابْن قَاضِي الْجَبَل: (لَكِن الْأُمُور الذهنية إِن طابقت الخارجية دلّت الْأَلْفَاظ عَلَيْهَا بِوَاسِطَة تِلْكَ الْمُطَابقَة) .

وَالْقَوْل الثَّانِي: كَونه مَوْضُوعا للمعنى الْخَارِجِي، وَبِه قطع أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ فِي " شرح اللمع "؛ لِأَنَّهُ بِهِ تَسْتَقِر الْأَحْكَام، / وَنَصره ابْن مَالك فِي كتاب " الفيصل "، وَاخْتَارَهُ الْبرمَاوِيّ فِي " شرح منظومته ".

ص: 288

وَالْقَوْل الثَّالِث: اخْتَارَهُ السُّبْكِيّ الْكَبِير، وأفرد الْمَسْأَلَة بالتصنيف، وَاخْتَارَهُ - أَيْضا - الْإِسْنَوِيّ فِي " شرح منهاج الْبَيْضَاوِيّ "، والجاربردي فِي " شَرحه ".

تنيبه: مَحل الْخلاف فِي الِاسْم النكرَة لَا الْمعرفَة.

قَوْله: {والوضع خَاص، وَهُوَ: جعل اللَّفْظ دَلِيلا على الْمَعْنى [وَلَو مجَازًا، وعام، وَهُوَ: تَخْصِيص شَيْء بِشَيْء يدل عَلَيْهِ كالمقادير} .

ذكرنَا ثَلَاثَة أَشْيَاء تشتبه على السَّامع، وَهِي: الْوَضع، والاستعمال، وَالْحمل، فَمن المهم معرفَة الْفرق بَينهَا.

ص: 289

إِذا علم ذَلِك؛ فللوضع إطلاقان:

خَاص: وَهُوَ جعل اللَّفْظ دَلِيلا على الْمَعْنى مُطلقًا، وَالْمرَاد جعله متهيئاً لِأَن يُفِيد ذَلِك الْمَعْنى عِنْد اسْتِعْمَال الْمُتَكَلّم لَهُ على وَجه مَخْصُوص.

وَقَوْلنَا: (وَلَو مجَازًا) ليشْمل الْمَنْقُول من شَرْعِي وعرفي، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح، أَعنِي: أَن الْمجَاز مَوْضُوع.

وعام: وَهُوَ تَخْصِيص شَيْء بِشَيْء بِحَيْثُ يدل عَلَيْهِ، كجعل الْمَقَادِير دَالَّة على مقدارتها من مَكِيل وموزون ومزروع ومعدود وَغَيرهَا.

وَفِي كلا الْقسمَيْنِ الْوَضع أَمر مُتَعَلق بالواضع.

قَوْله: {والاستعمال: إِطْلَاق اللَّفْظ وَإِرَادَة الْمَعْنى، وَالْحمل: اعْتِقَاد السَّامع مُرَاد الْمُتَكَلّم من لَفظه} .

تقدم الْكَلَام على الْوَضع، وَالْكَلَام الْآن على الِاسْتِعْمَال وَالْحمل، وَذكرنَا أَن الْوَضع: جعل اللَّفْظ دَلِيلا على الْمَعْنى مُطلقًا.

وَإِن شِئْت قلت: الْوَضع: اخْتِصَاص شَيْء بِشَيْء، بِحَيْثُ إِذا أطلق الشَّيْء الأول فهم مِنْهُ الشَّيْء الثَّانِي، كتسمية الْوَلَد زيدا، وَهَذَا أَمر مُتَعَلق بالواضع.

ص: 290

وَيُقَال - أَيْضا - على: غَلَبَة اسْتِعْمَال اللَّفْظ فِي الْمَعْنى حَتَّى يصير أشهر فِيهِ من غَيره، وَهَذَا هُوَ وضع المنقولات الثَّلَاثَة: الشَّرْعِيّ، والعرفي الْعَام، والعرفي الْخَاص.

والاستعمال: إِطْلَاق اللَّفْظ وَإِرَادَة مُسَمَّاهُ بالحكم / وَهُوَ الْحَقِيقَة، أَو غير مُسَمَّاهُ لعلاقة بَينهمَا وَهُوَ الْمجَاز، وَهُوَ من صِفَات الْمُتَكَلّم. وَالْحمل: اعْتِقَاد السَّامع مُرَاد الْمُتَكَلّم من لَفظه، أَو مَا اشْتَمَل على مُرَاده.

فَالْمُرَاد كاعتقاد الْحَنْبَلِيّ والحنفي: أَن الله تَعَالَى أَرَادَ بِلَفْظ الْقُرْء الْحيض، والمالكي وَالشَّافِعِيّ: أَن الله تَعَالَى أَرَادَ الطُّهْر، وَهَذَا من صِفَات السَّامع.

فالوضع سَابق، وَالْحمل لَاحق، والاستعمال متوسط.

قَوْله: {وَهِي: مُفْرد ومركب، فالمفرد: كلمة وَاحِدَة، وَقيل: مَا وضع لِمَعْنى وَلَا جُزْء لَهُ، [أَوله وَلَا يدل فِيهِ] } .

ص: 291

أَي: اللُّغَة: مُفْرد ومركب.

أما الْمُفْرد، فَلَا نزاع فِي وضع الْعَرَب لَهُ.

وَأما الْمركب، فَالصَّحِيح أَنه فِي اللُّغَة وَعَلِيهِ الْأَكْثَر، وَيَأْتِي ذكر الْخلاف فِيهِ قَرِيبا، وَالْكَلَام هُنَا فِي حد الْمُفْرد والمركب. فالمفرد عِنْد النُّحَاة: كلمة وَاحِدَة.

[و] عِنْد المناطقة وَغَيرهم من الْأُصُولِيِّينَ: لفظ وضع لِمَعْنى وَلَا جُزْء لذَلِك اللَّفْظ يدل على الْمَعْنى الْمَوْضُوع لَهُ.

وَقَوْلنَا: (وَلَا جُزْء لَهُ أَوله وَلَا يدل فِيهِ) شَمل أَرْبَعَة أَقسَام:

الأول: مَا لَا جُزْء لَهُ أَلْبَتَّة، كباء الْجَرّ وَنَحْوهَا، فَإِنَّهَا مُفْرد وَإِن لم يسْتَقلّ بالنطق.

الثَّانِي: مَا لَهُ جُزْء وَلَكِن لَا يدل مُطلقًا، كزاي زيد مثلا، فَإِن الزَّاي مِنْهُ لَا تدل على شَيْء مِنْهُ.

الثَّالِث: مَا لَهُ جُزْء وَيدل لَكَانَ لَا على جُزْء الْمَعْنى كإنسان، فَإِن (إِن) فِي أَوله لَا تدل على بعض الْإِنْسَان، وَإِن كَانَت بانفرادها تدل على الشَّرْط أَو النَّفْي.

ص: 292

الرَّابِع: مَا لَهُ جُزْء وَيدل على جُزْء الْمَعْنى لَكِن فِي وضع آخر لَا فِي ذَلِك الْوَضع، كَقَوْلِنَا: حَيَوَان نَاطِق علما على شخص.

وَقَوْلنَا: (فِيهِ) أَي: يدل على شَيْء حِين هُوَ جزؤه وداخل فِيهِ، فالجار وَالْمَجْرُور وَهُوَ (فِيهِ) مُتَعَلق بِمَحْذُوف كَمَا قدرناه، ذكره فِي الْعَضُد على كَلَام ابْن الْحَاجِب، وَذكر غَيره مَعْنَاهُ.

قَوْله: {والمركب بِخِلَافِهِ فيهمَا، / فعبد الله - علما - مركب على الأول لَا الثَّانِي، و " يضْرب " عَكسه} .

عِنْد النُّحَاة الْمركب: مَا كَانَ أَكثر من كلمة، فَيشْمَل تركيب المزج كبعلبك وسيبويه وَخَمْسَة عشر وَنَحْوهَا، والمضاف - وَلَو علما وَنَحْوه - كَعبد الله وَغُلَام زيد.

وَعند المناطقة والأصوليين الْمركب: مَا دلّ جزؤه على جُزْء مَعْنَاهُ الَّذِي وضع لَهُ، سَوَاء كَانَ تركيبه إسنادياً كقام زيد وَزيد قَائِم، أَو إضافياً كغلام زيد، أَو تقييدياً كزيد الْعَالم، أَو مُضَافا إِذا كَانَ علما كَعبد الله، بِخِلَاف (يضْرب) فَإِن الْيَاء - وَهُوَ جزؤه - يدل على جُزْء مَعْنَاهُ، لِأَنَّهَا تدل على المضارعة.

ص: 293

فَائِدَة: الْمُؤلف والمركب مُتَرَادِفَانِ، فالمؤلف بِمَعْنى الْمركب، وَعَكسه.

وَبَعض النُّحَاة وَغَيرهم فرق بَينهمَا: بِأَن الْمُؤلف يكون بَين جزئيه ألفة، بِخِلَاف الْمركب.

ورد: بِأَن المُرَاد بالتركيب إِنَّمَا هُوَ على الْوَجْه الْمُعْتَبر فِي كَلَام الْعَرَب، لَا مُطلق انضمام لفظ إِلَى آخر، فَحِينَئِذٍ لَا يُوجد مركب إِلَّا وَبَين جزئيه ألفة.

قَوْله: {ثمَّ الْمُفْرد [مهمل ومستعمل، فَإِن] اسْتَقل بِمَعْنَاهُ وَدلّ بهيئته على أحد الْأَزْمِنَة الثَّلَاثَة [فَهُوَ الْفِعْل] ، وَهُوَ مَاض، كقام، ويعرض لَهُ الِاسْتِقْبَال بِالشّرطِ، وَلم يضْرب عَكسه، ومضارع كيقوم، وَأمر [كقم] } .

الْمُفْرد يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ: مهمل، ومستعمل.

فالمهمل كأسماء حُرُوف الهجاء، أَي: كمدلولاتها، فَإِن مَدْلُول الْألف أَو مَدْلُول [الْبَاء] وَهَذِه المدلولات لم تُوضَع بِإِزَاءِ شَيْء.

قَالَ ابْن الْعِرَاقِيّ وَغَيره: (أَلا ترى أَن الصَّاد مَوْضُوع لهَذَا

ص: 294

الْحَرْف، وَهُوَ مهمل لَا معنى لَهُ، وَإِنَّمَا يتعلمه الصغار فِي الِابْتِدَاء للتوصل بِهِ إِلَى معرفَة غَيره) .

والمستعمل يَنْقَسِم إِلَى: اسْم، وَفعل، وحرف، وَوجه الْحصْر فِي ذَلِك أَن يُقَال: إِن اسْتَقل الْمُفْرد بِمَعْنَاهُ / وَدلّ بهيئته على أحد الْأَزْمِنَة الثَّلَاثَة، وَهِي: الْمَاضِي، وَالْحَال، والمستقبل، فَهُوَ الْفِعْل، وَهُوَ ثَلَاثَة أَنْوَاع:

أَحدهَا: ماضي، كقام وَنَحْوه، ويعرض لَهُ الِاسْتِقْبَال بِالشّرطِ، نَحْو: إِن قَامَ زيد قُمْت، فَأصل وَضعه للماضي، وَقد يخرج عَن أَصله لعَارض، وَعَكسه (يضْرب) ، فَأصل (يضْرب) للْحَال أَو للاستقبال، ويصرفه إِلَى الْمَاضِي دُخُول حرف (لم) فيخرجه عَن أَصله وَيبقى للماضي، وَأحسن مِنْهُ مِثَالا (لَو) فَإِنَّهَا شَرط للماضي، وَإِن دخلت على الْمُضَارع صرفته إِلَيْهِ، كَمَا يَأْتِي بَيَانه فِي معنى (لَو) .

وَالثَّانِي: مضارع كيقوم وَنَحْوه، وَفِيه مَذَاهِب: أَحدهَا: أَنه للْحَال.

وَالثَّانِي: للاستقبال.

ص: 295

وَالثَّالِث - وَهُوَ الْأَشْهر هُوَ ظَاهر كَلَامه فِي " التسهيل " -: أَنه حَقِيقَة فيهمَا، فَيكون مُشْتَركا، فَمَتَى اسْتعْمل فِي الْمَاضِي كَانَ مجَازًا قطعا، وَكَذَا لَو اسْتعْمل فِي غير مَا وضع لَهُ عِنْد الْقَائِل بِهِ.

وَقَالَ الْبرمَاوِيّ فِي " شرح منظومته ": (فِي الْمُضَارع خَمْسَة مَذَاهِب: كَونه للْحَال لَا للاستقبال، عَكسه، كَونه حَقِيقَة فِي الْحَال مجَازًا فِي الِاسْتِقْبَال، عَكسه، حَقِيقَة فيهمَا) انْتهى.

وأفصح بهَا أَبُو حَيَّان فَقَالَ: (الْمَشْهُور أَنه مُشْتَرك بَين الْحَال والاستقبال، قَالَ ابْن مَالك: إِلَّا أَن الْحَال يتَرَجَّح عِنْد التجرد، وَفِيه نظر، وَقيل: حَقِيقَة فِي الْحَال مجَاز فِي الِاسْتِقْبَال، وَقيل عَكسه، وَقيل: حَقِيقَة فِي الْحَال وَلَا يسْتَعْمل فِي الِاسْتِقْبَال أصلا، لَا حَقِيقَة وَلَا مجَازًا، وَقيل عَكسه) انْتهى.

وَالثَّالِث: أَمر ك (قُم) ، وَهُوَ وَاضح، وَأما ل (يقم) فَإِنَّهُ مضارع دخلت لَام الْأَمر عَلَيْهِ.

وَقَوله: {وتجرده عَن الزَّمَان عَارض للإنشاء، وَقد يلْزمه ك (عَسى) ، وَقد لَا [يلْزمه] ك (نعم) وَبئسَ} .

الأَصْل فِي الْأَفْعَال: أَن يكون لأحد الْأَزْمِنَة الثَّلَاثَة، وَقد يتجرد عَن الزَّمَان، فَيكون للإنشاء بِوَضْع الْعرف، وَقد يلْزم التجرد عَن الزَّمَان

ص: 296

ك (عَسى) ، فَإِنَّهُ وضع أَولا للماضي، وَلم يسْتَعْمل / فِيهِ قطّ، بل فِي الْإِنْشَاء.

قَالَ القَاضِي عضد الدّين: (وَكَذَا حبذا، فَإِنَّهُ لَا معنى لَهَا فِي الْأَزْمِنَة) .

وَقد لَا يلْزم التجرد فيستعمل فِي الأَصْل وَهُوَ الْمَاضِي، ويتجرد عَن الزَّمَان - أَيْضا - للإنشاء ك (نعم) و (بئس)، فَيُقَال: نعم زيد أمس، وَبئسَ زيد أمس، وَنعم زيد، وَبئسَ، من غير نظر إِلَى زمَان.

قَوْله: {وَإِلَّا فالاسم} .

يَعْنِي: أَن الْمُفْرد إِن اسْتَقل بِمَعْنَاهُ لم يدل على أحد الْأَزْمِنَة الثَّلَاثَة فَهُوَ الِاسْم، فصبوح أمس، وغبوق غَد، وضارب أمس، وَنَحْوه يدل بِنَفسِهِ، لَكِن لم يدل وضعا، بل لعَارض كاللفظ بِالِاسْمِ ومدلوله؛ فَإِنَّهَا لَازم كالمكان.

وَنَحْو: (صه) دلّ على اسْكُتْ، وبواسطته على سكُوت مقترن بالاستقبال.

والمضارع إِن قيل: مُشْتَرك بَين الْحَال والاستقبال، فَوَضعه لأَحَدهمَا، واللبس عِنْد السَّامع.

قَوْله: {وَإِن لم يسْتَقلّ فالحرف، وَهُوَ: مَا دلّ على معنى فِي غَيره: وَقيل: لَا يحْتَاج إِلَى حد، وَسكت [جمع] عَن حَده} .

ص: 297

يَعْنِي: أَن الْمُفْرد إِذا لم يسْتَقلّ بِنَفسِهِ بِالْمَعْنَى فَهُوَ الْحَرْف، وَالصَّحِيح أَنه يحد، وَحده: مَا دلّ على معنى فِي غَيره؛ ليخرج الِاسْم وَالْفِعْل.

وَقَالَ بَعضهم: هُوَ لفظ لَا يدل على معنى فِي نَفسه.

وَقَالَ بَعضهم: لفظ لَا يسْتَقلّ بِالْمَعْنَى، ومعانيها مُتَقَارِبَة.

وَقيل: لَا يحْتَاج إِلَى حد لَهُ؛ لِأَن ترك الْعَلامَة لَهُ عَلامَة، وَهَذَا اخْتَارَهُ جمَاعَة مِنْهُم الحريري.

ورد: بِأَنَّهُ لتعريف حَقِيقَة الْمَحْدُود.

وَسكت جمَاعَة عَن حَده، فَيحْتَمل أَن لَهُ حدا عِنْدهم وَلَكِن لم يذكروه، وَيحْتَمل أَنه كالقول الثَّانِي.

قَوْله: {والمركب: مهمل مَوْجُود، خلافًا للرازي وَغَيره} .

ص: 298

الصَّحِيح: أَن الْمركب يَنْقَسِم إِلَى: مهمل، ومستعمل، وَأَن المهمل مَوْجُود، اخْتَارَهُ الْبَيْضَاوِيّ، والتاج السُّبْكِيّ، ومثلوه بالهذيان، فَإِنَّهُ لفظ مدوله لفظ مركب مهمل. /

قَالَ الكوراني: (وَهُوَ بعيد؛ لِأَن وجود مركب إسنادي لَا يكون لَهُ معنى، فِي غَايَة الْبعد) .

وَقَالَ الرَّازِيّ وَصَاحب " التَّحْصِيل " و " الْحَاصِل ": (الْأَشْبَه أَنه غير مَوْجُود؛ لِأَن الْغَرَض من التراكيب للإفادة) ، وَهَذَا إِنَّمَا يدل على أَن المهمل غير مَوْضُوع، لَا على أَنه لم يوضع لَهُ اسْم.

قَوْله: {وَلم تضعه الْعَرَب قطعا} .

قَالَ شرَّاح " جمع الْجَوَامِع ": (نفس ذَلِك اللَّفْظ المهمل لم تضعه الْعَرَب، وَلَا تجوز نسبته إِلَيْهَا لَا حَقِيقَة وَلَا مجَازًا، وَهَذَا لَا خلاف فِيهِ) .

قَوْله: {ومستعمل وَضعته الْعَرَب، خلافًا للرازي، وَابْن مَالك، [وَجمع] } .

ص: 299

تقدم أَن الْمُفْردَات وَضَعتهَا الْعَرَب بِلَا نزاع، وَأَن الْمركب قِسْمَانِ: مهمل تقدم حكمه.

ومستعمل اخْتلف الْعلمَاء: هَل وَضعته الْعَرَب كالمفرد، أم لَا، واستغنوا بالمفردات؟

فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: لم يضعوه، فَلَيْسَ بموضوع، وَلِهَذَا لم يتَكَلَّم أهل اللُّغَة فِيهِ وَلَا فِي أَنْوَاع تأليفه؛ لكَون الْأَمر موكولاً إِلَى الْمُتَكَلّم، وَاخْتَارَ هَذَا الْفَخر الرَّازِيّ، وَهُوَ ظَاهر كَلَام ابْن مَالك حَيْثُ قَالَ:(إِن دلَالَة الْكَلَام عقلية)، وَاحْتج لَهُ فِي الفيصل على الْمفصل:(بِأَن من يعرف لفظين لَا يفْتَقر عِنْد سماعهما مَعَ إِسْنَاد إِلَى معرف لِمَعْنى الِاسْتِنَاد، بل يُدْرِكهُ ضَرُورَة؛ لِأَنَّهُ لَو كَانَ الْمركب مَوْضُوعا لافتقر كل مركب إِلَى سَماع من الْعَرَب كالمفردات) .

وَحكى ابْن إياز عَن

...

...

...

...

...

...

.

ص: 300

شَيْخه نَحوه.

وَالصَّحِيح: أَنه مَوْضُوع، بِدَلِيل أَن لَهُ قوانين فِي الْعَرَبيَّة لَا يجوز تغييرها، وَمَتى غيرت حكم عَلَيْهَا بِأَنَّهَا لَيست عَرَبِيَّة، كتقديم الْمُضَاف إِلَيْهِ على الْمُضَاف، وَإِن قدم فِي غير لُغَة الْعَرَب، وكتقديم الصِّلَة أَو معمولها على الْمَوْصُول، وَغير ذَلِك مِمَّا لَا ينْحَصر، فحجروا فِي التَّرْكِيب كَمَا فِي الْمُفْردَات، وَاخْتَارَهُ ابْن الْحَاجِب وَغَيره / حَيْثُ قَالَ:(وأقسامها مُفْرد ومركب) ، وَكَذَا ابْن مُفْلِح، وَابْن قَاضِي الْجَبَل وَغَيرهمَا من أَصْحَابنَا.

قَالَ الْقَرَافِيّ: (وَهُوَ الصَّحِيح) ، وَعَزاهُ غَيره إِلَى الْجُمْهُور.

ص: 301

وَقَالَ الْبرمَاوِيّ: (وَالتَّحْقِيق أَن يُقَال: إِن أُرِيد أَنْوَاع المركبات فَالْحق أَنَّهَا مَوْضُوعَة، أَو جزيئات النَّوْع فَالْحق الْمَنْع، وَيَنْبَغِي أَن ينزل المذهبان على ذَلِك) .

وَمِمَّا يتَفَرَّع على الْخلاف مَا سَيَأْتِي أَن الْمجَاز، هَل يكون فِي التَّرْكِيب، وَأَن العلاقة هَل تشْتَرط فِي آحاده؟ وَنَحْو ذَلِك.

قَوْله: {وَمثله: الْمثنى وَالْجمع} .

الْمثنى وَالْجمع، هَل هما من قبيل الْمُفْرد فيكونان مَوْضُوعَيْنِ، أَو من قبيل الْمركب لشبههما بِهِ فَلَا يكونَانِ مَوْضُوعَيْنِ؟ على الْخلاف السَّابِق فِيهِ وَظَاهر كَلَام ابْن مَالك فِي " التسهيل " الثَّانِي، حَيْثُ قَالَ:(التَّثْنِيَة: جعل الِاسْم الْقَابِل دَلِيل اثْنَيْنِ متفقين) إِلَى آخِره.

وَقَالَ فِي " الْجمع ": (جعله دَلِيل مَا فَوق اثْنَيْنِ) إِلَى آخِره.

وَبَعْضهمْ يَقُول: الْمثنى: مَا وضع لاثْنَيْنِ، وَالْجمع: مَا وضع لأكْثر، فَيَقْتَضِي أَنه مَوْضُوع؛ لِأَنَّهُ [مُقَرر] على قوانين لَا يجوز الْإِخْلَال بهَا،

ص: 302

وَيَنْبَغِي أَن يجْرِي فِيهِ مَا سبق فِي المركبات، وَهُوَ الْوَضع فِي الْأَنْوَاع لَا فِي الجزئيات، وَيحمل كَلَام الْفَرِيقَيْنِ على ذَلِك، وَيَأْتِي هَل الْمجَاز الْمركب مَوْضُوع فِي الْكَلَام على اشْتِرَاط النَّقْل فِي الْآحَاد؟

قَوْله: {وَهُوَ جملَة: وَهِي مَا وضع لإِفَادَة نِسْبَة، وَهُوَ الْكَلَام} .

يَعْنِي: أَن الْمركب يكون جملَة وَغير جملَة، وَالْجُمْلَة [إِن أَفَادَ نِسْبَة فَهُوَ الْكَلَام] ، وَإِلَّا فَلَا، وَلذَلِك قُلْنَا: وَهِي مَا وضع لإِفَادَة نِسْبَة، أَي: لفظ وضع لإِفَادَة نِسْبَة، أَي: إِسْنَاد إِحْدَى الْكَلِمَتَيْنِ إِلَى الْأُخْرَى لإِفَادَة الْمُخَاطب معنى يَصح سُكُوته عَلَيْهِ، مثل: زيد قَائِم، وَقَامَ زيد، فَيخرج الْمركب الإضافي كغلام زيد وَنَحْوه؛ لِأَنَّهُ لم يفد الْمُخَاطب معنى يَصح السُّكُوت عَلَيْهِ.

وَاخْتَارَ أَبُو حَيَّان وَغَيره: أَن الْجُمْلَة وَالْكَلَام مُتَرَادِفَانِ، وَالصَّوَاب: أَن الْجُمْلَة أَعم؛ لصدقها على [مَا لَا يُفِيد] أَو لَا يُفِيد فَائِدَة / يحسن السُّكُوت عَلَيْهَا، كجملة الصِّلَة، وَجُمْلَة الشَّرْط، وَجُمْلَة الْجَزَاء وَنَحْوه.

ص: 303

قَوْله: {وَلَا يتألف إِلَّا من اسْمَيْنِ، أَو اسْم وَفعل} .

وَذَلِكَ لِأَن الْجُمْلَة تَتَضَمَّن الْإِسْنَاد، والإسناد يَقْتَضِي مُسْندًا وَمُسْندًا إِلَيْهِ، وَالِاسْم يصلح لَهما، وَالْفِعْل يصلح أَن يكون مُسْندًا وَلَا يصلح أَن يكون مُسْندًا إِلَيْهِ، والحرف لَا يصلح لشَيْء مِنْهُمَا.

والتركيب الْعقلِيّ من كَلِمَتَيْنِ يَشْمَل سِتّ صور:

اسْم مَعَ اسْم، وَاسم مَعَ فعل، وَاسم مَعَ حرف، وَفعل مَعَ فعل، وَفعل مَعَ حرف، وحرف مَعَ حرف.

فالأربعة الْأَخِيرَة لَا تتأتى مِنْهَا الْجُمْلَة، إِمَّا لعدم الْمسند، أَو لعدم الْمسند إِلَيْهِ، أَو [لعدمهما] .

لَكِن خَالف الْجِرْجَانِيّ وَغَيره فِي حرف اسْم ك " يَا زيد "، وَقَالَهُ

ص: 304

الْمُوفق فِي " الرَّوْضَة " وَغَيره، وَحَكَاهُ ابْن مُفْلِح عَن الْكُوفِيّين.

ورد: بِأَنَّهُ مفعول لفعل مَحْذُوف دلّ عَلَيْهِ حرف النداء، وَالتَّقْدِير: أَدْعُو، أَو أنادي زيدا.

قَالَ الطوفي فِي " مُخْتَصره ": (وَيَا زيد، والشرطية نَحْو: إِن تقم أقِم، فعليتان) .

فَلذَلِك لم أعرج على ذَلِك فِي الْمَتْن.

وَقَالَ ابْن الباقلاني وَأَبُو الْمَعَالِي: يتركب من حرف وَفعل وتعلقا بإفادة نَحْو: قد قَامَ.

ورد: بِأَن فِيهِ ضميراً مستتراً.

ولضعف ذَلِك تَرَكْنَاهُ.

قَوْله: {من مُتَكَلم وَاحِد، قَالَه الباقلاني، وَالْغَزالِيّ، وَابْن

ص: 305

مُفْلِح، وَغَيرهم، وَخَالف [جمع] } .

قَالَ ابْن مُفْلِح فِي " أُصُوله " - لما قَالَ: (وَلَا يتألف عِنْد النُّحَاة إِلَّا من اسْمَيْنِ أَو فعل وَاسم) -: (وَالْمرَاد من شخص وَاحِد، لِأَنَّهُ لابد من مُسْند ومسند إِلَيْهِ) . وَقَالَ جمع: يجوز أَن يكون من متكلمين فَأكْثر بِأَن يصطلح اثْنَان بِأَن يذكر هَذَا الْفِعْل وَهَذَا الْفَاعِل، أَو أحدهماالمبتدأ وَالْآخر الْخَبَر وَقَالَهُ ابْن مَالك، ورد الأول:(بِأَن الْخط لَا يَتَعَدَّد بِتَعَدُّد الْكَاتِب مَعَ كَونه كِتَابَة فَكَذَلِك هُنَا) ، وَكَذَلِكَ أَبُو حَيَّان فِي " الارتشاف ".

وَأجَاب ابْن مَالك بِجَوَاب آخر وَهُوَ التَّحْقِيق: (أَن الْكَلَام لَا بُد لَهُ من إِسْنَاد، وَهُوَ لَا يكون إِلَّا من وَاحِد، فَإِن وجد من كل وَاحِد مِنْهُمَا / إِسْنَاد بالإرادة، فَكل وَاحِد مِنْهُمَا مُتَكَلم بِكَلَام مركب، وَلَكِن حذف بعضه لدلَالَة الآخر عَلَيْهِ، فَلم يُوجد كَلَام من متكلمين، بل كلامان من اثْنَيْنِ) انْتهى

ص: 306

قلت: قَالَ أَبُو حَيَّان فِي " الارتشاف ": (لَا يشْتَرط فثي كَلَام أَن يكون من نَاطِق وَاحِد على الصَّحِيح) انْتهى. وَذكر أَصْحَابنَا فرعا مترتبا على ذَلِك وَهُوَ مَا إِذا قَالَ رجل: امْرَأَة فلَان طَالِق، فَقَالَ الزَّوْج: ثَلَاثًا وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: (هِيَ تشبه مَا لَو قَالَ: لي عَلَيْك ألف، فَقَالَ: صِحَاح، وفيهَا وَجْهَان، - قَالَ -: وَهَذَا أصل فِي الْكَلَام من اثْنَيْنِ إِن أَتَى الثَّانِي بِالصّفةِ وَنَحْوهَا هَل يكون متمماً [للْأولِ] أم لَا؟ انْتهى.

قَوْله: {وحيوان نَاطِق، و " كَاتب " فِي زيد كَاتب، [لم يفد] نِسْبَة} .

هَذَا جَوَاب عَن سُؤال مُقَدّر تَقْدِيره: إِن الْحَد الْمَذْكُور للجملة غير مطرد، ضَرُورَة صدقه على الْمركب التقييدي، وعَلى نَحْو (كَاتب) فِي قَوْله: زيد كَاتب، وَالْمرَاد بالمركب التقييدي: الْمركب من اسْمَيْنِ، أَو اسْم وَفعل، يكون الثَّانِي قيدا فِي الأول، وَيقوم مقامهما لفظ مُفْرد مثل: حَيَوَان نَاطِق، وَالَّذِي يكْتب، فَإِنَّهُ يقوم مقَام الأول الْإِنْسَان، ومقام الثَّانِي الْكَاتِب.

وَإِنَّمَا قُلْنَا: (الْحَد يصدق عَلَيْهِمَا) ؛ لِأَن الأول لفظ وضع لإِفَادَة نِسْبَة تقييدية، وَالثَّانِي وضع لإِفَادَة نِسْبَة اسْم الْفَاعِل إِلَى الضَّمِير الَّذِي هُوَ فَاعله.

ص: 307

وَالْجَوَاب أَن يُقَال: لَا نسلم أَن الْحَد يصدق عَلَيْهِمَا؛ لِأَن المُرَاد بإفادة النِّسْبَة: إِفَادَة نِسْبَة يحسن السُّكُوت عَلَيْهَا، وهما لم يوضعا لإِفَادَة نِسْبَة كَذَلِك.

قَوْله: {وَغير جملَة بخلافة} .

أَي: الْمركب يَنْقَسِم إِلَى جملَة، وَغير جملَة، فَتقدم الْكَلَام على الْجُمْلَة: وَهُوَ مَا وضع لإِفَادَة نِسْبَة، وَالَّذِي لم يوضع [لإِفَادَة] نِسْبَة هُوَ غير جملَة، فيندرج فِيهِ المركبات التقييدية، و (كَاتب) فِي زيد كَاتب، وَنَحْوهمَا كغلام زيد وَنَحْوه.

قَوْله: {وَيُسمى مُفردا أَيْضا} .

وَإِنَّمَا قُلْنَا: (أَيْضا) ؛ لِأَن الْمُفْرد يصدق وَيُطلق على مُقَابل الْجُمْلَة، / وعَلى مُقَابل الْمثنى وَالْجمع، وعَلى مُقَابل الْمركب.

فَيُقَال: مُفْرد وَجُمْلَة، ومفرد ومثنى ومجموع، ومفرد ومركب، إطلاقاً متعارفاً.

قَوْله: {وَيُرَاد بِالْكَلِمَةِ: الْكَلَام، [و] بالْكلَام: الْكَلِمَة، والكلم الَّذِي لم يفد} .

ص: 308