الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَوْماً أَقْرَبَ إِلَى رَوَاجِ الِاعْتِذَارِ. فَالْمُرَادُ: أَنَّهُ الْأَمْثَلُ مِنْ بَيْنِهِمْ فِي الْمَعَاذِيرِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ مُصِيبٌ.
وَإِنْ سَلَكْنَا بِهِ مَسْلَكَ الْمَجَازِ فَهُوَ تَهَكُّمٌ بِالْقَائِلِ فِي سُوءِ تَقْدِيرِهِ مِنْ لَبْثِهِمْ فِي الْقُبُورِ، فَلَمَّا كَانَ كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ متوغّلا فِي الغلظ مُؤْذِنًا بِجَهْلِ الْمُقَدِّرِينَ وَاسْتِبْهَامُ الْأَمْرِ عَلَيْهِمْ دَالًّا عَلَى الْجَهْلِ بِعَظِيمِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي قَضَّى الْأَزْمَانَ الطَّوِيلَةَ وَالْأُمَمَ الْعَظِيمَةَ وَأَعَادَهُمْ بَعْدَ الْقُرُونِ الْغَابِرَةِ، فَكَانَ الَّذِي قُدَّرَ زَمَنَ الْمُكْثِ فِي الْقُبُورِ بِأَقَلِّ قَدْرٍ أَوْغَلَ فِي الْغَلَطِ فَعُبِّرَ عَنْهُ بِ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً تَهَكُّمًا بِهِ وَبِهِمْ مَعًا إِذِ اسْتَوَى الْجَمِيعُ فِي الْخَطَأِ.
وَجُمْلَةُ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ فِعْلِ يَتَخافَتُونَ وَظَرْفِيَّةِ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ، أَيْ إِنَّهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ سِرًّا وَنَحْنُ أَعْلَمُ بِهِ وَإِنَّنَا نُخْبِرُ عَنْ قَوْلِهِمْ يَوْمَئِذٍ خَبَرَ الْعَلِيم الصَّادِق.
[105- 107]
[سُورَة طه (20) : الْآيَات 105 إِلَى 107]
وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً (105) فَيَذَرُها قَاعًا صَفْصَفاً (106) لَا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً (107)
لَمَّا جَرَى ذِكْرُ الْبَعْثِ وَوُصِفَ مَا سَيَنْكَشِفُ لِلَّذِينَ أَنْكَرُوهُ مِنْ خَطَئِهِمْ فِي شُبْهَتِهِمْ بِتَعَذُّرِ إِعَادَةِ الْأَجْسَامِ بَعْدَ تَفَرُّقِ أَجْزَائِهَا ذُكِرَتْ أَيْضًا شُبْهَةٌ مِنْ شُبُهَاتِهِمْ كَانُوا يَسْأَلُونَ بِهَا النَّبِيءَ صلى الله عليه وسلم سُؤَالَ تَعَنُّتٍ لَا سُؤَالَ اسْتِهْدَاءٍ، فَكَانُوا يُحِيلُونَ انْقِضَاءَ هَذَا الْعَالَمِ وَيَقُولُونَ:
فَأَيْنَ تَكُونُ هَذِهِ الْجِبَالُ الَّتِي نَرَاهَا. وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ ثَقِيفٍ سَأَلَ النَّبِيءَ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ، وَهُمْ أَهْلُ جِبَالٍ لِأَنَّ مَوْطِنَهُمُ الطَّائِفُ وَفِيهِ جَبَلُ كَرَى. وَسَوَاءٌ كَانَ سُؤَالُهُمُ اسْتِهْزَاءً أَمِ
اسْتِرْشَادًا، فَقَدْ أَنْبَأَهُمُ اللَّهُ بِمَصِيرِ
الْجِبَالِ إِبْطَالًا لِشُبْهَتِهِمْ وَتَعْلِيمًا لِلْمُؤْمِنِينَ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ:
«جَاءَ هُنَا (أَيْ قَوْلُهُ فَقُلْ يَنْسِفُها بِفَاءٍ وَكُلُّ سُؤَالٍ فِي الْقُرْآنِ «قُلْ» (أَيْ كُلُّ جَوَابٍ فِي لَفْظٍ مِنْهُ مَادَّةُ سُؤَالٍ) بِغَيْرِ فَاءٍ إِلَّا هَذَا، لِأَنَّ الْمَعْنَى إِنْ سَأَلُوكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ، فَتَضَمَّنَ الْكَلَامُ مَعْنَى الشَّرْطِ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُمْ يَسْأَلُونَهُ عَنْهَا فَأَجَابَهُمْ قَبْلَ السُّؤَالِ. وَتِلْكَ أَسْئِلَةٌ تَقَدَّمَتْ سَأَلُوا عَنْهَا النَّبِيءَ صلى الله عليه وسلم فَجَاءَ الْجَوَابُ عقب السُّؤَال ا. هـ» .
وَأَكَّدَ يَنْسِفُهَا نَسْفًا لِإِثْبَاتِ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ لَا اسْتِعَارَةٌ. فَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ: وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا
…
إِلَى آخِرِهِ، وَنَنْسِفُ الْجِبَالَ نَسْفًا، فَقُلْ ذَلِكَ لِلَّذِينَ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ.
وَالنَّسْفُ: تَفْرِيقٌ وَإِذْرَاءٌ، وَتَقَدَّمَ آنِفًا.
وَالْقَاعُ: الْأَرْضُ السَّهْلَةُ.
وَالصَّفْصَفُ: الْأَرْضُ الْمُسْتَوِيَةُ الَّتِي لَا نُتُوءَ فِيهَا.
وَمعنى فَيَذَرُها قَاعًا صَفْصَفاً أَنَّهَا تَنْدَكُّ فِي مَوَاضِعِهَا وَتُسَوَّى مَعَ الْأَرْضِ حَتَّى تَصِيرَ فِي مُسْتَوَى أَرْضِهَا، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِزِلْزَالٍ أَوْ نَحْوِهُ، قَالَ تَعَالَى: إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا [الْوَاقِعَة: 4- 6] .
وَجُمْلَةُ لَا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ لِمَعْنَى قَاعًا صَفْصَفاً لِزِيَادَةِ تَصْوِيرِ حَالَةٍ فَيَزِيدُ تَهْوِيلُهَا. وَالْخِطَابُ فِي لَا تَرى فِيها عِوَجاً لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ يُخَاطِبُ بِهِ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم سَائِلِيهِ.
وَالْعِوَجُ- بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الْوَاوِ-: ضِدُّ الِاسْتِقَامَةِ، وَيُقَالُ:- بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْوَاوِ- كَذَلِكَ فَهُمَا مُتَرَادِفَانِ عَلَى الصَّحِيحِ من أَقْوَال أيمة اللُّغَةِ. وَهُوَ مَا جَزَمَ بِهِ عَمْرٌو وَاخْتَارَهُ الْمَرْزُوقِيُّ فِي «شَرْحِ الْفَصِيحِ» . وَقَالَ جَمَاعَةٌ:- مَكْسُورُ الْعَيْنِ- يَجْرِي عَلَى الْأَجْسَامِ غَيْرِ الْمُنْتَصِبَةِ كَالْأَرْضِ