الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الشَّظَفِ وَالضَّعْفِ بِاعْتِبَارِ الْمَآلَيْنِ، إِذْ كَانَ مَآلُ الْكَفَرَةِ الْعَذَابُ وَمَآلُ
الْمُؤْمِنِينَ السَّلَامَةُ مِنَ الْعَذَابِ وَبَعْدُ فَلِلْمُؤْمِنِينَ الثَّوَابُ.
وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ: صِفَتَانِ لِمَحْذُوفٍ مَعْلُومٍ من الْمقَام، أَي الْأَعْمَالُ الْبَاقِي نَعِيمُهَا وَخَيْرُهَا، وَالصَّالِحَاتُ لِأَصْحَابِهَا هِيَ خَيْرٌ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ نِعْمَةِ النَّجَاةِ مِنَ الْعَذَابِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ وَجْهُ تَقْدِيمِ الْبَاقِيَاتِ عَلَى الصَّالِحَاتِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى نَظِيرِهِ فِي أَثْنَاءِ سُورَةِ الْكَهْفِ.
وَالْمَرَدُّ، الْمَرْجِعُ. وَالْمُرَادُ بِهِ عَاقِبَة الْأَمر.
[77- 80]
[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 77 إِلَى 80]
أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَداً (77) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (78) كَلَاّ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا (79) وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينا فَرْداً (80)
تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا [مَرْيَم: 66] وَمَا اتَّصَلَ بِهِ مِنَ الِاعْتِرَاضِ وَالتَّفْرِيعَاتِ. وَالْمُنَاسَبَةِ: أَنَّ قَائِلَ هَذَا الْكَلَامِ كَانَ فِي غُرُورٍ مِثْلِ الْغُرُورِ الَّذِي كَانَ فِيهِ أَصْحَابُهُ. وَهُوَ غُرُورُ إِحَالَةِ الْبَعْثِ.
وَالْآيَةُ تُشِيرُ إِلَى قِصَّةِ خَبَّابِ بْنِ الأرتّ مَعَ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ. فَفِي «الصَّحِيحِ» : أَنَّ خَبَّابًا كَانَ يَصْنَعُ السُّيُوفَ فِي مَكَّة، فَعمل للعاص بْنِ وَائِلَ سَيْفًا وَكَانَ ثَمَنُهُ دينا على الْعَاصِ، وَكَانَ خَبَّابٌ قَدْ أَسْلَمَ، فَجَاءَ خَبَّابٌ يَتَقَاضَى دينه من الْعَاصِ فَقَالَ لَهُ الْعَاصِ بْنُ
وَائِلٍ: لَا أَقْضِيكَهُ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ، فَقَالَ خَبَّابٌ (وَقَدْ غَضِبَ) : لَا أَكْفُرُ بِمُحَمَّدٍ حَتَّى يُمِيتَكَ اللَّهُ ثُمَّ يَبْعَثك. قَالَ الْعَاصِ: أَو مَبْعُوث أَنَا بَعْدَ الْمَوْتِ؟ قَالَ: نعم. قَالَ (الْعَاصِ مُتَهَكِّمًا) : إِذَا كَانَ ذَلِكَ فَسَيَكُونُ لِي مَالٌ وَوَلَدٌ وَعِنْدَ ذَلِكَ أَقْضِيكَ دَيْنَكَ» . فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي ذَلِك. فالعاص بْنُ وَائِلٍ هُوَ الْمُرَادُ بِالَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا.
وَالِاسْتِفْهَامُ فِي أَفَرَأَيْتَ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّعْجِيبِ مِنْ كُفْرِ هَذَا الْكَافِرِ.
وَالرُّؤْيَةُ مُسْتَعَارَةٌ لِلْعِلْمِ بِقِصَّتِهِ الْعَجِيبَةِ. نَزَلَتِ الْقِصَّةُ مَنْزِلَةَ الشَّيْءِ الْمُشَاهَدِ بِالْبَصَرِ لِأَنَّهُ مِنْ أَقْوَى طُرُقِ الْعِلْمِ. وَعُبِّرَ عَنْهُ بِالْمَوْصُولِ لِمَا فِي الصِّلَةِ مِنْ منشأ الْعجب وَلَا سِيمَا قَوْلُهُ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَداً.
وَالْمَقْصُودُ مِنَ الِاسْتِفْهَامِ لَفْتُ الذِّهْنِ إِلَى مَعْرِفَةِ هَذِهِ الْقِصَّةِ أَوْ إِلَى تَذَكُّرِهَا إِنْ كَانَ عَالِمًا بِهَا.
وَالْخِطَابُ لِكُلِّ مَنْ يَصْلُحُ لِلْخِطَابِ فَلَمْ يُرَدْ بِهِ مُعَيَّنٌ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خِطَابًا لِلنَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم.
وَالْآيَاتُ: الْقُرْآنُ، أَيْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنَ الْآيَاتِ وَكَذَّبَ بِهَا. وَمِنْ جُمْلَتِهَا آيَاتُ الْبَعْثِ.
وَالْوَلَدُ: اسْمُ جَمْعٍ لِوَلَدٍ الْمُفْرَدِ، وَكَذَلِكَ قَرَأَهُ الْجُمْهُورُ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ- فِي هَذِهِ السُّورَةِ فِي الْأَلْفَاظِ الْأَرْبَعَةِ- «وَوُلْدٌ» - بِضَمِّ الْوَاوِ وَسُكُونِ اللَّامِ- فَهُوَ جَمْعُ وَلَدٍ، كَأَسَدٍ وَأُسْدٍ.
وَجُمْلَةُ أَطَّلَعَ الْغَيْبَ جَوَابٌ لِكَلَامِهِ عَلَى طَرِيقَةِ الْأُسْلُوبِ الْحَكِيمِ بِحَمْلِ كَلَامِهِ عَلَى ظَاهِرِ عِبَارَتِهِ مِنَ الْوَعْدِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنَ الْمَالِ الَّذِي سَيَجِدُهُ حِينَ يُبْعَثُ، فَالِاسْتِفْهَامُ فِي قَوْلِهِ أَطَّلَعَ الْغَيْبَ إِنْكَارِيُّ وتَعْجِيبِيُّ.
وَ (أَطَّلَعَ) افْتَعَلَ مَنْ طَلَعَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي حُصُولِ فِعْلِ الطُّلُوعِ وَهُوَ الِارْتِقَاءُ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ لِمَكَانِ الطُّلُوعِ مَطْلَعٌ بِالتَّخْفِيفِ وَمُطَّلَعٌ بِالتَّشْدِيدِ. وَمِنْ أَجْلِ هَذَا أُطْلِقَ الِاطِّلَاعُ عَلَى الْإِشْرَافِ عَلَى الشَّيْءِ، لِأَنَّ الَّذِي يَرُومُ الْإِشْرَافَ عَلَى مَكَانٍ مَحْجُوبٍ عَنْهُ يَرْتَقِي إِلَيْهِ مِنْ عُلُوٍّ، فَالْأَصْلُ أَنَّ فِعْلَ (اطَّلَعَ) قَاصِرٌ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَى التَّعْدِيَةِ، قَالَ تَعَالَى: قالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ [الصافات: 54، 55]، فَإِذَا ضُمِّنَ أَطَّلَعَ مَعْنَى أَشَرَفَ عُدِّيَ بِحَرْفِ الِاسْتِعْلَاءِ كَقَوْلَهِ تَعَالَى: لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَتَقَدَّمَ إِجْمَالًا فِي سُورَةِ الْكَهْفِ [18] .
فَانْتَصَبَ الْغَيْبَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ لَا عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ. قَالَ فِي «الْكَشَّافِ» : «وَلِاخْتِيَارِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ شَأْن، يَقُول: أَو قد بَلَغَ مِنْ عَظَمَةِ شَأْنِهِ أَنِ ارْتَقَى إِلَى عِلَمِ الْغَيْبِ» اه. فَالْغَيْبُ: هُوَ مَا غَابَ عَنِ الْأَبْصَارِ.
وَالْمَعْنَى: أَأَشْرَفَ عَلَى عَالَمِ الْغَيْبِ فَرَأَى مَالًا وَوَلَدًا مُعَدَّيْنِ لَهُ حِينَ يَأْتِي يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَوْ فَرَأَى مَالَهُ وَوَلَدَهُ صَائِرِينَ مَعَهُ فِي الْآخِرَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ فَسَيَكُونُ لِي مَالٌ وَوَلَدٌ عَنَى أَنَّ مَالَهُ وَوَلَدَهُ رَاجِعَانِ إِلَيْهِ يَوْمَئِذٍ أَمْ عَهِدَ اللَّهُ إِلَيْهِ بِأَنَّهُ مُعْطِيهِ ذَلِكَ فَأَيْقَنَ بِحُصُولِهِ، لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَةِ مَا أُعِدَّ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا أَحَدُ هَذَيْنِ إِمَّا مُكَاشَفَةُ ذَلِكَ وَمُشَاهَدَتُهُ، وَإِمَّا إِخْبَارُ اللَّهِ بِأَنَّهُ يُعْطِيهِ إِيَّاهُ.
وَمُتَعَلِّقُ الْعَهْدِ مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ. تَقْدِيرُهُ: بِأَنْ يُعْطِيَهُ مَالًا وَوَلَدًا.
وعِنْدَ ظَرْفُ مَكَانٍ، وَهُوَ اسْتِعَارَةٌ بِالْكِنَايَةِ بِتَشْبِيهِ الْوَعْد بِصَحِيفَة مَكْتُوبَة بِهَا تَعَاهُدٌ وَتَعَاقُدٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ مَوْضُوعَةٌ عِنْدَ اللَّهِ،
لِأَنَّ النَّاسَ كَانُوا إِذَا أَرَادُوا تَوْثِيقَ مَا يَتَعَاهَدُونَ عَلَيْهِ كَتَبُوهُ فِي صَحِيفَةٍ وَوَضَعُوهَا فِي مَكَانٍ حَصِينٍ مَشْهُورٍ كَمَا كَتَبَ الْمُشْرِكُونَ صَحِيفَةَ الْقَطِيعَةِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ وَوَضَعُوهَا فِي الْكَعْبَةِ. وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ حِلِّزَةَ:
حَذَرَ الْجَوْرِ والتَّطَاخِي وَهَلْ يَنْقُضُ
…
مَا فِي الْمَهَارِقِ الْأَهْوَاءُ
وَلَعَلَّ فِي تَعْقِيبِهِ بِقَوْلِهِ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ إِشَارَةٌ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى بِطَرِيقِ مُرَاعَاةِ النَّظِيرِ.
وَاخْتِيرَ هُنَا من أَسْمَائِهِ الرَّحْمنِ، لِأَنَّ اسْتِحْضَارَ مَدْلُولِهِ أَجْدَرُ فِي وَفَائِهِ بِمَا عَهِدَ بِهِ مِنْ النِّعْمَةِ الْمَزْعُومَةِ لِهَذَا الْكَافِرِ، وَلِأَنَّ فِي ذِكْرِ هَذَا الِاسْمِ تَوَرُّكًا عَلَى الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَالُوا وَمَا الرَّحْمنُ [الْفرْقَان: 60] .
وكَلَّا حَرْفُ رَدْعٍ وَزَجْرٍ عَنْ مَضْمُونِ كَلَامٍ سَابِقٍ مِنْ مُتَكَلِّمٍ وَاحِدٍ، أَوْ مِنْ كَلَامٍ يُحْكَى عَنْ مُتَكَلِّمٍ آخَرَ أَوْ مَسْمُوعٍ مِنْهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي [الشُّعَرَاء: 61، 62] .
وَالْأَكْثَرُ أَنْ تَكُونَ عَقِبَ آخِرِ الْكَلَامِ الْمُبْطَلِ بِهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَلَى الْكَلَامِ الْمُبْطَلِ لِلِاهْتِمَامِ بِالْإِبْطَالِ وَتَعْجِيلِهِ وَالتَّشْوِيقِ إِلَى سَمَاعِ الْكَلَامِ الَّذِي سَيَرِدُ بَعْدَهَا كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: كَلَّا وَالْقَمَرِ وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ [المدثر: 32- 35] على أَحَدِ تَأْوِيلَيْنِ، وَلِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْإِبْطَالِ كَانَتْ فِي مَعْنَى النَّفْيِ، فَهِيَ نَقِيضُ إِي وَأجل وَنَحْوِهِمَا مِنْ أَحْرُفِ الْجَوَابِ بِتَقْدِيرِ الْكَلَامِ السَّابِقِ.
وَالْمَعْنَى: لَا يَقَعُ مَا حَكَى عَنْهُ مِنْ زَعْمِهِ وَلَا مِنْ غُرُورِهِ، وَالْغَالِبُ أَنْ تَكُونَ مُتْبَعَةً بِكَلَامٍ بَعْدَهَا، فَلَا يُعْهَدُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ فِي رَدِّ كَلَامٍ: كَلَّا، وَيَسْكُتُ.
وَلِكَوْنِهَا حَرْفَ رَدْعٍ أَفَادَتْ مَعْنًى تَامًا يَحْسُنُ السُّكُوتُ عَلَيْهِ. فَلِذَلِكَ جَازَ الْوَقْفُ عَلَيْهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَمَنَعَ الْمُبَرِّدُ الْوَقْفَ عَلَيْهَا بِنَاءً على أَنَّهَا لَا بُد أَنْ تُتْبَعَ بِكَلَامٍ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: مَوَاقِعُهَا أَرْبَعَةٌ:
- مُوَقِعٌ يَحْسُنُ الْوَقْفُ عَلَيْهَا وَالِابْتِدَاءُ بِهَا كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ.
- وموقع يَحْسُنُ الْوَقْفُ عَلَيْهَا وَلَا يَحْسُنُ الِابْتِدَاءُ بِهَا كَقَوْلِهِ: فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ قالَ كَلَّا فَاذْهَبا [الشُّعَرَاء: 14، 15] .
- وَمُوقِعٌ يَحْسُنُ فِيهِ الِابْتِدَاءُ بِهَا وَلَا يَحْسُنُ الْوَقْفُ عَلَيْهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ [عبس: 11] .
- وموقع لَا يَحْسُنُ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْأَمْرَيْنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ [التكاثر: 4] .
وَكَلَامُ الْفَرَّاءِ يُبَيِّنُ أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَ الْجُمْهُورِ وَبَيْنَ الْمُبَرِّدِ لَفْظِيُّ لِأَنَّ الْوَقْفَ أَعَمُّ مِنَ السُّكُوتِ التَّامِّ.
وَحَرْفُ التَّنْفِيسِ فِي قَوْلِهِ سَنَكْتُبُ لِتَحْقِيقِ أَنَّ ذَلِكَ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي [يُوسُف: 98] .
وَالْمَدُّ فِي الْعَذَابِ: الزِّيَادَةُ مِنْهُ، كَقَوْلِهِ: فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا [مَرْيَم: 75] .
وَمَا يَقُولُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ إِيجَازٌ، لِأَنَّهُ لَوْ حَكَيَ كَلَامَهُ لَطَالَ. وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ [آل عمرَان: 183] ، أَيْ وَبِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ، أَيْ مَا قَالَهُ مِنَ الْإِلْحَادِ وَالتَّهَكُّمِ بِالْإِسْلَامِ، وَمَا قَالَهُ مِنَ الْمَالِ وَالْوَلَدِ، أَيْ سَنَكْتُبُ جَزَاءَهُ وَنُهْلِكُهُ فَنَرِثُهُ مَا سَمَّاهُ مِنَ الْمَالِ وَالْوَلَدِ، أَيْ نَرِثُ أَعْيَانَ مَا ذَكَرَ أَسْمَاءَهُ، إِذْ لَا يُعْقَلُ أَنْ يُورَثَ عَنْهُ قَوْلُهُ وَكَلَامُهُ. فَ مَا يَقُولُ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ ضَمِيرِ النَّصْبِ فِي نَرِثُهُ، إِذِ التَّقْدِيرُ: وَنَرِثُ وَلَدَهُ وَمَالَهُ.