الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَيَكُونُ هَذَا مِمَّا نَسَخَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ [الْحجر: 94] ، وَتَعْلِيمٌ لِلْمُسْلِمِينَ بِاسْتِوَاءِ الْجَهْرِ وَالسِّرِّ فِي الدُّعَاءِ، وَإِبْطَالٌ لِتَوَهُّمِ الْمُشْرِكِينَ أَنَّ الْجَهْرَ أَقْرَبُ إِلَى عِلْمِ اللَّهِ مِنَ السِّرِّ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْخَبَرُ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْمَذْكُورِ آنِفًا.
وَالْقَوْلُ: مَصْدَرٌ، وَهُوَ تَلَفُّظُ الْإِنْسَانِ بِالْكَلَامِ، فَيَشْمَلُ الْقِرَاءَةَ وَالدُّعَاءَ وَالْمُحَاوَرَةَ، وَالْمَقْصُودُ هُنَا مَا لَهُ مَزِيدُ مُنَاسِبَةٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: مَا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى [طه: 2] الْآيَاتِ.
وَجَوَابُ شَرْطِ وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى. وَالتَّقْدِيرُ: فَلَا تَشُقَّ عَلَى نَفْسِكَ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى، أَيْ فَلَا مَزِيَّةَ لِلْجَهْرِ بِهِ.
وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنْ لَيْسَ مَسَاقُ الْآيَةِ لِتَعْلِيمِ النَّاسِ كَيْفِيَّةَ الدُّعَاءِ، فَقَدْ ثَبَتَ فِي السُّنَةِ الْجَهْرُ بِالدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ، فَلَيْسَ مِنَ الصَّوَابِ فَرْضُ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ هُنَا إِلَّا عَلَى مَعْنَى الْإِشَارَةِ.
وأَخْفى اسْمُ تَفْضِيلٍ، وَحُذِفَ الْمُفَضَّلُ عَلَيْهِ لِدَلَالَةِ الْمَقَامِ عَلَيْهِ، أَيْ وَأَخْفَى مِنَ السِّرِّ. وَالْمُرَادُ بِأَخْفَى مِنْهُ: مَا يَتَكَلَّمُ اللِّسَانُ مِنْ حَدِيثِ النَّفْسِ وَنَحْوِهِ مِنَ الْأَصْوَاتِ الَّتِي هِيَ أَخْفَى مِنْ كَلَام السِّرّ.
[8]
[سُورَة طه (20) : آيَة 8]
اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَاّ هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى (8)
تَذْيِيلٌ لِمَا قَبْلَهُ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ تَضَّمَنَ صِفَاتٍ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْ خَلْقِهِ وَمِنْ عَظَمَتِهِ فَجَاءَ هَذَا التَّذْيِيلُ بِمَا يَجْمَعُ صِفَاتِهِ.
وَاسْمُ الْجَلَالَةِ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ. وَالتَّقْدِيرُ: هُوَ اللَّهُ، جَرْيًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ
تَعَالَى: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى [طه: 5] .
وَجُمْلَةُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ حَالٌ مِنِ اسْمِ الْجَلَالَةِ. وَكَذَلِكَ جُمْلَةُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى.
وَالْأَسْمَاءُ: الْكَلِمَاتُ الدَّالَةُ عَلَى الِاتِّصَافِ بِحَقَائِقَ. وَهِيَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى اللَّهِ: إِمَّا عَلَمٌ وَهُوَ اسْمُ الْجَلَالَةِ خَاصَّةً. وَإِمَّا وصف مثل الرحمان وَالْجَبَّارِ وَبَقِيَّةِ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى.
وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ فِي قَوْلِهِ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى لِلِاخْتِصَاصِ، أَيْ لَا لِغَيْرِهِ لِأَنَّ غَيْرَهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ اسْمُهُ مُجَرَّدًا مِنَ الْمَعَانِي الْمَدْلُولَةِ لِلْأَسْمَاءِ مِثْلَ الْأَصْنَامِ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ حَقَائِقُهَا فِيهِ غَيْرُ بَالِغَةٍ مُنْتَهَى كَمَالِ حَقِيقَتِهَا كَاتِّصَافِ الْبَشَرِ بِالرَّحْمَةِ وَالْمُلْكِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الِاتِّصَافُ بِهَا كَذِبًا لَا حَقِيقَةً، كَاتِّصَافِ الْبَشَرِ بِالْكِبْرِ، إِذْ لَيْسَ أَهْلًا لِلْكِبْرِ وَالْجَبَرُوتِ وَالْعِزَّةِ.
وَوصف الْأَسْمَاء بِالْحُسْنَى لِأَنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى حَقَائِقَ كَامِلَةٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُسَمَّى بِهَا تَعَالَى وَتَقَدَّسَ. وَذَلِكَ ظَاهِرٌ فِي غَيْرِ اسْمِ الْجَلَالَةِ، وَأَمَّا فِي اسْمِ الْجَلَالَةِ الَّذِي هُوَ الِاسْمُ الْعَلَمُ فَلِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْأَعْلَامِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ فِي الْأَصْلِ وَصْفٌ دَالٌّ عَلَى الِانْفِرَادِ بِالْإِلَهِيَّةِ لِأَنَّهُ دَالٌّ عَلَى الْإِلَهِ، وَعُرِّفَ بِاللَّامِ الدَّالَةِ عَلَى انْحِصَارِ الْحَقِيقَةِ عِنْدَهُ، فَكَانَ جَامِعًا لِمَعْنَى وُجُوبِ الْوُجُودِ، وَاسْتَحَقَّ الْعِبَادَةَ لِوُجُودِ أَسْبَابِ اسْتِحْقَاقِهَا عِنْدَهُ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها فِي سُورَة الْأَعْرَاف [180] .