المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة طه (20) : الآيات 37 الى 41] - التحرير والتنوير - جـ ١٦

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 75 إِلَى 76]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 77]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 78 إِلَى 82]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 83 إِلَى 84]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 85 إِلَى 88]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 89 إِلَى 90]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 91]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 92 إِلَى 98]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 99 الى 101]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 102]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 103 إِلَى 104]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 105]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 106]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 107 إِلَى 108]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 109]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 110]

- ‌19- سُورَةُ مَرْيَمَ

- ‌أغراض السُّورَة

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 2 إِلَى 3]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 4 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 7 إِلَى 8]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 16 إِلَى 21]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 22 إِلَى 23]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 25 إِلَى 26]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 27 إِلَى 28]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 30 إِلَى 33]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 34 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 41 إِلَى 42]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 47 إِلَى 48]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 49 إِلَى 50]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 51 إِلَى 53]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 54 إِلَى 55]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 56 إِلَى 57]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 59 إِلَى 63]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 65]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 66 إِلَى 67]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 68 إِلَى 70]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 71 إِلَى 72]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 73 إِلَى 74]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 75 إِلَى 76]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 77 إِلَى 80]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 81 إِلَى 82]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 83 إِلَى 84]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 85 إِلَى 87]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 88 إِلَى 95]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 96]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 97]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 98]

- ‌20- سُورَةُ طَهَ

- ‌أغراضها:

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 2 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 9 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 11 إِلَى 13]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 14 إِلَى 16]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 17 إِلَى 21]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 22 إِلَى 23]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 24 إِلَى 36]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 37 الى 41]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 43 إِلَى 44]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 45 إِلَى 48]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 49 إِلَى 50]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 51 إِلَى 52]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 53 إِلَى 54]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 56]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 57 إِلَى 59]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 60 إِلَى 61]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 62 إِلَى 64]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 65 إِلَى 66]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 67 إِلَى 69]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 70 إِلَى 71]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 72 إِلَى 73]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 74 إِلَى 76]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 77]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 78 إِلَى 79]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 80 إِلَى 82]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 83 إِلَى 85]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 86]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 87 الى 88]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 89]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 90 إِلَى 91]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 92 إِلَى 94]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 95 إِلَى 96]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 97]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 98]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 99 إِلَى 101]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 102 إِلَى 104]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 105 إِلَى 107]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 108 إِلَى 112]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 113 إِلَى 114]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 115]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 116]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 117 الى 119]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 120]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 121 إِلَى 122]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 123 الى 127]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 128]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 129 إِلَى 130]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 131]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 132]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 133]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 134]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 135]

الفصل: ‌[سورة طه (20) : الآيات 37 الى 41]

» .

[37- 41]

[سُورَة طه (20) : الْآيَات 37 الى 41]

وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى (37) إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ مَا يُوحى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي (39) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يَا مُوسى (40) وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41)

جُمْلَةُ وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ [طه: 36] لِأَنَّ جُمْلَةَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ تَتَضَمَّنُ مِنَّةً عَلَيْهِ، فَعُطِفَ عَلَيْهَا تَذْكِيرٌ بِمِنَّةٍ عَلَيْهِ أُخْرَى فِي وَقْتِ ازْدِيَادِهِ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ بِمَحَلِّ الْعِنَايَةِ مِنْ رَبِّهِ مِنْ أَوَّلِ أَوْقَاتِ وُجُودِهِ فَابْتَدَأَهُ بِعِنَايَتِهِ قَبْلَ سُؤَالِهِ فَعِنَايَتُهُ بِهِ بَعْدَ سُؤَالِهِ أَحْرَى، وَلِأَنَّ تِلْكَ الْعِنَايَةَ الْأُولَى تَمْهِيدٌ لِمَا أَرَادَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الِاصْطِفَاءِ وَالرِّسَالَةِ، فَالْكَرَمُ يَقْتَضِي أَنَّ الِابْتِدَاءَ بِالْإِحْسَانِ يَسْتَدْعِي الِاسْتِمْرَارَ عَلَيْهِ. فَهَذَا

طَمْأَنَةٌ لِفُؤَادِهِ وَشَرْحٌ لِصَدْرِهِ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ سَيَكُونُ مُؤَيَّدًا فِي سَائِرِ أَحْوَالِهِ الْمُسْتَقْبَلَةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى [الضُّحَى: 5- 8] .

وَتَأْكِيدُ الْخَبَرِ بلام الْقسم و (قد) لِتَحْقِيقِ الْخَبَرِ، لِأَنَّ مُوسَى عليه السلام قَدْ عَلِمَ ذَلِكَ، فَتَحْقِيقُ الْخَبَرِ لَهُ تَحْقِيقٌ لَلَازِمِهِ الْمُرَادِ مِنْهُ، وَهُوَ أَنَّ عِنَايَةَ اللَّهِ بِهِ دَائِمَةٌ لَا تَنْقَطِعُ عَنْهُ زِيَادَةٌ فِي تَطْمِينِ خَاطِرِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ [طه: 36] .

وَالْمَرَّةُ: فَعْلَةٌ مِنَ الْمُرُورِ، غَلَبَتْ عَلَى مَعْنَى الْفِعْلَةِ الْوَاحِدَةِ مِنْ عَمَلٍ معيّن يعرف بِالْإِضَافَة أَوْ بِدَلَالَةِ الْمَقَامِ. وَقَدْ تَقَدَّمَتْ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فِي سُورَةِ بَرَاءَةَ [13] . وَانْتِصَابُ مَرَّةً هُنَا عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ لِفِعْلِ مَنَنَّا، أَيْ مَرَّةً مِنَ المنّ. ووصفها بِأُخْرَى هُنَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا غَيْرُ هَذِهِ الْمِنَّةِ.

ص: 215

وَ (إِذْ) ظَرْفٌ لِلْمِنَّةِ.

وَالْوَحْيُ، هُنَا: وَحْيُ الْإِلْهَامِ الصَّادِقِ. وَهُوَ إِيقَاعُ مَعْنًى فِي النَّفْسِ يَنْثَلِجُ لَهُ نَفْسُ الْمُلْقَى إِلَيْهِ بِحَيْثُ يَجْزِمُ بِنَجَاحِهِ فِيهِ وَذَلِكَ مِنْ تَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَدْ يَكُونُ بِطَرِيقِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةِ الَّتِي يُقْذَفُ فِي نَفْسِ الرَّائِي أَنَّهَا صِدْقٌ.

وَمَا يُوحى مَوْصُولٌ مُفِيدٌ أَهَمِّيَّةَ مَا أُوحِيَ إِلَيْهَا. وَمُفِيدٌ تَأْكِيدَ كَوْنِهِ إِلْهَامًا مِنْ قِبَلِ الْحَقِّ.

وأَنِ تَفْسِيرٌ لِفِعْلِ أَوْحَيْنا لِأَنَّهُ مَعْنَى الْقَوْلِ دُونَ حُرُوفِهِ أَو تَفْسِير ليوحى.

وَالْقَذْفُ: أَصْلُهُ الرَّمْيِ، وَأُطْلِقَ هُنَا عَلَى الْوَضْعِ فِي التَّابُوتِ، تَمْثِيلًا لِهَيْئَةِ الْمُخْفِي عَمَلَهُ، فَهُوَ يُسْرِعُ وَضْعَهُ مِنْ يَدِهِ كَهَيْئَةِ مَنْ يَقْذِفُ حَجَرًا وَنَحْوَهُ.

وَالتَّابُوتُ: الصُّنْدُوقُ. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [248] .

وَالْيَمُّ: الْبَحْرُ، وَالْمُرَادُ بِهِ نَهْرُ النِّيلِ.

وَالسَّاحِلُ: الشَّاطِئُ، وَلَامُ الْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ فَلْيُلْقِهِ دَالَّةٌ عَلَى أَمْرِ التَّكْوِينِ، أَيْ سَخَّرْنَا الْيَمَّ لِأَنْ يُلْقِيَهُ بِالسَّاحِلِ، وَلَا يَبْتَعِدَ بِهِ إِلَى مَكَانٍ بَعِيدٍ، وَالْمُرَادُ سَاحِلٌ مَعْهُودٌ، وَهُوَ

الَّذِي يَقْصُدُهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِلسِّبَاحَةِ.

وَالضَّمَائِرُ الثَّلَاثَةُ الْمَنْصُوبَةُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عَائِدَةً إِلَى مُوسَى لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ وَهُوَ حَاضِرٌ فِي ذِهْنِ أُمِّهِ الْمُوحَى إِلَيْهَا، وَقَذْفُهُ فِي التَّابُوتِ وَفِي الْيَمِّ وَإِلْقَاؤُهُ فِي السَّاحِلِ كُلُّهَا أَفْعَالٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِضَمِيرِهِ،

ص: 216

إِذْ لَا فَرْقَ فِي فِعْلِ الْإِلْقَاءِ بَيْنَ كَوْنِهِ مُبَاشِرًا أَوْ فِي ضِمْنِ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْأَفْعَالِ الثَّلَاثَةِ. وَيَجُوزُ جَعْلَ الضَّمِيرَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ عَائِدَيْنِ إِلَى التَّابُوتِ وَلَا لَبْسَ فِي ذَلِكَ.

وَجَزْمُ يَأْخُذْهُ فِي جَوَابِ الْأَمْرِ عَلَى طَرِيقَةِ جَزْمِ قَوْلِهِ يَفْقَهُوا قَوْلِي [طه: 28] الْمُتَقَدَّمِ آنِفًا.

وَالْعَدُوُّ: فِرْعَوْنُ، فَهُوَ عَدُوُّ اللَّهِ لِأَنَّهُ انْتَحَلَ لِنَفْسِهِ الْإِلَهِيَّةِ، وَعَدُوُ مُوسَى تَقْدِيرًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَهُوَ عَدْوُهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ غِلْمَانِ إِسْرَائِيلَ لِأَنَّهُ اعْتَزَمَ عَلَى قَتْلِ أَبْنَائِهِمْ.

وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ أَوْحَيْنا أَيْ حِينَ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا كَانَ بِهِ سَلَامَتُكَ مِنَ الْمَوْتِ، وَحِينَ أَلْقَيْتُ عَلَيْكَ محبّة لتحصل الرقّة لِوَاجِدِهِ فِي الْيَمِّ، فَيَحْرِصُ عَلَى حَيَاتِهِ وَنَمَائِهِ وَيَتَّخِذُهُ وَلَدًا كَمَا جَاءَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ [الْقَصَص: 9] لِأَنَّ فِرْعَوْنَ قَدْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ مِنْ غِلْمَانِ إِسْرَائِيلَ وَلَيْسَ مِنْ أَبْنَاءِ الْقِبْطِ، أَوْ لِأَنَّهُ يَخْطُرُ بِبَالِهِ الْأَخْذُ بِالِاحْتِيَاطِ.

وَإِلْقَاءُ الْمَحَبَّةِ مَجَازٌ فِي تَعَلُّقِ الْمُحِبَّةِ بِهِ، أَيْ خَلْقُ الْمَحَبَّةِ فِي قَلْبِ الْمُحِبِّ بِدُونِ سَبَبٍ عَادِيٍّ حَتَّى كَأَنَّهُ وُضِعَ بِالْيَدِ لَا مُقْتَضًى لَهُ فِي الْعَادَةِ.

وَوَصْفُ الْمَحَبَّةِ بِأَنَّهَا مِنَ اللَّهِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهَا مَحَبَّةٌ خَارِقَةٌ لِلْعَادَةِ لِعَدَمِ ابْتِدَاءِ أَسْبَابِ الْمَحَبَّةِ الْعُرْفِيَّةِ مِنَ الْإِلْفِ وَالِانْتِفَاعِ، أَلَا تَرَى قَوْلَ امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ: عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً [الْقَصَص: 9] مَعَ قَوْلهَا: قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ [الْقَصَص: 9] ، فَكَانَ قُرَّةَ عَيْنٍ لَهَا قَبْلَ أَنْ يَنْفَعَهَا وَقَبْلَ اتِّخَاذِهِ وَلَدًا.

ص: 217

وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي (39) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ جُمْلَةُ وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ إِلَخْ. جُعِلَ

الْأَمْرَانِ إِتْمَامًا لِمِنَّةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ إِنْجَاءَهُ مِنَ الْقَتْلِ لَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ إِلَّا إِذَا أَنْجَاهُ مِنَ الْمَوْتِ بِالذُّبُولِ لِتَرْكِ الرَّضَاعَةِ، وَمِنَ الْإِهْمَالِ الْمُفْضِي إِلَى الْهَلَاكِ أَوِ الْوَهْنِ إِذَا وَلِيَ تَرْبِيَتَهُ مَنْ لَا يُشْفِقُ عَلَيْهِ الشَّفَقَةَ الْجَبِلِّيَّةَ. وَالتَّقْدِيرُ: وَإِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ لِأَجْلِ أَنْ تُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي.

وَالصُّنْعُ: مُسْتَعَارٌ لِلتَّرْبِيَةِ وَالتَّنْمِيَةِ، تَشْبِيهًا لِذَلِكَ بِصُنْعِ شَيْءٍ مَصْنُوعٍ، وَمِنْهُ يُقَالُ لِمَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ أَحَدٌ نِعْمَةً عَظِيمَةً: هُوَ صَنِيعَةُ فُلَانٍ.

وَأُخْتُ مُوسَى: مَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ. وَفِي التَّوْرَاةِ: أَنَّهَا كَانَتْ نَبِيئَةً كَمَا فِي الْإِصْحَاحِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ سِفْرِ الْخُرُوجِ. وَتُوُفِّيَتْ مَرْيَمُ سَنَةَ ثَلَاثٍ مِنْ خُرُوجِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ فِي بَرِّيَّةِ صِينَ كَمَا فِي الْإِصْحَاحِ التَّاسِعَ عَشَرَ مِنْ سِفْرِ الْعَدَدِ. وَذَلِكَ سَنَةَ 1417 قَبْلَ الْمَسِيحِ.

وَقَرَأَهُ الْجُمْهُورُ- بِكَسْرِ اللَّامِ- عَلَى أَنَّهَا لَامُ كَيْ وبنصب فعل لِتُصْنَعَ. وَقَرَأَهُ أَبُو جَعْفَرٍ- بِسُكُونِ اللَّامِ- عَلَى أَنَّهَا لَامُ الْأَمْرِ وَبِجَزْمِ الْفِعْلِ عَلَى أَنَّهُ أَمْرٌ تَكْوِينِيٌّ، أَيْ وَقُلْنَا:

لِتُصْنَعَ.

وَقَوْلُهُ عَلى عَيْنِي (على) مِنْهُ للاستعلاء الْمَجَازِيِّ، أَيِ المصاحبة المتمكنة، فعلى هُنَا بِمَعْنَى بَاءِ الْمُصَاحَبَةِ قَالَ تَعَالَى: فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا [الطّور: 48] .

ص: 218

وَالْعَيْنُ: مَجَازٌ فِي الْمُرَاعَاةِ وَالْمُرَاقَبَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا [هود:

37] ، وَقَوْلِ النَّابِغَةِ:

عَهِدْتُكَ تَرْعَانِيَ بِعَيْنٍ بَصِيرَةٍ

وَتَبْعَثُ حُرَّاسًا عَلَيَّ وَنَاظِرًا

وَوَقَعَ اخْتِصَارٌ فِي حِكَايَةِ قِصَّةِ مَشْيِ أُخْتِهِ، وَفُصِّلَتْ فِي سُورَةِ الْقَصَصِ.

وَالِاسْتِفْهَامُ فِي هَلْ أَدُلُّكُمْ لِلْعَرْضِ. وَأَرَادَتْ بِ مَنْ يَكْفُلُهُ أُمَّهُ. فَلِذَلِكَ قَالَ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ.

وَهَذِهِ مِنَّةٌ عَلَيْهِ لِإِكْمَالِ نَمَائِهِ، وَعَلَى أُمِّهِ بِنَجَاتِهِ فَلَمْ تُفَارِقِ ابْنَهَا إِلَّا سَاعَاتٍ قَلَائِلَ، أَكْرَمَهَا اللَّهُ بِسَبَبِ ابْنِهَا.

وَعَطْفُ نَفْيِ الْحُزْنِ عَلَى قُرَّةِ الْعَيْنِ لِتَوْزِيعِ الْمِنَّةِ، لِأَنَّ قُرَّةَ عَيْنِهَا بِرُجُوعِهِ إِلَيْهَا.

وَانْتِفَاء حزنها بتحقق سَلَامَتِهِ مِنَ الْهَلَاكِ وَمِنَ الْغَرَقِ وَبِوُصُولِهِ إِلَى أَحْسَنِ مَأْوًى. وَتَقْدِيمُ

قُرَّةِ الْعَيْنِ عَلَى انْتِفَاءِ الْحُزْنِ مَعَ أَنَّهَا أَخَصُّ فَيُغْنِي ذِكْرُهَا عَنْ ذِكْرِ انْتِفَاءِ الْحُزْنِ رُوعِيَ فِيهِ مُنَاسَبَةُ تَعْقِيبِ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ بِمَا فِيهِ مِنَ الْحِكْمَةِ، ثُمَّ أُكْمِلَ بِذِكْرِ الْحِكْمَةِ فِي مَشْيِ أُخْتِهِ فَتَقُولُ: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فِي بَيْتِهَا، وَكَذَلِكَ كَانَ شَأْنُ الْمَرَاضِعِ ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ حَلِيمَةَ، وَكَذَلِكَ ثَبَتَ فِي التَّوْرَاةِ فِي سِفْرِ الْخُرُوجِ.

وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يَا مُوسى (40) وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41) جملَة وَقَتَلْتَ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي جُمْلَةِ وَقَتَلْتَ نَفْساً مِنَّةٌ أُخْرَى ثَالِثَةٌ.

ص: 219

وَقُدِمَ ذِكْرُ قَتلِهِ النَّفْسَ عَلَى ذِكْرِ الْإِنْجَاءِ مِنَ الْغَمِّ لِتَعْظِيمِ الْمِنَّةِ، حَيْثُ افْتُتِحَتِ الْقِصَّةُ بِذِكْرِ جِنَايَةٍ عَظِيمَةِ التَّبِعَةِ، وَهِيَ قَتْلُ النَّفْسِ لِيَكُونَ لِقَوْلِهِ فَنَجَّيْناكَ مَوْقِعٌ عَظِيمٌ مِنَ الْمِنَّةِ، إِذْ أَنْجَاهُ مِنْ عُقُوبَةٍ لَا يَنْجُو مِنْ مِثْلِهَا مِثْلُهُ.

وَهَذِهِ النَّفْسُ هِيَ نَفْسُ الْقِبْطِيِّ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ الَّذِي اخْتَصَمَ مَعَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْمَدِينَةِ فَاسْتَغَاثَ الْإِسْرَائِيلِيُّ بِمُوسَى لِيَنْصُرَهُ فَوَكَزَ مُوسَى الْقِبْطِيَّ فَقَضَى عَلَيْهِ كَمَا قُصَّ ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْقَصَصِ.

وَالْغَمُّ: الْحُزْنُ. وَالْمَعْنِيُّ بِهِ مَا خَامَرَ مُوسَى مِنْ خَوْفِ الِاقْتِصَاصِ مِنْهُ، لِأَنَّ فِرْعَوْنَ لَمَّا بَلَغَهُ الْخَبَرُ أَضْمَرَ الِاقْتِصَاصَ مِنْ مُوسَى لِلْقِبْطِيِّ إِذْ كَانَ الْقِبْطُ سَادَةَ الْإِسْرَائِيلِيِّينَ، فَلَيْسَ اعْتِدَاءُ إِسْرَائِيلِيٍّ عَلَى قِبْطِيٍّ بِهَيِّنٍ بَيْنَهُمْ. وَيَظْهَرُ أَنَّ فِرْعَوْنَ الَّذِي تَبَنَّى مُوسَى كَانَ قَدْ هَلَكَ قَبْلَ ذَلِكَ.

وَالْفُتُونُ: مَصْدَرُ فَتَنَ، كَالْخُرُوجِ، وَالثُّبُورِ، وَالشُّكُورِ، وَهُوَ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لِتَأْكِيدِ عَامَلِهِ وَهُوَ فَتَنَّاكَ، وَتَنْكِيرُهُ لِلتَّعْظِيمِ، أَيْ فُتُونًا قَوِيًّا عَظِيمًا.

وَالْفُتُونُ كَالْفِتْنَةِ: هُوَ اضْطِرَابُ حَالِ الْمَرْءِ فِي مُدَّةٍ مِنْ حَيَاتِهِ. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:

وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [191] . وَيَظْهَرُ أَنَّ الْفُتُونَ أَصْلُ مَصْدَرِ فَتَنَ بِمَعْنَى اخْتَبَرَ، فَيَكُونُ فِي الشَّرِّ وَفِي الْخَيْرِ. وَأَمَّا الْفِتْنَةُ فَلَعَلَّهَا خَاصَّةٌ بِاخْتِبَارِ الْمُضِرِّ. وَيَظْهَرُ أَنَّ التَّنْوِينَ فِي فُتُوناً لِلتَّقْلِيلِ، وَتَكُونُ جُمْلَةُ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً كَالِاسْتِدْرَاكِ عَلَى قَوْلِهِ فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ، أَيْ نَجَّيْنَاكَ وَحَصَلَ لَكَ خَوْفٌ، كَقَوْلِهِ فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ [الْقَصَص: 18] فَذَلِكَ الْفُتُونُ.

وَالْمُرَادُ بِهَذَا الْفُتُونِ خَوْفُ مُوسَى مِنْ عِقَابِ فِرْعَوْنَ وَخُرُوجُهُ مِنَ الْبَلَدِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ

ص: 220

إِلَى قَوْلِهِ: وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يَا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الْقَصَص: 18- 21] .

وَذِكْرُ الْفُتُونِ بَيْنَ تِعْدَادِ الْمِنَنِ إِدْمَاجٌ لِلْإِعْلَامِ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يُهْمِلْ دَمَ الْقِبْطِيِّ الَّذِي قَتَلَهُ مُوسَى، فَإِنَّهُ نَفْسٌ مَعْصُومَةُ الدَّمِ إِذْ لَمْ يَحْصُلْ مَا يُوجِبُ قَتْلَهُ لِأَنَّهُمْ لَمْ تَرِدْ إِلَيْهِمْ دَعْوَةٌ إِلَهِيَّةٌ حِينَئِذٍ. فَحِينَ أَنْجَى اللَّهُ مُوسَى مِنَ الْمُؤَاخَذَةِ بِدَمِهِ فِي شَرْعِ فِرْعَوْنَ ابتلى مُوسَى بالخوف وَالْغُرْبَةِ عِتَابًا لَهُ عَلَى إِقْدَامِهِ عَلَى قَتْلِ النَّفْسِ، كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: قالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ [الْقَصَص: 15- 16] . وَعِبَادُ اللَّهِ الَّذِينَ أَرَادَ بِهِمْ خَيْرًا وَرَعَاهُمْ بِعِنَايَتِهِ يَجْعَلُ لَهُمْ مِنْ كُلِّ حَالَةٍ كَمَالًا يَكْسِبُونَهُ، وَيُسَمَّى مِثْلُ ذَلِكَ بِالِابْتِلَاءِ، فَكَانَ مِنْ فُتُونِ مُوسَى بِقَضِيَّةِ الْقِبْطِيِّ أَنْ قَدَّرَ لَهُ الْخُرُوجَ إِلَى أَرْضِ مَدْيَنَ لِيَكْتَسِبَ رِيَاضَةَ نَفْسٍ وَتَهْيِئَةَ ضَمِيرٍ لِتَحَمُّلِ الْمَصَاعِبَ، وَيَتَلَقَّى التَّهْذِيبَ مِنْ صِهْرِهِ الرَّسُولِ شُعَيْبٍ- عليه السلام. وَلِهَذَا الْمَعْنَى عَقَّبَ ذِكْرَ الْفُتُونِ بِالتَّفْرِيعِ فِي قَوْلِهِ فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يَا مُوسى فَبَيَّنَ لَهُ كَيْفَ كَانَتْ عَاقِبَةُ الْفُتُونِ.

أَوْ يَكُونُ الْفُتُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ مَحْمُودِ الْعَاقِبَةِ وَضِدِّهِ مِثْلَ الِابْتِلَاءِ فِي قَوْلِهِ: وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ [الْأَعْرَاف: 168] ، أَيْ وَاخْتَبَرْنَاكَ اخْتِبَارًا، وَالِاخْتِبَارُ: تَمْثِيلٌ لِحَالِ تَكْلِيفِهِ بِأَمْرِ التَّبْلِيغِ بِحَالِ مَنْ يُخْتَبَرُ، وَلِهَذَا اخْتِيرَ هُنَا دُونَ الْفِتْنَةِ.

وَأَهْلُ مَدْيَنَ: قَوْمُ شُعَيْبٍ. وَمَدِينُ: اسْمُ أَحَدِ أَبْنَاءِ إِبْرَاهِيمَ- عليه السلام سَكَنَتْ ذُريَّته فِي مَوَاطِن تسمى الأيكة على شاطىء الْبَحْرِ الْأَحْمَرِ جَنُوبَ عَقَبَةِ أَيْلَةَ، وَغَلَبَ اسْمُ الْقَبِيلَةِ عَلَى الْأَرْضِ وَصَارَ عَلَمًا لِلْمَكَانِ فَمِنْ ثَمَّ أُضِيفَ إِلَيْهِ (أَهْلُ) . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ.

ص: 221

وَمَعْنَى جِئْتَ حَضَرْتَ لَدَيْنَا، وَهُوَ حُضُورُهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ لِتَلَقِّي الْوَحْيِ.

وَ (عَلَى) لِلِاسْتِعْلَاءِ الْمَجَازِيِّ بِمَعْنَى التَّمَكُّنِ جَعَلَ مَجِيئَهُ فِي الْوَقْتِ الصَّالِحِ لِلْخَيْرِ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَعْلِي عَلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ الْمُتَمَكِّنِ مِنْهُ.

وَالْقَدَرُ: تَقْدِيرُ الشَّيْءِ عَلَى مِقْدَارٍ مُنَاسِبٍ لِمَا يُرِيدُ الْمُقَدِّرُ بِحَيْثُ لَمْ يَكُنْ عَلَى سَبِيلِ

الْمُصَادَفَةِ، فَيَكُونُ غَيْرَ مُلَائِمٍ أَوْ فِي مُلَاءَمَتِهِ خَلَلٌ، قَالَ النَّابِغَةُ:

فَرِيعَ قَلْبِي وَكَانَتْ نَظْرَةً عَرَضَتْ

يَوْمًا وَتَوْفِيقَ أَقْدَارٍ لِأَقْدَارِ

أَيْ مُوَافِقَةً مَا كُنْتُ أَرْغَبُهُ.

فَقَوْلُهُ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يَا مُوسى يُفِيدُ أَنَّ مَا حَصَلَ لِمُوسَى مِنَ الْأَحْوَالِ كَانَ مُقَدَّرًا مِنَ اللَّهِ تَقْدِيرًا مُنَاسِبًا مُتَدَرِّجًا، بِحَيْثُ تَكُونُ أَعْمَالُهُ وَأَحْوَالُهُ قَدْ قَدَّرَهَا اللَّهُ وَحَدَّدَهَا تَحْدِيدًا مُنَظَّمًا لِأَجْلِ اصْطِفَائِهِ وَمَا أَرَادَ اللَّهُ مِنْ إِرْسَالِهِ، فَالْقَدَرُ هُنَا كِنَايَةٌ عَنِ الْعِنَايَةِ بِتَدْبِيرِ إِجْرَاءِ أَحْوَالِهِ عَلَى مَا يُسْفِرُ عَنْ عَاقِبَةِ الْخَيْرِ.

فَهَذَا تَقْدِيرٌ خَاصٌّ، وَهُوَ الْعِنَايَةُ بِتَدَرُّجِ أَحْوَالِهِ إِلَى أَنْ بَلَغَ الْمَوْضِعَ الَّذِي كَلَّمَهُ اللَّهُ مِنْهُ.

وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْقَدَرُ الْعَامُّ الَّذِي قَدَّرَهُ اللَّهُ لِتَكْوِينِ جَمِيعِ الْكَائِنَاتِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُشْعِرُ بِمَزِيَّةٍ لِمُوسَى- عليه السلام. وَقَدِ انْتَبَهَ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى جَرِيرٌ بِذَوْقِهِ السَّلِيمِ فَقَالَ فِي مَدْحِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ:

أَتَى الْخلَافَة إِذْ كَانَتْ لَهُ قَدَرًا

كَمَا أَتَى رَبَّهُ مُوسَى عَلَى قَدَرِ

وَمِنْ هُنَا خَتْمَ الِامْتِنَانَ بِمَا هُوَ الْفَذْلَكَةُ، وَذَلِكَ جُمْلَةُ وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي الَّذِي هُوَ بِمَنْزِلَةِ رَدِّ الْعَجُزِ عَلَى الصَّدْرِ عَلَى قَوْلِهِِِ

ص: 222