المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة طه (20) : الآيات 62 إلى 64] - التحرير والتنوير - جـ ١٦

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 75 إِلَى 76]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 77]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 78 إِلَى 82]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 83 إِلَى 84]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 85 إِلَى 88]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 89 إِلَى 90]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 91]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 92 إِلَى 98]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 99 الى 101]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 102]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 103 إِلَى 104]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 105]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 106]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 107 إِلَى 108]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 109]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 110]

- ‌19- سُورَةُ مَرْيَمَ

- ‌أغراض السُّورَة

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 2 إِلَى 3]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 4 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 7 إِلَى 8]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 16 إِلَى 21]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 22 إِلَى 23]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 25 إِلَى 26]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 27 إِلَى 28]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 30 إِلَى 33]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 34 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 41 إِلَى 42]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 47 إِلَى 48]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 49 إِلَى 50]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 51 إِلَى 53]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 54 إِلَى 55]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 56 إِلَى 57]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 59 إِلَى 63]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 65]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 66 إِلَى 67]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 68 إِلَى 70]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 71 إِلَى 72]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 73 إِلَى 74]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 75 إِلَى 76]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 77 إِلَى 80]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 81 إِلَى 82]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 83 إِلَى 84]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 85 إِلَى 87]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 88 إِلَى 95]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 96]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 97]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 98]

- ‌20- سُورَةُ طَهَ

- ‌أغراضها:

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 2 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 9 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 11 إِلَى 13]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 14 إِلَى 16]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 17 إِلَى 21]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 22 إِلَى 23]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 24 إِلَى 36]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 37 الى 41]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 43 إِلَى 44]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 45 إِلَى 48]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 49 إِلَى 50]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 51 إِلَى 52]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 53 إِلَى 54]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 56]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 57 إِلَى 59]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 60 إِلَى 61]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 62 إِلَى 64]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 65 إِلَى 66]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 67 إِلَى 69]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 70 إِلَى 71]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 72 إِلَى 73]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 74 إِلَى 76]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 77]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 78 إِلَى 79]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 80 إِلَى 82]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 83 إِلَى 85]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 86]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 87 الى 88]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 89]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 90 إِلَى 91]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 92 إِلَى 94]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 95 إِلَى 96]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 97]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 98]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 99 إِلَى 101]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 102 إِلَى 104]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 105 إِلَى 107]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 108 إِلَى 112]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 113 إِلَى 114]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 115]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 116]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 117 الى 119]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 120]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 121 إِلَى 122]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 123 الى 127]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 128]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 129 إِلَى 130]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 131]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 132]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 133]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 134]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 135]

الفصل: ‌[سورة طه (20) : الآيات 62 إلى 64]

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ فَيُسْحِتَكُمْ- بِفَتْحِ الْيَاءِ- مُضَارِعُ سَحَتَهُ: إِذَا اسْتَأْصَلَهُ، وَهِيَ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ. وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ، وَخَلَفٌ، وَرُوَيْسٌ عَنْ يَعْقُوبَ- بِضَمِّ الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ- مِنْ أَسْحَتَهُ، وَهِيَ لُغَةُ نَجْدٍ وَبَنِي تَمِيمٍ، وَكِلْتَا اللُّغَتَيْنِ فُصْحَى.

وَجُمْلَةُ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ لَا تَفْتَرُوا وَهِيَ مَسُوقَةٌ مَسَاقَ التَّعْلِيلِ لِلنَّهْيِ، أَيِ اجْتَنِبُوا الْكَذِبَ عَلَى اللَّهِ فَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ. بَعْدَ أَنْ وَعَظَهُمْ فَنَهَاهُمْ عَنِ الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ وَأَنْذَرَهُمْ عَذَابَهُ ضَرَبَ لَهُمْ مَثَلًا بِالْأُمَمِ الْبَائِدَةِ الَّذِينَ افْتَرَوُا الْكَذِبَ عَلَى اللَّهِ فَلَمْ يَنْجَحُوا فِيمَا افْتَرَوْا لِأَجْلِهِ.

ومَنِ الْمَوْصُولَةُ لِلْعُمُومِ.

وَمَوْقِعُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ بَعْدَ الَّتِي قَبْلَهَا كَمَوْقِعِ الْقَضِيَّةِ الْكُبْرَى مِنَ الْقِيَاسِ الِاقْتِرَانِيِّ.

وَفِي كَلَامِ مُوسَى إِعْلَانٌ بِأَنَّهُ لَا يَتَقَوَّلُ عَلَى اللَّهِ مَا لَمْ يَأْمُرْهُ بِهِ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَسْتَأْصِلُهُ بِعَذَابٍ وَيَعْلَمُ خَيْبَةَ مَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ وَمَنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ لَا يقدم عَلَيْهِ.

[62- 64]

[سُورَة طه (20) : الْآيَات 62 إِلَى 64]

فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى (62) قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى (63) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى (64)

أَيْ تَفَرَّعَ عَلَى مَوْعِظَةِ مُوسَى تَنَازُعُهُمُ الْأَمْرَ بَيْنَهُمْ، وَهَذَا يُؤْذِنُ بِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ تَرَكَتْ فِيهِ الْمَوْعِظَةُ بَعْضَ الْأَثَرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَشِيَ الِانْخِذَالَ، فَلِذَلِكَ دَعَا بَعْضُهُمْ بَعْضًا لِلتَّشَاوُرِ فِي مَاذَا يَصْنَعُونَ.

ص: 250

وَالتَّنَازُعُ: تَفَاعُلٌ مِنَ النَّزْعِ، وَهُوَ الْجَذْبُ مِنَ الْبِئْرِ، وَجَذْبُ الثَّوْبِ مِنَ الْجَسَدِ، وَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ تَمْثِيلًا فِي اخْتِلَافِ الرَّأْيِ وَمُحَاوَلَةِ كُلِّ صَاحِبِ رَأْيٍ أَنْ يُقْنِعَ الْمُخَالِفَ لَهُ بِأَنَّ رَأْيَهُ هُوَ الصَّوَابُ، فَالتَّنَازُعُ: التَّخَالُفُ.

وَالنَّجْوَى: الْحَدِيثُ السِّرِّيُّ، أَيِ اخْتَلَوْا وَتَحَادَثُوا سِرًّا لِيَصْدُرُوا عَنْ رَأْيٍ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُمْ، فَجَعَلَ النَّجْوَى مَعْمُولًا لِ أَسَرُّوا يُفِيدُ الْمُبَالَغَةَ فِي الْكِتْمَانِ، كَأَنَّهُ قِيلَ:

أَسَرُّوا سِرَّهُمْ، كَمَا يُقَالُ: شِعْرُ شَاعِرٍ.

وَزَادَهُ مُبَالَغَةً قَوْلُهُ بَيْنَهُمْ الْمُقْتَضِي أَنَّ النَّجْوَى بَيْنَ طَائِفَةٍ خَاصَّةٍ لَا يَشْتَرِكُ مَعَهُمْ فِيهَا غَيْرُهُمْ.

وَجُمْلَةُ قالُوا إِنْ هذانِ لسحران بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ جُمْلَةِ وَأَسَرُّوا النَّجْوى، لِأَنَّ إِسْرَارَ النَّجْوَى يَشْتَمِلُ عَلَى أَقْوَالٍ كَثِيرَةٍ ذُكِرَ مِنْهَا هَذَا الْقَوْلُ، لِأَنَّهُ الْقَوْلُ الْفَصْلُ بَيْنَهُمْ وَالرَّأْيُ الَّذِي أَرْسَوْا عَلَيْهِ، فَهُوَ زُبْدَةُ مَخِيضِ النَّجْوَى. وَذَلِكَ شَأْنُ التَّشَاوُرِ وَتَنَازُعِ الْآرَاءِ أَنْ

يُسْفِرَ عَنْ رَأْيٍ يَصْدُرُ الْجَمِيعُ عَنْهُ.

وَإِسْنَادُ الْقَوْلِ إِلَى ضَمِيرِ جَمْعِهِمْ عَلَى مَعْنَى: قَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَانِ لَسَاحِرَانِ، فَقَالَ جَمِيعُهُمْ: نَعَمْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ، فَأُسْنِدَ هَذَا الْقَوْلُ إِلَى جَمِيعِهِمْ، أَيْ مَقَالَةً تَدَاوَلُوا الْخَوْضَ فِي شَأْنِهَا فَأَرْسَوْا عَلَيْهَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: نَعَمْ هُوَ كَذَلِكَ، وَنَطَقُوا بِالْكَلَامِ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ رَأْيُهُمْ، وَهُوَ تَحَقُّقُهُمْ أَنَّ مُوسَى وَأَخَاهُ سَاحِرَانِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ جَمِيعَ الْقُرَّاء المعتبرين قرأوا بِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ فِي اسْمِ الْإِشَارَةِ من قَوْله «هاذان» مَا عَدَا أَبَا عَمْرٍو مِنَ الْعَشَرَةِ وَمَا عَدَا الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ مِنَ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ. وَذَلِكَ يُوجِبُ الْيَقِينَ بِأَنَّ إِثْبَاتَ الْأَلِفِ فِي لَفْظِ (هَذَانِ) أَكْثَرُ تَوَاتُرًا بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَيْفِيَّةِ النُّطْقِ بِكَلِمَةِ (إِنَّ)

ص: 251

مُشَدَّدَةً أَوْ مُخَفَّفَةً، وَأَنَّ أَكْثَرَ مَشْهُورِ الْقِرَاءَاتِ الْمُتَوَاتِرَةِ قَرَأُوا- بِتَشْدِيدِ نُونِ- (أَنَّ) مَا عَدَا ابْنَ كَثِيرٍ وَحَفْصًا عَنْ عَاصِمٍ فَهُمَا قَرَءَا (أَنْ) - بِسُكُونِ النُّونِ- عَلَى أَنَّهَا مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ.

وَإِنَّ الْمُصْحَفَ الْإِمَامَ مَا رَسَمُوهُ إِلَّا اتِّبَاعًا لِأَشْهَرِ الْقِرَاءَاتِ الْمَسْمُوعَةِ الْمَرْوِيَّةِ مِنْ زَمَنِ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم، وَقُرَّاءِ أَصْحَابِهِ، فَإِنَّ حِفْظَ الْقُرْآنِ فِي صُدُورِ الْقُرَّاءِ أَقْدَمُ مِنْ كِتَابَتِهِ فِي الْمَصَاحِفِ، وَمَا كُتِبَ فِي أُصُولِ الْمَصَاحِفِ إِلَّا مِنْ حِفْظِ الْكَاتِبِينَ، وَمَا كُتِبَ الْمُصْحَفُ الْإِمَامُ إِلَّا مِنْ مَجْمُوعِ مَحْفُوظِ الْحُفَّاظِ وَمَا كَتَبَهُ كُتَّابُ الْوَحْيِ فِي مُدَّةِ نُزُولِ الْوَحْيِ.

فَأَمَّا قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ إِنْ هذانِ لَساحِرانِ- بِتَشْدِيدِ نُونِ- (إِنَّ) وَبِالْأَلِفِ فِي هذانِ وَكَذَلِكَ فِي لَساحِرانِ، فَلِلْمُفَسِّرِينَ فِي تَوْجِيهِهَا آرَاءٌ بَلَغَتِ السِّتَّةَ. وَأَظْهَرُهَا أَنْ تَكُونَ (إِنَّ) حَرْفُ جَوَابٍ مِثْلَ: نَعَمْ وَأَجَلْ، وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ مِنِ اسْتِعْمَالَاتِ (إِنَّ)، أَيِ اتَّبَعُوا لَمَّا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ أَمْرُهُمْ بَعْدَ النَّجْوَى كَقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسِ الرُّقَيَّاتِ:

وَيَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلَا

كَ وَقَدْ كَبِرْتَ فَقُلْتُ إِنَّهُ

أَيْ أَجَلْ أَوْ نَعَمْ، وَالْهَاءُ فِي الْبَيْتِ هَاءُ السَّكْتِ، وَقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ لِأَعْرَابِيٍّ اسْتَجْدَاهُ فَلَمْ يُعْطِهِ، فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: لَعَنَ اللَّهُ نَاقَةً حَمَلَتْنِي إِلَيْكَ. قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: إِنَّ وَرَاكِبَهَا. وَهَذَا التَّوْجِيهُ مِنْ مُبْتَكَرَاتِ أَبِي إِسْحَاقَ الزَّجَّاجِ ذَكَرَهُ فِي «تَفْسِيرِهِ» . وَقَالَ: عَرَضْتُهُ عَلَى عَالِمَيْنَا وَشَيْخَيْنَا وَأُسْتَاذَيْنَا مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدٍ (يَعْنِي الْمُبَرِّدَ) ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ حَمَّادٍ (يَعْنِي الْقَاضِيَ الشَّهِيرَ) فَقَبِلَاهُ وَذَكَرَا أَنَّهُ أَجْوَدُ مَا سَمِعَاهُ فِي هَذَا.

وَقُلْتُ: لَقَدْ صَدَقَا وَحَقَّقَا، وَمَا أَوْرَدَهُ ابْنُ جِنِّيٍّ عَلَيْهِ مِنَ الرَّدِّ فِيهِ نَظَرٌ.

ص: 252

وَفِي «التَّفْسِيرِ الْوَجِيزِ» لِلْوَاحِدِيِّ سَأَلَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي (هُوَ ابْنُ إِسْحَاقَ بْنِ حَمَّادٍ) ابْنَ كَيْسَانَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: لَمَّا لَمْ يَظْهَرْ فِي الْمُبْهَمِ إِعْرَابٌ فِي الْوَاحِدِ وَلَا فِي الْجَمْعِ (أَيْ فِي قَوْلِهِمْ هَذَا وَهَؤُلَاءِ إِذْ هُمَا مَبْنِيَّانِ) جَرَتِ التَّثْنِيَةُ مَجْرَى الْوَاحِدِ إِذِ التَّثْنِيَةُ يَجِبُ أَنْ لَا تُغَيَّرَ. فَقَالَ لَهُ إِسْمَاعِيل: مَا حسن هَذَا لَوْ تَقَدَّمَكَ أَحَدٌ بِالْقَوْلِ فِيهِ حَتَّى يُؤْنَسَ بِهِ! فَقَالَ لَهُ ابْنُ كَيْسَانَ: فَلْيَقُلْ بِهِ الْقَاضِي حَتَّى يُؤْنَسَ بِهِ، فَتَبَسَّمَ.

وَعَلَى هَذَا التَّوْجِيهِ يَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ حِكَايَةً لِمَقَالِ فَرِيقٍ مِنَ الْمُتَنَازِعِينَ، وَهُوَ الْفَرِيقُ الَّذِي قَبِلَ هَذَا الرَّأْيَ لِأَنَّ حَرْفَ الْجَوَابِ يَقْتَضِي كَلَامًا سَبَقَهُ.

وَدَخَلَتِ اللَّامُ عَلَى الْخَبَرِ: إِمَّا عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ الْخَبَرِ جُمْلَةً حُذِفَ مُبْتَدَأُهَا وَهُوَ مَدْخُولُ اللَّامِ فِي التَّقْدِيرِ، وَوُجُود اللّام ينبىء بِأَنَّ الْجُمْلَةَ الَّتِي وَقَعَتْ خَبَرًا عَنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ جُمْلَةٌ قَسَمِيَّةٌ وَإِمَّا عَلَى رَأْيِ مَنْ يُجِيزُ دُخُولَ اللَّامِ عَلَى خَبَرِ الْمُبْتَدَأِ فِي غَيْرِ الضَّرُورَةِ.

وَوُجِّهَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ أَيْضًا بِجَعْلِ (إِنَّ) حَرْفَ تَوْكِيدٍ وَإِعْرَابُ اسْمِهَا الْمُثَنَّى جَرَى عَلَى لُغَةِ كِنَانَةَ وَبِلْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ عَلَامَةَ إِعْرَابِ الْمُثَنَّى الْأَلِفَ فِي أَحْوَالِ الْإِعْرَابِ كُلِّهَا، وَهِيَ لُغَةٌ مَشْهُورَةٌ فِي الْأَدَبِ الْعَرَبِيِّ وَلَهَا شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا قَوْلُ الْمُتَلَمِّسِ:

فَأَطْرَقَ إِطْرَاقَ الشُّجَاعِ وَلَوْ دَرَى

مَسَاغًا لِنَابَاهُ الشُّجَاعُ لَصَمَّمَا

وَقَرَأَهُ حَفْصٌ- بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَخْفِيفِ نُونِ (إِنْ) مُسَكَّنَةً- عَلَى أَنَّهَا مُخَفَّفَةُ (إِنَّ) الْمُشَدَّدَةِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ اسْمُ (إِنِ) الْمُخَفَّفَةِ ضَمِيرَ شَأْنٍ مَحْذُوفًا عَلَى الْمَشْهُورِ.

وَتَكُونُ اللَّامُ فِي لَساحِرانِ اللَّامَ الْفَارِقَةَ بَيْنَ (إِنِ) الْمُخَفَّفَةِ وَبَيْنَ (إِنِ) النَّافِيَةِ.

ص: 253

وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ- بِسُكُونِ نُونِ (إِنْ) - عَلَى أَنَّهَا مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ وَبِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ فِي «هَذَانِ» وَبِتَشْدِيدِ نُونِ (هَاذَانِّ) .

وَأَمَّا قِرَاءَةُ أَبِي عَمْرٍو وَحْدَهُ إِنَّ هَذَيْنِ- بِتَشْدِيدِ نُونِ (إِنَّ) وَبِالْيَاءِ بَعْدَ ذَالِ «هَذَيْنِ» .

فَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هِيَ مُخَالفَة للمصحف. وَأَقل: ذَلِكَ لَا يَطْعَنُ فِيهَا لِأَنَّهَا رِوَايَةٌ صَحِيحَةٌ وَوَافَقَتْ وَجْهًا مَقْبُولًا فِي الْعَرَبِيَّةِ.

وَنُزُولُ الْقُرْآنِ بِهَذِهِ الْوُجُوهِ الْفَصِيحَةِ فِي الِاسْتِعْمَالِ ضَرْبٌ مِنْ ضُرُوبِ إِعْجَازِهِ لِتَجْرِيَ تَرَاكِيبُهُ عَلَى أَفَانِينَ مُخْتَلِفَةِ الْمَعَانِي مُتَّحِدَةِ الْمَقْصُودِ. فَلَا الْتِفَاتَ إِلَى مَا رُوِيَ مِنِ ادِّعَاءِ أَنَّ كِتَابَةَ «إِنَّ هَاذَانِ» خَطَأٌ مِنْ كَاتِبِ الْمُصْحَفِ، وَرِوَايَتِهِمْ ذَلِكَ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ

عَنْ أَبِيهِ، وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ سَنَدٌ صَحِيحٌ. حَسِبُوا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَخَذُوا قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ مِنَ الْمَصَاحِفِ وَهَذَا تَغَفُّلٌ، فَإِنَّ الْمُصْحَفَ مَا كُتِبَ إِلَّا بَعْدَ أَنْ قَرَأَ الْمُسْلِمُونَ الْقُرْآنَ نَيِّفًا وَعِشْرِينَ سَنَةً فِي أَقْطَارِ الْإِسْلَامِ، وَمَا كُتِبَتِ الْمَصَاحِفُ إِلَّا مِنْ حِفْظِ الْحُفَّاظِ، وَمَا أَخَذَ الْمُسْلِمُونَ الْقُرْآنَ إِلَّا مِنْ أَفْوَاهِ حُفَّاظِهِ قَبْلَ أَنْ تُكْتَبَ الْمَصَاحِفُ، وَبَعْدَ ذَلِكَ إِلَى الْيَوْمِ فَلَوْ كَانَ فِي بَعْضِهَا خَطَأٌ فِي الْخَطِّ لَمَا تَبِعَهُ الْقُرَّاءُ، وَلَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا تُرِكَ مِنَ الْأَلِفَاتِ فِي كَلِمَاتٍ كَثِيرَةٍ وَبِمَنْزِلَةِ كِتَابَةِ أَلِفِ الصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالْحَيَاةِ، وَالرِّبَا- بِالْوَاوِ- فِي مَوْضِعِ الْألف وَمَا قرأوها إِلَّا بِأَلِفَاتِهَا.

وَتَأْكِيدُ السَّحَرَةِ كَوْنَ مُوسَى وَهَارُونَ سَاحِرَيْنِ بِحَرْفِ (إِنَّ) لِتَحْقِيقِ ذَلِكَ عِنْدَ مَنْ يُخَامِرُهُ الشَّكُّ فِي صِحَّةِ دَعْوَتِهِمَا.

وَجَعَلَ مَا أَظْهَرَهُ مُوسَى مِنَ الْمُعْجِزَةِ بَيْنَ يَدَيْ فِرْعَوْنَ سِحْرًا لِأَنَّهُمْ يُطْلِقُونَ السِّحْرَ عِنْدَهُمْ عَلَى خَوَارِقِ الْعَادَاتِ، كَمَا قَالَتِ الْمَرْأَةُ الَّتِي

ص: 254

شَاهَدَتْ نَبْعَ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم لِقَوْمِهَا: جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَسْحَرِ النَّاسِ، وَهُوَ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي مِنْ «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» .

وَالْقَائِلُونَ: قَدْ يَكُونُ بَعْضُهُمْ مِمَّنْ شَاهَدَ مَا أَتَى بِهِ مُوسَى فِي مَجْلِسِ فِرْعَوْنَ، أَوْ مِمَّنْ بَلَغَهُمْ ذَلِكَ بِالتَّسَامُعِ وَالِاسْتِفَاضَةِ.

وَالْخِطَابُ فِي قَوْلِهِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ لِمَلَئِهِمْ. وَوَجْهُ اتِّهَامِهِمَا بِذَلِكَ هُوَ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يَا مُوسى [طه: 57] . وَنَزِيدُ هُنَا أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنَ النَّجْوَى بَيْنَ السَّحَرَةِ، أَيْ يُرِيدَانِ الِاسْتِئْثَارَ بِصِنَاعَةِ السِّحْرِ فِي أَرْضِكُمْ فَتَخْرُجُوا مِنَ الْأَرْضِ بِإِهْمَالِ النَّاسِ لَكُمْ وَإِقْبَالِهِمْ عَلَى سِحْرِ مُوسَى وَهَارُونَ.

وَالطَّرِيقَةُ: السُّنَّةُ وَالْعَادَةُ شُبِّهَتْ بِالطَّرِيقِ الَّذِي يَسِيرُ فِيهِ السائر، بِجَامِع الْمُلَازَمَةِ.

وَالْمُثْلَى: مُؤَنَّثُ الْأَمْثَلِ. وَهُوَ اسْمُ تَفْضِيلٍ مُشْتَقٌّ مِنَ الْمَثَالَةِ، وَهِيَ حُسْنُ الْحَالَةِ يُقَالُ: فُلَانٌ أمْثَلُ قَوْمِهِ، أَيْ أَقْرَبُهُمْ إِلَى الْخَيْرِ وَأَحْسَنُهُمْ حَالًا.

وَأَرَادُوا مِنْ هَذَا إِثَارَةَ حَمِيَّةِ بَعْضِهِمْ غَيْرَةً عَلَى عَوَائِدِهِمْ، فَإِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ غَيْرَةً عَلَى عَوَائِدِهَا وَشَرَائِعِهَا وَأَخْلَاقِهَا. وَلِذَا فَرَّعُوا عَلَى ذَلِكَ أَمْرَهُمْ بِأَنْ يَجْمَعُوا حِيَلَهُمْ وَكُلَّ مَا فِي وُسْعِهِمْ أَنْ يَغْلِبُوا بِهِ مُوسَى.

وَالْبَاءُ فِي بِطَرِيقَتِكُمُ لِتَعْدِيَةِ فِعْلِ يَذْهَبا. وَالْمَعْنَى: يُذْهِبَانِهَا، وَهُوَ أَبْلَغُ فِي تَعَلُّقِ

الْفِعْلِ بِالْمَفْعُولِ مِنْ نَصْبِ الْمَفْعُولِ. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [17] .

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ فَأَجْمِعُوا بِهَمْزَةِ قَطْعٍ وَكَسْرِ الْمِيمِ أَمْرًا مِنْ: أَجْمَعَ أَمْرَهُ، إِذَا جَعَلَهُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ.

ص: 255

وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو فَاجْمَعُوا- بِهَمْزَةِ وَصْلٍ وَبِفَتْحِ الْمِيمِ- أَمْرًا مِنْ جَمَعَ، كَقَوْلِهِ فِيمَا مَضَى فَجَمَعَ كَيْدَهُ [طه: 60] . أَطْلَقَ الْجَمْعَ عَلَى التَّعَاضُدِ وَالتَّعَاوُنِ، تَشْبِيهًا لِلشَّيْءِ الْمُخْتَلِفِ بِالْمُتَفَرِّقِ، وَهُوَ مُقَابِلُ قَوْلِهِ فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ.

وَسَمَّوْا عَمَلَهُمْ كَيْدًا لِأَنَّهُمْ تَوَاطَئُوا عَلَى أَنْ يُظْهِرُوا لِلْعَامَّةِ أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ مُوسَى لَيْسَ بِعَجِيبٍ، فَهُمْ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ أَوْ أَشَدَّ مِنْهُ لِيَصْرِفُوا النَّاسَ عَنْ سَمَاعِ دَعْوَتِهِ فَيَكِيدُوا لَهُ بِإِبْطَالِ خِصِّيصِيَّةِ مَا أَتَى بِهِ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَامَّةَ النَّاسِ تَسَامَعُوا بِدَعْوَةِ مُوسَى، وَمَا أَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الْمُعْجِزَةِ، وَأَصْبَحُوا مُتَحَيِّرِينَ فِي شَأْنِهِ فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ اهْتَمَّ السَّحَرَةُ بِالْكَيْدِ لَهُ، وَهُوَ مَا حَكَاهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فِي آيَةِ سُورَةِ الشُّعَرَاءِ [38- 40] : فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ.

وَدَبَّرُوا لِإِرْهَابِ النَّاسِ وَإِرْهَابِ مُوسَى وَهَارُونَ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى أَنْ يَأْتُوا حِينَ يَتَقَدَّمُونَ لِإِلْقَاءِ سِحْرِهِمْ مُصْطَفِّينَ لِأَنَّ ذَلِكَ أَهْيَبُ لَهُمْ.

وَلَمْ يَزَلِ الَّذِينَ يَرُومُونَ إِقْنَاعَ الْعُمُومِ بِأَنْفُسِهِمْ يَتَخَيَّرُونَ لذَلِك بهاء الهيبة وَحُسْنَ السَّمْتِ وَجَلَالَ الْمَظْهَرِ. فَكَانَ مِنْ ذَلِكَ جُلُوسُ الْمُلُوكِ عَلَى جُلُودِ الْأسود، وَرُبمَا لَيْسَ الْأَبْطَالُ جُلُودَ النُّمُورِ فِي الْحَرْبِ. وَقَدْ فُسِّرَ بِهِ فِعْلَ «تَنَمَّرُوا» فِي قَول ابْن معد يكرب:

قَوْمٌ إِذَا لَبِسُوا الْحَدِيدَ

تَنَمَّرُوا حِلَقًا وَقَدَّا

وَقِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِمُ الْجَارِي مَجْرَى الْمَثَلِ «لَبِسَ لِي فُلَانٌ جِلْدَ النَّمِرِ» .

وَثَبَتَ فِي التَّارِيخِ الْمُسْتَنِدِ لِلْآثَارِ أَنَّ كَهَنَةَ الْقِبْطِ فِي مِصْرَ كَانُوا يَلْبِسُونَ جُلُودَ النُّمُورِ.

ص: 256