المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة طه (20) : الآيات 108 إلى 112] - التحرير والتنوير - جـ ١٦

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 75 إِلَى 76]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 77]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 78 إِلَى 82]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 83 إِلَى 84]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 85 إِلَى 88]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 89 إِلَى 90]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 91]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 92 إِلَى 98]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 99 الى 101]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 102]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 103 إِلَى 104]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 105]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 106]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 107 إِلَى 108]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 109]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 110]

- ‌19- سُورَةُ مَرْيَمَ

- ‌أغراض السُّورَة

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 2 إِلَى 3]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 4 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 7 إِلَى 8]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 16 إِلَى 21]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 22 إِلَى 23]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 25 إِلَى 26]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 27 إِلَى 28]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 30 إِلَى 33]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 34 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 41 إِلَى 42]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 47 إِلَى 48]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 49 إِلَى 50]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 51 إِلَى 53]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 54 إِلَى 55]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 56 إِلَى 57]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 59 إِلَى 63]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 65]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 66 إِلَى 67]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 68 إِلَى 70]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 71 إِلَى 72]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 73 إِلَى 74]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 75 إِلَى 76]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 77 إِلَى 80]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 81 إِلَى 82]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 83 إِلَى 84]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 85 إِلَى 87]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 88 إِلَى 95]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 96]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 97]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 98]

- ‌20- سُورَةُ طَهَ

- ‌أغراضها:

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 2 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 9 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 11 إِلَى 13]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 14 إِلَى 16]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 17 إِلَى 21]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 22 إِلَى 23]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 24 إِلَى 36]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 37 الى 41]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 43 إِلَى 44]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 45 إِلَى 48]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 49 إِلَى 50]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 51 إِلَى 52]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 53 إِلَى 54]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 56]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 57 إِلَى 59]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 60 إِلَى 61]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 62 إِلَى 64]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 65 إِلَى 66]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 67 إِلَى 69]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 70 إِلَى 71]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 72 إِلَى 73]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 74 إِلَى 76]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 77]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 78 إِلَى 79]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 80 إِلَى 82]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 83 إِلَى 85]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 86]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 87 الى 88]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 89]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 90 إِلَى 91]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 92 إِلَى 94]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 95 إِلَى 96]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 97]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 98]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 99 إِلَى 101]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 102 إِلَى 104]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 105 إِلَى 107]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 108 إِلَى 112]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 113 إِلَى 114]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 115]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 116]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 117 الى 119]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 120]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 121 إِلَى 122]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 123 الى 127]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 128]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 129 إِلَى 130]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 131]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 132]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 133]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 134]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 135]

الفصل: ‌[سورة طه (20) : الآيات 108 إلى 112]

وَعَلَى الْأَشْيَاءِ الْمَعْنَوِيَّةِ كَالدِّينِ. وَمَفْتُوحُ الْعَيْنِ- يُوصَفُ بِهِ الْأَشْيَاءُ الْمُنْتَصِبَةُ كَالْحَائِطِ وَالْعَصَا، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي «لِسَانِ الْعَرَبِ» عَنِ الْأَزْهَرِيِّ. وَقَالَ فَرِيقٌ:- مَكْسُورُ الْعَيْنِ- تُوصَفُ بِهِ الْمَعَانِي، وَمَفْتُوحُ الْعَيْنِ- تُوصَفُ بِهِ الْأَعْيَانُ. وَهَذَا أَضْعَفُ الْأَقْوَالِ. وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنِ ابْنِ دُرَيْدٍ فِي «الْجَمْهَرَةِ» وَتَبِعَهُ فِي «الْكَشَّافِ» هُنَا، وَكَأَنَّهُ مَالَ إِلَى مَا فِيهِ مِنَ التَّفْرِقَةِ فِي الِاسْتِعْمَالِ، وَذَلِكَ مِنَ الدَّقَائِقِ الَّتِي يَمِيلُ إِلَيْهَا الْمُحَقِّقُونَ. وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَيْهِ صَاحِبُ «الْقَامُوسِ» ، وَتَعَسَّفَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» تَأْوِيلَ الْآيَةِ عَلَى اعْتِبَارِهِ خِلَافًا

لِظَاهِرِهَا. وَهُوَ يَقْتَضِي عَدَمَ صِحَّةِ إِطْلَاقِهِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ. وَتَقَدَّمَ هَذَا اللَّفْظُ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ فَانْظُرْهُ.

وَالْأَمْتُ: النُّتُوءُ الْيَسِيرُ، أَيْ لَا تَرَى فِيهَا وَهْدَةً وَلَا نُتُوءًا مَا.

وَالْمَعْنَى: لَا تَرَى فِي مَكَان فسقها عِوَجًا وَلَا أمتا.

[108- 112]

[سُورَة طه (20) : الْآيَات 108 إِلَى 112]

يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَاّ هَمْساً (108) يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً (109) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً (110) وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً (111) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً (112)

جُمْلَةُ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ فِي مَعْنَى الْمُفَرَّعَةِ عَلَى جملَة يَنْسِفُها [طه: 105] . ويَوْمَئِذٍ ظَرْفٌ مُتَعَلِّقٌ بِ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ. وَقُدِّمَ الظَّرْفُ عَلَى عَامِلِهِ

ص: 308

لِلِاهْتِمَامِ بِذَلِكَ الْيَوْمِ، وَلِيَكُونَ تَقْدِيمُهُ قَائِمًا مُقَامَ الْعَطْفِ فِي الْوَصْلِ، أَيْ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ يَوْمَ يَنْسِفُ رَبُّكَ الْجِبَالَ، أَيْ إِذَا نُسِفَتِ الْجِبَالُ نُودُوا لِلْحَشْرِ فَحَضَرُوا يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لِذَلِكَ.

وَالدَّاعِي، قِيلَ: هُوَ الْمَلِكُ إِسْرَافِيلُ- عليه السلام يَدْعُو بِنِدَاءِ التَّسْخِيرِ وَالتَّكْوِينِ، فَتَعُودُ الْأَجْسَادُ وَالْأَرْوَاحُ فِيهَا وَتَهْطَعُ إِلَى الْمَكَانِ الْمَدْعُوِّ إِلَيْهِ. وَقِيلَ: الدَّاعِي الرَّسُولُ، أَيْ يَتَّبِعُ كُلُّ قَوْمٍ رَسُولَهُمْ.

وعِوَجَ لَهُ حَالٌ مِنَ الدَّاعِيَ. وَاللَّامُ عَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُرَادِ مِنَ الدَّاعِي لِلْأَجْلِ، أَيْ لَا عِوَجَ لِأَجْلِ الدَّاعِي، أَيْ لَا يَرُوغُ الْمَدْعُوُّونَ فِي سَيْرِهِمْ لِأَجْلِ الدَّاعِي بَلْ يَقْصِدُونَ مُتَّجِهِينَ إِلَى صَوْبِهِ. وَيَجِيءُ عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ الْمُرَادَ بِالدَّاعِيَ الرَّسُولَ أَنْ يُرَادَ بِالْعِوَجِ الْبَاطِلَ تَعْرِيضًا بِالْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ نَسَبُوا إِلَى الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم الْعِوَجَ كَقَوْلِهِمْ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً [الْفرْقَان: 8] ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ أَكَاذِيبِهِمْ، كَمَا عَرَّضَ بِهِمْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:

الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً [الْكَهْف: 1] .

فَالْمَصْدَرُ الْمَنْفِيُّ أُرِيدَ مِنْهُ نَفْيُ جِنْسِ الْعِوَجِ فِي اتِّبَاعِ الدَّاعِي، بِحَيْثُ لَا يَسْلُكُونَ غَيْرَ الطَّرِيقِ الْقَوِيمِ، أَوْ لَا يُسْلَكُ بِهِمْ غَيْرُ الطَّرِيقِ الْقَوِيمِ، أَوْ بِحَيْثُ يَعْلَمُونَ بَرَاءَةَ رَسُولِهِمْ مِنَ الْعِوَجِ.

وَبَيْنَ قَوْلِهِ لَا تَرى فِيها عِوَجاً [طه: 107] وَقَوْلِهِ لَا عِوَجَ لَهُ مُرَاعَاةُ النَّظِيرِ، فَكَمَا جَعَلَ اللَّهُ الْأَرْضَ يَوْمَئِذٍ غَيْرَ مُعْوَجَّةٍ وَلَا نَاتِئَةٍ كَمَا قَالَ فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ [النازعات: 14] كَذَلِكَ جَعَلَ سَيْرَ النَّاسِ عَلَيْهَا لَا عِوَجَ فِيهِ وَلَا مُرَاوَغَةً.

وَالْخُشُوعُ: الْخُضُوعُ، وَفِي كُلِّ شَيْءٍ مِنَ الْإِنْسَانِ مَظْهَرٌ مِنَ الْخُشُوعِ فَمَظْهَرُ الْخُشُوعِ فِي الصَّوْتِ: الْإِسْرَارُ بِهِ، فَلِذَلِكَ فُرِّعَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً.

ص: 309

وَالْهَمْسُ: الصَّوْتُ الْخَفِيُّ.

وَالْخِطَابُ بِقَوْلِهِ لَا تَرى فِيها عِوَجاً وَقَوْلِهِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً خِطَابٌ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ، أَيْ لَا يَرَى الرَّائِي وَلَا يَسْمَعُ السَّامِعُ.

وَجُمْلَةُ وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ يَتَّبِعُونَ وَإِسْنَادُ الْخُشُوعِ إِلَى الْأَصْوَاتِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ، فَإِنَّ الْخُشُوعَ لِأَصْحَابِ الْأَصْوَاتِ أَوِ اسْتُعِيرَ الْخُشُوعُ لِانْخِفَاضِ الصَّوْتِ وَإِسْرَارِهِ، وَهَذَا الْخُشُوعُ مِنْ هَوْلِ الْمَقَامِ.

وَجُمْلَةُ يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ كَجُمْلَةِ يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ فِي مَعْنَى التَّفْرِيعِ عَلَى وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ، أَيْ لَا يَتَكَلَّمُ النَّاسُ بَيْنَهُمْ إِلَّا همسا وَلَا يجرؤون عَلَى الشَّفَاعَةِ لِمَنْ يَهُمُّهُمْ نَفْعُهُ. وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا أَنَّ جَلَالَ اللَّهِ وَالْخَشْيَةَ مِنْهُ يَصُدَّانِ عَنِ التَّوَسُّطِ عِنْدَهُ لِنَفْعِ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَفِيهِ تَأْيِيسٌ لِلْمُشْرِكِينَ مِنْ أَنْ يَجِدُوا شُفَعَاءَ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ.

وَاسْتِثْنَاءُ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ مِنْ عُمُومِ الشَّفَاعَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الشَّفَاعَةَ تَقْتَضِي شَافِعًا، لِأَنَّ الْمَصْدَرَ فِيهِ مَعْنَى الْفِعْلِ فَيَقْتَضِي فَاعِلًا، أَيْ إِلَّا أَنْ يَشْفَعَ مَنْ أذن لَهُ الرحمان فِي أَنْ يَشْفَعَ، فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ تَامٌّ وَلَيْسَ بِمُفَرَّغٍ.

وَاللَّامُ فِي أَذِنَ لَهُ لَامُ تَعْدِيَةِ فِعْلِ أَذِنَ، مِثْلَ قَوْلِهِ قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ [الْأَعْرَاف: 123] . وَتَفْسِيرُ هَذَا مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ مِنْ

قَوْلِ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم: «فَيُقَالُ لِي: سَلْ تُعْطَهُ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ»

. وَقَوْلُهُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا عَائِدٌ إِلَى مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَهُوَ الشَّافِعُ. وَاللَّامُ الدَّاخِلَةُ عَلَى ذَلِكَ الضَّمِيرِ لَامُ التَّعْلِيلِ، أَي رَضِي الرحمان قَوْلَ الشَّافِعِ لِأَجْلِ الشَّافِعِ، أَيْ إِكْرَامًا لَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الشَّرْح: 1]

ص: 310

فَإِنَّ اللَّهَ مَا أَذِنَ لِلشَّافِعِ بِأَنْ يَشْفَعَ إِلَّا وَقَدْ أَرَادَ قَبُولَ شَفَاعَتِهِ، فَصَارَ الْإِذْنُ بِالشَّفَاعَةِ وَقَبُولِهَا عُنْوَانًا عَلَى كَرَامَةِ الشَّافِعِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلِ رَضِيَ. وَانْتُصِبَ قَوْلًا عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ لِفِعْلِ «رَضِيَ» لِأَنَّ رَضِيَ هَذَا يَتَعَدَّى إِلَى الشَّيْءِ الْمَرْضِيِّ بِهِ بِنَفْسِهِ وَبِالْبَاءِ.

وَجُمْلَةُ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مُسْتَأْنَفَةٌ بَيَانِيَّةٌ لِجَوَابِ سُؤَالِ مِنْ قَدْ يَسْأَلُ بَيَانَ مَا يُوجِبُ رِضَى اللَّهِ عَنِ الْعَبْدِ الَّذِي يَأْذَنُ بِالشَّفَاعَةِ فِيهِ. فَبُيِّنَ بَيَانًا إِجْمَالِيًّا بِأَنَّ الْإِذْنَ بِذَلِكَ يَجْرِي عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ عِلْمُ اللَّهِ بِسَائِرِ الْعَبِيدِ وَبِأَعْمَالِهِمُ الظَّاهِرَةِ، فَعَبَّرَ عَنِ الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ بِمَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ لِأَنَّ شَأْنَ مَا بَيْنَ الْأَيْدِي أَنْ يَكُونَ وَاضِحًا، وَعَبَّرَ عَنِ السَّرَائِرِ بِمَا خَلْفَهُمْ لِأَنَّ شَأْنَ مَا يُجْعَلُ خَلْفَ الْمَرْءِ أَنْ يَكُونَ مَحْجُوبًا. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي آيَةِ الْكُرْسِيِّ، فَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الظَّاهِرَاتِ وَالْخَفِيَّاتِ، أَيْ فَيَأْذَنُ لِمَنْ أَرَادَ تَشْرِيفَهُ مِنْ عِبَادِهِ الْمُقَرَّبِينَ بِأَنْ يُشَفَّعَ فِي طَوَائِفَ مِثْلَ مَا وَرَدَ

فِي الْحَدِيثِ «يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ»

، أَوْ بِأَنْ يُشَفَّعَ فِي حَالَةٍ خَاصَّةٍ مِثْلَ مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ الْعُظْمَى فِي الْمَوْقِفِ لِجَمِيعِ النَّاسِ بِتَعْجِيلِ حِسَابِهِمْ.

وَجُمْلَةُ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً تَذْيِيلٌ لِلتَّعْلِيمِ بِعَظَمَةِ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَضَآلَةِ عِلْمِ الْبَشَرِ، نَظِيرُ مَا وَقَعَ فِي آيَةِ الْكُرْسِيِّ.

وَجُمْلَةُ وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ، أَيْ ظَهَرَ الْخُضُوعُ فِي الْأَصْوَاتِ وَالْعَنَاءُ فِي الْوُجُوهِ.

وَالْعَنَاءُ: الذِّلَّةُ، وَأَصْلُهُ الْأَسْرُ، وَالْعَانِي: الْأَسِيرُ. وَلَمَّا كَانَ الْأَسِيرُ تَرْهَقُهُ ذِلَّةٌ فِي وَجْهِهِ أُسْنِدَ الْعَنَاءُ إِلَى الْوُجُوهِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ، وَالْجُمْلَةُ كُلُّهَا تَمْثِيلٌ لِحَالِ الْمُجْرِمِينَ الَّذِينَ الْكَلَامُ عَلَيْهِمْ مِنْ قَوْلِهِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً [طه: 102] ، فَاللَّامُ فِي الْوُجُوهُ عِوَضٌ عَنْ

ص: 311

الْمُضَافِ إِلَيْهِ، أَيْ وُجُوهُهُمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى [النازعات: 39] أَيْ لَهُمْ. وَأَمَّا وُجُوهُ أَهْلِ الطَّاعَاتِ فَهِيَ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ.

وَيَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ التَّعْرِيفُ فِي الْوُجُوهُ عَلَى الْعُمُومِ، وَيُرَادُ بِ عَنَتِ خَضَعَتْ، أَيْ خَضَعَ جَمِيعُ النَّاسِ إِجْلَالًا لِلَّهِ تَعَالَى.

وَالْحَيُّ: الَّذِي ثَبُتَ لَهُ وَصَفُ الْحَيَاةِ، وَهِيَ كَيْفِيَّةٌ حَاصِلَةٌ لِأَرْقَى الْمَوْجُودَاتِ، وَهِيَ قُوَّةٌ لِلْمَوْجُودِ بِهَا بَقَاءُ ذَاتِهِ وَحُصُولُ إِدْرَاكِهِ أَبَدًا أَوْ إِلَى أَمَدٍ مَا. وَالْحَيَاةُ الْحَقِيقِيَّةُ هِيَ حَيَاةُ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهَا ذَاتِيَّةٌ غَيْرُ مَسْبُوقَةٍ بِضِدِّهَا وَلَا مُنْتَهِيَةٍ.

وَالْقَيُّومُ: الْقَائِمُ بِتَدْبِيرِ النَّاسِ، مُبَالَغَةً فِي الْقَيِّمِ، أَيِ الَّذِي لَا يَفُوتُهُ تَدْبِيرُ شَيْءٍ مِنَ الْأُمُورِ. وَتَقَدَّمَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [255] .

وَجُمْلَةُ وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً إِمَّا مُعْتَرِضَةٌ فِي آخِرِ الْكَلَامِ تُفِيدُ التَّعْلِيلَ أَنْ جُعِلَ التَّعْرِيفُ فِي الْوُجُوهُ عِوَضًا عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ، أَيْ وُجُوهُ الْمُجْرِمِينَ. وَالْمَعْنَى: إِذْ قَدْ خَابَ كُلُّ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا وَإِمَّا احْتِرَاسٌ لِبَيَانِ اخْتِلَافِ عَاقِبَةِ عَنَاءِ الْوُجُوهِ، فَمَنْ حَمَلَ ظُلْمًا فَقَدْ خَابَ يَوْمَئِذٍ وَاسْتَمَرَّ عَنَاؤُهُ، وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا عَادَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْخَوْفُ بِالْأَمْنِ وَالْفَرَحِ. وَالظُّلْمُ: ظُلْمُ النَّفْسِ.

وَجُمْلَةُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ إِلَخْ: شَرْطِيَّةٌ مُفِيدَةُ قَسِيمَ مَضْمُونِ جُمْلَةِ وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً. وَصِيغَ هَذَا الْقَسِيمُ فِي صِيغَةِ الشَّرْطِ تَحْقِيقًا لِلْوَعْدِ، وفَلا يَخافُ جَوَابُ الشَّرْطِ، وَاقْتِرَانُهُ بِالْفَاءِ عَلَامَةٌ عَلَى أَنَّ الْجُمْلَةَ غَيْرُ صَالِحَةٍ لِمُوَالَاةِ أَدَاةِ الشَّرْطِ، فَتَعَيَّنَ إِمَّا أَنْ تَكُونَ (لَا) الَّتِي فِيهَا نَاهِيَةً، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ عَلَى نِيَّةِ الِاسْتِئْنَافِ. وَالتَّقْدِيرُ: فَهُوَ لَا يَخَافُ.

ص: 312