الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 102]
أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلاً (102)
أَعْقَبَ وَصْفَ حِرْمَانِهِمُ الِانْتِفَاعَ بِدَلَائِلِ الْمُشَاهَدَاتِ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَإِعْرَاضِهِمْ عَنْ سَمَاعِ الْآيَاتِ بِتَفْرِيعِ الْإِنْكَارِ لِاتِّخَاذِهِمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ يَزْعُمُونَهَا نَافِعَةً لَهُمْ تَنْصُرُهُمْ
تَفْرِيعَ الْإِنْكَارِ عَلَى صِلَةِ الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي، لِأَنَّ حُسْبَانَهُمْ ذَلِكَ نَشَأَ عَنْ كَوْنِ أَعْيُنِهِمْ فِي غِطَاءٍ وَكَوْنِهِمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا، أَيْ حَسَبُوا حُسْبَانًا بَاطِلًا فَلَمْ يُغْنِ عَنْهُمْ مَا حَسِبُوهُ شَيْئًا، وَلِأَجْلِهِ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا.
وَتَقَدَّمَ حَرْفُ الِاسْتِفْهَامِ عَلَى فَاءِ الْعَطْفِ لِأَنَّ لِلِاسْتِفْهَامِ صَدْرُ الْكَلَامِ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي أَمْثَالِهِ. وَالْخِلَافُ شَهِيرٌ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ فِي أَنَّ الِاسْتِفْهَامَ مُقَدَّمٌ مِنْ تَأْخِيرٍ، أَوْ أَنَّ الْعَطْفَ إِنَّمَا هُوَ عَلَى مَا بَعْدَ الِاسْتِفْهَامِ بَعْدَ حَذْفِ الْمُسْتَفْهَمِ عَنْهُ لِدَلَالَةِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ. فَيقدر هُنَا:
أأمنوا عَذَابِي فَحَسِبُوا أَنْ يَتَّخِذُوا إِلَخْ
…
وَأَوَّلُ الْقَوْلَيْنِ أَوْلَى. وَقَدْ تَقَدَّمَتْ نَظَائِرُهُ مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [75] .
وَالِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارِيٌّ، وَالْإِنْكَارُ عَلَيْهِمْ فِيمَا يَحْسَبُونَهُ يَقْتَضِي أَنَّ مَا ظَنُّوهُ بَاطِلٌ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا [العنكبوت: 2] .
وأَنْ يَتَّخِذُوا سَادَ مسدّ مفعولي فَحَسِبَ لِأَنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَى الْمَفْعُولَيْنِ فَهُوَ يَنْحَلُّ إِلَى مَفْعُولَيْنِ. وَالتَّقْدِيرُ: أَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا عِبَادِيَ مُتَّخِذِينَ أَوْلِيَاءَ لَهُمْ مِنْ دُونِي.
وَالْإِنْكَارُ مُتَسَلِّطٌ عَلَى مَعْمُولِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي وَهُوَ أَوْلِياءَ الْمَعْمُول ل يَتَّخِذُوا بِقَرِينَةِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ فعل فَحَسِبَ مِنْ أَنَّ هُنَالِكَ
مَحْسُوبًا بَاطِلًا، وَهُوَ كَوْنُهُمْ أَوْلِيَاءَ بِاعْتِبَارِ مَا تَقْتَضِيهِ حَقِيقَةُ الْوِلَايَةِ مِنَ الْحِمَايَةِ وَالنَّصْرِ.
وعِبادِي صَادِقٌ عَلَى الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ وَمَنْ عَبَدُوهُمْ مِنَ الْأَخْيَارِ مِثْلَ عِيسَى عليه السلام، وَيَصْدُقُ عَلَى الْأَصْنَامِ بِطَرِيقِ التَّغْلِيبِ.
ومِنْ دُونِي مُتَعَلِّقُ بِ أَوْلِياءَ إِمَّا بِجَعْلِ دُونِي اسْمًا بِمَعْنَى حَوْلَ، أَيْ مِنْ حَوْلِ عَذَابِي، وَتَأْوِيلُ أَوْلِياءَ بِمَعْنَى أَنْصَارًا، أَيْ حَائِلِينَ دون عَذَابي ومانعيهم مِنْهُ، وَإِمَّا بِجَعْلِ دُونِي بِمَعْنَى غَيْرِي، أَيْ أَحَسِبُوا أَنَّهُمْ يَسْتَغْنُونَ بِوِلَايَتِهِمْ.
وَصِيغَ فِعْلُ الِاتِّخَاذِ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَجَدُّدِهِ مِنْهُمْ وَأَنَّهُمْ غَيْرُ مُقْلِعِينَ عَنْهُ.
وَجَعَلَ فِي «الْكَشَّافِ» فِعْلَ يَتَّخِذُوا لِلْمُسْتَقْبَلِ، أَيْ أَحَسِبُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي أَوْلِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا اتَّخَذُوهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَهُوَ الْمُشَارُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً. وَنَظَّرَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ
إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ
[سبأ: 40- 41] .
وَإِظْهَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا دُونَ أَنْ يُقَالَ: أَفَحَسِبُوا، بِإِعَادَةِ الضَّمِيرِ إِلَى الْكَافِرِينَ فِي الْآيَةِ قَبْلَهَا، لِقَصْدِ اسْتِقْلَالِ الْجُمْلَةِ بِدَلَالَتِهَا، وَزِيَادَةً فِي إِظْهَار التوبيخ لَهَا.
وَجُمْلَةُ إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلًا مُقَرَّرَةٌ لِإِنْكَارِ انْتِفَاعِهِمْ بِأَوْلِيَائِهِمْ فَأَكَّدَ بِأَنَّ جَهَنَّمَ أُعِدَّتْ لَهُمْ نُزُلًا فَلَا مَحِيصَ لَهُمْ عَنْهَا وَلِذَلِكَ أَكَّدَ بِحَرْفِ (إِنَّ) .