الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَعْدَ بُدْوُ الْحَمْلِ لِأَنَّ الْمَوْتَ حِينَئِذٍ لَا يَدْفَعُ الطَّعْنَ فِي عِرْضِهَا بَعْدَ مَوْتِهَا وَلَا الْمَعَرَّةَ عَلَى أَهْلِهَا إِذْ يُشَاهِدُ أَهْلُهَا بَطْنَهَا بِحَمْلِهَا وَهِيَ مَيْتَةٌ فَتَطْرُقُهَا الْقَالَةُ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ مِتُّ- بِكَسْرِ الْمِيمِ- لِلْوَجْهِ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [157] . وَقَرَأَهُ ابْنُ كَثِيرٍ، وَابْنُ عَامِرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَعَاصِمٌ، وَأَبُو جَعْفَرٍ بِضَمِّ الْمِيمِ عَلَى الْأَصْلِ. وَهُمَا لُغَتَانِ فِي فِعْلِ مَاتَ إِذَا اتَّصَلَ بِهِ ضَمِيرُ رَفْعٍ مُتَّصِلٍ.
وَالنِّسْيُ- بِكَسْرِ النُّونِ وَسُكُونِ السِّينِ- فِي قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ: الشَّيْءُ الْحَقِيرُ الَّذِي شَأْنُهُ أَنْ يُنْسَى، وَوَزْنُ فِعْلِ يَأْتِي بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ بِقَيْدِ تَهْيِئَتِهِ لِتَعَلُّقِ الْفِعْلِ بِهِ دُونَ تَعَلُّقٍ حَصَلَ. وَذَلِكَ مِثْلُ الذَّبْحِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ [الصافات: 107] ، أَيْ كَبْشٍ عَظِيمٍ مُعَدٍّ لِأَنْ يُذْبَحَ، فَلَا يُقَالُ لِلْكَبْشِ ذِبْحٌ إِلَّا إِذَا أُعِدَّ لِلذَّبْحِ، وَلَا يُقَالُ لِلْمَذْبُوحِ ذِبْحٌ بَلْ ذَبِيحٌ. وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْأَشْيَاءَ الَّتِي يَغْلِبُ إِهْمَالُهَا أَنْسَاءً، وَيَقُولُونَ عِنْدَ الِارْتِحَالِ: انْظُرُوا أَنْسَاءَكُمْ، أَيِ الْأَشْيَاءَ الَّتِي شَأْنُكُمْ أَنْ تَنْسَوْهَا.
وَوَصَفَ النِّسْيَ بِمَنْسِيٍّ مُبَالَغَةً فِي نِسْيَانِ ذِكْرِهَا، أَيْ لَيْتَنِي كُنْتُ شَيْئًا غَيْرَ مُتَذَكَّرٍ وَقَدْ نَسِيَهُ أَهْلُهُ وَتَرَكُوهُ فَلَا يَلْتَفِتُونَ إِلَى مَا يَحُلُّ بِهِ، فَهِيَ تَمَنَّتِ الْمَوْتَ وَانْقِطَاعَ ذِكْرِهَا بَيْنَ أَهْلِهَا
مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ.
وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ، وَحَفَصٌ، وَخَلَفٌ نَسْياً- بِفَتْحِ النُّونِ- وَهُوَ لُغَةٌ فِي النِّسْيِ، كَالْوِتْرِ وَالْوَتْرِ، والجسر والجسر.
[24]
[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 24]
فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلَاّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24)
ضَمِيرُ الرَّفْعِ الْمُسْتَتِرُ فِي (نَادَاهَا) عَائِدٌ إِلَى مَا عَادَ عَلَيْهِ الضَّمِيرُ الْغَائِبُ فِي فَحَمَلَتْهُ [مَرْيَم: 22]، أَيْ: نَادَاهَا الْمَوْلُودُ.
قَرَأَ نَافِعٌ، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَحَفْصٌ، وَأَبُو جَعْفَرٍ، وَخَلَفٌ، وَرَوْحٌ عَنْ يَعْقُوبَ مِنْ تَحْتِها- بِكَسْرِ مِيمِ (مِنْ) - عَلَى أَنَّهَا حَرْفُ ابْتِدَاءٍ مُتَعَلِّقٌ بِ (نَادَاهَا) وَبِجَرِّ تَحْتِها.
وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَابْنُ عَامِرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ، وَرُوَيْسٌ عَنْ يَعْقُوبَ مَنْ- بِفَتْحِ الْمِيمِ- عَلَى أَنَّهَا اسْمُ مَوْصُولٍ، وَفَتَحَ تَحْتَهَا عَلَى أَنَّهُ ظَرْفٌ جُعِلَ صِلَةً، وَالْمَعْنِيُّ بِالْمَوْصُولِ هُوَ الْغُلَامُ الَّذِي تَحْتَهَا. وَهَذَا إِرْهَاصٌ لِعِيسَى وَكَرَامَةٌ لِأُمِّهِ عليهما السلام.
وَقَيْدُ مِنْ تَحْتِها لِتَحْقِيقِ ذَلِكَ، وَلِإِفَادَةِ أَنَّهُ نَادَاهَا عِنْدَ وَضْعِهِ قَبْلَ أَنْ تَرْفَعَهُ مُبَادَرَةً لِلتَّسْلِيَةِ وَالْبِشَارَةِ وَتَصْوِيرًا لِتِلْكَ الْحَالَةِ الَّتِي هِيَ حَالَةُ تَمَامِ اتِّصَالِ الصَّبِيِّ بِأُمِّهِ.
وَأَن مِنْ قَوْلِهِ أَلَّا تَحْزَنِي تَفْسِيرِيَّةٌ لِفِعْلِ (نَادَاهَا) .
وَجُمْلَةُ قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا خَبَرٌ مُرَادٌ بِهِ التَّعْلِيلُ لِجُمْلَةِ أَلَّا تَحْزَنِي، أَيْ أَنَّ حَالَتَكَ حَالَةٌ جَدِيرَةٌ بِالْمَسَرَّةِ دُونَ الْحُزْنِ لِمَا فِيهَا مِنَ الْكَرَامَةِ الْإِلَهِيَّةِ.
السَّرِيُّ: الْجَدْوَلُ مِنَ الْمَاءِ كَالسَّاقِيَةِ، كَثِيرُ الْمَاءِ الْجَارِي.
وَهَبَهَا اللَّهُ طَعَامًا طَيِّبًا وَشَرَابًا طَيِّبًا كَرَامَةً لَهَا يَشْهَدُهَا كُلُّ مَنْ يَرَاهَا، وَكَانَ مَعَهَا خَطِيبُهَا يُوسُفُ النَّجَّارُ، وَمَنْ عَسَى أَنْ يَشْهَدَهَا فَيَكُونَ شَاهِدًا بِعِصْمَتِهَا وَبَرَاءَتِهَا مِمَّا يُظَنُّ بِهَا. فَأَمَّا الْمَاءُ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الشَّأْنُ أَنْ تَأْوِيَ إِلَى مَجْرَى مَاءٍ لِتَضَعَ عِنْدَهُ. وَأَمَّا الرُّطَبُ فَقِيلَ كَانَ الْوَقْتُ شِتَاءً، وَلَمْ يَكُنْ إِبَّانَ رُطَبٍ وَكَانَ جِذْعُ النَّخْلَةِ جِذْعَ نَخْلَةٍ مَيْتَةٍ فَسُقُوطُ الرُّطَبِ مِنْهَا خَارِقٌ لِلْعَادَةِ. وَإِنَّمَا أُعْطِيَتْ رُطَبًا دُونَ التَّمْرِ لِأَنَّ الرُّطَبَ أَشْهَى لِلنَّفْسِ إِذْ هُوَ كَالْفَاكِهَةِ وَأَمَّا التَّمْرُ فَغِذَاءٌ.