الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمُتَدَيِّنَةِ مِنْ إِحْرَاقِ الْمَوْتَى بِالنَّارِ، أَوْ إِغْرَاقِهِمْ فِي الْمَاءِ، أَوْ وَضْعِهِمْ فِي صَنَادِيقَ فَوْقَ الْأَرْضِ، فَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِسُنَّةِ اللَّهِ وَفِطْرَتِهِ. لِأَنَّ الْفِطْرَةَ اقْتَضَتْ أَنَّ الْمَيِّتَ يَسْقُطُ عَلَى الْأَرْضِ فَيَجِبُ أَنْ يُوَارَى فِيهَا. وَكَذَلِكَ كَانَتْ أَوَّلُ مُوَارَاةٍ فِي الْبَشَرِ حِينَ قَتَلَ أَحَدُ ابْنَيْ آدَمَ أَخَاهُ. كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْعُقُودِ [31] فَبَعَثَ اللَّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قالَ يَا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَجَاءَتِ الشَّرَائِعُ الْإِلَهِيَّةُ بِوُجُوبِ الدَّفْنِ فِي الْأَرْضِ.
وَالتَّارَةُ: الْمَرَّةُ، وَجَمْعُهَا تَارَاتٌ. وَأَصْلُ أَلِفِهَا الْوَاوُ. وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: أَصْلُ أَلِفِهَا هَمْزَةٌ فَلَمَّا كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُمْ لَهَا تَرَكُوا الْهَمْزَةَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: ظَهَرَ الْهَمْزُ فِي جَمْعِهَا عَلَى فِعَلٍ فَقَالُوا: تِئَرٌ بِالْهَمْزِ. وَيَظْهَرُ أَنَّهَا اسْمٌ جَامِدٌ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ مُشْتَقٌّ مِنْهُ.
وَالْإِخْرَاجُ: هُوَ إِخْرَاجُهَا إِلَى الْحَشْرِ بَعْدَ إِعَادَةِ هَيَاكِلِ الْأَجْسَامِ فِي دَاخِلِ الْأَرْضِ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ، وَلِذَلِكَ جُعِلَ الْإِخْرَاجُ تَارَةً ثَانِيَةً لِلْخَلْقِ الْأَوَّلِ مِنَ الْأَرْضِ. وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ إِخْرَاجَ الْأَجْسَادِ مِنَ الْأَرْضِ بِإِعَادَةِ خَلْقِهَا كَمَا خُلِقَتْ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، قَالَ تَعَالَى: كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ [الْأَنْبِيَاء: 104] .
[56]
[سُورَة طه (20) : آيَة 56]
وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها فَكَذَّبَ وَأَبى (56)
رُجُوعٌ إِلَى قَصَصِ مُوسَى- عليه السلام مَعَ فِرْعَوْنَ. وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ بَيْنَ الْجُمَلِ الَّتِي حَكَتْ مُحَاوَرَةَ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ وَقَعَتْ هَذِهِ كَالْمُقَدِّمَةِ لِإِعَادَةِ سَوْقِ مَا جَرَى بَيْنَ مُوسَى
وَفِرْعَوْنَ مِنَ الْمُحَاوَرَةِ. فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةً عَلَى جُمْلَةِ: قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يَا مُوسى [طه: 49] بِاعْتِبَارِ
مَا يُقَدَّرُ قَبْلَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهَا مِنْ كَلَامٍ حُذِفَ اخْتِصَارًا، تَقْدِيرُهُ:
فَأَتَيَاهُ فَقَالَا مَا أَمَرْنَاهُمَا أَنْ يَقُولَاهُ قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا إِلَخْ. الْمَعْنَى: فَأَتَيَاهُ وَقَالَا مَا أَمَرْنَاهُمَا وَأَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا عَلَى يَدِ مُوسَى- عليه السلام.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةُ بَيْنَ مَا قَبْلَهَا، وَالْوَاوُ اعْتِرَاضِيَّةٌ.
وَتَأْكِيدُ الْكَلَامِ بِلَامِ الْقَسَمِ وَ (قَدْ) مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّعْجِيبِ مِنْ تَصَلُّبِ فِرْعَوْنَ فِي عِنَادِهِ، وَقُصِدَ مِنْهَا بَيَانُ شِدَّتِهِ فِي كُفْرِهِ وَبَيَانُ أَنَّ لِمُوسَى آيَاتٌ كَثِيرَةٌ أَظْهَرَهَا اللَّهُ لِفِرْعَوْنَ فَلَمْ تُجْدِ فِي إِيمَانِهِ.
وَأُجْمِلَتْ وَعُمِّمَتْ فَلَمْ تُفَصَّلْ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا بَيَانُ شِدَّةِ تَصَلُّبِهِ فِي كُفْرِهِ بِخِلَافِ آيَةِ سُورَةِ الْأَعْرَافِ الَّتِي قُصِدَ مِنْهَا بَيَانُ تَعَاقُبِ الْآيَاتِ وَنُصْرَتِهَا.
وَإِرَاءَةُ اللَّهِ إِيَّاهُ الْآيَاتِ: إِظْهَارُهَا لَهُ بِحَيْثُ شَاهَدَهَا.
وَإِضَافَةُ (آيَاتٍ) إِلَى ضَمِيرِ الْجَلَالَةِ هُنَا يُفِيدُ تَعْرِيفًا لِآيَاتٍ مَعْهُودَةٍ، فَإِنَّ تَعْرِيفَ الْجَمْعِ بِالْإِضَافَةِ- يَأْتِي لِمَا يَأْتِي لَهُ التَّعْرِيفُ بِاللَّامِ- يَكُونُ لِلْعَهْدِ وَيَكُونُ لِلِاسْتِغْرَاقِ، وَالْمَقْصُودُ هُنَا الْأَوَّلُ، أَيْ أَرَيْنَا فِرْعَوْنَ آيَاتِنَا الَّتِي جَرَتْ عَلَى يَدِ مُوسَى، وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ [النَّمْل: 12] . وَهِيَ انْقِلَابُ الْعَصَا حَيَّةً، وَتَبَدُّلُ لَوْنِ الْيَدِ بَيْضَاءَ، وَسِنُوُّ الْقَحْطِ، وَالْجَرَادُ، وَالْقُمَّلُ، وَالضَّفَادِعُ، وَالدَّمُ، وَالطُّوفَانُ، وَانْفِلَاقُ الْبَحْرِ. وَقَدِ اسْتَمَرَّ تَكْذِيبُهُ بَعْدَ جَمِيعِهَا حَتَّى لَمَّا رَأَى انْفِلَاقَ الْبَحْرِ اقْتَحَمَهُ طَمَعًا لِلظَّفَرِ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ.
وَتَأْكِيدُ الْآيَاتِ بِأَدَاةِ التَّوْكِيدِ كُلَّها لِزِيَادَةِ التَّعْجِيبِ مِنْ عِنَادِهِ. وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:
وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها فِي سُورَةِ الْقَمَرِ