المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة مريم (19) : الآيات 68 إلى 70] - التحرير والتنوير - جـ ١٦

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 75 إِلَى 76]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 77]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 78 إِلَى 82]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 83 إِلَى 84]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 85 إِلَى 88]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 89 إِلَى 90]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 91]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 92 إِلَى 98]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 99 الى 101]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 102]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 103 إِلَى 104]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 105]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 106]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 107 إِلَى 108]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 109]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 110]

- ‌19- سُورَةُ مَرْيَمَ

- ‌أغراض السُّورَة

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 2 إِلَى 3]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 4 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 7 إِلَى 8]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 16 إِلَى 21]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 22 إِلَى 23]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 25 إِلَى 26]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 27 إِلَى 28]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 30 إِلَى 33]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 34 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 41 إِلَى 42]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 47 إِلَى 48]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 49 إِلَى 50]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 51 إِلَى 53]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 54 إِلَى 55]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 56 إِلَى 57]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 59 إِلَى 63]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 65]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 66 إِلَى 67]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 68 إِلَى 70]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 71 إِلَى 72]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 73 إِلَى 74]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 75 إِلَى 76]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 77 إِلَى 80]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 81 إِلَى 82]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 83 إِلَى 84]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 85 إِلَى 87]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 88 إِلَى 95]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 96]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 97]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 98]

- ‌20- سُورَةُ طَهَ

- ‌أغراضها:

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 2 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 9 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 11 إِلَى 13]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 14 إِلَى 16]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 17 إِلَى 21]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 22 إِلَى 23]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 24 إِلَى 36]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 37 الى 41]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 43 إِلَى 44]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 45 إِلَى 48]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 49 إِلَى 50]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 51 إِلَى 52]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 53 إِلَى 54]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 56]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 57 إِلَى 59]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 60 إِلَى 61]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 62 إِلَى 64]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 65 إِلَى 66]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 67 إِلَى 69]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 70 إِلَى 71]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 72 إِلَى 73]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 74 إِلَى 76]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 77]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 78 إِلَى 79]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 80 إِلَى 82]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 83 إِلَى 85]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 86]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 87 الى 88]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 89]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 90 إِلَى 91]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 92 إِلَى 94]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 95 إِلَى 96]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 97]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 98]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 99 إِلَى 101]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 102 إِلَى 104]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 105 إِلَى 107]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 108 إِلَى 112]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 113 إِلَى 114]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 115]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 116]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 117 الى 119]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 120]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 121 إِلَى 122]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 123 الى 127]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 128]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 129 إِلَى 130]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 131]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 132]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 133]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 134]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 135]

الفصل: ‌[سورة مريم (19) : الآيات 68 إلى 70]

وَ (قَبْلُ) مِنَ الْأَسْمَاءِ الْمُلَازِمَةِ لِلْإِضَافَةِ. وَلَمَّا حُذِفَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ وَاعْتُبِرَ مُضَافًا إِلَيْهِ مُجْمَلًا وَلَمْ يُرَاعَ لَهُ لَفْظٌ مَخْصُوصٌ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ بُنِيَتْ (قَبْلُ) عَلَى الضَّمِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ [الرّوم: 40] .

وَالتَّقْدِيرُ: أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ كُلِّ حَالَةٍ هُوَ عَلَيْهَا، وَالتَّقْدِيرُ فِي آيَةِ سُورَةِ الرُّومِ: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلِ كُلِّ حَدَثٍ وَمِنْ بَعْدِهِ.

وَالْمَعْنَى: الْإِنْكَارُ عَلَى الْكَافِرِينَ أَنْ يَقُولُوا ذَلِكَ وَلَا يَتَذَكَّرُوا حَالَ النَّشْأَةِ الْأُولَى فَإِنَّهَا أَعْجَبُ عِنْدَ الَّذِينَ يَجْرُونَ فِي مَدَارِكِهِمْ عَلَى أَحْكَامِ الْعَادَةِ، فَإِنَّ الْإِيجَادَ عَنْ عَدَمٍ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ مَثَّالٍ أَعْجَبُ وَأَدْعَى إِلَى الِاسْتِبْعَادِ مِنْ إِعَادَةِ مَوْجُودَاتٍ كَانَتْ لَهَا أَمْثِلَةٌ. وَلَكِنَّهَا فَسَدَتْ هَيَاكِلُهَا وَتَغَيَّرَتْ تَرَاكِيبُهَا. وَهَذَا قِيَاسٌ عَلَى الشَّاهِدِ وَإِنْ كَانَ الْقَادِرُ سَوَاءٌ عَلَيْهِ الْأَمْرَانِ.

[68- 70]

[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 68 إِلَى 70]

فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا (69) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا (70)

الْفَاءُ تَفْرِيعٌ عَلَى جُمْلَةِ أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ [مَرْيَم: 67] ، بِاعْتِبَارِ مَا تَضَمَّنَتْهُ مِنَ التَّهْدِيدِ. وَوَاوُ الْقَسَمِ لِتَحْقِيقِ الْوَعِيدِ. وَالْقَسَمُ بِالرَّبِّ مُضَافًا إِلَى ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِ وَهُوَ النَّبِيءُ صلى الله عليه وسلم إِدْمَاجٌ لِتَشْرِيفِ قَدْرِهِ.

وَضَمِيرُ لَنَحْشُرَنَّهُمْ عَائِدٌ إِلَى الْإِنْسانُ [مَرْيَم: 66] الْمُرَادِ بِهِ الْجِنْسُ الْمُفِيدُ لِلِاسْتِغْرَاقِ الْعُرْفِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ، أَيْ لَنَحْشُرَنَّ الْمُشْرِكِينَ.

ص: 146

وَعَطْفُ (الشَّيَاطِينَ) عَلَى ضَمِيرِ الْمُشْرِكِينَ لِقَصْدِ تَحْقِيرِهِمْ بِأَنَّهُمْ يُحْشَرُونَ مَعَ أَحْقَرِ جِنْسٍ وَأَفْسَدِهِ، وَلِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ الشَّيَاطِينَ هُمْ سَبَبُ ضَلَالِهِمُ الْمُوجِبُ لَهُمْ هَذِهِ الْحَالَةَ، فَحَشَرَهُمْ مَعَ الشَّيَاطِين إنذار لَهُمْ بِأَنَّ مَصِيرَهُمْ هُوَ مَصِيرُ الشَّيَاطِينَ وَهُوَ مُحَقَّقٌ عِنْدَ النَّاسِ

كُلِّهِمْ. فَلِذَلِكَ عَطَفَ عَلَيْهِ جُمْلَةَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا، وَالضَّمِيرُ لِلْجَمِيعِ.

وَهَذَا إعداد آخر للتقريب مِنَ الْعَذَابِ فَهُوَ إِنْذَارٌ عَلَى إِنْذَارٍ وَتَدَرُّجٌ فِي إِلْقَاءِ الرُّعْبِ فِي قُلُوبِهِمْ. فَحَرْفُ ثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ الرُّتْبِيِّ لَا لِلْمُهْلَةِ إِذْ لَيْسَتِ الْمُهْلَةُ مَقْصُودَةٌ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ أَنَّهُمْ يُنْقَلُونَ مِنْ حَالَةِ عَذَابٍ إِلَى أَشَدَّ.

وجِثِيًّا حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ لَنُحْضِرَنَّهُمْ، وَالْجُثِيُّ: جَمْعُ جَاثٍ. وَوَزْنُهُ فُعُولٌ مِثْلُ: قَاعِدٍ وَقُعُودٍ وَجَالِسٍ وَجُلُوسٍ، وَهُوَ وَزْنٌ سَمَاعِيٌّ فِي جَمْعِ فَاعِلٍ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا [مَرْيَم: 58] ، فَأصل جثي جثور- بِوَاوَيْنِ- لِأَنَّ فِعْلَهُ وَاوِيٌّ، يُقَالُ:

جَثَا يَجْثُو إِذَا بَرَكَ عَلَى رُكْبَتَيهِ وَهِيَ هَيْئَةُ الْخَاضِعِ الذَّلِيلِ، فَلَمَّا اجْتَمَعَ فِي جُثُووٍ وَاوَانِ اسْتُثْقِلَا بَعْدَ ضَمَّةِ الثَّاءَ فَصِيرَ إِلَى تَخْفِيفِهِ بِإِزَالَةِ سَبَبِ الثِّقَلِ السَّابِقِ وَهُوَ الضَّمَّةُ فَعُوِّضَتْ بِكَسْرِ الثَّاءِ، فَلَمَّا كُسِرْتِ الثَّاءُ تَعَيَنَ قَلْبُ الْوَاوِ الْمُوَالِيَةِ لَهَا يَاءً لِلْمُنَاسَبَةِ فَاجْتَمَعَ الْوَاوُ وَالْيَاءُ وَسُبِقَ أَحدهمَا بِالسُّكُونِ فقلبت الْوَاوُ الْأُخْرَى يَاءً وَأُدْغِمَتَا فَصَارَ جثي.

وقرى حَمْزَة، وَالْكسَائِيّ، وَحَفْص، وَخلف- بِكَسْر الْجِيم- وَهُوَ كسر إتباع لحركة الثَّاء.

وَهَذَا الْجُثُوُّ هُوَ غَيْرُ جُثُوِّ النَّاسِ فِي الْحَشْرِ الْمَحْكِيِّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا [الجاثية: 28] فَإِن ذَلِكَ جُثُوُّ خُضُوعٍ لِلَّهِ، وَهَذَا الْجُثُوُّ حَوْلَ جَهَنَّمَ جُثُوُّ مَذَلَّةٍ.

وَالْقَوْلُ فِي عَطْفِ جُمْلَةِ ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ كَالْقَوْلِ فِي جُمْلَةِ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ. وَهَذِهِ حَالَةٌ أُخْرَى مِنَ الرُّعْبِ أَشَدُّ مِنَ

ص: 147

اللَّتَيْنِ قَبْلَهَا وَهِي حَالَة تمييزهم لِلْإِلْقَاءِ فِي دِرْكَاتِ الْجَحِيمِ عَلَى حَسْبِ مَرَاتِبِ غُلُوِّهِمْ فِي الْكُفْرِ.

وَالنَّزْعُ: إِخْرَاجُ شَيْءٍ مِنْ غَيْرِهِ، وَمِنْهُ نَزْعُ الْمَاءِ مِنَ الْبِئْرِ.

وَالشِّيعَةُ: الطَّائِفَة الَّتِي شاعت أَحَدًا، أَيِ اتَّبَعَتْهُ، فَهِيَ عَلَى رَأْيٍ وَاحِدٍ. وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ فِي سُورَةِ الْحِجْرِ [10] . وَالْمُرَادُ هُنَا شِيَعُ أَهْلِ الْكُفْرِ، أَيْ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ مِنْهُمْ. أَيْ مِمَّنْ أَحْضَرْنَاهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ.

وَالْعُتِيُّ: الْعِصْيَانُ وَالتَّجَبُّرُ، فَهُوَ مَصْدَرٌ بِوَزْنِ فُعُولٍ مِثْلُ: خُرُوجٍ وَجُلُوسٍ، فَقُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً. وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَحَفْصٌ، وَخَلَفٌ- بِكَسْرِ الْعَيْنِ- إِتْبَاعًا لِحَرَكَةِ التَّاءِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي جِثِيًّا.

وَالْمَعْنَى: لِنُمَيِّزَنَّ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ تَجْمَعُهَا مَحَلَّةٌ خَاصَّةً مِنْ دِينِ الضَّلَالِ مَنْ هُوَ مِنْ تِلْكَ الشِّيعَةِ أَشَدُّ عِصْيَانًا لِلَّهِ وَتَجَبُّرًا عَلَيْهِ. وَهَذَا تَهْدِيدٌ لِعُظَمَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِثْلِ أَبِي جَهْلٍ وَأُمَيَّةَ بْنِ خلف ونظرائهم.

و (أيّ) اسْمٌ مَوْصُولٌ بِمَعْنى (مَا) و (من) . وَالْغَالِبُ أَنْ يُحْذَفَ صَدْرُ صِلَتِهَا فَتُبْنَى عَلَى الضَّمِ. وَأَصْلُ التَّرْكِيبِ: أَيُّهُمْ هُوَ أَشَدُّ عتيا على الرحمان. وَذكر صفة الرحمان هُنَا لِتَفْظِيعِ عُتُوِّهِمْ، لِأَنَّ شَدِيد الرّحمة بالخلق حَقِيقٌ بِالشُّكْرِ لَهُ وَالْإِحْسَانِ لَا بِالْكُفْرِ بِهِ وَالطُّغْيَانِ.

وَلَمَّا كَانَ هَذَا النَّزْعُ وَالتَّمْيِيزُ مُجْمَلًا، فَقَدْ يَزْعُمُ كُلُّ فَرِيقٍ أَنَّ غَيْرَهُ أَشَدُّ عِصْيَانًا، أَعْلَمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَعْلَمُ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُمْ بِمِقْدَارِ صُلِيِّ النَّارِ فَإِنَّهَا دَرَكَاتٌ مُتَفَاوِتَةٌ.

وَالصُّلِيُّ: مَصْدَرُ صَلِيَ النَّارَ كَرَضِيَ، وَهُوَ مَصْدَرٌ سَمَاعِيٌّ بِوَزْنِ فُعُولٍ. وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَحَفْصٌ، وَخَلَفُ- بِكْسِرِ الصَّادِ- إِتْبَاعًا لِحَرَكَةِ اللَّامِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي جِثِيًّا.

ص: 148