المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة طه (20) : الآيات 14 إلى 16] - التحرير والتنوير - جـ ١٦

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 75 إِلَى 76]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 77]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 78 إِلَى 82]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 83 إِلَى 84]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 85 إِلَى 88]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 89 إِلَى 90]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 91]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 92 إِلَى 98]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 99 الى 101]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 102]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 103 إِلَى 104]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 105]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 106]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 107 إِلَى 108]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 109]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 110]

- ‌19- سُورَةُ مَرْيَمَ

- ‌أغراض السُّورَة

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 2 إِلَى 3]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 4 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 7 إِلَى 8]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 16 إِلَى 21]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 22 إِلَى 23]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 25 إِلَى 26]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 27 إِلَى 28]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 30 إِلَى 33]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 34 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 41 إِلَى 42]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 47 إِلَى 48]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 49 إِلَى 50]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 51 إِلَى 53]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 54 إِلَى 55]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 56 إِلَى 57]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 59 إِلَى 63]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 65]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 66 إِلَى 67]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 68 إِلَى 70]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 71 إِلَى 72]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 73 إِلَى 74]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 75 إِلَى 76]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 77 إِلَى 80]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 81 إِلَى 82]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 83 إِلَى 84]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 85 إِلَى 87]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : الْآيَات 88 إِلَى 95]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 96]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 97]

- ‌[سُورَة مَرْيَم (19) : آيَة 98]

- ‌20- سُورَةُ طَهَ

- ‌أغراضها:

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 2 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 9 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 11 إِلَى 13]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 14 إِلَى 16]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 17 إِلَى 21]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 22 إِلَى 23]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 24 إِلَى 36]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 37 الى 41]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 43 إِلَى 44]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 45 إِلَى 48]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 49 إِلَى 50]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 51 إِلَى 52]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 53 إِلَى 54]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 56]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 57 إِلَى 59]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 60 إِلَى 61]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 62 إِلَى 64]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 65 إِلَى 66]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 67 إِلَى 69]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 70 إِلَى 71]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 72 إِلَى 73]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 74 إِلَى 76]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 77]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 78 إِلَى 79]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 80 إِلَى 82]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 83 إِلَى 85]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 86]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 87 الى 88]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 89]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 90 إِلَى 91]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 92 إِلَى 94]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 95 إِلَى 96]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 97]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 98]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 99 إِلَى 101]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 102 إِلَى 104]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 105 إِلَى 107]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 108 إِلَى 112]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 113 إِلَى 114]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 115]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 116]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 117 الى 119]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 120]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 121 إِلَى 122]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 123 الى 127]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 128]

- ‌[سُورَة طه (20) : الْآيَات 129 إِلَى 130]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 131]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 132]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 133]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 134]

- ‌[سُورَة طه (20) : آيَة 135]

الفصل: ‌[سورة طه (20) : الآيات 14 إلى 16]

وَفُرِّعَ عَلَى الْإِخْبَارِ بِاخْتِيَارِهِ أَنْ أُمِرَ بِالِاسْتِمَاعِ لِلْوَحْيِ لِأَنَّهُ أَثَرَ الِاخْتِيَارَ إِذْ لَا مَعْنَى لِلِاخْتِيَارِ إِلَّا اخْتِيَارُهُ لِتَلَقِّي مَا سَيُوحِي اللَّهُ.

وَالْمُرَادُ: مَا يُوحَى إِلَيْهِ حِينَئِذٍ مِنَ الْكَلَامِ، وَأَمَّا مَا يُوحَى إِلَيْهِ فِي مُسْتَقْبَلِ الْأَيَّامِ فَكَوْنُهُ مَأْمُورًا بِاسْتِمَاعِهِ مَعْلُومٌ بِالْأَحْرَى.

وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَحْدَهُ وَأَنَّا اخْتَرْنَاكَ بِضَمِيرَيِ التَّعْظِيمِ.

وَاللَّامُ فِي لِما يُوحى لِلتَّقْوِيَةِ فِي تَعْدِيَةِ فِعْلِ «اسْتَمِعْ» إِلَى مَفْعُولِهِ، فَيَجُوزُ أَن تتَعَلَّق باخترتك، أَيِ اخْتَرْتُكَ لِلْوَحْيِ فَاسْتَمِعْ، مُعْتَرِضًا بَيْنَ الْفِعْلِ وَالْمُتَعَلِّقِ بِهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُضَمَّنَ اسْتَمِعْ معنى أصغ.

[14- 16]

[سُورَة طه (20) : الْآيَات 14 إِلَى 16]

إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَاّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (14) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى (15) فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى (16)

هَذَا مَا يُوحَى الْمَأْمُورُ بِاسْتِمَاعِهِ، فَالْجُمْلَةُ بدل من لِما يُوحى [طه: 13] بَدَلا مُطلقًا.

وَوَقَعَ الْإِخْبَارُ عَنْ ضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ بِاسْمِهِ الْعَلَمِ الدَّالِّ عَلَى الذَّاتِ الْوَاجِبِ الْوُجُودِ الْمُسْتَحِقِّ لِجَمِيعِ الْمَحَامِدِ. وَذَلِكَ أَوَّلُ مَا يَجِبُ علمه من شؤون الْإِلَهِيَّةِ، وَهُوَ أَنْ يَعْلَمَ الِاسْمَ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ عَلَمًا عَلَيْهِ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَصْلُ لِجَمِيعِ مَا سَيُخَاطَبُ بِهِ مِنَ الْأَحْكَامِ الْمُبَلَّغَةِ عَنْ رَبِّهِمْ.

وَفِي هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ أَوَّلَ مَا يَتَعَارَفُ بِهِ الْمُتَلَاقُونَ أَنْ يَعْرِفُوا أَسْمَاءَهُمْ، فَأَشَارَ اللَّهُ إِلَى أَنَّهُ عَالِمٌ بَاسِمِ كَلِيمِهِ وَعَلَّمَ كَلِيمَهُ اسْمَهُ، وَهُوَ اللَّهُ.

ص: 199

وَهَذَا الِاسْمُ هُوَ عَلَمُ الرَّبِّ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ. وَاسْمُهُ تَعَالَى فِي اللُّغَةِ الْعَبْرَانِيَّةِ (يَهْوَهْ) أَوْ (أَهْيَهْ) الْمَذْكُورُ فِي الْإِصْحَاحِ الثَّالِثِ مِنْ سِفْرِ الْخُرُوجِ فِي التَّوْرَاةِ، وَفِي الْإِصْحَاحِ السَّادِسِ. وَقَدْ ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ فِي مَوَاضِعَ مِنَ التَّوْرَاةِ مِثْلِ الْإِصْحَاحِ الْحَادِي وَالثَلَاثِينَ مِنْ سِفْرِ الْخُرُوجِ فِي الْفَقْرَة الثَّامِنَة عشرَة، والإصحاح الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ فِي الْفِقْرَةِ السَّادِسَةَ عَشَرَةَ. وَلَعَلَّهُ مِنْ تَعْبِيرِ الْمُتَرْجِمِينَ وَأَكْثَرُ تَعْبِيرِ التَّوْرَاةِ إِنَّمَا هُوَ الرَّبُّ أَوِ الْإِلَهُ.

وَلَفْظُ (أَهْيَهْ) أَوْ (يَهْوَهْ) قَرِيبُ الْحُرُوفِ مِنْ كَلِمَةِ إِلَهٍ فِي الْعَرَبِيَّةِ.

وَيُقَالُ: إِنَّ اسْمَ الْجَلَالَةِ فِي الْعِبْرَانِيَّةِ «لَاهُمْ» . وَلَعَلَّ الْمِيمَ فِي آخِرِهِ هِيَ أَصْلُ التَّنْوِينِ فِي إِلَهٍ.

وَتَأْكِيدُ الْجُمْلَةِ بِحَرْفِ التَّأْكِيدِ لِدَفْعِ الشَّكِّ عَنْ مُوسَى نَزَلَ مَنْزِلَةَ الشَّاكِّ لِأَنَّ غَرَابَةَ الْخَبَرِ تُعَرِّضُ السَّامِعَ لِلشَّكِّ فِيهِ.

وَتَوْسِيطُ ضَمِيرَ الْفَصْلِ بِقَوْلِهِ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لِزِيَادَةِ تَقْوِيَةِ الْخَبَرِ، وَلَيْسَ بِمُفِيدٍ لِلْقَصْرِ، إِذْ لَا مُقْتَضَى لَهُ هُنَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْإِخْبَارُ بِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ هُوَ الْمُسَمَّى اللَّهُ، فَالْحَمْلُ حَمْلُ مُوَاطَاةٍ لَا حَمْلُ اشْتِقَاقٍ. وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ [الْمَائِدَة: 72] .

وَجُمْلَةُ لَا إِلهَ إِلَّا أَنَا خَبَرٌ ثَانٍ عَنِ اسْمِ (إِنَّ) . وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ حُصُولُ الْعِلْمِ لِمُوسَى بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى.

ثُمَّ فُرِّعَ عَلَى ذَلِكَ الْأَمْرُ بِعِبَادَتِهِ. وَالْعِبَادَةُ تَجْمَعُ مَعْنَى الْعَمَلِ الدَّالِّ عَلَى التَّعْظِيمِ مِنْ قَوْلٍ وَفِعْلٍ وَإِخْلَاصٍ بِالْقَلْبِ. وَوَجْهُ التَّفْرِيعِ أَنَّ انْفِرَادَهُ تَعَالَى بِالْإِلَهِيَّةِ يَقْتَضِي اسْتِحْقَاقَهُ أَنْ يُعْبَدَ.

وَخُصَّ مِنَ الْعِبَادَاتِ بِالذِّكْرِ إِقَامَةُ الصَّلَاةِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ تَجْمَعُ أَحْوَالَ الْعِبَادَةِ. وَإِقَامَةُ الصَّلَاةِ: إِدَامَتُهَا، أَيْ عَدَمُ الْغَفْلَةِ عَنْهَا.

ص: 200

وَالذِّكْرُ يَجُوزُ أَن يكون بِمَعْنى التَّذَكُّر بِالْعَقْلِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الذِّكْرَ بِاللِّسَانِ.

وَاللَّامُ فِي لِذِكْرِي لِلتَّعْلِيلِ، أَيْ أَقِمِ الصَّلَاةَ لِأَجْلِ أَنْ تَذْكُرَنِي، لِأَنَّ الصَّلَاةَ تُذَكِّرُ الْعَبْدَ بِخَالِقِهِ. إِذْ يَسْتَشْعِرُ أَنَّهُ وَاقِفٌ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ لِمُنَاجَاتِهِ. فَفِي هَذَا الْكَلَامِ إِيمَاءٌ إِلَى حِكْمَةِ مَشْرُوعِيَّةِ الصَّلَاةِ وَبِضَمِيمَتِهِ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت: 45] يَظْهَرُ أَنَّ التَّقْوَى مِنْ حِكْمَةِ مَشْرُوعِيَّةِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ إِذَا ذَكَرَ أَمْرَ اللَّهِ وَنَهْيَهُ فَعَلَ مَا أَمَرَهُ وَاجْتَنَبَ مَا نَهَاهُ عَنْهُ وَاللَّهُ عَرَّفَ مُوسَى حِكْمَةَ الصَّلَاةِ مُجْمَلَةً وَعَرَّفَهَا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم مُفَصَّلَةً.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللَّامُ أَيْضًا لِلتَّوْقِيتِ، أَيْ أَقِمِ الصَّلَاةَ عِنْدَ الْوَقْتِ الَّذِي جَعَلْتُهُ لِذِكْرِي. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الذِّكْرُ الذِّكْرَ اللِّسَانِيَّ لِأَنَّ ذِكْرَ اللِّسَانِ يُحَرِّكُ ذِكْرَ الْقَلْبِ وَيَشْتَمِلُ عَلَى الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ وَالِاعْتِرَافِ بِمَا لَهُ مِنَ الْحَقِّ، أَيِ الَّذِي عَيَّنْتُهُ لَكَ. فَفِي الْكَلَامِ إِيمَاءٌ إِلَى مَا فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ مِنَ الْحِكْمَةِ، وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ يُعْلَمُ مِنَ السِّيَاقِ.

وَجُمْلَةُ إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ لِابْتِدَاءِ إِعْلَامٍ بِأَصْلٍ ثَانٍ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ بَعْدَ أَصْلِ التَّوْحِيدِ، وَهُوَ إِثْبَاتُ الْجَزَاءِ.

وَالسَّاعَةُ: عَلَمٌ بِالْغَلَبَةِ عَلَى سَاعَةِ الْقِيَامَةِ أَوْ سَاعَةِ الْحِسَابِ.

وَجُمْلَةُ أَكادُ أُخْفِيها فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ السَّاعَةِ، أَوْ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمْلَةٍ وَعِلَّتِهَا.

وَالْإِخْفَاءُ: السَّتْرُ وَعَدَمُ الْإِظْهَارِ، وَأُرِيدَ بِهِ هُنَا الْمَجَازُ عَنْ عَدَمِ الْإِعْلَامِ.

وَالْمَشْهُورُ فِي الِاسْتِعْمَالِ أَنَّ «كَادَ» تَدُّلُ عَلَى مُقَارَبَةِ وُقُوعِ الْفِعْلِ الْمُخْبَرِ بِهِ عَنْهَا، فَالْفِعْلُ بَعْدَهَا فِي حَيِّزِ الِانْتِفَاءِ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى:

ص: 201

كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً [الجنّ: 19] يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كَوْنَهُمْ لِبَدًا غَيْرُ وَاقِعٍ وَلَكِنَّهُ اقْتَرَبَ مِنَ الْوُقُوعِ.

وَلَمَّا كَانَتِ السَّاعَةُ مَخْفِيَّةَ الْوُقُوعِ، أَيْ مَخْفِيَّةَ الْوَقْتِ، كَانَ قَوْلُهُ أَكادُ أُخْفِيها غَيْرَ وَاضِحِ الْمَقْصُودِ، فَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهِ عَلَى وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ أَمْثَلُهَا ثَلَاثَةٌ.

فَقِيلَ: الْمُرَادُ إِخْفَاءُ الْحَدِيثِ عَنْهَا، أَيْ مِنْ شِدَّةِ إِرَادَةِ إِخْفَاءِ وَقْتِهَا، أَيْ يُرَادُ تَرْكُ ذِكْرِهَا وَلَعَلَّ تَوْجِيهَ ذَلِكَ أَنَّ الْمُكَذِّبِينَ بِالسَّاعَةِ لَمْ يَزِدْهُمْ تَكَرُّرُ ذِكْرِهَا فِي الْقُرْآنِ إِلَّا عِنَادًا عَلَى إِنْكَارِهَا.

وَقِيلَ: وَقَعَتْ أَكادُ زَائِدَةً هُنَا بِمَنْزِلَةِ زِيَادَةِ كَانَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ تَأْكِيدًا لِلْإِخْفَاءِ. وَالْمَقْصُودُ: أَنَا أُخْفِيهَا فَلَا تَأْتِي إِلَّا بَغْتَةً.

وَتَأَوَّلَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ مَعْنَى أُخْفِيها بِمَعْنَى أُظْهِرُهَا، وَقَالَ: هَمْزَةُ أُخْفِيها لِلْإِزَالَةِ مِثْلُ هَمْزَةِ أَعْجَمَ الْكِتَابَ، وَأَشْكَى زَيْدًا، أَيْ أُزِيلُ خَفَاءَهَا. وَالْخَفَاءُ: ثَوْبٌ تُلَفُّ فِيهِ الْقِرْبَةُ مُسْتَعَارٌ لِلسِّتْرِ.

فَالْمَعْنَى: أَكَادُ أُظْهِرُهَا، أَيْ أُظْهِرُ وُقُوعَهَا، أَيْ وُقُوعُهَا قَرِيبٌ. وَهَذِهِ الْآيَةُ مِنْ غَرَائِبِ اسْتِعْمَالِ (كَادَ) فَيُضَمُّ إِلَى اسْتِعْمَالِ نَفْيِهَا فِي قَوْلِهِ: وَما كادُوا يَفْعَلُونَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [71] .

وَقَوْلُهُ لِتُجْزى يتعلّق بآتية وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضٌ. وَهَذَا تَعْلِيمٌ بِحِكْمَةِ جَعْلِ يَوْمٍ لِلْجَزَاءِ.

وَاللَّامُ فِي لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ متعلّق بآتية.

وَمَعْنَى بِما تَسْعى بِمَا تَعْمَلُ، فَإِطْلَاقُ السَّعْيِ عَلَى الْعَمَلِ مَجَازٌ مُرْسَلٌ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ

ص: 202

وَفُرِّعَ عَلَى كَوْنِهَا آتِيَةً وَأَنَّهَا مُخْفَاةٌ التَّحْذِيرُ مِنْ أَنْ يَصُدَّهُ عَنِ الْإِيمَانِ بِهَا قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ بِوُقُوعِهَا اغْتِرَارًا بِتَأَخُّرِ ظُهُورِهَا، فَالتَّفْرِيعُ عَلَى قَوْلِهِ أَكادُ أُخْفِيها أَوْقَعُ لِأَنَّ ذَلِكَ الْإِخْفَاءَ هُوَ الَّذِي يُشَبِّهُ بِهِ الَّذِينَ أَنْكَرُوا الْبَعْثَ عَلَى النَّاسِ، قَالَ تَعَالَى: فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً [الْإِسْرَاء: 51] وَقَالَ: وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ [الجاثية: 32] .

وَصِيغَ نَهْيُ مُوسَى عَنِ الصَّدِّ عَنْهَا فِي صِيغَةِ نَهْيِ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِالسَّاعَةِ عَنْ أَنْ يُصَدَّ مُوسَى عَنِ الْإِيمَانِ بِهَا، مُبَالَغَةً فِي نَهْيِ مُوسَى عَنْ أَدْنَى شَيْءٍ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِيمَانِ بِالسَّاعَةِ، لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَّهَ الْكَلَامَ إِلَيْهِ وَكَانَ النَّهْيُ نَهْيَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِ عَنْ أَنْ يَصُدَّ مُوسَى، عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ نَهْيُ مُوسَى عَنْ مُلَابَسَةِ صَدِّ الْكَافِرِ عَنِ الْإِيمَانِ بِالسَّاعَةِ، أَيْ لَا تَكُنْ لَيِّنَ الشَّكِيمَةِ لِمَنْ يَصُدَّكَ وَلَا تُصْغِ إِلَيْهِ فَيَكُونُ لِينُكَ لَهُ مُجَرِّئًا إِيَّاهُ عَلَى أَنْ يَصُدَّكَ، فَوَقَعَ النَّهْيُ عَنِ الْمُسَبَّبِ. وَالْمُرَادُ النَّهْيُ عَنِ السَّبَبِ، وَهَذَا الْأُسْلُوبُ مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِمْ: لَا أَعْرِفَنَّكَ تَفْعَلُ كَذَا وَلَا أَرَيَنَّكَ هَاهُنَا.

وَزِيَادَةُ وَاتَّبَعَ هَواهُ لِلْإِيمَاءِ بِالصِّلَةِ إِلَى تَعْلِيلِ الصَّدِّ، أَيْ لَا دَاعِيَ لَهُمْ لِلصَّدِّ عَنِ الْإِيمَانِ بِالسَّاعَةِ إِلَّا اتِّبَاعَ الْهَوَى دُونَ دَلِيلٍ وَلَا شُبْهَةٍ، بَلِ الدَّلِيلُ يَقْتَضِي الْإِيمَانَ بِالسَّاعَةِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى.

وَفُرِّعَ عَلَى النَّهْيِ أَنَّهُ إِنْ صُدَّ عَنِ الْإِيمَانِ بِالسَّاعَةِ رَدِيَ، أَيْ هَلَكَ. وَالْهَلَاكُ مُسْتَعَارٌ لِأَسْوَأِ الْحَالِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ فِي سُورَةِ بَرَاءَة [42] .

والتفريع ناشىء عَن ارْتِكَابِ الْمَنْهِيِّ لَا عَلَى النَّهْيِ، وَلِذَلِكَ جِيءَ بِالتَّفْرِيعِ بِالْفَاءِ وَلَمْ يَقَعْ بِالْجَزَاءِ الْمَجْزُومِ، فَلَمْ يَقُلْ: تَرْدَ، لِعَدَمِ صِحَّةِ

ص: 203