الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم العزاء ومدته
المجيب د. عبد العزيز بن أحمد البجادي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 8/4/1423
السؤال
أود أن أسأل عن حكم العزاء في البيت وما صحة أن يكون لمدة ثلاثة أيام ويرسل لأهل الميت الغداء والعشاء، حيث إني سمعت من يقول: إن الشيخ ابن عثيمين يقول إن هذا كله بدعة وأن العزاء يكون فقط في المقبرة؟
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وبعد:
تضمن السؤال ثلاث مسائل: التعزية في البيت، ومدة التعزية، وصنع الطعام لأهل الميت.
أما التعزية فتجوز في مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم في كل موضع، سواء كانت في المقبرة، أو الطريق، أو المنزل، أو غير ذلك، وإنما كره الشافعي وأصحاب أحمد جلوس أهل الميت للتعزية في بيت أو غيره، واستحبوا أن ينصرفوا إلى حوائجهم، فمن صادفهم عزاهم؛ لأن الجلوس لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه.
والأظهر -والله أعلم-، ما ذهب إليه أبو حنيفة ومالك من أن هذا أمر لا يتعلق به تشريع؛ لأن التعزية جاءت في الشرع مطلقاً فلم يجز لأحد تقييده إلا بأمر من الشارع، وهذا معدوم هنا، فينبغي في ذلك الرجوع إلى ما يتعارف عليه الناس، فكل عصر له عرفه، وكل قطر له عرفه، ما لم يترتب على ذلك محظور شرعي، كالندب، والنياحة، وصنع الطعام من قبل أهل الميت للمعزين، وأما حديث عائشة في الصحيحين البخاري (1299) ومسلم (935) :"لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم قتل ابن حارثة وجعفر وابن رواحة جلس يعرف فيه الحزن " فليس صريحاً في أن جلوس النبي صلى الله عليه وسلم كان للتعزية، لكن لا حاجة إليه، لأن الأصل الجواز ما لم يقع منكر، والله -تعالى- أعلم.
وأما مدتها فقد حصل فيها نزاع، ذلك أن التعزية مستحبة في مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم قبل الدفن وبعده، ولا وجه لمن منع التعزية بعد الدفن كسفيان الثوري، وأما حديث جابر بن عتيك عند الخمسة إلا الترمذي (ابن ماجة (2803) وأبو داود (3111) والنسائي (3194) وأحمد (23751)) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"دعهن يبكين ما دام عندهن، فإذا وجب فلا تبكين عليه باكية" فهو حديث إن سلم من الاضطراب لم يكن فيه دليل على منع التعزية بعد الدفن؛ لأن المنصوص عليه البكاء، وفرق بين البكاء والتعزية، ولا يصح الاستدلال لمذهب سفيان "بحديث إنما الصبر عند الصدمة الأولى" البخاري (1283) ومسلم (926) وأن المراد تصبيره في أول الأمر، لأن التعزية: تصبير وتسلية، والتسلية لم يحدها الشارع بوقت.
وقد تنازع الناس هل تحد التعزية بثلاثة أيام كما في مذهب الأئمة الأربعة أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، أو لا تحد كما في قول طائفة من أصحاب الشافعي وأحمد؟
وليس في المسألة دليل صريح، وإنما تمسك من يحدها بثلاثة أيام بأمرين:
أحدهما: أن المقصود من التعزية تسلية قلب المصاب، والغالب أن يسكن بعد ثلاثة أيام، فلا ينبغي تجديد حزنه بالتعزية بعدها.
الثاني: أن الشارع أذن في الإحداد ثلاثة أيام، فيجب أن تكون التعزية كذلك.
والجواب: أن التعزية وردت في الشرع مطلقة، فلم يجز لأحد تقييدها بالرأي، ثم إن المصاب لا يسلو بعد ثلاثة أيام ولا عشرة، ولو سُلِّم ذلك فليست التعزية مقصورة على التسلية، بل من مقاصدها إشعار المصاب بوقوف الناس معه، وهذا من أسمى مقاصد الشريعة، لما فيه من جمع القلوب، بحيث يصير الناس كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد، وأما الإحداد فهو تعبير عن الحزن، فلا ينبغي أن يدوم أكثر من ثلاثة أيام على غير زوج، بخلاف التعزية التي هي تسلية، فإن اللائق أن يكون مدارها على موجبها، فمتى وجد المصاب حزيناً شرع لمن لم يعزه أن يعزيه، سواء كان ذلك في الأيام الثلاثة أو بعدها، فليس فيما ذكروا متمسك، وإنما الأعدل حمل الأدلة على عمومها وإطلاقها، فإن الغرض من التعزية الدعاء، والحمل على الصبر، والنهي عن الجزع، وهذا يحصل مع طول الزمان، والله -تعالى- أعلم.
وأما صنع الطعام لأهل الميت فإنه مسنون لأقربائهم وجيرانهم إما ثلاثة أيام كما في مذهب أحمد، وإما يوماً وليلة كما في مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي، لما أخرجه الخمسة، إلا النسائي (أحمد (1751) وأبو داود (3132) وابن ماجة (1610) والترمذي (998)) بإسناد صحيح عن عبد الله بن جعفر قال: لما جاء نعي جعفر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اصنعوا لآل جعفر طعاماً، فقد أتاهم ما يشغلهم".
وإنما المحظور الضيافة من أهل الميت، وهي أن يصنع أهل الميت طعاماً ويجمعوا الناس عليه، فإن هذا مكروه باتفاق العلماء؛ لحديث جرير بن عبد الله عند ابن ماجة (1612) وأحمد (6905) :"كنا نرى الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام من النياحة"،إسناده جيد، والله -تعالى- أعلم.