الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هل مكة معصومة من الزلازل
؟!
المجيب د. محمد بن إبراهيم دودح
باحث علمي في هيئة الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 23/01/1427هـ
السؤال
السلام عليكم
هل يوجد سبب علمي لما حدث في مكة المكرمة من هزَّة أرضية في شهر شعبان من عام 1426هـ، وهل هي زلزال؟ وهل مكة معصومة من الزلازل؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أولا: تعريف الزلازل وبيان مخاطرها:
الزلازل (Earthquakes) عبارة عن اهتزازات تحدث في قشرة الأرض بسبب انكسار وزحزحة مفاجئة لقطاعات عريضة من ألواح القشرة الصخرية الصلبة للأرض، لأنها في الحقيقة غير متصلة وإنما هي قطع متجاورات، وهو من أعظم الأحداث ذات القوة الهائلة التي تُصيب العمران ولها نتائج مرعبة، وقد يطلق زلزال عنيف كميات من الطاقة تعادل مائة ألف مرة قدر ما أطلقته القنبلة الذرية التي أطلقتها الحكومة الأمريكية فحصدت سكان مدينة هيروشيما، ولم تميز بين أطفال وعجائز رجالاً ونساء، وقد تؤدي حركات الصخور أثناء الزلزال إلى تغيير مجاري الأنهار، كما يمكن أن يؤدي الزلزال إلى حدوث انزلاقات تؤدي بدورها إلى خراب كبير وفقدان أرواح.
وتسبِّب الزلازل الكبيرة التي تقع تحت مياه المحيط نشوء سلاسل من أمواج بحرية عظيمة مدمرة تغرق السواحل، ولا تقتل الزلازل الناس غالبًا مباشرة، بل إن كثيرًا من الوفيات والإصابات أثناء الزلازل تنتج عن سقوط الأجسام وعن انهيارات المباني، ويعتبر اشتعال النيران من جراء تحطم خطوط الغاز والكهرباء خطرًا رئيسًا آخر.
وتتوقف قوة الزلازل على مقدار تكسر الصخور ومقدار زحزحتها، وبمقدور الزلازل القوية هز الأرض الصلبة بعنف إلى مسافات شاسعة، بينما اهتزاز الأرض نتيجة زلزال صغير قد لا يتعدى الاهتزاز الذي يسببه مرور شاحنة كبيرة، ويقع في العموم زلزال قوي مرة واحدة كل سنتين بالتقريب، ويقع على الأقل كل عام حوالي أربعين زلزالاً متوسط القوة يحدث دمارًا في أماكن مختلفة من العالم، كما يقع كل عام نحو من أربعين إلى خمسين ألف زلزال صغير يمكن الإحساس بحدوثها دون أن تؤدي إلى دمار واسع.
وتحدث الزلازل عندما تنكسر الصخور وتتزحزح مطلقة كمية كبيرة من الطاقة في شكل ذبذبات تسمى الموجات السيزمية، وتسمى النقطة داخل الأرض التي تنكسر فيها الصخور أولاً البؤرة، وتسمى النقطة المقابلة من سطح الأرض التي تقع مباشرة فوق بؤرة الزلزال السطحية، وتقع معظم الزلازل على طول امتداد الصدوع، والصدع كسْر يحدث في صخور قشرة الأرض الخارجية، يحدث حينما تنزلق قطاعات صخرية الواحدة عبر الأخرى بصورة متكررة. وتكون الصدوع في مناطق ضعف صخور الأرض، ومعظمها تحت سطح الأرض، ولكن بعضها كصدع (سان أندرياس) في كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية يشاهد فوق سطح الأرض، ويؤدي الإجهاد المطبق على الأرض إلى التواء الكتل الصخرية على طول امتداد الصدع، وعندما يبلغ التواء الصخر حده الأقصى فإن الصخر يتكسر وينهار متجزئًا إلى وضع جديد، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى اهتزاز زلزالي، وتبدأ الزلازل عادة عميقة تحت سطح الأرض، وتقع بؤرة معظم الزلازل على عمق أقل من (70 كم) تحت سطح الأرض، ويحس الناس عادة بالاهتزاز الأكبر للأرض بالقرب من بؤرة الزلزال السطحية، ويؤدي اهتزاز الأرض إلى ترنح الأبنية من جانب لآخر، كما يؤدي إلى ارتفاعها وانخفاضها فجأة وإلى تحركها بعنف، وقد تنزلق من فوق قواعدها وتنهار أو ترجف وتتشقق.
ثانيا: قياس الزلازل:
قد يكون مقياس (ريختر) من أحسن ما يستعمل لقياس شدة الزلازل، وقد طوّره (تشارلز ريختر) عام 1935م ويقيس مقياس ريختر حركة الأرض التي يسببها الزلزال، وتعني كل زيادة بمقدار رقم واحد (تدريج واحد) على مقياس القدر الزلزالي هذا أن الطاقة التي يطلقها زلزال تبلغ (32) ضعفًا، مثال ذلك أن زلزالاً ذا قدر زلزالي مقداره سبع درجات -يطلق (32) ضعفًا من الطاقة التي يطلقها زلزالٌ ذو قَدْر زلزالي مقداره ست درجات، وزلزال مقداره أقل من 2 يعتبر زلزالا خفيفًا إلى درجة أن الإحساس به لا يحصل إلا على مؤشرات الزلازل فقط، كما أن زلزالاً ذا قَدْر زلزالي بلغ سبع درجات يمكن أن يدمر عددًا كبيرًا من المباني، ويزداد قدر الزلازل بعشرة أضعاف عند كل نقصان رقم واحد (تدريج واحد) في مقياس ريختر للقدر الزلزالي. فمثلاً عدد الزلازل ذات القدر الزلزالي ست تعادل عشرة أضعاف عدد الزلازل ذات القدر الزلزالي 7.
ثالثا: تباين شدة الزلازل تبعا للمكان:
يفسر التصور المؤيد بالشواهد باسم حركة الصفائح القارية (Tectonic Plate) سبب وقوع الزلازل، وحسب هذا التصور فإن قشرة الأرض الخارجية تتألف من حوالي عشر صفائح كبيرة صلبة، وحوالي عشرين أصغر حجمًا، وتتألف كل صفيحة من قطاع من قشرة الأرض وجزء من وشاح الأرض، والأخير هو طبقة سميكة من صهير صخري حار يقع تحت قشرة الأرض، ويطلق العلماء على هذه الطبقة من قشرة الأرض مع الجزء العلوي من الوشاح اسم الغلاف الصخري، وتتحرك الصفائح حركة دائبة بطيئة فوق نطاق الانسياب، وهو طبقة من الصهير الصخري توجد في الوشاح، ولدى تحرك الصفائح فإنها قد تتصادم مع بعضها بعضًا، أو أنها قد تتباعد بعضها عن بعض، أو أنها قد تنزلق إحداها فوق الأخرى. وتؤدي حركة الصفائح إلى إجهاد الصخور على حدود التقاء الصفائح بعضها ببعض، وتشكيل نطاق صدوع حول حدود الصفائح هذه، قد تحْشر الصخور في مكان ما على طول امتداد بعض الصدوع، بحيث لا تستطيع الانزلاق عند تحرك الصفائح، وهكذا يتولد جهد في الصخور الواقعة على جانبي الصدع يؤدي إلى زحزحتها فجأة فتسبب الزلزال، وتقع معظم الزلازل في نطق الصدوع على حدود الصفائح على طول ما يسمى بخط النار لانتشار البراكين، وتعرف مثل هذه الزلازل بالزلازل بين الصفائح، كما تقع بعضها في داخل جسم الصفيحة ذاتها، وتسمى في هذه الحال الزلازل داخل الصفيحة، وأحد أعظم الصدوع شهرة هو صدع (سان أندرياس) حيث تتكرر الانزلاقات لتحرك صفيحة المحيط الهادئ فوق صفيحة أمريكا الشمالية، ويجعل صدع (سان أندرياس) والصدوع المصاحبة له غرب الولايات المتحدة الأمريكية منطقة كوارث متكررة. (الموسوعة العربية العالمية) .
رابعا: اكتشاف خصوصية جيولوجية لمكة المكرمة:
مكة المكرمة أشهر مدن العالم الإسلامي، تهفو إليها قلوب المسلمين جميعًا من شتى بقاع الأرض وبها المقدسات الإسلامية: المسجد الحرام والكعبة المشرفة ومنى ومزدلفة وعرفات، خصها الله بالتكريم عبر مختلف العصور، وأقسم بها في كتابه في قوله تعالى:"لا أقسمُ بهذا البلد وأنت حِل بهذا البلد ووالدٍ وما ولد"[البلد 1-3] ، وهي مسقط رأس الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ومبعثه، بها نزل الوحي الأمين، ومنها انتشر نور الحق يبدد دياجير الكفر في كل مكان، ويقصدها ملايين الحجاج كل عام لأداء فريضة الحج، فضلاً عن الزوار والمعتمرين من مختلف أرجاء العالم الإسلامي، وفي أرض مكة وبطاحها كان جهاد المسلمين الأوائل في مواجهة الشرك والضلال وعبادة الأصنام، وعلى أرضها كان تحقيق وعد الله لرسوله وللمؤمنين يوم دخلوها في العام الثامن للهجرة ظافرين منتصرين. وقد ارتبط ظهور مكة تاريخيًا بوظيفتها الدينية، وازداد نفوذها تدريجيًا؛ فأصبحت مركزًا للمعمورة المحيطة بها ومحطة تجارية بين الشمال والجنوب، وأشار المؤرخ اليوناني (بطليموس) إليها في القرن الثاني الميلادي باسم (ماركوابا) أي بيت الرب، وهي إشارة لها دلالتها، خاصة عندما نعلم أن الكتب المعتبرة عند الكنيسة قد ذكرتها تحت اسم بكة (Baca) بصفتها بيت الله في وادي جاف موضع الحجيج، حيث البئر ليشربوا والجبل ليتعبدوا، وهو ما يوافق علاماتها حتى اليوم، وهو نفس الاسم المذكور في القرآن الكريم في قوله تعالى:"إِنّ أَوّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلّذِي بِبَكّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لّلْعَالَمِينَ"[آل عمران:96] . ويحيط بمكة من جهات ثلاث جبال ذات شعاب أغنت على مر العصور عن بناء سور لحمايتها، ويحتضن مكة وادي إبراهيم الذي ينحصر بين سلسلتي جبال متقاربة من مختلف الجهات، فالسلسلة الشمالية تتألف من جبل الفلق وجبل قعيقعان، والسلسلة الجنوبية تتألف من جبل أبي جديدة غربًا وجبل كُدي جنوبًا، ثم جبل أبي قبيس في الجنوب الشرقي، ثم جبل خندمة.
وترتفع مكة المكرمة عن سطح البحر بأكثر من 300م، وتقع عند ملتقى دائرة عرض (2 َ 22) ° شمالاً مع خط طول (8 َ 39) ° وملتقى (2َ1 28) ° عرضًا مع (3َ7 54) ° من الطول الشرقي، ويعد موقعها هذا من أكثر التكوينات الجيولوجية حصانة؛ نتيجة لوجودها بسلسلة جبلية، وفضلا عن وسطية مكة للمعمورة فإنها تقع وسط جزيرة العرب، ولا يقطعها خط النار، حيث تكون الزلازل أعنف شدة وأكثر عددًا، وإنما يمر بعيدا عنها.
خامسا: مكة المكرمة محمية، لكنها غير معصومة:
نادرًا جدًّا ما تقع زلازل يذكرها التاريخ لمكة المكرمة؛ نتيجة لموقعها الفريد ضمن سلسلة جبال غرب جزيرة العرب وسط لوح شبه الجزيرة بعيدا عن خط النار الذي يقطع إيران شرقا، والبحر الأحمر غربا، وجبال زاغروس شمالا، وبحر العرب جنوبا، والمعلوم أن الزلازل داخل الصفائح ليست شائعة ولا كبيرة كتلك الزلازل التي تقع على طول حدود الصفائح، وأكبر هذه الزلازل يكون أصغر مائة مرة من الزلازل بين الصفائح الكبيرة، وتميل الزلازل داخل الصفيحة إلى الوقوع في المناطق الضعيفة الهشة داخل الصفيحة، ويعتقد العلماء أن الزلازل داخل الصفيحة تنتج عن إجهاد يطبق على الصفيحة من جراء تغيرات الحرارة والضغط داخل الصخور التحتية، كما قد يكون مصدر الإجهاد موجودًا على حدود صفيحة قارية بعيدة، ونتيجة لخصوصية مكة المكرمة -جيولوجيًّا- لا يكاد التاريخ المكتوب أن يسجل وقوع زلازل ذات آثار مدمرة في منطقتها، وليس في الكتاب والسنة دليل على أن مكة على خصوصيتها وعظيم قدرها معصومة من الزلازل أو غيرها من الكوارث.
وأما ما حدث مساء الأحد وصبيحة الاثنين (7و8 شعبان 1426هـ) فقد شعر الأهالي بهزات مكتومة، ولكن مركز الدراسات الزلزالية لم يسجل هزات بالمنطقة، بينما أعلنت هيئة المساحة الجيولوجية وقوع هزة قريبة بقوة (3.7) بمقياس ريختر الساعة الثانية صباح الاثنين (الصحف السعودية صبيحة الواقعة)
فإما أن يكون أثر الزلزال القريب، أو تفجير اصطناعي نتيجة أعمال التعمير، والله تعالى أعلم.