الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النياحة على الشهداء
المجيب د. يوسف بن أحمد القاسم
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 28/1/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
النياحة فعل منهي عنه في ديننا الحنيف، وكذلك لطم الخدود وشق الجيوب، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب"، ولكنه قال أيضاً الرسول لأم الصحابي الجليل سعد بن معاذ رضي الله عنه عندما رآها تنوح على وفاة ابنها سعد (كل نائحة تكذب إلا نائحة سعد بن معاذ) .
السؤال هو: بعد رؤيتي لأمهات الفلسطينيين الشهداء الأجلاء وهم ينوحون ويلطمون الخدود انتابتني حيرة من أمري، هل هناك استثناءات في النياحة؟ مثلما استثنى الرسول صلى الله عليه وسلم أم سعد بن معاذ رضي الله عنهم؟ وهل تنطبق على الفلسطينيين؟
ولكم جزيل الشكر على ما تقدموه خدمةً لصرح هذا الدين الحنيف. والسلام عليكم.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد..
أولاً: النياحة هي: رفع الصوت بالندب على الميت، أو شق الثياب، أو لطم الخدود، أو حلق الشعر لذلك.
ثانياً: النياحة محرمة بالنصوص الشرعية الثابتة، العامة للرجال والنساء، ومن ذلك: ما جاء في الصحيحين، البخاري (1294)، ومسلم (103) عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية"، وفي الصحيحين البخاري (1296) ، ومسلم (104) عنه صلى الله عليه وسلم أنه بريء من الصالقة، والحالقة، والشاقة، والصالقة هي: التي ترفع صوتها عند المصيبة، والحالقة هي: التي تحلق شعرها لذلك، والشاقة هي: التي تشق ثوبها لذلك أيضاً، وأخرج مسلم في صحيحه
(67)
عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت" وقال عليه الصلاة والسلام "النائحة:" إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران، ودرع من جراب" مسلم (934) ، بل إنه ثبت في الصحيحين البخاري (1288) ، ومسلم (927) "أن الميت ليعذّب، يعني يتأذى، حين ينوح عليه"، وعلى هذا فالنياحة من كبائر الذنوب، وهي محرمة عند جمهور أهل العلم، بل حكاه النووي إجماعاً، كما في شرح صحيح مسلم (6/236) فأما الحديث المشار إليه في السؤال كل نائحة تكذب إلا نائحة سعد بن معاذ وهو في طبقات بن سعد الكبرى (3/428) بإسناده، وذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء (1/287) لكن بلفظ (كل باكية تكذب إلا أم سعد وذكر المحقق في هامش السير إسناد ابن سعد، ثم قال: وإسناده حسن. أ. هـ. وكذا صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (3/148) . هذا الحديث - على القول بصحته قد أجاب عنه أهل العلم: بأنه خاص بأم سعد؛ فإنه صلى الله عليه وسلم له أن يخص بعض أصحابه بما شاء، كما خص شهادة خزيمة بشهادة رجلين، وكما في ترخيصه في إرضاع سالم وهو كبير وهكذا، هذا ما أجاب به المناوي في فيض القدير (5/35) وغيره، ومما ينبغي الإشارة إليه: أن الشارع حرم النياحة لحكم كثيرة، منها أن النائحة تأمر، بلسان حالها، بالجزع وقد نهى الله عنه، وتنهى عن الصبر وقد أمر الله به، وتفتن الحي وتؤذي الميت، وتزيد من حزن القريب، ومن فرح العدو..إلخ..
ولذا فقد رخص الشارع في حزن القلب، ودمع العين، وفي البكاء الذي تمليه الطبيعة الإنسانية، فما لا يمكن دفعه ولا يقوى المصاب على دفعه، بشرط أن لا يبلغ الحدّ المنهي عنه. وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذّب بهذا، وأشار إلى لسانه، أو يرحم" البخاري (1304) ، ومسلم (924) ، بل إنه صلى الله عليه وسلم بكى حين رفع إليه صبي، ونفسه تقعقع، أي تضطرب عند الاحتضار، وفاضت عيناه، فقيل له: ما هذا يا رسول الله؟ فقال: هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء) متفق عليه البخاري
(1284)
، ومسلم (923) .
وبناء على ما تقدم، فإن أخواتنا المجاهدات في فلسطين كغيرهن من المسلمات في هذا الحكم، بل إن أولادهن الذين يقتلون من أجل الجهاد في سبيل الله يعتبرون شهداء، وهؤلاء أحق بالفرح منهم بالحزن، ولذا أصبحنا، ولله الحمد نسمع عن بعض الأمهات هناك ينهين عن تعزيتهن بأولادهن، ورأينا منهن من مشاهد الصبر والاعتزاز ما تتطاول القامات زهواً به، وهؤلاء المسلمات الفاضلات يذكرننا بأخت (عبد الله بن عمرو بن حرام) لما بكت على أخيها حين قتل يوم أحد، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم "م تبكي - أو لاتبكي- فما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع" رواه البخاري (1244) ، ومسلم (2471) ، وهذا لفظ البخاري، وحسب أم الشهيد- الذي مات في سبيل الله- قول الله عز وجل "وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ" (آل عمران: من الآية170) . والله تعالى أعلم.