الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في عيش السلف
4934 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من طعام ثلاثة أيام تباعا حتى قبض.
(1)
4935 -
وفي رواية قال أبو حازم: رأيت أبا هريرة يشير بأصبعه مرارا يقول: والذي نفس أبي هريرة بيده ما شبع نبي الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام تباعا من خبز حنطة حتى فارق الدنيا. رواه البخاري
(2)
ومسلم
(3)
.
قوله: "عن أبي هريرة" تقدمت ترجمته. قوله: "ما شبع آل محمد من طعام ثلاثة أيام تباعا حتى قبض" الحديث، آل محمد هو زوجاته وأهل بيته [ونفى الشبع لا يثبت الجوع، والتوسط هو الاختيار]
(4)
، والمراد بالطعام الحنطة وهو البرّ فإن البرّ كان بالمدينة قليلًا وكان الغالب عليهم الشعير والتمر، فكان صلى الله عليه وسلم يؤثر قوت أهل بلده ويكره أن يخص نفسه بما لا سبيل للمسلمين إليه، وهذا هو الأشبه بأخلاقه صلى الله عليه وسلم. قوله: "وفي رواية، قال أبو حازم: رأيت أبا هريرة يشير بإصبعه مرارا، والذي نفس أبي هريرة بيده ما شبع نبي الله ثلاثة
(1)
صحيح البخاري (5374).
(2)
صحيح البخاري (5374).
(3)
صحيح مسلم (32)(2976).
(4)
حصل تأخير لهذه العبارة في النسخة الهندية، وأدرجت بعد قوله:(ويكره أن يخص نفسه بما لا سبيل للمسلمين إليه، وهذا هو الأشبه بأخلاقه صلى الله عليه وسلم).
أيام تباعا من خبز حنطة حتى قبض" أبو حازم اسمه سلمة بن دينار الأعرج المدني، مولى الأسود بن سفيان المخزومي القاص. من عباد أهل المدينة، وثقاتهم، والمشهورين من تابعيهم.
روى عن: سهل بن سعد، وابن المسيب، وعطاء بن أبي رباح.
روى عنه: مالك، والثوري، وابن عيينة، وحماد بن زيد.
مات سنة ثلاث وثلاثين، وقيل: خمس وثلاثين ومائة، وقيل: سنة أربعين ومائة.
4936 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيت الليالي المتتابعة وأهله طاويا لا يجدون عشاء، وإنما كان أكثر خبزهم الشعير. رواه الترمذي
(1)
وقال: حديث حسن صحيح.
قوله: "وعن ابن عباس" تقدمت ترجمته، قوله: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيت
(1)
أخرجه الترمذي (2360) وفي الشمائل (137)، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وأخرجه ابن سعد (1/ 400)، وأحمد (1/ 255 و 373 - 374)، وفي الزهد (ص 38)، وعبد بن حميد (592) وابن ماجه (3347)، والبزار (4805) وابن حبان في المجروحين (3/ 87)، والطبراني في الكبير (11900)، وابن عدي في الكامل (8/ 429)، وأبو نعيم في الحلية (3/ 342)، والبيهقي في الشعب (9934)، والبغوي في شرح السنة (4077)، وفي الشمائل (438)، والشجري في أماليه (2/ 207) وقال ابن حبان: هلال بن خباب كان ممن اختلط في آخر عمره فكان يحدث بالشيء على التوهم، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد، وأمّا فيما وافق الثقات فإن احتج به محتج أرجو أن لا يجرح في فعله ذلك وقال أبو نعيم: غريب من حديث عكرمة لم يروه عنه فيما أعلم إلا هلال وحسنه الألباني في صحيح الجامع (4895)، والصحيحة (2119)، وصحيح الترغيب والترهيب (3264).
الليالي المتتابعة هو وأهله طاويا" الحديث، المراد بالأهل الزوجات، وتقدم، وقوله: "طاويا" المراد بذلك أنهم لا يجدون شيئًا يأكلونه، وفيه أن تأخير الوقت ورداءة النوع لا ينافي الكفاف الممدوح.
4937 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ما شبع آل محمد من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري
(1)
ومسلم
(2)
.
4938 -
وفي رواية لمسلم
(3)
قالت: لقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما شبع من خبز وزيت في يوم واحد مرتين.
4939 -
وفي رواية للترمذي
(4)
قال مسروق: دخلت على عائشة، فدعت لي بطعام، فقالت: ما أشبع، فأشاء أن أبكي إلا بكيت. قلت: لم؟ قالت: أذكر الحال التي فارق عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم الدنيا، والله ما شبع من خبز ولحم مرتين في يوم.
4940 -
وفي رواية للبيهقي
(5)
قالت: ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام متوالية، ولو شئنا لشبعنا، ولكنه كان يؤثر على نفسه.
(1)
صحيح البخاري (5416).
(2)
صحيح مسلم (22)(2970).
(3)
صحيح مسلم (29)(2970).
(4)
سنن الترمذي (2356)، وقال: هذا حديث حسن. وقال الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (1898): منكر.
(5)
البيهقي في شعب الإيمان (1396)، وقال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: 965) وإسناده معضل.
قوله: "وعن عائشة" تقدم الكلام على مناقبها رضي الله عنها. [قوله: "وفي رواية الترمذي قال مسروق: دخلت على عائشة" الحديث، مسروق هو أبو عائشة بن الأجدع بالجيم والمهملتين الهمداني التابعي الكوفي، قيل: ما ولدت همدانية مثل مسروق، وسمي به [لأنه] سرق في صغره ثم وجدوه، فغلب عليه ذلك، وقال له عمر رضي الله عنه، ما اسمك؟ قال: فقلت: مسروق بن الأجدع، فقال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول
(1)
: الأجدع شيطان، أنت مسروق بن عبد الرحمن، فأثبت اسمه في الديوان بابن عبد الرحمن، والأجدع كان أفرس فارس باليمن وهو ابن أخت عمرو بن معدي كرب، مات مسروق سنة اثنين أو ثلاث وستين، قاله الكرماني
(2)
، قوله ولكنه كان يؤثر على نفسه. الإيثار على النفس هو أن تقدم الناس على نفسك في مصالحهم. مثل أن تطعمهم وتجوع. وتكسوهم وتعرى، وتسقيهم وتظمأ، بحيث لا يؤدي ذلك إلى ارتكاب إتلاف لا يجوز في الدين. ومثل أن تؤثرهم بمالك وتقعد كلا
(1)
أخرجه أحمد في المسند (211)، وأبو داود (4957)، وابن ماجه (3731)، وابن أبي شيبة في المصنف (25902)، والحاكم في المستدرك (4/ 311)، والبزار في المسند (319)،، وقال ابن كثير في مسند الفاروق (1/ 540) مجالد بن سعيد. وقد تكلموا فيه، ولكنه أخرج له مسلم في المتابعات. وقد رواه علي ابن المديني، عن أبي النضر به، وقال: هذا الحديث صالح الإسناد وليس بالصافي، وهو حديث كوفي، لا نحفظه إلا من هذا الوجه، وأبو عقيل: ضعفه أبو أسامة. انتهى كلامه رحمه الله. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (2271)، وضعيف أبي داود (1055).
(2)
الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (1/ 150).
مضطرا، مستشرفا للناس أو سائلا. وكذلك إيثارهم بكل ما يحرمه على المؤثر دينه. فإنه سفه وعجز. يذم المؤثر به عند الله وعند الناس.
4941 -
وَعَن أنس بن مَالك رضي الله عنه قَالَ إِن فَاطِمَة رضي الله عنها ناولت النَّبِي صلى الله عليه وسلم كسرة من خبز شعير فَقَالَ لَهَا هَذَا أول طَعَام أكله أَبوك مُنْذُ ثَلَاثَة أَيَّام رَوَاهُ أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وَزَاد فَقَالَ مَا هَذِه فَقَالَت قرص خبزته فَلم تطب نَفسِي حَتَّى أَتَيْتُك بِهَذِهِ الكسرة فَقَالَ فَذكره رواتهما ثِقَات
(1)
.
4942 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ أُتِي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِطَعَام سخن فَأكل فَلَمَّا فرغ قَالَ الْحَمد لله مَا دخل بَطْني طَعَام سخن مُنْذُ كَذَا وَكَذَا رَوَاهُ ابْن مَاجَه بِإِسْنَاد حسن وَالْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح
(2)
.
4943 -
وَرُوِيَ عَن ابْن عمر رضي الله عنهما قَالَ خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حَتَّى دخل بعض حيطان الْأَنْصَار فَجعل يلتقط من التَّمْر وَيَأْكُل فَقَالَ لي يَا ابْن عمر مَا لَك لَا تَأْكُل قلت لَا أشتهيه يَا رَسُول الله قَالَ وَلَكِنِّي أشتهيه وَهَذِه صبح رَابِعَة مُنْذُ لم أذق طَعَاما وَلَو شِئْت لَدَعَوْت رَبِّي عز وجل فَأَعْطَانِي مثل ملك
(1)
أخرجه أحمد 3/ 213 (13223) والزهد (210)، وابن أبي الدنيا في الجوع (15)، والعقيلي في الضعفاء (3/ 324)، وابن الأعرابى (1975)، والطبراني في الكبير (1/ 258 رقم 750)، وأبو الشيخ في أخلاق النبي (832). قال الهيثمي في المجمع 10/ 312: رواه أحمد، والطبراني، وزاد: فقال: ما هذه؟ فقالت: قرص خبزته فلم تطب نفسي حتى أتيتك بهذه الكسرة. ورجالهما ثقات. وضعفه الألباني في الضعيفة (4873) وضعيف الترغيب (1899).
(2)
أخرجه ابن ماجه (4150)، والبيهقي في الكبرى (7/ 457 رقم 14630). وضعفه الألباني في الضعيفة (5555)، وضعيف الترغيب (1900).
كسْرَى وَقَيْصَر فَكيف بك يَا ابْن عمر إِذا بقيت فِي قوم يخبئون رزق سنتهمْ ويضعف الْيَقِين فوَالله مَا برحنا حَتَّى نزلت {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [العنكبوت: 60]، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن الله لم يَأْمُرنِي بكنز الدُّنْيَا وَلَا بِاتِّبَاع الشَّهَوَات فَمن كنز دنيا يُرِيد بهَا حَيَاة بَاقِيَة فَإِن الْحَيَاة بيد الله عز وجل أَلا وَإِنِّي لا أكنز دِينَارا وَلَا درهما وَلَا أخبأ رزقا لغد رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ ابْن حيّان فِي كتاب الثَّوَاب
(1)
.
4944 -
وَعَن أبي أُمَامَة رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ عرض عَليّ رَبِّي ليجعل لي بطحاء مَكَّة ذَهَبا قلت لَا يَا رب وَلَكِن أشْبع يَوْمًا وأجوع يَوْمًا وَقَالَ ثَلَاثًا أَو نَحْو هَذَا فَإِذا جعت تضرعت إِلَيْك وذكرتك وَإِذا شبعت شكرتك وحمدتك رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من طَرِيق عبيد الله بن زحر عَن عَليّ بن يزِيد عَن الْقَاسِم عَنهُ وَقَالَ حَدِيث حسن
(2)
.
4945 -
وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا، ولم يشبع هو ولا أهله من خبز الشعير. رواه البزار
(3)
بإسناد حسن.
(1)
أخرجه عبد بن حميد (816)، وابن أبي الدنيا في الجوع (307)، وأبو الشيخ في أخلاق النبي (879). وذكره القرطبي في التفسير (7/ 5075)، ثم قال: هذا ضعيف. وضعفه الألباني في الضعيفة (4874) وضعيف الترغيب (1901).
(2)
أخرجه أحمد 5/ 254 (22190)، والترمذي (2347). وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (1865) و (1902) المشكاة 5190/ التحقيق الثاني.
(3)
مسند البزار = البحر الزخار (1061)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 312): رواه البزار، وإسناده حسن. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3266).
قوله: "وعن عبد الرحمن بن عوف" تقدم]
(1)
. قوله: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يشبع هو ولا أهله من خبز الشعير" فإن ذلك لم يكن منه في كل أحواله ولا لضيق وكيف يكون ذلك وقد كان الله تعالى أفاء عليه قبل وفاته بلاد العرب كلها، ونقل إليه الخراج من بعض بلاد العجم كاملة والبحرين وهجر ولكن كان بعضه للإثيار نوائب حقوق الله تعالى وبعضه كراهة منه للشبع وكثرة الأكل فإنه كان يكرهه ويؤدب أصحابه به كما قال في الحديث عن أبي جحيفة
(2)
أكثر الناس شبعا في الدنيا أطولهم جوعا يوم
(1)
حصل تأخير لهذه الفقرة في النسخة الهندية، وأدرجت بعد قوله:(وقال الفضل خصلتان تفسدان القلب: كثرة الأكل وكثرة الكلام).
(2)
أخرجه البزار = البحر الزخار (4236) وخيثمة الأطرابلسي في جزء من حديثه (45)، ومن طريقه: تمام في الفوائد (643) وأخرجه ابن أبي الدنيا في الجوع (19)، وابن جرير في تهذيب الآثار/ مسند علي (2/ 716 - 717 رقم 1035/ مسند عمر بن الخطاب)، والطبراني في الأوسط (8929)، وابن عدي في الكامل (7/ 75)، والبيهقي في الشعب (5256)، وابن عبد البر في الاستيعاب (788) الطبراني في المعجم الكبير (22/ 132/ 351) والأوسط (3746) والحاكم (4/ 121) البيهقي في الشعب (5255) وابن أبي الدنيا في الجوع (19) أبو نعيم في حلية الأولياء (7/ 256 والبيهقي في الآداب (700) والشعب (5256) وابن بشكوال في الغوامض (315) أخرجه الطبري في تهذيب الآثار (مسند عمر 2/ 716 - 717) وقال الحاكم: صحيح الإسناد ورده الذهبي بقوله: قلت: فهد قال ابن المديني: كذاب، وعمر هالك، وقال ابن أبي حاتم في علل الحديث (1861): وسمعت أبي وذكر حديثا كان في كتاب عمرو بن مرزوق - ولم يحدّث به - عن مالك بن مغول، عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه؛ قال: تجشأت عند النبي (ص) فقال: أطولكم شبعا في الدنيا أطولكم جوعا في الآخرة. =
القيامة، فلما سمع منه أبو جحيفة ذلك لم يأكل ملء بطنه حتى فارق الدنيا، كان إذا تغدى لا يتعشى وإذا تعشى لا يتغدى. وكذلك حديث جابر
(1)
أن عمر لقيه ومعه حمال يحمل له لحما فسأله عن ذلك فقال اشتهينا اللحم فاشتريته للصبيان والنساء، فقال له عمر لا يشتهي أحدكم شيئًا إلا اشتراه، أين تذهب عنكم هذه الآية، {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا}
(2)
، وقال ابن عمر:
(3)
ما شبعت منذ أربعة أشهر وأنا واجدٌ للطعام ولكني عهدت قوما يشبعون مرة ويجوعون مرة. وقال الفضيل
(4)
خصلتان تفسدان القلب: كثرة الأكل وكثرة الكلام.
= فسمعت أبي يقول: هذا حديث باطل، ولم يبلغني أن عمرو بن مرزوق حدث به قط. قال مهنا: سألت أحمد ويحيى عن هذا الحديث فذكره من رواية علي بن الأقمر، عن أبي جحيفة؟ فقالا: ليس بصحيح، كما في المنتخب من العلل لابن قدامة (ص 47). وقال أحمد: كان عمرو بن مرزوق يحدث به، عن مالك بن مغول، عن علي بن الأقمر، عن أبي جحيفة، ثم تركه بعد. وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (2/ 479):
…
وحديث أبي جحيفة، وفي أسانيدها كلها مقال. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 323): وعن أبي جحيفة، قال: أكلت ثريدا رواه البزار بإسنادين، ورجال أحدهما ثقات. قال الهيثمي في المجمع (5/ 31): رواه الطبراني في الأوسط، والكبير بأسانيد، وفي أحد أسانيد الكبير محمد بن خالد الكوفي، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (343) صحيح الترغيب والترهيب (2136).
(1)
أبو داود الزهد (ص 66) تهذيب الآثار مسند عمر بن الخطاب (1038).
(2)
سورة الأحقاف، الآية:20.
(3)
الورع لابن حنبل (1/ 100) الزهد لابن حنبل (1/ 189، والزهد لأبي داود (1/ 336).
(4)
طبقات الصوفية (1/ 26).
4946 -
وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل بعض حيطان الأنصار، فجعل يلتقط من التمر ويأكل، فقال لي: يا ابن عمر مالك لا تأكل؟ قلت: لا أشتهيه يا رسول الله. قال: ولكني أشتهيه، وهذه صبح رابعة منذ لم أذق طعاما، ولو شئت لدعوت ربي عز وجل، فأعطاني مثل ملك كسرى وقيصر، فكيف بك يا ابن عمر إذا بقيت في قوم يخبئون رزق سنتهم، ويضعف اليقين، فوالله ما برحنا حتى نزلت:{وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله لم يأمرني بكنز الدنيا، ولا باتباع الشهوات، فمن كنز دنيا يريد بها حياة باقية، فإن الحياة بيد الله عز وجل، ألا وإني لا أكنز دينارا، ولا درهمًا، ولا أخبأ رزقا لغد. رواه الشيخ ابن حبان في كتاب الثواب
(1)
.
قوله: "وروي عن ابن عمر" تقدمت ترجمته مرارا.
(1)
أخرجه أبو الشيخ ابن حيان في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم (ص 303 - 304)، وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (7/ 461): رواه عبد بن حميد وأبو الشيخ بن حيان في كتاب الثواب بسند فيه راو لم يسم. والحديث؛ أخرجه عبد بن حميد المنتخب من مسند (814)، وابن أبي الدنيا في الجوع (307)، وابن أبي حاتم، في تفسيره (9/ 3078) وقال ابن الجوزي الموضوعات (2/ 282) روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كيف بك يا ابن عمر إذا غبرت في قوم يحبون رزق سنتهم. قال أبو عبد الرحمن النسائي: هذا حديث موضوع. وقال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: 1532): أخرجه ابن مردويه في التفسير والبيهقي في الزهد من رواية رجل لم يسم عن ابن عمر، قال البيهقي: هذا إسناد مجهول، والجراح بن منهال ضعيف. وقال الألباني في السلسلة الضعيفة (4874)، وضعيف الترغيب والترهيب (1901): ضعيف جدًا.
قوله في الحديث: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل بعض حيطان الأنصار" الحديث، الحيطان جمع حائط وهو البستان إذا كان عليه سياج دائر، والأنصار هم الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين هاجر إلى المدينة رضي الله عنهم أجمعين. قوله صلى الله عليه وسلم:"ولو شئت لدعوت ربي فأعطاني مثل ملك كسرى وقيصر" الحديث، وكسرى بكسر الكاف وفتحها اسم لمن ملك الفرس والنسب إليه كسروى وكسرواني وأرضه العراق وكل من ملك الفرس لقب بكسرى وكل من ملك الروم لقب بقيصر وكل من ملك الحبشة لقب بالنجاشي والنجاشي بخفة الجيم وأما الياء فقد جاء تخفيفها وتشديدها، وكل من ملك مصر لقب بالعزيز وكل من ملك القبط لقب بفرعون وكل من ملك حمير لقب بتُبَّع وكل من ملك الترك لقب بخاقان. اهـ.
قوله: "وقيصر"، قيصر غير منصرف للعجمة، [وهو] لقب على كل من ملك الروم كما تقدم، وكان اسمه هرقل كما دل عليه الحديث، وأرضه الشام، اهـ. واسم قيصر مشتق في لغتهم من القطع لأن أحشاء أمه قطعت حتى أخرج منها، وذلك أنها ماتت حين اشتدّ بها الطلق قبل أن تلد فبقي الولد يضطرب في جوفها، فشقّوا جوفها وأخرجوه، وكان شجاعا جبارا مقداما في الحروب. قاله ذو النسبين في كتابه العلم المشهور وهو كتاب نفيس.
فائدة: كسرى المذكور في الحديث هو جد الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه، وهو الذي أرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم رسوله بكتابه فأخذ الكتاب ومزَّقه فبلغ ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال مزق الله ملكه فلم يأت على ملكه شهر حتى أهلكه الله،
[و] وَلِيَت بعده ابنته فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لن يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة.
(1)
وقال لأصحابه: [إنكم]
(2)
ستفتحون بلاد كسرى ففتحوا بلاده ومزق الله ملكه وأمواله وذخائره وملّك الله المسلمين بلاده إلى يومنا هذا وكان كسرى بعد تمزيق الكتاب [في تلك الليلة] رآى في النوم قائلا يقول له سلم ما في يديك لصاحب الهرواة، فأصبح مرعوبا من شدة الخوف وهول المنام، فأصبح استدعى المعبرين ليعبّروا الرؤيا فقالوا له صاحب الهراوة هو النبي المبعوث في آخر الزمان هذا الذي أرسل إليك كتابه فهاله ذلك وعظم عنده الأمر فلم يتمّ له شهر حتى أهلكه الله. وكان لكسرى قيل خمسون ألف فرس واثنا عشر ألف زوجة وقيل ثلاثة آلاف زوجة، وكان يدعى في زمانه ملك الملوك، وكانت ملوك الأرض تحمل إليه الخراج والعمالات عمالات البلاد، وكان قيصر من جملة من يحمل إليه الخراج والمقوقس صاحب مصر كان يحمل الخراج إلى صاحب قيصر وقيصر يبعث ذلك [إليه] سمعا وطاعة له، فأهلك الله كسرى وقيصر، وقد قال عليه الصلاة والسلام
(3)
: إذا [أهلك] الله كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده لتُنفقَّن كنوزهما في سبيل الله. وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كتبه إلى جماعة من ملوك الأرض يدعوهم إلى الإسلام فلم يجب منهم أحد سوى
(1)
صحيح البخاري (4425 - 7099).
(2)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(3)
صحيح البخاري (3120)، وصحيح مسلم (75)(2918).
النجاشي والنجاشي اسمه بالعربية عطية ذكر ذلك السهيلي وغيره، وهو الذي زوّج النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان وأصدقها النجاشي أربع مائة دينار، وكان أبو سفيان إذ ذاك كافرا فبلغه تزوجيها من النبي صلى الله عليه وسلم فقال ذاك الفحل الذي لا يجدع أنفه، وكسرى هذا قتله بنوه، وأنشد بعضهم:
وكسرى إذ تقسّمه بنوه
…
بأسياف كما انقسم اللحام
تمخضت المنون له [بريب]
…
أتى ولكل حافلة تمام اهـ
ذكره جمال الدين البساطي في شرح البردة، وهو شرح نفيس فيه فوائد جمّة.
4947 -
وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عرض علي ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبا. قلت: لا يا رب، ولكن أشبع يومًا، وأجوع يومًا، وقال ثلاثًا، أو نحو هذا، فإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك، وإذا شبعت شكرتك وحمدتك. رواه الترمذي
(1)
من طريق عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن
(1)
أخرجه الترمذي (2347) وقال الترمذي: هذا حديث حسن، والقاسم هو ابن عبد الرحمن شامي ثقة، وعلي بن يزيد ضعيف الحديث وأخرجه ابن المبارك في الزهد (زوائد نعيم بن حماد ص 54)، وابن سعد (1/ 381)، وأحمد (5/ 254)، وأبو الشيخ في أخلاق النبي (843)(844)، والروياني (1222)، والطبراني في المعجم الكبير (8/ 207/ 7835)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 133)، والبيهقي، في شعب الإيمان (1394 و 9925)، والبغوي (4044)، وفي الشمائل (427)، والشجري في أماليه (2/ 208)، وأبو القاسم الأصبهاني في الترغيب (889) وقال ابن القطان في الوهم والإيهام (3/ 606 - 607): الحديث ضعيف لأنه من رواية يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب =
القاسم عنه، وقال: حديث حسن.
قوله: "وعن أبي أمامة" تقدم الكلام على مناقبه، قوله: صلى الله عليه وسلم: عرض عليّ ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبا، تقدم هذا الحديث قريبًا. وبطحاء مكة موضع مشهور بمكة.
فائدة: فإن قال قائل ما الحكمة في اختيار الله تعالى الفقر لنبيه صلى الله عليه وسلم واختياره الفقر لنفسه؟ فالجواب عنه من وجوه:
أحدها: أنه لو كان غنيا لقصده قوم طمعا في الدنيا فاختار الله الفقر له حتى أن كل من قصده علم الخلائق أنه قصده طلبا للعُقبى.
الثاني: ما قيل أن الله عز وجل اختار الفقر له نظرا لقلوب الفقراء حتى يتسلى الفقير بفقره كما يتسلى الغني بماله.
الثالث: أن المال لا يخلو من أحد أمرين حرام أو حلال فحرامه عذاب وحلاله حساب وقد نزهه الله تعالى عن الحرام والعذاب ولو كان حلالا لكان مشتغلا بالحساب يوم القيامة ولم [يتفرغ] إلى شفاعة أمته فأفقره الله تعالى في الدنيا ليكون فارغا في القيامة إلى شفاعة أمته صلى الله عليه وسلم.
الرابع: ما قيل إن فقره دليل على هوان الدنيا على الله عز وعلا وهو ما قال صلى الله عليه وسلم: لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء.
(1)
= (1902)، و (ضعيف - المشكاة 5190/ التحقيق الثاني)، وقال في ضعيف الجامع الصغير (3704): ضعيف جدًا.
(1)
أخرجه ابن ماجه (4110)، والترمذي (2320) وقال: حديث صحيح غريب، وأخرجه =
الخامس: فيه دليل على تفضيل الفقر على الغنا إذا كان الفقر حال أفضل الخلائق وهو النبي صلى الله عليه وسلم فعلم بذلك أن الفقر أفضل والله أعلم. اهـ.
4948 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه مر بقوم بين أيديهم شاة مصلية فدعوه، فأبى أن يأكل، وقال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا، ولم يشبع من خبز الشعير. رواه البخاري
(1)
والترمذي
(2)
. [مصلية]: أي مشوية.
4949 -
وَرُوِيَ عَن سهل بن سعد رضي الله عنه قَالَ مَا شبع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي يَوْم شبعتين حَتَّى فَارق الدُّنْيَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ
(3)
.
4950 -
وَرُوِيَ أَيْضًا عَن عمرَان بن حُصَيْن رضي الله عنه قَالَ: وَالله مَا شبع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من غداء وعشاء حَتَّى لَقِي الله عز وجل
(4)
.
= العقيلي في الضعفاء (3/ 46)، والروياني (1059)، والحاكم في المستدرك (4/ 320) وصححه، والطبراني في الكبير (12/ 348/ 5840)، وأبو نعيم في الحلية (3/ 253)، والبيهقي، في شعب الإيمان (9981 و 9982)، والبغوي (4027)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (5292)، والصحيحة (943)، وصحيح الترغيب والترهيب (3240).
(1)
صحيح البخاري (5414).
(2)
لعله وهم، انظر: صحيح الترغيب والترهيب (3267).
(3)
أخرجه ابن سعد في الطبقات (1/ 407)، والطبراني في الكبير (6/ 160 رقم 5848). قال الهيثمي في المجمع 10/ 313: رواه الطبراني، وفيه عبد الحميد بن سليمان، وهو ضعيف. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (3268).
(4)
أخرجه البزار (3606)، والطبراني في الكبير (18/ 139 رقم 391). قال الهيثمي في المجمع 10/ 313: رواه الطبراني، وفيه عمرو بن عبيد، وهو متروك. وضعفه الألباني جدًا في ضعيف الترغيب (1903).
قوله: "وعن أبي هريرة" تقدمت ترجمته. قوله رضي الله عنه: "أنّه مرّ بقوم بين أيديهم شاة مصليّة فدعوه فأبى أن يأكل" الحديث، مصلية هو بفتح الميم وإسكان الصاد المهملة وكسر اللام وتشديد الياء المثناة تحت، [اهـ.]
(1)
أي مشوية، قاله الحافظ. وقال في النهاية
(2)
: [يقال]
(3)
صليت اللحم بالتخفيف أي شويته، فهو مصلي فأما إذا أحرقته وألقيته في النار قلتَ صلّيتَه بالتشديد وأصليته وصليت العصي بالنار أيضًا إذا لينتها وقوّمتها وفيه من المسهلات الاتباع والاقتداء وفيه روائح {وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ}
(4)
الآية.
فائدة: في سنن أبي داود
(5)
وغيرها أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدت له يهودية بخيبر شاة مصلية سمتها فأكل منها وأكل رهط من أصحابه فمات بشر بن الوراء
(6)
بن معرور فأرسل إلى اليهودية فقال ما حملك على صنعت؟ فقالت: قلت: إن كان نبيا فلن يضره وإن لم يكن نبيًّا استرحنا منه. فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(2)
النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 50).
(3)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(4)
سورة التوبة، الآية:120.
(5)
أخرجه أبو داود (4510)، والدارمي (69) والبيهقي (8/ 46) وفي الدلائل (4/ 262)، وقال الخطابي في معالم السنن (4/ 6): حديث جابر ليس بذاك المتصل لأنَّ الزهري لم يسمع من جابر شيئًا). قال علي بن المديني: سمعت سفيان يقول: كأن عمرو بن دينار أكبر من الزهري، سمع من جابر، والزهري لم يسمع منه. المراسيل لابن أبي حاتم (695). وضعفه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود (4510).
(6)
هكذا هذه العبارة في الأصل وفي النسخة الهندية، ولعله سبق قلم، والصواب:(البراء).
فقتلت، كذا رواه وهو مرسل فإن الزهري لم يسمع من جابر شيئًا والمحفوظ أنه صلى الله عليه وسلم قيل له ألا تقتلها فقال لا كذا رواه البخاري ومسلم
(1)
وجمع البيهقي بينهما بأنه لم يقتلها في الابتداء فلما مات بشر أمر بقتلها وهي زينب بنت الحارث بن سلام. وقال ابن إسحاق إنها أخت مرحب اليهودي، وروى معمر بن راشد عن الزهري أنها أسلمت، اهـ.
(2)
وحديث سهل بن سعد وحديث عمران بن حصين اللذين بعده تقدم معناهما.
4951 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ما كان يبقى على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم من خبز الشعير قليل ولا كثير. رواه الطبراني
(3)
بإسناد حسن.
4952 -
وفي رواية له: ما رفعت مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها فضلة من طعام قط. رواه ابن أبي الدنيا
(4)
إلا أنه قال: وما رفع بين يديه كسرة فضلًا حتى قبض.
قوله: "وعن عائشة" تقدم الكلام عليها. قوله: "ما كان يبقى على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم من خبز الشعير لا قليل ولا كثير" وفي رواية: "ما رفعت مائدة
(1)
أخرجه البخاري (2617)، ومسلم (2190).
(2)
النجم الوهاج في شرح المنهاج (8/ 335)، وحياة الحيوان الكبرى (2/ 60).
(3)
المعجم الأوسط (1567)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 313): رواه الطبراني في الأوسط، وإسناده حسن. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3269).
(4)
البزار كما في كشف الأستار (3668)، والطبراني في المعجم الأوسط (891)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 313): وروى البزار بعضه. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3269).
رسول الله صلى الله عليه وسلم" الحديث، المائدة قيل هي الخِوان الذي يؤكل عليه، وقيل لا يقال لها مائدة إلا إذا كان عليها طعام. وقال أبو حاتم: هو اسم الطعام نفسه، وقاله ابن [قتيبة
(1)
]، وفي حديث آخر: ما أكل على خوان قط، فالمراد بالمائدة هنا السّفر وأشباهها مما يوضع عليه الطعام ويصان عن الأرض من سفرة ومنديل [وشبههما] ولا يقال للخوان مائدة إلا إذا كان عليه طعام [لا خوان الخشبة المعد لذلك، قاله عياض
(2)
رحمه الله تبارك وتعالى].
4953 -
وللترمذي وَحسنه من حَدِيث أبي أُمَامَة قَالَ مَا كَانَ يفضل عَن أهل بَيت النَّبِي صلى الله عليه وسلم خبز الشّعير
(3)
.
4954 -
وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فرأيته متغيرا فقلت: بأبي أنت، مالي أراك متغيرا؟ قال: ما دخل جوفي ما يدخل جوف ذات كبد منذ ثلاث. قال: فذهبت فإذا يهودي يسقي إبلا له، فسقيت له على كل دلو بتمرة، فجمعت تمرا، فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من أين لك يا كعب؟ فأخبرته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتحبني يا كعب؟ قلت: بأبي أنت نعم. قال: إن الفقر أسرع إلى من يحبني من السيل إلى معادنه، وإنه سيصيبك بلاء، فأعد له تجفافا. قال: ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما فعل كعب؟ قالوا: مريض، فخرج
(1)
مشارق الأنوار على صحاح الآثار (1/ 391).
(2)
مشارق الأنوار على صحاح الآثار (1/ 248).
(3)
أخرجه ابن سعد في الطبقات (1/ 401)، وأحمد 5/ 267 (22296)، والترمذي (2359) وفي الشمائل (144). قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (3270).
يمشي حتى دخل عليه، فقال له: أبشر يا كعب، فقالت أمه: هنيئا لك الجنة يا كعب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من هذه المتألية على الله عز وجل؟ قلت: هي أمي يا رسول الله. قال: ما يدريك يا أم كعب لعل كعبا قال ما لا ينفعه، ومنع ما لا يغنيه. رواه الطبراني
(1)
، ولا يحضرني إسناده إلا أن شيخنا الحافظ أبا الحسن رحمه الله كان يقول: إسناده جيد.
قوله: "وعن كعب بن عجرة" تقدم الكلام عليه. قوله: "وإنه سيصيبك بلاء فأعدّ له تجفافا" الحديث. التجفاف بكسر التاء المثناة فوق وإسكان الجيم وبالفاء المكررة ما جلل به الفرس من سلاح وآلة تقيه الجراح وفرس مجفف عليه تجفاف والجمع التجافيف والتاء فيه زائدة وإنما ذكرناه ها هنا حملا على لفظه، اهـ. قاله ابن الأثير
(2)
.
وقال النووي في الرياض
(3)
بعد معنى ما ذكر: وقد يلبسه الإنسان اهـ، والتجفاف يقال له بالفارسية بُركشتُوان. وقال بعض العلماء: التجفاف في قوله: فأعدّ له تجفافا أي آلة تدفع بها عن دينك ضرره من الصبر والقناعة والرضا أي فارفض الدنيا وازهد فيها واصبر على الفقر والتقلل وكفى بالتجفاف عن الصبر لأنه يستر الفقر كما يستر التجفاف البدن. قوله: "من
(1)
أخرجه الطبراني في الأوسط (7157)، وابن أبي الدنيا في الصمت (110)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 314): رواه الطبراني في الأوسط، وإسناده جيد. وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3271): حسن.
(2)
النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 182).
(3)
رياض الصالحين (ص: 178).
هذه المتألّية على الله" تقدم الكلام على ذلك قريبًا.
4955 -
وعن أنس رضي الله عنه قال: لم يأكل النبي صلى الله عليه وسلم على خوان حتى مات، ولم يأكل خبزًا مرققًا حتى مات. وفي رواية: ولا رأى شاة سميطًا بعينه قط. رواه البخاري
(1)
.
قوله: "وعن أنس" تقدم الكلام عليه. قوله: "لم يأكل النبي صلى الله عليه وسلم على خوان حتى مات" الحديث، [والخوان هو بكسر الخاء وضمها لغتان، الكسر أفصح والجمع أخونة وخون]
(2)
. قال الجوهري
(3)
: الخوان الذي يُؤكل عليه معرب. وقال في النهاية
(4)
: الخوان الذي يوضع عليه الطعام عند الأكل [والأكل] عليه لم يزل من آداب المتكبرين وصنع الجبارين لئلا يفتقروا إلى التَّطأطئ عند الأكل، [وقوله:"لم يأكل النبي صلى الله عليه وسلم على خوان حتى مات" الحديث]، وليس المراد بهذا الخوان ما نفاه في الحديث المشهور في قوله: ما أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم على خوان قط، بل شيء نحو من السّفرة، اهـ. وفي حديث آخر: ما أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم على خوان ولا في سُكُرّجة ولا خبز له مرقق، قيل لقتادة على ما تأكلون؟ قال:
(1)
صحيح البخاري (5421).
(2)
حصل تقديم لهذه العبارة في النسخة الهندية، وأدرجت قبل قوله: (وليس المراد بهذا الخوان ما نفاه في الحديث المشهور
…
).
(3)
الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (5/ 2110).
(4)
النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 30).
على السفر. رواه البخاري في الأطعمة
(1)
والترمذي
(2)
وابن ماجه من حديث قتادة عن أنس بن مالك.
قوله: "على السفر"، والسفر جمع سفرة والسفرة الطعام الذي يتخذه المسافر، وأكثر ما عمل في جلد مستدير فنقل اسم الطعام إلى الجلد وسمي به كما سميت المزادة راوية والسكرجة بضم الأحرف الثلاثة الأول، الثلاثة مع تشديد الراء، هكذا ضبطه الحفاظ. وقال ابن مكي: صوابه بفتح الراء وهي قصاع صغار يؤكل فيها وليست بعربية لأن الأكل منها علامة [على]
(3)
البخل وفيها كبير وصغير، فالكبيرة محمل قدر ست أواق والصغيرة قدر ثلاثة أواق، ومعنى ذلك أن العجم كانت تستعملها في الكوامخ وما أشبهها من الجوارشات على الموائد حول الأطعمة للتّشهي والهضم، فأخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأكل على هذه الصفة قط.
تتمة: قال في الإحياء
(4)
من آداب الأكل أن يوضع الطعام على الأرض في سفرة فهو أقرب إلى فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من رفعه على المائدة. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أُتي بطعام وضعه على الأرض
(5)
وهو أقرب إلى التواضع، فإن لم
(1)
صحيح البخاري (5386 - 5415 - 6450).
(2)
سنن الترمذي (2363)، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، وأخرجه ابن ماجه (3292).
(3)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(4)
إحياء علوم الدين (2/ 3).
(5)
قال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: 433): أخرجه أحمد في كتاب الزهد من =
يضعه الآكل على الأرض اقتدى بالنبي صلى الله عليه وسلم وضعه على السفرة فإنه تذكر السفر ويتذكر من السفر سفر الآخرة وحاجته فيه إلى زاد التقوى، وقيل أربعة أحدِثت بعد النبي صلى الله عليه وسلم: الموائد والمناخل والأشنان والشبع، اهـ. [قوله في الحديث:"ولم يأكل خبزا مرققا حتى مات"]
(1)
قال في النهاية
(2)
: الرقاق والمرقق من الخبز هي الأرغفة الواسعة الرقيقة، ويقال لها الرقاق، يقال رقيق ورقاق كطويل وطوال. انتهى.
لطيفة: ورد في الحديث: من أكل وتحتم دخل الجنة، [والتحتم] أكل الحتامة وهي فتات الخبز الساقط على الخوان، اهـ. قاله في النهاية
(3)
.
فائدة: روى أصحاب الكتب الستة
(4)
عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب الحلواء ويشرب العسل. قال العلماء: المراد بالحلواء هنا كل حلو وذكر العسل بعدها تنبيها على شرفه ومزيته وهو من باب ذكر الخاص بعد العام والحلواء بالمد وفيه جواز أكل لذيذ الأطعمة والطيبات من الرزق، وأن ذلك
= رواية الحسن مرسلا ورواه البزار من حديث أبي هريرة نحوه وفيه جماعة وثقه أحمد وضعفه الدارقطني.
(1)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(2)
النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 252).
(3)
النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 338).
(4)
صحيح البخاري (5431 - 5599 - 6972)، وصحيح مسلم (221)(1474)، وابن ماجه (3323)، وأبو داود (3715)، والترمذي (1831)، والنسائي في السنن الكبرى (7519).
لا ينافي الزهد والمراقبة، لا سيما إذا حصل اتفاقا، وفي تاريخ أصبهان
(1)
في ترجمة أحمد بن الحسن عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أوّل نعمة ترفع من الأرض العسل؛ وفي أحاديث الحجاج بن يوسف أنه كتب إلى عامله بفارس ابعث لي من عسل خلار من النحل الأبكار ومن الدّستَسْقار الذي لم تمسّه النار، يريد بالأبكار أفراخ النحل لأن عسلها أطيب وأصفى، [والخلار] موضع بفارس، والدستسقار كلمة فارسية معناها ما عصرته الأيدي، اهـ. قوله:"ولا رأى شاة سميطا بعينه قط" الحديث، أي مشوية، فعيل بمعنى مفعول الشاة الواحدة من الغنم تقع على الذكر والأنثى من الضأن والمعز وأصلها شاهة لأن تصغيرها شويهة والجمع شياه، وقوله سميطا وأصل السمط أن تنزع صوف الشاة المذبوحة بالماء الحار وإنما يفعل بها ذلك في الغالب لتشوى، قاله في النهاية
(2)
. وكذا الجوهري وابن [مندة].
قال ابن بطال
(3)
: في البخاري عن عمرو بن أمية الضمري أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يجتزّ من كتف شاة يأكل منها ودُعِي إلى الصلاة فطرح السكين وصلى فلم يتوضأ فكيف يجمع هذا مع قول أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم ما رأى شاة سميطا
(1)
تاريخ أصبهان (1/ 152)، وابن عدي في الكامل (8/ 142)، وقال: وعلي بن عروة هذا كما قال يَحيى بن مَعين: ليس حديثه بشَيءٍ، وهو ضعيف عن كل من روى عنه، وله غير ما ذكرت من الحديث. حياة الحيوان الكبرى (2/ 472) تنزيه الشريعة (2/ 239).
(2)
النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 400).
(3)
شرح صحيح البخاري لابن بطال (9/ 487).
بعينه قط، [وحديث] أم سلمة
(1)
.
أنها قربت النبي صلى الله عليه وسلم جنبا مشويا فأكل منه ثم قام إلى الصلاة وما توضأ؛ قال الترمذي حديث صحيح غريب ثم أجاب بأن قول أنس يحتمل تأويلين أحدهما أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يتفق له قط أن [سمط] له شاة بكمالها لأنه قد احتز من الكتف مرة ومن الجنب أخرى وذلك لحم غير مسموط لا محالة، والثاني أن أنسا قال لا أعلم ولم يقطع بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأكل لحما مشويا فأخبر بما علم وأخبر عمرو بن أمية وأم سلمة وغيرهما أنهم رأوه صلى الله عليه وسلم يحتز من الكتف والجنب المشوي، وكل واحد أخبر بما علم وليس قول أنس برافع لقول من علم لأن من علم حجة على قول من لم يعلم لأنه زاد [عليه] فوجب قبول الزيادة والمسموطة المشوية بجلدها، قاله في الديباجة، يقال سمطت الجدي أسمطه سمطا إذا نظفته من الشعر بالماء الحار لتشويه فهو
(1)
أخرجه الترمذي (1829)، وفي الشمائل (155)، النسائي (1/ 90)، وفي الكبرى (188)، وابن المنذر في الأوسط (1/ 224)، وأبو يعلى (6985)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 65)، والبيهقي (1/ 154)، والبغوي في شرح السنة (2846)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه وقال ابن عبد البر في التمهيد (3/ 329): حديث صحيح، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه وقال ابن عبد البر: حديث صحيح، وقال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: 842): الترمذي وصححه، وقال ابن حجر في فتح الباري (9/ 552): أخرجه الترمذي وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي (4/ 329)، وصحيح مختصر الشمائل (138).
سميط ومسموط لأن فيه تنعما.
فائدة: سمط الغنم والماعز وذلك بدعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير بعينه شاة سميطا قط كما ذكر في الحديث السّابق، وهو مباح لو سُمط على الوجه الشرعي لكنهم يذبحون الشاة فيخرج الدم المسفوح وتتخبط فيه الذبيحة ثم يلقونها بنجاستها في الدست فيتنجس الماء بتخلل الدم فيه، ثم يخرجون الذبيحة وهي متنجسة فيضعونها في ماء طاهر فإن كان دون القلتين تنجس بها وبأيديهم فيصير الماء نجسا ثم يخرجونه ويبيعونه ويطبخ في الأسواق من غير نكير في ذلك مع أنه لو غسل بعد السمط بماء طاهر لكان في حله وطهارته خلاف، فذهب كثير من العلماء [إلى]
(1)
أنه لا يطهر بالغسل؛ وقال الرافعي وغيره في ذلك وجهين أحدهما يغسل ثم يعصر كالبساط، والثاني يشترط بماء طهور وقطع به القاضي حسين والمتولي واختار الشاشي [الاكتفاء] بالغسل وهو المنصوص فكيف وهو يباع من غير تطهير ويطبخ كذلك عند الشرايحي وعند كثير من الناس، وكثير من الناس لا يغسل اللحم السليخ قبل طبخه سيما من قصد شيّه أو دقّه فإنّه لا يبلّه البتة فيصير نجسا لا يجوز أكله ويتنجس ما يوضع فيه من القدر والأوعية، ومن صلى عقيب أكله قبل أن يغسل فمه منه [فسدت صلاته وإذا بلع ريقه وهو صائم، قبل أن يغسل فمه منه فسد صومه لابتلاع] ريقه المتنجس إلى غير ذلك من المفاسد التي لا تخفى فيجب على القادر إنكار ذلك ومنع من
(1)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
يسمط على هذا الوجه والله أعلم، ذكره [ابن النحاس]
(1)
في [كتاب] التنبيه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
(2)
وهو كتاب نفيس فيه فوائد جمّة والله أعلم.
فائدة تتعلق بالحديث: قال ابن بطال
(3)
: أكل المرقق مباح ولم يجتنب النبي صلى الله عليه وسلم أكله إلا زهدا في الدنيا وتركا للتنعم وإيثارا لما عند الله تعالى كما ترك كثيرا مما كان مباحا له وكذلك الأكل على الخوان مباح أيضًا وليس نفي أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم[يأكل]
(4)
لم يأكل على خوان ولا أكل شاة مسموطة يرد قول من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أكل على خوان وأنه أكل [شواء] وإنما أخبر كل بما علم وهذا ابن عباس يقول
(5)
في الضب أنه أكل على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأثبت له مائدة وقد أنزل الله تعالى على قوم عيسى بن مريم المائدة حين سألوه إياها والمرقق والشاة المسموطة داخل في قول الله عز وجل: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ}
(6)
، فجميع الطيبات حلال أكلها إلا أن يتركها تارك زهدا وتواضعا وشحا على طيباته في
(1)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(2)
تنبيه الغافلين (ص 449 - 450).
(3)
شرح صحيح البخاري لابن بطال (9/ 469).
(4)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(5)
صحيح البخاري (2575 صحيح مسلم (46)(1947).
(6)
سورة الأعراف، الآية:32.
الآخرة أن ينتقصها في الدنيا كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وذلك مباح له
(1)
، اهـ. والله أعلم. قاله في الديباجة.
4956 -
وعن الحسن رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يواسي الناس بنفسه حتى جعل يرقع إزاره بالأدم، وما جمع بين غداء وعشاء ثلاثة أيام ولاء حتى لحق بالله عز وجل. رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الجوع
(2)
مرسلًا.
قوله: "وعن الحسن" هو البصري. قوله: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يواسي الناس بنفسه حتى جعل يرقع إزاره بالأدم" الحديث، المواساة للناس هو معاونة الأصدقاء والمستحقين ومشاركتهم في الأموال والأقوات والإزار هو الذي تستر به العورة ويجوز عقده ليستمسك على عورته ويثبت عليها والأدم هو الجلد.
4957 -
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم النقي من حين ابتعثه الله تعالى حتى قبضه الله، فقيل: هل كان لكم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم منخل؟ قال: ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم منخلا من حين ابتعثه الله تعالى حتى قبضه الله، فقيل: فكيف كنتم تأكلون الشعير غير منخول؟ قال: كنا نطحنه وننفخه، فيطير ما طار، وما بقي ثريناه. رواه البخاري
(3)
.
(1)
التوضيح (26/ 125).
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (16274)، وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (1904).
(3)
صحيح البخاري (5413).
[النقي]: هو الخبز الأبيض الحواري. [ثريناه] بثاء مثلثة مفتوحة وراء مشددة بعدها ياء مثناة تحت ثم نون: أي بللناه وعجناه.
قوله: "وعن سهل بن سعد" تقدم الكلام على مناقبه. قوله: "ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم النقي من حين ابتعثه الله تعالى حتى قبضه" الحديث، [قوله:] النقي هو الخبز الأبيض الحواري، قاله الحافظ، والحوارى الذي نُخل مرة بعد أخرى قاله في النهاية
(1)
.
والحُوارى بالضم وتشديد الواو والراء مفتوحة ما حور من الطعام أي ابيّض وهذا دقيق حواري وحورته [واحوَرَّ أي ابيض، قاله الجوهري
(2)
]
(3)
.
وحديث أبي هريرة
(4)
: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا وما شبع من خبز الشعير، الحديث، وما في معناه. قال ابن بطال: قال الطبري
(5)
: إن قال قائل ما وجه هذه الأخبار ومعانيها وقد علمنا صحة الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدفع مما أفاء الله عليه من بني النضير قوته وقوت عياله قوت سنة ثم يجعل ما فضل في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله وأنه قسم بين أربعة أنفس [زهاء]
(1)
النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 458).
(2)
الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (2/ 640).
(3)
حصل تأخير لهذه الفقرة في النسخة الهندية، وأدرجت بعد قوله:(فغير مستنكر عليهم ضيق يحتاجون معه إلى الاستلاف وإلى طي الأيام اهـ، قاله في الديباجة).
(4)
سبق.
(5)
تهذيب الآثار مسند عمر بن الخطاب (2/ 712 - 713).
ألف بعير [من نصيبه]
(1)
[مما] أفاء الله عليه من أموال هوازن وأنه ساق في حجة الوداع مائة بدنة فنحرها وأطعمها المساكين وأنه كان يأمر للأعرابي بالقطيع من الغنم وهذا شيء يكثر تعداده من عطاياه التي لا يذكر مثلها [عن من] تقدم قبله من ملوك الأمم [السالفة] مع أنه كان بين أرباب الأموال الجسام كأبي بكر وعمر وعثمان مع [بذلهم] مهَجَهم [وأولادهم وأموالهم] وخروج أحدهم من ماله تقربا إلى الله تعالى فكيف بإنفاقها على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه إليها الحاجة [العظمى].
فالجواب: أن كل هذه الأخبار صحاح ولا شيء منها يدفع غيره [ولا يعارضه]
(2)
، فأما حديث سعد
(3)
وهو قوله لقد رأيتني سابع سبعة مع النبي صلى الله عليه وسلم ما لنا طعام إلا ورق الحبلة أو الحبلة حتى يضع أحدنا كما تضع الشاة، الحديث، كما سيأتي أيضًا في الأحاديث بمعناه فإن ذلك في الحين بعد الحين [لأن] من كان له منهم مال كانت تستغرق نوائب [الحقوق] ماله وكذلك مواساة الضيفان [ووفود] العرب إذا قدموا عليهم وكيف لا يكون كذلك فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصدقة فجاء أبو بكر بجميع ماله وعمر بنصف ماله وعثمان جهّز جيش العسرة بألف بعير إلى غير ذلك فإنما كان تعرض له الحاجة في بعض الأحوال؛ وبان بهذا خطأ قول القائل كيف يجوز أن يرهن النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(2)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(3)
صحيح مسلم (15)(2967).
درعه عند يهودي بوسق الشعير وفي الصحابة من أهل الغنا والسعة من لا يُجهل موضعه أم كيف يجوز أنه كان يطوي الأيام ذوات العدد خميصا وأصحابه يَهَبون أموالهم لمن دونه من أصحابه و [من] كان كذلك هو وأصحابه فغير مستنكر عليهم ضيق يحتاجون معه إلى الاستلاف وإلى طي الأيام اهـ، قاله في الديباجة.
قوله: "وما رآى رسول الله صلى الله عليه وسلم منخلا من حين ابتعثه الله تعالى حتى قبضه" الحديث، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولا إلى الناس كافة وهو ابن أربعين سنة وقيل أربعين سنة ويوم وإقامته بمكة بعد النبوءة ثلاث عشرة سنة وقيل عشرا وقيل خمس عشرة ثم هاجر إلى المدينة فأقام به عشر سنين بلا خلاف وقدم المدينة يوم الاثنين لثنتي عشرة خلت من ربيع الأول.
قال الحاكم: وبدأ الوجع برسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت ميمونة يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر، وقبض صلى الله عليه وسلم ضحى يوم الاثنين لثنتي عشرة خلت من ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة ومنها ابتدئ التاريخ. ودفن صلى الله عليه وسلم يوم الثلاثاء حين زالت الشمس وقيل [ليلة] الأربعاء، وتوفي صلى الله عليه وسلم وله ثلاث وستون سنة، وقيل خمس وستون سنة، وقيل ستون، والأول أصح وأشهر. وقد جاءت الأقوال الثلاثة في الصحيح. قال العلماء: وجه الجمع بين الروايات أن من روى ثلاثًا وستين لم يعدّ منها الكسور ومن روى خمسا وستين عدّ سنتي المولد والوفاة ومن روى ستين لم يعدهما والصحيح ثلاث وستون كما تقدم والله أعلم. قوله بها الحديث: "فيطير ما طار وما بقى ثريناه"
الحديث، ثرّيناه بثاء مثلثة مفتوحة وراء مشددة بعدها ياء مثناة تحت ونون أي بللناه وعجناه
(1)
، اهـ. قاله الحافظ. أي عجنّاه بالماء وأصله من الثري وهو التراب النديّ.
4958 -
وروي عن أم أيمن رضي الله عنها أنها غربلت دقيقا، فصنعته للنبي صلى الله عليه وسلم رغيفا، فقال: ما هذا؟ قالت: طعام نصنعه بأرضنا، فأحببت أن أصنع لك منه رغيفا، فقال: رديه فيه، ثم اعجنيه. رواه ابن ماجه
(2)
وابن أبي الدنيا في كتاب الجوع
(3)
وغيرهما.
قوله: "عن أم أيمن" أم أيمن حاضنة النبي صلى الله عليه وسلم يقال اسمها بركة وكنيت به لأنها كانت أوّلا تحت عبيد الحبشي ولدت له أيمن، وفي صحيح مسلم أنها كانت وصيفة لعبد الله بن عبد المطلب وكانت من الحبشة فلما ولدت آمنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت أم أيمن تحضنه حتى كبر صلى الله عليه وسلم فأعتقها وزوجها مولاه زيد بن حارثة فولدت له أسامة، قال أبو عمر: كان النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
مشارق الأنوار على صحاح الآثار (1/ 129)، والبغوي في شرح السنة (11/ 292).
(2)
سنن ابن ماجه (3336).
(3)
الجوع لابن أبي الدنيا (174). والحديث؛ أخرجه ابن المبارك في الزهد والرقائق (2/ 55)، وابن أبي عاصم، في الآحاد والمثاني (3219)، والطبراني في المعجم الكبير (25/ 87/ 223)، وأبو نعيم في الحلية (2/ 68)، وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (4/ 28): هذا إسناد ضعيف لضعفه ابن عطاء واسمه عثمان بن عطاء بن أبي مسلم الخراساني وله شاهد من حديث أنس رواه البخاري في صحيحه وغيره، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2483)، وصحيح الترغيب والترهيب (3274).
يزورها وكذلك فعل أبو بكر وعمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي حديث آخر عن ثابت عن أنس
(1)
قال أبو بكر بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم لعمر انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها [كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يزورها]
(2)
، قال: فلما انتهيا إليها بكت، فقالا لها ما يبكيك؟ ما عند الله خير لرسوله. قالت: إني لأعلم أن ما عند الله خير لرسوله ولكن أبكي لأن الوحي انقطع من السماء. قال فهيّجتهما على البكاء فجعلا يبكيان معها، وتوفيت بعدما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر، هذا كلام الزهري. وذكر ابن الأثير
(3)
أم أيمن فقال: أسلمت قديما من أول الإسلام وهاجرت إلى [الحبشة] وإلى المدينة وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي التي شربت بول النبي صلى الله عليه وسلم وقيل الذي شربته بركة جارية أم حبيبة، وإنما كنيت أم أيمن بابنها أيمن بن عبيد، تزوجها زيد بن حارثة بعد عبيد الحبشي، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أم أيمن أمي بعد أمي، وكان يزورها في بيتها كما تقدم.
قوله: "ما رآى رسول الله صلى الله عليه وسلم منخلا" الحديث، والمنخل الغربال بضم الميم والخاء. قوله:"أنها غربلت دقيقا فصنعته للنبي صلى الله عليه وسلم رغيفا" الحديث، غربلة الدقيق هو نخله بالمنخل.
(1)
صحيح مسلم (103)(2454).
(2)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(3)
أسد الغابة (6/ 303).
4959 -
وَرُوِيَ عَن أبي الدَّرْدَاء رضي الله عنه قَالَ لم يكن ينخل لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم الدَّقِيق وَلم يكن لَهُ إِلَّا قَمِيص وَاحِد رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الصَّغِير والأوسط
(1)
.
4960 -
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: ألستم في طعام وشراب ما شئتم، لقد رأيت نبيكم صلى الله عليه وسلم، وما يجد من الدقل ما يملأ بطنه. رواه مسلم
(2)
والترمذي
(3)
.
4961 -
وفي رواية لمسلم
(4)
عن النعمان قال: ذكر عمر ما أصاب الناس من الدنيا فقال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يظل اليوم يلتوي ما يجد من الدقل ما يملأ بطنه.
[الدقل] بدال مهملة وقاف مفتوحتين: هو رديء التمر.
قوله: "وعن النعمان بن بشير" هو ابن سعد بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي
(1)
أخرجه البزار (4140)، والطبراني في الأوسط (6/ 31 رقم 5704) وابن السنى في القناعة (43). قال البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ إلا عن أبي الدرداء بهذا الإسناد وسعيد بن ميسرة قد حدث عنه يونس بأحاديث لم يتابع عليها، وقد احتملها أهل العلم على ما فيها. وقال الطبراني: لا يروى هذا الحديث عن أبي الدرداء، إلا بهذا الإسناد، تفرد به يونس بن بكير. قال الهيثمي في المجمع 10/ 212: رواه الطبراني في الأوسط والكبير، وفيهما سعيد بن ميسرة، وهو ضعيف. وقال الألباني: موضوع ضعيف الترغيب (1905).
(2)
صحيح مسلم (34)(2977).
(3)
سنن الترمذي (2372)، وقال: وهذا حديث صحيح. وصححه الألباني في صحيح الجامع (4844).
(4)
صحيح مسلم (36)(2977).
أبو عبد الله المدني الأمير وأمه عمرة بنت رواحة أخت عبد الله وهو أول مولود ولد للأنصار بعد الهجرة على رأس أربعة عشر شهرا منها، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن خاله وعمر وعائشة وروى عنه ابنه محمد ومولاه وكاتبه حبيب بن سالم وحميد بن عبد الرحمن وجمع ولِي إمرة الكوفة تسعة أشهر وقضاء دمشق بعد فضالة بن عبيد وحمص ليزيد وكان من أخطب الناس؛ ومن كلامه
(1)
: إن للشيطان مصالي وفخوخا وإن من مصاليه وفخوخه البطر بنعم الله والفخر بعطاء الله والكبر على عباد الله واتباع الهوى في غير ذات الله. قال ابن معين
(2)
: أهل المدينة يقولون: لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم وأهل العراق يصححون سماعه منه، مات سنة أربع وستين وقيل: أول سنة خمسين، خرج من حمص فاتبعه خالد بن خلي الكلاعي فقتله، اهـ.
قوله: "لقد رأيت نبيكم صلى الله عليه وسلم وما يجد من الدقل ما يملأ بطنه" الحديث، الدقل بدال مهملة وقاف مفتوحتين هو ردئ التمر، قاله الحافظ. فالدقل أردى التمر كما تقدم، [والبردي] أجوده، وأدقل النخل إذا أتمر الدقل وجمعه دقل كان أصله دقول فحذفت واوه، قاله صالب المغيث
(3)
أبي القاسم الأصبهاني. وقيل الدقل هو تمر الروم [و] هو يشبه النخل وله حب كبير فيه نوى كبير عليه لحيمة عفصة تؤكل رطبة فإذا يبست صارت تشبه
(1)
الأدب المفرد (553).
(2)
تاريخ الدوري: 2/ 607. انظر تهذيب الكمال (29/ 411).
(3)
المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (1/ 667).
الليف، قاله عياض
(1)
.
4962 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن كان ليمر بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم الأهلة ما يسرج في بيت أحد منهم سراج، ولا يوقد فيه نار إن وجدوا زيتا ادهنوا به وإن وجدوا ودكا أكلوه. رواه أبو يعلى
(2)
، ورواته ثقات إلا عثمان بن عطاء الخراساني وقد وثق.
قوله: "وعن أبي هريرة" تقدم الكلام على مناقبه. قوله: "إن كان لتمرّ بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم الأهلة ما يسرج في بيت أحد منهم سراج" إلى قوله: "وإن وجدوا ودَكًا أكلوه" الحديث. المراد بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم هم زوجاته وأهل بيته صلى الله عليه وسلم، وتقدم الكلام على الآل في الخطبة وغيرها. الودك هو دسم اللحم ودهنه الذي يستخرج منه.
4963 -
وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت أرسل إِلَيْنَا آل أبي بكر بقائمة شَاة لَيْلًا فَأَمْسَكت وَقطع النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَو قَالَت فَأمْسك رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَقطعت قَالَ فَتَقول للَّذي تحدثه هَذَا على غير مِصْبَاح رَوَاهُ أَحْمد وَرُوَاته رُوَاة الصَّحِيح وَالطَّبَرَانِيّ وَزَاد فَقلت يَا أم الْمُؤمنِينَ على مِصْبَاح قَالَت لَو كَانَ عندنَا دهن
(1)
مشارق الأنوار على صحاح الآثار (1/ 262).
(2)
أخرجه أبو يعلى (6478)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 325) رواه أبو يعلى، وفيه عثمان بن عطاء الخراساني، وهو ضعيف، وقد وثقه دحيم، وبقية رجاله ثقات. وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (7/ 464): رواه أبو يعلى بسند ضعيف لضعف عثمان بن عطاء الخراساني. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (1906).
غير مِصْبَاح لأكلناه
(1)
.
4963 -
وعن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول: والله يا ابن أختي إن كنا لننظر إلى الهلال، ثم الهلال، ثم الهلال ثلاثة أهلة في شهرين، وما أوقد في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار. قلت: يا خالة، فما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان: التمر والماء إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار: وكانت لهم منايح فكانوا يرسلون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانها فيسقيناه. رواه البخاري
(2)
ومسلم
(3)
.
قوله: "وعن عروة عن عائشة"، وعروة هو ابن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصى القريشى الأسدى المدنى التابعى الجليل. فقيه المدينة، أحد الفقهاء السبعة فقهاء المدينة قال ابن شهاب: كان عروة بحرا لا يكدر. وقال ابنه هشام: والله ما تعلمنا منه جزء من ألفى جزء من
(1)
أخرجه إسحاق (1682) و (1733)، وأحمد 6/ 94 (24631) و 6/ 217 (25825) والزهد (161)، والطبراني في الأوسط (8/ 360 رقم 8872).
قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن يونس بن عبيد إلا عدي بن المفضل، تفرد به: أسد بن موسى وروى هذا الحديث سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال، عن أبي بردة، عن عائشة. وقال الهيثمي في المجمع 10/ 321 - 322: رواه أحمد، والطبراني في الأوسط، وزاد: فقلت: يا أم المؤمنين، على مصباح؟! قالت: لو كان عندنا دهن مصباح لأكلناه. ورجال أحمد رجال الصحيح. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (3276).
(2)
صحيح البخاري (2567 - 6459).
(3)
صحيح مسلم (28)(2972).
حديثه. وقال ابن عيينة: كان أعلم الناس بحديث عائشة ثلاثة: القاسم، وعروة، وعمرة. وقال ابن سعد: كان ثقة، كثير الحديث، فقيها، عالما، مأمونا، ثبتا، ومناقبه كثيرة مشهورة، وهو مجمع على جلالته، وعلو مرتبته، ووفور علمه. قال الجمهور: توفى سنة أربع وتسعين. وقال البخاري: سنة تسع وتسعين، رحمه الله.
قوله: "إن كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلة في شهرين"، الحديث، فنفي الشبع في الأول دليل على تقلل المأكول ونفي الإيقاد دال على خشونة العيش، والله أعلم. قوله:"قلت يا خالة فما كان يغنيكم؟ قالت: الأسودان: التمر والماء" الحديث.
وفي حديث آخر
(1)
: "توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما شبع من الأسودين" أي ما كنا نشبع من التمر والماء من التضرع [والتقوى]. وروى الترمذي في التفسير من جامعه
(2)
عن عبد الله بن الزبير بن العوام عن أبيه قال: لما نزلت {ثُمَّ
(1)
لم أجده والمشهور غيره انظر: البخاري (6455)، ومسلم (29)(2974).
(2)
سنن الترمذي (3356)، وقال: هذا حديث حسن والحديث؛ أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (2/ 393)، والحميدي (61)، ابن أبي شيبة (13/ 231) وأحمد (1405)، وابن ماجه (4158)، وابن أبي الدنيا في الإشراف في منازل الأشراف (214)، والبزار (963)، والطبراني (14887)، وأبو يعلى (676)، والطبري في التفسير (30/ 288)، وابن أبي حاتم في تفسيره (10/ 3461)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (461) والواحدي في الوسيط (4/ 549)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 142) رواه الطبراني، وفيه إبراهيم بن بشار الرمادي، وثقه ابن حبان وغيره، وضعفه أحمد وغيره، وبقية رجاله =
لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)}
(1)
، قال الزبير: وأي نعيم نسأل عنه، وإنما هما الأسودان التمر والماء؟ قال: أما إنه سيكون، اهـ. فالأسودان التمر والماء لأن الغالب على تمر المدينة [السواد فأطلق عليه وعلى الماء من باب التغليب كالقمرين والعمرين، اهـ]
(2)
. وقيل الأسودان الشرب للماء والسواد للتمر [دون الماء]
(3)
، فوصفا بوصف واحد والعرب تفعل ذلك [في التسامي باسم واحد، والأسودان أطلق على التمر والماء من باب التغليب كالقمرين والعمرين، لأن الغالب على تمر المدينة السواد، انتهى]، [تسمي الشيئين باسم واحد]
(4)
.
فائدة: روى ابن عدي
(5)
بسند فيه عصمة بن محمد بن فضالة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كلوا التمر على الريق فإنه يقتل الدود.
= ثقات. وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (340).
(1)
سورة التكاثر، الآية:8.
(2)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(3)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(4)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(5)
ابن عدي في الكامل (8/ 527)، وابن الجوزي في الموضوعات (3/ 25)، وقال: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال يحيى بن معين: عصمة بن محمد كذاب يضع الحديث. وقال العقيلي: حدث بالبواطيل عن الثقاة.
وقال الدارقطني: متروك. وقال الألباني في ضعيف الجامع (4200)، والضعيفة (232): موضوع.
4964 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: من حدثكم أنا كنا نشبع من التمر فقد كذبكم، فلما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم قريظة أصبنا شيئا من التمر والودك. رواه ابن حبان في صحيحه
(1)
.
قوله: "وعن عائشة تقدم الكلام على مناقبها"، قوله:"فلما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم قريظة أصبنا شيئا من التمر والودك" الحديث. قريظة بضم القاف وفتح الراء وسكون التحتانية وبالمنقطة قبيلة عظيمة من يهود خيبر.
4965 -
وعن أبي طلحة رضي الله عنه قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع، ورفعنا ثيابنا عن حجر حجر على بطوننا، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حجرين. رواه الترمذي
(2)
.
قوله: "وعن أبي طلحة"، أبو طلحة زيد بن سهل الأنصاري الخزرجي، شهد المشاهد، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لصوتُ أبي طلحة في الجيش خير من
(1)
أخرجه ابن حبان (684)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (3278)، وصحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان (2/ 491/ 2146).
(2)
أخرجه الترمذي (2371)، وفي الشمائل (371)، والحديث؛ أخرجه البغوي (4079)، وقال أبو عيسى الترمذي: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
قال أبو زرعة، وأبو حاتم، الرازيان: هذا خطأ، إنما هو عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ليس فيه: عن أبي طلحة. قال ابن أبي حاتم: قلت لأبي: الوهم ممن هو؟ قال: من سيار. وقلت لأبي زرعة: الوهم من سيار؟ فقال: سيار يقول هكذا. علل الحديث (1805). وضعفه الألباني في السلسلة الصحيحة (1615)، وضعيف سنن الترمذي (ص: 267)، وضعيف الترغيب والترهيب (1907).
مائة رجل، وقتل يوم حُنين عشرين رجلا وأخذ أسلابهم وكان يجثو بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحرب ويقول: نفسي لنفسك الفداء ووجهي لوجهك الوفاء، ثم ينثر كنانته بين يديه وكان عليه [الصلاة والسلام] يرفع رأسه من خلفه ليرى مواقع النبل فكان رضي الله عنه يتطاول بصدره ليقي به رسول الله صلى الله عليه وسلم، اهـ. قاله الكرماني
(1)
.
قوله: "شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع ورفعنا ثيابنا عن حجر حجر على بطوننا فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حجرين" الحديث. قال بعض العلماء قلت رواه الترمذي في الزهد، وقال ابن حبّان
(2)
في الكلام على حديث: إني لست كأحدكم إني أُطعم وأُسقى. هذا الحديث دليل على أن الأخبار التي فيها ذكر وضع النبي صلى الله عليه وسلم الحجر على بطنه كلها [أباطيل]
(3)
وإنما معناها الحجز بالزاي المعجمة لا الحجر والحُجز طرف الإزار إذا الله جلّ وعلا كان يطعم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسقيه إذا واصل فكيف يتركه جائعا مع عدم الوِصال حتى يحتاج إلى شد حجر بطنه [الشريف] وما يغني الحجر عن الجوع، اهـ. وما قاله متعقب من وجوه منها: أن الجوهري
(4)
وابن الأثير
(5)
(1)
الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (7/ 82).
(2)
صحيح ابن حبان (8/ 344) عقب الحديث (3579)، وانظر: طرح التثريب في شرح التقريب (4/ 133).
(3)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(4)
الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (3/ 872).
(5)
النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 344).
قالا أن الحجزة موضع شد الإزار وتجمع على حجز فقياس ما قالا أن تكون تثنية حجزة حجزتين وهو خلاف الرواية.
ومنها أنه قد جاء في صحيح مسلم
(1)
عن أنس قال جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فوجدته جالسا مع أصحابه يحدثهم وقد عصب بطنه بعصابة فقلت لأصحابه لم عصب رسول الله صلى الله عليه وسلم بطنه قالوا من الجوع وسيأتي هذا الحديث بعد هذا.
سؤال: فإن قيل ما الحكمة في أنه صلى الله عليه وسلم كان يشد الحجر على بطنه من الجوع؟ فالجواب عنه من وجوه:
أحدها: أنه كان يستر حاله في الجوع والضعف عن الأعداء بشد الحجر حتى كان يقيم صلبه من الانحناء.
الثاني: ما روي أنه كان حجرا من الجنة فكان يشده على بطنه ليأنس به لا للجوع.
الثالث: كما أن حجر المغناطيس يجذب الحديد إلى نفسه بخاصية له [كذلك ذاك] الحجر يجذب الجوع إلى نفسه بخاصية له.
الرابع: أن أصل الأحجار الجبال وقد جعل الله الجبال أوتادا فهو في ذلك يعلم من ربه فجعل الحجر الذي هو بعض الجبال عمادا لنفسه وكان الحجر عماد نفسه والحق عماد قلبه.
الخامس: دفع الله عز وجل ببركته إمطار الحجارة عن عصاة أمته فجعل الشكر
(1)
صحيح مسلم (6).
على ذلك أن شد وسطه بالحجر لئلا ينسى شكر ربه على ذلك في كل حال.
السادس: أن الله عز وجل وصف بعض الحجارة بالخشية فقال: {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}
(1)
فتبرك بالخشية من غير المكلف فكان يربط ذلك ليكون [برًّا] على الخشية. السابع: ما روي أنه صلى الله عليه وسلم، قال
(2)
: كان حجر يسلِّم علي قبل أن أبعث وإني لأعرفه الآن، فيحتمل أنه اتخذه عدّة لوقت الشدّة، اهـ. والله أعلم. ذكره [الثعلبي] في المسائل التي التقطها من الكتب والتفاسير.
[قوله: "وعن أنس" تقدم الكلام عليه.
عن عائشة، أنها كانت تقول: والله يا ابن أختي إن كنا لننظر إلى الهلال، ثم الهلال، ثم الهلال، ثلاثة أهلة في شهرين، وما أوقد في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار، قال: قلت: يا خالة فما كان يعيشكم؟ قالت: "الأسودان التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار، وكانت لهم منائح، فكانوا يرسلون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانها، فيسقيناه".
(3)
قوله في بقية الحديث: "إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار وكانت لهم منائح فكانوا يرسلون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانها فسقيناه المنائح" جمع منيحة، والمنيحة الناقة أو الشاة أو الأرض يستعيرها الإنسان
(1)
سورة البقرة، الآية:74.
(2)
صحيح مسلم (2)(2277).
(3)
صحيح البخاري (2567)، وصحيح مسلم (28)(2972).
ليأكل لبنها أو يزرعها ثم يردها لمالكها. والله أعلم. فالمنيحة هي تمليك المنافع لا تمليك الرقاب، والسنة أن يرد المنحة إلى صاحبها إذا استغنى عنها كما ردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم والمنحة من باب الصلات لا من باب الصدقات وإلا لكانت عليه صلة الله عليه وسلم حراما فلا يجوز له قبولها]
(1)
.
4966 -
وعن أنس رضي الله عنه قال: جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فوجدته جالسا، وقد عصب بطنه بعصابة، فقلت لبعض أصحابه: لم عصب رسول الله صلى الله عليه وسلم بطنه؟ فقالوا: من الجوع، فذهبت إلى أبي طلحة، وهو زوج أم سليم، فقلت: يا أبتاه قد رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عصب بطنه بعصابة، فسألت بعض أصحابه فقالوا: من الجوع، فدخل أبو طلحة على أمي فقال: هل من شيء؟ فقالت: نعم عندي كسر من خبز وتمرات، فإن جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده أشبعناه، وإن جاء آخر معه قل عنهم. فذكر الحديث رواه البخاري ومسلم
(2)
.
قوله: "وعن أنس" تقدم الكلام عليه. قوله: "جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته جالسا وقد عصب بطنه بعصابة فقلت لبعض أصحابه لم عصَّب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: من الجوع" الحديث، يقال: عصَّب وعصَب بالتشديد والتخفيف. قوله: "فذهبت إلى أبي طلحة وهو زوج أم سُليم" تقدم الكلام على أبي طلحة واسمه زيد وأم سليم أم أنس بن مالك بن ملحان النجارية الأنصارية، اسمها سهلة أو رُميلة أو رُميثة بالراء فيهما وبالمثلثة في الثاني، أو
(1)
سقطت هذه الفقرة من النسخة الهندية.
(2)
صحيح مسلم (6).
مليكة أو الغميصاء أو الرميصاء، بالصاد المهملة فيهما. تزوجها مالك بن النضر بالضاد المعجمة، أبو أنس بن مالك، فولدت له أنسا ثم قتل عنها مشركا، فأسلمت فخطبها أبو طلحة وهو مشرك فأبت ودعته إلى الإسلام فأسلم فقالت إني أتزوجك ولا [آخذ] منك صداقا لإسلامك فتزوجها أبو طلحة. روي لها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة عشر حديثا، خرّج البخاري منها ثلاثة، وهي من فاضلات الصحابيات رضي الله عنها، قاله الكرماني
(1)
. وتقدم الكلام عليها. وفي هذا الحديث دليل على حصول الجوع له تعظيما واختيارا منه وإيثار الثواب الآخرة، والله أعلم.
ومنها ما جاء في الصحيح من خروج أبي بكر في الهاجرة وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده ما أخرجني إلا الجوع، وقد أخرجه ابن حبان في صحيحه
(2)
لكنه قد يجاب عن ذلك بأنه يجوز أن يقال أن الجوع في الحديث أشار به إلى الجوع الذي لحقهم. وبالجملة فالجوع إن قيل به في حقه صلى الله عليه وسلم فهو اختياري لا اضطراري، وكان صلى الله لم يقدر على دفعه لكنه يؤثر ذلك وهو في حقه أفضل، ويشبع في وقت آخر وهو في حقه أفضل باختلاف الحالات التي اختارها صلى الله عليه وسلم. والله أعلم.
4967 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، وجبريل عليه السلام على الصفا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا جبريل: والذي بعثك بالحق ما أمسى
(1)
الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (2/ 159).
(2)
ابن حبان (5216) من حديث ابن عباس، وقال: خبر غريب.
لآل محمد سفة من دقيق ولا كف من سويق فلم يكن كلامه بأسرع من أن سمع هدة من السماء أفزعته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمر الله القيامة أن تقوم؟ قال: لا ولكن أمر إسرافيل، فنزل إليك بمفاتيح خزائن الأرض، وأمرني أن أعرض عليك أن أسير معك جبال تهامة زمردًا وياقوتًا وذهبًا وفضة فعلت، فإن شئت نبيًّا ملكًا، وإن شئت نبيًّا عبدًا فأومأ إليه جبريل أن تواضع فقال: بل نبيا عبدا ثلاثا. رواه الطبراني
(1)
بإسناد حسن والبيهقي في الزهد
(2)
وغيره.
4968 -
ورواه ابن حبان في صحيحه
(3)
مختصرًا من حديث أبي هريرة، ولفظه قال: جلس جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فنظر إلى السماء، فإذا ملك ينزل، فقال له جبريل: هذا الملك ما نزل منذ خلق قبل الساعة، فلما نزل قال: يا محمد أرسلني إليك ربك أملكا أجعلك أم عبدًا رسولًا؟ قال له جبريل: تواضع لربك يا محمد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، بل عبدا رسولًا.
قوله: "عن ابن عباس" تقدم الكلام على مناقبه. قوله: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
الطبراني في الأوسط (6933)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 315): رواه الطبراني في الأوسط، وفيه سعدان بن الوليد، ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح.
(2)
أخرجه البيهقي في الزهد (447)، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (2044)، وضعيف الترغيب والترهيب (1908).
(3)
ابن حبان (6365)، وأخرجه أحمد (7160)، وابن أبي الدنيا في التواضع (125)، والبزار (كشف 2462)، وأبو يعلى (6155)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3280)، وصحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان (2/ 321)، والتعليق الرغيب (3/ 112)، الصحيحة (1002).
ذات يوم وجبريل على الصفا"، [الحديث، الصفا] موضع معروف بمكة، تقدم. قوله: "فبعثني إليك بمفاتيح خزائن الأرض" الخزائن المعادن، والمراد البلدان التي فيها أو المراد هو الممالك التي فتحت لأمته [فغنموها، كذا في جمل الغرائب، وقيل أراد ما سهل الله له ولأمته]
(1)
من افتتاح البلاد المتعذرات واستخراج الكنوز الممتنعات، كذا في النهاية
(2)
. وفي حديث آخر: أتيت بمفاتيح خزائن الأرض فَتُلَّت في يدي أي ألقيت، وقيل التل الصب فاستعاره للإلقاء، يقال تل يتل إذا صب، وتل يتل إذا سقط، وأراد ما فتحه الله لأمته بعد وفاته من خزائن ملوك الأرض، قاله في النهاية أيضًا
(3)
. [قوله: "وأوتيت خزائن الأرض"، وفي رواية "مفاتيح". قال العلماء: هذا محمول على سلطانها وملكها وفتح بلادها وأخذ خزائن ملوكها وأموالها وقد وقع ذلك كله ولله الحمد. وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم
(4)
: زويت له مشارق الأرض ومغاربها، وقال: سيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها، وإنكم ستفتحون مصر وهي أرض فيها القيراط، وإن عيسى سينزل على المنارة البيضاء شرقي دمشق. زويت معناه جمعت. يقال زويته أزويه زيا والله أعلم]
(5)
.
(1)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(2)
النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 407).
(3)
النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 195).
(4)
صحيح مسلم (19)(2889).
(5)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
قوله: "فأومأ إليه جبريل أن تواضع، فقال: بل نبيا عبدًا، قالها ثالثا" لما خيّر النبي صلى الله عليه وسلم بين أن يكون ملكا نبيا ونبيا عبدا فاختار أن يكون نبيا عبدا لعلمه صلى الله عليه وسلم بشرف العبودية لله عز وجل وقد تقدم الكلام على العبودية في الخطبة مبسوطًا، واعلم أن لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم أسماء كثيرة نحو الألف أو كما ذكر وأن أشرفها عبد الله وذلك أنه صلى الله عليه وسلم لم يُدع بهذا الاسم إلا في أشرف مقاماته وهي مقام الإسراء ونحوه، ومقالم الاحتجاج على رسالته بمعجزات القرآن ومقام دعاء المكلفين إلى الإيمان بتلاوة القرآن، ففي المقام الأول وهو مقام الإسراء دعي بـ {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}
(1)
، الآية، {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10)}
(2)
.
وفي المقام الثاني وهو مقام الاحتجاج، قال الله عز وجل:{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا}
(3)
، الآية.
وفي المقام الثالث [وهو مقام]
(4)
دعاء المكلفين إلى الإيمان بتلاوة القرآن {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ}
(5)
، الآية. يعني الجن لما دعاهم إلى الإيمان، وفي هذا المعنى قال القائل:
(1)
سورة الإسراء، الآية:1.
(2)
سورة النجم، الآية:10.
(3)
سورة البقرة، الآية:23.
(4)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(5)
سورة الجن، الآية:19.
يا قوم قلبي عند زهرا
…
يعرفه السامع والرائي
لا تدعني إلا بيا عبدها
…
فإنه أشرف أسمائي
والسبب في ذلك أن الإلهية والسيادة والربوبية إنما هي في الحقيقة لله عز وجل لا غير، والعبودية في الحقيقة لمن دونه فإذا كان في مقام العبودية فهو في رتبة الحقيقية والرتب الحقيقية أشرف المراتب إذ ليس بعد الحقيقة إلا المجاز ولا بعد الحق إلا الضلال، اهـ. قاله الطوفي في شرح الأربعين النواوية
(1)
.
4969 -
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتيت بمقاليد الدنيا على فرس أبلق على قطيفة من سندس رواه ابن حبان في صحيحه
(2)
.
قوله: "وعن جابر بن عبد الله" تقدم الكلام على مناقبه. قوله صلى الله عليه وسلم: "أتيت بمقاليد الدنيا على فرس أبلق على قطيعة من سندس" الحديث، المقاليد المفاتيح، ومنه قوله تعالى:{لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}
(3)
، [والقطيفة
(1)
التعيين (ص 8 - 9).
(2)
أخرجه ابن حبان (6364) والحديث؛ أخرجه أحمد (14513)، وابن أبي عاصم، في الزهد (207)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 179)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 20) رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (132)، وفي السلسلة الضعيفة (1720)، وضعيف الترغيب والترهيب (1909).
(3)
الزمر: 63 والشورى: 12.
كساء أبيض كبير] والخميصة كساء مربع له أعلام والسندس مارق من الديباج ورفُع، قاله ابن الأثير
(1)
.
4970 -
وروي عن عائشة رضي الله عنها قالت: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدح فيه لبن وعسل فقال: شربتين في شربة، وأدمين في قدح، لا حاجة لي به، أما إني لا أزعم أنه حرام، ولكن أكره أن يسألني الله عز وجل عن فضول الدنيا يوم القيامة، أتواضع لله، فمن تواضع لله رفعه الله، ومن تكبر وضعه الله، ومن اقتصد أغناه الله، ومن أكثر ذكر الموت أحبه الله، رواه الطبراني في الأوسط
(2)
.
قوله: "وروي عن عائشة" تقدم الكلام على ترجمتها رضي الله عنها. قوله: "وفي الحديث: ومن اقتصد أغناه الله" الاقتصاد هو التوسط.
4971 -
وعن سلمى امرأة أبي رافع قالت: دخل علي الحسن بن علي وعبد الله بن جعفر، وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم فقالوا: اصنعي لنا طعاما مما كان يعجب النبي صلى الله عليه وسلم أكله، فقالت: يا بني إذا لا تشتهونه اليوم، فقمت فأخذت شعيرا فطحنته ونسفته وجعلت منه خبزة، وكان أدمه الزيت، ونثرت عليه الفلفل فقربته إليهم وقلت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب هذا. رواه الطبراني
(3)
(1)
النهاية (2/ 409).
(2)
المعجم الأوسط (4894)، وأخرجه ابن شاهين في الترغيب في فضائل الأعمال (159 قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 325): رواه الطبراني في الأوسط، وفيه نعيم بن مورع العنبري، وقد وثقه ابن حبان، وضعفه غير واحد، وبقية رجاله ثقات. وقال الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (1910): ضعيف جدًا.
(3)
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (24/ 299/ 759)، وأخرجه الترمذي في الشمائل =
بإسناد جيد.
قوله: "وعن سلمى امرأة أبي رافع" وأبو رافع من الموالي واسمه أسلم، وقيل: إبراهيم، وقيل: ثابت، وقيل: هرمز، شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا، والخندق، والمشاهد بعدها، وزوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم مولاته سلمى، فولدت له عبيد الله بن أبي رافع، وشهد أبو رافع فتح مصر، وتوفى بالمدينة قبل قتل عثمان، وقيل: بعده، وكان أبو رافع مملوكا للعباس، فوهبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أسلم العباس أعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
.
قولها: قالت دخل عليّ الحسن بن علي وعبد الله بن جعفر وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم، الحسن بن علي هو سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان شبيها به عليه الصلاة والسلام، قاسم الله تعالى ماله ثلاث مرات فيتصدق بنفسه حتى كان يؤثر بنعل ويمسك نعلا، وخرج من ماله كله مرتين، وكان غاية في الورع حتى ترك الدنيا والخلافة لله تعالى، كان سبعة أشهر خليفة للمسلمين فترك الأمر لمعاوية [رضي الله تعالى عنهما]، وظهر بذلك معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما
= (178)، والقفال في شمائل النبوة (408)، والبغوي في الأنوار (2/ 625)، وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (4/ 297): أبو يعلى الموصلي رواه الطبراني بإسناد جيد. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 325): رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح غير فايد مولى ابن أبي رافع، وهو ثقة. وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (6888)، وضعيف الترغيب والترهيب (1911).
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (2/ 230).
قال
(1)
: إن ابني هذا سيد لعل الله تعالى يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين. وفضائله لا تُعدُّ ومناقبه لا تُحدّ، وُلِد رضي الله عنه سنة ثلاث ومات سنة خمسين، قاله الكرماني
(2)
. وعبد الله بن جعفر وابن عباس [فقد] تقدم الكلام على مناقبهما. قوله: "فقالوا اصنعي لنا طعامًا مما كان يعجب النبي صلى الله عليه وسلم أكله. قالت يا بُني إذا لا تشتهونه اليوم" الحديث.
4972 -
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أخفت "1" في الله وما يخاف أحد، ولقد أوذيت (2) في الله وما يؤذى أحد، ولقد أتت علي ثلاثون من بين يوم وليلة وما لي ولبلال طعام يأكله ذو كبد (3) إلا شيء يواريه إبط بلال. رواه الترمذي
(3)
وابن حبان في صحيحه
(4)
، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
(1)
صحيح البخاري (2704).
(2)
الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (8/ 36).
(3)
أخرجه الترمذي (2472) وفي الشمائل (376)، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وأخرجه ابن أبي شيبة (31704 و 36566)، وأحمد (12212/ 12213 و 14055)، وعبد بن حميد (1317) وحماد بن إسحاق في تركة النبي (ص 59)، وابن ماجه (151)، والبزار (3205)، وأبو يعلى (3423)، وابن حبان (6560)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 150 و 252)، والبيهقي في شعب الإيمان (1516)، والبغوي في شرح السنة (4080)، وفي الشمائل (444). وصححه الألباني في صحيح الجامع (5125)، وصحيح الترغيب والترهيب (3281)، ومختصر الشمائل (116).
(4)
ابن حبان (6560).
[ومعنى هذا الحديث] حين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم هاربا من مكة، ومعه بلال إنما كان مع بلال من الطعام ما يحمل تحت إبطه، انتهى.
قوله: "وعن أنس" تقدم الكلام على ترجمته. قوله صلى الله عليه وسلم: "لقد أخفتُ في الله وما يخاف أحد، ولقد أوذيتُ في الله تعالى وما يؤذى أحد"[الحديث]، معنى أخفت في الله أي في دين الله فإنهم منعوه من إمضاء دين الله.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ولقد أتت عليّ ثلاثون من يوم وليلة ومالي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا شيء يواريه إبط بلال"، ومعنى هذا الحديث حين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم هاربا من مكة ومعه بلال إنما كان مع بلال من الطعام ما يحمل تحت إبطه، اهـ. قاله الحافظ.
4973 -
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: نام رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير، فقام وقد أثر في جنبه. قلنا يا رسول الله: لو اتخذنا لك وطاء؟ فقال: مالي وللدنيا ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة، ثم راح وتركها. رواه ابن ماجه
(1)
والترمذي
(2)
، وقال: حديث حسن صحيح.
(1)
ابن ماجه (4109).
(2)
الترمذي (2377)، وقال: هذا حديث حسن صحيح. والحديث؛ أخرجه ابن المبارك في الزهد والرقائق لنعيم بن حماد (2/ 54)، ووكيع في الزهد (64)، والطيالسي (275)، وابن أبي شيبة (35444)، وفي المسند (270)، وأحمد (3709)، (4208)، في الزهد (ص: 11)، (ص: 14)، وهناد بن السري الزهد (2/ 382)، وابن أبي الدنيا في الزهد (78 - 341)، وفي قصر الأمل (126)، وابن أبي عاصم الزهد (181، 183)، والبزار (1533)، وأبو يعلى (4998)(5229)(5292)، والشاشي (340 - 341)، وأبو =
والطبراني
(1)
ولفظه قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو في غرفة كأنها بيت حمام، وهو نائم على حصير قد أثر بجنبه، فبكيت، فقال: ما يبكيك يا عبد الله؟ قلت: يا رسول الله كسرى وقيصر يطؤون على الخز والديباج والحرير، وأنت نائم على هذا الحصير قد أثر بجنبك؟ قال: فلا تبك يا عبد الله، فإن لهم الدنيا، ولنا الآخرة وما أنا والدنيا، وما مثلي ومثل الدنيا إلا كمثل راكب نزل تحت شجرة، ثم سار وتركها. ورواه أبو الشيخ في كتاب الثواب بنحو الطبراني.
[قوله: كأنها بيت حمام] هو بتشديد الميم: ومعناه أن فيها من الحر والكرب كما في بيت الحمام.
= الشيخ الأصبهاني في أخلاق النبي (500 - 854 - 855)، وفي أمثال الحديث (297)، والرامهرمزي في أمثال الحديث (ص: 57)، وتمام في الفوائد (912)، وابن جميع الصيداوي معجم الشيوخ (ص: 174)، والحاكم (4/ 310)، والبيهقي في شعب الإيمان (9928، 9929، 9930)، وفي دلائل النبوة و (1/ 337)، والقضاعي في مسند الشهاب (1384)، والبغوي (4034)، وقال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: 1117): أخرجه الترمذي وابن ماجه والحاكم من حديث ابن مسعود بنحوه ورواه أحمد والحاكم وصححه من حديث ابن عباس. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 326) رواه الطبراني، وفيه عبيد الله بن سعيد قائد الأعمش، وقد وثقه ابن حبان، وضعفه جماعة، وبقية رجاله ثقات. وصححه الألباني في صحيح الجامع (5668)، والصحيحة (438)، وصحيح الترغيب والترهيب (3282).
(1)
الطبراني في الأوسط (9307).
قوله: "وعن عبد الله بن مسعود"، عبد الله بن مسعود هذا كان صاحب سواك رسول الله صلى الله عليه وسلم ومطهرته ووسادته والمشهور بدل الوسادة السرار بكسر المهملة أي السرار أي [المساررة]، قاله الكرماني
(1)
. قوله: "قلنا يا رسول الله لو اتخذنا لك وطاء، فقال: مالي وللدنيا" الحديث. الوطاء هو الفرش.
قوله: "كأنها بيت حمام" هو بتشديد الميم، ومعناه أن فيها من الحر والكرب كما في بيت الحمام. قاله الحافظ. قوله:"قلت كسرى وقيصر يطؤون على الخز والديباج والحرير" الحديث. كسرى بكسر الكاف وفتحها. والأصمعي يقول بالكسر وينكر الفتح. وكسرى اسم ملك الفرس صاحب العراق، وكسرى بن هرمز الكافر كان عظيم الفرس ملك العراق.
قال ابن الجواليقي: الكسر أفصح؛ وهو فارسي معرب وجمعه أكاسرة، والنسبة إليه كسروي بفتح الكاف، وكل من ملك الفرس يقال له كسرى، وكان ملك كسرى سبعا وأربعين سنة وسبعة أشهر، وأما قيصر فهو عظيم الروم في الشام وهو لقب لكل من ملك الروم وكان اسم قيصر الذي كان بالشام وكتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم كتابه هرقل بكسر الهاء، هذا هو المشهور وهو لا ينصرف للعلمية والعجمة. وتنازع [ابنا] عبد [الحكم] في أنه كان يقال له هرقل أو قيصر وترافعا إلى الشافعي رحمه الله تعالى فقال هو: هرقل وهو
(1)
الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (22/ 109).
قيصر. هرقل اسم علم له وقيصر لقب له. وفي الصحيح
(1)
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، وإذا هلك كسرى فلا كسرى بعده. قال الشافعي في مختصر المزني
(2)
معناه لا قيصر بعده بالشام ولا كسرى بعده بالعراق، قال وسبب الحديث أن قريشا كانت تأتي الشام والعراق كثيرًا للتجارات في الجاهلية فلما أسلموا خافوا انقطاع سفرهم إليهما لمخالفتهم أهل الشام والعراق بالإسلام، فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم على حسب حاجتهم، فقال لا قيصر ولا كسرى بعدهما في هذين الإقليمين فلا ضرر عليكم. وكان كما قال صلى الله عليه وسلم فلم يكن قيصر بعده في الشام إلى الآن، ولا يكون كسرى بعده في العراق ولا يكون.
وقال صلى الله عليه وسلم
(3)
: والذي نفسي بيده لتنفقنّ كنوزهما في سبيل الله، فكان كذلك، فتحت الصحابة الإقليمين في زمن عمر بن الخطاب، اهـ. [وأما الخز فهو ثياب تنسج من صوف وإبريسم]
(4)
وأما الديباج فهو الثياب المتخذة من الإبريسم فارسي معرب، وقد تفتح داله ويجمع على دبابيج، ودبابيج بالياء والباء لأن أصله دبَّاج، والله أعلم. قاله في النهاية
(5)
. وأمّا الحرير فمعروف مشهور.
(1)
صحيح البخاري (3120)، وصحيح مسلم (75)(2918).
(2)
مختصر المزني (8/ 383).
(3)
صحيح البخاري (3120)، وصحيح مسلم (75)(2918).
(4)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(5)
النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 97).
4974 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليه عمر، وهو على حصير قد أثر في جنبه فقال: يا رسول الله لو اتخذت فراشا أوثر من هذا؟ فقال: مالي وللدنيا، ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف، فاستظل تحت شجرة ساعة ثم راح وتركها. رواه أحمد
(1)
وابن حبان في صحيحه
(2)
والبيهقي
(3)
.
قوله: "وعن ابن عباس تقدم الكلام على مناقبه" قوله: لو اتخذت فرشا أوثر من هذا أي أوطأ وألين.
(1)
أخرجه أحمد (2744)، وفي الزهد (ص 46 - 47)، وأخرجه عبد بن حميد (599) وحمّاد بن إسحاق في تركة النبي (ص 53)، وابن أبي الدنيا في قصر الأمل (127)، وابن أبي عاصم في الزهد (182)، والطبراني في الكبير (11/ 327/ 11898)، وأبو الشيخ الأصبهاني في أمثال الحديث (298)، والحاكم (4/ 309 - 310)، وأبو نعيم في الحلية (3/ 342) والخطيب في الموضح (2/ 366 - 367)، والشجري في أماليه (2/ 208)، والقاسم بن الفضل الثقفي في الأربعين (ص 202)، وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري وقال أبو نعيم: هذا حديث ثابت من غير وجه، رواه ابن مسعود وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو من حديث عكرمة غريب، تفرد به عنه هلال، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (439)، وصحيح الترغيب والترهيب (3283)، وصحيح الجامع الصغير وزيادته (5669)، وصحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان (2/ 490/ 2143).
(2)
ابن حبان (6352).
(3)
البيهقي في الشعب (9932)، وقال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: 1117) أخرجه الترمذي وابن ماجه والحاكم من حديث ابن مسعود بنحوه ورواه أحمد والحاكم وصححه من حديث ابن عباس. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 326): ورجال أحمد رجال الصحيح غير هلال بن خباب، وهو ثقة.
4975 -
وعنه رضي الله عنه قال: حدثني عمر بن الخطاب، قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على حصير قال: فجلست، فإذا عليه إزاره، وليس عليه غيره، وإذا الحصير قد أثر في جنبه، وإذا أنا بقبضة من شعير نحو الصاع، وقرظ في ناحية في الغرفة، وإذا إهاب معلق، فابتدرت عيناي، فقال: ما يبكيك يا بن الخطاب؟ فقال: يا نبي الله ومالي لا أبكي! وهذا الحصير قد أثر في جنبك وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى، وذاك كسرى وقيصر في الثمار والأنهار، وأنت نبي الله وصفوته وهذه خزانتك. قال: يا بن الخطاب أما ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا؟ رواه ابن ماجه
(1)
بإسناد صحيح، والحاكم
(2)
وقال: صحيح على شرط مسلم.
ولفظه قال عمر رضي الله عنه: استأذنت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلت عليه في مشربة وإنه لمضطجع على خصفة إن بعضه لعلى التراب وتحت رأسه وسادة محشوة ليفا، وإن فوق رأسه لإهابا عطنا، وفي ناحية المشربة قرظ فسلمت عليه فجلست، فقلت: أنت نبي الله وصفوته، وكسرى وقيصر على سرر الذهب وفرش الديباج والحرير، فقال: أولئك عجلت لهم طيباتهم وهي وشيكة الانقطاع، وإنا قوم أخرت لنا طيباتنا في آخرتنا. رواه ابن حبان في
(1)
سنن ابن ماجه (4153)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3284). وأخرجه مسلم (1479)(30)، وأخرجه بنحوه ضمن حديث مطول البخاري (2468) و (5191)، (4913)، ومسلم (1479)(34)، (1479)(31).
(2)
المستدرك للحاكم (4/ 117)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
صحيحه
(1)
عن أنس أن عمر دخل على النبي صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه.
[المشربة] بفتح الميم، والراء وبضم الراء أيضًا: هي الغرفة. [وشيكة الانقطاع]: أي سريعة الانقطاع.
قوله: "وعنه" تقدم الكلام على مناقبه. قوله: "بقبضة من الشعير نحو الصاع" الحديث. الصاع مكيال معروف، والقرظ هو ثمرة السُّنط وهي قرون فيها حب، والقرظ هو الذي يدبغ به الجلد، قوله:"وإذا إهاب معلّق"، الإهاب هو الجلد المدبوغ. وقيل كذا قوله:"فابتدرت عيناي بالدموع" أي سالتا بالدموع، يقال ابتدر كذا قوله في رواية الحاكم: قال عمر استأذنت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخلت عليه في مشربة الحديث، المشربة بفتح الميم والراء وبضم الراء أيضًا هي الغرفة. قاله الحافظ. وقال الجوهري في الصحاح
(2)
وصاحب المحكم
(3)
والنهاية
(4)
والخليل
(5)
: المشربة في بفتح الميم وإسكان الشين المعجمة وضم الراء [أيضا هي] الغرفة، [قاله] الحافظ، [وقال الجوهري في الصحاح وصاحب المحكم والنهاية والخليل: المشربة بفتح الميم وإسكان الشين المعجمة وضم الراء وفتحها الغرفة، كما ذكر الحافظ]،
(1)
صحيح ابن حبان (4188).
(2)
الصحاح تاج اللغة (1/ 153).
(3)
المحكم والمحيط الأعظم (8/ 55).
(4)
النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 455).
(5)
العين (6/ 257).
[وأما بالفتح فهي الموضع الذي يشرب فيه كالمشرعة
(1)
، قاله صاحب الإلمام، والغرفة العلية بضم العين وكسرها والجمع العلالي، قاله في النهاية
(2)
]
(3)
.
وقال بعض العلماء: المشرفة الغرفة المرتفعة عن الأرض وفيها خزانة المتاع. وقال في المشارق كالغرفة يخزن فيها الطعام وغيره. وقال الطبراني كالخزانة فيها الطعام والشراب وبه سميت مشربة والخزانة بكسر الخاء المعجمة واحدة الخزائن وهي اسم [للموضع] الذي يخزن فيه الشيء، اهـ. وشبه بالمشربة ضروع المواشي لأنها تخزن اللبن لأربابها، والضروع جمع الضرع. قال الخطابي رحم الله تعالى
(4)
: المشربة شبه الغرفة، وفيه إثبات القياس وهو ردّ الشيء إلى نظيره لأنه شبَّه حفظ اللبن في الضرع بحفظ المتاع في المشربة، أما المشربة بمعنى الموضع الذي وهي المشرعة فهي بفتح [الراء فقط، والمشربة بكسر الميم وفتح الراء فهو إناء يشرب فيه، انتهى. قوله رضي الله تعالى عنه في رواية الحاكم: ". . ."، الخصفة بفتح] الخاء والصاد الخصف خلال التمر وهي أوعية من الخوص يدخر فيها وهي بمعنى الحصير، والله أعلم. قوله في الحديث:"وتحت رأسه وسادة" الوسادة
(1)
النهاية (2/ 455).
(2)
النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 295).
(3)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(4)
أعلام الحديث (شرح صحيح البخاري)(1/ 362)، معالم السنن (2/ 265).
[المخدة]. قوله: "محشوة ليفا" وليف المقل هو الذي يخرج في أصول سعف النخل لأول خروجه [تحشى] بها الوسائد في الفرش ويفتل منها الحبال، اهـ. قاله عياض
(1)
.
قوله: "وإن فوق رأسه لإهاب عطن" الحديث، المعطون المنتن المتمزق الشعر، وفي بعض النسخ وإن فوق رأسه لإهاب شن. قال أهل اللغة
(2)
: الشن بفتح المعجمة هو وعاء الماء إذا كان من أدم فأخلق فالشن القربة اليابسة التي قربت للبلى أي الخلق.
وفي رواية أخرى: شن معلقة [بالتأنيث] فتأول بالقربة، وجمعه شنان فالشنان الأسقية الخلقة، واحدها سنن وشنة، وفي المثل لأتقعقع بالشن بكسرها وهو أشدّ [تبريدا] للماء من الجرد، ومنه الحديث في قيام الليل فقام إلى شن معلقة أي قربة وفي حديث آخر هل عندكم ماء بات في شنة. فإن قلت: في الحديث: فتوضأ من سنن معلقة وضوءا خفيفا بتذكير وصف الشن فما وجه الجمع بينهما؟ قلت: الشن يذكر باعتبار لفظه وباعتبار [الأدمي] والجلد ويؤنث باعتبار القربة، قاله ابن الأثير
(3)
والكرماني
(4)
، وتقدم الكلام على الإهاب وعلى كسرى وقيصر وعلى الديباج.
(1)
مشارق الأنوار على صحاح الآثار (1/ 369).
(2)
الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (3/ 25)، (7/ 81).
(3)
النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 506).
(4)
الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (2/ 176).
قوله: "فقال أولئك: عجلت لهم طيباتهم"، وفي حديث آخر: في الحياة الدنيا، الحديث. قال القاضي عياض رحمه الله تعالى
(1)
: هذا مما يحتج به من يفضل الفقير على الغني لما في مفهومه أن بمقدار ما يتعجل من طيبات الدنيا يفوته من الآخرة فما كان مدخرا له لو لم يتعجله قال: وقد يتأوله الآخرون بأن المراد أن حظ الكفار هو ما نالوه من نعيم الدنيا ولا حظ لهم في الآخرة. قاله الكرماني
(2)
. قوله: "وهي وشيكة الانقطاع" أي سريعة الانقطاع، قاله الحافظ.
4976 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم سرير مزمل بالبردي عليه كساء أسود قد حشوناه بالبردي، فدخل أبو بكر وعمر عليه، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم نائم عليه، فلما رآهما استوى جالسا فنظرا فإذا أثر السرير في جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر وعمر رضوان الله عليهما: يا رسول الله ما يؤذيك خشونة ما نرى من فراشك وسريرك، وهذا كسرى وقيصر على فراش الحرير والديباج؟ فقال صلى الله عليه وسلم: لا تقولا هذا، فإن فراش كسرى وقيصر في النار، وإن فراشي وسريري هذا عاقبته إلى الجنة. رواه ابن حبان في صحيحه
(3)
من رواية
(1)
شرح النووي على مسلم (10/ 92).
(2)
الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (11/ 140).
(3)
صحيح ابن حبان (704) والحديث؛ أخرجه العقيلي في الضعفاء (3/ 481)، والطبراني، في المعجم الأوسط (6228)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 327): رواه الطبراني في الأوسط، وفيه عبد العزيز بن يحيى المدني نزيل نيسابور، وهو كذاب. وقال الألباني في ضعيف موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان (ص: 211) منكر، والتعليق الرغيب (4/ 114)؛ وهو في الصحيحين عن عمر باختصار.
الماضي بن محمد.
قوله: "وعن عائشة" تقدم الكلام على ترجمتها. قوله: "كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم سرير مرمل بالبردى" المرمل بضم الميم الأولى وفتح الثانية وسكون الراء بينهما، ويقال مرمول ومرمل بفتح الراء والتشديد، والمرمل هو ما ينسج من سعف النخل ونحوه بالحبال ويشدّ بشريط ونحوه ليضطجع عليه، والمراد أن السرير كان قد نسخ بأغصان النخيل ولم يكن على السرير وطاء، كذا في النهاية
(1)
. والبردى هو بالضم نوع من جيد التمر.
4977 -
وعنها رضي الله عنها قالت: إنما كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ينام عليه أدما حشوه ليف
(2)
.
4978 -
وفي رواية: كان وساد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يتكئ عليه من أدم حشوه ليف. رواه البخاري
(3)
ومسلم
(4)
وغيرهما.
4979 -
وعنها رضي الله عنها قالت: دخلت علي امرأة من الأنصار، فرأت فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم قطيفة مثنية، فبعثت إلي بفراش حشوه الصوف، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذا يا عائشة؟ قالت: قلت يا رسول الله: فلانة الأنصارية دخلت فرأت فراشك فذهبت فبعثت إلي بهذا، فقال: رديه يا
(1)
النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 265).
(2)
صحيح مسلم (38)(2082).
(3)
صحيح البخاري (6456).
(4)
صحيح مسلم (37)(2082).
عائشة. فوالله لو شئت لأجرى الله معي جبال الذهب والفضة. رواه البيهقي
(1)
من رواية عباد بن عباد المهلبي عن مجالد بن سعيد.
4980 -
ورواه أبو الشيخ في الثواب عن ابن فضيل عن مجالد عن يحيى بن عباد عن امرأة من قومهم لم يسمها قالت: دخلت على عائشة رضي الله عنها، فمسست فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو خشن، وإذا داخله بردي أو ليف، فقلت: يا أم المؤمنين إن عندي فراشا أحسن من هذا وألين. فذكره أطول منه
(2)
.
قوله: "وعنها" رضي الله عنها، تقدم الكلام عليها. قولها:"إنما كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ينام عليها أدما حشوه ليف" والأدم هو الجلد، في هذا ما كان النبي صلى الله عليه وسلم عليه من الزهادة في الدنيا والإعراض عن متاعها وملاذها وشهواتها [وفاخر لباسها، ونحوه، [والاجتزاء] بما تحصل به أدنى [التجزئة] في ذلك كله وفيه
(1)
أخرجه البيهقي في الدلائل (1/ 345) وفي الشعب (1395)، وأخرجه ابن سعد (1/ 465) وأحمد في الزهد (ص 20) والحسن بن عرفة في جزئه (20)، وحماد بن إسحاق في تركة النبي (ص 72) والقفال في شمائل النبوة (360)، والخطيب في التاريخ (11/ 102) والبغوي في الشمائل (429)، ومحمد بن عبد الباقي الأنصاري في المشيخة الكبرى (477) والذهبي في سير الأعلام (8/ 263) وفي تذكرة الحفاظ (1/ 261)، وقال الذهبي في سير الأعلام (6/ 287) في ترجمة مجالد: من أنكر ما له في جزء ابن عرفة حديثه عن عامر عن مسروق عن عائشة مرفوعًا: فذكر الحديث وقال في التذكرة: غريب جدًا، ومجالد ليس بحجة وعده من أشد منكراته (الميزان 3/ 438)، وقال الألباني في السلسلة الصحيحة (2484)، وصحيح الترغيب والترهيب (3287): حسن.
(2)
أبو الشيخ في أخلاق النبي (ص 156).
الندب للاقتداء به صلى الله عليه وسلم في هذا وغيره، وفي هذا الحديث أن فراش النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان ينام عليه من أدم حشوه ليف، وفي رواية وسادة بدل فراش، وفي نسخة وساد، وفيه جواز اتخاذ الفرش والوسائد والنوم عليها للارتفاق بها وجواز الحشو وجواز اتخاذ [ذلك] من الجلود وهي الأدم، اهـ قاله في الديباجة.
قوله: "وعنها أيضًا" تقدم الكلام عليها. قوله: "قطيفة"، القطيفة كساء أبيض كبير.
4981 -
وعن أنس رضي الله عنه قال: لبس رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصوف واحتذى المخصوف، وقال: أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم بشعا ولبس حلسا خشنا. قيل للحسن: ما البشع؟ قال: غليظ الشعير، ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسيغه إلا بجرعة من ماء. رواه ابن ماجه
(1)
والحاكم
(2)
كلاهما من رواية يوسف بن أبي كثير وهو
(1)
أخرجه ابن ماجه (3348 و 3556)، وقال البوصيري في الزوائد (4/ 29 - 30): هذا إسناد ضعيف، نوح بن ذكوان متفق على ضعفه.
قال الحاكم أبو عبد الله: يروى عن الحسن على معضلة. أخرجه ابن حبان في المجروحين (3/ 47)، وأبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم (ص 122)، وأخرجه ابن عدي في الكامل (8/ 299) في ترجمة نوح بن ذكوان، وقال: وهذه الأحاديث، عن الحسن، عن أنس، ليست بمحفوظة.
وقال الدارقطني: غريب من حديث الحسن، عن أنس، تفرد به نوح، ولم يروه عنه غير يوسف بن أبي كثير، وتفرد به بقية بن الوليد، عنه. أطراف الغرائب والأفراد (785).
(2)
المستدرك (4/ 326)، وقال: صحيح. ورده الذهبي: قلت لم يصح، فيه نوح بن ذَكْوان، واه، ويوسف بن أبي كثير مجهول. وضعفه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه (7/ 348)، والتعليق الرغيب (3/ 108)، وضعيف الترغيب والترهيب (1262).
مجهول، عن نوح بن ذكوان، وهو واه، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، وعنده خشنا موضع بشعا.
قوله: "وعن أنس" تقدم الكلام على مناقبه. قوله: "لبس رسول الله صلى الله عليه وسلم الصوف واحتذى المخصوف" الحديث، احتذى يحتذي إذا انتعل والمخصوف المخروز، والمعنى أنه كان يخرزها من الخصف وهو خرزها طاقة على أخرى، وأصل الخصف [هو] الضم والجمع. قوله:"وأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم بشعا ولبس حلسا خشنا" الحلس الكساء الذي يجعل البعير، وتقدم الكلام عليه في اللباس.
4982 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة، وعليه مرط مرحل من شعر أسود. رواه مسلم
(1)
وأبو داود
(2)
والترمذي
(3)
، ولم يقل: مرحل.
[المرط] بكسر الميم وإسكان الراء: هو كساء من صوف أو خز يؤتزر به.
(1)
أخرجه مسلم (2424/ 61)، وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (32102)، وإسحاق بن راهويه (1271)، وأحمد (6/ 162)، والطبري في التفسير (20/ 263)، والآجري في الشريعة (1693 و 1694)، والحاكم (3/ 159)، والبيهقي في الكبرى (2/ 419) وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.
قلت: فيه نظر، فمصعب بن شيبة، لم يخرج له البخاري شيئًا، وقد خرجه مسلم كما هو واضح. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3288).
(2)
أبو داود (4032).
(3)
الترمذي (2813)، وفي الشمائل (69).
[والمرحل] بتشديد الحاء المهملة مفتوحة: هو الذي فيه صور الرحال.
قوله: "وعن عائشة" تقدم الكلام على مناقبها. قوله: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة وعليه مرط مرحل" الحديث، المرط بكسر الميم وإسكان الراء هو كساء من صوف أو خز يُؤتز به والمرحل بتشديد الحاء المهملة مفتوحة هو الذي فيه صور الرحال، ذكره المنذري.
4983 -
وعن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: أخرجت لنا عائشة رضي الله عنها كساء ملبدا وإزارا غليظا قالت. قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذين. رواه البخاري
(1)
ومسلم
(2)
وأبو داود
(3)
والترمذي
(4)
وغيرهم.
[قوله: ملبدا]: أي مرقعا، وقد لبدت الثوب بالتخفيف، ولبدته بالتشديد، يقال للرقعة التي يرقع بها صدر القميص اللبدة، والرقعة التي يرقع بها قب القميص القبيلة.
قوله: "وعن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري" واسمه عامر، هذا هو الصحيح المشهور الذي قاله الجمهور، وقال يحيى بن معين: اسمه
(1)
صحيح البخاري (3108).
(2)
صحيح مسلم (35)(2080).
(3)
سنن الترمذي (1733)، وقال: حديث حسن صحيح.
(4)
أبو داود (4036)، وأخرجه عبد الرزاق (20624)، وإسحاق (1364)، وأحمد (24037)، (24997)، وابن حبان (6624)، وأبو عوانة في المستخرج (8548)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 44)، والبيهقي في الدلائل (7/ 276)، وفي شعب الإيمان (1387، 5755)، وقال أبو نعيم: صحيح ثابت، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2075).
الحارث. وفي رواية عنه: عامر، كقول الجمهور، وهو تابعي كوفي، ولى قضاء الكوفة فعزله الحجاج، وجعل أخاه أبا بكر مكانه، واتفقوا على توثيقه وجلالته.
قوله: "كساء ملبدا" أي مُرَّقَّعا وقد لبدت الثوب بالتخفيف ولبدته بالتشديد، قاله المنذري. ففائدة تقلل السادات سُلوة الضعيف وانجبار المكسور وقد قال الأئمة: حرمت أواقي النقدين لكسر قلوب الفقراء. قاله في الحدائق
(1)
.
4984 -
وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: صنعت سفرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت أبي بكر حين أراد أن يهاجر إلى المدينة فلم يجد لسفرته، ولا لسقائه ما يربطهما به، فقلت لأبي بكر: والله ما أجد شيئًا أربط به إلا نطاقي؟ قال: فشقيه باثنين واربطي بواحد السقاء، وبواحد السفرة، ففعلت، فلذلك سميت ذات النطاقين. رواه البخاري
(2)
.
[النطاق] بكسر النون: شيء تشد به المرأة وسطها لترفع به ثوبها عن الأرض عند قضاء الأشغال.
قوله: "وعن أسماء بنت أبي بكر" أسماء بفتح الهمزة وبالمد هي أخت عائشة وهي أكبر من عائشة بعشر سنين، روي [لها عن] رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة وخمسون حديثا، أسلمت بمكة قديما ثامنة ثمانية عشر إنسانا وتزوجها
(1)
حدائق الأولياء (1/ 534).
(2)
صحيح البخاري (2979 - 3907).
الزبير بمكة ثم طلقها بالمدينة. قيل أن ابنه عبد الله يومًا وقف بالباب فلما جاء أبوه الزبير ليدخل البيت منَعه فسأله عن ذلك فقال ما أدعُك تدخل تطلق أمي فامتنع عليه وأبى إلا طلاقها فسُئل عن السبب فقال مثلي لا يكون له أم توطأ، وطلقها الزبير وقيل ضربها الزبير فصاحت بابنها عبد الله، فأقبل فلما رآه قال أمّك طالق إن دخلت فقال له أتجعل أمي عرضة ليمينك واقتحم عليه فخلصها منه، فبانت منه، وبقيت إلى أن قتله الحجاج، ماتت بمكة سنة ثلاث وسبعين بعدما أنزل ابنها عن الخشبة بليال يسيرة ولها قريب من مائة سنة وقط ما أخرت شيئا لغد وابنها [وأبوها] وجدها أربعة صحابيون؛ وكانت من أعبر الناس للرؤيا وتعلمته من أبيها [أبي بكر الصديق] رضي الله تعالى عنه، ذكره الكرماني
(1)
.
قولها: "ما أجد شيئًا أربط به إلا نطاقي" الحديث، النطاق هو بكسر النون شيء تشد به المرأة وسطها لترفع به ثوبها عن الأرض عند قضاء الأشغال، اهـ. قاله الحافظ. وقال بعض العلماء النطاق أن تلبس المرأة ثوبها ثم تشدّ وسطها بشيء وترفع وسط ثوبها وترسله على الأسفل تفعل ذلك عند معاناة الأشغال لئلا تعثر في ذيلها. قيل: سميت أسماء ذات النطاقين لأنها كانت [تطارق] نطاقا فوق نطاق، والأصح أنها سميت بذلك لأنه شقت نطاقها الواحد نصفين فجعلت إحداهما نطاقا صغيرا واكتفت به والآخر لسفرة النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه كما صرحت به في هذا الحديث هنا، والله أعلم.
(1)
الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (2/ 67).
4985 -
وعن عائشة رضي الله عنها: أن رجلًا دخل عليها، وعندها جارية لها عليها درع ثمنه خمسة دراهم فقالت: ارفع بصرك إلى جاريتي انظر إليها، فإنها تزهو على أن تلبسه في البيت، وقد كان لي منهن درع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فما كانت امرأة تقين بالمدينة إلا أرسلت إلي تستعيره. رواه البخاري
(1)
قوله: "وعن عائشة" تقدم الكلام على ترجمتها، قوله:"وعندها جارية لها عليها درع من خمسة دراهم" الدرع واحد الدروع وهو القميص.
قوله: "فإنها تزهو علي أن تلبسه في البيت" الحديث، تزهو أي تترفع عنه ولا ترضاه، والله أعلم. قوله:"فما كانت امرأة تقين في المدينة إلا أرسلت إلي تستعيره"، تقين أي تتقين، أي تتزيّن لزفافها، والتقيّن التزيين، وقيل تجلى لزوجها، والتقين إصلاح [الشعث]، وفي البخاري تقين تزين لزوجها، ومنه قيل للماشطة مقينة وقد قينت العروس تقينا زينتها. وقال أبو عمر [أصله]
(2)
من اقتان النبت إذا حسُن، قاله صاحب المغيث في غريب القرآن والحديث
(3)
.
قوله: "انظر إليها"، انظر بلفظ الأمر، وتزهى بفتح الهاء وكسرها من الزهو وهو الكبر، يقال زهى الرجل بلفظ المبني للمفعول وحكى ابن دريد زهى بلفظ المبني للفاعل والغرض أن الجارية تتكبر من لبسها له وتستحقره
(4)
.
(1)
صحيح البخاري (2628).
(2)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(3)
المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (2/ 774).
(4)
الكواكب الدرارى (11/ 149).
4986 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس عندي شيء يأكله ذو كلبد إلا شطر شعير في رق لي، فأكلت منه حتى طال علي، فكلته ففني. رواه البخاري
(1)
ومسلم
(2)
والترمذي
(3)
.
قوله: "وعنها أيضًا" تقدم الكلام عليها. قولها: "توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس عندي شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رف لي فأكلته حتى طال عليّ فكِلته ففني"[و] الشطر هنا معناه شيء من شعير، كذا فسره الترمذي، وقال القاضي عياض رحمه الله تعالى
(4)
، قال ابن أبي حازم: معناه نصف وسق، وقيل الشطر من شعير نصف مكوك وقيل نصف وسق، يقال: شطر وشطير، مثل نصف ونصيف، ومنه الحديث: الطهور شطر الإيمان، ومنه حديث عائشة كان عندنا شطر من شعير، وقولها:"في رف لي"، الرف قال النووي بفتح الراء وبالفاء المشددة هو خشب يرفع عن الأرض في البيت إلى جنب الجدار يوقى به ما يوضع عليه وجمعه رفوف ورفاف، قاله ابن الأثير في النهاية
(5)
والحربي قولها: "فكلته ففني"]
(6)
.
(1)
صحيح البخاري (3097 - 6451).
(2)
صحيح مسلم (27)(2973).
(3)
سنن الترمذي (2472) عن أنس، وقال: هذا حديث حسن صحيح
(4)
مشارق الأنوار على صحاح الآثار (2/ 251).
(5)
النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 245).
(6)
حصل تأخير لهذه الفقرة في النسخة الهندية، وأدرجت بعد قوله:(فلما كالته علمت مدة بقائه ففني عند تمام ذلك الأمر).
قال ابن بطال
(1)
: كان الشعير الذي عند عائشة غير مكيل [فكانت] البركة فيه من أجل جهلها بكيله، وكانت تظن كل يوم أنه سيفنى لقلة كانت [تتوهمها]، فلذلك طال عليها فلما كالته علمت مدة بقائه ففني عند تمام ذلك الأمر. قال القاضي عياض
(2)
: وفي هذا الحديث أن البركة أكثر ما تكون في المجهولات، وأما الحديث الآخر الذي رواه البخاري في الأطعمة من حديث المقدام بن معدي كرب:"كليلوا طعامكم يبارك لكم فيه" فقالوا المراد أن يكيله بشرط أن يبقي الباقي مجهولا ويكيل ما يخرجه لئلا يخرج أكثر من الحاجة أو أقل، هكذا ذكره النووي في شرح مسلم
(3)
.
[فائدة: في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخر نفقة أهله سنة، الحديث. ففيه جواز ادخار قوت سنة وجواز الادخار للعيال وأن هذا لا يقدح في التوكل. وأجمع العلماء على جواز الادخار فيما يستغله الإنسان [في بيته]، كما جرى للنبي صلى الله عليه وسلم، وأما إذا أراد أن يشتري من السوق ويدخره لقوت عياله فإن كان في وقت [ضيق] الطعام لم يجز بل يشتري ما لا يضيق على المسلمين لقوت أيام أو شهر وإن كان في وقت [سعة اشترى قوت سنته] وأكثر هكذا نقل القاضي هذا التفصيل عن أكثر العلماء، وعن قوم إباحته مطلقا، والله أعلم، ذكره المنذري في الحواشي]
(4)
. وفي هذا الحديث من الفقه استحباب الكيل
(1)
شرح صحيح البخاري لابن بطال (5/ 261).
(2)
شرح النووي على مسلم (18/ 107).
(3)
شرح النووي على مسلم (18/ 107).
(4)
حصل تأخير لهذه الفقرة في النسخة الهندية، وأدرجت بعد قوله: (فلما [كالته] =
عند البيع وعند الشراء [وكراهة] ذلك جزافا للنهي عنه، وفي الحديث: إذا بعت فكل وإذا ابتعت فاكتل. قال المهلب
(1)
: وكتاب الله يشهد لذلك، قال تعالى:{وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1)}
(2)
الآية، فينبغي إذا اشترى أن يكيل له غيره، وإذا باع أن يكيل لغيره وليس الأمر هنا للوجوب لقرينة البركة فدل على الأفضلية ولأن المشاهدة كافية فيصح بيع الجزاف كما صح: فيما لا يؤكل يكال ولا يوزن، قال ابن بطال والذي عليه الفقهاء أن الكيل والوزن فيما يكال أو يوزن على البائع وكذلك الآن كذلك، وهو قول مالك وأبي حنيفة والثوري والشافعي وأبي ثور و [قصة] يوسف [تدل] له في قوله [تعالى عنه]:{أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ}
(3)
، وقال عليه السلام لجابر
(4)
: كِلْ للقوم.
فائدة أخرى: وفي حديث عائشة: فكلته ففني، وذلك بأن الأمر بالكيل إنما هو عند البيع أو الشراء، وأما في النفقة فلا يكال ولا يحصى لقوله عليه السلام: لا تحصي فيحصى عليك، ولا توكي فيوكى عليك بأن [تنفق] بغير حساب فإن الله يخلف ويبارك فيه، وكذلك جرى لبعض الصحابة أعطاه عليه الصلاة والسلام [شعيرا] فما زال يأكل منه حتى كاله ففني فقال [صلى الله
= علمت المدة التي يبلغ إليها ففني عند انقضائها لأن الكيل وكد فيه أن يفنى فلا تعارض بينهما، اهـ).
(1)
شرح صحيح البخاري لابن بطال (6/ 252).
(2)
سورة المطففين، الآية:1.
(3)
سورة يوسف، الآية:59.
(4)
صحيح البخاري (2020).
تعالى عليه وسلم] لو لم تكله لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، أي [لبركة] الإنفاق من غير إحصاء توكلا على الله. قال ابن بطال
(1)
: ويؤخذ من قوله: كيلوا طعامكم، أن الكيل مندوب إليه فيما ينفقه المرء على عياله وندب النبي صلى الله عليه وسلم أمته [إليه] يدل على البركة فيه.
قال المهلب: [ويحمل] أنهم كانوا يأكلون بلا كيل فيزيدون في الأكل فلا يبلغ لهم الطعام إلى المدة التي كانوا يقدرونها فقال لهم: كيلوا، أي أخرجوا بكيل معلوم يبلغكم إلى المدة التي قدرتم مع ما وضع الله من البركة في [مُدِّ] أهل المدينة بدعوته عليه السلام. أجاب عن قول عائشة: فكلته ففني بأنها كانت تخرج قوتها بلا كيل وهي متقوتة باليسير فبورك لها فيه مع بركته عليه السلام الباقية عليها في بيتها فلما أكالته، علمت المدة التي يبلغ إليها ففني عند انقضائها لأن الكيل وكد فيه أن يفنى فلا تعارض بينهما
(2)
. اهـ.
4987 -
وعن عمرو بن الحارث رضي الله عنه قال: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته درهما ولا دينارا، ولا عبدا، ولا أمة، ولا شيئًا إلا بغلته البيضاء التي كان يركبها وسلاحه، وأرضا جعلها لابن السبيل صدقة. رواه البخاري
(3)
.
قوله: "وعن عمرو بن الحارث" هو [عمرو بن الحارث بن أبي ضرار
المصطلقي الخزاعي، له ولأبيه صحبة، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وابن مسعود،
(1)
شرح صحيح البخاري لابن بطال (6/ 255).
(2)
شرح صحيح البخاري لابن بطال (6/ 255 - 256).
(3)
صحيح البخاري (2739 - 2873 - 4461).
عداده في أهل الكوفة، هو] أخو جويرية بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم وليس له في البخاري إلا هذا الحديث ولم يخرجه مسلم ولا أخرج عن عمرو بن الحارث هذا شيئًا. [وعند مسلم نحوه عن عائشة وزاد فيه ولا شاة ولا بعيرا ولا وصى بشيء. وفي هذا الحديث تقلله عليه السلام من الدنيا وإن كان قد فتح الله عليه الفتوح فإنه لم يدخر شيئًا لغد إلا قوت عائلته سنة تطييبا لقلوبهن، ولقد مات ودرعه مرهونة كما ورد في الحديث الذي سيأتي. وقال إني عرض عليّ ربي أن يجعل لي بطحاء مكة ذهبا فقلت: لا يا رب، أجوع يومًا وأشبع يومًا، الحديث، تقدم.
فائدة: قال ابن فارس في السيرة: ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات ثوبي حبرة وإزارا عمانيا وثوبين صحاريين وآخر سحوليا وجبة يمانية وكساء أبيض وقلانس صغارا لاطئة ثلاثا أو أربعا وإزارا طوله خمسة أشبار وخميصة وملحفة مورسة
(1)
، ووجه الجمع بين ذلك وما تقدم من حديث عمرو وعائشة أنها [فينا] ما يتمول خلاف السنة فإنه مما يتبرك فلا يُعدّ مالا وأما ما كان له من الإماء في الحياة فسلمى أم رافع ورضوى وأميمة وربيحة وقيل هي ريحانة السُّرية وسائبة ومارية وأختها قيصر وأم ضميرة
(2)
. قال أبو عبيدة وكانت له سرية جميلة أصابها في سبي وسرية أخرى وهبتها له زينب
(3)
، وأما
(1)
عيون الأثر (2/ 387).
(2)
عيون الأثر (2/ 381).
(3)
الإشارة إلى سيرة المصطفى (ص 381).
الموالي فجماعة [عدتهم خمسة وستون شخصا، ومن الخيل اثنان وعشرون، ومن البغال سبعة. وأما السلاح فقد كان للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم درع يقال له فضة والسغدية بالسين المهملة والعين المعجمة
(1)
. قال الحافظ الدمياطي: السغدية درع داود عليه الصلاة والسلام التي لبسها حين قتل جالوت، وكان له درع أخرى يقال لها ذات الفضول، سميت بذلك لطولها، وهي التي رهنها عند اليهودي وفكّها منه أبو بكر، وكان له درع يقال لها البتيراء لقصرها، وذات - الوشاح - وذات الحواشي، ودرع يقال لها الخرنق، والخرنق ولد الذئب، فهذه سبعة أدرع كانت لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، انتهى]. قوله:"ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته درهما ولا دينارا ولا عبدا ولا أمة ولا شيئًا إلا بغلته البيضاء التي كان يركبها وسلاحه وأرضا جعلها لابن السبيل صدقة"]
(2)
. وفي حديث آخر إلا بغلته الشهباء التي كان يركبها بدل البيضاء والشهبة البياض الذي غلب [عليه] السواد، قاله المنذري. وقال ابن الأثير
(3)
: الشهبة البياض وفي حديث حليمة [رضي الله تعالى عنها] خرجت في سنة شهباء أي ذات قحط وجذب والشهباء الأرض التي لا خضرة فيها لقلة المطر فسميت سنة الجدب بها،
(1)
عيون الأثر (2/ 386).
(2)
حصل تأخير لهذه الفقرة في النسخة الهندية، وأدرجت بعد قوله:(فسميت سنة الجدب بها، والله أعلم، وهذا الحديث ذكره الحافظ المنذري هنا أنه رواه البخاري فقط).
(3)
النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 512).
والله أعلم، وهذا الحديث ذكره الحافظ المنذري هنا أنه رواه البخاري فقط.
فائدة في ترجمة البخاري: فهو الإمام العالم العلامة المحدث العابد الزاهد أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم المغيرة ابن بردزبة بفتح الموحدة وإسكان الراء وكسر الدال المهملة وتسكين الزاي الموحدة الجُعفي بضم الجيم وسكون العين المهملة وبالباء البخاري، أسلم المغيرة وكان مجوسيا على يد اليمان الجعفي وأبوه والي بُخارا [وأبو إسماعيل كان من خيار الناس وأمه كانت مجابة الدعوة وكان البخاري]
(1)
قد ذهب بصره وهو صغير فرأت أمه في المنام إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام فقال: يا هذه قد رد الله على ابنك بصره لكثرة دعائك أو بكائك فأصبح بصيرا، ولد ببخارى سنة أربع [وتسعين] ومائة، وألهم حفظ الحديث في صغره وهو ابن عشر سنين أو أقلّ ثم حجّ به أبوه فرجع أبوه وهو أقام بمكة المكرمة في طلب العلم وذلك سنة ثمان عشرة من عمره ورحل رحلات [واسعات] في طلب الحديث إلى أمصار الإسلام وكتب عن شيوخ متوافرات وأئمة متكاثرات قال كتبت عن ألف وثمانين رجلا ليس فيهم إلا صاحب حديث كلهم كانوا يقولون الإيمان قول وعمل يزيد وينقص حتى صار إمام أئمة الحديث والمقتدى [به] في هذا الشأن وأجمع المحققون على أن كتابه أصح كتاب بعد القرآن [العظيم]، وروى عنه خلائق كثيرون نحو من مائة ألف أو يزيدون أو ينقصون وعظمه العلماء غاية التعظيم ولزمه الفضلاء نهاية الإجلال
(1)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
والتكريم حتى أن مسلما صاحب الصحيح كلما دخل عليه يسلم ويقول: دعني أقبل رجليك يا طبيب الحديث في علله ويا أستاذ الأستاذين ويا سيد المحدثين.
وقال أبو عيسى الترمذي: لم أر مثله، وجعله الله زين هذه الأمة، وقال أبو نعيم: إنه فقيه هذه الأمة، وقال محمد بن بشار بإعجام الشين: وكان علماء مكة يقولون هو إمامنا وفقيهنا وفقيه خراسان، وقال ابن خزيمة مصغر الخزمة بالمعجمة والزاي ما تحت أديم السماء أعلم بالحديث منه وأحفظ.
وقال بعضهم: هو آية من آيات الله يمشي على وجه الأرض، ونحو ذلك، وكان في سعة من الدنيا قد ورث من أبيه مالا وكان يتصدق به وربما كان يأتي عليه نهار ولا يأكل فيه وإنما يأكل أحيانا لوزتين أو ثلاثا وكان يختم في كل ثلاث ليال وكان حفظه في غاية الكمال. قال خرجت هذا الصحيح من زهاء ستمائة ألف حديث، وقال: ما وضعت في كتابي هذا حديثًا إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين، وقيل كان ذلك بمكة المشرفة، والغسل بماء زمزم والصلاة خلف المقام، وقيل كان بالمدينة صلوات الله على صاحبها، وترجم أبوابه في الروضة المباركة، وصلى لكل ترجمة ركعتين، وقيل صنف الجامع في ست عشرة سنة، والله أعلم بذلك، ودخل بغداد مرات وانقاد أهلها له فيه بلا منازعة وله معهم حكايات مشهورة في امتحانهم له بقلب الأسانيد والمتون فصحح كلها في الساعة وحين وقعت الفتنة واشتدت المحنة في مسألة خلق القرآن رجع من بغداد إلى بُخارى فتلقاه أهلها في
تجمل عظيم ومقدم كريم وبقي مدة يحدثهم في مسجده فأرسل إليه أمير البلد خالد بن محمد الدبيلي يتلطف معه ويسأله أن يأتيه بالصحيح ويحدثهم به في قصره فامتنع البخاري من ذلك وقال لا أذل العلم ولا أحمله إلى أبواب الناس، فحصلت وحشة بينهما فأمره الأمير بالخروج [عن] بلده، ويقال أن البخاري دعا عليه فلم يأت شهر حتى ورد أمر دار الخلافة بأن ينادى على خالد في البلد فنودي عليه على أتان وحبس إلى أن مات، ولما خرج من بخارى كتب إليه أهل سمرقند يخبطونه إلى بلدهم فسار إليهم فلما كان بقرية خَرْتَنَك بفتح المعجمة وإسكان الراء وفتح الفوقانية وسكون النون وهي على فرسخين من سمرقند بلغه أنه وقع بينهم بسببه فتنة فقوم يريدون دخوله وقوم يكرهونه فأقام بها حتى ينجلي الأمر فضجر ليلة فدعا وقد فرغ من صلاة الليل:
(1)
اللهم قد ضاقت [علي الأرض بما رحبت] فاقبضني إليك فمات في ذلك الشهر سنة ست وخمسين مائتين وعمره اثنان وستون سنة.
فإن قلت: كيف استجاز الدعاء بالموت وقد خرج هو في صحيحه
(2)
لا يتمنيّن أحدكم الموت لضر نزل به. قلت: نصوا بأن المراد بالضر هو الدنيوي؛ وأما إذا نزل ضر ديني فإنه يجوز تمنيه خوفا من تطرق الخلل في الدين. ولما دفن فاح من تراب قبره رائحة الغالية أطيب المسك وظهر سوار بيض في السماء مستطيلة حذاء القبر وكانوا يرفعون التراب منه للتبرك حتى
(1)
طرح التثريب في شرح التقريب (1/ 101)
(2)
صحيح البخاري (5671).
ظهرت الحفرة للناس ولم يكن يقدر على حفظ القبر [بالحراس] فنصب على القبر خشب مشبكات فكانوا يأخذون ما حواليه من التراب والحصيات [ودام] ريح الطيب أياما كثيرة حتى تواتر عند جميع أهل تلك البلاد وأمثال هذه الكرامات الإلهية لا تستعظم بالنسبة إلى أمثال هؤلاء العبّاد رفع الله ذكره الشريف، وقد فعل وجعل له لسان صدق في الآخرين وقد جعل وعدد الأحاديث المسندة فيه سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثًا، والمكررات منه قريب النصف فأحاديثه بدون التكرار تقارب أربعة آلاف وعدد مشايخه الذين خرج عنهم فيه مائتان وتسعة وثمانون والله أعلم. ذكر ذلك الكرماني في شرحه
(1)
.
4988 -
وعن علي بن رباح قال: سمعت عمرو بن العاص رضي الله عنه يقول: لقد أصبحتم وأمسيتم ترغبون فيما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزهد فيه، أصبحتم ترغبون في الدنيا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزهد فيها، والله ما أتت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من دهره إلا كان الذي عليه أكثر من الذي له قال: فقال بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يستسلف. رواه أحمد
(2)
(1)
الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (1/ 12).
(2)
مسند أحمد (17817)، وأخرجه ابن عبد الحكم في فتوح مصر (ص 250)، وابن أبي الدنيا في الزهد (190)، والبيهقي في شعب الإيمان (10040 و 10216). وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 315): رواه كله أحمد والطبراني، وروى حديث عمرو فقط، ورجال أحمد رجال الصحيح. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3294)، وصحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان (2/ 322/ 1795).
ورواته رواة الصحيح، والحاكم
(1)
إلا أنه قال: ما مر به ثلاث من دهره إلا والذي عليه أكثر من الذي له، وقال: صحيح على شرطهما. ورواه ابن حبان في صحيحه
(2)
مختصرا: كان نبيكم صلى الله عليه وسلم أزهد الناس في الدنيا، وأصبحتم أرغب الناس فيها.
قوله: "وعن علي بن رباح" هو بضم العين وفتح اللام، على المشهور، وقيل: بفتحها وكسر اللام، وكان يكره الضم. وكان أهل بلده وهو بمصر يقولونه بالفتح وغيرهم بالضم، وقيل: بالفتح اسم وبالضم لقب. هو أبو عبد الله، ويقال: أبو موسى على بن رباح بن قصير بن رباح بن المقتشب بن ينبع، بضم المثناة تحت وفتح النون، ابن أردة بن حجر بن جزيلة بن لخم اللخمى المصرى التابعى.
سمع عمرو بن العاص، وابنه عبد الله بن عمرو، وعقبة بن عامر، وفضالة بن عبيد، وأبا قتادة، وأبا هريرة، ومعاوية، وغيرهم من الصحابة، رضى الله عنهم. روى عنهم ابنه موسى، والحارث بن يزيد، ويزيد بن أبي حبيب، وآخرون. واتفقوا على توثيقه. روى له مسلم في صحيحه.
قال أحمد بن عبد الله، ومحمد بن سعد: كان ثقة، ولد سنة خمس عشرة من الهجرة عام اليرموك، توفى بإفريقيا سنة أربع عشرة ومائة، وقيل: سنة سبع
(1)
المستدرك للحاكم (4/ 315)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه.
(2)
صحيح ابن حبان (6379).
عشرة، وكان من أهل الوجاهة، وكان يفد لأهل مصر إلى عبد الملك بدمشق
(1)
.
قوله: "سمعت عمرو بن العاصي يقول: لقد أصبحتم وأمسيتهم ترغبون فيما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزهد فيه، أصبحتم ترغبون في الدنيا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزهد فيها" الحديث. تقدم الكلام على مناقب عمرو بن العاصي مبسوطا، وأما الزهد في الدنيا فالزهد في الشيء الإعراض عنه [لاستقلاله] واحتقاره وارتفاع الهمة عنه. يقال شيء زهيد أي قليل حقير، وقد تكلف السادات رضى الله [عنهم] ومن بعدهم بها تفسير الزهد في الدنيا وتنوعت عباراتهم عنه وتقدم الكلام على ذلك في أوائل الباب والله أعلم.
4989 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ودرعه مرهونة عند يهودي في ثلاثين صاعا من شعير. رواه البخاري
(2)
ومسلم
(3)
والترمذي
(4)
.
قوله: "وعن عائشة" تقدم الكلام على مناقبها. قولها رضي الله عنها: "توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي في ثلاثين صاعا من شعير" الحديث، الصاع مكيال معروف، قال صاحب العلم المشهور ذو النسبين: ذكر اسم اليهودي خاصة أصحاب الغوامض والمبهمات، وذكره الحافظ المحدث
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 352).
(2)
صحيح البخاري (2916، 4467) عن عائشة رضي الله عنها.
(3)
صحيح مسلم (124)(1603).
(4)
سنن الترمذي (1214) عن ابن عباس، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب في كتاب الأسماء [المبهمة] له وهو عندي في مجلد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رهن درعه عند أبي الشحم اليهودي رجل من بني ظفر، وروى الخرائطي في مكارم الأخلاق وابن مردويه في تفسيره بإسناد ضعيف من حديث أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
أنه نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم ضيف فقال له: قل لفلان اليهود أنه نزل بي ضيف فأسلفني شيئًا من الدقيق إلى رجب، فقال اليهودي: والله لا أسلفه إلا برهن، قال: فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: والله [إني] لأمين من في السماء وأمين من في الأرض ولو أسلفني لأدّيته فاذهب بدرعي فارهنها عنده. [ومما] يستشكل قديما أن النبي صلى الله عليه وسلم أجلى اليهود قبل موته من المدينة فلم يكن بها قبل موته بسنين يهودي وكيف يجتمع مع هذا رهن الدرع عند اليهودي إلا أن يقال: إنّ هذا اليهودي قدمها تاجرا في ذلك الوقت فاستلف منه النبي صلى الله عليه وسلم. ثم قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم افتكه قبل موته لما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه،
(1)
أخرجه البزار (3863)، والروياني (695)، والطبراني (1/ 331/ 989). وقال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: 444): رواه إسحاق بن راهويه في مسنده والخرائطي في مكارم الأخلاق وابن مردويه في التفسير بإسناد ضعيف. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 126): رواه الطبراني في الكبير، والبزار، وفيه موسى بن عبيدة الربذي، وهو ضعيف. وقال الزيلعي في تخريج أحاديث الكشاف (2/ 355): ورواه ابن أبي شيبة وعنه أبو يعلي الموصلي وإسحاق بن راهويه والبزار في مسانيدهم كذلك سندا ومتنا وزادوا فيه اذهب بدرعي الحديد إليه وكذلك رواه الطبري وابن مردويه في تفسيره والواحدي في أسباب النزول وسكت البزار عنه. وصححه الألباني في صحيح الجامع (1337).
والنبي صلى الله عليه وسلم منزه عن ذلك، والأصح أنه صلى الله عليه وسلم لم يفكه لقول ابن عباس
(1)
: مات النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة، وذلك لحديث محمول على من مات ولم يخلف وفاء، اهـ.
تنبيه: الرهن في اللغة الثبوت، يقال: رهن بالمقام، أي أقام به وثبت فيه، وفي الشرع جعل عين مال وثيقة بدين ليُستوفى منها عند تعذر استيفائه ممن عليه. وجمع الرهن رهان كحبل وحبال، ويقال رُهُن بضم الهاء، وهل هو جمع رهن أم جمع رهان فيكون جمع الجمع. قال الأكثرون: جمع رهان، وقال أبو عمرو بن العلاء جمع رهن كسقف وسُقُف، يقال رهنت [وارتهنت]، والمشهور الأول ومنهم من منع الثاني، ويقال في الرهن رهين والأنثى رهينة، وقد نطق الكتاب العزيز بجواز الرهن في قوله [تعالى:] {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ}
(2)
، قال في العلم المشهور
(3)
: وأما الأموال التي كانت له [صلى الله تعالى عليه وسلم] تستخرج من الخمس وغير ذلك فإنه كان يؤثر بها على نفسه وأهله مساكين الصفة والطارئين [عليه] من غيرهم وفي قضاء ديون الموتى من أمته حتى يبيت ما عنده قرص مع كثرة المال لو أحبّ جمعه، وإنما آثر الدار الآخرة وعلم فناء هذه الدار [فأفضل] على الأصحاب ونهج مناهج الإيثار على ما ثبت عنه [صلى الله عليه وسلم]، من صحيح الآثار
(1)
صحيح البخاري (2916، 4467) عن عائشة رضي الله عنها.
(2)
سورة البقرة، الآية:283.
(3)
العلم المشهور (مخ 214 أدب/ لوحة 137 - 138).
صلى الله عليه وعلى آله صلاة تتصل بدوام الليل والنهار، وفي حديث رهن [الدرع سنين] كثيرة وأحكام استنبطت من فعله وقوله صلى الله عليه وسلم: الأولى مُداينته لليهود ومعاملته لهم مع أنهم يشربون الخمور [ويبيعونها] ويأكلون الربا وقد نهوا كما قال الله تبارك وتعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ}
(1)
الآية، فدل ذلك من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي وكل الله عز وجل [له] تبيين القرآن فقال تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}
(2)
، فعفا الله تعالى لنا عما يعتقدونه وجعله في حقنا حلالا وإن كان في حقهم [حراما] بانتقاله إلينا منهم بالوجه الجائز بيننا وبينهم. والانتقالات في الملكيات يخالف ما بين المحللات والمحرمات [كشاة] بريرة لما انتقلت من الصدقة التي هي حرام على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الهدية حلّت لرسول الله صلى الله عليه وسلم على ما ثبت عنه بإجماع أهل النقل.
الثانية رهنه لدرعه صلى الله عليه وسلم فيه دليل على جواز رهن آلة الحرب في بلد الجهاد وعند الحاجة إلى الطعام، وفيه من أصول الفقه أنه إذا تعارض أمران قدم الأهم فالحاجة إلى قوت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوت عياله أهم، فقُدِّمت، وفيه دليل على جواز معاملة أهل الذمة والحكم بثبوت أملاكهم على ما في أيديهم. وفيه بيان ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من التقلل من الدنيا وملازمة الفقر وإيثاره على الغنا، وفيه جواز رهن آلة الحرب عند أهل الذمة وجواز الرهن في الحضر وبه قال
(1)
النساء: 160.
(2)
النحل: 44.
الشافعي ومالك وأبو حنيفة وأحمد والعلماء كافة إلا مجاهدا وداود الظاهري فإنهما قالا لا يجوز إلا في السفر تعلقا بقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ}
(1)
الآية. واحتج الجمهور بهذا الحديث وهو مقدم على دليل خطاب الآية، [وأما اشتراء] النبي صلى الله عليه وسلم الطعام من اليهودي ورهن عنده دون الصحابة فقيل فعله بيانا لجواز لذلك، وقيل لأنه لم يكن هناك طعام فاضل عن حاجة صاحبه إلا عنده، وقيل لأن الصحابة لا يأخذون رهنه صلى الله عليه وسلم ولا [يقبضونه] الثمن فعدل إلى معاملة اليهودي لئلا يضيق على أحد من الصحابة. وقد أجمع المسلمون على جواز معاملة أهل الذمة وغيرهم من الكفار إذا لم يتحقق تحريم ما معه لكن لا يجوز للمسلم أن يبيع أهل الحرب سلاحا وآلة حرب ولا ما يستعينون به في إقامة دينهم ولا بيع المصحف ولا العبد المسلم لكفار مطلقا، اهـ.
وفيه [بيان] ما يؤدى إليه من الدين والرهن، والدين عديل الكفر كما جاء في الحديث مع تشديدات فيه شهيرة والله أعلم. قاله صاحب حدائق الأولياء
(2)
.
وفي الحديث أحكام منها: جواز معاملة الكفار، ومنها الاستدانة لمصلحة، ومنها جواز الرهن في الحضر، وقد وقع التصريح به في غير هذه الرواية، واتفق العلماء على جواز الرهن في السفر عند عدم الكاتب، وقال
(1)
البقرة: 283.
(2)
حدائق الأولياء (1/ 536 - 537).
مجاهد لا يجوز إلا في هذه الصورة لظاهر الآية وجوزه الباقون في الحضر والسفر، وقالوا أنه خرج الكلام فيها على الأعم الأغلب لا على سبيل الشرط، والحديث بمجموع طرقه يدلّ على جوازه مطلقا من غير سفر ولا عند عدم كاتب. ومنها جواز الشراء بالثمن [المؤجل]
(1)
المؤخر قبضه لأن الرهن إنما يحتاج إليه حيث يكون الثمن مؤجلا وحيث لا يتأتى إقباضه في الحال غالبا. ومنها جواز رهن السلاح، ومنها جواز رهنه عند الكفار من أهل الذمة والمعاهدين. ومنها ما كان عليه السلام عليه من التقلل من الدنيا والزهد فيها مع تمكنه منها وعرضها عليه وإعراضه عنها
(2)
.
فإن قيل ما الحكمة في أنه رهن عند يهودي ولم يرهن عند مسلم؟ قلت: الفوائد منها أنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم حتى أن له أخذ طعام المضطر فكيف من غيره. ومنها أنه لو رهن من المسلم [ربما] ظن أنه له منة عليه والمنة لله ورسوله فحملته عليه الصلاة والسلام الرأفة والشفقة على المسلم أن يقع له ذلك. ومنها أن أخذ الرهن منه [عليه الصلاة والسلام] لا يجوز لأحد من المسلمين لأنه الموثق وكل مسلم واثق به ولا يقال يحتمل الجواز [لتقدم] به على من لا رهن له لأن الله تعالى يصون نبيه من شغل ذمته بديون لا توفى عنه. ومنها إباحة القرض ممن أكثر ماله حرام لما علم من فشو الربا فيهم وبيع الخمر. ومنها صحة معاملتهم فيما بينهم فيما يعتقدونه.
(1)
هكذا هذه العبارة في الأصل، وفي النسخة الهندية:(المؤجر)، ولعله سبق قلم.
(2)
العدة (3/ 1187).
فائدة: قدر المرهون به جاء فيه روايات منها: ثلاثون وسق شعير ومنها عشرون ومنها [غير] ذلك، وكان أخذه [صلى الله تعالى عليه وسلم] لأهله لا لنفسه، وكان أخذه أولا عشرين ثم أخذ شيئًا آخر ثم آخر بحسب الحاجة حتى تكمل ثلاثين فذكر هذا مرة وهذا مرة والله أعلم.
4990 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم أو ليلة، فإذا هو بأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فقال: ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟ قالا: الجوع يا رسول الله، قال: وأنا والذي نفسي بيده أخرجني الذي أخرجكما، قوموا فقاموا معه، فأتوا رجلًا من الأنصار فإذا هو ليس في بيته فلما رأته المرأة قالت: مرحبا وأهلا، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين فلان؟ قالت: ذهب يستعذب لنا الماء، إذ جاء الأنصاري فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، ثم قال: الحمد لله ما أحد اليوم أكرم أضيافا مني، فانطلق فجاءهم بعذق فيه بسر وتمر ورطب، وقال: كلوا، وأخذ المدية، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياك والحلوب، فذبح لهم فأكلوا من الشاة ومن ذلك العذق وشربوا، فلما أن شبعوا ورووا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما: والذي نفسي بيده لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة.
رواه مالك
(1)
بلاغا باختصار ومسلم
(2)
، واللفظ له والترمذي
(3)
بزيادة،
(1)
موطأ مالك (2693).
(2)
صحيح مسلم (140)(2038).
(3)
سنن الترمذي (2369)، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.
والأنصاري المبهم: هو أبو الهيثم بن التيهاني بفتح المثناة فوق وكسر المثناة تحت وتشديدها، كذا جاء مصرحا به في الموطأ والترمذي، وفي مسند أبي يعلى
(1)
ومعجم الطبراني
(2)
من حديث ابن عباس أنه أبو الهيثم وكذا في المعجم أيضًا من حديث ابن عمر
(3)
؛ وقد رويت هذه القصة من حديث جماعة من الصحابة مصرح في أكثرها بأنه أبو الهيثم، وجاء في معجم الطبراني الصغير
(4)
والأوسط
(5)
وصحيح ابن حبان
(6)
من حديث ابن عباس وغيره
(1)
أخرجه أبو يعلى (250)، وأخرجه البزار (205)، وابن أبي حاتم في العلل (2/ 103)، وابن عدي (4/ 1565)، والمخلص في المخلصيات (1/ 243)، والحاكم (3/ 286)، (4/ 146)، وقال ابن عدي: وهذا الحديث لا أعلم رواه عن يونس بهذا الإسناد غير عبد الله بن عيسى وقال أبو زرعة في علل ابن أبي حاتم (2/ 104): هذا حديث منكر - يعني بهذا الإسناد - وقال الحاكم (4/ 146) على شرط البخاري ومسلم، وقال ابن كثير في التفسير (4/ 583): غريب من هذا الوجه. وذكره الهيثمي في المجمع (10/ 316)، ثم قال: رواه البزار، وأبو يعلى باختصار قصة الغلام، والطبراني كذلك، وفي أسانيدهم كلها عبد الله بن عيسى أبو خلف، وهو ضعيف.
(2)
الطبراني، ذكره الهيثمي في المجمع (10/ 316).
(3)
أخرجه الطبراني في الكبير (19/ 254/ 569)، وذكره الهيثمي في المجمع (10/ 319)، ثم قال: رواه الطبراني، وفيه بكار بن محمد السيريني، وقد ضعفه الجمهور، ووثقه ابن مَعين، وبقية رجاله ثقات.
(4)
الطبراني في الصغير (185)، وأخرجه ابن بشكوال في الغوامض (629).
(5)
الطبراني في الأوسط (2268)، وقال الهيثمي: وفيه عبد الله بن كيسان المروزي وقد وثقه ابن حبان وضعفه غيره، وبقية رجاله رجال الصحيح المجمع (10/ 318).
(6)
أخرجه ابن حبان (5216) وقال: خبر غريب. وقال العراقي: وأما حديث قصدهم منزل =
أنه أبو أيوب الأنصاري، والظاهر أن هذه القصة اتفقت مرة مع أبي الهيثم، ومرة مع أبي أيوب. والله أعلم، وتقدم حديث ابن عباس في الحمد بعد الأكل.
[العذق] هنا بكسر العين وهو الكباسة والقنو، وأما بفتح العين فهو النخلة.
قوله: "وعن أبي هريرة" تقدم الكلام على مناقبه رضي الله عنه. قوله: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم أو ليلة فإذا هو بأبي بكر وعمر رضي الله عنهما فقال: ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟ قال: الجوع" الحديث. قال النووي في شرح مسلم
(1)
: حديث أبي هريرة هذا مشتمل على أنواع من الفوائد: هذا الحديث فيه ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وكبار أصحابه رضي الله عنهم من التقلل من الدنيا وما ابتلوا به من الجوع وضيق العيش في أوقات وقد زعم بعض الناس أن هذا كان قبل فتح الفتوح والقرى عليهم، وهذا زعم باطل، فإن راوي الحديث أبو هريرة، ومعلوم أنه أسلم بعد فتح خيبر فإن قيل: لا يلزم من كونه رواه أن يكون أدرك القضية، فلعله سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره، فالجواب: أن هذا
= أبي أيوب، فرواها الطبراني في المعجم الصغير من حديث ابن عباس بسند ضعيف. (المغني مع الإحياء 2/ 10). وأخرجه ابن حجر في نتائج الأفكار: كما في الفتوحات الربانية (5/ 231)، ثم قال: هذا حديث حسن، فيه غرابة من وجهين: أحدهما: ذكر أبي أيوب، والثاني: ما في آخره من التسمية والحمد وقصة فاطمة، والمشهور في هذا قصة أبي الهيثم بن التيهان.
(1)
شرح النووي على مسلم (13/ 211 - 212).
خلاف الظاهر ولا ضرورة إليه، بل الصواب خلافه، وأن [النبي]صلى الله عليه وسلم لم يزل يتقلب في اليسار وفي القلة حتى توفي صلى الله عليه وسلم، فتارة يوسر، وتارة ينفد ما عنده، كما ثبت في الصحيح
(1)
عن أبي هريرة قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير"، وتوفي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة على شعير استدانه لأهله، وغير ذلك مما هو معروف، فكان صلى الله عليه وسلم في وقت يوسر به، ثم بعد قليل ينفد ما عنده لإخراجه في طاعة الله في وجوه البر، وإيثار المحتاجين، وضيافة الطارقين، وتجهيز السرايا، وغير ذلك، وهذا كان خلق صاحبيه رضي الله عنهما بل أكثر أصحابه، وكان أهل اليسار من المهاجرين والأنصار مع برهم له صلى الله عليه وسلم وإكرامهم إياه وإتحافه بالطرف وغيرها، ربما لم يعرفوا حاجته في بعض الأحيان لكونهم لا يعرفون فراغ ما كان عنده من القوت [بإيثاره]، ومن علم ذلك منهم ربما كان ضيِّق الحال في ذلك الوقت كما جرى لصاحبيه، ولا نعلم أحد من الصحابة علم حاجة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو متمكن من إزالتها لكن كان صلى الله عليه وسلم يكتمها عنهم إيثارا لتحمل المشاق، وحملا عنهم، وقد بادر أبو طلحة - حين قال: سمعت صوت النبي صلى الله عليه وسلم أعرف فيه الجوع - إلى إزالة تلك الحاجة، وقد وصفهم الله تعالى بذلك فقال تعالى:{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}
(2)
. وقال تعالى: {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}
(3)
. [وأشباه هذا
(1)
صحيح البخاري (5414).
(2)
الحشر: 9.
(3)
الفتح: 29.
كثير في الصحيح مشهور، وكذلك كانوا]. قوله في الحديث:"فقال ما أخرجكما من بيوتكما" بضم الباء وكسرها لغتان قرئ بهما في السبع. وأما قولهما رضي الله عنهما: "أخرجنا الجوع".
وقوله: "وأنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما"، قيل معناه أنهما رضي الله عنهما لما كانا عليه من مراقبة الله تعالى ولزوم طاعته والاشتغال به فعرض لهما هذا الجوع الذي يزعجهما ويقلقهما ويمنعهما من كمال النشاط للعبادة وتمام التلذذ بها سعيا في إزالته بالخروج في جلب سبب مباح يدفعانه به وهذا [من] أكمل الطاعات وأبلغ أنواع المراقبات، [وقيل] نهى عن الصلاة مع مدافعة الأخبثين [وبحضرة طعام تتوق النفس إليه، وفي ثوب له أعلام وبحضرة المحدثين]، ونُهي القاضي عن القضاء في حالة غضبه وجوعه وهمه وشدة فرحه وغير ذلك مما يشغل قلبه ويمنعه كمال التفكر والله أعلم. [وفيه جواز ذكر الإنسان ما يناله من ألم الجوع لا على سبيل التشكي وعدم الرضا، بل للتسلية والتصبر لفعله صلى الله تعالى عليه وسلم هنا، ولالتماس دعاء أو مساعدة على التسبب في إزالة ذلك العارض، وهذا كله ليس بمذموم إنما يُذمّ ما كان تشكيا وتسخطا وتجزعا، والله تعالى أعلم]. وقوله صلى الله عليه وسلم: "وأنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما" هكذا هو في جميع النسخ، فأنا بالفاء وفي بعضها بالواو والبغوي في المصابيح رواه بإسقاطهما. قوله صلى الله عليه وسلم:"قوموا فقاموا"، هكذا في الأصول بواو الجمع [على الصحيح] وهو جائز بلا خلاف لكن الجمهور يقولون إطلاقه على الاثنين مجاز، وآخرون يقولون
حقيقة وفيه جواز الحلف من غير استحلاف.
قوله: "فأتوا رجلًا من الأنصار فإذا هو ليس في البيت"، وهذا الأنصاري المبهم هو أبو الهيثم بن التيهان بفتح التاء المثناة فوق وكسر المثناة تحت وتشديدها، قاله الحافظ، اهـ.
وقال بعض العلماء: هو أبو الهيثم بن التيهان وهو مالك بن التيهان واسم التيهان أيضًا مالك بن عتيك بن عمرو بن عبد الأعلم فذكر نسبه إلى أن قال ابن الأوس الأنصاري حليف بني عبد الأشهل، كان أحد النقباء ليلة العقبة ثم شهد بدرا واختلف في وقت وفاته، فأصح ما قيل فيها أنه شهد مع علي رضي الله عنه صفين وقتل فيها. قال السهيلي وقد وجدت في شعر عبد الله بن رواحة حين أضاف أبو الهيثم رسول الله صلى الله عليه وسلم في منزله ومعه أبو بكر وعمر، فقال ابن رواحة في ذلك شعر فمنه:
فلم أر كالإسلام عزا لأهله
…
ولا مثلَ أضياف الأراشي مَعْشَرا
والأراشي منسوب إلى أراشة [من] خزاعة أو إلى راش بن جبار بن الغوث، فالله أعلم أهو أنصاري الحلف أم بالنسب المذكور، وقد قيل أنه بلوى من بني أراشة بن فاران بن عمرو بن بلى. والهيثم في اللغة فرخ العقاب، والهيثم أيضًا ضرب من العشب فيما ذكر أبو حنيفة، وبه سمي الرجل هيثما
(1)
، والله أعلم.
وفيه جواز الإدلال على الصاحب الذي يوثق به واستتباع جماعة إلى بيته
(1)
الروض الأنف (4/ 95 - 96).
وفيه منقبة لأبي الهيثم إذ جعله النبي صلى الله عليه وسلم أهلا لذلك وكفى به شرفا ذلك. قوله: "فلما رأته المرأة قالت مرحبا وأهلا" هاتان الكلمتان معروفتان للعرب، ومعناه: صادفْتَ رُحبًا [وسعة] وأهلا تأنس بهم، وفيه استحباب إكرام الضيف بهذا القول وشبهه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله وإليوم الآخر فليكرم ضيفه، وفيه جواز سماع كلام الأجنبية ومراجعتها الكلام للحاجة، وفيه جواز إذن المرأة في دخول منزل زوجها لمن علمت علما محققا أنه لا يكره ذلك بحيث لا يخلو بها الخلوة المحرمة
(1)
.
[قولها]: "ذهب يستعذب لنا الماء"، الحديث، أي يأتينا بماء عذب، وهو الطيب الذي لا مُلوحة فيه، وذلك لأن أكثر مياه المدينة كانت [مالحة]، ففيه دليل على جواز الميل طبعا إلى المستطاب، وفيه جواز استعذابه وتطييبه. قوله:"ثم قال الحمد لله، ما أحد اليوم أكرم أضيافا مني"[وهذا] قول صدق ومقال حق إذ لم تقلّ الأرض ولا أظلت السماء في ذلك الوقت أفضل من أضيافه فقابل هذه النعمة لـ[بعظيم] الشكر فقال: الحمد لله.
قال النووي
(2)
: هذا الحديث يشتمل على أنواع من الفوائد، منها استحباب حمد الله تعالى عند ظهور نعمة ظاهرة، وكذلك يستحب عند اندفاع نقمة كانت متوقعة وفي غير ذلك من الأحوال، ومنها [استحباب] إظهار البِشر والفرح بالضيف في وجهه وحمد الله تعالى وهو يسمع على
(1)
شرح النووي على مسلم (13/ 212 - 213).
(2)
شرح النووي على مسلم (13/ 213).
حصول هذه النعمة والثناء على ضيفه إذا لم يخف عليه فتنة فإن خاف لم يُثنِ عليه في وجهه، وهذا طريق الجمع بين الأحاديث الواردة بجواز ذلك ومنعه، [ومنها] دلالة كمال فضيلة هذا الأنصاري وبلاغته وعظيم معرفته لأنه أتى بكلام مختصر بديع في الحسن في هذا الموطن رضي الله عنه. قوله:"فانطلق فجاء بعذق فيه بسر وتمر ورطب"، فقال: كلوا. الحديث، العذق هنا بكسر العين وهو الكباسة والقنو فأما بفتح العين فهو النخلة، اهـ. قاله الحافظ، والكباسة هي الغصن من النخل وهي من التمر بمنزلة العنقود من العنب ويسمى العذق أيضًا عثكالا وكل غصن من أغصانه شمراخ وهو الذي عليه البسر، قاله ابن الأثير
(1)
والكرماني
(2)
وإنما أتى بهذا العذق الملون ليكون أظرف وليجمعوا بين أكل الأنواع فقد يطيب لبعضهم هذا ولبعضهم هذا ولبعضهم هذا، وفيه دليل على استحباب تقديم أكل الفاكهة على الخبز واللحم وغيرهما، وفيه استحباب المبادرة إلى الضيف بما تيسر وإكرامه بعده بطعام يصنعه له لا سيما إن غلب على ظنه حاجته في الحال إلى الطعام، وقد يكون شديد الحاجة إلى التعجيل وقد يشق عليه انتظار ما يصنع له لاستعجاله للانصراف.
وقد كره جماعة من السلف التكلف للضيف وهو محمول على ما يشق على صاحب البيت مشقة ظاهرة لأن ذلك يمنعه من الإخلاص وكمال
(1)
النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 500).
(2)
الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (4/ 78).
السرور بالضيف وربما ظهر عليه شيء من ذلك فيتأذى به الضيف، وقد يحضر شيئًا يعرف الضيف أنه من حاله يشق عليه وأنه تكلفه فيتأذى الضيف لشفقته عليه، وكل هذا مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، لأن أكمل إكرامه إراحة خاطره وإظهار السرور به، والله أعلم. قوله:"وأخذ المدية، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياك والحلوب"، والمدية بضم الميم وكسرها وفتحها، وهي السكين، سميت بذلك لأنها تقطع مدى حياة الإنسان. قوله:"السكين" سميت بذلك لأنها تسكن حركته، تذكر وتؤنث، والحلوب أي ذات اللبن، فعول بمعنى مفعولة كركوب ونحوه. يقال ناقة حلوب: أي هي مما يحلب، وقيل الحلوب والحلوبة سواء، وقيل الحلوب الاسم والحلوبة الصفة، وقيل الواحدة والجماعة، ومنه حديث أم معبد ولا حلوبة في البيت، أي شاة تحلب. قاله في النهاية
(1)
.
وأما فعل الأنصاري رضي الله عنه وذبحه الشاة فليس مما يشق عليه، بل لو ذبح أغناما بل جمالا وأنفق أموالا في ضيافة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه كان مسرورا بذلك مغبوطا فيه، والله أعلم. قوله:"فلما أن شبعوا ورَوُا"، الحديث فيه دليل على جواز الشبع وما جاء [في كراهة] الشبع فهو محمول على المداومة عليه لأنه يقسي القلب وينسي أمر المحتاجين.
قوله: "والذي نفسي بيده لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة" الحديث فيه جواز الحلف من غير استحلاف، بل هو مستحب إذا كان فيه مصلحة كتوكيد
(1)
النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 422).
أمر مهم وتحقيقه ونفي المجاز عنه ليكون أوقع في النفس، وقد ذكرت الأحاديث الصحيحة في حلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الشيء لهذا المعنى والله أعلم.
وأما السؤال عن هذا النعيم فقال ابن جبير
(1)
هو كل ما يتلذذ به من طعام وشراب، روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال
(2)
: النعيم المسئول عنه يوم القيامة الماء البارد في الصيف. وقال من أكل خبز البرّ وشرب الماء البارد في ظل فذلك النعيم الذي يسأل عنه، وقال بيت يُكنِّك وخرقة تواريك وكسرة تشد صلبك، وما سوى ذلك فهو نعيم. قال عليه السلام كل نعيم مسئول عنه إلا نعيم في سبيل الله.
وقال الزمخشري
(3)
: فإن قيل ما النعيم الذي لا يسأل عنه الإنسان ويعاقب عليه، فما من أحد إلا وله نعيم؟ قلت: هو نعيم من عكف نفسه على استيفاء اللذات ولم يعش إلا ليأكل الطيب ويلبس اللين ويقطع أوقاته باللهو والطرب [وينسى أمر المحتاجين] لا نعيما بالعلم والعمل ولا [يحمل] نفسه مشاقها، وأما من تمتع بنعيم الله وأرزاقه التي لم يخلقها إلا لعبادة وتقوى بها على دراية العلم والقيام بالعمل وكان ناهضا بالشكر فهو من ذلك بمعزل. وإليه [إشارة] رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله فيما يُروى أنه أكل وأصحابه تمرا وشربوا
(1)
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (5/ 519).
(2)
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (5/ 519).
(3)
الكشاف (4/ 799).
عليه ماء، فقال: الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا [وجعلنا مسلمين].
وقال القاضي عياض
(1)
: [والمراد] السؤال عن القيام بحق شكره والذي نعتقده أن السؤال هنا سؤال تعداد النعم وإعلام بالامتنان بها وإظهار الكرامة بإسباغها، لا سؤال توبيخ وتقريع ومحاسبة، والله أعلم، وتقدم الكلام على ذلك أطول من هذا.
قوله: رواه مالك، يعني في الموطأ بلاغا، والبلاغ في اصطلاح المحدّثين هو عبارة أن يروى المحدث الخبر بقوله بلغنى عن فلان.
4991 -
وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: كنا مع أبي بكر رضي الله عنه فاستسقى، فأتي بماء وعسل، فلما وضعه على يده بكى وانتحب حتى ظننا أن به شيئًا، ولا نسأله عن شيء فلما فرغ قلنا: يا خليفة رسول الله ما حملك على هذا البكاء؟ قال: بينما أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ رأيته يدفع عن نفسه شيئًا، ولا أرى شيئًا، فقلت: يا رسول الله ما الذي أراك تدفع عن نفسك، ولا أرى شيئًا قال: الدنيا تطولت لي، فقلت: إليك عني، فقالت: أما إنك لست بمدركي. قال أبو بكر. فشق ذلك علي، وخفت أن أكون قد خالفت أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولحقتني الدنيا. رواه ابن أبي الدنيا
(2)
والبزار
(3)
، ورواته ثقات إلا عبد الواحد
(1)
شرح النووي على صحيح مسلم (13/ 214).
(2)
ابن أبي الدنيا في الزهد (11)
(3)
البزار = البحر الزخار (44)(1/ 196) رواه الحاكم (4/ 309)، والبيهقي في شعب الإيمان (10039)، وصححه، ورده الذهبي فقال: قلت: عبد الصمد تركه البخاري وغيره، وقال البزار في (44): وعبد الواحد بن زيد رجل من أهل البصرة كان متعبدا =
بن زيد، وقد قال ابن حبان: يعتبر حديثه إذا كان فوقه ثقة، ودونه ثقة، وهو هنا كذلك.
قوله: "وعن زيد بن أرقم" هو أبو عمرو، وقيل: أبو عامر، وقيل: أبو سعيد، وقيل: أبو سعد، وقيل: أبو حمزة، وقيل: أبو أنيسة، زيد بن أرقم بن زيد بن قيس بن النعمان بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج بن ثعلبة الأنصاري الخزرجى المدنى.
غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع عشرة غزوة، استصغره يوم أحد، وكان يتيما في حجر عبد الله بن رواحة، وسار معه في غزوة مؤتة. روى له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
= وأحسبه كان يذهب إلى القدر مع شدة عبادته وأسلم الكوفي لا نعلم روى عنه غير عبد الواحد ومرة الطيب فمشهور، روى عنه غير واحد، والحديثان فلا نعلم أحدا رواهما عن زيد بن أرقم، عن أبي بكر إلا بهذا الإسناد، وحديث ملعون من ضار مسلما أو غره فقد رواه فرقد عن مرة، عن أبي بكر، ومرة فلم يدرك أبا بكر.
وقال البزار في (1/ 196) وأسلم الكوفي رجل ليس بمعروف لا نعلم روى عنه إلا عبد الواحد بن زيد، وعبد الواحد بن زيد لم يكن بقوي في الحديث وكان رجلا متعبدا من أهل البصرة، لم يكن عند أهل العلم بالحافظ، وإنما ذكرنا هذا الحديث على ما فيه من علة لأنا لم نجد له عن النبي صلى الله عليه وسلم طريقا يروى عنه إلا من هذا الوجه فلذلك كتبناه، قال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: 1102) أخرجه البزار بسند ضعيف بنحوه والحاكم وصحح إسناده وابن أبي الدنيا والبيهقي من طريقة بلفظه. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 254) رواه البزار، وفيه عبد الواحد بن زيد الزاهد، وهو ضعيف عند الجمهور، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: يعتبر حديثه إذا كان فوقه ثقة، ودونه ثقة، وبقية رجاله ثقات. وضعفه الألباني في الضعيفة (4878)، وضعيف الترغيب والترهيب (1917).
سبعون حديثًا، اتفقا على أربعة، وللبخارى حديثان، ولمسلم ستة. روى عنه أنس بن مالك، وابن عباس، وخلائق من التابعين.
نزل الكوفة، وتوفى بها سنة ست وخمسين. وقال محمد بن سعد وآخرون: سنة ثمان وستين. وله مناقب، منها ما روينا في صحيحى البخاري ومسلم في قصة إخباره بقول المنافقين: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا، فقرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الآية، وقال:"إن الله قد صدقك"
(1)
.
قوله: "استسقى أبو بكر رضي الله عنه" أي طلب الشرب.
قوله: "إن الدنيا تطولت لي فقلت: إليك عني"، الحديث. تطولت بمعنى استظهرت واستشرفت.
4992 -
وَعَن زيد بن أسلم قَالَ استسقى عمر فجيء بِمَاء قد شيب بِعَسَل فَقَالَ إِنَّه لطيب لكني أسمع الله عز وجل نعى على قوم شهواتهم فَقَالَ: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا}
(2)
فَأَخَاف أَن تكون حَسَنَاتنَا عجلت لنا فَلم يشربه ذكره رزين وَلم أره.
قوله: "استسقى عمر فجيء بما قد شيب بعسل. فقال: إنه لطيب". شيب بمعنى خلط بعسل، والشوب الخلط.
قوله: "لكني أسمع الله عز وجل نعى على قوم شهواتهم" الحديث، أي عاب، يقال: نعيت على الرجل أمرا إذا عِبته وذكرته به ووبخته عليه ونعى
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 199).
(2)
سورة الأحقاف، الآية:20.
عليه ذنبه أي شهره به، اهـ. قاله في النهاية
(1)
و [كذا] وصاحب المغيث
(2)
.
4993 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر رأى في يد جابر بن عبد الله درهمًا فقال: ما هذا الدرهم؟ قال: أريد أن أشتري به لأهلي لحما قرموا إليه، فقال: أكل ما اشتهيتم اشتريتم، ما يريد أحدكم أن يطوي بطنه لابن عمه وجاره أين تذهب عنكم هذه الآية:{أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا}
(3)
رواه الحاكم
(4)
من رواية القاسم بن عبد الله بن عمر، وهو واه، وأراه صححه مع هذا، ورواه مالك
(5)
عن يحيى بن سعيد: أن عمر بن الخطاب أدرك جابر بن عبد الله فذكره، وتقدم حديث جابر في الترهيب من الشبع.
[قوله: قرموا إليه] أي اشتدت شهواتهم له، والقرم: شدة الشهوة للحم حتى لا يصبر عنه.
قوله: "وعن ابن عمر رضي الله عنهما" المراد بابن عُمر: عبد الله بن عمر بن
(1)
النهاية في غريب الأثر (5/ 84).
(2)
المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (3/ 323).
(3)
سورة الأحقاف، الآية:20.
(4)
المستدرك (2/ 455) والبيهقي في شعب الإيمان (5284)، وقال ابن الملقن في البدر المنير (9/ 477) ولم يتكلم عليه، وفي سنده القاسم بن عبد الله العمري وهو واه. وقال الذهبي: فيه القاسم بن عبد الله وهو واه. وأورده السيوطي في الدر المنثور (6/ 42)، وقال: أخرجه سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر، والحاكم، والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عمر. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (1300).
(5)
موطأ مالك (2/ 936).
الخطاب، فحيث أطلق ابن عمر فالمراد عبد الله وتقدم الكلام عليه في أوائل هذا التعليق. قوله:"قرموا إليه" أي اشتدت شهوتهم إليه، والقرم شدة الشهوة للحم حتى لا يصبر عنه، اهـ قاله الحافظ المنذري. قوله:"ما يريد أحدكم أن يطوي بطنه لابن عمه وجاره، فأين تذهب منكم هذه الآية" الحديث، أي يجمع نفسه ويؤثر جاره بطعامه، قاله في النهاية
(1)
.
4994 -
وَعَن أنس رضي الله عنه قَالَ رَأَيْت عمر وَهُوَ يَوْمئِذٍ أَمِير الْمُؤمنِينَ وَقد رقع بَين كَتفيهِ برقاع ثَلَاث لبد بَعْضهَا على بعض رَوَاهُ مَالك
(2)
.
4995 -
وعن عبد الله بن شداد بن الهاد قال: رأيت عثمان بن عفان يوم الجمعة على المنبر عليه إزار عدني غليظ ثمنه أربعة دراهم أو خمسة، وريطة كوفية ممشقة ضرب اللحم، طويل اللحية حسن الوجه. رواه الطبراني
(3)
بإسناد حسن، وتقدم في اللباس مع شرح غريبه.
قوله: "وعن عبد الله بن شداد بن الهاد"، وهو الليثي، واسم الهاد أسامة، سمي به لأنه كان يوقد النار للأضياف ولمن يسلك الطريق فقد ليلة دجيل مصغر دجلة بالجيم في قتال الحجاج سنة اثنتين وثمانين، والأصل فيه الهادي
(1)
النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 146).
(2)
أخرجه مالك في الموطأ (2664). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (2082).
(3)
المعجم الكبير للطبراني (1/ 75/ 92)، وأخرجه أبو نعيم في معرفة الصحابة (224)، وفي الحلية (1/ 60)، والحاكم (3/ 103)، والبيهقي في شعب الإيمان (5778)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (39/ 16)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 80): رواه الطبراني، وإسناده حسن، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3300).
لكنّ المحدثين يقولونه بحذف الياء تخفيفا، قاله الكرماني. قوله:"رأيت عثمان بن عفان يوم الجمعة على المنبر عليه إزار عدني" الحديث، عدني منسوب إلى عدن، وتقدم الكلام على تفسير غريب هذا الحديث.
4996 -
وعن محمد بن كعب القرظي قال: حدثني من سمع علي بن أبي طالب يقول: إن الجلوس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد إذ طلع علينا مصعب بن عمير ما عليه إلا بردة له مرقوعة بفروة، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى للذي كان فيه من النعيم، والذي هو فيه اليوم. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف بكم إذا غدا أحدكم في حلة، وراح في حلة، ووضعت بين يديه صحفة، ورفعت أخرى، وسترتم بيوتكم كلما تستر الكعبة؟ قالوا: يا رسول الله نحن يومئذ خير منا اليوم: نتفرغ للعبادة، ونكفى المؤونة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأنتم اليوم خير منكم يومئذ. رواه الترمذي
(1)
من طريقين تقدم لفظ أحدهما مختصرا، ولم يسم فيهما الراوي عن علي، وقال: حديث حسن غريب، ورواه أبو يعلى
(2)
ولم يسمه أيضًا، ولفظه: عن علي رضي الله عنه قال: خرجت في غداة شاتية، وقد
(1)
أخرجه الترمذي (2473 و 2476)، وأخرجه إسحاق في مسنده (المطالب 3173)، ويونس بن بكير في المغازي (ص 193 - 194)، وهناد في الزهد (758)، وابن الأثير في أسد الغابة (5/ 183)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 314): روى الترمذي بعضه. رواه أبو يعلى، وفيه راو لم يسم، وبقية رجاله ثقات. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (1921).
(2)
أبو يعلى (502).
أوبقني البرد فأخذت ثوبا من صوف كان عندنا، ثم أدخلته في عنقي، وحزمته على صدري أستدفئ به، والله ما في بيتي شيء آكل منه، ولو كان في بيت النبي صلى الله عليه وسلم شيء لبلغني، فخرجت في بعض نواحي المدينة، فانطلقت إلى يهودي في حائط فاطلعت عليه من ثغرة في جداره، فقال: مالك يا أعرابي هل لك في دلو بتمرة. قلت: نعم، افتح لي الحائط، ففتح فدخلت فجعلت أنزع الدلو ويعطيني تمرة حتى ملأت كفي، قلت: حسبي منك الآن، فأكلتهن، ثم جرعت من الماء، ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلست إليه في المسجد، وهو مع عصابة من أصحابه، فطلع علينا مصعب بن عمير في بردة له مرفوعة بفروة، وكان أنعم غلام بمكة، وأرهفه عيشا، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم ذكر ما كان فيه من النعيم، ورأى حاله التي هو عليها، فذرفت عيناه فبكى، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنتم اليوم خير أم إذا غدي على أحدكم بجفنة من خبز ولحم، وريح عليه بأخرى، وغدا في حلة، وراح في أخرى، وسترتم بيوتكم كما تستر الكعبة؟ قلنا: بل نحن يومئذ خير نتفرغ للعبادة. قال: بل أنتم اليوم خير.
قوله: "وعن محمد بن كعب القرظي" منسوب إلى بني قريظة، وفي الحديث أنه قال يخرج من الكاهنين رجل يقرأ القرآن لا يقرأ أحد قراءته. قيل: أنه محمد بن كعب القرظي، وكان [يقال]
(1)
لقريظة والنظير الكاهنان، وهما قبيلا اليهود بالمدينة، وهم أهل كتاب وفهم وعلم، وكان محمد بن كعب من أولادهم والعرب تسمي كل من يتعاطى علما دقيقا كاهنا. ومنهم
(1)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
من يسمى المنجم والطبيب كاهنا، قاله الكرماني
(1)
.
قوله: "حدثني من سمع علي بن أبي طالب يقول: إن الجلوس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد إذ طلع علينا مصعب بن عمير ما عليه إلا بردة مرقوعة بفروة" الحديث، البردة شملة مخططة من صوف تلبسها الأعراب، وتقدم الكلام على علي بن أبي طالب مرارا رضي الله تعالى عنه، وأما مصعب بن عمير مصغر عمر القرشي العبدري، يكنى بأبي عبد الله، كان من جلة الصحابة، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة يقرئهم القرآن ويفقهم في الدين في أول الهجرة، وكان يأتي الأنصار ويدعوهم إلى الإسلام فيسلم الرجل والرجلان حتى فشا الإسلام فيهم فكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه أن يجمع بهم فأذن له، هو أول من جمع الجمعة بالمدينة قبل الهجرة.
قال الحافظ أبو نعيم
(2)
عن ابن شهاب قال: بايع أهل العقبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجعوا إلى قومهم فدعوهم سِرًّا وأخبروهم برسول الله صلى الله عليه وسلم والذي بعثه الله عز وجل وتلوا عليهم القرآن وبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن ابعث إلينا رجلًا من قبلك فليدع الناس بكتاب الله عز وجل، فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير فلم يزل عندهم يدعو ويهدي على يده حتى قلّ دار من دور الأنصار إلا وقد أسلم أشرفهم وأسلم عمرو بن الجموح وكسرت أصنامهم وكان المسلمون أعزّ أهل المدينة ورجع مصعب بن عمير إلى المدينة، وكان يُدعى المقرئ. دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم فأسلم وكتم إسلامه
(1)
الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (10/ 83).
(2)
حلية الأولياء (1/ 107).
وكان يختلف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما علموا [بإسلامه] حبسوه فلم يزل محبوسا حتى هاجر إلى أرض الحبشة. وكان في الجاهلية من أنعم الناس عيشا وألينهم لباسا وأحسنهم جمالا، فلما أسلم زهد في الدنيا وتقشف [فتخشف جلده تخشف الجبة]، وفيه نزل قوله تعالى:{رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ}
(1)
، وكان حامل لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقطع المشركون [إحدى] يديه فأمسكه بالأخرى، قتل يوم أحد شهيدا، وكانت أمّه شديدة الكلف به وكان يبيت وقعب الحيس عند رأسه، يستيقظ فيأكل. فلما أسلم أصابه من الشدة ما غيّر لونه وأذهب لحمه [ونهكت] جسمه حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليه وعليه فروة وقد رقعها فيبكي لما كان يعرف من نعمته. قالت له أمه: والله لا ألبس خمارا ولا أستظل أبدًا ولا آكل ولا أشرب حتى تدع ما أنت عليه، وكانت امرأة مليئة، أي ذات مال، فكانت تقف للشمس حتى تستيقظ مغشيا عليها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكره فيقول: ما رأيت بمكة أحسن لمة ولا أرق حلية ولا أنعم نعمة من مصعب بن عمير. [قوله: "وسترتم بيوتكم. قالوا: بل نحن يومئذ خير نتفرغ للعبادة ونكفى المئونة" أي [يدفع] منا تحصيل القوت، أي ليس الأمر كما تظنون، بل أنتم اليوم خير لأن الفقير الذي له كفاف خير من الغني، لأن الغني يشتغل بدنياه ولم يكن له فراغ للعبادة مع مرارة اشتغاله]
(2)
.
(1)
سورة الأحزاب، الآية:23.
(2)
حصل تأخير لهذه العبارة في النسخة الهندية، وأدرجت بعد قوله:(قوله في حديث علي: (خرجت في غداة باردة وقد أوبقني البرد) أي أهلكني البرد).
قوله في حديث علي: "خرجت في غداة باردة وقد أوبقني البرد" أي أهلكني البرد. قوله: "في حائط" الحائط البستان إذا كان عليه سياج دائر وتقدم تكراره مرارا.
[قوله: "
…
" نزع الدلو هو رفعه. قوله: "قلت حسبي منك .. " أي يكفيني].
قوله: "وهو مع عصابة من أصحاب الحديث"، العصابة [من الجماعة] من العشرة إلى الأربعين.
قوله: "فطلع علينا مصعب بن عمير"، تقدم الكلام عليه.
4997 -
وعن فاطمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاها يوما فقال: أين ابناي؟ يعني حسنا وحسينا، قالت: أصبحنا، وليس في بيتنا شيء يذوقه ذائق، فقال: علي: أذهب بهما، فإني أتخوف أن يبكيا عليك، وليس عندك شيء، فذهب إلى فلان اليهودي، فتوجه إليه النبي صلى الله عليه وسلم، فوجدهما يلعبان في شربة بين أيديهما فضل من تمر، فقال: يا علي ألا تقلب ابني قبل أن يشتد الحر؟ قال: أصبحنا وليس في بيتنا شيء فلو جلست يا رسول الله حتى أجمع لفاطمة فضل تمرات، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اجتمع لفاطمة فضل من تمر، فجعله في خرقة، ثم أقبل، فحمل النبي صلى الله عليه وسلم أحدهما، وعلي الآخر حتى أقلبهما. رواه الطبراني
(1)
بإسناد حسن.
(1)
المعجم الكبير للطبراني (22/ 422/ 1040)، وأخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (1/ 382)، والدولابي في الذرية الطاهرة (ص 66)، والحاكم (3/ 165)، وقال الحاكم: محمد بن موسى هذا هو ابن مشمول مديني ثقة، وعون هذا هو ابن محمد بن عبيد الله بن =
قوله: "وعن فاطمة"، فاطمة هي بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، تقدم الكلام عليها، وكم روت من الأحاديث، في كتاب اللباس.
قوله: "فقال أين أبنائي" يعني حسنا وحسينا.
قوله: "فوجدهما يلعبان في شربة" الحديث، الشربة هي كذا فقال:"يا علي ألا تقلب ابنيّ قبل أن يشتد الحرّ"، يعني: ألا ترجع بهما، والانقلاب الرجوع.
4998 -
وروي عن جابر رضي الله عنه قال: حضرنا عرس علي وفاطمة، فما رأينا عرسا كان أحسن منه، حشونا الفراش، يعني من الليف، وأوتينا بتمر وزيت فأكلنا، وكان فراشها ليلة عرسها إهاب كبش. رواه البزار
(1)
.
قوله: "وعن جابر" تقدم. قوله: "حضرنا عرس علي وفاطمة" الحديث. وتقدم الكلام عليه مبسوطا. قوله: "وكان فراشها إهاب كبش"، الإهاب الجلد، والجمع أُهُب بضم الهمزة والهاء وفتحهما، وإنما سمي بها لأنه أهبة
= أبي رافع، هو، وأبوه ثقتان، وأم جعفر هي: ابنة القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وجدتها: أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهم، وكلهم أشراف ثقات. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 316) رواه الطبراني، وإسناده حسن. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (1922).
(1)
البزار (كشف الأستار 1408)، وقال: لا نعلم رواه هكذا إلا عمر، ولم يكن بالحافظ، ولم يتابع عليه، وعنده أحاديث يتفرد بها. وأخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (6441)، والقفال في شمائل النبوة (366)، وابن عدي في الكامل (6/ 516)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 50): رواه الطبراني في الأوسط، وفيه مسلم بن خالد الزنجي، وهو ضعيف، وقد وثق. وقال في (9/ 209): رواه البزار، وفيه عبد الله بن ميمون القداح، وهو ضعيف. وقال الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (1272): ضعيف جدًا موقوف.
الحي [وتقدم الكلام عليه مبسوطا].
4999 -
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: لما جهز رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة إلى علي بعث معها بخميل قال عطاء: ما الخميل؟ قال: قطيفة ووسادة من أدم حشوها ليف، وإذخر وقربة كانا يفترشان الخميل ويلتحفان بنصفه. رواه الطبراني
(1)
من رواية عطاء بن السائب، ورواه ابن حبان في صحيحه
(2)
عن عطاء بن السائب أيضا عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال: جهز رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة في خميلة ووسادة أدم حشوها ليف.
قوله: "وعن عبد الله بن عمرو" تقدم. قوله: "لما جهز رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة إلى علي بعث معهما بخميلة" الحديث، تقدم الكلام على غريب هذا الحديث في الأذكار خلف الصلوات مبسوطا.
قوله: "وعن سعيد بن أبي راشد أن يعلى بن مرة حدثهم أنهم خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى طعام دعوا له فإذا حسين يلعب في السكة. قال: فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم أمام القوم وبسط يديه فجعل الغلام يفر ها هنا وها هنا ويضاحكه النبي صلى
(1)
الطبراني في الدعاء (230)، (231)، (232)، وفي المعجم الكبير (13/ 565/ 14463 - 14464).
(2)
صحيح ابن حبان (6947)، وأخرجه أحمد (643 - 715 - 819 - 853)، وفي الزهد (ص: 15)، وفي فضائل الصحابة (2/ 699)، وابن ماجه (4152)، والنسائي (6/ 135)، وفي السنن الكبرى (5546)، والحاكم (2/ 202)، والبيهقي في دلائل النبوة (3/ 161)، وفي شعب الإيمان (9954)، والضياء في المختارة (466، 467)، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3301).
الله عليه وسلم حتى أخذه فجعل إحدى يديه تحت ذقنه والأخرى في فاس رأسه فقبله. وقال: حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا، حسين سبط من الأسباط" رواه الترمذي
(1)
وقال [حسين] ويعلى بن مرة هو الثقفي ويقال العامري. كنيته أبو المرازم، وهو يعيى بن سيابة وهي أمّه في قول يحيى بن مَعين، وزعم أبو حاتم أنهما اثنان. وقوله:"سبط من الأسباط" أي أمة من الأمم في الخير، والأسباط أولاد إسحاق بن إبراهيم الخليل بمنزلة القبائل في ولد إسماعيل.
وقوله في حديث آخر: الحسن والحسين سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم. أي طائفتان وقطعتان منه. وقيل: الأسباط أولاد الأولاد خاصة، وقيل أولاد البنات.
5000 -
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: كانت منا امرأة تجعل في مزرعة لها سلقا، فكانت إذا كان يوم الجمعة تنزع أصول السلق فتجعله في قدر، ثم تجعل قبضة من شعير تطحنه، فتكون أصول السلق عرقه، قال سهل: كنا ننصرف إليها من صلاة الجمعة فنسلم عليها فتقرب ذلك الطعام إلينا، فكنا نتمنى يوم الجمعة لطعامها ذلك.
وفي رواية: ليس فيها شحم ولا ودك، وكنا نفرح بيوم الجمعة. رواه البخاري
(2)
.
قوله: "وعن سهل بن سعد الساعدي" هو أبو العباس، وقيل: أبو يحيى
(1)
ليس في الترغيب.
(2)
صحيح البخاري (938 - 5403 - 6248)، وأخرجه مسلم (859).
سهل بن سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة بن حارثة بن عمرو بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج الأنصارى الساعدى المدني، كان اسمه حزنا، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم سهلا. شهد سهل قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في المتلاعنين.
قال الزهري: سمع من النبي صلى الله عليه وسلم، وكان له يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم خمس عشرة سنة. وتوفى بالمدينة سنة ثمان وثمانين، وقيل: سنة إحدى وتسعين. قال ابن سعد: هو آخر من مات من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ليس فيه خلاف. وقال غيره: بل فيه خلاف. روى له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة حديث وثمانية وثمانون حديثا، اتفقا على ثمانية وعشرين، وانفرد البخاري بأحد عشر. روى عنه الزهري، وأبو حاتم، وغيرهما
(1)
.
قوله: "كانت امرأة منا تجعل في مزرعة سلقا فإذا كان يوم الجمعة تنزع أصول السِّلق فتجعله في قدر ثم تجعل عليه قبضة من شعير تطحنه فتكون أصول السلق عرقة" الحديث، السلق نبات معروف له ساق، والعرقة العرق المرق. قال الجوهري
(2)
والعُرقة بالضم مثل الشربة من اللبن وغيره والجمع عرق، وفي رواية أخرى: فصارت غرقة، وقد رواه بعضهم: غرفة، بالفاء، أي مما يغرف. قاله في النهاية
(3)
. قوله: ليس فيها شحم ولا ودك، الودك هو دسم اللحم ودهنه الذي يستخرج منه.
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 238).
(2)
الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (4/ 1536).
(3)
النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 362).
5001 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: والذي لا إله إلا هو إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون منه، فمر بي أبو بكر فسألته عن آية في كتاب الله ما سألته إلا ليستتبعني فمر فلم يفعل ثم مر عمر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليستتبعني، ثم مر أبوا القاسم صلى الله عليه وسلم فتبسم حين رآني، وعرف ما في وجهي، وما في نفسي، ثم قال: يا أبا هريرة قلت: لبيك يا رسول الله قال: ألحق ومضى فأتبعته، فاستأذن فأذن له فدخل، فوجد لبنا في قدح فقال: من أين هذا اللبن؟ قالوا: أهداه لك فلان أو فلانة قال: يا أبا هر قلت: لبيك يا رسول الله، قال: ألحق إلى أهل الصفة فادعهم لي، قال: وأهل الصفة أضياف الإسلام لا يأوون على أهل ولا مال ولا على أحد إذا أتته صدقة بعث بها إليهم، ولم يتناول منها شيئا، وإذا أتته هدية أرسل إليهم، وأصاب منها، وأشركهم فيها فساءني ذلك فقلت: وما هذا اللبن في أهل الصفة؟ كنت أحق أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها، فإذا جاؤوا أمرني، فكنت أنا أعطيهم، وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن، ولم يكن من طاعة الله، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم بد فأتيتهم فدعوتهم، فأقبلوا واستأذنوا فأذن لهم، وأخذوا مجالسهم من البيت قال: يا أبا هر قلت: لبيك يا رسول الله. قال: خذ فأعطهم، فأخذت القدح فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتى يروي، ثم يرد علي القدح حتى انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد روي القوم كلهم، فأخذ القدح فوضعه على يده فتبسم فقال يا أبا هريرة! فقلت: لبيك يا رسول الله
قال: بقيت أنا وأنت؟ قلت: صدقت يا رسول الله. قال: اقعد فاشرب فشربت، فقال: اشرب فشربت، فما زال يقول: اشرب حتى قلت: لا والذي بعثك بالحق لا أجد مسلكا قال: فأرني، فأعطيته القدح، فحمد الله تعالى وسمى وشرب الفضلة. رواه البخاري
(1)
وغيره، والحاكم
(2)
وقال: صحيح على شرطهما.
قوله: "وعن أبي هريرة" تقدم الكلام عليه. قوله: "ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون منه فمر أبو بكر فسألته آية من كتاب الله ما سألته إلا ليستتبعني فمر فلم يفعل" أي ليقول لي اتبعني إلى منزله ليطعمني، كذا للكافة، وهو المعروف، ولابن السكن والنسفي والحموي والبلخي ليشبعني، والأول أشبه بمساق الكلام. قاله عياض
(3)
.
قوله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة: "الحق بأهل الصفة فادعهم لي" الحديث. تقدم الكلام على الصفة وأهلها في الجهاد وغيره. قوله إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئا، وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها، الحديث. الفرق بين الصدقة والهدية أن الصدقة إعطاء لثواب الآخرة وهي حرام على رسول الله صلى الله عليه وسلم[لأنها] أوساخ الناس، والنبي صلى الله عليه وسلم منزه عن ذلك. والهدية إعطاء لإكرام المنقول إليه فلهذا كان يأكل منها
(1)
صحيح البخاري (6452).
(2)
الحاكم (3/ 17)، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة.
(3)
مشارق الأنوار (1/ 119).
ويعطي أهل الصفة. قوله في آخر الحديث: "قال اقعد فاشرب، فشربت" فذكره إلى أن قال: "قلت والذي بعثك بالحق لا أجد له مسلكا" الحديث، وفي الحديث عن أبي قتادة
(1)
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ساقي القوم آخرهم شربا. قال النووي
(2)
: هذا أدب من آداب ساقي الماء واللبن ونحوهما.
وفي معناه ما يُفرّق على الجماعة من المأكول كلحم وفاكهة مشموم وغير ذلك فيكون المفرق آخرهم تناولا منه لنفسه. وفي الصحيح
(3)
حديث أبي هريرة هذا، لما قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ادع إليّ أهل الصفة لما حضروا وشربوا ثم بعد شربهم شرب أبو هريرة رضي الله تعالى عنه، اهـ. [و] في هذا الحديث بيان ما يؤدي إليه بعض ذلك من الشدة والألم والذلة والتعوق عن الخير وأنواع من الهلع. والهلع هو أشد الجزع. وقيل هو الضجر [والمنافسة ونحو ذلك]
(4)
، فأي شدّة كموجب وضع الكبد على الأرض والاعتماد بها عليها، وأيّ ألم كموجب شدّ الحجر على البطن، وأي ذلة وتشاغل كالقعود على طريق المارة للاستطعام، وأي [هلع] كقوله فساءني ذلك، وأي منافسة كقوله: كنت أحق أن أصيب منه شربة أتقوى بها، فلله در همة بصائر مثل هذا من أهل صحبة نبي الله واقتباس دين الله والحرص على مراضي الله، ولقد
(1)
صحيح مسلم (311)(681).
(2)
شرح النووي على مسلم (5/ 189).
(3)
صحيح البخاري (6246، 6452).
(4)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
شكر العظيم له ذلك فجبر كسره ورفع قدره وأعلى ذكره ورزقه [الإمرة] مع أنه رضي الله عنه كان قادرا على التكسب بالزرع والصفق في الأسواق كغيره [أراد بذلك صفق الأكف عند البيع، كانوا إذا تصافقوا بالأكف كان ذلك أمارة الملك وانبرام البيع]، لكنه آثر الصحبة لو جرى ما جرى. قاله [في] حدائق الأولياء
(1)
.
5002 -
وعن أبي هريرة أيضا رضي الله عنه قال: إن الناس كانوا يقولون: أكثر أبو هريرة، وإني كنت ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم لشبع بطني حين لا آكل الخمير، ولا ألبس الحرير، ولا يخدمني فلان وفلانة، وكنت ألصق بطني بالحصباء من الجوع، وإن كنت لأستقرئ الرجل الآية هي معي لكي ينقلب بي فيطعمني، وكان خير الناس للمساكين جعفر بن أبي طالب كان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته حتى إن كان ليخرج إلينا العكة التي ليس فيها شيء فنشقها فنلعق ما فيها. رواه البخاري
(2)
والترمذي
(3)
، ولفظه: قال: إن كنت لأسأل الرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الآيات من القرآن، أنا أعلم بها منه، ما أسأله إلا ليطعمني شيئا، وكنت إذا سألت جعفر ابن أبي طالب لم يجبني حتى يذهب بي إلى منزله، فيقول لامرأته: يا أسماء أطعمينا، فإذا أطعمتنا أجابني، وكان جعفر يحب المساكين. ويجلس إليهم ويحدثهم ويحدثونه وكان
(1)
حدائق الأولياء (1/ 536).
(2)
صحيح البخاري (3708).
(3)
سنن الترمذي (3766)، وقال: هذا حديث غريب. وقال الألباني: ضعيف جدا.
رسول الله صلى الله عليه وسلم يكنيه بأبي المساكين.
قوله: "إن الناس كانوا يقولون أكثر أبو هريرة الحديث"، أي من رواية الحديث وهو من باب حكاية كلام الناس. وفي حديث آخر [مرّ] في الصلاة والوضوء
(1)
: ولولا آيتان من كتاب الله [فقال:] ما حدثت. والمراد بالآيتين {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ}
(2)
الآية، ومعناه لولا أن الله تعالى ذم الكاتمين للعلم لما حدثتكم أصلا، لكن لما كان الكتمان حراما وجب الإظهار والتبليغ فلهذا حصل مني الإكثار لكثرة ما عندي منه. قوله:"وإني كنت لألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم لشبع بطني حين لا آكل الخمير ولا ألبس الحرير ولا يخدمني فلان وفلان" الحديث، أي كان يلازم النبي صلى الله عليه وسلم قانعا بالقوت لا مشتغلا بالتجارة ولا بالزراعة، يحضر ما يحضرون من أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحفظ ما لا يحفظون من أقواله، وهذا إشارة إلى المسموعات، وذلك إلى المشاهدات.
فائدة: وفي حديث آخر
(3)
: أن الناس كان يشغلهم [الصفق] بالأسواق، السفق يروى بالسّين والصاد، يريد صفق الأكف عن البيع والشراء، يضع يده في يد الآخر كما يفعل المتبايعان، وهي المرة من التصفيق باليدين، والسين والصاد في الصفق يتعاقبان مع القاف والفاء إلا أن بعض الكلمات تكثر في
(1)
صحيح البخاري (118 - 2047 - 2350)، وصحيح مسلم (2493).
(2)
البقرة: 174.
(3)
صحيح البخاري (118 - 2047 - 2350)، وصحيح مسلم (2493).
الصاد وبعضها يكثر في السين وهكذا [يروي]. قاله ابن الأثير
(1)
والله أعلم.
قوله رضي الله عنه: "وكنت ألصق بطني بالحصا من الجوع" الحديث. وفائدة إلصاق البطن بالحصا انكسار حرارة شدة الجوع ببرودة الحجر. قوله: "وكان خير الناس للمساكين جعفر بن أبي طالب"، وفي رواية الترمذي: كان جعفر بن أبي طالب يحب المساكين ويجلس إليهم ويحدثهم ويحدثونه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكنيه بأبي المساكين.
قال في المرصع
(2)
: أبو المساكين جعفر بن أبي طالب أخو علي بن أبي طالب كناه بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كان حفيا بالمساكين محسنا إليهم وأم المساكين زينب بنت خزيمة زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم كناها بذلك لحبها المساكين ورحمتها لهم. وفي البخاري عن الشعبي أن ابن عمر كان إذا سلم على جعفر قال السلام عليك يا ابن ذي الجناحين وهو ذو الجناحين وذو الهجرتين الجواد أبو الجواد، هاجر إلى الحبشة وكان هو [وأصحابه] سبب إسلام النجاشي وارتفق المسلمون بجعفر هناك وكان جعفر أميرهم في الهجرة، وهاجرت معه أسماء بنت عميس فولدت له هناك عبد الله بن جعفر وهو أول مولود ولد في الإسلام بأرض الحبشة، وقضية جعفر [مع] النجاشي في أول اجتماعه به وقراءته عليه سورة مريم مشهورة معروفة. ثم قدم من الحبشة هو ومن صحبه من المهاجرين ومن دخل في الإسلام هناك، وجاءوا
(1)
النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 376).
(2)
المرصع في في الآباء والأمهات (249) لابن الأثير.
في سفينتين في البحر فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في خيبر فأسهم لهم [منها] ولم يسهم لمن لم [يحضرها] غير أهل السفينة، وحديث قصتهم في الصحيح مشهورة ثم سكن المدينة ثم أمره النبي صلى الله عليه وسلم على جيش غزوة مؤتة بعد زيد بن حارثة فاستشهد هو وزيد فيها في جمادى الأولى سنة ثمان من الهجرة فأخبر بوفاته رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر في المدينة حال وفاته، واستغفر له وأمر المسلمين بالاستغفار له، ووجدوا به يومئذ أربعا وخمسين ضربة بالسيف في مقدمه، وقبره وقبر صاحبيه مشهورات بأرض مؤتة على نحو مرحلتين من بيت المقدس، والله أعلم. [وكان] عبد الله ولده [فهو]
(1)
الصحابي ابن [الصحابية]، قيل لم يكن في الإسلام أسخى منه، مات سنة ثمانين على الأصح.
قال ابن بطال
(2)
شارح البخاري في هذا الحديث: حفظ العلم والمواظبة على طلبه وفيه فضيلة أبي هريرة وفضل التقلل من الدنيا وإيثار طلب العلم على طلب المال، وفيه جواز الإخبار عن نفسه بفضيلته إذا اضطر إلى ذلك. وأقول: وجواز إكثار الأحاديث وجواز التجارة والعمل وجواز الاقتصار على الشبع، وقد تكون مندوبات وقد تكون واجبات بحسب الأشخاص والأوقات، ا هـ.
(1)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(2)
شرح صحيح البخاري لابن بطال (1/ 194).
5003 -
وعن محمد بن سيرين قال: كنا عند أبي هريرة رضي الله عنه، وعليه ثوبان ممشقان من كتان، فمخط في أحدهما، ثم قال: بخ بخ يمتخط أبو هريرة في الكتان لقد رأيتني وإني لأخر فيما بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحجرة عائشة من الجوع مغشيا علي، فيجيء الجائي فيضع رجله على عنقي يرى أن بي الجنون، وما هو إلا الجوع. رواه البخاري
(1)
والترمذي
(2)
وصححه.
[المشق] بكسر الميم: المغرة، وثوب ممشق: مصبوغ بها.
قوله: "وعن محمد بن سيرين" تقدم الكلام عليه. قوله: "كنت عند أبي هريرة وعليه ثوبان ممشقان من كتان" الحديث، أي مصبوغان بالمغرة، قاله الحافظ. قوله:"بخ بخ" تقدم معناه مرارا. قوله رضي الله عنه: "لقد رأيتني وإني لأخرّ فيما بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحجرة عائشة من الجوع مغشيا عليّ" الحديث، وفيه بيان ما هو أشد من ذلك من زوال العقل وسقوط القوى رأسا.
5004 -
وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى بالناس يخر رجال من قامتهم في الصلاة من الخصاصة، وهم أصحاب الصفة، حتى يقول الأعراب: هؤلاء مجانين أو مجانون، فإذا صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف إليهم، فقال: لو تعلمون ما لكم عند الله لأحببتم أن تزدادوا فاقة وحاجة. رواه الترمذي
(3)
، وقال: حديث صحيح، وابن حبان في صحيحه
(4)
.
(1)
صحيح البخاري (7324).
(2)
سنن الترمذي (2367)، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
(3)
أخرجه الترمذي (2368)، والحديث؛ أخرجه أحمد (24435)، والبزار (3750 و 3751)، والطبراني المعجم الكبير (18/ 310 / 798: 800)، والبيهقي في شعب الإيمان (9834 و 9956 و 9957). وصححه الألباني في صحيح الجامع (5265)، وصحيح الترغيب والترهيب (3306)، والصحيحة (2169)، وصحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان (2/ 495/ 2153).
(4)
ابن حبان (724).
[الخصاصة] بفتح الخاء المعجمة وصادين مهملتين: هي الفاقة والجوع.
قوله: "وعن فضالة عن عبيد" كذا.
قوله: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الناس يخر رجال من قامتهم في الصلاة من الخصاصة، وهم أهل الصفة" الحديث، الخصاصة بفتح الخاء المعجمة وصادين مهملتين، هي الفاقة والجوع، اهـ. قاله الحافظ. ومعنى الحديث: يخر رجال أي من الجوع والضعف، وأهل الخصاصة [الفقر] والحاجة إلى الشيء، قاله في النهاية
(1)
. قوله: "حتى تقول الأعراب هؤلاء مجانين أو مجانون" الحديث، المجانين جمع تكسير لمجنون وأما مجانون فشاذ كما شذ شياطون في شياطين، وقد قرئ "واتبعوا ما تتلوا الشياطون".
في شعر الفرزدق يمدح علي بن الحسين زين العابدين في:
كفه جنهى ريحه عبق
…
من كف أورع في في عرنينه شمم
الجنهى الخيزران، ويروى في كفه خيزارن، قاله في النهاية
(2)
، وفيه بيان مرتبة الخصاصة المتحملة من أجل الله ومن عظيم شأنها وجب إبهامها فلم
(1)
النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 37).
(2)
النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 309).
يعبر عنها إلا [بقوله]: لو تعلمون ما لكم عند الله تعالى لأحببتم أن تزدادوا فاقة وحاجة والله أعلم.
5005 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتت علي ثلاثة أيام لم أطعم، فجئت أريد الصفة فجعلت أسقط، فجعل الصبيان يقولون: جن أبو هريرة، قال: فجعلت أناديهم وأقول: بل أنتم المجانين حتى انتهينا إلى الصفة، فوافقت رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بقصعتين من ثريد، فدعا عليها أهل الصفة، وهم يأكلون منها، فجعلت أتطاول كي يدعوني حتى قام القوم، وليس في القصعة إلا شيء في نواحي القصعة، فجمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فصارت لقمة فوضعه على أصابعه فقال لي: كل باسم الله، فوالذي نفسي بيده ما زلت آكل منها حتى شبعت رواه ابن حبان في صحيحه
(1)
.
قوله: "وعن أبي هريرة" تقدم الكلام على ترجمته، قوله رضي الله عنه:"أتت عليّ ثلاثة أيام لم أطعم، جئت أريد الصفة" الحديث، لم أطعم أي لم آكل، والصفة موضع معروف بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تقدم الكلام عليه في الجهاد وغيره.
5006 -
وعن عبد الله بن شقيق قال: أقمت مع أبي هريرة رضي الله عنه بالمدينة سنة فقال لي ذات يوم ونحن عند حجرة عائشة: لقد رأيتنا وما لنا ثياب إلا الأبراد الخشنة وإنه ليأتي على أحدنا الأيام ما يجد طعاما يقيم به صلبه حتى
(1)
أخرجه ابن حبان (6533)، وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (1926)، وضعيف موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان (ص: 160/ 260).
إن كان أحدنا ليأخذ الحجر فيشد به على أخمص بطنه ثم يشده بثوبه ليقيم صلبه. رواه أحمد
(1)
وراوته رواة الصحيح.
قوله: "وعن عبد الله بن شقيق" هو أبو عبد الرحمن، عبد الله بن شقيق العقيلي البصري، من بني عقيل بن كعب. وهو من مشاهير التابعين وثقاتهم.
سمع عليا، وعثمان، وعائشة، ومن بعدهم.
قوله: "وما لنا ثياب إلا البراد المفتقة" البراد جمع بردة. قوله: "حتى إن كان أحدنا ليأخذ الحجر فيشدّ به على أخمص بطنه". الحديث. أخمص البطن هو الموضع الذي كذا.
5007 -
وَعَن عبد الله بن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ نظر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى الْجُوع فِي وُجُوه أَصْحَابه فَقَالَ أَبْشِرُوا فَإِنَّهُ سَيَأْتِي عَلَيْكُم زمَان يغدى على أحدكُم بالقصعة من الثَّرِيد وَيرَاح عَلَيْهِ بِمِثْلِهَا قَالُوا يَا رَسُول الله نَحن يَوْمئِذٍ خير قَالَ بل أَنْتُم الْيَوْم خير مِنْكُم يَوْمئِذٍ رَوَاهُ الْبَزَّار بِإِسْنَاد جيد
(2)
.
5008 -
وعن أبي برزة رضي الله عنه قال: كنا في غزاة لنا فلقينا أناسا من المشركين، فأجهضناهم عن ملة لهم، فوقعنا فيها فجعلنا نأكل منها، وكنا
(1)
أحمد (8301)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 321) رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح.، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3307).
(2)
أخرجه البزار (1941). وقال البزار: وهذا الحديث لا نعلم رواه عن مجالد إلا محمد بن فضيل، ولا عن ابن فضيل إلا محمد بن جعفر هذا ولم يتابع عليه. وقال الهيثمى في المجمع 10/ 323: رواه البزار، وإسناده جيد. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (2141) و (3308).
نسمع في الجاهلية أنه من أكل الخبز سمن، فلما أكلنا ذلك الخبز جعل أحدنا ينظر في عطفيه هل سمن؟ رواه الطبراني
(1)
رواته رواة الصحيح.
قوله: "وعن أبي برزة" أبو برزة اسمه نضلة، بنون ثم ضاد معجمة، ابن عبيد، هذا هو الصحيح المشهور في اسمه.
قوله: "كنا في غزاة فلقينا أناسا من المشركين فأجهضناهم عن ملة لهم" الحديث، أجهضناهم أي أزلناهم عنها وأعجلناهم، قاله الحافظ المنذري.
قوله: "جعل أحدنا ينظر في عطفيه هل سمن" عطفا الإنسان جانباه.
5009 -
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر علينا أبا عبيدة رضي الله عنه نلتقي عير قريش وزودنا جرابا من تمر لم نجد لنا غيره، فكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة، فقيل: كيف كنتم تصنعون بها؟ قالوا: نمصها كما يمص الصبي، ثم نشرب عليها من الماء فتكفينا يومنا إلى الليل، وكنا نضرب بعصينا الخبط، ثم نبله فنأكله، فذكر الحديث. رواه مسلم
(2)
.
(1)
أخرجه الطبراني كما في مجمع الزوائد (10/ 323)، وأخرجه أبو بكر بن أبي شيبة (24377 و 32675)، وأحمد بن منيع -كما في إتحاف الخيرة المهرة (4/ 96) - والحربي في غريب الحديث (1/ 329)، وابن قانع في معجم الصحابة (3/ 159)، والبيهقي في معرفة السنن والآثار (5578)، وفي الكبرى (9/ 60)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (62/ 96)، والحاكم (2/ 146)، وقال. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 324): رواه كله الطبراني ورجاله رجال الصحيح. وقال البوصيري: رواته رواة الصحيح، رواه الطبراني. وقال الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (1927): ضعيف موقوف.
(2)
صحيح مسلم (17)(1935).
قوله: "وعن جابر بن عبد الله" تقدم الكلام على مناقبه. قوله: "وأمّر علينا أبا عبيدة" يعني ابن الجراح واسمه عامر أحد العشرة المبشرين بالجنة. [قاله] النووي
(1)
في هذا الحديث: إن الجيوش لا بد لها من أمير يضبطها وينقادون لأمره ونهيه وأنه ينبغي أن يكون الأمير أفضلهم أو من أفضلهم، قالوا: ويستحب للرفقة من الناس وإن قلوا أن يؤمروا بعضهم عليهم، وينقادوا له. وسرية أبي عبيدة هذه يقال له سرية الخبط وكانت في شهر رجب سنة ثمان من الهجرة وفيها كان عمر بن الخطاب وقيس بن [سعد] مع أبي عبيدة، وحديثها رُوِي في الغيلانيات
(2)
أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة في سرية فيها المهاجرون والأنصار ثلاثمائة رجل وفيها وجد الحوت العظيم الذي يقال له العنبر بعد المجاعة التي حصلت لهم فأوجبت أكل الخبط.
[قوله: "نلتقي عير قريش" والعير هي الإبل التي تحمل الطعام. وفي هذا الحديث جواز [رصد] أهل الحرب واغتيالهم والخروج لأخذ ما لهم واغتنامه. قوله: "وزودنا جرابا من تمر" الجراب بالكسر والفتح لغتان والكسر أفصح وأشهر. قال الجوهري
(3)
: والعامة تفتحه وهو وعاء من جلد، وفي رواية من هذا الحديث: ونحن أزوادنا على رقابنا، وفي هذا بيان ما كان
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (2/ 259)، الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (21/ 15).
(2)
الفوائد الشهير بالغيلانيات لأبي بكر الشافعي (1091).
(3)
الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (1/ 98).
الصحابة رضي الله تعالى عنهم عليه من الزهد في الدنيا والتقلل منها والصبر على الجوع وخشونة العيش وإقدامهم على الغزو مع هذا الحال. قوله: "فكان أبو عبيدة يعطينها تمرة تمرة" الحديث. أما إعطاء أبي عبيدة إياهم تمرة تمرة فإنما كان في [الحال] الثاني بعد أن فني زاهدهم وطال لبثهم كما هو مفسر في بعض الروايات، فالرواية [لا عن] أوله والظاهر عن آخر الأمر والظاهر أن قوله [رضي الله تعالي]: تمرة تمرة، إنما كان بعد أن قسم عليهم قبضة قبضة، فلما قلّ تمرهم قسمه تمرة تمرة، [ثم فرغ وفقدوا التمرة]
(1)
، ووجدوا ألما لفقدها، وأكلوا الخبط إلى أن فتح الله عليهم بالعنبر وهو حوت أكلوا منه نصف شهر، والله أعلم. قاله النووي في شرح مسلم
(2)
]
(3)
. [وفيه: "فانطلقنا] على ساحل البحر [فرفع لنا على ساحل البحر] كهئية الكثيب فأتينا فإذا هي دابة [وهي] العنبر" وفي رواية: فألقى البحر حوتا ميتا لم نر مثله، يقال له: العنبر، فأكلنا منه نصف شهر، وأخذ أبو عبيدة عظما من عظامه فمر الراكب تحته، رواه البخاري
(4)
. فقال أبو عبيدة ميتة ثم قال: لا بل نحن رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي سبيل الله وقد اضطررتم فكلوا، فأقمنا
(1)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(2)
شرح النووي على مسلم (13/ 85).
(3)
حصل تأخير لهذه الفقرة في النسخة الهندية، وأدرجت بعد قوله:(فإن قيل: لا حجة [في حديث] العنبر لأنهم كانوا مضطرين قلت: الاحتجاج بأكل النبي صلى الله عليه وسلم منه في المدينة من غير [ضرورة] اهـ).
(4)
صحيح البخاري (4361).
عليه شهرا ونحن ثلاثمائة حتى سمنّا، وفي آخر الحديث
(1)
: فلما قدمنا المدينة أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكرنا ذلك له فقال: هو زرق أخرجه الله لكم فهل معكم من لحمه شيء فتطعمونا، قال: فأرسلنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأكله.
تنبيه: قال في المفهم
(2)
في الدابة التي تسمى العنبر، [و] لعلها سميت بذلك لأنها الدابة التي تلقي العنبر، وكثيرا ما يوجد العنبر على سواحل البحر، وقد وُجِد عندنا منه على ساحل البحر بقادس من الأندلس قطعة كبيرة كالكويم حصل لواجديه فيه أموال عظيمة، اهـ. قوله:"فقال أبو عبيدة ميتة، ثم قال لا" الحديث، كذا قاله أولا باجتهاده أنها ميتة والميتة حرام ثم تغير اجتهاده وقال: بل هي حلال لكم وإن كانت ميتة لأنكم في سبيل الله وقد اضطررتم، وقد أباح الله الميتة، {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ}
(3)
. قوله [رضي الله تعالى عنه] في الحديث: كهيئة الكثيب، بالثاء المثلثة، الرمل المستطيل المحدود ب.
تنبيه: السمك الطافي هو الذي يموت في البحر بلا سبب، مذهب الشافعي إباحته وهو قول الجمهور من علماء الصحابة فمن بعدهم منهم أبو بكر الصديق وأبو أيوب وعطاء ومكحول والنخعي ومالك وأحمد وأبو ثور وداود وغيرهم. وقال جابر بن عبد الله وجابر بن زيد وطاوس وأبو حنيفة لا
(1)
صحيح مسلم (17)(1935).
(2)
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (16/ 125).
(3)
المائدة: 3.
يحل. دليلنا قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ}
(1)
، قال ابن عباس والجمهور: صيده ما صدتموه، وطعامه ما قذفه، ويدل لذلك أيضا قوله صلى الله عليه وسلم
(2)
: هو الطهور ماؤه الحل ميتته، وهو حديث صحيح.
وحديث أبي عبيدة هذا وهو حديث العنبر رواه البخاري
(3)
ومسلم
(4)
(1)
المائدة: 96.
(2)
ورد من حديث أبي هريرة ومن حديث أبي بكر الصديق ومن حديث علي ومن حديث جابر ومن حديث ابن عباس ومن حديث ابن عمرو ومن حديث أنس ومن حديث الفراسي ومن حديث العركي فأما حديث أبي هريرة فأخرجه مالك (1/ 22)، والشافعي في الأم (1/ 2)، وأبو عبيد في الطهور (220) وابن أبي شيبة (1372) وأحمد (2/ 237 و 361) والبخاري في الكبير (2/ 1/ 478) والدارمي (735 و 2017) وأبو داود (83) وابن ماجه (386 و 3246) والترمذي (69) والنسائي (1/ 44 و 143 و 7/ 183) وفي الكبرى (58 و 4862) وابن الجارود (43) وابن خزيمة (111) وأبو علي الطوسي في مختصر الأحكام (60) وابن المنذر في الأوسط (1/ 247) والطحاوي في المشكل (4029 و 4030) وابن حبان (1243 و 5258) والدارقطني (1/ 36)، والحاكم (1/ 140 - 141) في المعرفة (ص 87) والبيهقي (1/ 3) وفي معرفة السنن (1/ 222 - 223) قال الترمذي: حديث حسن صحيح وقال ابن المنذر: ثابت وقال ابن حبان: صحيح المجروحين 2/ 299). وهو أصح ما ورد، وصححه البخاري، والترمذي، والبيهقي، والنووي، وابن تيمية، وابن القيم، وقال ابن عبد البر: هو عندي صحيح؛ لأن العلماء تلقوه بالقبول له، والعمل به، ولا يخالف في جملته أحد من الفقهاء ينظر أقوالهم في: علل الترمذي الكبير 1/ 136، وجامع الترمذي 1/ 101، والمعرفة 1/ 138، والمجموع 1/ 82، ومجموع الفتاوى 21/ 26، وزاد المعاد 4/ 394، والتمهيد 16/ 218 - 219.
(3)
صحيح البخاري (4361).
(4)
صحيح مسلم (17)(1935).
وأبو داود
(1)
والنسائي
(2)
وابن ماجه
(3)
ففيه إباحة ميتات البحر كلها سواء في ذلك ما مات بنفسه أو باصطياد، وقد أجمع المسلمون على إباحة السمك. قال أصحابنا: ويحرم [الضفدع للحديث
(4)
] في النهي عن قتلها. قالوا: وفيما سوى ذلك ثلاثة أوجه أصحها يحل جميعه لهذا الحديث، والثاني لا يحل، والثالث يحل ما له نظير مأكول في البرذون ما لا يؤكل نظيره فعلى هذا يؤكل خيل البحر وغنمه وظباؤه دون كلبه وخنزيره و [حماره]. قال أصحابنا: والحمار وإن كان في البر منه مأكول وغيره لكن المغلب غير المأكول، هذا تفصيل مذهبنا، وممن قال بإباحة جميع حيوان البحر إلا الضفدع أبو بكر
(1)
سنن أبي داود (3840).
(2)
سنن النسائي (7/ 207).
(3)
سنن ابن ماجه (4159).
(4)
أبو داود (3871)، (5269)، والنسائي (7/ 185)، وفي الكبرى (4867)، وأخرجه الطيالسي (1279)، وابن أبي شيبة (23709) وأحمد (15757 - 16069)، وعبد بن حميد (313)، والدارمي (2004)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة (1/ 285)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (1779 - 1780)، وأبو القاسم البغوي في الصحابة (1887) وابن قانع في الصحابة (2/ 160)، والحاكم (4/ 410 - 411)، وأبو نعيم في الصحابة (4596)، والبيهقي السنن الكبرى (9/ 434)، وفي معرفة السنن والآثار (13/ 467)، والخطيب في التاريخ (5/ 199 و 199 - 200)، والمزي (10/ 406)، وقال الحاكم: صحيح الإسناد وقال النووي في المجموع شرح المهذب (9/ 31) رواه أبو داود بإسناد حسن والنسائي بإسناد صحيح، وصححه الألباني في المشكاة (4545)، وصحيح الترغيب والترهيب (2991).
الصديق وعمر وعثمان وابن عباس [رضي الله تعالى عنهم] وأباح مالك الضفدع [والجميع] وقال أبو حنيفة لا يحل غير السمك، فإن قيل: لا حجة [في حديث] العنبر لأنهم كانوا مضطرين قلت: الاحتجاج بأكل النبي صلى الله عليه وسلم منه في المدينة من غير [ضرورة] اهـ. قوله: "قيل كيف تصنعون بها؟ قالوا: نمصها كما يمص الصبي ثم نشرب عليها من الماء" الحديث، نمصها هو بفتح الميم على اللغة المشهورة وهو أفصح وحكي ضمها. قوله:"وكنا نضرب بعصينا الخبط ثم نبله فنأكله" الحديث، الخبط هو بفتح الخاء المعجمة والباء الموحدة اسم لما يخبط فيتساقط من ورق الشجر، وبسكون الباء المصدر ولا يختص ذلك بوق السنط كما هو مشهور في بلادنا بل هو أعم من ذلك. فإن قلت: كيف يتأتى أكل الخبط وكيف ينساغ في الحلق وإنما هو من مأكول البهائم؟
قلت: كانوا [يبلونه] بالماء كما هو مذكور في الحديث، "ثم نبلّه فنأكله" وإذا بُلّ لان للمضغ، وذلك حين فقدوا التمرة [التمرة]
(1)
الموزعة عليهم، وفيه بيان ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم من الجهد والاجتهاد والصبر على الشدائد العظام والمشقات الفادحة لإظهار الدين وإطفاء كلمة المشركين. قاله في شرح الأحكام
(2)
، وفيه معنى قوله تعالى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ
(1)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(2)
طرح التثريب في شرح التقريب (6/ 10).
مِنْ سَعَتِهِ}
(1)
الآية، فأبو عبيدة لما قدر عليه رزقه صرف تمرة تمرة فمصت فلما وسع عليهم بالعنبر أكلوا منه حتى سمنوا وتزودوا، فالتقلل مراتب ولكل مرتبة أحوال تناسبها.
5010 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه أصابهم جوع وهم سبعة، قال: فأعطاني النبي صلى الله عليه وسلم سبع تمرات لكل إنسان تمرة. رواه ابن ماجه
(2)
بإسناد صحيح.
قوله: "وعن أبي هريرة" تقدم الكلام عليه، وتقدم معنى الحديث.
5011 -
وعن محمد بن سيرين رضي الله عنه قال: إن كان الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يأتي عليه ثلاثة أيام لا يجد شيئا يأكله، فيأخذ الجلدة فيشويها فيأكلها، فإذا لم يجد شيئا أخذ حجرا فشد صلبه. رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الجوع
(3)
بإسناد جيد.
قوله: "وعن محمد بن سيرين"[وسيرين] يكني بأبي عمرة وقيل أنه
(1)
الطلاق: 7.
(2)
ابن ماجه (4157)، وقال الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (1928): شاذ قلت: لكن في رواية البخاري أنه أعطى لكل إنسان سبع تمرات، وهي المحفوظة، كما بينته في الأصل، فرواية ابن ماجه شاذة. وأخرجه البخاري (5411)، والترمذي (2474)، والنسائي في الكبرى (6698)، وقال أبو عيسى الترمذي: هذا حديث صحيح.، وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (4/ 307) أبو بكر بن أبي شيبة هذا إسناد رجاله ثقات.
(3)
الجوع لابن أبي الدنيا (61)، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3310): حسن موقوف.
معرب شيرين بالشين المعجمة أي الحلو وكان عبدا لأنس بن مالك وكاتبه على عشرين ألفا فأدى نجوم الكتابة وأم محمد اسمها صفية مولاة الصديق رضي الله عنه، وأدرك محمد بن سيرين ثلاثين من الصحابة، ولد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان وهو ممن لا يجوِّز نقل الحديث بالمعني، وكان يحدث بالحديث على حروفه وهو ثقة رفيع المرتبة إمام في العلوم، ورع في فقهه، فقيه في ورعه، مشهور بعلم العبارة وكان بزّازّا وحبس بدين كان عليه، قيل سبب حبسه أنه اشترى زيتا بأربعين ألف درهم فوجد في زق منه فأرة فقيل الفأرة كانت في المعصرة، فصب الزيت كله، فانكسر عليه ثمنه، وكان به صمم وهو أخو معبد وأنس ويحيى بني سيرين وإذا أطلق ابن سيرين فالمراد به محمد هذا. وروى محمد عن يحيى عن أنس وهو من [المستظرف] لكونه ثلاثة إخوة [يروي] بعضهم عن بعض، مات بالبصرة سنة عشرة ومائة بعد الحسن بمائة يوم والله أعلم. قاله الكرماني
(1)
تقدم معنى الحديث.
5012 -
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: إني لأول العرب رمى بسهم في سبيل الله، ولقد كنا نغزوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لنا طعام إلا ورق الحبلة، وهذا السمر حتى إن كان أحدنا ليضع كما تضع الشاة ماله خلط. رواه البخاري
(2)
ومسلم
(3)
.
(1)
الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (1/ 184).
(2)
صحيح البخاري (3728 - 5412 - 6453).
(3)
صحيح مسلم (12)(2966).
[الحبل] بضم الحاء المهملة وإسكان الباء الموحدة.
[والسمر] بفتح السين المهملة وضم الميم: كلاهما من شجر البادية.
قوله: "وعن سعد بن أبي وقاص" هو أبو إسحاق سعد بن مالك ابن وهب، ويقال: أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤى القريشى الزهري المكى المدنى. أحد العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، وتوفى وهو عنهم راض، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين جعل عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، أمر الخلافة إليهم.
قوله: "إني لأول رجل من العرب رمى بسهم في سبيل الله" الحديث. فيه منقبة عظيمة ظاهرة له وجواز مدح الإنسان نفسه عند الحاجة. قوله: "ولقد كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لنا طعام إلا ورق الحبلة وهذا السمر"، ورق الحُبلة بضم المهملة وإسكان الموحدة، والسمر بفتح السين وضم الميم كذا هو عند التميمي والطبري [وهذا السمر و] عند البخاري ورق السمر. قال [ابن] الأعرابي: الحبلة [ثمر] السمر يشبه اللوبيا. وقيل ثمر العضاه والأول هو المعروف. وفي مسلم ما لنا طعام إلا ورق الحبلة وهو السمر، [و] كذا عند عامة الرواة، والحبلة والسمر كلاهما من شجر البادية، قاله الحافظ المنذري، وكذا قال أبو عبيد وآخرون. وقيل الحبلة ثمر العضاة، وبهذا يظهر من رواية البخاري: إلا الحبلة، وورق العضاة. وقال ابن الأثير في النهاية
(1)
، الحبلة وورق السمر، الحبلة ثمر السمر يشبه اللوبيا وقيل هو ثمر العضاه
(1)
النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 334).
وقال أيضا السمر هو ضرب من شجر الطلع، الواحدة سمرة ومنه الحديث: يا أصحاب السمرة، هي الشجرة التي كانت عندها بيعة الرضوان عام الحديبية، اهـ. والسمر هو شجر أم غيلان، والبرم ثمر السمر.
قوله: "حتى إن كان أحدنا ليضع كما تضع الشاة ماله خلط" الحديث، أي لا يخالط شيء من ثُفل الطعام غيره أي لا يختلط نجوهم بعضهم ببعض لجفافه ويبسه فإنهم كانوا يأكلون خبز الشعير وورق الشجر لفقرهم وحاجتهم يعني كان يخرج بعرا ليُبسه من أكلهم ورق السمر وعدم الغذاء المألوف، اهـ، قاله في النهاية
(1)
، فيه بيان لما كانوا عليه من الزهد في الدنيا والتقلل منها والصبر في طاعة الله تعالى على المشاق الشديدة؛ وفيه أن اعتياد الخشونة تسهل الغربة في طلب محاب الله ومراضيه، وأما الترفه فاعتياده مضيع لكثرة الخيرات ومتى تصل الفاقة إلى تقوت ورق الحبلة والسمر ثم متى [يقصد] مثله، والله أعلم، قاله في الحدائق.
5013 -
وعن خالد بن عمير العدوي قال: خطبنا عتبة بن غزوان رضي الله عنه وكان أميرا بالبصرة، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، فإن الدنيا قد آذنت بصرم وولت حذاء، ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء يتصابها صاحبها، وإنكم منتقلون منها إلى دار لا زوال لها، فانتقلوا بخير ما بحضرتكم، فإنه قد ذكر لنا أن الحجر يلقى من شفير جهنم، فيهوي فيها سبعين عاما لا يدرك لها قعرا، والله لتملأن، أفعجبتم؟ ولقد ذكر لنا أن ما بين مصراعين من مصاريع
(1)
النهاية في غريب الحديث والأثر (5/ 198).
الجنة مسيرة أربعين عاما، وليأتين عليه يوم، وهو كظيظ من الزحام، ولقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لنا طعام إلا ورق الشجر حتى قرحت أشداقنا فالتقطت بردة فشققتها بيني وبين سعد بن مالك، فاتزرت بنصفها، واتزر سعد بنصفها، فما أصبح اليوم منا أحد إلا أصبح أميرا على مصر من الأمصار، وإني أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيما وعند الله صغيرا. رواه مسلم
(1)
وغيره.
[آذنت] بمد الألف: أي أعلمت.
[بصرم] هو بضم الصاد وإسكان الراء: بانقطاع وفناء.
[حذاء] هو بحاء مهملة مفتوحة ثم ذال معجمة مشددة ممدودا، يعني سريعة.
[والصبابة] بضم الصاد: هي البقية اليسيرة من الشيء.
[يتصابها] بتشديد الموحدة قبل الهاء: أي يجمعها.
[والكظيظ] بفتح الكاف وظاءين معجمتين: هو الكثير الممتلئ.
قوله: "وعن خالد بن عمير العدوي" من المخضرمين. أدرك الجاهلية. وسمع عتبة بن غزوان، حديثه في البصريين، روى عنه حميد بن هلال.
قوله: "خطبنا عتبة بن عزوان وكان أميرا بالبصرة فحمد الله أثنى عليه" الحديث. عتبة بن غزوان كنيته أبو عبد الله وقيل أبو غزوان عتبة بن غزوان بن جابر بن وهب بن نُسيب بضم النون بن زيد بن مالك بن الحارث بن عوف
(1)
صحيح مسلم (14)(2967).
ابن مازن بن منصور بن عكرمة بن خفصة بن قيس بن عيلان بالعين المهملة ابن مضر بن نزار بن معد بن عدنان المازني حليف بني عبد شمس، أسلم قديما هاجر إلى الحبشة وهو ابن أربعين سنة ثم عاد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة فأقام معه حتى هاجر إلى المدينة مع المقداد وكانا من السابقين إلى الإسلام وشهد بدرا وبيعة الرضوان وما بعدها، رُويَ له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع أحاديث، روى مسلم أحدها، قال محمد بن سعد: كان رجلا طُوالا [جميلا]، هو قديم الإسلام، أسلم بعد ستة رجال [و] هو سابعهم، وكان أول من نزل البصرة وهو أول من اختطّها، وكان من الرماة المذكورين، توفي بطريق البصرة وقيل [في الربذة] سنة سبع عشرة من الهجرة وقيل سنة خمس عشرة وقيل أربع عشرة وهو ابن سبع وخمسين سنة والله أعلم.
قوله: "وكان أميرا بالبصرة" و [البصرة] بكسر الباء وفتحها وضمها ثلاث لغات والمشهور الفتح ويقال لها قبة الإسلام [و] خزانة العرب بناها عتبة بن غزوان في خلافة عمر بن الخطاب سنة سبع عشرة من الهجرة وسكنها الناس سنة [ثمان] عشرة ولم يُعبد صنم قط على أرضها وهي داخلة في أرض سواد العراق. قوله: "إن الدنيا قد آذنت بصرم" الحديث، آذنت بمد الألف أي أعلمت، قاله الحافظ، بصرم أي بانقطاع وفناء. قاله الحافظ أيضا.
قوله: "وولت حذاء" أي سريعة، قاله الحافظ أيضا، وقال في النهاية
(1)
أي: خفيفة سريعة. قوله: "ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء" والصبابة هي
(1)
النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 356).
البقية اليسيرة من الشيء، قاله المنذري. قوله:"يتصابها صاحبها" أي يجمعها. قوله: "شفير جهنم" تقدم الكلام على شفير جهنم في كتاب القضاء. قوله: "إن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة" الحديث، المصراعان [جانبا] الباب. قوله:"وليأتينّ عليه يوم وهو كظيظ من الزحام" الكظيظ وهو الكبير الممتلئ. قاله المنذري. قوله: "حتى قرحت أشداقنا" أي صار فيها قروح وجراح من خشونة الورق الذي نأكله وحرارته. تنبيه: وفيه فائدة رابعة: وهو ما يشعر به الجوع من معنى [تعالى:]{وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً}
(1)
فلو لم تقرح أشداقهم ما صاروا أمراء الأمصار، فمصير أهل الفاقة [يُملَّكون] مفاتيح الخير، والصبر مفتاح الفرج، {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ}
(2)
الآية، قاله في الحدائق.
تنبيه أيضا: خطب النبي صلى الله عليه وسلم يوما أصحابه والشمس على رءوس الجبال فقال
(3)
: إنه لم يبق من الدنيا فيما مضى منها إلا كما بقي من يومكم هذا فيما
(1)
سورة القصص، الآية:5.
(2)
سورة الأنفال، الآية:26.
(3)
سنن الترمذي (2191)، وقال: وهذا حديث حسن. وأخرجه ابن أبي الدنيا في الزهد (349)، وفي قصر الأمل (119)، وابن أبي عاصم في الزهد (189) أبو الشيخ في الأمثال (283) قال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (8/ 67) رواه أبو داود الطيالسي والحميدي وأبو يعلي، ومدار أسانيدهم على علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف.، وقال الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي: ضعيف، لكن بعض فقراته صحيح. =
مضى منه، والله أعلم.
قوله: "فالتقطت بردة فشققتها بيني وبين سعد بن مالك" البردة الشملة، والعرب تسمي الكساء الذي يلتحف به بردة. قوله:"فما أصبح اليوم منا أحد إلا أصبح أميرا على مصر من الأمصار" المصر البلد الكبير كالبصرة والكوفة ونحوهما، ويكون فيه نائب السلطان، اهـ.
5014 -
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: لو رأيتنا ونحن مع نبينا صلى الله عليه وسلم لحسبت أنما ريحنا الضأن، إنما لباسنا الصوف، وطعامنا الأسودان: التمر والماء. رواه الطبراني في الأوسط
(1)
، ورواته رواة الصحيح، وهو في الترمذي
(2)
وغيره دون قوله: إنما لباسنا إلى آخره، وتقدم في اللباس.
قوله: "وعن أبي موسى" اسمه عبد الله بن قيس الأشعري، تقدم، قوله:"لو رأيتنا ونحن مع نبينا صلى الله عليه وسلم إنما ريحنا ريح الصنان" بضم الصاد المشددة
= فانظر مثلا ابن ماجه (4000) الرد على بليق (86)، ضعيف سنن ابن ماجه (865).
(1)
المعجم الأوسط (1946)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 325): رواه أبو داود باختصار. رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (1929).
(2)
الترمذي (2479)، وقال الترمذي: هذا حديث صحيح، والحديث؛ أخرجه الطيالسي (527)، وابن في سعد الطبقات الكبرى (4/ 81)، وأحمد (19758)(19759)، وأبو داود (4033) والبزار (3134 و 3135)، والروياني (455)، وأبو يعلى (7266)، وابن عدي في الكامل (9/ 363)، والحاكم (4/ 187)، والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 588)، والبغوي في شرح السنة (3098)، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه.
[والنون] المفتوحة، كذا رأيته مضبوطا، وتقدم في كتاب اللباس.
قوله: "وطعامنا الأسودان التمر والماء"[الأسودان هما التمر والماء]، أما التمر فأسود وهو الغالب على تمر المدينة فأضيف الماء إليه ونُعت بنعته اتباعا والعرب تفعل ذلك في الشيئين [يصطحبان معا فيسميان] باسم الأشهر منهما كالقمرين والعمرين.
5015 -
وعن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نلتمس وجه الله، فوقع أجرنا على الله فمنا من مات لم يأكل من أجره شيئا، منهم مصعب بن عمير قتل يوم أحد، فلم نجد ما نكفنه به إلا بردة إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه، وإذا غطينا رجليه خرج رأسه، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نغطي رأسه، وأن نجعل على رجليه من الإذخر، ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها. رواه البخاري
(1)
ومسلم
(2)
والترمذي
(3)
وأبو داود
(4)
باختصار.
[البردة]: كساء مخطط من صوف، وهي النمرة. [أينعت] بياء مثناة تحت بعد الهمزة: أي أدركت ونضجت. [يهدبها] بضم الدال المهملة وكسرها بعدها باء موحدة: أي يقطعها ويجنيها.
(1)
صحيح البخاري (1276).
(2)
صحيح مسلم (44)(940).
(3)
سنن الترمذي (3853)، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وأخرجه النسائي (4/ 38).
(4)
سنن أبي داود (3155).
قوله: "وعن خباب بن الأرتّ" وهو بفتح الخاء المعجمة وبعدها باء موحدة مفتوحة مشددة وبعد الألف باء موحدة، والأرث بفتح الهمزة وبعدها راء مفتوحة مهملة وتاء ثالث الحروف، كنيته أبو عبد الله ويقال أبو محمد ويقال أبو يحيى واختلف في نسبه فقيل خزاعي مولاهم وقيل تميمي، [هذا] النسب حليف لبني زهرة والصحيح أنه تميمي النسب لحقه [سبيا] في الجاهلية فأسرته امرأة من خزاعة فأعتقته وكانت من حلفاء بني زهرة فهو تميمي النسب خزاعي الولاء زهري الحلف، كان سادس ستة في الإسلام، كان يعذب في الله عز وجل، قال: أُوقِدت النار ثم وُضعتُ عليها فما أطفاها إلا ودَك ظهري، اكتوى سبعا في بطنه لوجع كان فيه.
فإن قلت: قد نهي عن الكي؟ قلت: ذلك لمن [يعتقد] أنّ الشفاء من الكي أو ذلك للقادر على مداواة أخرى. توفي رضي الله عنه بالكوفة سنة سبع وثلاثين وله [ثلاث وسبعون] سنة.
قوله: "هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نلتمس وجه الله"، [المراد بوجه الله تعالى أي ذات الله] أي جهة الله لا جهة الدنيا، الله أعلم. قوله:"فمنا من مات لم يأكل من أجره شيئا" معناه لم توسع عليه الدنيا أي منا من مات على الحال التي هاجر عليها من الفقر ومجانبة زهرة الدنيا وطيباتها فذاك الذي سلم له أجر عمله كله ومعناه لم يعجل له شيء من جزاء عمله فرآى أن نيل طيبات الدنيا نقص من ثواب الأعمال الصالحة فيها. وقد قال البخاري في هذا الحديث: لقد خشيت أن [يكون] عجلت لنا طيباتنا في حياتنا الدنيا.
وقال الكرماني
(1)
معنى قوله: لم يأكل من أجره شيئا يعني لم يكسب من الدنيا ولا اقتناه وقصر نفسه عن سؤالها لينالها موفرة في الآخرة، ومنا من كسب المال ونال من عرض الدنيا. اهـ.
قوله: "منهم مصعب بن عمير قتل يوم أحد" تقدم الكلام على مصعب بن عمير في أماكن من هذا التعليق مبسوطا. قوله: "فلم نجد ما نكفنه به إلا بردة إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه إذا غطينا بها رجليه خرج رأسه" الحديث، البردة كساء مخطّط من صوف وهي النمرة تلبسها الأعراب، وتقدم تفسيرها مرارا في الأحاديث المتقدمة، [و] تكفينه في البردة دليل على أن الاقتصار على ثوب واحد يجوز في حالة الضرورة وهذا كفن الضرورة، وقد يستدل بهذا الحديث على أن الكفن من رأس المال وأنه مقدم على الديون لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بتكفينه في نمرته ولم يسأل هل عليه دين مستغرق أم لا ولا يبعد من حال من لا يكون له إلا نمرة أن يكون عليه دين. [و] استثنى أصحابنا من الديون الدين المتعلق بعين المال [فيُقدَّم] على الكفن وكذا العبد الجاني والمرهون والمال الذي تعلقت به زكاة أو حق [بائعه] بالرجوع بالإفلاس ونحو ذلك.
قوله: "فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نغطي رأسه وأن نجعل على رجليه من الإذخر" الحديث، الإذخر هو بكسر الهمزة والخاء وهو حشيش معروف عريض الورق طيب الرائحة، وفي [هذا] الحديث دليل [على أن ستر جميع بدن الميت واجب، وفي الحديث دليل] على أنه إذا ضاق الكفن عن ستر
(1)
الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (7/ 75).
جميع البدن فلم يوجد غيره جعله مما يلي الرأس وجعل النقص مما يلي الرجلين، وستر الرأس إكراما للوجه وسترا لما يظهر عليه من تغير محاسنه فإن ضاق عن ذلك [سترت]، العورة فإن ضاق عن العورة سترت السوأتان لأنهما أهم وهما الأصل في العورة، وقد يستدل بهذا الحديث على أن الواجب في الكفن ستر العورة ولا يجب استيعاب البدن عند التمكن ولو كان ستر جميع البدن واجبا لوجب على المسلمين الحاضرين تتميمه إن لم يكن له قريب تلزمه نفقته فإن كان وجب عليه، فإن قيل كانوا عاجزين عن ذلك لأن القصة كانت يوم أحد وقد كثرت القتلى من المسلمين واشتغلوا [بهم] وبالخوف من العدو عن ذلك؛ فجوابه أنه يبعد من حال الحاضرين المتولين دفنه أن لا يكون مع واحد منهم قطعة من ثوب ونحوها، والله أعلم.
وفي هذا الحديث وجوب تكفين الميت وهو واجب بإجماع المسلمين ويجب في ماله فإن لم يكن له مال فعلى من عليه نفقته فإن لم يكن ففي بيت المال فإن لم يكن وجب على المسلمين يوزعه الإمام على أهل اليسار. والله أعلم.
فائدة: قال العلماء في كتب الفقه ويستحب أن يكفن الرجل في ثلاثة أثواب أي فقط إزار وهو يؤتز به العورة ولفافتين أي تلف كل واحدة منهما على جميع البدن لأن الخبر دل على ثلاثة أثواب. وقيل الثلاث أثواب كلها تكون [سوابغ] لجميع البدن وهذا هو الأصح، ولو كفن في خمسة قال الشافعي جاز ولم يكره لأن ابن عمر كان يفعله ويكون الرابع والخامس قميصا
وعمامة كما أشار إليه الشافعي في الأم
(1)
، والزيادة على الخمس تكره لأنه سرف والواجب من ذلك في حق الرجل والمرأة ثوب واحد أي ساتر للعورة لأن مصعب بن عمير قتل يوم أحد فلم يوجد له إلا نمرة فكنا إذا وضعناها على رأسه خرجت رجلاه الحديث، فلم [يأمر صلى الله تعالى عليه وسلم] بأن يكفن في غيرها مع أنها لم تستر جميع بدنه ولأنه يجب من ستره ما كان يجب ستره في حياته والله أعلم.
قوله: "ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها" أي أدركت ونضجت وطابت والينع إدراك الثمار ونضجها، يقال: ينعت وأينعت والينع جمع يانع فهو المدرك البالغ، اهـ. ويهدبها أي يقطعها ويجنيها، اهـ. قاله المنذي، أي يخترف منها يقال أينع الثمر وينع يونع وينيع فهو مونع ويانع إذا أدرك ونضج وأينع أكثر استعمالا ومنه خطبة الحجاج إني أرى رءوسا قد أينعت وحان قطافها، شبّه رءوسهم لاستحقاقهم القتل بثمار قد أدركت وحان أن تقطف وهذا استعارة [إشارة] إلى ما فتح الله عليهم من الدنيا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتمكنوا فيها، وفيه بيان ما كان عليه صدر هذه الأمة، وفيه أن الصبر على مكابدة الفقر وصعوبته من منازل الأبرار، فإن قلت إذا كانت الهجرة لوجه الله فأجره هو ثواب الآخرة فكيف جعل الدنيا أجره؟ قلت: الأجر شامل لخبر الدارين وحسنة المنزلتين، والمراد من الأجر ثمرته، قاله الكرماني
(2)
.
(1)
الأم للشافعي (1/ 303)، (1/ 321).
(2)
الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (7/ 75).
5016 -
وعن إبراهيم، يعني ابن الأشتر أن أبا ذر حضره الموت، وهو بالربذة فبكت امرأته، فقال: ما يبكيك؟ فقالت: أبكي فإنه لا يد لي بنفسك، وليس عندي ثوب يسع لك كفنا، قال: لا تبكي، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض يشهده عصابة من المؤمنين، قال: فكل من كان معي في ذلك المجلس مات في جماعة وقرية، فلم يبق منهم غيري، وقد أصبحت بالفلاة أموت، فراقبي الطريق، فإنك سوف ترين ما أقول، فإني والله ما كذبت ولا كذبت. قالت: وأنى ذلك، وقد انقطع الحاج؟ قال: راقبي الطريق. قال: فبينا هي كذلك إذا هي بالقوم تخب بهم رواحلهم كأنهم الرخم، فأقبل القوم حتى وقفوا عليها فقالوا: مالك؟ فقالت: امرؤ من المسلمين تكفنوه وتؤجروا فيه؟ قالوا: ومن هو؟ قالت: أبو ذر، ففدوه بآبائهم وأمهاتهم ووضعوا سياطهم في نحورها يبتدرونه، فقال: أبشروا، فإنكم النفر الذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكم ما قال، ثم أصبحت اليوم حيث ترون، ولو أن لي ثوبا من ثيابي يسع كفني لم أكفن إلا فيه، فأنشدكم بالله لا يكفنني رجل منكم كان عريفا أو أميرا أو بريدا فكل القوم قد نال من ذلك شيئا إلا فتى من الأنصار، وكان مع القوم قال: أنا صاحبك، ثوبان في عيبتي من غزل أمي وأحد ثوبي هذين اللذين علي. قال: أنت صاحبي. رواه أحمد
(1)
، واللفظ له،
(1)
أخرجه أحمد (21467)، (21373)، وأخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (4/ 232)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (984)، وابن حبان (6670)، (6671)، والحاكم في المستدرك (3/ 344)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 169)، ومعرفة الصحابة (1567)، =
ورجاله رجال الصحيح، والبزار
(1)
بنحوه باختصار.
[العيبة] بفتح العين المهملة وإسكان المثناة تحت بعدها موحدة: هي ما يجعل المسافر فيها ثيابه.
قوله: "وعن إبراهيم" يعني ابن الأشتر واسمه مالك بن الحارث النخعي عن أبيه وعمر وعنه ابنه مالك ومجاهد وغيرهما ذكره بن حبان في الثقات كان من أعيان الأمراء بالكوفة وكان شجاعا وهو الذي قتل عبيد الله بن زياد الأمير في وقعة الخازر سنة سبع وستين وكان إبراهيم في جيش المختار حينئذ ثم أنه بغى على المختار مع مصعب بن الزبير حتى قتل المختار وقتل إبراهيم بن الأشتر بعد ذلك مع مصعب بن الزبير في أول سنة اثنين وسبعين.
قوله: "أن أبا ذر حضره الموت وهو بالربذة" تقدم الكلام على أبي ذر وعلى الربذة في مواضع كثيرة من هذا التعليق. قوله: "ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض تشهده عصابة من المؤمنين" الحديث، تقدم الكلام على الفلاة من الأرض. وقوله:"تشهده عصابة" أي تحضره والعصابة بكسر
= والبيهقي في دلائل النبوة (6/ 401)، وابن عساكر في تاريخه (19/ 41)، وابن الأثير في أسد الغابة (1/ 215). وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 332) رواه أحمد من طريقتين أحدهما هذه، والأخرى مختصرة عن إبراهيم بن الأشتر عن أم ذر، ورجال الطريق الأولى رجال الصحيح، ورواه البزار بنحوه باختصار. وضعفه الألباني في ضعيف موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان (ص: 182) ضعيف مضطرب السند، والضعيفة تحت الحديث (6487)، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3314): حسن.
(1)
البزار (4060).
العين الجماعة من الناس لا واحد لها وهو ما بين العشرة إلى الأربعين وأخذ إما من العصب الذي بمعنى الشد كأنه لشد بعضهم بعضا ومنه العصابة أي الخرقة تشد على الجبهة ومنه العصب [لأنه] شد الأعضاء، وأما من العصب الذي بمعنى الإحاطة، يقال عصب فلان بفلان إذا أحاط به، قاله الكرماني
(1)
. قوله: "فإذا هي بالقوم تحثهم رواحلهم كأنه الرخم" الحديث، القوم هم الرجال دون النساء، قال الله تعالى:{لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ}
(2)
ثم قال: {وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ}
(3)
، قال الشاعر: أقَوْمٌ آلُ حصنٍ أم نساء.
وقد تدخل النساء فيه على سبيل التبع لأن قوم كل نبي رجال ونساء وجمعه أقوام وجمع الجمع أقاوم، اهـ. وقوله:"تحثهم رواحلهم" هكذا هو في الترغيب، وفي نسخة تحث بهم، وقي كتاب النهاية
(4)
تخِدّ بهم رواحلهم، الوخد ضرب من سير الإبل سريع، يقال وخد يخد وخدًا، والرواحل جمع راحلة والراحلة هي المركب من الإبل ذكرا كان أو أنثي، اهـ. قوله:"معي ثوبان في عيبَتي من غزل أمي"، العيبة هي ما يجعل المسافر فيه ثيابه، قاله الحافظ. قوله:"أبشروا فأنتم النفر الذين قال فيكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال" الحديث.
(1)
الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (1/ 105).
(2)
سورة الحجرات، الآية:11.
(3)
سورة الحجرات، الآية:11.
(4)
النهاية في غريب الحديث والأثر (5/ 163).
فائدة: الفرق بين الرهط والنفر أن الرهط من الثلاثة إلى العشرة أو من السبعة إلى العشرة، والنفر من الثلاثة إلى التسعة ولا تخفى مخالفته لما في صحاح الجوهري والله أعلم. قوله:"فأنشدكم بالله" معناه الحلف.
5017 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لقد رأيت سبعين من أهل الصفة ما منهم رجل عليه رداء: إما إزار وإما كساء قد ربطوا في أعناقهم، منها ما يبلغ نصف الساقين، ومنها ما يبلغ الكعبين فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته. رواه البخاري
(1)
والحاكم
(2)
مختصرًا، وقال: صحيح على شرطهما.
قوله: "وعن أبي هريرة" تقدم الكلام عليه. قوله: "لقد رأيت سبعين من أهل الصفة ما منهم رجل عليه رداء إما إزاء وإما كساء، الحديث، تقدم الكلام على الصفة وعلى أهلها كم عددهم وفيه بيان سهولة الأمر مع القوت فأي محذور نال أهل الصفة في فقدهم الأردية بعد أن وجدوا سدادا من عيش، قاله في الحدائق
(3)
.
5018 -
وعن عتبة بن عبد السلمي رضي الله عنه قال: استكسيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكساني خيشين، فلقد رأيتني وأنا أكسى أصحابي. رواه أبو داود
(4)
(1)
صحيح البخاري (442).
(2)
المستدرك للحاكم (3/ 18)، قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
(3)
حدائق الأولياء (1/ 537).
(4)
أبو داود (4032) وأخرجه أحمد (17656)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ 2/ 350، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1362)، والطبراني في المعجم الكبير =
من رواية إسماعيل بن عياش.
[الخيشة] بفتح الخاء المعجمة وإسكان المثناة تحت بعدهما شين معجمة: هو ثوب يتخذ من مشاقة الكتاب يغزل غليظًا وينسج رقيقًا.
قوله: "وعن عتبة بن عبد السلمي" هو أبو الوليد، عتبة بن عبد السلمي. وقال ابن عبد البر: عتبة بن عبد وهو عتبة بن عبد الندر.
وقال: قد قيل إنهما اثنان، ومال إلى القول الأول. وأما البخاري فإنه جعلهما اثنين، وكذلك أبو حاتم الرازي. وهذا عتبة كان اسمه عتلة، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عتبة. شهد خيبر روى عنه ابنه يحيي، ولقمان بن عامر، وكثير بن مرة، وخالد بن معدان، وغيرهم، مات بحمص سنة سبع وثمانين، وهو ابن أربع وتسعين سنة. وهو آخر من مات بالشام في قول الواقدي.
قوله: "استكسيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكساني خيشين" الحديث، الخيشة هو ثوب يتخذ من مشاقة الكتاب يغزل غزلا غليظا وينسج رقيقا، قاله الحافظ، وتقدم. قوله:"فلقد رأيتني وأنا أكسى أصحابي" أي أعظمهم وأعلاهم كسوة.
= (17/ 124 / 307)، وفي الشاميين (1610)، وأبو نعيم في الحلية (2/ 15)، ومعرفة الصحابة (5355)، والبيهقي في شعب الإيمان (5771)، والآداب (496)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (38/ 277)، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2080): حسن.
5019 -
وعن يحيى بن جعدة قال: عاد خبابا ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أبشر يا أبا عبد الله ترد على محمد صلى الله عليه وسلم الحوض فقال: كيف بهذا؟ وأشار إلى أعلى البيت وأسفله، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يكفي أحدكم كزاد الراكب. رواه أبو يعلى
(1)
والطبراني
(2)
بإسناد جيد.
قوله: "وعن يحيى بن جعدة" هو يحيى بن جعدة بن هبيرة بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم القرشي المخزومي روى عن جدته أم أبيه أم هانئ بنت أبي طالب وعن أبي الدرداء وزيد بن أرقم وخباب بن الأرت وابن مسعود وأبي هريرة وكعب بن عجرة وغيرهم وعنه حبيب بن أبي ثابت وعمرو بن دينار وأبو الزبير وهلال بن خباب ومجاهد وثوير بن أبي فاختة وعلي بن زيد بن جدعان وغيرهم قال أبو حاتم: والنسائي ثقة وذكره بن حبان في الثقات.
قلت: قال الحربي في العلل: لم يدرك بن مسعود. وقال أبو حاتم: لم يلقه. وقال علي بن المديني: لم يسمع من أبي الدرداء.
(1)
أخرجه أبو يعلى (4/ 1729 - 1730)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 254): رواه أبو يعلى والطبراني، ورجاله رجال الصحيح غير يحيى بن جعدة، وهو ثقة.، وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (7/ 469): رواه محمد بن يحيى بن أبي عمر وأبو بكر بن أبي شيبة وأبو يعلى الموصلي والطبراني، والحميدي واللفظ له بإسناد جيد. وصححه الألباني في صحيح الجامع (1/ 469)، وفي السلسلة الصحيحة (1716)، وصحيح الترغيب والترهيب (3317).
(2)
الطبراني في المعجم الكبير (3695) وأبو نعيم في الحلية (1/ 360).
قوله: "دعا خبابا ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم" كذا
5020 -
وعن أبي وائل قال: جاء معاوية إلى أبي هاشم بن عتبة وهو مريض يعوده فوجده يبكي، فقال: يا خال ما يبكيك، أوجع يشئزك أم حرص على الدنيا؟ قال: كلا، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلينا عهدا لم نأخذ به، قال: وما ذاك؟ قال: سمعته يقول: إنما يكفي من جمع المال خادم ومركب في سبيل الله، وأجدني اليوم قد جمعت. رواه الترمذي
(1)
والنسائي
(2)
، ورواه ابن ماجه
(3)
عن أبي وائل عن سمرة بن سهم عن رجل من قومه لم يسمه، قال: نزلت على أبي هاشم بن عتبة فجاءه معاوية، فذكر الحديث بنحوه.
ورواه ابن حبان في صحيحه
(4)
عن سمرة بن سهم قال: نزلت على أبي هاشم بن عتبة وهو مطعون، فأتاه معاوية فذكر الحديث. وذكره رزين، فزاد فيه: فلما مات حصر ما خلف فبلغ ثلاثين درهما وحسبت فيه القصعة التي
(1)
أخرجه الترمذي (2327)، وقال ابن حجر في الإصابة (13/ 23) وروى حديثه التِّرمِذيّ وغيره بسند صحيح وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2386)، وصححه في صحيح الجامع (5464)، والصحيحة (2202). التعليق الرغيب (4/ 124)، وصحيح الترغيب والترهيب (3318)، وصحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان (2/ 470/ 2099).
(2)
النسائي (8/ 218)، وفي السنن الكبرى (9724).
(3)
ابن ماجه (4103).
(4)
ابن حبان (668) وأخرجه ابن أبي شيبة (13/ 219)، وهناد في الزهد (565)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (559)، والدولابي في الكنى (1/ 60)، والطبراني في المعجم الكبير (7/ 302/ 7199)، وابن عبد البر في الاستيعاب (12/ 166)، وابن الأثير في أسد الغابة (5/ 316)، والمزي في تهذيب الكمال (34/ 360 - 361).
كان يعجن فيها وفيها يأكل.
[يشئزك] بشين معجمة ثم همزة مكسورة وزاي: أي يقلقك، وزنه ومعناه.
قوله: "عن أبي وائل" هو شقيق بن سلمة الأسدي، أسد خزيمة الكوفى التابعى المخضرم، أدرك زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يره. وروى عن أبي بكر، وسمع عمر، وعثمان، وعليا، وابن مسعود، وعمارا، وحبابا، وحذيفة، وأبا موسي، وأسامة، وابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير، وأبا الدرداء، وأبا مسعود البدري، والبراء، والمغيرة، وجريرا البجلي، وكعب بن عجرة، وأبا هريرة، وعائشة، وأم سلمة، وغيرهم من الصحابة، رضى الله عنهم أجمعين.
وسمع خلائق من كبار التابعين. روى عنه الشعبي، وعاصم الأحول، والحكم، والسبيعي، والأعمش، وخلائق غيرهم من التابعين، حكوا عنه أنه قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشر سنين أرعى إبلا لأهلي، وقال: أتانا مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى عنه أنه قال: أدركت سبع سنين من سنى الجاهلية. قالوا: وتوفى سنة تسع وتسعين. واتفقوا على توثيقه وجلالته.
قوله: "جاء معاوية إلى أبي هاشم بن عتبة وهو مريض يعوده فوجده فبكى أبو وائل" الحديث، أبو وائل تقدم، وأما معاوية فهو معاوية بن أبي سفيان وأبو سفيان اسمه صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصى القرشي الأموى وأما أبو هاشم فهو ابن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي [العبسي] خال معاوية بن أبي سفيان له صحبة وهو أخو أبي حذيفة بن عتبة لأبيه وأخو مصعب بن عمير لأمه قيل اسمه خالد [و] قيل
اسمه كنيته وقيل هشام وقيل هشيم وقيل مهشم وقيل شيبة، أسلم يوم الفتح وسكن الشام وتوفي في خلافة عثمان كان فاضلا رحمه الله، [و] كان أبو هريرة رضي الله عنه إذا ذكر أبا هاشم [قال: ذاك الرجل الصالح، ووقع في نسخ المصابيح المسموعة الصحيحة: عن أبي هاشم] بن عبيد والصواب عتبة، روى حديثه أبو وائل شقيق بن سلمة الأسدي عن سمرة بن سهم رجل من قومه عنه. قوله:"يشئزك"، أي يقلقك وزنه ومعناه، اهـ. قاله المنذري، يقال شيز و [شئز] فهو مشئوز وأشازه غيره وأصله الشأز وهو الموضع الغليظ الكثير الحجارة، قاله في النهاية
(1)
والله أعلم.
5021 -
وعن عامر بن عبد الله أن سلمان الخير رضي الله عنه حين حضره الموت عرفوا منه بعض الجزع، فقالوا: ما يجزعك يا أبا عبد الله؟ وقد كانت لك سابقة في الخير، شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مغازي حسنة وفتوحا عظاما. قال: يجزعني أن حبيبنا صلى الله عليه وسلم حين فارقنا عهد إلينا، قال ليكف المرء منكم كزاد الراكب، فهذا الذي أجزعني، فجمع مال سلمان فكان قيمته خمسة عشر درهما. رواه ابن حبان في صحيحه
(2)
.
(1)
النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 436).
(2)
صحيح ابن حبان (706)، وأخرجه الطبراني المعجم الكبير (6/ 268/ 6182)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (26/ 3)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 197)، وابن السني في القناعة (ص 53)، وقال الألباني في صحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان (2/ 471/ 2102): حسن صحيح، وصححه في صحيح الترغيب (3319)، والصحيحة (1716).
قوله: "وعن عامر بن عبد الله" كذا كذا قوله: "فقالوا ما يجزعك يا أبا عبد الله" الجزع هو.
5022 -
وعن علي بن بديمة قال: بيع متاع سلمان رضي الله عنه فبلغ أربعة عشر درهما. رواه الطبراني
(1)
، وإسناده جيد إلا أن عليا لم يدرك سلمان.
قوله: "وعن علي بن بذيمة" بذيمة بفتح الباء وكسر الذال المعجم الجزري الحراني، قال [أحمد: صالح] الحديث لكنه كان رأس في [التشيع] معلنا به. قوله: "بيع متاع سلمان" الحديث، جمعه أمتعة ومتاع الرجل هو كذا.
(1)
المعجم الكبير للطبراني (6/ 214)، وأخرجه أبو نعيم في الحلية (1/ 197)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 254): رواه الطبراني، وإسناده جيد، إلا أن علي بن بذيمة لم يدرك سلمان، فإن كانت تركته تأخرت فهو متصل. وقال الهيثمي في (10/ 325): رواه الطبراني، وإسناده منقطع. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (1930).