المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الترغيب في كلمات يقولهن من مات له ميت] - فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب - جـ ١٣

[حسن بن علي الفيومي]

فهرس الكتاب

- ‌فصل في عيش السلف

- ‌الترغيب في البكاء من خشية الله تعالى

- ‌الترغيب في ذكر الموت وقصر الأمل

- ‌الترغيب في الخوف وفضله

- ‌الترغيب في الرجاء وحسن الظن بالله سيما عند الموت

- ‌كتاب الجنائز وما يتقدمها

- ‌التَّرْغِيب فِي سُؤال الْعَفو والعافية

- ‌التَّرْغِيب فِي كَلِمَات يقولهن من رأى مبتلى

- ‌التَّرْغِيب فِي الصَّبْر سِيمَا لمن ابْتُلِيَ فِي نَفسه أَو مَاله وَفضل الْبلَاء وَالْمَرَض والحمى وَمَا جَاءَ فِيمَن فقد بَصَره

- ‌التَّرْغِيب فِي كَلِمَات يقولهن من آلمه شَيْء من جسده

- ‌التَّرْهِيب من تَعْلِيق التمائم والحروز

- ‌[التَّرْغِيب فِي الْحجامَة وَمَتى يحتجم]

- ‌[التَّرْغِيب فِي عِيَادَة المرضى وتأكيدها وَالتَّرْغِيب فِي دُعَاء الْمَرِيض]

- ‌[التَّرْغِيب فِي كَلِمَات يدعى بِهن للْمَرِيض وكلمات يقولهن الْمَرِيض]

- ‌[التَّرْغِيب فِي الْوَصِيَّة وَالْعدْل فِيهَا والترهيب من تَركهَا أَوالمضارة فِيهَا وَمَا جَاءَ فِيمَن يعْتق ويَتَصَدَّق عِنْد الْمَوْت]

- ‌التَّرْهِيب من كَرَاهِيَة الْإِنْسَان الْمَوْت وَالتَّرْغِيب في تلقيه بالرضى وَالسُّرُور إِذا نزل حبا للقاء الله عز وجل

- ‌فائدة فيها بشرى:

- ‌[التَّرْغِيب فِي كَلِمَات يقولهن من مَاتَ لَهُ ميت]

- ‌[التَّرْغِيب فِي حفر الْقُبُور وتغسيل الْمَوْتَى وتكفينهم]

- ‌[التَّرْغِيب فِي تشييع الْمَيِّت وَحُضُور دَفنه]

- ‌التَّرْغِيب فِي كَثرَة الْمُصَلِّين على الْجِنَازَة وَفِي التَّعْزِيَة

- ‌[التَّرْغِيب فِي الْإِسْرَاع بالجنازة وتعجيل الدّفن]

- ‌فوائد يختم بها الباب:

- ‌[التَّرْغِيب فِي الدُّعَاء للْمَيت وإحسان الثَّنَاءعَلَيْهِ والترهيب من سوي ذَلِك]

الفصل: ‌[الترغيب في كلمات يقولهن من مات له ميت]

[التَّرْغِيب فِي كَلِمَات يقولهن من مَاتَ لَهُ ميت]

[5299]

عَن أم سَلمَة رضي الله عنها قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا حضرتم الْمَرِيض أَو الْمَيِّت فَقولُوا خيرا فَإِن الْمَلَائِكَة يُؤمنُونَ على مَا تَقولُونَ قَالَت فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلمَة أتيت النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقلت يَا رَسُول الله إِن أَبَا سَلمَة قد مَاتَ قَالَ قولي اللَّهُمَّ اغْفِر لي وَله وأعقبني مِنْهُ عُقبى حَسَنَة فَقلت ذَلِك فأعقبني الله من هُوَ خير لي مِنْهُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم رواه مسلم هكذا بالشك

(1)

، وأبو داود

(2)

والترمذي

(3)

والنسائي

(4)

وابن ماجه

(5)

: الميت، بلا شك.

قوله: "عن أم سلمة"، تقدم أن اسمها هند، وتقدم الكلام على مناقبها مبسوطا رضي الله عنها.

قوله صلى الله عليه وسلم: "قولي اللهم اغفر لي وله وأعقبني منه عقبى حسنة"، الحديث.

قال العلماء: هذا أمر ندب وتعليم لما يقال عند المريض أو الميت من الدعاء والاستغفار وله طلب اللطف به والتخفيف عنه ونحوه، وفيه إخبار عن دعاء من هناك، ولهذا استحب أن يحضر الميت الصالحون وأهل الخير

(1)

صحيح مسلم (919).

(2)

أبو داود (3115).

(3)

الترمذي (999).

(4)

والنسائي 4/ 4.

(5)

ابن ماجه (1447).

ص: 607

حالة موته ليذكروه ويدعو له ولمن يخلفه فينتفع بذلك الميت ومن يصاب به ومن يخلفه. وسبب حضور الملائكة المحتضر، قال صاحب الرونق واللباب: لا يجوز للحائض أن تحضر المحتضر وهو في النزع لأن الملائكة لا تدخل بيتا فيه حائض أو جنب، انتهى.

[5300]

وعنها رضي الله عنها قَالَت سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول مَا من عبد تصيبه مُصِيبَة فَيَقُول إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون اللَّهُمَّ آجرني فِي مصيبتي واخلف لي خيرا مِنْهَا إِلَّا آجره الله تَعَالَى فِي مصيبته وأخلف لَهُ خيرا مِنْهَا قَالَت فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلمَة قلت أَي الْمُسلمين خير من أبي سَلمَة أول بَيت هَاجر إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ إِنِّي قلتهَا فأخلف الله لي خيرا مِنْهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم

(1)

وأبو داود

(2)

والنسائي

(3)

والترمذي

(4)

، وَلَفظه قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا أصَاب أحدكُم مُصِيبَة فَلْيقل إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون اللَّهُمَّ عنْدك أحتسب مصيبتي فأجرني بهَا وأبدلني خيرا مِنْهَا فَلَمَّا احْتضرَ أَبُو سَلمَة قَالَ اللَّهُمَّ اخلفني فِي أَهلِي خيرا مني فَلَمَّا قبض قَالَت أم سَلمَة {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} عِنْد الله أحتسب مصيبتي فأجرني فِيهَا. رواه ابن ماجه

(5)

بنحو الترمذي.

قوله: "وعنها"، تقدم الكلام عليها رضي الله تعالى عنها.

(1)

أخرجه مسلم (918).

(2)

أبو داود (3119).

(3)

النسائي (6/ 81).

(4)

الترمذي (3820).

(5)

سنن ابن ماجه (1598).

ص: 608

قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم آجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها إلا آجره الله تعالى في مصيبته وأخلف له خيرا منها"، الحديث، المصيبة كل ما يؤذي المؤمن ويصيبه من بلية وغيرها. والمصيبة البلاء والمكروه الذي يصيب الإنسان. قوله صلى الله عليه وسلم:"فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون" فالاسترجاع عند البلاء تسليم وإذعان، والاسترجاع هو قولك:"إنا لله وإنا إليه راجعون". روي أنه طفئ سراج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون. فقيل: أمصيبة هو؟ قال: نعم، كل شيء يؤذي المؤمن فهو له مصيبة.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا انقطع شسع أحدكم فليسترجع فإنه من المصائب. الشِّسع تقدم الكلام عليه في السلام وغيره. وقال عمر رضي الله تعالى عنه: انقطع شسع نعلي فسآني ثم استرجع وقال: كل ما ساءك فهو مصيبة. قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: "آجرني في مصيبتي" قال القاضي عياض رحمه الله تعالى

(1)

: يقال آجرني بالمد وكسر الجيم، ويقال بالقصر أيضا، حكاهما صاحب الأفعال. وقال الأصمعي وأكثر أهل اللغة هو مقصور لا يمدّ، وكذا نقله القاضي أيضا عن أهل اللغة.

قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: "وأخلف لي خيرا"، الحديث. قال النووي هو بقطع الهمزة وكسر اللام. قال أهل اللغة: يقال لمن ذهب له مال أو ولد أو قريب أو شيء يتوقع حصول مثله: أخلف الله تعالى عليك أو لك، أي ردّ الله تعالى

(1)

مشارق الأنوار على صحاح الآثار (1/ 19).

ص: 609

عليك مثله، فإن ذهب ما لا يتوقع مثله غالبا بأن ذهب ملك ولد أو أم أو عم لمن لا جد أو أخ ولا والد له، قيل له: خلف الله تعالى عليك بغير ألف أي كان الله خليفة والدك أي من فقدته عليك، وقيل يقال: خلف الله تعالى عليك إذا مات لك ميت أي كان الله خليفته عليك وأخلف الله تعالى عليك أي أبدلك. ومنه الحديث: تكفل الله تعالى للغازي بأن يخلف نفقته، وحديث أم سلمة: اللهم أخلف لي خيرا منه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "

"، ومعنى آجره الله تعالى أي أعطاه الله تعالى أجره وجزاء صبره. وعن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: يقول الله تعالى: ابن آدم إن صبرت واحتسبت عند الصدمة الأولى لم أرض لك ثوابا دون الجنة، انفرد به ابن ماجه

(1)

.

وفي الحديث أيضا

(2)

: إنما الصبر عند الصدمة الأولى، معناه الصبر الكامل الذي يترتب عليه الأجر الجزيل لكثر المشقة فيه. وأصل الصدم الضرب في شيء صلب بمثله، ثم استعمل مجازا في كل مكروه حصل بغتة. ومعنى عند الصدمة الأولى قال الأزهري

(3)

معناه عند فورة المصبية وحموتها، ومعناه أن كل ذي رزية قصاراه الصبر، أي آخر أمره أو منتهاه،

(1)

سنن ابن ماجه (1597) قال البوصيري في الزوائد: إسناد حديث أبي أمامة صحيح ورجاله ثقات، وحسنه الألباني في سنن ابن ماجه (1597)، وصحيح الجامع الصغير وزيادته (8143)، المشكاة (1758).

(2)

صحيح البخاري (1283)، وصحيح مسلم (14)(926).

(3)

تهذيب اللغة (12/ 105).

ص: 610

ولكنه إنما يحمد ويثباب عند الصدمة الأولى وهي فورة الرزية فإن الرزية إذا طالت الأيام عليها سليّ المصاب وصار الصبر طبعا فلم يؤجر، انتهى. وتقدم الكلام على شيء من ذلك قريبا. "

" إذا بلغ الإنسان موت صاحبه قال: إنا لله وإنا إليه راجعون وإنا إلى ربنا لمنقلبون، اللهم اكتبه عندك]

(1)

في المحسنين واجعل كتابه في عليين [واخلفه في أهله في الغابرين ولا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده]

(2)

، رواه ابن السني عن ابن عباس

(3)

. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [للموت] فزع، فإذا بلغ أحدكم وفاة أخيه فليقل: إنا لله وإنا إليه راجعون، إلى آخره.

[5301]

وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما فِي قَوْله تَعَالَى الَّذين إِذا أَصَابَتْهُم مُصِيبَة قَالُوا إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون أُولَئِكَ عَلَيْهِم صلوَات من رَبهم وَرَحْمَة وَأُولَئِكَ هم المهتدون الْبَقَرَة 651 قَالَ أخبر الله عز وجل أَن الْمُؤمن إِذا سلم لأمر الله وَرجع فَاسْتَرْجع عِنْد الْمُصِيبَة كتب لَهُ ثَلَاث خِصَال من الْخَيْر الصَّلَاة من الله وَالرَّحْمَة وَتَحْقِيق سَبِيل الْهدى وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من اسْترْجع عِنْد

(1)

وسقط هذا اللوح ونصف من الأصل.

(2)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

(3)

عمل اليوم والليلة لابن السني (561)؛ وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (12/ 47/ 12469) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 331): رواه الطبراني في الكبير، وفيه قيس بن الربيع الأسدي، وفيه كلام، وقال الحافظ ابن حجر؛ كما في الفتوحات الربانية (4/ 124): هذا حديث غريب

وفي سنده قيس بن الربيع، وهو صدوق؛ لكنه تغير في الآخر، ولم يتميز؛ فما انفرد به يكون ضعيفًا.

ص: 611

الْمُصِيبَة جبر الله مصيبته وَأحسن عقباه وَجعل لَهُ خلفا يرضاه رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير شَيْئا لم يُعْطه أحد من الْأُمَم عِنْد الْمُصِيبَة إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون.

[5302]

وَفِي رِوَايَة لَهُ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَعْطَيْت أمتِي

(1)

.

[5303]

وَرُوِيَ عَن فَاطِمَة بنت الْحُسَيْن عَن أَبِيهَا رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من أُصِيب بمصيبة فَذكر مصيبته فأحدث استرجاعا وَإِن تقادم عهدها كتب الله لَهُ من الْأجر مثله يَوْم أُصِيب رواه ابن ماجه

(2)

.

(1)

أخرجه الطبراني في الكبير (12/ 40 رقم 12411) و (12/ 255 رقم 13027). وقال الهيثمي في المجمع 2/ 330: رواه الطبراني في الكبير، وفيه محمد بن خالد الطحان وهو ضعيف. وقال في 2/ 331: رواه الطبراني في الكبير، وفيه علي بن أبي طلحة وهو ضعيف. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (2047). ولم يدرج الشارح تحته شرحا.

(2)

سنن ابن ماجه (1600). وأخرجه أحمد (1734)، وأبو يعلى (6777) و (6778)، وابن حبان في المجروحين (3/ 88)، وابن السني في عمل اليوم والليلة (559)، والطبراني في الكبير (3/ 131)(2895) وفي الأوسط كما في المجمع (2/ 331)، والحارث كما في بغية الباحث (ح 255)، وابن السني في عمل اليوم والليلة (ص 263)، وإسناده ضعيف جدا، هشام بن زياد -وهو ابن أبي هشام- متروك، وأمه لا يعرف حالها. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (5434)، والضعيفة (4551) وقال: ضعيف جدًّا. ضعيف الترغيب والترهيب (2/ 392). وله شاهد من حديث ابن عباس، وله عنه طريقان: الأولى: أخرجه الطبراني في الكبير (12/ 255) عن ابن عباس مرفوعا: من استرجع عند المصيبة جبر الله مصيبته، وأحسن عقباه، وجعل له خلفا صالحا يرضاه. وذكره الهيثمي في المجمع (4/ 331) وقال: فيه علي بن أبي طلحة وهو ضعيف. الثانية: عن ابن عباس مرفوعا: أعطيت أمتي شيئا لم يعطه أحد من الأمم عند المصيبة إنا لله وإنا إليه راجعون. أخرجه الطبراني في الكبير (12/ 40). وذكره الهيثمي في المجمع (2/ 330)، وقال: فيه محمد بن خالد الطحان وهو ضعيف.

ص: 612

قوله: "وروي عن فاطمة بنت الحسين عن أبيها" هي فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب القرشية الهاشمية المدنية، أخت علي بن الحسين زين العابدين وأمها أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله تزوجها ابن عمها حسن بن حسن بن علي، فولدت له عبد الله، وإبراهيم، وحسنا، وزينب، ثم مات عنها، فخلف عليها عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان -ويقال له: المطرف لجماله- فولدت له القاسم، ومحمدا، وهو الديباج؛ سمي بذلك لجماله، ورقية؛ بني عبد الله بن عمرو، ومات عبد الله عنها. وكان زوجه بها ابنها عبد الله بن حسن بن حسن وذكرها ابن حبان في كتاب "الثقات" وتوفيت فاطمة في سنة سبع عشرة ومئة، وقيل: في سنة أربع عشرة، وست عشرة ومئة. وكانت وفاتها بالمدينة

(1)

.

قوله: "من أصيب بمصيبة" فذكر مصيبته فأحدث استرجاعا وإن تقادم عهدها كتب الله له من الأجر مثله يوم أصيب" الحديث، وفي لفظ: [جدّد] الله له أجرها مثل ما كان له يوم أصابته. قوله: "فأحدث استرجاعا" أي قال: إنا لله وإنا إليه راجعون.

تنبيه: جعل الله تعالى هذه الكلمات ملجأ لذوي المصائب وعصمة للمحسنين لما جمعت من المعاني المباركة فإن قوله: {إِنَّا لِلَّهِ} توحيد وإقرار بالعبودية للملك. وقوله: {وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} إقرار [بالمِلك] على أنفسنا والبعث من قبورنا واليقين، لأن رجوع الأمر كله إليه كما هو له. قال

(1)

مرآة الزمان (11/ 69 - 71)، وتهذيب الكمال (35/ ترجمة 7901).

ص: 613

سعيد بن جبير: لم يعط الله هذه الكلمات نبيا قبل نبينا صلى الله عليه وسلم، [أيضا ولو عرَّفَنا] يعقوب عليه السلام لما قال:{يَاأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} ، اهـ.

[5304]

وَعَن أبي مُوسَى رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذا مَاتَ ولد العَبْد قَالَ الله تَعَالَى لملائكته قبضتم ولد عَبدِي فَيَقُولُونَ نعم فَيَقُول قبضتم ثَمَرَة فُؤَاده فَيَقُولُونَ نعم فَيَقُول مَاذَا قَالَ عَبدِي فَيَقُولُونَ حمدك واسترجع فَيَقُول الله تَعَالَى ابْنُوا لعبدي بَيْتا فِي الْجنَّة وسموه بَيت الْحَمد رواه الترمذي

(1)

وحسنه وابن حبان في صحيحه

(2)

.

قوله: "وعن أبي موسى"، أبو موسى اسمه عبد الله بن قيس الأشعري، تقدم الكلام على مناقبه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ولد العبد، قال الله تعالى لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟

(1)

الترمذي (1021). أخرجه ابن المبارك في الزهد والرقائق (2/ 27)، والطيالسي (510)، وأحمد (19725) وفي (19726)، وعبد بن حميد (551)، وابن السني في عمل اليوم والليلة (581) والبيهقي في السنن الكبرى (4/ 113)، وفي الآداب (756)، وفي شعب الإيمان (9249/ 9250) والبغوي (1549).

وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، واسم أبي سنان عيسى بن سنان. قال أبو حاتم الرازي: ضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب، ويقال: ابن عرزم، وعرزب أصح، روى عن أبي موسى الأشعري، مرسل. "الجرح والتعديل" 4/ 459. والحديث؛ صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2012)، وحسنه في صحيح الجامع (795) والسلسلة الصحيحة (1408).

(2)

ابن حبان (2948).

ص: 614

فيقولون: نعم. فيقول: فماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع" الحديث. أي قال: الحمد لله، إنا لله وإنا إليه راجعون. وفي معنى هذا الحديث ما روي في صحيح البخاري

(1)

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن جزاء إذا قبضت صفيّه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة. وفي الأثر: أن موسى عليه الصلاة والسلام قال: يا رب أي خلقك أحبّ إليك، قال: من إذا أخذت منه محبوبه سالمني. قال: فأي خلقك أنت عليه ساخط؟ قال: من يستخيرني في أمر فإذا قضيت له سخط قضائي.

وفي أثر إسرائيلي: أن موسى عليه الصلاة والسلام سأل ربه تبارك وتعالى عما يدني من رضاه فقال: إن رضاي في رضاك بقضائي، انتهى. الشيطان إنما يظفر بالإنسان غالبا عند السخط والشهوة فهناك يصطاده ولا سيما إذا استحكم سخطه، وذكر مسلم بن الحجاج

(2)

عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأرسلت إليه إحدى بناته تدعوه وتخبره أن صبيا لها أو ابنا لها في الموت. فقال للرسول ارجع إليها فأخبرها أن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى فمرها فلتصبر ولتحتسب. فعاد الرسول فقال: إنها قد أقسمت لتأتينّها. قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام معه سعد بن عبادة

(1)

صحيح البخاري (6424).

(2)

صحيح مسلم (11)(923)، وصحيح البخاري (1284).

ص: 615

ومعاذ بن جبل وانطلقت معهم، فرُفع الصبي إليه ونفسه تقعقع كأنها في شنّة ففاضت عيناه، فقال سعد: ما هذا يا رسول الله؟ قال: هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده وإنما يرحم الله من عباده الرحماء.

قوله: "ونفسه تقعقع" أي تتحرك وتضطرب بصوت متدارك. قال أبو علي: كل ما سمعت له عند حركته صوتا فهو قعقعة كالسلاح والجلود اليابسة، اهـ. اعلم أنّ هذا الحديث من أعظم قواعد الإسلام المشتملة على مهمات كثيرة من أصول الدين وفروعه والآداب والصبر على النوازل كلها والهموم والأسقام وغير ذلك من الأعراض، ومعنى لله ما أخذ أن العالم كله ملك لله عز وجل، فلم يأخذ ما هو لكم بل أخذ ما هو له عندكم في معنى العارية ومعنى وله ما أعطى أن ما وهبه لكم ليس خارجا عن ملكه بل هو له سبحانه وتعالى يفعل فيه ما يشاء وكل شيء عنده بأجل مسمى فلا تجزعوا فإن من قبضه قد انقضى أجله المسمى [فمحال] تقدمه أو تأخره عنه فإذا علمتم هذا كله فاصبروا واحتسبوا ما نزل بكم. اهـ. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم، ذكر الحديث، وفيه فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بالصبي فضمّه إليه وقال: ما شاء الله أن يقول. قال أنس: لقد رأيته وهو يكيد [نفسه] يعني يموت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضي الرب والله يا إبراهيم إنا بك لمحزونون، وفي الحديث أن الله لا يُعذّب بدمع العين ولا بحزن القلب وإنما يعذب بهذا وأشار إلى لسانه، اهـ.

ص: 616

وفي صحيح البخاري ومسلم

(1)

عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عادَ سعد بن عبادة ومعه عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآى القوم بكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بكوا. فقال: ألا تسمعون أن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا ويرحم، وأشار إلى لسانه. وفي صحيح البخاري

(2)

عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على ابنه إبراهيم وهو يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان فقال له عبد الرحمن بن عوف: إنها رحمة ثم أتبعها بأخرى، فقال: إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزنون، والأحاديث بنحو ما ذكرته كثيرة والله أعلم.

ومعنى يجود بنفسه أي يخرجها ويدفعها كما يدفع الإنسان ماله يجود به يريد أنه كان في النزع وسياق الموت، وفلان يجاد للحتف أي يساق إليه، وقيل: يجود بنفسه أي يتحرك في الفراش لكونه في النزع والغرغرة فموت البنين من العوارض التي توجب للعبد التسخط على القدر فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا يقول في مثل هذا المقال الذي يسخطه أكثر الناس فيتكلمون بما لا يرضي الله عز وجل ويفعلون ما لا يرضيه إلا ما يرضي ربه تبارك وتعالى ولهذا لما مات ابن الفضيل بن عياض رئي في الجنازة ضاحكا، فقيل تضحك وقد مات ابنك؟ فقال: إن الله تعالى قضى بقضاء فأحببت أن أرضى بقضائه. فأنكرت

(1)

صحيح البخاري (1304)، ومسلم (12)(924).

(2)

صحيح البخاري (1303).

ص: 617

طائفة هذا على الفضيل وقالوا: رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بكى يوم مات ابنه، وأخبر أن القلب يحزن والعين تدمع وهو في أعلا مقامات الرضى فكيف يعدّ هذا في مناقب الفضيل! والتحقيق أن قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم اتسع لتكميل المراتب من الرضى عن الله تعالى والبكاء رحمة للصبي فكان له مقام الرضى ومقام الرحمة ورقة القلب، والفضيل لم يستع لذلك فغيّبه مقام الرضى عن مقام الرحمة فلم يجتمع له الأمران، والناس في ذلك على أربع مراتب: أحدها: من اجتمع له الرضى بالقضاء ورحمة الطفل فدمعت عيناه رحمة والقلب راضٍ، الثاني من غيّبه الرضى عن الرحمة فلم يتسع للأمرين. الثالث من غيبته الرحمة والرقة عن الرضى فلم يشهده. الرابع من لا رضى عنده ولا رحمة وإنما كان حزنه لفوات حظه من الميت وهذا حال أكثر الخلق فلا إحسان ولا رضى عن الرحمن والله المستعان، انتهى.

فائدة: في دفن البنات في أمثال العسكري عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما عُزّي في ابنته رقية قال: الحمد لله دفن البنات من المكرمات

(1)

(1)

أخرجه ابن المقرئ في المعجم (408)، والفسوي في المعرفة والتاريخ (3/ 159)، والطبراني في معجمه الكبير (11/ 367/ 12035)، وفي مسند الشاميين (2408)، وابن عبد البر في الاستيعاب (1/ 595)، وأبو نعيم الأصبهاني في معرفة الصحابة (7351)، وابن عدي في الكامل (5/ 171)(6/ 193)، ومن طريقه: ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 236) والخطيب في تاريخ بغداد (5/ 67)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (3/ 150) و (27/ 7)(40/ 165) و (40/ 166) و (56/ 104)، القضاعي في مسند الشهاب (1/ 174/ 250) وقال الهيثمي (3/ 12): وفيه عثمان بن عطاء الخراساني، وهو =

ص: 618

وروى البيهقي

(1)

وغيره أن عبد الرحمن بن مهدي مات له ابن فجزع عليه جزعا شديدا حتى امتنع من الطعام والشراب فبلغ ذلك محمد بن إدريس الشافعي فكتب [إليه] أما بعد فعزِّ نفسك بما تعزي به غيرك واستقبح من نفسك ما تستقبحه من فعل غيرك:

واعلم أن أشد [المصائب]

فقد سرور مع حرمان أجر

فكيف إذا اجتمعا

على اكتساب وزر

إني معزّيك لأني على ثقة

من الحياة ولكن سنة الدين

فما المعزَّي بباق بعد صاحبه

ولا المعزِّي ولو عاشا إلى حين اهـ

فائدة أيضا: في التعزية غريبة: قال الحسن البصري من الأدب ألا يُعزّى الرجل في زوجته

(2)

، وروي أن [عبيد] الله بن زياد سأل أبا بكرة نفيع بن الحارث عن موت الأهل فقال: موت الأب قاصمة الظهر وموت الولد صدع في الفؤاد وموت الأخ قص الجناح وموت الزوجة حزن ساعة، اهـ

(3)

.

= ضعيف.

وانظر الموضوعات (3/ 235)، وذكره الشوكاني في الفوائد المجموعة (ص 122 رقم 181). لا يصح، وجزم ابن حجر ببطلانه. وقال الألباني في ضعيف الجامع (2792)، ضعيف الجامع (2990)، والضعيفة (185) (186): موضوع.

(1)

مناقب الشافعي للبيهقي (2/ 90).

(2)

النجم الوهاج في شرح المنهاج (3/ 87). تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (3/ 179) مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (2/ 42).

(3)

النجم الوهاج في شرح المنهاج (3/ 87). تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (3/ 179) مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (2/ 42).

ص: 619

خاتمة يختم بها الباب لها مناسبة أوحى الله تعالى إلى عيسى ابن مريم عليه السلام: إنّ لي أمَة ترافقك في الجنة ودل عليها فإذا بامرأة عمياء مشلولة الأطراف، فعجب منها وسألها فقالت لو كان لي يدان ربّما جمعت بهما الحرام فشهدتا عليّ أو رجلان ربما مشيت بهما في معصية أو عينان ربما أبصرت بهما زخارف الدنيا وحوسبت لأجلهما، قال: فما حاجتك؟ قالت: المغفرة وليست لك لكن لي ابن يتولى وضوئي وصلاتي أسأل الله تعالى أن يعطيني أجره. قال: فلما انفصل لقي شبانا يبكون وقالوا: كان لهذه المرأة ابن واحد يخدمها فأكله الذئب، فرجع إليها عيسى عليه السلام فقال: قد أحسن الله عزاءك في ابنك فقد أكله الذئب. فقالت: الحمد لله الذي رفع عني مئونة مواراته مع ضعفي عن ذلك. فقال عيسى: حقّ لك أن تكوني رفيقتي في الجنة. [فقالت]: من أين لك هذا؟ فأخبرها عن الله تعالى، فشهقت شهقة عظيمة وخرّت ميتة فواراها التراب وانصرف، رحمة الله عليها.

ص: 620