المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الترهيب من كراهية الإنسان الموت والترغيب في تلقيه بالرضى والسرور إذا نزل حبا للقاء الله عز وجل - فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب - جـ ١٣

[حسن بن علي الفيومي]

فهرس الكتاب

- ‌فصل في عيش السلف

- ‌الترغيب في البكاء من خشية الله تعالى

- ‌الترغيب في ذكر الموت وقصر الأمل

- ‌الترغيب في الخوف وفضله

- ‌الترغيب في الرجاء وحسن الظن بالله سيما عند الموت

- ‌كتاب الجنائز وما يتقدمها

- ‌التَّرْغِيب فِي سُؤال الْعَفو والعافية

- ‌التَّرْغِيب فِي كَلِمَات يقولهن من رأى مبتلى

- ‌التَّرْغِيب فِي الصَّبْر سِيمَا لمن ابْتُلِيَ فِي نَفسه أَو مَاله وَفضل الْبلَاء وَالْمَرَض والحمى وَمَا جَاءَ فِيمَن فقد بَصَره

- ‌التَّرْغِيب فِي كَلِمَات يقولهن من آلمه شَيْء من جسده

- ‌التَّرْهِيب من تَعْلِيق التمائم والحروز

- ‌[التَّرْغِيب فِي الْحجامَة وَمَتى يحتجم]

- ‌[التَّرْغِيب فِي عِيَادَة المرضى وتأكيدها وَالتَّرْغِيب فِي دُعَاء الْمَرِيض]

- ‌[التَّرْغِيب فِي كَلِمَات يدعى بِهن للْمَرِيض وكلمات يقولهن الْمَرِيض]

- ‌[التَّرْغِيب فِي الْوَصِيَّة وَالْعدْل فِيهَا والترهيب من تَركهَا أَوالمضارة فِيهَا وَمَا جَاءَ فِيمَن يعْتق ويَتَصَدَّق عِنْد الْمَوْت]

- ‌التَّرْهِيب من كَرَاهِيَة الْإِنْسَان الْمَوْت وَالتَّرْغِيب في تلقيه بالرضى وَالسُّرُور إِذا نزل حبا للقاء الله عز وجل

- ‌فائدة فيها بشرى:

- ‌[التَّرْغِيب فِي كَلِمَات يقولهن من مَاتَ لَهُ ميت]

- ‌[التَّرْغِيب فِي حفر الْقُبُور وتغسيل الْمَوْتَى وتكفينهم]

- ‌[التَّرْغِيب فِي تشييع الْمَيِّت وَحُضُور دَفنه]

- ‌التَّرْغِيب فِي كَثرَة الْمُصَلِّين على الْجِنَازَة وَفِي التَّعْزِيَة

- ‌[التَّرْغِيب فِي الْإِسْرَاع بالجنازة وتعجيل الدّفن]

- ‌فوائد يختم بها الباب:

- ‌[التَّرْغِيب فِي الدُّعَاء للْمَيت وإحسان الثَّنَاءعَلَيْهِ والترهيب من سوي ذَلِك]

الفصل: ‌الترهيب من كراهية الإنسان الموت والترغيب في تلقيه بالرضى والسرور إذا نزل حبا للقاء الله عز وجل

‌التَّرْهِيب من كَرَاهِيَة الْإِنْسَان الْمَوْت وَالتَّرْغِيب في تلقيه بالرضى وَالسُّرُور إِذا نزل حبا للقاء الله عز وجل

[5297]

عَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من أحب لِقَاء الله أحب الله لقاءه وَمن كره لِقَاء الله كره الله لقاءه فَقلت يَا نَبِي الله أكراهية الْمَوْت فكلنا يكره الْمَوْت قَالَ لَيْسَ ذَلِك وَلَكِن الْمُؤمن إِذا بشر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لِقَاء الله فَأحب الله لقاءه وَإِن الْكَافِر إِذا بشر بِعَذَاب الله وَسخطه كره لِقَاء الله وَكره الله لقاءه رواه البخاري

(1)

ومسلم

(2)

والترمذي

(3)

والنسائي

(4)

.

قوله: "عن عائشة" تقدم الكلام على مناقبها رضي الله عنها.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه" الحديث.

قال العلماء رضي الله عنهم: محبة الله تعالى لعبده هي إرادته الخير له وهدايته وإنعامه عليه ورحمته، وبغضه إرادته عقابه وشقاوته ونحو ذلك، حكاه عنهم النووي في شرح مسلم.

(1)

صحيح البخاري (6507).

(2)

صحيح مسلم (2684).

(3)

الترمذي (1067). ابن ماجه (4264).

(4)

النسائي (4/ 10).

ص: 592

وقوله صلى الله عليه وسلم: "من كره لقاء الله كره الله لقاءه" الحديث. قال العلماء: معنى هذا الحديث عند الاحتضار والمعاينة فحينئذ يكشف الغطاء، فأهل السعادة يبشرون بما أعدّ الله لهم وأراده فيهم وهو معنى محبته لقاءهم فيغتبطون ويُسرّون بذلك ويحبّون الموت لتحصيل تلك الكرامة وأهل الشقاوة كشف لهم عن حالهم فكرهوا الورود على ربهم لما تيقنوا من تعذيبه لهم والله تعالى قد أبعدهم عنه وأراد بهم العذاب وهو معنى كراهيته لقاءهم فمن هنا خبرية غير شرطية كأنه قال: من أحب لقاء الله فهو الذي أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله فهو الذي كره الله لقاءه. قولها رضي الله عنها: "فقلت يا نبي الله الكراهية الموت فكلنا يكره الموت. قال: ليس ذلك" الحديث. قال ابن عبد البر. قال أبو عبيد: ليس وجه قوله صلى الله عليه وسلم ومن كره لقاء الله أن يكره الموت وشدّته لأنّ هذا أمر لا يكاد يخلو منه أحد وبلغنا عن غير واحد من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أنه [كره] حين نزل به ولكن المكروه من ذلك ما كان إيثارا للدنيا على الآخرة وركونا إلى الحظوظ العاجلة وكراهية أن يصير إلى الله والدار الآخرة، وقد عاب الله تعالى قوما حرصوا على ذلك فقال تعالى:{وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ}

(1)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ولكن المؤمن إذا بشّر برحمة الله ورضوانه وجنته أحبّ لقاء الله فأحب الله لقاؤه" الحديث، فالحبّ ها هنا هو الذي يقتضيه الإيمان بالله تعالى والثقة بوعده دون ما يقتضيه حكم الجبلّة.

(1)

سورة البقرة، الآية ك 96.

ص: 593

فائدة فيها بشرى: فما يجلبه الموت على الإسلام من المنافع المتقدمة عليه وقوع البشرى عند الموت برحمة الله تعالى وجنته، وقد قال الله سبحانه وتعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}

(1)

، قال بعض المفسرين: البشرى في الحياة الدنيا هي البشرى الواقعة عند الموت.

وقيل غير ذلك، وقد جاء في البشرى عند الموت عن محمد بن كعب القرظي

(2)

قال: إذا استنقعت نفس العبد المؤمن جاء ملك الموت فقال: السلام عليك يا ولي الله، الله يقرأ عليك السلام، ثم قرأ:{الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ} ، وممن نص على تسليم الملائكة على المؤمن عند الموت عبد الله بن مسعود والبراء بن عازب وغيرهما. وعن مجاهد أن المؤمن يُبَشّر بصلاح ولده من [بعده] لتقرّ عينه.

واعلم أن البشرى تتكرر للمؤمنين في الحياة الدنيا وفي البرزخ ويوم البعث وفي الجنة، والبشرى العامة لهم من الله تعالى قد نطق بها القرآن في غير موضع كما في قوله:{قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102)}

(3)

، [وقوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ

(1)

سورة يونس، الآيتان: 63 - 64.

(2)

الزهد لابن المبارك (442)، وتفسير الطبري (14/ 101)، والعظمة (438).

(3)

سورة النحل، الآية:102.

ص: 594

الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}

(1)

]

(2)

. وقوله تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ}

(3)

. قال ابن عباس: أي للموحدين.

وانظر كيف شملت البشرى المذكورة في هذه الآيات الثلاث أرباب المراتب الثلاث من أهل دين الإسلام وهم المسلمون والمؤمنون والمحسنون، وكيف لا يبشّرون كلهم وقد ثبت لهم الاصطفاء بمن فيهم من ظالم لنفسه ومقتصد وسابق [بالخيرات بإذن الله] كما قال تعالى:{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} الآية، قاله صاحب [حادي] القلوب إلى لقاء المحبوب وهو كتاب نفيس في التشجيع على الموت ينبغي أن لا يخلو الإنسان من مطالعته وسماعه لما فيه من فوائد الموت ونتائجه ولقد قال بهذا القول بعض العباد الزاهدين المتصوفين نفعنا الله ببركاتهم.

تنبيه: قول محمد بن كعب القرظي: إذا استنقعت نفس العبد المؤمن أي اجتمعت في فيه تريد الخروج كما يُستنقع الماء في قراره وأراد بالنفس الروح، قاله في النهاية

(4)

.

(1)

سورة النحل، الآية:89.

(2)

سقطت هذه الآية من النسخة الهندية.

(3)

سورة الأحقاف، الآية:12.

(4)

النهاية في غريب الحديث والأثر (5/ 108).

ص: 595

تنبيه أيضا في قوله: واعلم أن البشرى تتكرر للمؤمنين في الحياة الدنيا وفي البرزخ، روى هناد بن السري قال حدثنا محمد بن فضيل ووكيع عن بكر قال سألت مجاهدا عن قول الله عز وجل:{وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} ، قال: هو ما بين الموت إلى البعث، وقيل للشعبي: مات فلا، قال: ليس هو في الدنيا ولا في الآخرة، هو في البرزخ، اهـ، قاله القرطبي في التذكرة

(1)

.

[5298]

وَعَن أنس رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من أحب لِقَاء الله أحب الله لقاءه وَمن كره لِقَاء الله كره الله لقاءه قُلْنَا يَا رَسُول الله كلنا يكره الْمَوْت قَالَ لَيْسَ ذَلِك كَرَاهِيَة الْمَوْت وَلَكِن الْمُؤمن إِذا حضر جَاءَهُ البشير من الله فَلَيْسَ شَيْء أحب إِلَيْهِ من أَن يكون قد لَقِي الله فَأحب الله لقاءه وَإِن الْفَاجِر أَو الْكَافِر إِذا حضر جَاءَهُ مَا هُوَ صائر إِلَيْهِ من الشَّرّ أَو مَا يلقى من الشَّرّ فكره لِقَاء الله فكره الله لقاءه. رواه أحمد

(2)

ورواته رواه الصحيح، والنسائي

(3)

بإسناد جيد، إِلَّا أَنه قَال قيل يَا رَسُول الله وَمَا منا أحد إِلَّا يكره الْمَوْت قَالَ إِنَّه لَيْسَ بكراهية الْمَوْت إِن الْمُؤمن إِذا جَاءَهُ الْبُشْرَى من الله عز وجل لم يكن شَيْء أحب إِلَيْهِ من لِقَاء الله وَكانَ الله للقائه أحب وَإِن الْكَافِر إِذا جَاءَهُ مَا يكره لم

(1)

التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة (ص: 477).

(2)

مسند أحمد (12047).

(3)

النسائي في السنن الكبرى (11758). وأخرجه ابن المبارك في الزهد والرقائق (971)، والدارمي (2798)، وأبو يعلى الموصلي (3877)، والطبراني في المعجم الأوسط (3155) عن حميد، عن أنس.

ص: 596

يكن شَيْء أكره إِلَيْهِ من لِقَاء الله وَكَانَ الله للقائه أكره.

قوله: "وعن أنس" تقدمت ترجمته رضي الله عنه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه" الحديث، قال صاحب النهاية

(1)

: المراد بلقاء الله المصير إلى الدار الآخرة وطلب ما عند الله وليس الغرض [به] الموت لأنّ كلا يكرهه، اهـ. وتقدم معنى محبة الله تعالى لعبده وبغضه له. وقوله صلى الله عليه وسلم:"من كره لقاء الله كره الله لقاءه" الحديث. قال في شرح مسلم

(2)

: هذا الحديث يفسّر آخره أوله ويبين المراد [باقي] الأحاديث المطلقة: من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومعنى الحديث أن الكراهة المعتبرة هي التي تكون عند النزع في حالة لا تقبل توبة ولا غيرها فحينئذ يبشّر كل إنسان بما هو صائر إليه وما أعد الله له ويكشف له عند ذلك، فأهل السعادة يحبون الموت ولقاء الله لينتقلوا إلى ما أعدّ لهم ويحب الله لقاءهم أي فيجزل لهم العطاء والكرامة، وأهل الشقاوة يكرهون لقاء الله لما علموا من سوء ما ينتقلون إليه ويكره الله لقاءهم أي يبعدهم عن رحمته وكرامته ولا يريد ذلك بهم وهذا معنى كراهيته سبحانه لقاءهم وليس معنى الحديث أن سبب كراهة الله تعالى لقاءهم كراهتهم ذلك ولا أنّ حبّه لقاء الآخرين حبهم ذلك بل هو صفة لهم والله أعلم.

(1)

النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 266).

(2)

شرح النووي على مسلم (17/ 9).

ص: 597

لطيفة جليلة: قال سليمان بن عبد الملك لأبي حازم يا أبا حازم ما لنا نكره الموت؟ قال لأنكم عمرتم دنياكم و [أخربتم] أخراكم فأنتم تكرهون النقلة من العمران إلى الخراب. قال: كيف القدوم على الله تعالى؟ قال: يا أمير المؤمنين أما المحسن [فكالغائب] يأتي أهلها فرحا مسرورا وأما المسيء فكالعبد الآبق يأتي مولاه خائفا محزونا.

وقال أحمد بن أبي الحواري: قال أبو سليمان الداراني: رحمة الله عليه الناس رجلان رجل أحب الله وأحب الموت شوقا إلى الله ورجل أحب البقاء لإقامة حق الله. قال: فوثب غلام لم يحتلم فقال: ورجل ثالث أو قال ورجل آخر. فقال أبو سليمان: ومن هو؟ فقال: من لم يختر هذا ولا هذا اختار ما اختار الله عز وجل له. فقال أبو سليمان احتفظوا بالغلام فإنه صدّيق، اهـ. قاله صاحب العاقبة

(1)

. قوله في حديث أنس: "ولكن المؤمن إذا حُضر جاءه البشير من الله عز وجل" الحديث.

فائدة: لما احتضر عامر بن عبد الله

(2)

بكى وقال لمثل هذا المصرع فليعمل العاملون، اللهم إني أستغفرك من تقصيري وتفريطي وأتوب إليك من جميع ذنوبي لا إله إلا الله، ثم لم يزل يردّدها حتى مات.

وقال عمرو بن العاصي عند موته

(3)

: اللهم أمرتنا فعصينا ونهيتنا فركبنا

(1)

العاقبة في ذكر الموت (ص 33)، والروضة الريا فيمن دفن بداريا (1/ 92).

(2)

المحتضرين لابن أبي الدنيا (176).

(3)

المستطرف في كل فن مستظرف (ج 2/ ص 574)، وشذرات الذهب (ج 1/ ص 53)، والنجوم الزاهرة (ج 1/ ص 115).

ص: 598

ولا يسعنا إلا عفوك، لا إله إلا الله، [ثم]

(1)

رددها حتى مات.

وقال عمر بن عبد العزيز عند موته

(2)

: أجلسوني فأجلسوه، فقال: أنا الذي أمرتني فقصرت ونهيتني فعصيت ولكن لا إله إلا الله ثم رفع رأسه فأحدّ النظر فقالوا: إنّك تنظر نظرا شديدا يا أمير المؤمنين. قال: أتاني حضرة ما هم بإنس ولا جنّ، ثم قبض، رحمت الله عليه. وسمعوا تاليا يتلو:{تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا [لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} ]، اهـ.

وعن شهر بن حوشب

(3)

قال: لما حضر عمرو بن العاصي الوفاة قال له ابنه: يا أبتاه: إنك لتقول لنا ليتني كنت ألقى رجلا عاقلا لبيبا عند نزول الموت حتى يصف لي ما [يجد] وأنت ذلك الرجل فصف لي الموت. قال: يا بني [كأن] نفسي في تخت وكأنني أتنفس من سمّ إبرة وكأن غصن شوك يجذب من قدمي إلى هامتي، ثم أنشأ يقول:

ليتني كنت ما قد بدا لي

في رءوس الجبال أرعى الوعولا

قاله في حياة الحيوان

(4)

.

(1)

سقط هذا اللفظ من النسخة الهندية.

(2)

المحتضرين لابن أبي الدنيا (90).

(3)

المحتضرين لابن أبي الدنيا (103).

(4)

حياة الحيوان الكبرى (2/ 550).

ص: 599

فائدة: الإنسان إذا [احتضر] هل الأفضل كثرة المعالجة أو عدمها؟ الجواب: أنه إذا انتهى إلى حركة المذبوح فترك المعالجة أولى وإلا فالعلاج مشروع وربّك على كل شيء قدير. قاله شيخ الإسلام ابن حجر في بعض فتاويه.

فائدة أيضا: روى مسلم في صحيحه

(1)

[عن] أم سلمة واسمها هند قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شُقّ بصره فأغمضه ثم قال: إن الروح إذا قبض تبعه البصر، فضجّ ناس من أهله فقال: لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون، الحديث. قوله:"شق بصره" هو بفتح الشين وبصره [برفع] الراء فاعل شق هكذا الرواية فيه. قال صاحب الأفعال: يقال شق بصر الميت وشق الميت بصره إذا شخص. قاله النووي في أذكاره

(2)

.

وفي حديث آخر

(3)

: إذا شخص البصر وحشرج الصدر فعند ذلك من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، الحديث. الحشرجة الغرغرة عند الموت وتردد النفس فشخوص البصر ارتفاع الأجفان إلى فوق وتحديد النظر وانزعاجه. يقال للرجل إذا أتاه ما يقلقه قد شخص به كأنه رفع من الأرض لقلقه وانزعاجه ومنه شخوص المسافر خروجه عن منزله. اهـ، قاله صاحب

(1)

مسلم (920).

(2)

الأذكار للنووي (ص: 248)، المجموع شرح المهذب (5/ 127)، شرح النووي على مسلم (6/ 222).

(3)

صحيح مسلم (2685).

ص: 600

النهاية

(1)

. فقوله: إن الروح إذا قبض تبعه البصر معناه إذا خرج الروح من الجسد تبعه البصر ناظرا أين يذهب وفيه دليل لمذهب أصحابنا المتكلمين ومن وافقهم أن الروح أجسام لطيفة متحللة في البدن وتذهب الحياة من الجسد بذهابها وليس عرضا كما قاله آخرون ولا دما كما قاله آخرون وفي ذلك كلام متسع للمتكلمين والله أعلم.

فائدة أيضا: قال أبو حامد الغزالي في الدرة الفاخرة

(2)

: فإذا دنت منية الإنسان فحينئذ نزل عليه أربعة من الملائكة تجذب النفس من قدمه اليمنى وملك يجذب النفس من قدمه اليسرى وربما كشف له وملك يجذبها من يده اليمنى وملك يجذبها من يده اليسرى وربما كشف للميت عن الأمر الملكوتي قبل أن يغرغر فيعاين أولئك الملائكة على حقيقة عمله على ما يتحيزون إليه من عالمهم فإن كان لسانه منطلقا حدث بوجودهم أو وجود بعضهم وربما استخف الميت نفسه وأعاد على نفسه الحديث بما [رآى وهم] يجذبونها من أطراف البنان ورءوس الأصابع والنفس تنسل انسلال القذاة من السقاء والفاجر تنسل روحه كالسفود من الصوف المبلول كما في الحديث، والميت يظن أن بطنه مُلئت شوكا كأنما نفسه تخرج من ثقب إبرة أو كأنما السماء انطبقت على الأرض وهو بينهما، ولهذا سئل كعب رضي الله عن الموت فقال: كغصن شوك أدخل في جوف رجل فجذبه إنسان ذو قوة

(1)

النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 450).

(2)

التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة (ص: 239).

ص: 601

فقطع ما قطع وأبقى ما أبقى وآخر ما [يفقد] من الميت السمع لأن الروح إذا فارقت القلب بأسرها فسد البصر وأما السمع فلا يفقده حتى تقبض النفس ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: لقنوا موتاكم شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله، فإذا رأيت المحتضر جافّ الفم كأنه يضحك منطلق الوجه مكسورة عينه فاعلم أنه مستبشر بما يلقاه في الآخرة من السرور وكشف له عن حقيقة كرامته فإذا قبض الملك النفس السعيدة تناولها ملكان حسنا الوجهين عليهما أثواب حسنة ولهما رائحة طيبة فيلفّانها في حريرة من حرير الجنة وهي على قدر [نسمة النحلة] شخص إنساني ما فقد من عقله ولا من عمله المكتسب في دار الدنيا شيئا فيفرحون به في الهواء فلا يزال يمرّ بالأمم السالفة والقرون الخالية كأمثال الجراد المنتشر منهم من يعرف ومنهم من لا يعرف حتى ينتهي إلى سماء الدنيا [فيقرع] الأمين الباب فيقال للأمين من أنت فيقول أنا [صلصائيل] وهذا فلان معي بأحسن أسمائه [وأحبها] إليه فيقولون له نعم الرجل كان فلان وكانت عقيدته غير شاك غير شاك ثم ينتهي إلى السماء الثانية فيقرع الباب فيقال له من أنت؟ فيقول مقالته الأولى فيقولون: أهلا وسهلا [بفلان كان محافظا على صلاته بجميع فرائضها، فذكر الحديث إلى أن قال: حتى ينتهي إلى سدرة المنتهى فيقرع الباب فيقال: من أنت؟ فيقول الأمين كدأبه في مقالته فيقال: أهلًا و سهلًا بفلان، كان عمله عملًا صالحًا لوجه الله عز وجل، ثم يفتح له فيمر في بحر من نار، ثم يمر في بحر من نور، ثم يمر في بحر من ظلمة، ثم يمر في بحر من

ص: 602