المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الترغيب في الخوف وفضله - فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب - جـ ١٣

[حسن بن علي الفيومي]

فهرس الكتاب

- ‌فصل في عيش السلف

- ‌الترغيب في البكاء من خشية الله تعالى

- ‌الترغيب في ذكر الموت وقصر الأمل

- ‌الترغيب في الخوف وفضله

- ‌الترغيب في الرجاء وحسن الظن بالله سيما عند الموت

- ‌كتاب الجنائز وما يتقدمها

- ‌التَّرْغِيب فِي سُؤال الْعَفو والعافية

- ‌التَّرْغِيب فِي كَلِمَات يقولهن من رأى مبتلى

- ‌التَّرْغِيب فِي الصَّبْر سِيمَا لمن ابْتُلِيَ فِي نَفسه أَو مَاله وَفضل الْبلَاء وَالْمَرَض والحمى وَمَا جَاءَ فِيمَن فقد بَصَره

- ‌التَّرْغِيب فِي كَلِمَات يقولهن من آلمه شَيْء من جسده

- ‌التَّرْهِيب من تَعْلِيق التمائم والحروز

- ‌[التَّرْغِيب فِي الْحجامَة وَمَتى يحتجم]

- ‌[التَّرْغِيب فِي عِيَادَة المرضى وتأكيدها وَالتَّرْغِيب فِي دُعَاء الْمَرِيض]

- ‌[التَّرْغِيب فِي كَلِمَات يدعى بِهن للْمَرِيض وكلمات يقولهن الْمَرِيض]

- ‌[التَّرْغِيب فِي الْوَصِيَّة وَالْعدْل فِيهَا والترهيب من تَركهَا أَوالمضارة فِيهَا وَمَا جَاءَ فِيمَن يعْتق ويَتَصَدَّق عِنْد الْمَوْت]

- ‌التَّرْهِيب من كَرَاهِيَة الْإِنْسَان الْمَوْت وَالتَّرْغِيب في تلقيه بالرضى وَالسُّرُور إِذا نزل حبا للقاء الله عز وجل

- ‌فائدة فيها بشرى:

- ‌[التَّرْغِيب فِي كَلِمَات يقولهن من مَاتَ لَهُ ميت]

- ‌[التَّرْغِيب فِي حفر الْقُبُور وتغسيل الْمَوْتَى وتكفينهم]

- ‌[التَّرْغِيب فِي تشييع الْمَيِّت وَحُضُور دَفنه]

- ‌التَّرْغِيب فِي كَثرَة الْمُصَلِّين على الْجِنَازَة وَفِي التَّعْزِيَة

- ‌[التَّرْغِيب فِي الْإِسْرَاع بالجنازة وتعجيل الدّفن]

- ‌فوائد يختم بها الباب:

- ‌[التَّرْغِيب فِي الدُّعَاء للْمَيت وإحسان الثَّنَاءعَلَيْهِ والترهيب من سوي ذَلِك]

الفصل: ‌الترغيب في الخوف وفضله

‌الترغيب في الخوف وفضله

5103 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله فذكرهم إلى أن قال: ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله. رواه البخاري

(1)

ومسلم

(2)

، وتقدم بتمامه.

قوله: "عن أبي هريرة" تقدم الكلام على ترجمته. قوله صلى الله عليه وسلم: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله" تقدم الكلام على هذا الحديث في مواضع كثيرة من هذا التعليق.

5104 -

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كان الكفل من بني إسرائيل لا يتورع من ذنب عمله، فأتته امرأة فأعطاها ستين دينارا على أن يطأها فلما أرادها على نفسها ارتعدت وبكت، فقال: ما يبكيك؟ قالت: لأن هذا عمل ما عملته، وما حملني عليه إلا الحاجة، فقال تفعلين أنت هذا من مخافة الله، فأنا أحرى اذهبي فلك ما أعطيتك، ووالله ما أعصيه بعدها أبدا، فمات من ليلته، فأصبح مكتوب على بابه: إن الله قد غفر للكفل فعجب الناس من ذلك. رواه الترمذي

(3)

وحسنه،

(1)

صحيح البخاري (660 - 1423 - 6479 - 6806).

(2)

صحيح مسلم (91)(1031).

(3)

سنن الترمذي (2496).

ص: 263

والحاكم

(1)

وقال: صحيح الإسناد.

قوله: "وعن ابن عمر" حيث أطلق ابن عمر فالمراد به عبد الله بن عمر بن الخطاب، وتقدم الكلام على مناقبه في مواضع من هذا التعليق أيضا. قوله:"كان الكفل من بني إسرائيل لا يتورع من ذنب عمله" الحديث، الكفل كذا وبنو إسرائيل هم أولاد يعقوب عليه السلام. قوله:"فقال: وتفعلين أنت هذا من مخالفة الله فأنا أحرى" أي فأنا أولى وأحق بهذا الخوف منك.

5105 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خرج ثلاثة فيمن كان قبلكم يرتادون لأهلهم فأصابتهم السماء فلجؤوا إلى جبل فوقعت

(1)

المستدرك للحاكم (4/ 283)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه والحديث؛ أخرجه الضبي في الدعاء (146)، وابن أبي شيبة في المصنف (34209)، وأحمد (4747)، والبزار (5388)، وابن حبان (387)، وأبو بكر الإسماعيلي في معجم أسامي شيوخه (1/ 365)، وأبو يعلى الموصلي (5726)، والخرائطي في اعتلال القلوب (104)، وابن الأعرابي في المعجم (2295) والطبراني (13942 و 13943)، وأبو نعيم في حلية الأولياء (4/ 298) وقال: غريب من حديث سعيد لم يروه عنه إلا الأعمش، ولا عنه إلا أبو بكر بن عياش وأسباط. ورواه غيرهما عن الأعمش، فقال بدل سعيد: عن سعد مولى طلحة.

وقال الترمذي في العلل الكبير (618): سألت محمدا عن هذا الحديث فقال: بعض أصحاب الأعمش رووا هذا الحديث فأوقفوه، وأكثرهم رفعوه. والصحيح أنه مرفوع. قلت له: روى أبو بكر بن عياش، عن الأعمش، عن عبد الله بن عبد الله، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر .. فقال: أبو بكر بن عياش يهم فيه.

وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (1836)، وضعيف الجامع الصغير وزيادته (4150)، وضعيف سنن الترمذي (448).

ص: 264

عليهم صخرة، فقال بعضهم لبعض: عفا الأثر، ووقع الحجر، ولا يعلم بمكانكم إلا الله، فادعوا الله بأوثق أعمالكم، فقال أحدهم: اللهم إن كنت تعلم أنه كانت امرأة تعجبني فطلبتها فأبت علي فجعلت لها جعلا، فلما قربت نفسها تركتها، فإن كنت تعلم أني إنما فعلت ذلك رجاء رحمتك وخشية عذابك فافرج عنا فزال ثلث الحجر، وقال الآخر: اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي والدان فكنت أحلب لهما في إنائهما، فإذا أتيتهما وهما نائمان قمت حتى يستيقظا، فإذا استيقظا شربا، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك رجاء رحمتك وخشية عذابك فافرج عنا فزال ثلث الحجر، وقال الثالث: اللهم إن كنت تعلم أني استأجرت أجيرا يوما فعمل لي نصف النهار، فأعطيته أجرا فسخطه ولم يأخذه فوفرتها عليه حتى صار من ذلك المال، ثم جاء يطلب أجره فقلت: خذ هذا كله، ولو شئت لم أعطيه إلا أجره الأول، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك رجاء رحمتك وخشية عذابك فافرج عنا، فزال الحجر وخرجوا يتماشون. رواه ابن حبان في صحيحه

(1)

، ورواه البخاري

(2)

(1)

ابن حبان (971)، وأخرجه ابن أبي الدنيا في مجابي الدعوة (13)، والبزار (كشف 1869) والروياني (1359)، والخرائطي في اعتلال القلوب (ص 73 - 74)، والطبراني في الدعاء (193) وفي الأوسط (2475) والقطيعي في جزء الألف دينار (186)، وأبو سعيد النقاش (40)، وقال أبو حاتم: الحديث صحيح العلل (2/ 442). وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2498)، والتعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (2/ 251)، والضعيفة تحت حديث (6505).

(2)

البخاري (2215)(2333)(3465)(5974) عن عبد الله بن عمر.

ص: 265

ومسلم

(1)

وغيرهما من حديث عمر بنحوه وتقدم.

قوله: "وعن أبي هريرة" تقدم. قوله: "خرج ثلاثة نفر ممن كان قبلكم يرتادون لأهليهم" الحديث، النفر من الثلاثة إلى التسعة بخلاف الرهط فإن الرهط من الثلاثة إلى العشرة وتقدم الكلام على ذلك مرارا مبسوطا ومختصرا. قوله:"فلجئوا إلى جبل" الحديث، معناه انضموا إليه. قوله:"عفا الأثر ووقع الحجر" معنى عفا الأثر تقدم، وتقدم الكلام على بقية غريب هذا الحديث في أول الكتاب في حديث الغار، وتقدم لفظ هذا الحديث أيضا بحروفه في بر الوالدين أيضًا.

5106 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان رجل يسرف على نفسه لما حضره الموت قال لبنيه: إذا أنا مت فاحرقوني ثم اطحنوني، ثم ذروني في الريح، فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا، فلما مات فعل به ذلك، فأمر الله الأرض فقال: اجمعي ما فيك ففعلت، فإذا هو قائم فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال: خشيتك يا رب، أو قال: مخافتك، فغفر له.

5107 -

وفي رواية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رجل لم يعمل حسنة قط لأهله: إذا مت فحرقوه ثم ذروا نصفه في البر ونصفه في البحر، فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين، فلما مات الرجل فعلوا به ما أمرهم فأمر الله البر فجمع ما فيه، وأمر البحر أن يجمع ما فيه، ثم قال: لم

(1)

صحيح مسلم (100)(2743) عن عبد الله بن عمر.

ص: 266

فعلت هذا؟ قال: من خشيتك يا رب وأنت أعلم فغفر الله تعالى له. رواه البخاري

(1)

ومسلم

(2)

، ورواه مالك

(3)

والنسائي

(4)

ونحوه.

قوله: "وعن أبي هريرة" تقدم. قوله: "كان رجل يسرف على نفسه" الحديث، أي أخطأ وأكثر من الذنوب وجاوز القصد في ذلك، وقال القرطبي

(5)

السرف مجاوزة الحد، يقال أسرف أي بالغ في السرف وغلا في المعاصي.

قوله في الحديث: "فلما حضره الموت قال لبنيه" أي لأولاده "إذا متّ" الحديث.

قوله: "فأحرقوني ثم اطحنوني ثم ذروني في الريح"، الحديث، ذروني بالذال المعجمة، يقال: ذرته الريح وأذرته الريح تذروه وتُذريه إذا [أطارته] الريح ومنه تذرية الطعام. قال ابن الأثير: وقال في الصحاح ذريته طيّرته وأذهبته وذرت الريح الترابَ وغيره تذروه وتذريه ذروا وذريا أي سفته ومنه قوله {تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ}

(6)

بالذال المعجمة. وإنما أوصى بذلك تحقيرا لنفسه وعقوبة لعصيانها وإسرافها رجاء أن يرحمه الله تعالى.

(1)

صحيح البخاري (3481، 7506).

(2)

صحيح مسلم (24)(2756).

(3)

موطأ مالك (1/ 240/ 51).

(4)

سنن النسائي (4/ 112).

(5)

تفسير القرطبي (15/ 17)، وانظر: شرح النووي على مسلم (17/ 72).

(6)

الكهف: 45.

ص: 267

قوله: "فوالله لئن قدر الله عليّ ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا" الحديث، اختلف العلماء في تأويل هذا الحديث، فقالت طائفة لا يصح حمل هذا الحديث على أنه أراد نفي قدرة الله تعالى إحيائه وإعادته كما هو ظاهر الحديث، فإن الشاك في قدرة الله تعالى كافر مع كون الحديث يدل على إسلامه من وجهين: أحدهما إخباره بأنه إنما فعل هذا من خشية الله تعالى والكافر لا يخشى الله تعالى. والثاني إخباره عليه الصلاة والسلام بأن الله غفر له والكافر لا يغفر له. قالوا: هؤلاء فيكون للحديث تأويلان: أحدهما أن معناه لئن قدر الله علي العذاب وعدم العفو أي [حكم] وقضى، يقال منه قدر بالتخفيف وقدّر بالتشديد بمعنى واحد.

والثاني إن قدر هنا بمعنى ضيّق عليّ، فقوله: لئن قدر الله علي أي لئن ضيّق، ومنه قوله تعالى {فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ}

(1)

، وهو أحد الأقوال في قوله تعالى:{فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ}

(2)

، وقالت طائفة اللفظ على ظاهره وذكروا له تأويلات: أحدها أن هذا الرجل قال هذا الكلام وهو غير ظابط لكلامه ولا قاصد لحقيقة معناه ومعتقد لها بل قاله في حالة غلب عليه فيها الدهش والخوف والجزع الشديد بحيث ذهب تيقظه وتدبره ما يقوله فصار في معنى الغافل والناسي، وهذه الحالة لا يؤاخذ فيها وهو نحو قول القائل الآخر الذي غلب عليه الفرح حين وجد راحلته فقال: أنت عبدي وأنا ربك أخطأ

(1)

الفجر: 16.

(2)

الأنبياء: 87.

ص: 268

من شدة الفرح ولم يكفر بذلك الدهش والغلبة والسهو الثاني من التأويلات أن هذا من مجاز كلام العرب وبديع استعمالها يسمونه مزج الشك باليقين كقوله تعالى: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}

(1)

فصورته صورة شك والمراد به اليقين، وسماه بعضهم تجاهل العارف فصورته صورة شك والمراد به اليقين.

الثالث من [التأويلات] أن غاية ما فيه أن هذا رجل جهل صفة من صفات الله تعالى، وقد اختلف العلماء رضي الله عنهم في تكفير جاهل الصفة فمن كفره بذلك [محمد] بن جرير الطبري؛ وقال به الشيخ أبو الحسن الأشعري أولا وقال آخرون لا يكفر بجهل الصفة ولا يخرج به عن اسم الإيمان بخلاف جحدها، وإليه رجع أبو موسى الأشعري وعليه استقر قوله، ونقل هذا القول عن الأشعري أنه لا يكفر أحدا من أهل القبلة وعليه قيل:

عباراتنا شتى وحسنك [واحد]

وكل إلى ذاك الجمال يشيرُ

فليس أحد منهم إلا ويدّعى بما قام عليه من الدليل [وشبهة] الدليل أنه على الحق مع اتفاقهم على التوحيد وهذا لا يقتضي الخروج عن الملة الإسلامية والله أعلم.

الرابع من التأويلات أنه كان في زمن فترة حين ينفع مجرد التوحيد ولا تكليف قبل ورود الشرع على المذهب الصحيح لقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا

(1)

سبأ: 24.

ص: 269

مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}

(1)

.

الخامس من التأويلات: أنه يجوز أنه كان متمسكا بشريعة فيها جواز العفو عن الكافر وإن كان ذلك غير جائز في شرعنا وهو قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ}

(2)

وغير ذلك من الأدلة. السادس من التأويلات: إن قلت في الصحيحين

(3)

من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى أنه قال: أنا عند ظن عبدي بي، وهذا قد ظن بربه تعذيبه وعدم المغفرة فكيف غفر له؟ قلت: قد اختلفوا في معنى الحديث، فقيل المراد به الرجاء وتأميل العفو وقيل معناه بالغفران له إذا استغفر فإن قلنا بالثاني فالجمع بينهما واضح لأن هذا قد ندم على ما فرط منه ولولا ندامته لما أمر أن يفعل به ذلك [لكان تائبا تقبل توبته وغفر له. وإن قلت بالأول]

(4)

فقد حكى القاضي عياض والنووي في شرح مسلم

(5)

أنه إنما رضي بذلك تحقيرا لنفسه وعقوبة لها لعصيانها وإسرافها رجاء أن يرحمه الله كما تقدم، فهو حينئذ قد رجى العفو وأمّله فكان الله عند ظنه به فعفا عنه، اهـ. قاله العراقي في شرح الأحكام

(6)

.

(1)

سورة الإسراء، الآية:15.

(2)

النساء: 48 و 116.

(3)

صحيح البخاري (7405 - 7505)، وصحيح مسلم (2)(2675).

(4)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

(5)

شرح النووي على مسلم (17/ 72)، وطرح التثريب في شرح التقريب (3/ 269).

(6)

طرح التثريب في شرح التقريب (3/ 269).

ص: 270

قوله في الحديث: "فقال مما حملك على ما صنعت" أي على هذه الوصية. قوله: "قال خشيتك يا رب" الحديث، خشيتك مرفوع بأنه مبتدأ محذوف [الخبر] أو بالعكس وفي بعضها بالنصب على نزع الخافض أي لخشيتك. فائدة جليلة فيها بشرى: فإذا تقرر ما ذكر في معنى الحديث وتقرر هذا فتأمل رحمك الله كيف حصلت المغفرة لعبد لم يعمل حسنة قط بسبب وجود خوفه من الله تعالى، فليت شعري هل يخلو مسلم من حسنة من خوف الله سبحانه وتعالى، ومن ذا الذي لا يخاف عذاب الله ويرجو رحمته سبحانه، اهـ، قاله صاحب حادي القلوب، وفي رواية أن رجلا لم يعمل خيرا قط فقال لأهله إذا مت فحرقوه ثم اذروا نصفه في البر ونصفه في البحر. اذروا بكسر الذال المعجمة وضم الراء مخففة أي ألقوا ويجوز في همزة الوصل والقطع، قاله العراقي

(1)

.

قوله: "نصفه في البر ونصفه في البحر" أي فرقوني فيه مقابل الريح لتنتشر أجزاؤه وتتبدد. يقال [ذريت] الشيء وذروته ذريا وذروا [أو أذريته] أيضا رباعي وذريته مشددا أي بدّدته وفرّقته؛ وقيل إذا طرحته مقابل الريح لذلك ومنه نسفته، قاله عياض

(2)

.

قوله في الحديث: فوالله لئن قدر الله عليه، الحديث. وليس المراد أنه يشك في قدرة الله تعالى عليه فإن ذلك كفر والكفر لا يغفر، وتقدم الكلام على ذلك

(1)

طرح التثريب في شرح التقريب (3/ 266).

(2)

مشارق الأنوار على صحاح الآثار (1/ 269).

ص: 271

مبسوطا في أول الحديث. تنبيه: قال الخطابي رحمه الله تعالى

(1)

: فإن قلت كيف يغفر له وهو منكر للقدرة على الإحياء؟ قلت: ليس بمنكر إنما هو رجل جاهل ظن أنه إذا فعل به هذا الصنع ترك فلم ينشر ولم يعذب، وحيث قال من خشيتك علم منه أنه رجل مؤمن فعل ما فعل خشية من الله تعالى، ولجهله حسب أن هذه الحيلة تنجيه مما يخافه، اهـ قاله الكرماني

(2)

.

5108 -

وعن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن رجلا كان قبلكم رغسه الله مالا فقال لبنيه لما حضر: أي أب كنت لكم؟ قالوا خير أب. فإني لم أعمل خيرا قط فإذا مت فاحرقوني ثم اسحقوني، ثم ذروني في ريح عاصف ففعلوا فجمعه الله فقال: ما حملك؟ فقال: مخافتك، فتلقاه برحمته؛ رواه البخاري

(3)

ومسلم

(4)

.

[رغسه] بفتح الراء والغين المعجمة بعدهما سين مهملة. قال أبو عبيدة: معناه أكثر له منه وبارك له فيه.

قوله: "وعن أبي سعيد الخدري" تقدم. قوله: "إن رجلا ممن كان قبلكم رغسه الله مالا" قال أبو عبيد معناه أكثر له منه وبارك فيه، قاله الحافظ. وقال صاحب المحكم

(5)

الرغس النماء والبركة والكثرة ورغسه الله مالا وولدا

(1)

عمدة القاري (16/ 62)، والكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (14/ 108).

(2)

الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (14/ 108).

(3)

صحيح البخاري (3478 - 6481).

(4)

صحيح مسلم (27)(2757).

(5)

المحكم والمحيط الأعظم (5/ 430).

ص: 272

أعطاه كثيرا منه. وقال الكرماني

(1)

رغسه الله مالا أي أعطى وأنمى وقيل أكثر له وبارك فيه. وفي رواية لمسلم: "راشه الله" بالراء والمعجمة من الريش وهو المال. قوله: "فقال لبنيه لما حضر" أي لأولاده لما حضر، يقال: احتُضر فلان وحضر إذا دنا موته.

قوله: "ثم اسحقوني ثم ذروني في يوم عاصف" أي دقوني إذا أحرقتموني بدليل بقية الحديث ليذرى رماده في الريح كما قال فإذا كان يوم ريح عاصف فاذروني فيها، وتقدم معنى الحديث في الأحاديث قبله.

5109 -

وعن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: يقول الله عز وجل: أخرجوا من النار من ذكرني يوما أو خافني في مقام. رواه الترمذي

(2)

والبيهقي

(3)

، وقال الترمذي: حديث حسن غريب.

(1)

الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (14/ 106).

(2)

أخرجه الترمذي (2594) والحديث؛ أخرجه ابن أبي عاصم، في السنة (833)، والبزار (7455)، وابن خزيمة، في التوحيد (451: 453)، وعبد الله في زوائد الزهد لابن حنبل (ص 369)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين بأصبهان 3/ 16، والحاكم في المستدرك 1/ 70، واللالكائي في اعتقاد أهل السنة (2067). وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، وقال ابن القيم في حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح (ص: 381) وقد ثبت في حديث أنس رضي الله عنه. وقال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: 1935) أخرجه الترمذي من حديث أنس وقال غريب، وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (1965)، وضعيف الجامع الصغير وزيادته (6436)، وضعيف سنن الترمذي (ص: 309)، والظلال (833)، والتعليق الرغيب 4/ 138، والمشكاة (5349).

(3)

البيهقي في شعب الإيمان (726) وفي الاعتقاد (ص 201).

ص: 273

قوله: "عن أنس" تقدم. قوله: "أخرجوا من النار من ذكرني يوما أو خافني في مقام" الحديث، هذا بشرط أن يكون مؤمنا بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم أو بنبي آخر قبل نسخ دينه. وعن لقمان أنه قال لابنه: يا بني خف الله خوفا يحول بينك وبين الرجاء، وارجه رجاء يحول بينك وبين الخوف، قال: فقال أي أبَتِ إنّ لي قلبا واحدا إن ألزمته الخوف شغله عن الرجاء وإن ألزمته الرجاء شغله عن الخوف. قال: أي [ابني] إن المؤمن له قلب كقلبين يرجو الله بأحدهما ويخافه بالآخر. اهـ.

5110 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ يَقُول الله عز وجل إِذا أَرَادَ عَبدِي أَن يعْمل سَيِّئَة فَلَا تكتبوها عَلَيْهِ حَتَّى يعملها فَإِن عَملهَا فاكتبوها بِمِثْلِهَا وَإِن تَركهَا من أَجلي فاكتبوها لَهُ حَسَنَة الحَدِيث رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَتقدم بِتَمَامِهِ فِي الْإِخْلَاص وَفِي لفظ لمُسلم إِن تَركهَا فاكتبوها لَهُ حَسَنَة إِنَّمَا تَركهَا من جراي أَي من أَجلي

(1)

.

5111 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِيمَا يروي عَن ربه جلّ وَعلا أَنه قَالَ وَعِزَّتِي لَا أجمع على عَبدِي خوفين وأمنين إِذا خافني فِي الدُّنْيَا أمنته يَوْم الْقِيَامَة وَإِذا أمنني فِي الدُّنْيَا أخفته فِي الْآخِرَة رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه

(2)

.

(1)

أخرجه البخاري (7501)، ومسلم (203 و 204 و 205 - 128).

(2)

أخرجه البزار (8029)، وابن حبان (640). قال الهيثمى في المجمع 10/ 308: رواه البزار، عن شيخه: محمد بن يحيى بن ميمون، ولم أعرفه، وبقية رجال المرسل رجال =

ص: 274

5112 -

وعن أبي هريرة أيضا رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة. رواه الترمذي

(1)

وقال: حديث حسن.

[أدلج] بسكون الدال: إذا سار من أول الليل؛ ومعنى الحديث: أن من خاف ألزمه الخوف السلوك إلى الآخرة، والمبادرة بالأعمال الصالحة خوفا من القواطع والعوائق.

قوله: "وعن أبي هريرة" تقدم. قوله صلى الله عليه وسلم: "من خاف أدلج" الحديث، الخوف من أجل المنازل وأنفعها للقلب وهو فرض على كل أحد، قال الله تعالى:{فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ}

(2)

وقال الله تعالى: {وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ}

(3)

، وقال الله تعالى:{وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ}

(4)

الآية، وفي

= الصحيح، وكذلك رجال المسند غير محمد بن عمرو بن علقمة، وهو حسن الحديث. وقال الألباني: حسن صحيح الصحيحة (742) وصحيح الترغيب (3376).

(1)

الترمذي (2450)، وقال: هذا حديث حسن غريب والحديث؛ أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (2/ 111)، وعبد بن حميد (1461)، وابن أبي الدنيا في قصر الأمل (115)، والعقيلي في الضعفاء (6/ 325)، والحاكم (4/ 308)، والقضاعي (33/ 1) وأبو نعيم الأصبهاني في صفة الجنة (47)، والبيهقي في شعب الإيمان (855 و 10092)، والبغوي (4173). وصححه الألباني في صحيح الجامع (6222)، والصحيحة (2335)، وصحيح الترغيب والترهيب (3377).

(2)

آل عمران: 175.

(3)

البقرة: 41.

(4)

المؤمنون: 60.

ص: 275

المسند

(1)

والترمذي

(2)

عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} أهو الذي يزني ويشرب الخمر ويسرق؟ قال: لا يا ابنة الصديق، ولكنه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف أن لا يقبل منه.

قال الحسن رحمة الله عليه: عملوا الله بالطاعات واجتهدوا فيها وخافوا أن ترد عليهم، إن المؤمن من جمع إحسانا وخشية والمنافق جمع إساءة وأمنا. وقال الجنيد رحمت الله عليه

(3)

: الخوف يوقع العقوبة على مجاري الأنفاس، وقال أبو سليمان

(4)

: ما فارق الخوف قلبا إلا خرب، وقال إبراهيم بن سفيان

(5)

: إذا سكن الخوف القلب أحرق مواضع الشهوات منه

(1)

أخرجه أحمد (25263 و 25705).

(2)

الترمذي (3175) والحديث؛ أخرجه إسحاق بن راهوية (1643)، والحميدي (275) وابن ماجه (4198)، والطبري في تفسيره (18/ 33 و 34) والكلاباذي في معاني الأخبار (ص 39 - 40)، وابن بطة في الإبانة (1175)، والحاكم (2/ 393 - 394) والبيهقي في الشعب (747) والبغوي في تفسيره (5/ 39 - 40).

وقال الحاكم: صحيح الإسناد قال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: 1511) رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم وقال صحيح الإسناد.

قلت: بل منقطع بين عائشة وبين عبد الرحمن بن سعد بن وهب. وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (162).

(3)

الرسالة القشيرية (1/ 163)، ومدارج السالكين (1/ 512).

(4)

الرسالة القشيرية (1/ 163)، ومدارج السالكين (1/ 513).

(5)

الرسالة القشيرية (1/ 165)، وشعب الإيمان (886).

ص: 276

وطرد الدنيا عنه. وقال ذو النون رحمة الله عليه

(1)

: الناس على الطريق ما لم يزل عنهم الخوف، فإذا زال عنهم الخوف ضلوا عن الطريق. وقال آدم: لا تغتر بمكان صالح فلا مكان أصلح من الجنة ولقي فيها آدم ما لقي، ولا تغتر بكثرة العبادة فإن إبليس بعد طول العبادة لقي ما لقي، ولا تغتر بكثرة العلم فإن بلعام بن باعوراء لقي ما لقي وكان يعرف الاسم الأعظم. ولا تغتر بلقاء الصالحين فلا شخص أصلح من النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينتفع بلقائه أعداؤه والمنافقون. والقلب في سيره إلى الله تعالى بمنزلة الطائر، فالمحبة رأسه والخوف والرجاء جناحاه فمتى سلم الرأس والجناحان فالطير جيد الطيران ومتى قطع الرأس مات الطائر ومتى عدم الجناحان فهو عرضة لكل صائد وكاسر، ولكن السلف رضي الله عنهم استحبوا أن يقوى في الصحة جناح الخوف على جناح الرجاء وعند الخروج من الدنيا يقوي جناح الرجاء على جناح الخوف هذه طريقة [أبي] سليمان وغيره، قال: وينبغي للقلب أن يكون الغالب عليه الخوف فإذا كان الغالب عليه الرجاء فسد. وقال غيره: أكمل الأحوال اعتدال الرجاء والخوف وغلبة الحب، فالمحبة هي المركب والرجاء حاد، والخوف سابق، والله الموصل بمنه وكرمه، اهـ.

قوله: "أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل"، وأدلج بسكون الدال [أي ذهب في أول الليل أي] سار [في] أول الليل [وأدلج أي سار في آخر الليل، والدلجة والدلج سير الليل، وأدلج إذا سار من أول الليل]، قاله المنذري [والمراد

(1)

الرسالة القشيرية (1/ 164)، ومدارج السالكين (1/ 513).

ص: 277

التشمير في الطاعة]، ومعنى الحديث أن من خاف الله ألزمه الخوف السلوك إلى الآخرة والمبادرة بالأعمال الصالحة خوفا من القواطع والعلائق وفي بعض النسخ العوائق. اهـ. قاله الحافظ.

وقال الحافظ شرف الدين الدمياطي في كتابه المتجر الرابح في العمل الصالح، معنى الحديث: أن من خاف الله شمّر في طاعته وسار إليه عجلا مع السابقين السالكين فإذا مضى ليل المجاهدة وأفجر فجر الآخرة ورآى ما قطعه في سرى ليله من المفاوز والمخاطر وشاهد قرب منزلته من الحبيب وانقطاع من أقعده الكسل وغرّه الأمل أنشد لسان حاله عند الصباح يحمد القوم السّرى. اهـ.

قوله: "ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة" الغالية [أي] رفيعة [القيمة] ضد الرخيصة أي سلعة الله الجنة وهي عزيزة لا يليق بثمنها إلا بذل النفس، وفي كتاب صفة الجنة لأبي نعيم

(1)

من حديث أبان عن أنس قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما ثمن الجنة؟ قال: لا إله إلا الله. وشواهد هذا الحديث كثيرة جدا، والله تعالى أعلم.

5113 -

وعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن فتى من الأنصار دخلته خشية الله فكان يبكي عند ذكر النار حتى حبسه ذلك في البيت فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه في البيت، فلما دخل عليه اعتنقه النبي صلى الله عليه وسلم وخر ميتا فقال النبي صلى الله عليه وسلم:

(1)

صفة الجنة لأبي نعيم الأصبهاني (51)، وأبان -وهو ابن أبي عياش- متروك. الألباني في السلسلة الضعيفة (3457): ضعيف. انظر: حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح (ص: 86).

ص: 278

جهزوا صاحبكم فإن الفرق فلذ كبده. رواه الحاكم

(1)

والبيهقي

(2)

من طريقه وغيره، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب الخائفين

(3)

، والأصبهاني

(4)

من حديث حذيفة، وتقدم حديث ابن عباس في البكاء قريبا من معناه، وحديث النبي أيضًا.

[الفرق] بفتح الفاء والراء: هو الخوف.

[وفلذ كبده] بفتح الفاء واللام وبالذال المعجمة: أي قطع كبده.

قوله: "وعن سهل بن سعد" تقدم. قوله صلى الله عليه وسلم: "جهزوا صاحبكم فإن الفرق فلذ كبده" الحديث، الفرق بفتح الفاء والراء هو الخوف وفلذ [كبده]

(5)

بفتح

(1)

أخرجه الحاكم (3/ 494)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه فيه نظر، وقد تعقبه الذهبي في التلخيص، بقوله: والخبر شبه موضوع، وقال ابن حجر في اللسان (1/ 360، ترجمة 1108 إسحاق بن حمزة): رواه ابن أبى الدنيا في الخوف عن محمد بن إسحاق بن حمزة عن أبيه به، قال الذهبي في غير الميزان: الحديث شبه الموضوع، وإسحاق وابنه لا يدرى من هما. وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (365)، وضعيف الترغيب والترهيب (1966). وقال في ضعيف الترغيب والترهيب (1967): ضعيف جدًا.

(2)

البيهقي في الشعب (936).

(3)

خرجه ابن أبي الدنيا عن حذيفة والمرسل أصح وخازم بن جبلة، قال ابن مخلد الدوري الحافظ، لا يكتب حديثه. انظر: التخويف من النار (ص: 42). وقال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: 1536) أخرجه ابن أبي الدنيا في الخائفين من حديث حذيفة، والبيهقي في الشعب من حديث سهل بن سعد بإسنادين فيهما نظر.

(4)

أخرجه إسماعيل الأصبهاني قوام السنة في الترغيب والترهيب (505).

(5)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

ص: 279

الفاء واللام وبالذال المعجمة أي قطع كبده، اهـ، قاله الحافظ، ومعنى الحديث أن خوف النار قطع كبده، والأفلاذ جمع فلذة والفلذ جمع فلذة وهي القطعة المقطوعة طولا والله أعلم. قاله في النهاية

(1)

.

5114 -

وعن بهز بن حكيم قال: أمنا زرارة بن أوفى رضي الله عنه في مسجد بني قشير فقرأ المدثر، فلما بلغ نقر في الناقور خر ميتا. رواه الحاكم

(2)

وقال: صحيح الإسناد

(3)

.

قوله: "وعن بهز بن حكيم" تقدم. قوله: "قال: أمَّنا زرارة بن أبي أوفى في مسجد بني قشير فقرأ المدثر فلما بلغ فإذا نقر في الناقور خرّ ميتا"، قال بهز بن حكيم: فكنت فيمن حمله. وروي أنه لما قرأ فإذا نقر في الناقور صعق ومات في محرابه. والناقور هو الصور الذي ينفخ فيه لقيام الساعة، وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه سمع قارئا يقرأ {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ}

(4)

، فصاح صيحة خر مغشيا عليه، فحمل إلى أهله فلم يزل مريضا شهرا، وسمع الشافعي رضي الله تعالى عنه قارئا يقرأ: {هَذَا يَوْمُ

(1)

النهاية في غريب الأثر (3/ 470).

(2)

الحاكم في المستدرك (2/ 506) وعنه: البيهقي في الشعب (939). وأخرجه ابن سعد في الطبقات (7/ 150)، ووكيع في أخبار القضاة (1/ 294)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3378).

(3)

ليس في النسخة المطبوعة من المستدرك هذا التصحيح، ولا حكاه السيوطي في الدر عنه، ولا ابن حجر في إتحاف المهرة (18/ 581/ 24201).

(4)

الطور: 7.

ص: 280

لَا يَنْطِقُونَ وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ}

(1)

، فخر مغشيا عليه، [وسمع لي بن الفضيل قارئا يقرأ:{يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}

(2)

فسقط مغشيا عليه]

(3)

، وأحوال السلف في ذلك كثيرة يطول ذكرها، أعاد الله علينا من بركاتهم.

5115 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من رحمته. رواه مسلم

(4)

.

قوله: "وعن أبي هريرة" تقدم. قوله صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد" الحديث، من في من العقوبة للتبيين. وقوله:"ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من رحمته أحد" والرحمة من الله تعالى إنعام وإفضال والقنوط أشد اليأس، يقال قنط يقنط وقَنَط يقنِط، اهـ.

5116 -

وعن أبي كاهل رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا كاهل ألا أخبرك بقضاء قضاه الله على نفسه؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: أحيا الله قلبك، ولا يمته يوم يموت بدنك. اعلم يا أبا كاهل أنه لم يغضب رب العزة على من كان في قلبه مخافة، ولا تأكل النار منه هدبة اعلم يا أبا كاهل أنه من

(1)

المرسلات: 35 - 36.

(2)

المطففين: 6.

(3)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

(4)

صحيح مسلم (23)(2755).

ص: 281

ستر عورته حياء من الله سرا وعلانية كان حقا على الله أن يستر عورته يوم القيامة. اعلم يا أبا كاهل أنه من دخل حلاوة الصلاة قلبه حتى يتم ركوعها وسجودها كان حقا على الله أن يرضيه يوم القيامة. اعلم يا أبا كاهل أنه من صلى أربعين يوما وأربعين ليلة في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كان حقا على الله أن يكتب له براءة من النار. اعلمن يا أبا كاهل أنه من صام من كل شهر ثلاثة أيام مع شهر رمضان كان حقا على الله أن يرويه يوم العطش. اعلمن يا أبا كاهل أنه من كف أذاه عن الناس كان حقا على الله أن يكف عنه عذاب القبر. اعلمن يا أبا كاهل أنه من بر والديه حيا وميتا كان حقا على الله أن يرضيه يوم القيامة، قلت: كيف يبر والديه إذا كانا ميتين؟ قال: برهما أن يستغفر لوالديه، ولا يسبهما، ولا يسب والدي أحد فيسب والديه. اعلمن يا أبا كاهل أنه من أدى زكاة ماله عند حلولها كان حقا على الله أن يجعله من رفقاء الأنبياء. اعلمن يا أبا كاهل أنه من قلت عنده حسناته، وعظمت عنده سيئاته كان حقا على الله أن يثقل ميزانه يوم القيامة. اعلمن يا أبا كاهل أنه من يسعى على امرأته ووالده، وما ملكت يمينه يقيم فيهم أمر الله يطعمهم من حلال كان حقا على الله أن يجعله مع الشهداء في درجاتهم. اعلمن يا أبا كاهل أنه من صلى علي كل يوم ثلاث مرات حبا لي، وشوقا إلي كان حقا على الله أن يغفر له بكل مرة ذنوب حول. رواه الطبراني

(1)

، وهو بجملته منكر، وتقدم في

(1)

المعجم الكبير للطبراني (18/ 361/ 928)، وأخرجه العقيلي الضعفاء (5/ 88)، ومن طريقه ابن الجوزي الموضوعات (3/ 162)، وقال العقيلي: والفضل بن عطاء عن =

ص: 282

مواضع من هذا الكتاب ما يشهد لبعضه، والله أعلم بحاله.

قوله: "وعن أبي كاهل" أبو كاهل هذا أحمسي يحكى له صحبة، قيل [اسمه] قيس بن عائذ وقيل عبد الله بن مالك وقيل عبد الله بن غنيمة وليس في الكتب الستة سوى هذا الحديث، ومن غريب أحاديثه ما رواه الطبراني عنه بإسناد ضعيف أنه قال: وقع بين رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلام حتى تصارما فلقيت أحدهما فقلت ما لك ولفلان، قد سمعته يحسن الثناء عليك ولقيت الآخر فقلت مثل ذلك حتى اصطلحا، ثم قلت: أهلكت نفسي وأصلحت بين هذين، فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا أبا كاهل أصلح بين الناس ولو يُعنى ولو بالكذب، فاكتفى صلى الله عليه وسلم ببعض الكلمة، ونظير ذلك قوله صلى الله عليه وسلم

= الفضل بن شعيب إسناد مجهول لا يعرف إلا من هذا الوجه. قال ابن الملقن في البدر المنير (4/ 401):

الحاكم أبو أحمد في كناه ثم قال: أبو كاهل هذا له صحبة، وإسناده ليس بالمعتمد عليه. وقال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: 1029) رواه الطبراني ولم يصح. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 219) رواه الطبراني، وفيه الفضل بن عطاء ذكره الذهبي، وقال: إسناده مظلم.، وقال ابن حجر في الإصابة (12/ 555) ذَكَرَهُ ابنُ السَّكَن في الصحابة وقال هو غير الأحمسي وكذا فرق بينهما أَبو أَحمد الحاكم وغيره وقال لا يروي حديثه من وجه يعتمد. قال أَبو عمر ذكر له حديث طويل منكر فلم اذكره، وقد ساقه أَبو أَحمد والعقيلي في الضعفاء، وابن السَّكَن وقال الذهبي في تلخيص كتاب الموضوعات (ص: 180) رواه العقيلي في الضعفاء وثنا الفضل بن جعفر ثنا جدي محمد بن عبيد الله ثنا يونس بن محمد المؤدب ثنا الفضل بن عطاء عن الفضل بن شعيب عن منظور عن أبي معاذ عن أبي كاهل وهؤلاء مجهولون. وقال الألباني في السلسلة الضعيفة (7018): موضوع. وقال في ضعيف الترغيب والترهيب (1968): منكر.

ص: 283

لسعد كفى [بالسيف] شا أي شاهدا. وتقدم الكلام على أبي كاهل أيضا في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى حديث المطول المذكور هنا وفي إسناده الفضل بن عطاء، ذكره الذهبي

(1)

وقال إسناده مظلم. اهـ.

5117 -

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا، ولضحكتم قليلا، ولخرجتم إلي الصعدات تجأرون إلى الله لا تدرون تنجون أو لا تنجون. رواه الحاكم

(2)

وقال: صحيح الإسناد.

(1)

المغني في الضعفاء (2/ 512) انظر: ميزان الاعتدال (5/ 429).

(2)

أخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 230)، والحديث؛ أخرجه أبو داود في الزهد (204)، والبزار (4124)، عبد بن حميد (210)، وابن أبي حاتم في علل الحديث (1792)، وابن الأعرابي في المعجم (1123) والبيهقي، في شعب الإيمان (772).

وأخرجه ابن أبي شيبة (34602) أبو داود في الزهد عقب (204) عن أبي الدرداء موقوفا.

وقال ابن أبي حاتم في علل الحديث (1792) وحدثنا أبو عمر الحوضي، عن شعبة، عن يزيد بن خمير، عن سليمان، عن ابن ابنة أبي الدرداء، عن أبي الدرداء، قال: لو تعلمون موقوفا. قال أبي: وهذا أشبه، وموقوف أصح، وأصحاب شعبة لا يرفعون هذا الحديث. وقال البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن أبي الدرداء إلا من هذا الوجه، وقد روي عن غير أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه أصح من هذا، وإنما كتبنا هذا الحديث عن أبي الدرداء وإن كان غيره أصح إسنادا منه، لأن فيه زيادة في كلامه. وقال: ولا نعلم هذا الحديث أسنده عن شعبة إلا مسلم، وقد رواه جماعة غير مسلم، عن شعبة فأوقفوه عن أبي الدرداء. مسنده (4124).

وأخرجه العقيلي، في الضعفاء (2/ 542) في ترجمة سليمان بن مرثد، وقال: روى عن أبي الدرداء ولا يثبتن فيه السماع، وأتبع العقيلي هذا الحديث بالرواية الموقوفة، وقال: هذا أولى. وقال الذهبي: سليمان بن مرثد، عن عائشة، وأبي الدرداء، لا يعرف له سماع =

ص: 284

[تجأرون] بفتح المثناة فوق وإسكان الجيم بعدهما همزة مفتوحة: أي تضجون وتستغيثون.

قوله: "وعن أبي الدرداء" أبو الدرداء اسمه عامر وإذا صغر قلت [عُوَيمر]، آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سلمان الفارسي، وتقدم الكلام على مناقبهما مبسوطا في غير ما موضع من هذا التعليق. قوله صلى الله عليه وسلم:"لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا" الحديث، قيل معناه: لو تعلمون من عظيم انتقام الله تعالى من أهل الجرائم وشدة عقابه وأهوال القيامة وكُربها وأحوالها وما بعدها كما علمته وترون النار كما رأيت في مقامي هذا [و] في غيره لبكيتم كثيرا ولقلّ ضحككم لتفكركم فيما علمتموه. فإن قيل: قد وصفت لكم النار وأحوال أهلها والأوصاف تفيد العلم. قيل: ليس الخبر كالمشاهدة فإن من شاهد الجنة وما أعد الله فيها لم يطق الصبر عنها ومن شاهد النار وتفاوت أهلها فيها وشاهد ما [أنتم] عليه من أنواع العقوبة والبلاء لم يطق الصبر عليها واشتغل بالبكاء عما رآى، هذا معنى ما ذكره شراح الحديث، وذكر الغزالي في بعض كتبه [سؤالا] فقال في قوله صلى الله عليه وسلم: لو تعلمون ما أعلم. فقال: [هل] بيّن ذلك الذي علمه لهم. قيل: هذا من السّر الذي لم يؤذن له في

= منهما. ميزان الاعتدال (2/ 222)، وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (7/ 369) رواه عبد بن حميد والبزار والحاكم وقال: صحيح الإسناد. وأصله في الصحيحين وغيرهما من حديث أنس. وحسنه الألباني في صحيح الجامع (5262). وضعفه في الضعيفة (4354)، وضعيف الترغيب والترهيب (1969).

ص: 285

إفشائه، وذكر القشيري في الرسالة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال ذلك للصحابة وحزنوا فأنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم:{نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}

(1)

الآية، فقرأها عليهم فانبسطت نفوسهم، اهـ. ذكره ابن العماد في شرح عمدة الأحكام. وفي هذا الحديث ترجيح جانب الخوف وشدة أمر الآخرة وعظمه، وفي صحيح مسلم

(2)

من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: والذي نفسي بيده لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا. قالوا: وما رأيت يا رسول الله. قال: رأيت الجنة والنار. فجمع الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بين علم اليقين وعين اليقين مع الخشية القلبية واستحضار العظمة الإلهية على وجه لم يجتمع لغيره، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا، وهو في الصحيحين من حديث عائشة

(3)

. قاله العراقي في شرح الأحكام

(4)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ولخرجتم إلى الصُّعُدات" الصعدات بضم الصاد والعين المهملتين هي الطرقات، اهـ. قاله المنذري. وقال في النهاية

(5)

وغيرها: الصعدات هي الطرق، وهي جمع صُعُد بضمتين وصعيد جمع صعيد وهو التراب كطريق وطرق وطرقات وقيل هي جمع صعدة كظلمة، وقوله:

(1)

الحجر: 49.

(2)

صحيح مسلم (112)(426).

(3)

صحيح البخاري (20).

(4)

طرح التثريب في شرح التقريب (7/ 146).

(5)

النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 29).

ص: 286

"تجئرون لى الله" ضبطه الحافظ وفسره فقال: أي يضجون ويستغيثون، اهـ. والجئار هو رفع الصوت بالدعاء.

5118 -

وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قرأ رسول الله-صلى الله عليه وسلم: [هل أتى على الإنسان حين من الدهر] حتى ختمها ثم قال: إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون. أطت السماء، وحق لها أن تئط ما فيها موضع قدم إلا ملك واضع جبهته ساجدا لله، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلي الصعدات تجأرون إلى الله، والله لوددت أني شجرة تعضد. رواه البخاري

(1)

باختصار والترمذي

(2)

إلا أنه

(1)

البخاري لم يخرجه عن أبي ذر، وإنما رواه مختصرا جدا من حديث أبي هريرة (6485)، وأنس (6486)، بلفظ: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا.

(2)

الترمذي (2312)، وأخرجه أحمد (5/ 173)، وابن ماجه (4190)، والبزار (3924 و 3925) وابن نصر في الصلاة (251 و 252)، والطحاوي في المشكل (1135)، وأبو الشيخ في العظمة (507)، وأبو نعيم في الدلائل (360)، وفي الحلية (2/ 236 - 237)، والبيهقي (7/ 52)، وفي الشعب (764)، والبغوي في شرح السنة (4172)، وأبو القاسم الأصبهاني في الترغيب (526)، وعبد الغني المقدسي في التوحيد (82)، وقال البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يُروى عن أبي ذر إلا من هذا الوجه، ولا نعلم له طريقا غير هذا الطريق، وأحسب أنّ هذا الكلام الأخير من قول أبي ذر أعني: لوددت أني شجرة تعضد.

وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، ويُروى من غير هذا الوجه أنّ أبا ذر قال: لوددت أني كنت شجرة تعضد، وقال أبو نعيم: أرسل مورق العجلي غير حديث عن عدة من الصحابة منهم أبو ذر وسلمان الحلية 2/ 236. وقال أبو زرعة والدارقطني: لم يسمع مورق من أبي ذر شيئًا.

ص: 287

قال: ما فيها موضع أربع أصابع، والحاكم

(1)

واللفظ له، وقال: صحيح الإسناد.

[أطت] بفتح الهمزة وتشديد الطاء المهملة من الأطيط: وهو صوت القتب والرحل ونحوهما إذا كان فوقه ما يثقله، ومعناه أن السماء من كثرة ما فيها من الملائكة العابدين أثقلها حتى أطت.

[والصعدات] بضم الصاد والعين المهملتين: هي الطرقات.

قوله: "وعن أبي ذر" تقدم الكلام على ترجمته. قوله صلى الله عليه وسلم: "إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون أطت السماء وحق لها أن تئط" الحديث، من الأطيط وهو صوت القتب والرحل ونحوهما إذا كان فوقه ما يثقله أي صاحت وأنّت من خشية الله.

(1)

الحاكم (2/ 510 - 511 و 4/ 544 و 579) وعنه: البيهقي في الكبرى (7/ 52)، وفي الشعب (783). وقال الحاكم: صحيح الإسناد وقال أيضًا: صحيح الإسناد على شرط الشيخين وأخرجه أحمد (5/ 173)، وابن ماجه (4190)، والترمذي (2312) وابن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (251 - 252)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (3/ 168)، وأبو الشيخ الأصبهاني في العظمة (3/ 982/ 507)، وأبو نعيم في حلية الأولياء (2/ 236)، والبغوي في شرح السنة (4172)، وفي التفسير (5/ 23)، وإسماعيل الأصبهاني قوام السنة في الترغيب والترهيب (1/ 26/ 526)، وعبد الغني بن عبد الواحد المقدسي في التوحيد (1/ 98)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته (2449)، والمشكاة (5347)، والصحيحة (1059، 1060، 1722)، وقال في صحيح الترغيب والترهيب (3380): حسن.

ص: 288

[قال في الإحياء

(1)

في الشكر في الطرف الثامن منه الملائكة تنحصر جملتها في ثلاث طبقات الملائكة الأرضية والسماوية وحملة العرش وكُلُّهم [وَكَّلَهُم] الله بك فيما يرجع [إلى]

(2)

الأكل والشرب والغداء والهداية والإرشاد وغير ذلك وكل جزء من أجزاء النبات موكل به سبعة أملاك من الملائكة وهو أقله إلى عشرة إلى مائة إلى ما وراء ذلك، والملائكة الأرضية مددهم من الملائكة السماوية على ترتيب معلوم لا يحيط بكنهه إلا الحي القيوم، ومرد الملائكة السماوية من حملة العرش والمنعم على جميعهم بالتأييد والهداية والتسديد الملك القدوس المهيمن المنفرد بالملك والملكوت والعزة والجبروت جبار السماوات والأرض مالك الملك ذو الجلال والإكرام، والأخبار الواردة في الملائكة الموكلين بالسماوات والأرض وأجزاء الحيوانات والنبات حتى كل قطرة من المطر أكثر من أن تحصى. اهـ.

قوله: "ما فيها موضع قدم إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله"، وروى الحافظ أبو القاسم الطبراني

(3)

من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما في

(1)

إحياء علوم الدين (4/ 120 - 121).

(2)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

(3)

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (2/ 184)(1751) والأوسط (3592)، وأبو نعيم في الصحابة (1497)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 52) رواه الطبراني في الكبير، وفيه عروة بن مروان قال الدارقطني: كان أميا ليس بالقوي. وقال في (10/ 358): رواه الطبراني في الأوسط، وفيه عروة بن مروان. قال الدارقطني: ليس بقوي في الحديث، وبقية رجاله رجال الصحيح.

ص: 289

السماوات السبع موضع قدم ولا شبر ولا كف إلا وفيه ملك قائم أو ملك [ساجد أو ملك راكع، فإذا] كان يوم القيامة قالوا جميعا: ما عبدناك حق عبادتك إلا أنا لا نشرك بك شيئا. دلّ هذان الحديثان على أنه ما من موضع في السماوات السبع إلا وهو مشغول بالملائكة وهم صفوف من العبادة منهم من هو قائم أبدا ومنهم من هو راكع أبدا ومنهم من هو ساجد أبدا ومنهم من هو من [صنوف] أخر الله أعلم بها وهم دائمون في عبادتهم وتسبيحهم وأذكارهم وأعمالهم التي أمرهم الله بها ولهم منازل عند ربهم كما قال تعالى: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ}

(1)

، اهـ]

(2)

. ومعناه أن السماء من كثرة ما فيها من الملائكة العابدين قد أثقلتها حتى أطّت، اهـ. قاله المنذري.

وقال ابن الأثير في النهاية

(3)

: الأطيط صوت الأقتاب وأطيط الإبل أصواتها وخنينها يعني أن كثرة ما فيها من الملائكة قد أثقلتها حتى أطّت، وهذا مثل وإيذان بكثرة الملائكة وإن لم يكن ثمّ أطيط أي خنين ونقيض وإنما هو كلام تقريب أريد به تقرير عظمة الله تعالى. اهـ.

(1)

الصافات: 164 - 166.

(2)

حصل تأخير لهذه الصحيفة في النسخة الهندية، وأدرجت بعد قوله:(وهذا مثل وإيذان بكثرة الملائكة وإن لم يكن ثمّ أطيط أي خنين ونقيض وإنما هو كلام تقريب أريد به تقرير عظمة الله تعالى. اهـ).

(3)

النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 54).

ص: 290

قوله: "والله لوددت أني شجرة تعضد" هذا مدرج في الحديث من كلام أبي ذرّ وبيّنه البزار في روايته [ووصله] هكذا، قاله الحافظ العسقلاني الشهير بابن حجر في حاشية نسخته والله أعلم.

وقوله: "تعضد" أي تقطع، يقال عضدت الشجر أعضده عضدا والعضد بالتحريك المعضود والعضد ما قطع من الشجر، والله أعلم.

5119 -

وعن أنس رضي الله عنه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط فقال: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم لهم خنين. رواه البخاري

(1)

ومسلم

(2)

.

5120 -

وفي رواية

(3)

: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحابه شيء فخطب فقال: عرضت عاي الجنة والنار فلم أر كاليوم في الخير والشر، ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، فما أتى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أشد منه غطوا رؤوسهم ولهم خنين.

[الخنين] بفتح الخاء المعجمة بعدها نون: هو البكاء مع غنة بانتشار الصوت من الأنف.

قوله: "وعن أنس" تقدَّم الكلام عليه. قوله صلى الله عليه وسلم: "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرًا" الحديث، الجواب عنه من وجوه: أحدها أن

(1)

صحيح البخاري (4621 - 6486).

(2)

صحيح مسلم (134)(2359).

(3)

صحيح مسلم (134)(2359).

ص: 291

في اللغة قد توضع الرؤية موضع العلم ويوضع العلم موضع الرؤية لقوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ}

(1)

معناه لنرى ويجوز أن يرى الله بعد أن لم ير ولا يجوز أن يعلم بعد أن لم يعلم. [نظير] قوله تعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ}

(2)

الآية. يعني: ليرين الله الذين صدقوا، وفيه آيات أخر، فهذه الآيات كلها تدل على أن العلم قد يكون بمعنى الرؤية فهكذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: لو تعلمون ما أعلم، يعني لو ترون ما أرى، وكان صلى الله عليه وسلم يرى أشياء لا يراها من حضره لأن له عين اليقين وهو رائى وعالم ونحن علمنا ولم نر.

الثاني لو تعلمون ما أعلم يعني لو رأيتم ما رأيت ليلة المعراج لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا.

الثالث: لو تعلمون أحوالكم حين خروجي من بين أظهركم وما يظهر من الاختلاف إذا لضحكتم قليلا، اهـ. قاله النعيمي.

قوله: "فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم لهم خنين" الحديث. وفي رواية قال أنس رضي الله عنه: فجعلت ألتفت يمينا وشمالا فإذا كل رجل لافّ رأسه في ثوبه يبكي. الخنين بفتح الخاء المعجمة بعدها نون هو البكاء مع غنة بانتشار الصوت من الأنف، اهـ. قاله المنذري.

(1)

البقرة: 143.

(2)

العنكبوت: 3.

ص: 292

وقال في النهاية

(1)

الخنِين ضرب من البكاء دون الانتحاب وأصل الخنين خروج الصوت من الأنف كالخنين من الفم، اهـ. قوله:"ولهم خنين" بالحاء المهملة للقابسي والعذري وللكافة بالخاء المعجمة وهو الصواب وهو تردد في البكاء بصوت أغن من الأنف وبالحاء المهملة تردده من الصدر. قاله عياض

(2)

.

قال الإمام العلامة العارف بالله أبو العباس القرطبي

(3)

هذه حالة العارفين بالله تعالى الخائفين من سطوته وعقوبته لا كما يفعله جهال العوام والمبتدعة من الزعيق والزئير ومن النهيق الذي يشبه نهيق الحمير فيقال لمن [يتعاطى] ذلك وزعم أن ذلك وجد وخشوع أنه لم يبلغ حالك أن تساوي حال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا حال أصحابه في المعرفة بالله تعالى وحده والخوف منه والتعظيم لجلاله ومع ذلك فكانت حالهم عند الموعظة الفهم عن الله تعالى والبكاء خوفا من الله والوقار حياء من الله، وكذلك وصف الله أحوال أهل المعرفة به فقال: إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم الآية، فصدّر الله الكلام في هذه الآية بإنما الحاصرة لما بعدها المحققة له فكأنه قال: المؤمنون على التحقيق هم الذين تكون أحوالهم هكذا عند سماع ذكر الله تعالى وتلاوة كتابه ومن لم يكن كذلك فليس على هديهم ولا على طريقتهم،

(1)

النهاية في غريب الأثر (2/ 85) انظر: غريب الحديث لابن قتيبة (2/ 35).

(2)

مشارق الأنوار (1/ 204).

(3)

تفسير القرطبي (7/ 366).

ص: 293

وكذلك وصف الله في الآية الأخرى: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ}

(1)

الآية، فهذا وصف حالهم وحكاية مقالهم، اهـ. والله أعلم.

5121 -

وَرُوِيَ عَن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب رضي الله عنه: قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا اقشعر جلد العَبْد من خشيَة الله تحاتت عَنهُ ذنُوبه كَمَا يتحات عَن الشَّجَرَة الْيَابِسَة وَرقهَا رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ فِي كتاب الثَّوَاب وَالْبَيْهَقِيّ

(2)

.

5122 -

وَفِي رِوَايَة للبيهقي قَالَ كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تَحت الشَّجَرَة فهاجت الرّيح فَوَقع مَا كَانَ فِيهَا من ورق نخر وَبَقِي مَا كَانَ من ورق أَخْضَر فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا مثل هَذِه الشَّجَرَة فَقَالَ الْقَوْم الله وَرَسُوله أعلم فَقَالَ مثل الْمُؤمن إِذا اقشعر من خشيَة الله عز وجل وَقعت عَنهُ ذنُوبه وَبقيت لَهُ حَسَنَاته

(3)

.

(1)

سورة المائدة، الآية:83.

(2)

أخرجه البزار (1322)، والترمذي في نوادر الأصول (504 و 731)، وأبو بكر الشافعي في الغيلانيات (288)، والبيهقي في الشعب (2/ 236 - 237 رقم 782).

قال البزار: وهذا الكلام لا نحفظه بهذا اللفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عن العباس عنه، ولا نعلم له إسنادا عن العباس إلا هذا الإسناد. قال الهيثمي في المجمع 10/ 310: رواه البزار، وفيه أم كلثوم بنت العباس ولم أعرفها، وبقية رجاله ثقات. وضعفه الألباني في الضعيفة (2342) وضعيف الترغيب (1942) و (1970).

(3)

أخرجه أبو يعلى (6703)، والبيهقي في الشعب (2/ 237 - 238 رقم 783) قال الهيثمي في المجمع 10/ 310: رواه أبو يعلى من رواية هارون بن أبي الجوزاء، عن العباس، ولم أعرف هارون، وبقية رجاله وثقوا على ضعف في محمد بن عمر بن الرومي، ووثقه ابن =

ص: 294

5123 -

وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ: لما أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم هَذِه الْآيَة {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}

(1)

تَلَاهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ذَات يَوْم على أَصْحَابه فَخر فَتى مغشيا عَلَيْهِ فَوضع النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَده على فُؤَاده فَإِذا هُوَ يَتَحَرَّك فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَا فَتى قل لَا إِلَه إِلَّا الله فَقَالَهَا فبشره بِالْجنَّةِ فَقَالَ أَصْحَابه يَا رَسُول الله أَمن بَيْننَا قَالَ أَو مَا سَمِعْتُمْ قَوْله تَعَالَى ذَلِك لمن خَافَ مقَامي وَخَافَ وَعِيد إِبْرَاهِيم 41 رَوَاهُ الْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد كَذَا قَالَ

(2)

.

5124 -

وروي عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من خاف الله عز وجل خوف الله منه كل شيء، ومن لم يخف الله خوفه الله من كل شيء. رواه أبو الشيخ في كتاب الثواب

(3)

ورفعه منكر.

= حبان. وقال البوصيري في الإتحاف 7/ 370: رواه أبو يعلى الموصلي والبيهقي بلفظ واحد بسند ضعيف. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (1942) و (1970).

(1)

سورة التحريم، الآية:6.

(2)

أخرجه الحاكم (2/ 351)، وعنه البيهقي في الشعب (2/ 197 رقم 720). قال الذهبي: قلت: فيه محمد بن يزيد. قال أبو حاتم: شيخ صالح كتبنا حديثه. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (1940) و (1971).

(3)

قال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: 597) وروى أبو الشيخ ابن حبان في كتاب الثواب من حديث واثلة بن الأسقع

وللعقيلي في الضعفاء نحوه من حديث أبي هريرة وكلاهما منكر. وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (485)، وضعيف الترغيب والترهيب (1972).

ص: 295

قوله: "وعن واثلة بن الأسقع" تقدم. قوله صلى الله عليه وسلم: "من خاف الله عز وجل خوّف الله منه كل شيء" الحديث، يروى

(1)

أن ابن عمر رضي الله عنهما كان سائرا من المدينة إلى مكة وكان في آخر القافلة، قال: فرآى الناس قد قامت فيهم رجّة فقال: ما هذا؟ فقيل: إن أسدا تعرض في الطريق فأتى إليه ابن عمر فأخذ بأذنه فأخرجه من الطريق وقال: لقد صدق رسول الله إذ يقول: من خاف الله خوّف الله منه كل شيء، اهـ.

(1)

طبقات الصوفية (ص 217)، والتدوين في أخبار قزوين (2/ 187)، والعجالة في الأحاديث المسلسلة (1/ 115).

ص: 296