المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الترغيب في ذكر الموت وقصر الأمل - فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب - جـ ١٣

[حسن بن علي الفيومي]

فهرس الكتاب

- ‌فصل في عيش السلف

- ‌الترغيب في البكاء من خشية الله تعالى

- ‌الترغيب في ذكر الموت وقصر الأمل

- ‌الترغيب في الخوف وفضله

- ‌الترغيب في الرجاء وحسن الظن بالله سيما عند الموت

- ‌كتاب الجنائز وما يتقدمها

- ‌التَّرْغِيب فِي سُؤال الْعَفو والعافية

- ‌التَّرْغِيب فِي كَلِمَات يقولهن من رأى مبتلى

- ‌التَّرْغِيب فِي الصَّبْر سِيمَا لمن ابْتُلِيَ فِي نَفسه أَو مَاله وَفضل الْبلَاء وَالْمَرَض والحمى وَمَا جَاءَ فِيمَن فقد بَصَره

- ‌التَّرْغِيب فِي كَلِمَات يقولهن من آلمه شَيْء من جسده

- ‌التَّرْهِيب من تَعْلِيق التمائم والحروز

- ‌[التَّرْغِيب فِي الْحجامَة وَمَتى يحتجم]

- ‌[التَّرْغِيب فِي عِيَادَة المرضى وتأكيدها وَالتَّرْغِيب فِي دُعَاء الْمَرِيض]

- ‌[التَّرْغِيب فِي كَلِمَات يدعى بِهن للْمَرِيض وكلمات يقولهن الْمَرِيض]

- ‌[التَّرْغِيب فِي الْوَصِيَّة وَالْعدْل فِيهَا والترهيب من تَركهَا أَوالمضارة فِيهَا وَمَا جَاءَ فِيمَن يعْتق ويَتَصَدَّق عِنْد الْمَوْت]

- ‌التَّرْهِيب من كَرَاهِيَة الْإِنْسَان الْمَوْت وَالتَّرْغِيب في تلقيه بالرضى وَالسُّرُور إِذا نزل حبا للقاء الله عز وجل

- ‌فائدة فيها بشرى:

- ‌[التَّرْغِيب فِي كَلِمَات يقولهن من مَاتَ لَهُ ميت]

- ‌[التَّرْغِيب فِي حفر الْقُبُور وتغسيل الْمَوْتَى وتكفينهم]

- ‌[التَّرْغِيب فِي تشييع الْمَيِّت وَحُضُور دَفنه]

- ‌التَّرْغِيب فِي كَثرَة الْمُصَلِّين على الْجِنَازَة وَفِي التَّعْزِيَة

- ‌[التَّرْغِيب فِي الْإِسْرَاع بالجنازة وتعجيل الدّفن]

- ‌فوائد يختم بها الباب:

- ‌[التَّرْغِيب فِي الدُّعَاء للْمَيت وإحسان الثَّنَاءعَلَيْهِ والترهيب من سوي ذَلِك]

الفصل: ‌الترغيب في ذكر الموت وقصر الأمل

‌الترغيب في ذكر الموت وقصر الأمل

والمبادرة بالعمل، وفضل طول العمر لمن حسن عمله، والنهي عن تمني الموت.

5049 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكثروا ذكر هاذم اللذات يعني الموت. رواه ابن ماجه

(1)

والترمذي

(2)

وحسنه، ورواه الطبراني في الأوسط

(3)

بإسناد حسن وابن حبان في صحيحه

(4)

وزاد: فإنه ما ذكره أحد

(1)

أخرجه ابن ماجه (4258).

(2)

أخرجه الترمذي (2307) وقال: حسن غريب وأخرجه نعيم بن حماد في زياداته على الزهد لابن المبارك (146)، وأحمد (7925)، والنسائي (4/ 4)، وابن أبي الدنيا في ذكر الموت (153)، وابن عدي (5/ 222)، والحاكم (4/ 321)، والبيهقي في الزهد الكبير (ص 266، 267)، وفي شعب الإيمان (10075 - 10076)، والخطيب في تاريخ بغداد (1/ 384)، (9/ 470)، والقضاعي في مسند الشهاب (669)، (668) و (670) وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. قال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: 1827): أخرجه الترمذي وقال حسن والنسائي وابن ماجه من حديث أبي هريرة وقد تقدم. وصححه الألباني في صحيح الجامع (1210) صحيح سنن ابن ماجه (3434)، صحيح سنن النسائي (1720)، صحيح سنن الترمذي (1877)، وفي الإِرواء (682)، وصحيح الترغيب والترهيب (3333).

(3)

المعجم الأوسط (8560)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 309): رواه الترمذي، وغيره باختصار. رواه الطبراني في الأوسط، وإسناده حسن.

(4)

ابن حبان (2992).

ص: 181

في ضيق إلا وسعه، ولا ذكره في سعة إلا ضيقها عليه.

قوله: "عن أبي هريرة تقدم الكلام عليه". قوله صلى الله عليه وسلم: "أكثروا من ذكر هاذم اللذات" يعني الموت، والهاذم بالذال المعجمة القاطع، [وهذا كلام مختصر وجيز قد جمع التذكرة وأبلغ في الموعظة فإن من ذكر الموت حقيقة ذكره نغص عليه لذته الحاضرة ومنعه من تمنيها في المستقبل وزهده فيما كان منها مؤمل ولكن النفوس الراكدة والقلوب الغافلة تحتاج إلى تطويل الوعظ وتزويق الألفاظ وإلا ففيما ذكرته من قوله عليه السلام: أكثروا من ذكر هاذم اللذات الموت ما يلقى السامع له ويشغل الناظر فيه.

وقال أبو الدرداء

(1)

: من أكثر ذكر الموت قل فرحه وقل حسده. وكان ابن سيرين إذا ذكر عنده الموت مات كل عضو منه على حدته وقال [التيمي] شيئان قطعا عني لذاذة الدنيا: ذكر الموت وذكر الوقوف بين يدي الله تعالى. وقال عمر بن عبد العزيز

(2)

: لو فارق ذكر الموتي قلبي ساعة لفسد وقال لعنبسة: أكثر ذكر الموت فإن كنت واسع العيش ضيقه عليك وإن كنت ضيق العيش وسعه عليك. وكان يزيد الرقاشي يقول

(3)

: أيها الناس ألا تبكون ألا تنوحون على أنفسكم باقي حياتكم، من الموت موعده والقبر بيته والثرى فراشه والدود أنيسه وهو مع هذا ينتظر الفزع الأكبر كيف يكون

(1)

الزهد لابن المبارك (149) حلية الأولياء (1/ 220).

(2)

الزهد لابن المبارك (266)، ومصنف ابن أبي شيبة (35431) عن الربيع بن أبي راشد.

(3)

المجالسة وجواهر العلم (730).

ص: 182

حاله. ويروى أن عيسى كان إذا ذكر عنده الموت والقيامة يقطر جسده دما

(1)

.

وعن داود عليه السلام أنه كان إذا ذكر عنده الموت والقيامة وبكى حتى تنخلع أوصاله

(2)

، وكان عمر بن عبد العزيز يجمع الفقهاء فيتذاكرون الموت والقيامة والآخرة ويبكون حتى كأن بين أيديهم جنازة

(3)

، وقال مطرف بن عبد الله بن الشخير

(4)

أن هذا الموت نغص على أهل النعيم نعيمهم [فطلبوا] نعيما لا موت فيه، فكيف ووراءه يوم يعدم فيه الجواب وتدهش فيه الألباب وتفنى في شرحه الأقلام والكُتاب ويترك النظر فيه والاهتمام به الأولياء [والأحباب]. واعلم أن كثرة ذكر الموت تردع عن المعاصي وتلين القلب القاسي ويذهب الفرح في الدنيا وتهون المصائب فيها، اهـ.

قاله في كتاب العاقبة لعبد الحق الإشبيلي

(5)

.

فائدة في ذكر الموت: هو مفارقة الروح الجسد. قال العلماء: الموت ليس بعدم محض ولا فناء صرف وإنما هو انقطاع تعلق الروح بالبدن ومفارقته وحيلولة بينهما وتبدل حال وانتقال من دار إلى دار وهو من أعظم المصائب، وقد سماه الله تعالى مصيبة في قوله:{فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ}

(6)

،

(1)

العاقبة في ذكر الموت (ص: 26).

(2)

العاقبة في ذكر الموت (ص: 26).

(3)

تاريخ مدينة دمشق (ج 45 ص 239) العاقبة في ذكر الموت (ص: 26).

(4)

العاقبة في ذكر الموت (ص: 26).

(5)

العاقبة في ذكر الموت (ص: 26).

(6)

سورة المائدة: 106.

ص: 183

فالموت هو المصيبة العظمى والرزية الكبرى وأعظم منه الغفلة عنه والإعراض عن ذكره وقلة التفكر فيه وترك العمل له وإن فيه وحده عبرة لمن اعتبر وفكرة لمن افتكر، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لو علمت البهائم من الموت ما تعلمون ما أكلتم منها سمينا. فيستحب للإنسان كثرة ذكر الموت لأنه أزجر عن المعاصي وأدعى إلى فعل الطاعات]

(1)

، وفي رواية ابن حبان فإنه ما ذكره أحد في ضيق إلا وسعه وما ذكره في سعة إلا ضيّقها [عليه]

(2)

، الحديث.

وفي حديث ابن عمر الذي رواه الطبراني

(3)

فإنه ما كان في كثير إلا قلله ولا قليل إلا جزاه، أي في كثير من الأمل وقليل من العمل. وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بكثرة ذكر الموت فقال: أكثروا ذكر هاذم اللذات، وفي حديث مرسل

(4)

أنه

(1)

حصل تأخير لهذه الصحيفة من النسخة الهندية، وأدرجت بعد قوله:(وفي حديث ابن عمر الذي رواه الطبراني فإنه ما كان في كثير إلا قلله ولا قليل إلا جزاه، أي في كثير من الأمل وقليل من العمل).

(2)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

(3)

المعجم الأوسط (5780)، وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان (10074)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 309): رواه الطبراني في الأوسط، وإسناده حسن. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (1943)، وضعفي الجامع الصغير وزيادته (1112).

(4)

أخرجه ابن أبي الدنيا في الموت مرسلًا كما في المغني عن حمل الأسفار (ص: 1828)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (3409). وقال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: 1828): أخرجه ابن أبي الدنيا في الموت هكذا مرسلا ورويناه في أمالي الجلال من حديث أنس ولا يصح. انظر: لطائف المعارف لابن رجب (ص: 99)، والعاقبة في ذكر الموت (ص: 38).

ص: 184

-صلى الله عليه وسلم: مرّ بمجلس قد استعلاه الضحك فقال: شوبوا مجلسكم بذكر مكدِّر اللذات الموت.

وفي الإكثار من ذكر الموت فوائد منها: أن يحث على الاستعداد له قبل نزوله، ومنها أن يقصر الأمل، ومنها أن يرضى بالقليل من الرزق، ومنها أن يزهد في الدنيا ويرغب في الآخرة، ومنها أن يهون مصائب الدنيا، ومنها أن يمنع من الأشر والبطر، ومنها أن يمنع من التوسع في لذات الدنيا، اهـ. قاله ابن رجب

(1)

.

5050 -

وَعَن ابْن عمر رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَكْثِرُوا ذكر هاذم اللَّذَّات يَعْنِي الْمَوْت فَإِنَّهُ مَا كانَ فِي كثير إِلَّا قلله وَلَا قَلِيل إِلَّا جزأه رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَاد حسن

(2)

.

5051 -

وَعَن أنس رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مر بِمَجْلِس وهم يَضْحَكُونَ فَقَالَ أَكْثرُوا من ذكر هاذم اللَّذَّات أَحْسبهُ قَالَ فَإِنَّهُ مَا ذكره أحد فِي ضيق من الْعَيْش إِلَّا وَسعه وَلَا فِي سَعَة إِلَّا ضيقه عَلَيْهِ رَوَاهُ الْبَزَّار بِإِسْنَاد حسن وَالْبَيْهَقِيّ

(1)

لطائف المعارف لابن رجب (ص: 99).

(2)

أخرجه الطبراني في الأوسط (6/ 56 رقم 5780)، والبيهقي في الشعب (13/ 137 - 138 رقم 10074). قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن عبيد الله بن عمر إلا أبو عامر الأسدي، تفرد به منجاب، ولا يروى عن ابن عمر إلا بهذا الإسناد. قال الهيثمي في المجمع 10/ 209: رواه الطبراني في الأوسط، وإسناده حسن. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (1943).

ص: 185

بِاخْتِصَار

(1)

وَتقدم فِي بَاب التَّرْهِيب من الظُّلم حَدِيث أبي ذَر وَفِيه قلت يَا رَسُول الله فَمَا كَانَت صحف مُوسَى عليه السلام قَالَ كَانَت عبرا كلهَا عجبت لمن أَيقَن بِالْمَوْتِ ثمَّ هُوَ يفرح عجبت لمن أَيقَن بالنَّار ثمَّ هُوَ يضْحك عجبت لمن أَيقَن بِالْقدرِ ثمَّ هُوَ ينصب عجبت لمن رأى الدُّنْيَا وَتَقَلُّبهَا بِأَهْلِهَا ثمَّ اطْمَأَن إِلَيْهَا وَعَجِبت لمن أَيقَن بِالْحِسَابِ غَدا ثمَّ لَا يعْمل رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَغَيره.

5052 -

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مصلاه فرأى ناسا كأنهم يكتشرون فقال: أما إنكم لو أكثرتم ذكر هاذم اللذات أشغلكم عما أرى الموت فأكثروا ذكر هاذم اللذات: الموت فإنه لم يأت على القبر يوم إلا تكلم فيه فيقول: أنا بيت الغربة، وأنا بيت الوحدة وأنا بيت التراب وأنا بيت الدود، فإذا دفن العبد المؤمن قال له القبر: مرحبا وأهلا أما إن كنت أحب من يمشي على ظهري أي فإذ وليتك اليوم فسترى صنيعي بك قال فيتسع له مد بصره، ويفتح له باب إلى الجنة، وإذا دفن العبد الفاجر أو الكافر فقال له القبر: لا مرحبا ولا أهلا أما إن كنت لأبغض من يمشي على ظهري إلي فإذا وليتك اليوم وصرت إلي فسترى صنيعي بك قال: فيلتئم عليه حتى تلتقي عليه وتختلف أضلاعه قال: فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصابعه، فأدخل

(1)

أخرجه البزار (6987)، والبيهقي في الشعب (2/ 246 - 247 رقم 802) و (6/ 474 رقم 4493). قال البزار: وهذا الحديث لا نعلم رواه عن حماد بن سلمة إلا مؤمل. وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (3334).

ص: 186

بعضها في جوف بعض قال: ويقيض له سبعون تنينا لو أن واحدا منها نفخ في الأرض ما أنبتت شيئا ما بقيت الدنيا فتنهشه وتخدشه حتى يفضى به إلى الحساب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار. رواه الترمذي

(1)

واللفظ له والبيهقي

(2)

كلاهما من طريق عبيد الله بن الوليد الوصافي وهو واه، عن عطية وهو العوفي عن أبي سعيد، وقال الترمذي: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.

قوله: "وعن أبي سعيد" هو الخدري تقدم. قوله: "دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مصلاه فرآى ناسا كأنهم يكتشرون" الحديث، [يكتشرون هو بالشين المعجمة، قال ابن الأثير: الكشر ظهور الأسنان عند الضحك، أي يبتسمون] يقال كشر أي كشف عن أسنانه، الاكتشار انكشاف الأسنان عند الضحك وكاشره إذا ضحك في وجهه وابتسم [في وجهه]

(3)

. قوله: "فقال: أما إنكم لو أكثرتم ذكر هاذم اللذات لشغلكم عما أرى الموت" أي من الضحك. قوله صلى الله عليه وسلم: "فإنه لم يأت على القبر يوم إلا تكلم فيه فيقول: أنا بيت الغربة وأنا بيت الدود" الحديث.

(1)

أخرجه الترمذي (2460)، وقال: قال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وقال الألباني في ضعيف سنن الترمذي (ص: 280): (ضعيف جدا)، وفي الضعيفة (4990): لكن جملة هاذم اللذات صحيحة، فانظر الحديث (2409)، وضعيف الجامع الصغير (1231). وضعفه في ضعيف الترغيب والترهيب (1944).

(2)

البيهقي في الشعب (803).

(3)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

ص: 187

لطيفة: روى البيهقي في الشعب

(1)

عن صدقة بن يسار قال: كان داود عليه السلام في محرابه فأبصر دودة صغيرة قال ففكر في خلقها وقال: ما يعبؤا الله جل ذكره بخلق هذه، قال: فأنطقها الله عز وجل فقالت يا داود تعجبك نفسك لأنا على قدر ما آتاني الله أذكر لله وأشكر له منك على ما آتاك الله، قال الله عز وجل:{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ}

(2)

، اهـ، [قوله في القبر:"فإذ وليتك وصرتَ إليّ فسترى صنيعي بك" الحديث، الصنيع الفعل الحسن، وقوله: وصرت إلي أي مقهورا تحت أمري، ولم تبق قوة وقدرة لك]

(3)

. قوله: "فيلتئم عليه حتى يلتقي عليه وتختلف أضلاعه" الحديث، أي تختلط، وهذا صريح في أن البدن يعذب، قاله ابن القيم الجوزية

(4)

.

قوله: "ويقيض له سبعون تنينا لو أنّ واحدا منها نفخ في الأرض ما أنبتت شيئا ما بقيت الدنيا" الحديث، يقيض معناه كذا والتنين ضرب من الحيات كأكبر ما يكون منها وهو أيضا نوع من السمك. وقال القزويني: أنه شر من الكوسج في فمه أنياب مثل أسنة الرماح وهو طويل كالنخلة السحوق أحمر

(1)

البيهقي في الشعب (4580)، وانظر: تاريخ مدينة دمشق (17/ 95).

(2)

سورة الإسراء، الآية:44.

(3)

حصل تقديم لهذه العبارة في النسخة الهندية، وأدرجت قبل قوله:(قوله صلى الله عليه وسلم: (فإنه لم يأت على القبر يوم إلا تكلم فيه فيقول: أنا بيت الغربة وأنا بيت الدود) الحديث، لطيفة: روى البيهقي).

(4)

الروح (ص 55).

ص: 188

العينين [مثل الدم واسع الفم والجوف براق العينين]

(1)

يبتلع كثيرا من الحيوان، تخافه حيوان البر والبحر، إذا تحرك يموج البحر لشدة قوته، فأول أمره يكون حية متمردة يأكل من دواب البر ما ترى فإذا كثر فسادها احتملها ملك وألقاها في البحر فتفعل بدواب البحر ما كانت تفعل بدواب البر فيعظم بدنها فيبعث الله ملكا يحملها ويلقيها إلى يأجوج ومأجوج. وروى عن بعضهم أنه رآى تنينا طوله نحو من فرسخين ولونه مثل لون النمر مفلسا مثل فلوس [السمك] بجناحين عظيمين على هيئة جناحي السمك ورأسه كرأس الإنسان لكنها كالتل العظيم وأذناه طويلتان وعيناه مدورتان كبيرتان جدا، اهـ، قاله صاحب حياة الحيوان

(2)

. قوله: "حتى يفضي به إلى الحساب" أي يوصل.

قوله صلى الله عليه وسلم: "القبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار" الحديث. قال الإمام القرطبي في التذكرة

(3)

: قلنا هذا محمول عندنا على الحقيقة لا على المجاز وإن القبر يملأ على المؤمن خضرا أي نعما غضة خضرا ومنه الحديث

(4)

: إن الدنيا حلوة خضرة أي غضة ناعمة طرية وهو العشب من النبات وقد عيّنه عبد الله بن عمرو بن العاصي فقال: هو الريحان

(1)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

(2)

حياة الحيوان الكبرى (1/ 238).

(3)

التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة (ص: 377).

(4)

صحيح مسلم (99)(2742).

ص: 189

كما في حق الكافر يفرش له لوحان من نار وقد حمله بعض علمائنا على المجاز، والمراد خفة السؤال على المؤمن وسهولته عليه وأمنه فيه وطيب عيشه ووصفه بأنه جنة تشبيها بالجنة، والنعيم بالرياض، يقال فلان في الجنة إذا كان في رغد من العيش وسلامة فالمؤمن يكون في قبره في روح وراحة وطيب عيش وقد رفع الله عن عينيه الحجاب حتى يرى مدّ بصره كما في الخبر، وأراد بحفرة النار ضغطة القبر وشدة المسائلة والخوف والأهوال التي تكون فيها على الكفرة وبعض أهل الكبائر، والأول أصح لأن الله سبحانه وتعالى يقص الحق ولا استحالة تلزم من ذلك اهـ، والله أعلم.

5053 -

وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة، فجلس إلى قبر منها فقال: ما يأتي على هذا القبر يوم إلا وهو ينادي بصوت ذلق طلق: يا ابن آدم نسيتني ألم تعلم أني بيت الوحدة وبيت الغربة وبيت الوحشة وبيت الدود وبيت الضيق إلا من وسعني الله عليه، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: القبر إما روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار. رواه الطبراني في الأوسط

(1)

.

قوله: وروي عن أبي هريرة، تقدم الكلام على ترجمته. قوله صلى الله عليه وسلم:"ما يأتي على هذا القبر من يوم إلا وهو ينادي بصوت ذلق طلق يا ابن آدم نسيتني"

(1)

أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (8613)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 46): رواه الطبراني في الأوسط، وفيه محمد بن أيوب بن سويد، وهو ضعيف. وقال الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (1945): موضوع.

ص: 190

الحديث، ذلق بالذال المعجمة، قال الجوهري

(1)

في صحاحه لسان طلق ذلق وطليق ذليق وطُلُق ذلُق وطُلَق ذُلَق أربع لغات، اهـ. قوله: "يقول القبر يا ابن آدم نسيتني ألم تعلم أني بيت الوحدة وبيت الغربة وبيت الوحشة وبيت الدود وبيت الضيق. الحديث.

وفي كتاب العاقبة

(2)

عن أبي الحجاج الثمالي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول القبر للميت إذا وضع فيه ويحك يا ابن آدم ما غرك بي ألم تعلم أني بيت الفتنة وبيت الظلمة وبيت الدود، ما غرّك إذ كنت تمر بي متبخترا؟ قال: فإن كان مصلحا أجاب عنه مجيب القبر فيقول: أرأيت إن كان ممن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؟ فيقول القبر: فإني أعود عليه خضرا ويعود جسده نورا وتصعد روحه إلى رب العالمين، ذكر هذا الحديث الحاكم في كتاب الكني، وروى ابن المبارك

(3)

أن أول ما يُكلم الميت قبره فيقول: ماذا أعددت لي؟ اهـ.

[لطيفة: قد ورد أن الميت يجد ألم الموت في قبره، ولعل ذلك خاص ليس بعام، فروى ابن أبي الدنيا

(4)

بإسناد وفيه نظر: عن كعب أنه قال: لا يذهب عن الميت ألم الموت ما دام في قبره، وإنه لأشد ما يمر على المؤمن

(1)

الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (4/ 1517).

(2)

العاقبة في ذكر الموت (ص: 189).

(3)

مصنف ابن أبي شيبة (35007) عن عبيد بن عمير.

(4)

حلية الأولياء (6/ 44) أبو نعيم عن كعب شرح الصدور بشرح حال الموتى والقبور (1/ 38).

ص: 191

وأهون ما يصيب الكافر.

وعن الأوزاعي

(1)

قال: بلغنا أن الميت يجد ألم الموت ما لم يبعث من قبره، أو قال ما لم يبعث في قبره.

فائدة: قال مجاهد

(2)

: البرزخ هو ما بين الموت إلى البعث.

وقال عطاء الخراساني

(3)

: البرزخ مدة ما بين الدنيا والآخرة. وصلى أبو أمامة الباهلي رضي الله تعالى عنه على جنازة، فلما وضعت في لحدها قال أبو أمامة: هذا برزخ إلى يوم يبعثون. وقيل للشعبي

(4)

: مات فلان. فقال: ليس هو في الدنيا ولا في الآخرة، هو في برزخ. وسمعت رجلا يقول: مات فلان فأصبح من أهل الآخرة. فقال: لا تقل من أهل الآخرة، ولكن قل من أهل القبور]

(5)

.

5054 -

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم عاشر عشرة، فقام رجل من الأنصار فقال: يا نبي الله من أكيس الناس وأحزم الناس؟ قال: أكثرهم ذكرا للموت، وأكثرهم استعدادا للموت، أولئك الأكياس ذهبوا بشرف الدنيا وكرامة الآخرة. رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الموت

(6)

. والطبراني في

(1)

إحياء علوم الدين (4/ 463) شرح الصدور بشرح حال الموتى والقبور (1/ 38).

(2)

الزهد لابن السري (314) تفسير الطبري (ج 18 ص 53).

(3)

تفسير القرطبي (ج 12 ص 150).

(4)

تفسير القرطبي (ج 12 ص 150).

(5)

سقطت هذه الفقرة من الأصل وأُثبِتت من النسخة الهندية.

(6)

أخرجه ابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق (3).

ص: 192

الصغير

(1)

بإسناد حسن، ورواه ابن ماجه

(2)

مختصرا بإسناد جيد، والبيهقي في الزهد

(3)

، ولفظه: أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أي المؤمنين أفضل؟ قال أحسنهم خلقا. قال: فأي المؤمنين أكيس؟ قال: أكثرهم للموت ذكرا، وأحسنهم لما بعده استعدادا، أولئك الأكياس، وذكره رزين في كتابه بلفظ البيهقي من حديث أنس، ولم أره.

قوله: "وعن ابن عمر" تقدم الكلام على ترجمته. قوله: "يا نبي الله من أكيس الناس وأحزم الناس" الحديث. أي [من]

(4)

أعقل الناس وأحزم الناس الناس من الحزم وهو ضبط الرجل أمره وأخذه بالثقة من قوله حزمت الشيء أي شددته، وقيل الحزم إحكام الرأي وأصله من الحِزَام. قوله: أكثرهم

(1)

المعجم الأوسط (6488)، وفي المعجم الصغير (1008)، وفي المعجم الكبير للطبراني (12/ 417/ 13536).

(2)

ابن ماجه (4259)، وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 348): هذا إسناد ضعيف، فروة بن قيس مجهول، وكذا الراوي عنه، وخبره باطل. وأخرجه الروياني (1423)، والدولابي الكنى والأسماء (3/ 1076)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 333)، وأخرجه ابن حبان في المجروحين (2/ 67)، ثم قال: فذكر - أي عبيد الله بن سعيد- حديثا طويلا ليس من حديث مالك، ولا من حديث أبي سهيل، ولا من حديث ابن عمر.، وقال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: 1828): أخرجه ابن ماجه مختصرا وابن أبي الدنيا بكماله بإسناد جيد. وقال الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (1946): منكر.

(3)

البيهقي في الزهد الكبير (456)، وفي شعب الإيمان (10065).

(4)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

ص: 193

استعدادا للموت، الاستعداد للشيء التهيؤ له بإحضار ما يعين عليه، قاله الكمال الدميري

(1)

.

5055 -

وَعَن سهل بن سعد السَّاعِدِيّ رضي الله عنه قَالَ مَاتَ رجل من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَجعل أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يثنون عَلَيْهِ ويذكرون من عِبَادَته وَرَسُول الله صلى الله عليه وسلم سَاكِت فَلَمَّا سكتوا قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم هَل كَانَ يكثر ذكر الْمَوْت قَالُوا لَا قَالَ فَهَل كَانَ يدع كثيرا مِمَّا يَشْتَهِي قَالُوا لَا قَالَ مَا بلغ صَاحبكُم كثيرا مِمَّا تذهبون إِلَيْهِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ بِإِسنَاد حسن

(2)

وَرَوَاهُ الْبَزَّار من حَدِيث أنس قَالَ ذكر عِنْد النَّبِي صلى الله عليه وسلم رجل بِعبَادة واجتهاد فَقَالَ كَيفَ ذكر صَاحبكُم للْمَوْت قَالُوا مَا نَسْمَعهُ يذكرهُ قَالَ لَيْسَ صَاحبكُم هُنَاكَ

(3)

.

5056 -

وروي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: على المنبر والناس حوله: أيها الناس استحيوا من الله حق الحياء، فقال رجل: يا رسول الله إنا لنستحيي من الله تعالي، فقال: من كان منكم مستحييا فلا يبيتن ليلة إلا وأجله بين عينيه، وليحفظ البطن وما وعي، والرأس

(1)

النجم الوهاج في شرح المنهاج (3/ 8).

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير (6/ 185 رقم 5941). قال الهيثمي في المجمع 10/ 309: رواه الطبراني، وإسناده حسن. وضعفه الألباني في الضعيفة (6507) وضعيف الترغيب (1947).

(3)

أخرجه الختلى في الديباج (53)، والبزار (3622/ كشف الأستار). قال البزار: لا نعلم رواه عن ثابت عن أنس إلا يوسف. وقال الهيثمي في المجمع 10/ 309: رواه البزار، وفيه يوسف بن عطية، وهو متروك. وضعفه الألباني جدا في ضعيف الترغيب (1948).

ص: 194

وما حوي، وليذكر الموت والبلي، وليترك زينة الدنيا. رواه الطبراني في الأوسط

(1)

.

قوله: "وروي عن عائشة" تقدم الكلام على مناقبها. قوله: "استحيوا من الله حق الحياء" إلى قوله "وليترك زينة الدنيا" وفي حديث ابن مسعود

(2)

: ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، الحديث. قوله:"ليحفظ البطن وما وعى والرأس وما حوى" أي ما جمع فيه من الطعام والشراب حتى يكونا من حلهما، [قوله صلى الله تعالى عليه وسلم:"ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا"]، قال الله تعالى:{إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا} ، وقال تعالى:{الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} ، الآية، [و] قال الله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ

(1)

المعجم الأوسط (7342)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 284) رواه الطبراني في الأوسط، وفيه إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة، وهو متروك. وقال الألباني في السلسلة الضعيفة (5264)، وضعيف الترغيب والترهيب (1949): موضوع.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة (343، 34320) وفي مسنده (343) وأحمد (3671) والترمذي (2458) وابن أبي الدنيا في الورع (59) والبزار (2025) وابن نصر في الصلاة (450) وأبو يعلى (5047) والكلاباذي في معاني الأخبار (ص 166) والحاكم (4/ 323) وابن بشران (358) والبيهقي في الآداب (1155) وفي الأربعين الصغرى (35) وفي الشعب (7334 و 10077) والبغوي في شرح السنة (4033) قال الترمذي: هذا حديث إنما نعرفه من هذا الوجه من حديث أبان بن إسحاق عن الصباح بن محمد وقال البزار: الصباح بن محمد ليس بالمشهور وقال الحاكم: صحيح الإسناد، وقال وضعفه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1724)، والروض النضير (601)، والمشكاة (1608): حسن لغيره.

ص: 195

وَالْبَنِينَ} إلى قوله: {ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}

(1)

، ونظير هذا من السنة قوله:"إن الدنيا خضرة حلوة وإن الله مستخلفكم فيها"، الحديث.

وقوله أيضا عليه الصلاة والسلام

(2)

: "إن أخوف ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من زهرة الدنيا، قالوا: وما زهرة الدنيا؟ قال بركات الأرض". والمعنى أن الدنيا مستطابة في ذوقها معجبة في منظرها كالتمر المستحلى المعجب المرأى فابتلى الله بها عباده لينظر أيهم أحسن عملا أي من أزهد الناس فيها وأترك لها ولا سبيل للعباد إلى بغض ما زينه الله إلا بمعونة على ذلك، ولهذا كان عمر رضي الله عنه. فيما ذكر البخاري

(3)

: اللهم لا نستطيع إلا أن نفرح بما زينته لنا، اللهم إني أسألك أن أنفقه في حقه، [فدعا الله تعالى أن يعينه على الفاقة في حقه]، وهذا معنى قوله عليه السلام

(4)

: فمن أخذه بطيب نفس بورك له فيه ومن أخذه بإشراف نفس كان كالذي يأكل ولا يشبع، وهذا هو المكثر من الدنيا، لا يقنع بما يحصل له منها بل همه جمعها وذلك لعدم الفهم عن الله تعالى ورسوله، فإن الفتنة معها حاصلة وعدم السلامة غالبة كما تقدم، وقد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه، اهـ، قاله القرطبي

(5)

.

(1)

سورة آل عمران، الآية:14.

(2)

صحيح البخاري (2842)، وصحيح مسلم (121)(1052).

(3)

علقه البخاري (8/ 93) كتاب الرقاق، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: هذا المال خضرة حلوة.

(4)

صحيح البخاري (6441)، وصحيح مسلم (96)(1035).

(5)

تفسير القرطبي (10/ 354).

ص: 196

5057 -

وَعَن عبد الله بن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم اسْتَحْيوا من الله حق الْحيَاء قَالَ قُلْنَا يَا نَبِي الله إِنَّا لنستحيي وَالْحَمْد لله قَالَ لَيْسَ ذَلِك وَلَكِن الاستحياء من الله حق الْحيَاء أَن تحفظ الرَّأْس وَمَا وعى وَتحفظ الْبَطن وَمَا حوى ولتذكر الْمَوْت والبلى وَمن أَرَادَ الْآخِرَة ترك زِينَة الدُّنْيَا فَمن فعل ذَلِك فقد استحيا من الله حق الْحيَاء رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث غَرِيب إِنَّمَا نعرفه من حَدِيث أبان بن إِسْحَاق عَن الصَّباح بن مُحَمَّد قَالَ الْحَافِظ أبان والصباح مُخْتَلف فيهمَا وَقد قيل إِن الصَّباح إِنَّمَا رفع هَذَا الحَدِيث وهما مِنْهُ وَضعف بِرَفْعِهِ وَصَوَابه مَوْقُوف

(1)

وَالله أعلم.

5058 -

وعن الضحاك رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: يا رسول الله من أزهد الناس؟ فقال: من لم ينس القبر والبلي، وترك فضل زينة الدنيا، وآثر ما يبقى على ما يفني، ولم يعد غدا من أيامه، وعد نفسه من الموتى رواه ابن أبي الدنيا

(2)

، وهو مرسل.

[قوله: وعن الضحاك: تقدم. قوله: من أزهد الناس؟ فقال: من لم ينس القبر والبلى وترك أفضل زينة الدنيا، الحديث، وفي آخره: وعد نفسه من الموتي، يعني أنه لا يغتر بالبقاء في دار الفناء فإن الحياة فيها في الحقيقة كزيارة

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة في المسند (343)، والترمذي (2458)، وابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاف (90) والبزار (2025). وضعفه الألباني في المشكاة (1608) وحسنه في صحيح الترغيب (1724) و (2638) و (3337).

(2)

في الزهد (100)، وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (1950).

ص: 197

طيف أو سحاب صيف، والله أعلم]

(1)

.

5059 -

وَرُوِيَ عَن عُثْمَان رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ كفى بِالْمَوْتِ واعظا وَكَفى بِالْيَقِينِ غنى رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ.

5060 -

وَعَن الْبَراء رضي الله عنه قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي جَنَازَة فَجَلَسَ على شَفير الْقَبْر فَبكى حَتَّى بل الثرى ثمَّ قَالَ يَا إخْوَانِي لمثل هَذَا فأعدوا رَوَاهُ ابْن مَاجَه بِإِسْنَاد حسن.

5061 -

وَرُوِيَ عَن أنس رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَرْبَعَة من الشَّقَاء جمود الْعين وقسوة الْقلب وَطول الأمل والحرص على الدُّنْيَا. رَوَاهُ الْبَزَّار.

5062 -

وَعَن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لَا أعلمهُ إِلَّا رَفعه قَالَ صَلَاح أول هَذِه الْأمة بالزهادة وَالْيَقِين وهلاك آخرهَا بالبخل والأمل رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَفِي إِسْنَاده احْتِمَال للتحسين وَرَوَاهُ ابْن أبي الدُّنْيَا والأصبهاني كِلَاهُمَا من طَرِيق ابْن لَهِيعَة عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم نجا أول هَذِه الْأمة بِالْيَقِينِ والزهد وَيهْلك آخر هَذِه الْأمة بالبخل والأمل.

5063 -

وَرُوِيَ عَن أم الْوَليد بنت عمر قَالَت اطلع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ذَات عَشِيَّة فَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس أَلا تستحيون قَالُوا مِم ذَاك يَا رَسُول الله قَالَ تجمعون مَا لَا تَأْكُلُونَ وتبنون مَا لَا تعمرون وتأملون مَا لَا تدركون أَلا تستحيون من ذَلِك رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ.

(1)

حصل تأخير لهذه العبارة من النسخة الهندية، وأدرجت بعد قوله:(وقد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه، اهـ، قاله إلى هنا انتهى اللوح 379 القرطبي).

ص: 198

5064 -

وروي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: اشترى أسامة بن زيد وليدة بمائة دينار إلى شهر فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ألا تعجبون من أسامة المشتري إلى شهر إن أسامة لطويل الأمل، والذي نفسي بيده ما طرفت عيناي إلا ظننت أن شفري لا يلتقيان حتى يقبض الله روحي، ولا رفعت قدحا إلى في، فظننت أني واضعه حتى أقبض، ولا لقمت لقمة إلا ظننت أني لا أسيغها حتى أغص بها من الموت، والذي نفسي بيده إنما توعدون لآت، وما أنتم بمعجزين. رواه ابن أبي الدنيا في كتاب قصر الأمل

(1)

، وأبو نعيم في الحلية

(2)

، والبيهقي

(3)

والأصبهاني

(4)

.

قوله: "وعن أبي سعيد الخدري" تقدم الكلام على مناقبه. قوله: "اشترى أسامة بن زيد وليدة بمائة دينار" الحديث، تقدم الكلام على أسامة بن زيد والوليدة الجارية. قوله:"ما طرفت عيناي إلا ظننت أن شفريّ لا يلتقيان حتى يقبض الله روحي" الحديث، [شفريّ مثنى شفر] والأشفار جمع شفر وهو بالضم، وقد يفتح. حرف [جفن] العين الذين ينبت عليه الشعر.

(1)

ابن أبي الدنيا في قصر الأمل (6).

(2)

أبو نعيم في الحلية (6/ 91). وقال: غريب من حديث عطاء وأبي بكر تفرد به محمد بن حمير.

(3)

البيهقي في شعب الإيمان (10080)، وأخرجه الطبراني في مسند الشاميين (1505)، وقال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: 1831): أخرجه ابن أبي الدنيا

بسند ضعيف. وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (4977)، وضعيف الترغيب والترهيب (1954).

(4)

قوام السنة في الترغيب والترهيب (175).

ص: 199

5065 -

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك. رواه البخاري

(1)

والترمذي

(2)

ولفظه: قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض جسدي فقال: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، وعد نفسك في أصحاب القبور، وقال لي: يا ابن عمر إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء، وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح، وخذ من صحتك قبل سقمك، ومن حياتك قبل موتك، فإنك لا تدري يا عبد الله ما اسمك غدا ورواه البيهقي

(3)

وغيره نحو الترمذي.

قوله: "وعن عبد الله بن عمر" يعني ابن الخطاب، تقدمت ترجمته. قوله:"أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي" المنكب بفتح الميم وكسر الكاف مجمع العضد والكتف. قال ابن الفاكهاني [وروايتي] في الحديث، منكبيّ على التثنية، وفيه مسّ المعلم أعضاء المتعلم عند التعليم، والموعوظ عند الوعظ، وهذا عندي كقول ابن مسعود علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد كفي بين كفيه وذلك للتأنيس والتنبيه والتذكير إذ محال في العادة أن ينسى عبد الله من عمر

(1)

صحيح البخاري (6416).

(2)

سنن الترمذي (2333).

(3)

السنن الكبرى (3/ 516)، وفي شعب الإيمان (9763 - 9764 - 9765 - 9766 - 10059)، وفي الآداب (808)، وفي الزهد الكبير (465).

ص: 200

أو ابن مسعود رضي الله عنهما مس النبي صلى الله عليه وسلم لهما [ولا يتذكراه و]

(1)

لا يكاد الإنسان يفعل ذلك بها الغالب إلا بمن يميل قلبه إليه، فذلك دليل على محبته صلى الله عليه وسلم لهما، وفي الحديث الابتداء بالنصيحة والإرشاد لمن يطلب ذلك، وفيه حرصه صلى الله عليه وسلم على أصل الخير لأمته صلى الله عليه وسلم إذ كان هذا الكلام لا يخص ابن عمر في الحقيقة بل ذلك مخاطبة لجميع الأمة من حيث المعنى.

قوله: "فقال كن في الدنيا كأنك غريب" أي كالغريب لا يستقر في دار الغربة ولا يسكن إليها بل لا يزال مشتاقا إلى وطنه عازما على السفر إليه، [أي] لا تركن [إليها أي] الدنيا ولا تتخذها وطنا ولا تحدث نفسك بطول البقاء فيها ولا بالاعتناء بها ولا تتعلق منها بما لا يتعلق به الغريب بها غير وطنه ولا يشتغل فيها بما لا يشتغل به الغريب الذي يريد الذهاب إلى أهله ولا شك أن الإنسان إنما خلق ليمتحن بالطاعة والمعصية ليكون من أهل الثواب أو العقاب ومن أصحاب اليمين أو من أصحاب الشمال بدليل قوله عز وجل:{إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} ، وحينئذ هو كعبد أرسله سيده في حاجة إلى بلد غريبة فهو فيها غريب [عابر سبيل] فشأنه أن يبادر [بقضاء] ما أرسله فيه ثم يعود إلى وطنه.

فمعنى الحديث: اعمل في حياتك ما تلقى نفعه بعد موتك، وبادر أيام صحتك فإن المرض قد يطرأ فيمنعك من العمل فتقدم المعادَ بغير زاد ومن

(1)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

ص: 201

قدر في نفسه أنه يعيش عشر سنين أو عشرين سنة فإنه يصير عبدا لهذه الأوصاف الذميمة فما أجمع هذا الحديث لمعاني الخير وأشرفه. فهذا الحديث أصل في الفراغ عن الدنيا والزهد فيها والرغبة عنها بالاحتقار لها والقناعة فيها بالبلغة وهذا الحديث أصل في قصر الأمل في الدنيا وأن المؤمن لا ينبغي له أن يتخذ الدنيا وطنا ومسكنا فيطمئن منها ولكن ينبغي أن يكون فيها كأنه على جناح سفر يهيئ جهازه للرحيل وقد اتفقت على ذلك وصايا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأتباعهم. قال تعالى حاكيا عن مؤمن آل فرعون أنه قال: {يَاقَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} ، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ما لي وللدنيا، إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها، اهـ. قاله ابن رجب

(1)

. لما كانت الدنيا دار مجاز إلى الآخرة فينبغي للمؤمن أن يكون فيها كالغريب المجتاز الذي لا يحدث نفسه في منزل نزله أو مرحلة حل فيها بأن يبني فيها دارا بل يكفيه فيها مبيت ليلة ثم إن الغريب نازع إلى الوطن ماد عينيه إلى أهله شاخص أمله إلى وقت الارتحال متى ينادى بالرحيل فيرتحل، فكلما قطع مرحلة هاج شوقه ينتظر نهاية المسافة فإذا بلغ آخر مرحلة قلق وضاع ذرعا فإذا وقع بصره على وطنه رق ودمعت عيناه من طول الغربة ومقاساة الشدة ثم بكى فرحا بوصوله إلى الوطن ونظره إلى الأحباب، قاله صاحب شرح مشارق الأنوار.

(1)

جامع العلوم والحكم (1/ 379).

ص: 202

قوله: "أو عابر سبيل" ومنه المسافر، ومنه قوله تعالى:{إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} هو في أحد الوجهين، السبيل هو الطريق، والمسافر في الطريق يمر صادقا، كل عزمه وقصده إلى بلوغ مقصده غير ملتفت إلى [جزئيات] الطريق ولا معرّج عليها، اهـ.

قوله صلى الله عليه وسلم لابن عمر "فإنك لا تدري يا عبد الله ما اسمك غدا" أي لا تعلم اسمك غدا حي فتقدر على العمل وتستدرك فيه ما فاتك بالأمس أو اسمك ميت [فتقع] في الحسرة والندامة التي لا آخر لها. اهـ. [وقال ابن رجب.

(1)

معناه: يعني لعلك غدا من الأموات دون الأحياء. وقد روي معنى هذه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال

(2)

: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ. وقال بعض العلماء أبياتا في المعني، وهو ابن قيم الجوزية:

وحيّ على جنات عدن فإنها

منازلك الأولى وفيها المخيّم

ولكننا سبي العدو فهل ترى

نعود إلى أوطاننا ونسلّم

وأي اغتراب فوق غربتنا التي

لها أضحت الأعداء فينا تحكم

وقد زعموا أن الغريب إذا نئا

وشطّت به أوطانه ليس يُنعّم

فمن أجل ذا لا ينعم العبد ساعة

من العمر إلا بعدها يتألم

(1)

جامع العلوم والحكم (1/ 384).

(2)

صحيح البخاري (6412).

ص: 203

وكيف لا يكون العبد في هذه الدار غريبا وهو على جناح سفر لا يحل عن راحلته إلا بين أهل القبور، فهو مسافر في صورة قاعد:

ما هذه الأيام إلا مراحل

يحث بها داع إلى الموت قاصد

وأعجب شيء لو تأملت أنها

منازل تطوى والمسافر قاعد

والغريب في الناس كما قال القائل:

تسترت من دهري بظل جناحه

فعيني ترى دهري وليس يراني

فلو تسأل الأيام ما اسمي ما درت

وأين مكاني ما عرفن مكاني

وقد قال بعض الأدباء كلاما منظوما في وصف زماننا هذا كأنه شاهده:

ذهب الرجال المقتدى بفعالهم

والمنكرون لكل أمر منكر

وبقيت خلف يزكي بعضهم

بعضا ليدفع معور عن معور

أبُنَيّ إن من الرجال بُهيمة

في صورة الرجل السميع المبصر

فطن بكل مصيبة في ماله

فإذا أصيب بدينه لم يشعر

فسل اللبيب تكن لبيبا مثله

من يسع في علم بلبّ يظفر

(1)

. اهـ]

قول ابن عمر: إذا أمست فلا تنتظر الصباح، الحديث فيه الحض على تقصير الأمل لأنه المصلح للعمل والمنجي من آفات التواني والكسل فإن من طال أمله ساء عمله وقصر الأمل هو حقيقة الزهد في الدنيا، كذا قالوه، والحق أنه سبب للزهد لا الزهد [هو]

(2)

نفسه لأن من قصر أمله زهد في هذه الدار

(1)

حصل تأخير لهذه الفقرة في النسخة الهندية، وأدرجت بعد قوله:(قال ابن الجوزي: إذا رأيت قبرا فتوهمه قبرك، وعد باقي الحياة ربحك).

(2)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

ص: 204

الفانية وطول الأمل يتولد منه أربعة أشياء أحدها ترك الطاعة والكسل فيها، والثاني التسويف بالتوبة، والثالث الرغبة في الدنيا، والرابع القسوة في القلب والنسيان للآخرة لأنك إذا أملت العيش الطويل نسيت الموت والقبر والثواب والعقاب وأحوال الآخرة وزلازلها وأهوالها وأقبلت على أسباب الدنيا وصحبة [الخلق] فيقسو القلب ضرورة فإنما رقة القلب وصفاؤه بذكر الموت والقبر والثواب والعقاب وأهوال يوم القيامة. قال الله تعالى:{فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ}

(1)

، وقال:{ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}

(2)

، وقال علي

(3)

: ارتحلت الدنيا مدبرة وأقبلت الآخرة مقبلة ولكل واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل. قوله: "وخذ من صحتك لمرضك" الحديث، أي اغتنم العمل حال الصحة فإن المرض مانع منه إذ لا قوة تعين عليه حينئذ فاستسلف وبادر قبل هجومه ففيه حض على اغتنام أيام الصحة فيمهد فيها لنفسه خوفا من مرض يمنعه من العمل، وكذلك قوله [صلى الله تعالى عليه وسلم]: خذ من حياتك لموتك؛ فبالموت ينقطع العمل، فينبغي للإنسان أن يقدر أنه مات ثم يبعث فينظر كيف كان عمله، ففيه تنبيه على اغتنام أيام الحياة ولا يمر عمره باطلا في سهو

(1)

سورة الحديد: 16.

(2)

سورة الحجر: 3.

(3)

علقه البخاري (8/ 89) كتاب الرقاق، باب في الأمل وطوله.

ص: 205

وغفلة لأن من مات فقد انقطع عمله وفاته أمله وحضره على تفريطه ندمه. قال ابن الجوزي: إذا رأيت قبرا فتوهمه قبرك، وعد باقي الحياة ربحك.

5066 -

وَعَن معَاذ رضي الله عنه قَالَ قلت يَا رَسُول الله أوصني قَالَ اعبد الله كَأَنَّك ترَاهُ واعدد نَفسك فِي الْمَوْتَى وَاذْكُر الله عِنْد كل حجر وَعند كل شجر وَإِذا عملت سَيِّئَة فاعمل بجنبها حَسَنَة السِّرّ بالسر وَالْعَلَانِيَة بالعلانية. رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَاد جيد إِلَّا أَن فِيهِ انْقِطَاعًا بَين أبي سَلمَة ومعاذ

(1)

.

5067 -

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: مر بي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أطين حائطا لي أنا وأمي فقال: ما هذا يا عبد الله؟ فقلت: يا رسول الله وهى فنحن نصلحه فقال: الأمر أسرع من ذلك.

5068 -

وفي رواية قال: مر علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن نعالج خصا لنا وهي، فقال: ما هذا؟ فقلنا: خص لنا وهي، فنحن نصلحه فقال: ما أرى الأمر إلا أعجل من ذلك. رواه أبو داود

(2)

والترمذي

(3)

وقال: حديث حسن

(1)

أخرجه هناد في الزهد 2/ 531 حدثنا عبدة، وابن أبي الدنيا في الصمت (22)، والشاشى (1400)، والطبراني في الكبير (20/ 159 رقم 331)، والبيهقي في الشعب (2/ 78 رقم 544). قال الهيثمي في المجمع 4/ 218: رواه الطبراني، وأبو سلمة لم يدرك معاذا، ورجاله ثقات. وقال في 10/ 74: رواه الطبراني، وإسناده حسن. وحسنه الألباني في الصحيحة (1475) وصحيح الترغيب (3144) و (3342).

(2)

أبو داود (5235)(5236).

(3)

رواه الترمذي (2335) وقال الترمذي: حسن صحيح، وأخرجه ابن أبي شيبة (35308)، وأحمد (6502)، وفي الزهد (ص 37 - 38) وهناد في الزهد (515) والبخاري في =

ص: 206

صحيح وابن ماجه

(1)

وابن حبان في صحيحه

(2)

.

قوله: وعن عبد الله بن عمر تقدم. قوله: "مرّ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نعالج خصا لنا وَهَي، فقال ما هذا يا عبد الله قلنا نعالج خصى لنا وَهَى فنحن نصلحه" الحديث، الخصّ بيت يعمل من الخشب والقصب مثل الأزج وجمعه خصاص وقال الزهري جمعه أخصاص وخصوص سمى به لما فيه من الخصاص وهي الفرج والأنقاب ومنه الحديث أن أعرابيا أتى باب النبي صلى الله عليه وسلم[فألقم عينه خصاصة الباب أي فرجته، فبصر به النبي صلى الله تعالى عليه وسلم]، فقام إليه بمشقص الحديث، قاله في النهاية

(3)

، يريد عليه الصلاة

= الأدب المفرد (456) البزار = البحر الزخار (2436)، وحماد بن إسحاق في تركة النبي (ص 53) والعباس الدوري في التاريخ (2/ 323) ويعقوب بن سفيان في المعرفة (3/ 78) وابن أبي الدنيا في قصر الأمل (242) والخلال في العلل (المنتخب لابن قدامة 2) وابن حبان (2996 و 2997)، والطبراني في المعجم الكبير (13، 14/ 520/ 14402)، والبيهقي في الآداب (1019) وفي الشعب (10220) وأبو القاسم الأصبهاني في الترغيب (2307) وابن بشكوال في الغوامض (903)، والبغوي في شرح السنة (4030)، وابن النجار في ذيل تاريخ بغداد (16/ 203 - 204)، قال الحافظ في الفتح (11/ 93): صححه الترمذي وابن حبان. وصححه الألباني في صحيح الجامع (5526)، وفي صحيح الترغيب والترهيب (3343)، وصحيح وضعيف سنن أبي داود (ص: 2) (5236)، وصحيح وضعيف سنن الترمذي (5/ 335)(2335)، والمشكاة (5275).

(1)

ابن ماجه (4160).

(2)

وابن حبان (2996) و (2997).

(3)

النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 37).

ص: 207

والسلام تعجيل الأمر [وتقريبه] وخوف نفسه والحذر من نجاته، وقيل للحسن البصري: يا أبا سعيد ألا تغسل ثوبك، فقال الأجل أعجل من ذلك، وكان الحسن البصري قصير الأمل طويل الخوف. [قوله:"وَهَى" أي خرب أو كاد. قوله: "ما أرى الأمر إلا أعجل من ذلك"]

(1)

وقصر الأمل بناؤه على أمرين تيقن زوال الدنيا ومفارقتها وتيقن لقاء الآخرة وبقائها ودوامها ثم تقايس بين الأمرين وتؤثر أولاهما بالإيثار، اللهم ارزقنا قلوبا واعية نعقل بها دوام الآخرة وانقضاء الدنيا ونعمل لكل منهما على ما يليق بها إنك على كل شيء قدير.

5069 -

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: خط النبي صلى الله عليه وسلم خطا مربعا، وخط خطا في الوسط خارجا منه، وخط خطوطا صغارا إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط فقال: هذا الإنسان وهذا أجله محيط به، أو قد أحاط به، وهذا الذي هو خارج أمله، وهذه الخطط الصغار الأعراض، فإن أخطأه هذا نهشه هذا، وإن أخطأه هذا نهشه هذا. رواه البخاري

(2)

والترمذي

(3)

والنسائي

(4)

وابن ماجه

(5)

. وهذا صورة ما خط صلى الله عليه وسلم ص 367 - 2

ع

(1)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

(2)

صحيح البخاري (6417).

(3)

سنن الترمذي (2454)، وقال: هذا حديث صحيح.

(4)

السنن الكبرى للنسائي (11764).

(5)

سنن ابن ماجه (4231).

ص: 208

قوله: "عن عبد الله بن مسعود" تقدم. قوله: "خط النبي صلى الله عليه وسلم خطا مربعا وخط خطا في الوسط خارجا منه وخطّ خطوطا صغارا إلى هذا الذي في الوسط من .. "[الحديث]، يريد عليه السلام أن الإنسان قد أحاط به أجله وأنه دائر به فحيث ما توجّه لقيه وإن محن الدنيا [وفتنتها] تعترضه وتنتهشه وتتلقاه وتستقبله وهو مع ذلك بعيد الأمل مصروف البصر إليه. واعلم أن طول الأمل داء عضال ومرض مزمن ومتى تمكن من القلب فسد مزاجه [واشتدّ] علاجه ولم يفارقه داء ولا ينجع فيه دواء بل أعيا الأطباء ويئس من برئه الحكماء والعلماء.

وقد ورد في طول الأمل وذمه وفي التحريض على العمل والترغيب فيه ما في بعضه الكفاية وما بأقل منه يوصل إلى المقصود [مع عون] الله عز وجل. قوله: "فإن أخطاه هذا" أي فإن تجاوزه، وقوله:"نهشه هذا" أي لدغه، قوله:"وهذا أمله" الأمل [لرجاء]، يقال أمل خيره يأمله أملا وكذلك التأميل.

قوله: "خط النبي صلى الله عليه وسلم خطا مربعا وخط خارجا من الخط المربع، فقال: أتدرون ما هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: هذا الإنسان الخط المربع، وخط خارجا من الخط وهذه الخطوط إلى جانبه الأعراض تنهشه من كل مكان فإن أخطاه هذا أصابه هذا والخط المربع الأجل المحيط والخط الخارج الأمل". قال ابن بطال

(1)

: مثّل النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أمل ابن آدم وأجله وإعراض الدنيا التي لا تفارقه بالخطوط فجعل أجله الخط المحيط

(1)

شرح صحيح البخاري لابن بطال (10/ 150).

ص: 209

وجعل أمله وأعراضه خارجة عن ذلك الخط، ومعلوم في العقول أن ذلك الخط المحيط به وهو أجله أقرب إليه من الخطوط الخارجة منه ألا ترى قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أنس بن مالك فبينما هو كذلك إذ جاءه الخط الأول يريد أجله، وفي هذا تنبيه من النبي صلى الله عليه وسلم لأمته على تقصير الأمل واستشعار للأجل خوف بغتة ومن غُيّب عنه أجله فهو حريّ بتوقعه وانتظاره خشية هجومه عليه في حال غرة وغفلة ونعوذ بالله من ذلك، فليُرض المؤمن نفسه على استشعار ما نبه عليه ويجاهد أمله وهواه ويستعين بالله على ذلك فإن ابن آدم مجبول على الأمل كما قال عليه [الصلاة والسلام: لا] يزال قلب الكبير شابا على حب الدنيا وطول الأمل.

وقال الطبري

(1)

في قوله تعالى: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ}

(2)

، يعني ذر المشركين يا محمد يأكلوا في هذه الدنيا ويتمتعوا من شهواتها ولذاتها إلى أجلهم الذي أجلت لهم ويلهيهم الأمل عن الأخذ بطاعة الله تعالى فيها وتزودهم لمعادهم منها بما يقربهم لربهم فسوف يعلمون غدا إذا وردوا عليه وقد هلكوا بكفرهم بالله حين يعاينوا عذاب الله أنهم كانوا في تمتعهم بلذات الدنيا في خسار وضلال، اهـ.

5070 -

وَعَن أنس رضي الله عنه قَالَ خطّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم خطا وَقَالَ هَذَا الأَمَلُ وَخط إِلَى جنبه خطا وَقَالَ هَذَا أَجله وَخط آخر بَعيدا مِنْهُ فَقَالَ هَذَا الأمل

(1)

تفسير الطبري (ج 14 ص 5) انظر: شرح صحيح البخاري لابن بطال (10/ 150).

(2)

سورة الحجر: 3.

ص: 210

فَبَيْنَمَا هُوَ كذَلِك إِذْ جَاءَهُ الْأَقْرَب رَوَاهُ البُخَارِيّ وَاللَّفْظ لَهُ وَالنَّسَائِيّ بِنَحْوِهِ

(1)

.

5071 -

وَعنهُ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم هَذَا ابْن آدم وَهَذَا أَجله وَوضع يَده عِنْد قَفاهُ ثمَّ بسطها وَقَالَ وَثمّ أمله وَثمّ أمله رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا وَابْن مَاجَه بِنَحْوهِ

(2)

.

5072 -

وَعَن بُرَيْدَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم هَل تَدْرُونَ مَا مثل هَذِه وَهَذِه وَرمى بحصاتين قَالُوا الله وَرَسُوله أعلم قَالَ هَذَا الأمل وَذَاكَ الْأَجَل رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن غَرِيب

(3)

.

5073 -

وَعَن ابْن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم اقْتَرَبت السَّاعَة وَلَا نزداد مِنْهُم إِلَّا بعدا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَرُوَاته مُحْتَج بهم فِي الصَّحِيح وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد وَلَفظه قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم اقْترَبت السَّاعَة وَلَا يزْدَاد النَّاس على الدُّنْيَا إِلَّا حرصا وَلَا تزدادون من الله إِلَّا بعدا

(4)

.

(1)

أخرجه البخاري (6418)، والنسائي في الكبرى (11762).

(2)

أخرجه ابن ماجه (4232)، والترمذي (2334)، والنسائي في الكبرى (11762)، وابن حبان (2998). وصححه الألباني في المشكاة (5277/ التحقيق الثاني) وصحيح الترغيب (3346).

(3)

أخرجه الترمذي (2870). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (3347).

(4)

أخرجه ابن أبى الدنيا في العقوبات (286)، والدولابى في الكنى (868)، والشاشى (768)، والطبراني في الكبير (10/ 13 رقم 9787) والحاكم (4/ 323 - 324)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 242، 8/ 315)، والإسماعيلي في معجمه (206)، وتمام في فوائده (1081)، والقضاعي في مسند الشهاب (597). وصححه الحاكم وتعقبه الذهبي فقال: قلت: هذا منكر، وفيه بشير بن زاذان ضعفه الدارقطني، واتهمه ابن الجوزي. وقال =

ص: 211

5074 -

وعن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك. رواه البخاري

(1)

وغيره.

[قوله: "

" ابن مسعود، تقدم الكلام عليه رضي الله تعالى عنه، قوله صلى الله تعالى عليه وسلم: "

"، الحديث الشراك بكسر الشين وهو أحد سيور النعل، وهو الذي يكون على وجهها وعلى ظهر القدم.].

[قوله: "وهذا أمله" الأمل بفتح الميم هو ما يحدّث به الإنسان نفسه مما يدركه من أمور الدنيا ويبلغه ويحرص عليه. قاله عياض

(2)

]

(3)

.

5075 -

وَعَن سعد بن أبي وَقاص رضي الله عنه قَالَ جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله أوصني قَالَ عَلَيْك بالإياس مِمَّا فِي أَيدي النَّاس وَإِيَّاك والطمع فَإِنَّهُ الْفقر الْحَاضِر وصل صَلَاتك وَأَنت مُودع وَإِيَّاك وَمَا يعْتَذر مِنْهُ رَوَاهُ الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الزّهْد وَقَالَ الْحَاكِم وَاللَّفْظ لَهُ صَحِيح الْإِسْنَاد

(4)

.

= الهيثمي في المجمع 10/ 255: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح. وحسنه الألباني في الصحيحة (1510)، وصحيح الترغيب (3348). وضعف الألباني لفظ الحاكم في ضعيف الترغيب (1955).

(1)

صحيح البخاري (6488).

(2)

مشارق الأنوار (1/ 38).

(3)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

(4)

أخرجه الحاكم (4/ 326 - 327)، والبيهقي في الزهد (101). وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (1956) والضعيفة (3881).

ص: 212

5076 -

وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث ابْن عمر قَالَ أَتَى رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله حَدثنِي بِحَدِيث واجعله موجزا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم صل صَلَاة مُودع فَإنَّك إِن كنت لَا ترَاهُ فَإِنَّهُ يراك وايأس مِمَّا فِي أَيدي النَّاس تكن غَنِيا وَإِيَّاك وَمَا يعْتَذر مِنْهُ

(1)

.

5077 -

وروى الطَّبَرَانِيّ عَن رجل من بني النخع قَالَ سَمِعت أَبَا الدَّرْدَاء حِين حَضرته الْوَفَاة قَالَ أحدثكُم حَدِيثا سمعته من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم سمعته يَقُول اعبد الله كَأَنَّك ترَاهُ فَإِن لم تكن ترَاهُ فَإِنَّهُ يراك واعدد نَفسك فِي الْمَوْتَى وَإِيَّاك ودعوة الْمَظْلُوم فَإِنَّهَا تستجاب الحَدِيث

(2)

.

5078 -

وعن عبد الرحمن السلمي قال: نزلنا من المدائن على فرسخ، فلما جاءت الجمعة حضرنا فخطبنا حذيفة فقال: إن الله عز وجل يقول: اقتربت الساعة وانشق القمر، ألا وإن الساعة قد اقتربت، ألا وإن القمر قد انشق، ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراق، ألا وإن اليوم المضمار، وغدا السباق،

(1)

أخرجه الطبراني في الأوسط (4/ 358 رقم 4427)، والمخلص في المخلصيات (1121) و (3073)، والقضاعى (952). قال الهيثمى في المجمع 10/ 229: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه من لم أعرفهم. وحسنه الألباني في الصحيحة (1914) وصحيح الترغيب (3350).

(2)

أخرجه مسدد كما في المطالب العالية (3130/ 1)، والبيهقي في الشعب (13/ 127 - 128 رقم 10060). قال الهيثمي في المجمع 2/ 40: رواه الطبراني في الكبير والرجل الذي من النخع لم أجد من ذكره وسماه جابرا. وحسنه الألباني في الصحيحة (1474) وصحيح الترغيب (418) و (3351).

ص: 213

فقلت لأبي: أيسبق الناس غدا؟ قال: يا بني إنك لجاهل، إنما يعني: العمل اليوم والجزاء غدا، فلما جاءت الجمعة الأخرى حضرنا فخطبنا حذيفة فقال: إن الله يقول: اقتربت الساعة وانشق القمر، ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراق، ألا وإن اليوم المضمار وغدا السباق، ألا وإن الغاية النار، والسابق من سبق إلى الجنة. رواه الحاكم

(1)

وقال: صحيح الإسناد.

قوله: "وعن أبي عبد الرحمن السّلمي" هو عبد الله بن حبيب بن ربيعة السلمي الكوفي. تابعي، ولأبيه حبيب صحبة. وهو أحد أعلام التابعين وثقاتهم. صحب علي بن أبي طالب، وسمع منه، ومن عثمان بن عفان، وابن مسعود، وحذيفة، وأبي موسى، وروى عنه أبو إسحاق الهمداني، وسعيد بن عبيدة، وزيد بن عطاء، وإبراهيم النخعي، يقال: صام ثمانين رمضان. حديثه عند الكوفيين. مات سنة خمس ومائة، وله تسعون سنة قال أبو إسحاق السبيعي اقرأ القرآن في المسجد أربعين سنة وقال العجلي كوفي تابعي ثقة وقال أبو داود كان أعمى وقال النسائي ثقة وقال عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن صمت لله ثمانين رمضان قلت: ذكره البخاري في الأوسط في فصل من مات بين السبعين إلى الثمانين وقال روى عن أبيه وقال ابن أبي حاتم عن أبيه ليس تثبت روايته عن علي فقيل له سمع من عثمان قال روى

(1)

الحاكم (4/ 609). وقال: صحيح الإسناد، وأخرجه عبد الرزاق الصنعاني في المصنف (5285)، وابن أبي الدنيا في الزهد (219)، والطبري في تفسيره (27/ 86)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 280 - 281)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3352).

ص: 214

عنه ولم يذكر سماعا وقال إسحاق بن منصور عن أبي معين لم يسمع من عمر وقال البخاري في تاريخه الكبير سمع عليا وعثمان وابن مسعود وقال ابن سعد: قال محمد بن عمر: كان ثقة كثير الحديث وقال غيره عن الواقدي: شهد مع علي صفين ثم صار عثمانيًا ومات في سلطان الوليد بن عبد الملك وكان من أصحاب بن مسعود وقال ابن عبد البر هو عند جميعهم ثقة.

قوله: "نزلنا من المدائن على فرسخ" الحديث، المدائن اسم بلدة كانت دار مملكة الأكاسرة والفرسخ ثلاثة أميال هاشمية منسوبة إلى هاشم جد النبي صلى الله عليه وسلم والميل اسم لمسافة معلومة والله أعلم. قوله:"ألا إن الدنيا قد آذنت بفراق" الحديث، آذنت بمد الهمزة أي أعلمت.

5079 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا. رواه مسلم

(1)

.

قوله: "وعن أبي هريرة" تقدم. قوله صلى الله عليه وسلم: "بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلمة"، ومعنى المبادرة بالأعمال الانكماش في الأعمال الصالحة والاهتمام بها قبل وقوعها، وقطع الليل المظلمة طائفة منه وقطعة وجمع القطعة قطع أراد فتنة مظلمة سوداء تعظيما لشأنها. وفي حديث آخر: إن بين يدي الساعة أهوالا وأمورا شدادا، أي الحديث، أي أمامها وقبلها، والأهوال

(1)

صحيح مسلم (186)(118).

ص: 215

الأفزاع، والمراد بالأمور الشداد والأهوال العظام ما يحدث في آخر الزمان من الفتن والبدع وفساد الناس، قاله شارح الودعانية.

قوله في الحديث: "يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا" الحديث. معنى الحديث الحث على المبادرة إلى الأعمال الصالحة قبل تعذرها والاشتغال عنها بما يحدث من الفتن الشاغلة المتكاثرة المتراكمة كتراكم ظلام الليل المظلم لا المقمر ووصف صلى الله عليه وسلم نوعا من شدائد تلك الفتن وهو أنه يمسي مؤمنا ثم يصبح كافرا أو عكسه شك الراوي وهذا لعظم الفتن ينقلب الإنسان في اليوم الواحد هذا الانقلاب والله أعلم.

5080 -

وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بادروا بالأعمال ستا: طلوع الشمس من مغربها، أو الدخان، أو الدجال، أو الدابة، أو خاصة أحدكم، أو أمر العامة. رواه مسلم

(1)

.

قوله: "وعنه" تقدم الكلام عليه. قوله صلى الله عليه وسلم: "بادروا بالأعمال ستا طلوع الشمس من مغربها" تقدم في كتاب التوبة. قوله: "أو الدخان" فأما الدخان فقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فقال: يملأ ما بين المشرق والمغرب يمكث أربعين يوما وليلة، أما المؤمن فيصيبه كهيئة الزكام وأما الكافر فهو كالسكران يخرج من منخره وأذنيه ودبره. وعن علي رضي الله عنه أنه قال: يأتي من السماء، قاله شارح مشارق الأنوار. [وروى حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم

(2)

أن الدخان يمكث في

(1)

صحيح مسلم (128)(2947).

(2)

الدخان لعله تصحيف.

ص: 216

الأرض أربعين يوما ويحتمل أنهما دخانان للجمع بين الآثار، فروى حذيفة أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من أشراط الساعة دخانا يمكث في الأرض أربعين يوما. قال الشيخ: ويؤيد هذا في الآية: {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ}

(1)

قاله في الديباجة]

(2)

.

قوله: "أو الدجال"، والدجال هو المذكور في الحديث وهو الذي يظهر في آخر الزمان يدعي الإلهية وفعال من أبنية المبالغة أي يكثر منه الكذب والتلبيس، قاله في النهاية

(3)

. وعن أبي بكر الصديق قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الدجال يخرج من أرض بالمشرق يقال لها خراسان يتبعه أقوام كأنّ وجوههم المجان المطرقة. رواه الترمذي

(4)

وقال: حديث حسن غريب. وقد رواه عبد الله بن شوذب عن أبي التياح ولا يعرف إلا من حديثه، قاله النووي.

(1)

سورة الدخان: 12.

(2)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

(3)

النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 102).

(4)

الترمذي (2237)، وقال: وهذا حديث حسن غريب وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (38655)، وأحمد (12، 33)، وعبد بن حميد في المسند (4)، وابن ماجه (4072)، وأبو بكر المروزي في مسند أبي بكر (57)، والبزار (46: 48)، وأبو يعلى (33)، والطبراني في مسند الشاميين (1285)، والضياء في المختارة (34)، (35)، (36)، (37)، والحاكم (4/ 527)، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3403)، وفي السلسلة الصحيحة (1591).

ص: 217

خراسان إقليم عظيم معروف وهو موطن الكثير أو الأكثر من علماء المسلمين. قال أبو الفتح الهمداني، ويقال له أيضا خرسان بحذف الألف وإسكان الراء. قوله:"أو الدابة"، والدابة هي المذكورة في قوله تعالى:{وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ} ، الآية. قال المفسرون: قيل إنها دابة عظيمة طولها ستون ذراعا ذات قوائم ووبر. وقيل: هي مختلفة الخلقة تشبه عدة من الحيوانات [ينصدع]

(1)

جبل الصفا فتخرج منه ليلة جمع والناس سائرون إلى منى فهذه الدابة روي أنها تخرج من جبل الصفا بمكة، قاله عبد الله بن عمر، وكان يقول: لو شئت أن أضع قدمي على موضع خروجها لفعلت، وعن قتادة أنها تخرج من تهامة، وروي أنها تخرج من مسجد الكوفة من حيث فار تنور نوح عليه السلام، وروى بعضهم عن حذيفة بن اليمان أنها تخرج ثلاث خرجات وروي أنها دابة كثيرة الشعر. وعن ابن عمر أنها على هيئة الآدميين رأسها في السحاب وقوائمها في الأرض، وروي أنها جمعت من خلق كل حيوان، وعن عمرو بن العاصي أنها الجساسة المذكورة في حديث الدجال والجساسة بفتح الجيم وتشديد السين الأولى قيل سمت نفسها بذلك لتجسسها أخبار الدجال والفحص عنه ومنه الجاسوس، وعن ابن عباس أنها الثعبان الذي كان ببئر الكعبة فاختطفه العقاب، وقد اختلف في صورتها وفي أي موضع تخرج منه على أقوال كثيرة وليس في شيء من ذلك خبر صحيح مرفوع. وقال بعض المتأخرين من

(1)

هكذا هذه العبارة في الأصل، وفي النسخة الهندية:(تصدع).

ص: 218

المفسرين، الأقرب أن تكون هذه الدابة إنسانا متكلما يناظر أهل البدع والكفر ويجادلهم لينقطعوا فيهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة. وأما كيفية صفتها وخلقتها وبماذا تكلمهم فالله أعلم بذلك. قاله في الديباجة.

قوله صلى الله عليه وسلم: "وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم" وفي رواية من "قعرة عدن" وهكذا هو في الأصول بالهاء والقاف مضمومة ومعناه من أقصى عدن، وفي رواية من أرض الحجاز وعدن، مدينة مشهورة باليمن، قال الماوردي: سميت عدنا من العدون وهي الإقامة لأن تبعا كان يحبس فيها أصحاب الجرائم، وهذه النار الخارجة من قعر عدن واليمن هي الحاشرة الناس كما صرح به الحديث.

قال القاضي: فلعلهما ناران تجتمعان تحشران الناس أو يكون [ابتداء خروجها] من اليمن وظهورها من الحجاز، اهـ. وقيل تخرج من الحجر وقيل من أرض الطائف؛ وفي الحديث عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تخرج الدابة ومعها عصى موسى وخاتم سليمان عليهما السلام لا يدركها طالب ولا يعجزها هارب، تضرب المؤمن بالعصى وتكتب في وجهه مؤمن وتطبع الكافر [بالخاتم] وتكتب في وجهه كافرا، كذا رواه الحاكم في آخر المستدرك، وفي رواية فتسم المؤمن بين عينيه وتكتب مؤمن وتسم الكافر بين عينيه وتكتب كافر، وفي رواية معها عصى موسى وخاتم سليمان فتجلو وجه المؤمن بالعصى وتخطم أنف الكافر بالخاتم حتى أن أهل الخوان ليجتمعون فيقولون هذا يا مؤمن وهذا يا كافر.

ص: 219

وروي عن ابن الزبير أنه وصفها فقال: رأسها رأس الثور وعينها عين خنزير وأذنها أذن فيل وقرنها قرن أيل والأيل هو التيس الجبلي وصدرها صدر أسد ولونها لون نمر وخاصرتها خاصرة هر وذنبها ذنب كبش وقوائمها قوائم بعير بين كل مفصلين اثنا عشر ذراعا، وفي رواية اثنا عشر ذراعا بذراع آدم عليه السلام، وعن أبي هريرة فيها من كل لون وما بين قرنيها فرسخ للراكب. وروي لا يخرج إلا رأسها ورأسها يبلغ الحساب. وعن الحسن لا يتم خروجها إلا بعد ثلاتة أيام، وسئل النبي صلى الله عليه وسلم من أي [مكان] تخرج الدابة فقال من أعظم المساجد، يعني المسجد الحرام.

قال السدي: أنها تكلم ببطلان الأديان كلها سوى دين الإسلام. وروى السهيلي أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل ربه عز وجل أن يريه الدابة التي تكلم الناس فأخرجها الله له من الأرض فرآى منظرا هاله وأفزعه فقال أي رب ردها فردها.

وروي: أنها تخرج حين ينقطع الخير ولا يؤمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر ولا يبقى منيب ولا تائب. وفي الحديث أن الدابة وطلوع الشمس من المغرب من أول الأشراط ولم يعين الأول منهما وكذلك الدجال، وظاهر الأحاديث أن طلوع الشمس آخرها، والظاهر أن الدابة التي تخرج [هي]

(1)

واحدة، وروي أنها تخرج من كل بلد دابة مما هو [مبثوث نوعها] في الأرض وليست بواحدة فيكون قوله:{دَابَّةٍ} اسم جنس. وعن ابن عباس أنها الثعبان

(1)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

ص: 220

الذي كان في جوف الكعبة واختطفه العقاب حين أرادت قريش بناء البيت الحرام، وأن الطائر حين اختطفها ألقاها بالجون فالتقمتها الأرض فهي الدابة التي تخرج تكلم الناس وتخرج عند الصفا. وفي الميزان للذهبي عن جابر الجعفي أنه كان يقول: دابة الأرض علي بن أبي طالب، قال: وكان جابر الجعفي شيعيا يرى بالرجعة أي أن عليا يرجع إلى الدنيا، اهـ.

تنبيه: الرجعة مذهب قوم من العرب في الجاهلية معروف عندهم ومذهب طائفة من فرق المسلمين من أولي البدع والأهواء يقولون أن الميت يرجع إلى الدنيا ويكون فيها حيا كما كان ومن جملتهم طائفة من [الرافضة] يقولون أن علي بن أبي طالب مستتر في السحاب فلا يخرج مع من خرج من ولده حتى ينادي مناد من السماء اخرج مع فلان، ويشهد لهذا المذهب السوء قوله تعالى:{حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ}

(1)

الآية. يريد الكفار، نحمد الله على الهداية والإيمان. قاله في النهاية

(2)

.

قوله في الحديث: "أو خاصة أحدكم" وفي حديث آخر: "أو خويصة أحدكم" يعني الموت يعني نفسه وهو تصغير خاصة ويروى خاصة أحدكم، قيل يريد موته بهذا فسره هشام الدستوائي، وكذا قوله إن خويصة أي خاصة أي خاصة صغرها ومعناها [ههنا] أي ما يختص به، اهـ. قاله عياض

(3)

،

(1)

سورة المؤمنون: 99.

(2)

النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 202).

(3)

مشارق الأنوار على صحاح الآثار (1/ 243).

ص: 221

والصاد مشددة وسكون الياء لأن ياء التصغير لا تكون إلا ساكنة وهي التي [اختصصت] لنفسك والمراد منها حادثة الموت التي تخص المرء وصغرت لاستصغارها في جنب سائر الحوادث العظام من البعث والحساب وغيرهما، ويجوز أن يكون صغرت للتعظيم.

وقوله: يعني الموت، هو من قول هشام الدستوائي كذا في الفائق، وذكر في الميسر: لو قيل هي ما يختص به الإنسان من الشواغل المقلقة في نفسه وماله وما يهتم به فله وجه بل أوجه. وقال في النهاية

(1)

وخويصة أحدكم يريد به حادثة الموت التي تخص كل إنسان وهي تصغير خاصة وصغرت لاحتقارها في جنب ما بعدها من البعث والعرض والحساب وغير ذلك. وفي تأنيث البيت إشارة إلى أنها مصائب، ودواه ومنه حديث أم سليم وخويصتك أنس، أي الذي يختص بخدمتك وصغرته لصغر سنه يومئذ. اهـ.

قوله: "أو أمر العامة" يريد به صلى الله عليه وسلم القيامة الكبرى لأنها تعم الخلق بالموت أي بادروا بالأعمال موتَ أحدكم والقيامة. قاله في النهاية

(2)

.

وكان قتادة يقول

(3)

: إذا قال وأمر العامة قال: أي أمر الساعة، رواه مسلم من طريق زياد بن رياح بكسر الراء وبالمثناة وهو زياد بن رياح [العبسي]، وقاله البخاري بالمثناة وبالموحدة وقال الجماهير: بالمثناة لا غير، وهو تابعي ثقة

(1)

النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 37).

(2)

النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 302).

(3)

صحيح مسلم (129)(2947).

ص: 222

ذكره ابن حبان في الثقات، رواه مسلم والنسائي وابن خزيمة، اهـ.

5081 -

وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم-قال: بادروا بالأعمال سبعا: هل تنظرون إلا فقرا منسيا، أو غنى مطغيا، أو مرضا مفسدا، أو هرما مفندا أو موتا مجهزا، أو الدجال، فشر غائب ينتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمر. رواه الترمذي

(1)

من رواية محرر، ويقال: محرز بالزاي، وهو واه عن الأعرج عنه وقال: حديث حسن.

[قوله: "وعنه أيضا" تقدم. قوله صلى الله عليه وسلم: "بادروا بالأعمال سبعا هل تنتظرون إلا فقرا منسيا" الحديث، الفقر المنسي أي لشدة فقره ينسى طاعة ربه. قوله:"أو غنى مطغيا" الطغيان مجاوزة الحد وأطغاه المال إذا جعله طاغيا من البطر والغرور.

(1)

أخرجه الترمذي (2306)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه من حديث الأعرج، عن أبي هريرة، إلا من حديث محرز بن هارون. وقد روى بشر بن عمر وغيره عن محرز بن هارون هذا. وقد روى معمر هذا الحديث عمن سمع سعيد المقبري، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. وقال: تنتظرون. وأخرجه ابن أبي الدنيا في قصر الأمل (109)، والعقيلي في الضعفاء (4/ 230)، والطبراني في المعجم الأوسط (8498)، وابن عدي في الكامل (6/ 442)،، والبيهقي في شعب الإيمان (10572) والثعلبي في التفسير (9/ 170)، والمزي في تهذيب الكمال (27/ 274)، وقال العقيلي في الضعفاء (4/ 230): وقد روي هذا الحديث بغير هذا الإسناد من طريق أصلح من هذا، وقال ابن حبان في المجروحين (3/ 20): كان ممن يروي عن الأعرج ما ليس من حديثه وعن غيره ما ليس من حديث الأثبات لا تحل الرواية عنه ولا الاحتجاج به. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (2315)، والضعيفة (1666)، وضعيف الترغيب والترهيب (1957).

ص: 223

قوله: "أو مرضا مفسدا" والمرض المفسد الذي يفسد بدنه. وقوله: "أو هرما مفندا" والهرم الكبر، وقد هرم يهرم فهو هرم، والفند ضعف الرأي من الهرم، قاله الجوهري

(1)

. وقال في النهاية

(2)

: الهرم المفند من أخوات قولهم نهاره صائم، جعل المفند الهرم والفند في الأصل الكذب وأفند تكلم بالفند، ثم قالوا للشيخ إذا هرم قد أفند لأنه يتكلم بالمحرّف من الكلام عن سَنَن الصحة، وأفنده الكبر إذا أوقعه في الفند، ومنه حديث أم معبد

(3)

: لا عابس

(1)

الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (2/ 520).

(2)

النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 475).

(3)

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (4/ 48)(3605) وفي الأحاديث الطوال (30) والآجري في الشريعة (1020) والحاكم (3/ 11) واللالكائي السنة (1433) وأبو نعيم في الصحابة (2266 و 7002) وفي الدلائل (238) والبيهقي في الدلائل (1/ 277 - 280 و 281) وابن عبد البر في الإستيعاب (13/ 299 - 300) وأبو محمد البغوي في شرح السنة (3704) وفي الشمائل (456) وإسماعيل الأصبهاني في الدلائل (53) وابن عساكر في تاريخ دمشق (السيرة النبوية 1/ 280 و 282 - 284) وأبو نعيم في الصحابة (2265) والطبري في المنتخب (11/ 577 - 580) وأبو بكر الشافعي في الغيلانيات (1140) واللالكائي (1436).

والبيهقي (1/ 277 - 280) وابن عبد البر (13/ 290 - 298) وإسماعيل الأصبهاني (55 و 56) حديث أبي نصر العكبري وغيره للضياء (54) وابن الأثير في أسد الغابة (1/ 451 - 452) والعلائي في الفرائد المسموعة (ص 714 - 717) وقال العلائي: هذا حديث حسن محفوظ من رواية حزام بن هشام، والكلام على ما يتعلق بإسناده وتحقيق ألفاظه ووجوه معانيها ليس هذا موضعه، وقد كتبت ذلك كله في جزء مفرد، وبالله التوفيق. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 58) رواه الطبراني، وفي إسناده جماعة لم =

ص: 224

ولا مفند، أي لا فائدة في كلامه لكبر أصابه، اهـ. [والمفند] الكلام المنحرف لأنه إذا هرم تكلم على غير سنين الصحة.

قوله: "أو موتا مجهزا" أي موتا سريعا [بغرق] أو هدم، يقال: أجهز عليه الجرح يجهز إذا أسرع قتله [وخوره]. قوله: "والدجال فشر غائب ينتظر" تقدم الكلام على الدجال في الحديث قبله وسيأتي الكلام عليه أيضا مبسوطا. قوله: "أو الساعة فالساعة أدهى وأمر"، أي علامة الساعة أدهى [إذ هي] أشق [أي] أعظم بلية وأمرّ من عذاب الدنيا، والمراد من هذا أن هذه الأشياء كلها تعوق عن الأعمال فبعضها يشغل عنه أما في خاصة الإنسان كفقره وغناه ومرضه وهرمه وموته وبعضها عام كقيام الساعة وخروج الدخال وكذا الفتن المزعجة كما جاء في حديث آخر

(1)

: "بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم"، وبعض هذه الأمور العامة لا ينفع بعدها عمل كما قال تعالى:{يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا}

(2)

الآية. قاله ابن رجب

(3)

، فهذا الحديث يقتضي إنهاض الهمم إلى معاملة الله والحث على المبادرة إلى طاعته ومسابقة العوارض والقواطع قبل ورودها، قاله ابن عطاء الله، وقال

= أعرفهم. الغريبين في القرآن والحديث (5/ 1477) وفي حديث أم معبد: (لا عابس ولا مفند) قال ابن الأنباري: هو الذي لا فائدة في كلامه لخرف أصابه.

(1)

صحيح مسلم (186)(118) عن أبي هريرة.

(2)

سورة الأنعام، الآية:158.

(3)

جامع العلوم والحكم (1/ 385).

ص: 225

بعضهم معنى الحديث: يقول الرجل في الدنيا واقع في الحالات المذكورات وبعد ما هو أشد وأمر وهو الساعة الموعودة، فالسعيد من اشتغل بأداء فرائضه وسننه قبل [وقوع وقعته]

(1)

. ومن أشراط الساعة أيضا إذا وسد الأمر إلى غير أهله أي أسند وجعل إليه وقلدوه يعني الإمارة يعني إذا سُوِّد وشُرف غير المستحق للسيادة والشرف وقيل هو من الوسادة أي إذا وضعت وسادة الملك والأمر والنهي لغير مستحقيها وتكون إلى بمعنى اللام. قاله في النهاية

(2)

. زمنها تقارب الزمان، قيل تقارب الزمان استواء ليله ونهاره في وقت الاعتدال فعبر بالزمان عن ذلك لأنه وقت من السنة معلوم وأهل العبادة [يقولون:] تقارب أمر انقضاء الدنيا ودنت الساعة وهو أولى لقوله في حديث آخر [وتقدم:] إذا كان آخر الزمان، وقد يتناول هذا على زمن الخريف، وفي أشراط الساعة تقارب الزمان حتى تكون السنة كالشهر، فقيل المراد ظاهره أي تقصر مدته وقيل لطييه، وفي الحديث: يتقارب الزمان وتكثر الفتن، قيل على ظاهره [بقرب] الساعة، وقيل المراد أهل الزمان تقصر أعمارهم وقيل هو تقارب أهله وتساويهم في الأحوال [والأخلاق السيئة] والتمادي على الباطل، ومنها

(3)

: لا يأتي عليكم عام إلا والذي بعده شر منه،

(1)

حصل تأخير لهذه الصحيفة في النسخة الهندية، وأدرجت بعد قوله:(البخس ما يأخذه الولاة باسم العشر والمكوس يتأولون فيه الزكاة والصدقة).

(2)

النهاية في غريب الحديث والأثر (5/ 183).

(3)

صحيح البخاري (7068).

ص: 226

سئل الحسن عنه فقال

(1)

: ما بال زمن عمر بن عبد العزيز بعد زمان الحجاج، فقال: لا بد من للناس من تنفيس [يعني أن الله تعالى ينفس عن عباده وقتا ما ويكشف البلاء عنهم، وفيه أنّ لهذا القرآن شرة، ثم للناس عنه فترة. الشرة: النشاط والرغبة

(2)

، ومنه الحديث الآخر

(3)

: لكل عابد شرة، ومنها

(4)

: "لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع" يعني لئيم بن لئيم، ولكع بضم اللام وفتح الكاف، ويراد بلكع الذمّ أيضا]. ومنها

(5)

: يأتي على الناس زمان [يستحل] فيه [الربا] بالبيع والخمر [بالنبيذ] والبخس بالزكاة، البخس ما يأخذه الولاة باسم العشر والمكوس يتأولون فيه الزكاة والصدقة. قوله في الكلام على الحديث: رواه الترمذي من رواية محرر بن هارون، ومحرر براءين مهملتين، وسماه ابن أبي حاتم محرز بزاي وهو واه، عن

(1)

فتح الباري (13/ 21)، والنهاية في غريب الأثر (2/ 458).

(2)

النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 458).

(3)

أخرجه أحمد (6764 - 6477)، والنسائي في المجتبى (4/ 209)، والكبرى (2696) ابن خزيمة (2105)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (1237)، وفي شرح معاني الآثار (2/ 87) وابن حبان (11)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 285 - 286). وأخرجه البخاري (5052) دون قوله: لكل عابد شرة.

(4)

أخرجه أحمد (23303)، والترمذي (2209)، وقال. هذا حديث حسن، والبيهقي في دلائل النبوة 6/ 392، والبغوي (4154) من حديث حذيفة بن اليمان، وصححه الألباني في صحيح الجامع (7431).

(5)

أخرجه الديلمي في الفردوس (444)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (2262)، والضعيفة (2372): موضوع.

ص: 227

الأعرج، والأعرج اسمه عبد الرحمن بن هرمز الأعرج تابعى مدنى قريشى، مولى ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، ويقال: مولى عمر بن ربيعة. سمع أبا هريرة، وأبا سعيد، وابن بحينة، وسمع جماعة من التابعين. روى عنه الزهري، ويحيى الأنصارى، ويحيى بن أبى كثير، ومحمد بن يحيى بن حبان، وأبو الزناد، وهو مكثر عنه. واتفقوا على توثيقه. قال ابن سعد: كان ثقة، كثير الحديث، توفى بالإسكندرية سنة سبع عشرة ومائة. وقيل: سنة عشر، والصحيح الأول.

5082 -

وروي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أيها الناس توبوا إلى الله قبل أن تموتوا وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا، وصلوا الذي بينكم وبين ربكم بكثرة ذكركم له وكثرة الصدقة في السر والعلانية ترزقوا وتنصروا وتجبروا. رواه ابن ماجه

(1)

.

(1)

سنن ابن ماجه (1081)، وأخرجه عبد بن حميد (1136)، وابن عدي في الكامل (6/ 497)، وأبو يعلى (1856)، والبيهقي، (3/ 171)، وقال ابن أبي حاتم في العلل (1878): قال أبي: هذا حديث منكر. قلت لأبي: فما حال عبد الله بن محمد العدوي. قال: شيخ مجهول. قال أبي: وحدثنا عبد الله بن صالح بن مسلم، عن الوليد بن بكير، عن عبد الله بن محمد العدوي، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب، عن جابر بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بهذا الحديث. قلت: ما حال الوليد. قال: شيخ. قال الزيلعي في تخريج أحاديث الكشاف (4/ 24) وكذلك رواه البيهقي في شعب الإيمان وأبو نعيم في الحلية في ترجمة بشر الأمي والدارقطني في علله ورواه ابن عدي في الكامل وأسند إلى وكيع أنه قال عبد الله بن محمد العدوي يضع الحديث وإلى البخاري أنه قال منكر الحديث ووافقهم وقال إن هذا الحديث معروف به انتهي وقال ابن حبان منكر الحديث جدا على قلة روايته لا =

ص: 228

قوله: "وروي عن جابر بن عبد الله" تقدم الكلام على مناقبه، قوله:"بادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا" الحديث، تقدم الكلام عليه في كتاب الجمعة.

5083 -

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه: اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك. رواه الحاكم

(1)

وقال:

= يحل الاحتجاج بخبره ثم ذكر له هذا الحديث قال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 129) هذا إسناد ضعيف لضعف علي بن زيد بن جدعان وعبد الله بن محمد العدوي وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (444)، وضعيف الجامع الصغير وزيادته (1081، 6386).

(1)

أخرجه الحاكم (4/ 306) وقال: صحيح على شرط الشيخين وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3355)، وصحيح الجامع الصغير وزيادته (1077)، وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (7/ 392) رواه الحاكم وقال: صحيح على شرطهما، وأخرجه ابن أبي الدنيا في قصر الأمل (111)، ومن طريقه البيهقي في شعب الإيمان (9767)، وقال: هكذا وجدته في كتاب قصر الأمل، وكذلك رواه غيره، عن ابن أبي الدنيا وهو غلط، وإنما المعروف بهذا الإسناد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ وأما المتن الأول فعبد الله بن المبارك إنما رواه في كتاب الرقاق عن جعفر بن برقان، عن زياد بن الجراح، عن عمرو بن ميمون الأودي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه: اغتنم خمسا قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك فذكره عقيب الحديث الذي رواه عن عبد الله بن سعيد باللفظ المعروف: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس.

ص: 229

صحيح على شرطهما.

قوله: "وعن ابن عباس" تقدم الكلام عليه.

قوله: "اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك" الحديث، الهرم هو الكبر تقدم الكلام عليه، قوله:"وصحتك قبل سقمك" السقم المرض، يعني اغتنم الأعمال الصالحة في الصحة قبل أن يحول بينك وبينها [السقم، قوله صلى الله تعالى عليه وسلم: "

" يعني اغتم الأعمال الصالحة قبل أن يحول بينك وبينها الموت]، وفي الحديث أيضا: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ، أي لا يعرف قدرهما كثير من الناس، يعني لا يعملون في حال الصحة والفراغ من الأعمال الصالحة ما يحتاجون إليه في معادهم حتى تتبدل الصحة بالمرض والفراغ بالاشتغال فحينئذ يندمون على تضييع أعمالهم ولا ينفعهم الندم، اهـ.

5084 -

وعن شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله. رواه ابن ماجه

(1)

والترمذي

(2)

، وقال: حديث حسن.

(1)

أخرجه ابن ماجه (4260) وأخرجه ابن المبارك في الزهد (171)، وأحمد (4/ 124) وفي الزهد (ص 472) وابنه في زيادات الزهد (1/ 69)، وابن أبي الدنيا في محاسبة النفس (1) والبزار (3489)، والطبراني في الكبير (7143) وفي مسند الشاميين (1485) وابن عدي (2/ 472) والحاكم (1/ 57 و 4/ 251) وأبو نعيم في الحلية (1/ 267 و 8/ 174) والبيهقي في الشعب (10062) وفي السنن (3/ 369) والقضاعي (185) والخطيب في التاريخ (12/ 50) والبغوي في شرح السنة (4116)، (4117)، وابن عساكر في معجم الشيوخ (354)، وقال الحاكم في الموضع الأول: صحيح على شرط البخاري وتعقبه الذهبي فقال: قلت: لا والله أبو بكر واه، وقال في الموضع الثاني: صحيح الإسناد وذكر الزيلعي في تخريج الأحاديث والآثار (3/ 176): وقال قال ابن طاهر وهو حديث مداره على أبي بكر بن أبي مريم وهو ضعيف. وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (5319)، وضعيف الترغيب والترهيب (1959)، ومشكاة المصابيح (5289)، وضعيف سنن الترمذي (436).

(2)

أخرجه الترمذي (2459) وقال الترمذي: هذا حديث حسن.

ص: 230

قوله: "وعن شداد بن أوس" تقدم الكلام عليه. قوله: "الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت" الحديث، والكيس العاقل، ودان نفسه، قال أبو عبيد

(1)

: دان نفسه أي [أذلها أي قهرها واستعبدها]، يقال دنت القوم أدينهم إذا فعلت ذلك بهم، والمراد ذل النفس وتواضعها وانقيادها لصحابها إلى كل خير وتكرها التجبر والتكبر والعزة والأخلاق الردية، وقيل حاسبها. قاله في النهاية

(2)

.

وقال في شرح السنة

(3)

: معناه أنه يحاسب نفسه في الدنيا قبل أن يحاسب في الآخرة. قال عمر رضي الله عنه: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وتزينوا للعرض الأكبر وإنما يخف الحساب يوم القيامة على من يحاسب نفسه في الدنيا. ويروى عن ميمون بن مهران

(4)

أنه قال: لا يكون العبد تقيا حتى يحاسب

(1)

غريب الحديث لابن سلام (3/ 135).

(2)

النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 148).

(3)

البغوي في شرح السنة (14/ 309).

(4)

علقه الترمذي عقب (2459).

ص: 231

نفسه كما يحاسب شريكه من أين مطعمه وملبسه، اهـ.

قوله صلى الله عليه وسلم: "والعاجز من أتبع نفسه هواها" الحديث، والعاجز ضد الكيس وهو الأحمق والعاجز المقصر في الأمور فهو مع تقصيره في طاعة ربه واتباع شهوات نفسه متمن على الله أن يغفر له وهذا هو الاغترار فإن الله تعالى أمره ونهاه.

قال الحسن يعني البصري

(1)

: إن أقواما ألهتهم الأماني حتى خرجوا من الدنيا وما لهم حسنة، ويقول أحدهم: إني أحسن الظن بربي وكذب، لو أحسن الظن لأحسن العمل، وتلى قوله تعالى:{وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ}

(2)

الآية، وقال سعيد بن جبير: الغرّة بالله أن يتمادى الرجل بالمعصية ويتمنى على الله المغفرة والله أعلم، ذكره القرطبي في "التذكرة"

(3)

.

5085 -

وعن مصعب بن سعد عن أبيه، قال الأعمش: ولا أعلمه إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: التؤدة في كل شيء خير إلا في عمل الآخرة. رواه أبو داود

(4)

(1)

تفسير القرطبي (15/ 353).

(2)

سورة فصلت: 23.

(3)

تفسير القرطبي (14/ 323).

(4)

أخرجه أبو داود (4810)، ومن طريقه البيهقي في الزهد الكبير (715)، والدورقي في مسند سعد (69)، وأبو يعلى (792). وأخرجه موقوفا، عن عمر: وكيع، في الزهد (261)، وابن أبي شيبة في المصنف (35619)، وأحمد في الزهد (ص 119) عن مالك بن الحارث قال: قال عمر رضي الله عنه: التؤدة في كل شيء خير إلا ما كان من أمر الآخرة.

ص: 232

والحاكم

(1)

والبيهقي

(2)

، وقال الحاكم: صحيح على شرطهما.

[قال الحافظ]: لم يذكر الأعمش فيه من حدثه، ولم يجزم برفعه.

[التؤدة] بفتح المثناة فوق وبعدها همزة مضمومة ثم دال مهملة مفتوحة وتاء تأنيث هي التأني والتثبت وعدم العجلة.

قوله: "وعن مصعب بن سعد عن أبيه" هو مصعب بن سعد بن أبى وقاص الزهري، وهو مدنى سمع أباه، وعلى بن أبى طالب، وابن عمر. روى عنه مجاهد، وأبو إسحاق السبيعي، وعبد الملك بن عمير، وآخرون. واتفقوا على توثيقه. قال ابن سعد: كان ثقة، كثير الحديث. توفى سنة ثلاث ومائة

(3)

.

قوله: "قال الأعمش: ولا أعلمه إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" الأعمش اسمه كذا قوله صلى الله عليه وسلم: "التؤدة في كل شيء خير إلا في عمل الآخرة" الحديث. التؤدة هي التأني والتثبت وعدم العجلة. قاله الحافظ، ومعنى الحديث أن التأني في

(1)

الحاكم (1/ 132)، قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي قلت: إنه على شرط مسلم لأن مالك بن الحارث ليس من رجال البخاري.، وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (7/ 452) رواه مسدد موقوفا بسند صحيح. وله شاهد مرفوع من حديث سعد بن أبي وقاص رواه أبو داود في سننه والحاكم وصححه والبيهقي. وصححه الألباني في صحيح الجامع (3009)، والصحيحة (1794). صحيح الترغيب والترهيب (3356).

(2)

أخرجه البيهقي في الكبرى (10/ 194)، وفي الزهد الكبير (714)، وفي شعب الإيمان (8054).

(3)

تهذيب الأسماء واللغات (2/ 96).

ص: 233

كل شيء مستحسن إلا في عمل الآخرة.

قال حاتم الأصم: العجلة من الشيطان إلا في خمسة مواضع فإنها من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم: إطعام الطعام في حق الضيف قد قيل في قوله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ}

(1)

أن إكرامهم كان بتعجيل الطعام لهم وتجهيز الميت وتزويج البكر وقضاء الدين والتوبة من الذنب، والله أعلم.

5086 -

وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من أحد يموت إلا ندم. قالوا: وما ندامته يا رسول الله؟ قال: إن كان محسنا ندم أن لا يكون ازداد، وإن كان مسيئا ندم أن لا يكون نزع. رواه الترمذي

(2)

والبيهقي في الزهد

(3)

.

قوله: "وروي عن أبي هريرة" تقدم الكلام على مناقبه. قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من أحد يموت إلا ندم، قالوا: وما ندامته يا رسول الله؟ قال: إن كان محسنا ندم

(1)

سورة الذاريات: 24.

(2)

أخرجه الترمذي (2403)، وقال أبو عيسى الترمذي: هذا حديث إنما نعرفه من هذا الوجه، ويحيى بن عبيد الله قد تكلم فيه شعبة، وهو يحيى بن عبيد الله بن موهب، مدني.

(3)

الزهد الكبير للبيهقي (716)، والحديث؛ أخرجه ابن المبارك في الزهد (33)، وابن عدي في الكامل (9/ 34)، والبغوي (4309)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 178)، وقال: غريب من حديث يحيى لم نكتبه إلا من حديث ابن المبارك وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (5146)، وضعيف الترغيب والترهيب (1960)، وضعيف سنن الترمذي (ص: 270) (ضعيف جدا)، والمشكاة (5545).

ص: 234

أن لا يكون ازداد وإن كان مسيئا ندم أن لا يكون نزع"، وفي حديث آخر

(1)

: ندم أن لا يكون استعتب، الحديث. إذا كان المحسن يندم عند موته على ترك الزيادة فكيف يكون حال المسيء؟ غاية أمنيّة الموتى في قبورهم حياة ساعة يستدركون بها ما فاتهم من توبة وعمل صالح وأهل الدنيا يفرطون في حياتهم فتذهب أعمارهم في الغفلة [ضياعا]، ومنهم من يقطعها بالمعاصي. قال بعض السلف: أصبحتم في أمنية ناس كثير، يعني أن الموتى كلهم يتمنون حياة ساعة ليتوبا فيها ويجتهدوا في الطاعة، ولا سبيل لهم إلى ذلك. شعر:

لو قيل لقوم ما مناكم طلبوا

حياة يوم ليتوبوا فاعلم

ويحك يا نفس ألا تيقظ يقع

قبل أن تزل قدمي

مضى الزمان في توان وهوى

فاستدركي ما قد بقي واغتنمي

فإذا كان الأمر على هذا [فيتيعن] على المؤمن اغتنام ما بقي من عمره، ولهذا قيل إن بقية عمر المؤمن لا قيمة له. وقال سعيد بن جبير

(2)

كل يوم يعيشه المؤمن [غنيمة]. وقال بكر المزني

(3)

: ما من يوم أخرجه الله إلى الدنيا إلا يقول ابن آدم اغتنمني لعله لا ليلة لك بعدي. ولمحمود الوراق:

مضى أمسك الماضي شهيدا معدلا

وأعقبه يوما عليك جديد

فإن كنت بالأمس اقترفت إساءة

فثَنِّ بإحسان وأنت حميد

(1)

انظر: جامع العلوم والحكم (2/ 54).

(2)

قصر الأمل (145)، وحلية الأولياء (4/ 276).

(3)

الزهد لابن أبي الدنيا (ص 453)، وجامع العلوم والحكم (1/ 386).

ص: 235

فيومك إن اغتنمته عاد نفسه

عليك وماضٍ بالأمس ليس يعود

ولا ترج فعل الخير يوما إلى غد

لعل غدا يأتي وأنت فقيد

وتقدم معنى قوله نزع وهو مذكور في الاستغفار. وأما قوله: "ندم أن لا يكون استعتب" أي رجع عن الإساءة وطلب الرضى واستعتب طلب أن يرضى عنه كما تقول استرضيته فأرضاني ومنه الحديث ولا بعد الموت مستعتب أي بعد الموت من استرضاء لأن الأعمال بطلت وانقضى زمانها وما بعد الموت دار جزاء لا دار عمل اهـ. [ومنه] الحديث لا يعاتبون في أنفسهم، يعني لعظم ذنوبهم وإصرارهم عليها، وإنما يعاتب من [ترجى] عنده العتبى أي الرجوع عن الذنب والإساءة، وذلك لا يحصل إلا بالتوبة. فقوله:"فإن كان مسيئا فلعله أن يستعتب" أي يطلب العتبى وذلك لا يحصل إلا بالتوبة والرجوع عن الذنب فقد قال الله تعالى [في حق الكافرين]: {وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ}

(1)

، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لك العتبى حتى ترضى.

5087 -

وَعَن أنس رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذا أَرَادَ الله بِعَبْد خيرا اسْتَعْملهُ قيل كَيفَ يَسْتَعْمِلهُ قَالَ يوفقه لعمل صَالح قبل الْمَوْت رَوَاهُ الْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرطهمَا.

5088 -

وعن عمرو بن الحمق رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أحب الله عبدا عسله. قالوا: ما عسله يا رسول الله؟ قال: يوفق له عملا صالحا بين

(1)

سورة فصلت: 24.

ص: 236

يدي رحلته يرضى عنه جيرانه، أو قال: من حوله رواه ابن حبان في صحيحه

(1)

والحاكم

(2)

والبيهقي

(3)

من طريقه وغيرهما.

[عسله] بفتح العين والسين المهملتين من العسل: وهو طيب الثناء، وقال بعضهم: هذا مثل، أي وفقه الله لعمل صالح يتحفه به كما يتحف الرجل أخاه إذا أطعمه العسل.

قوله: "وعن عمرو بن الحمق" هو عمرو بن الحمق بن الكاهن بن حبيب بن عمرو بن القين بن رزاح بن عمرو بن سعد بن كعب بن عمرو بن ربيعة الخزاعي هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد الحديبية، وقيل: بل أسلم عام حجة الوداع، والأول أصح، صحب النبي صلى الله عليه وسلم وحفظ عنه أحاديث، وسكن الكوفة، وانتقل إلى مصر، قاله أبو نعيم، وقال أبو عمر: سكن الشام، ثم انتقل إلى الكوفة فسكنها، والصحيح أنه انتقل من مصر إلى الكوفة، روى عنه:

(1)

ابن حبان (343)، وأخرجه ابن أبي شيبة في المسند (862)، وأحمد (17217 - 21949)، وعبد بن حميد (481)، وابن أبي عاصم في الأحاد والمثاني (2341)، (2342)، والبزار= البحر الزخار (2309)، (2310)، والطبراني في المعجم الأوسط (3298)، وفي مسند الشاميين (183، 1152، 3526)، (2026)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (2640 - 2641)، والخرائطي مكارم الأخلاق (263)، وأبو نعيم معرفة الصحابة (4898 - 5044 - 5045)، والقضاعي في مسند الشهاب (1390)، وابن الأثير في أسد الغابة (4/ 155)، وضعفه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3358).

(2)

المستدرك للحاكم (1/ 490).

(3)

البيهقي في الزهد (814)، وفي الأسماء والصفات (313)، وفي القضاء والقدر (163).

ص: 237

جبير بن نفير، ورفاعة بن شداد القتباني، وغيرهما

(1)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أحب الله عبدا عسله. قالوا: وما عسله يا رسول الله؟ قال: يوفق له عملا صالحا" الحديث. عسله بفتح العين والسين المهملتين وهو طيب الثناء مأخوذ من العسل، يقال عسل الطعام يعسله إذا جعل فيه العسل شبه ما رزقه الله من العمل الصالح الذي طاب به ذكره بين قومه بالعسل الذي يجعل في الطعام فيحلو به ويطيب، ومنه الحديث: إذا أراد الله بعبد خيرا عسله في الناس. أي طيب ثناءه فيهم. وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال

(2)

لامرأة رفاعة القرظي: حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك. شبه لذة الجماع بذوق العسل، فاستعار لها ذوقا.

وقال ابن قتيبة

(3)

: تقول عسلت الطعام أعسِله وأعسُله إذا جعلت فيه العسل، وكذلك سمنته أسمُنه بالضم لا غير إذا جعلت فيه السمن، فهو طعام مربوب ومسمون إذا جعل فيه ذلك، والمعنى والله أعلم [عسله] جعل فيه كالعسل من العمل الصالح كما يعسل الطعام إذا جعل فيه العسل، اهـ. وقال بعضهم: هذا مثل، أي يوفقه الله لعمل صالح يتحفه به كما يتحف الرجل أخاه بالعسل إذا أطعمه، والله تعالى أعلم.

(1)

أسد الغابة (4/ 205).

(2)

صحيح البخاري (2639)، وصحيح مسلم (111)(1433).

(3)

غريب الحديث لابن قتيبة (1/ 302).

ص: 238

5089 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغ ستين سنة. رواه البخاري

(1)

.

قوله: "وعن أبي هريرة" تقدم الكلام على مناقبه، قوله:"أعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغ ستين سنة" الحديث، قال البخاري في باب من بلغ الستين فقد أعذر، لقوله تعالى:{أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ}

(2)

، يعني الشيب، ثم روى الحديث المتقدم: أعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغ ستين سنة. قال ابن بطال

(3)

: قال علي وابن عباس وأبو هريرة: العمر الذي يتذكر فيه من تذكر [ستون] سنة. قال النووي في رياضه

(4)

: قال العلماء معناه لم يترك له [عذرا] إذا أمهله هذه المدة، اهـ. وقال بعض العلماء أيضا: يريد والله أعلم قطع معذرته إن اعتذر بجهل لأنه عمر ما يجوز أن يعلم فيه [ويعمل]

(5)

. وقال ابن الأثير

(6)

: أي لم يبق فيه موضعا للاعتذار حيث أمهله طول هذه المدة ولم يعتذر. يقال: أعذر الرجل إذا بلغ أقصى الغاية في العذر، اهـ. ومنه يقال: أعذر من أنذر.

(1)

صحيح البخاري (6419).

(2)

سورة فاطر: 37.

(3)

شرح صحيح البخاري لابن بطال (10/ 152).

(4)

رياض الصالحين (ص: 57).

(5)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

(6)

النهاية في غريب الحديث والأتر (3/ 196).

ص: 239

5090 -

وعن سهل مرفوعا: من عمر من أمتي سبعين فقد أعذر الله إليه في العمر. رواه الحاكم

(1)

وقال: صحيح على شرطهما.

[قوله: "وعن سهل" كذا قوله صلى الله عليه وسلم: "من عمّر من أمتي سبعين سنة فقد أعذر الله إليه في العمر" تقدم معنى أعذر الله إليه في العمر في الحديث قبله]

(2)

. وقال بعضهم أيضا أعذر الله إلى امرئ: أي أظهر حجته عليه ولم يبق له عذرا يتمسك به، اهـ. وقال بعضهم أيضا: أي أعذر الله غاية الإعذار لأن الستين قريب من معترك المنايا وهي سن الإنابة والخشوع والاستسلام لله تعالى وترقب المنية ولقاء الله سبحانه وتعالى فهذا إعذار بعد إعذار في عمر ابن آدم لطفا من الله تعالى بعباده حين نقلهم من حالة الجهل

(1)

أخرجه الحاكم (2/ 428)، وأخرجه إسحاق في مسنده -كما في المطالب العالية (3114)، وابن منده في التوحيد (103)، والروياني في مسنده (1051)، والطبراني في معجمه الكبير (6/ 183/ 5933)، وأبو نعيم في حلية الأولياء (6/ 265)، والقضاعي في مسند الشهاب (423) وعند الروياني وفي حلية الأولياء: عن سهل بن سعد أو غيره رفعه، وقال ابن حجر: وهذا إسناد صحيح، ولكن له علة، رواه غير واحد عن أبي حازم، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه ومن هذا الوجه علقه البخاري، فإن كان حماد بن زيد حفظه فيحتمل على أن يكون سمعه من وجهين. وقال ابن حجر في تغليق التعليق (5/ 160): رواه الحاكم في المستدرك من طريقه وصححه على شرط الشيخين وهو كما قال لأن علته غير قادحة. وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (7/ 123): رواه إسحاق والروياني بإسناد صحيح، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3360)، وفي صحيح الجامع (6397).

(2)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

ص: 240

إلى حالة العلم وأعذر إليهم مرة بعد أخرى ولم يعاقبهم إلا بعد الحجج الظاهرة وإن كانوا قد جبلوا على حب الدنيا وطول الأمل فلم يتركهم مهملين دون إعذار وتنبيه وأكبر الإعذار إلى بني آدم بعثة الرسل إليهم [والخلف و] السلف في النذير، فقيل محمد صلى الله عليه وسلم، قاله علي.

وعن ابن عباس أنه الشيب، وحجة الأول أن الله بعث الرسل مبشرين ومنذرين إلى عباده قطعا لحجتهم بقوله [تعالى:] {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}

(1)

، فأعذر الله سبحانه وتعالى إلى عباده ثلاث مرات: الأولى ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم، والمرتان في الأربعين وفي الستين لتتم حجته عليهم وهذا أصل الإعذار من الحاكم إلى المحكوم عليه مرة بعد أخرى، اهـ، قاله في الديباجة.

5090 -

م- وعن سهل مرفوعا: من عمر من أمتي سبعين فقد أعذر الله إليه في العمر. رواه الحاكم وقال: صحيح على شرطهما.

قوله: "وعن سهل" هو أبو العباس، وقيل: أبو يحيى سهل بن سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة بن حارثة بن عمرو بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج الأنصارى الساعدى المدنى، كان اسمه حزنا، فسماه النبى صلى الله عليه وسلم سهلا. شهد سهل قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في المتلاعنين، قال الزهري: سمع من النبى صلى الله عليه وسلم، وكان له يوم وفاة النبى صلى الله عليه وسلم خمس عشرة سنة. وتوفى بالمدينة سنة ثمان وثمانين، وقيل: سنة إحدى وتسعين. قال ابن سعد: هو آخر من مات من

(1)

سورة الإسراء، الآية:15.

ص: 241

أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ليس فيه خلاف. وقال غيره: بل فيه خلاف. روى له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة حديث وثمانية وثمانون حديثا، اتفقا على ثمانية وعشرين، وانفرد البخاري بأحد عشر. روى عنه الزهري، وأبو حاتم، وغيره

(1)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من عمّر من أمتي سبعين سنة فقد أعذر الله إليه في العمر" تقدم معنى أعذر الله إليه في العمر في الحديث قبله، وفي الترمذي: أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وأقلهم من يجوز ذلك، وفي رواية حصاد أمتي من بلغ الخمسين فقد تنصف المائة فماذا ينتظر. شعر:

لهفي على خمسين عاما مضت

كانت أمامي ثم خلفتها

لو كان عمري مائة هدّني

تذكري أني تنصفتها

في بعض الكتب السالفة

(2)

أن لله مناديا ينادي كل يوم أبناء الخمسين زرع دنا حصاده، أبناء الستين هلموا إلى الحساب، أبناء السبعين ماذا قدمتم وماذا أخرتم، أبناء الثمانين لا عذر لكم. وفي حديث مرفوع

(3)

إن لكل شيء حصادا وحصاد أمتي ما بين الستين إلى السبعين:

وما حالاتنا إلا ثلاث

شباب ثم شيب ثم موت

وآخر ما يسمى المرء شيخا

ويتلوه من الأسماء ميت

وقال وهيب

(4)

: إن لله مناديا ينادي في السماء الرابعة كل صباح أبناء

(1)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 238).

(2)

حلية الأولياء (ج 8 ص 158) عن وهب بن منبه.

(3)

لطائف المعارف لابن رجب (ص: 102).

(4)

حلية الأولياء (ج 8 ص 158) عن وهب بن منبه.

ص: 242

الأربعين زرع دنا حصاده، أبناء الخمسين ماذا قدمتم وماذا أخرتم؟ أبناء الستين لا عذر لكم. وفي حديث أن الله تعالى يقول للحفظة ارفقوا بعبدي ما دامت حداثته فإذا بلغ الأربعين حقّقا وتحفظا فكان بعض روايته يبكي عند روايته ويقول: حين كبرت السنّ ورقّ العظم وقع التحفظ. وقال مسروق: إذا أتتك الأربعون فخذ حذرك. قال النخعي

(1)

كان يقال لصاحب الأربعين احتفظ بنفسك، وكان كثير من السلف إذا بلغ الأربعين تفرغ للعبادة، اهـ. قاله ابن رجب الحنبلي في كتابه اللطائف

(2)

.

5091 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَلا أنبئكم بِخَيْرِكُمْ قَالُوا نعم قَالَ خياركم أطولكم أعمارا وَأَحْسَنُكُمْ أعمالا. رَوَاهُ أَحْمد وَرُوَاته رُوَاة الصَّحِيح وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْبَيْهَقِيّ

(3)

. وَرَوَاهُ الْحَاكِم من حَدِيث جَابر وَقَالَ صَحِيح على شَرطهمَا

(4)

.

5092 -

وعن أبي بكرة رضي الله عنه أن رجلا قال: يا رسول الله: أي الناس خير؟ قال: من طال عمره وحسن عمله. قال: فأي الناس شر؟ قال: من طال عمره

(1)

الطبقات الكبرى (6/ 277).

(2)

لطائف المعارف لابن رجب (ص: 202).

(3)

أخرجه أحمد 2/ 235 (7212) و 2/ 403 (9235)، وابن حبان (484) و (2981)، والبيهقي في الكبرى (3/ 520 رقم 6528). وصححه الألباني في الصحيحة (1298) وصحيح الترغيب (2651) و (3361).

(4)

أخرجه عبد بن حميد (1084)، والحاكم (1/ 339). وصححه الألباني في الصحيحة (1298) وصحيح الترغيب (3362).

ص: 243

وساء عمله. رواه الترمذي

(1)

وقال: حديث حسن صحيح، والطبراني

(2)

بإسناد صحيح والحاكم

(3)

والبيهقي في الزهد

(4)

وغيره.

قوله: "وعن أبي بكرة" أبو بكرة اسمه نفيع مصغر النفع، وكني به لأنه تدلى من حصن الطائف إلى النبي صلى الله عليه وسلم ببكرة وكان أسلم في الحصن وعجز عن الخروج منه إلا بهذا الطريق وتسور الحائط أي تسلقه. قاله الكرماني

(5)

.

وتقدم الكلام على مناقبه مبسوطا في غير ما موضع من هذا التعليق. قوله صلى الله عليه وسلم: "خيركم من طال عمره وحسن عمله" الحديث، وهذان قسمان من

(1)

الترمذي (2330)، وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأخرجه الطيالسي (864)، وأحمد (20415 - 20443 - 20444 - 20480 - 20481 - 20482 - 20491 - 20492 - 20500 - 20501 - 20504)، والدارِمِي (2784)، (2785)، والبزار= البحر الزخار (3623)، وأبو بكر الشافعي في كتاب الفوائد (الغيلانيات)(452)، وابن عبد البر في التمهيد (20/ 252)، والبغوي في شرح السنة (4094)، وقال البزار: وهذا الحديث قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه وهذا من أحسن الأسانيد التي تروى في ذلك إن شاء الله.

(2)

الطبراني في المعجم الأوسط (5449)، وفي معجمه الصغير (818).

(3)

الحاكم في المستدرك (1/ 339)، وعنه أخرجه البيهقي في الكبرى (3/ 371)، وفي الزهد (627، 628). وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 203): رواه الطبراني في الصغير والأوسط، وإسناده جيد. وصححه الألباني في صحيح الجامع (3297)، وصحيح الترغيب والترهيب (3363).

(4)

الزهد الكبير للبيهقي (627 - 628).

(5)

الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (16/ 156)، وتهذيب الأسماء واللغات (2/ 198).

ص: 244

أربعة طرفان بينهما وواسطة لأن الإنسان إما طويل العمر أو قصيره وعلى التقديرين إما حسن العمل أو سيئه فطويل العمر حسن العمل وطويل العمر سيء العمل طرفان شرهما الثاني وقصير العمر حسن العمل وقصير [العمر] سيء العمل واسطتان خيرهما الأول، قاله في شرح مشارق الأنوار

(1)

.

5092 -

وَعَن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم خير النَّاس من طَال عمره وَحسن عمله رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن

(2)

.

5093 -

وَعَن أنس رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَلا أنبئكم بخياركم قَالُوا بلَى يَا رَسُول الله قَالَ خياركم أطولكم أعمارا إِذا سددوا

رَوَاهُ أَبُو يعلى بِإِسْنَاد حسن

(3)

.

5094 -

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لله عبادا يضن بهم عن القتل، ويطيل أعمارهم في حسن العمل، ويحسن أرزاقهم، ويحييهم في عافية، ويقبض أرواحهم في عافية على الفرش، ويعطيهم منازل الشهداء. رواه الطبراني

(4)

، ولا يحضرني الآن إسناده.

(1)

كشف المناهج (4/ 407).

(2)

أخرجه الترمذي (2329). وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. وصححه الألباني الصحيحة (1836)، المشكاة (5285)، الروض النضير (926) وصحيح الترغيب (3364).

(3)

أخرجه أبو يعلى (3496). قال الهيثمي في المجمع 10/ 203: رواه أبو يعلى، وإسناده حسن. وحسنه الألباني في الصحيحة (2498) وضعفه في ضعيف الترغيب (1961).

(4)

أخرجه الطبراني في الكبير (10/ 176/ 10371)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد =

ص: 245

قوله: "وعن عبد الله بن مسعود" تقدم. قوله: "إن لله عبادا يضن بهم عن القتل ويطيل أعمارهم في حسن العمل" الحديث، يضن بالضاد المعجمة معناه يبخل ومنه قوله تعالى:{وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} على إحدى القراءتين، وتقدم هذا الحديث، وكذلك حديث أبي هريرة الذي بعده وحديث عبد الله بن شداد في الصلاة.

5096 -

وَعَن أبي هُريْرَة رضي الله عنه قَالَ كَانَ رجلَانِ من بلي حَيّ من قضاعة أسلما مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فاستشهد أَحدهمَا وَأخر الآخر سنة قَالَ طَلْحَة بن عبد الله فَرَأَيْت الْمُؤخر مِنْهُمَا أَدخل الْجنَّة قبل الشَّهِيد فتعجبت لذَلِك فَأَصْبَحت فَذكرت ذَلِك للنَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَلَيْسَ قد صَامَ بعده رَمَضَان وَصلى سِتَّة آلاف رَكْعَة وَكَذَا وَكَذَا رَكْعَة صَلَاة سنة رَوَاهُ أَحْمد بِإِسْنَاد حسن

(1)

وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْبَيْهَقِيّ كلهم عَن طَلْحَة بِنَحْوِهِ أطول مِنْهُ وَزَاد ابْن مَاجَه وَابْن حبَان في آخِره فَلَمَّا بَينهمَا أبعد مِمَّا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض

(2)

.

= (10/ 203) رواه الطبراني، وفيه جعفر بن محمد الواسطي الوراق ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات. وقال الألباني في ضعيف الجامع (1950)، والضعيفة (3197)، وضعيف الترغيب والترهيب (1962). ضعيف جدًا.

(1)

أخرجه أحمد 2/ 333 (8399 و 8400). وقال الهيثمي في المجمع 10/ 204: رواه أحمد، وإسناده حسن. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (372) و (3365).

(2)

أخرجه أحمد 1/ 161 (1389) و 1/ 163 (1403)، وابن ماجه (3925)، وابن حبان (2982). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (373) و (3366).

ص: 246

5097 -

وَعَن عبد الله بن شَدَّاد أَن نَفرا من بني عذرة ثَلَاثَة أَتَوا النَّبِي صلى الله عليه وسلم فأسلموا قَالَ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم من يكفيهم قَالَ طَلْحَة أَنا قَالَ فَكَانُوا عِنْد طَلْحَة فَبعث النَّبِي صلى الله عليه وسلم بعثا فَخرج فِيهِ أحدهم فاستشهد ثمَّ بعث بعثا فَخرج فِيهِ آخر فاستشهد ثمَّ مَاتَ الثَّالِث على فرَاشه قَالَ طَلْحَة فَرَأَيْت هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة الَّذين كَانُوا عِنْدِي فِي الْجنَّة فَرَأَيْت الْمَيِّت على فرَاشه أمامهم وَرَأَيْت الَّذِي اسْتشْهد أخيرا يَلِيهِ وَرَأَيْت أَوَّلهمْ آخِرهم قَالَ فداخلني من ذَلِك فَأتيت النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَذكرت ذَلِك لَهُ فَقَالَ وَمَا أنْكرت من ذَلِك لَيْسَ أحد أفضل عِنْد الله عز وجل من مُؤمن يعمر فِي الْإِسْلَام لتسبيحه وتكبيره وتهليله رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو يعلى ورواتهما رُوَاة الصَّحِيح وَفِي أَوله عِنْد أَحْمد إرْسَال كَمَا مر وَوَصله أَبُو يعلى بِذكر طَلْحَة فِيهِ

(1)

.

5098 -

وعن أم الفضل رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على العباس وهو يشتكي فتمنى الموت فقال: يا عباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تتمن الموت إن كنت محسنا تزداد إحسانا إلى إحسانك خير لك، وإن كنت مسيئا، فإن تؤخر تستعتب من إساءتك خير لك، لا تتمن الموت. رواه أحمد

(2)

والحاكم

(3)

(1)

أخرجه أحمد 1/ 163 (1401)، وعبد بن حميد (104)، والبزار (954)، والنسائي (10606)، وأبو يعلى (634). قال الهيثمي في المجمع 10/ 204: رواه أحمد فوصل بعضه، وأرسل أوله، ورواه أبو يعلى والبزار فقالا: عن عبد الله بن شداد عن طلحة، فوصلاه بنحوه، ورجالهم رجال الصحيح. وصححه الألباني في الصحيحة (654) وصحيح الترغيب (3367).

(2)

أخرجه أحمد (26874)، وأخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (4/ 23)، والحارث (1082 - زوائد الهيثمي)، وأبو يعلى (7076)، والطبراني (25/ 28/ 44)، وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (2/ 421) رواه أبو بكر بن أبي شيبة ورجاله ثقات، والحارث، وأبو يعلى وأحمد بن حنبل، والحاكم وصححه. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 202) رواه أحمد، وأبو يعلى، والطبراني، ورجال أحمد رجال الصحيح غير هند بنت الحارث.

فإن كانت هي القرشية أو الفراسية فقد احتج بها في الصحيح، وإن كانت الخثعمية فلم أعرفها، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3368)، وفي أحكام الجنائز (ص 12).

(3)

الحاكم (1/ 339)، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

ص: 247

واللفظ له، وهو أتم وقال: صحيح على شرطهما.

قوله: "وعن أم الفضل" واسمها لبابة بنت الحارث فأم الفضل هي زوجة العباس بن عبد المطلب، وأنشد الشيخ شرف الدين الدمياطي فيها:

ما ولدت نجيبة من فحل

بجبل نعلمه وسهل

كسته من بطن أم الفضل

عم النبي المصطفي ذي الفضل

وخاتم الرسل وخير الرسل

أكرم بها من كهلة وكهل

قوله أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على العباس وهو يشتكي فتمنى الموت، الحديث. يشتكي معناه في مرضه الذي توفي فيه.

قوله صلى الله عليه وسلم للعباس: "لا يتمنى الموت" الحديث. احتجت الشافعية بهذا الحديث على كراهة تمني الموت، وإنما نهى عن تمني الموت لأنه في معنى التبرم عن قضاء الله تعالى في أمر ينفعه في آخرته، والحكمة في ذلك أن الإنسان إما أن يكون مطيعا أو عاصيا فإن كان مطيعا [توجب له الزيادة في

ص: 248

الحسنات، وإن كان عاصيا]

(1)

فلعله يتوب قبل أن يموت، فأما الدعاء بالموت فلم تظهر فيه مصلحة لما فيه من طلب إزالة نعمة الحياة وما يترتب عليها من الفوائد.

أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى المعنى في النهي عن تمني الموت والدعاء به وهو انقطاع الأعمال بالموت ففي الحياة زيادة الأجور بزيادة الأعمال ولو لم يكن إلا استمرار الإيمان فأي عمل أعظم منه فما دام معه الإيمان فالحياة خير له، واستثنى العلماء من تمني الموت لفتنة في الدين فمتى خشي على نفسه أن يفتتن فلا كراهة في تمني الموت والحالة هذه وتمني الموت يقع على وجوه منها: تمنيه لضر دنيوي ينزل بالعبد فينهى حينئذ عن تمني الموت، ووجه كراهيته في هذا الحال أن المتمني للموت لضر نزل به إنما يتمناه تعجيلا للاستراحة من ضره [وهو لا يدري إلى ما يصير بعد الموت فلعله إلى خبر أعظم من ضرّه] فيكون كالمستجير من الرمضاء بالنار.

وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال

(2)

: إنما يستريح من غفر له، فلهذا لا ينبغي

(1)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

(2)

أخرجه أحمد (24713)، والحارث بن أبي أسامة، بغية الباحث (257)، والبزار كشف الأستار (789). وأبو نعيم في الحلية (8/ 290)، وقال أبو نعيم: غريب من حديث ابن لهيعة، تفرد به المعافى، فيما قاله سليمان.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 330) رواه أحمد والطبراني في الأوسط، وفيه ابن لهيعة وفيه كلام. وقال الهيثمي في (2/ 330) رواه البزار، ورجاله ثقات. وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1710).

ص: 249

له أن يدعو بالموت إلا أن يشترط أن يكون خيرا له عند الله عز وجل، ومنها [تمنيه]

(1)

خوف فيجوز حينئذ، وقد تمناه ودعا به خشية فتنة الدين خلق من الصحابة وأئمة الإسلام، وفي حديث المنام: وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضني إليك غير مفتون، ومنها تمني الموت عند حضور أسباب الشهادة اغتناما لحصولها يجوز ذلك أيضا، وسؤال الصحابة الشهادة وتعرضهم لها عند حضور الجهاد كثير مشهور، وكذلك سؤال معاذ لنفسه وأهل بيته الطاعون لما وقع بالشام، ومنها تمنيه لمن وثق بعمله شوقا إلى لقاء الله عز وجل فهذا يجوز أيضا وقد فعله كثير من السلف. قال أبو الدرداء

(2)

أحب الموت اشتياقا إلى ربي، وقد دل على ذلك قول الله عز وجل:{قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}

(3)

الآية.

قوله: {قُلْ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا}

(4)

إلى قوله: {فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ} ، فدل ذلك على أن أولياء الله لا يكرهون الموت بل يتمنونه ثم أخبر أنهم لا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم فدل على أنه إنما يكره الموت من له ذنوب يخاف

(1)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

(2)

حلية الأولياء (1/ 217)، وشرح السنة (14/ 250)، وصفة الصفوة (1/ 636)، ولطائف المعارف لابن رجب (ص: 296).

(3)

البقرة: 94.

(4)

الجمعة: 6.

ص: 250

القدوم عليها، ومنها تمني الموت على غير الوجوه المتقدمة [فقد]

(1)

اختلف العلماء في كراهيته واستحبابه، وقد رخص فيه جماعة من السلف وكرهه آخرون. اهـ، قاله ابن رجب

(2)

.

[قوله صلى الله تعالى عليه وسلم: وإن كان مسيئا فلعله أن يستعتب، أي يطلب العتبى، وذلك لا يحصل إلا بالتوبة والرجوع من الذنب، فقد قال الله تعالى في حق الكافرين: {وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ}، وقد قال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: "لك العتبى حتى ترضى"].

[قوله في الحديث: "وإن كنت مسيئا فأن تؤخر تستعتب من إساءتك" الحديث، تستعتب بفتح التاء أي ترجع عن الإساءة وتطلب الرضى، يقال استعتب إذا طلب أن يرضى عنه، كما تقول استرضيته فأرضاني [فالاستعتاب الاسترضاء، وهو طلب أن يرضى عنه كما تقول: استرضيته فأرضاني، فالاستعتاب الاسترضاء وهو طلب الرضا والعفو، والاستعتاب أيضا الاستقالة، يقال استعتبته فأعتبني أي استرضيته فأرضاني] أي فرضي عني أو استقلته فأقالني.

ومنه قوله تعالى: {وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا}

(3)

الآية، أي وإن يسترضوا أو يستقيلوا فما هم من المرضيين ولا من المقالين، يقال عتبة يعتبه عتبا، والأمم المعتبة

(1)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

(2)

لطائف المعارف لابن رجب (ص: 297).

(3)

فصلت: 24.

ص: 251

بالفتح والكسر من الموحدة والغضب والعتاب مخاطبة الإدلال ومذاكرة الموجدة وأعتبني فلان إذا عاد إلى مسرتي والمقصود أن يطلب رضى الله تعالى بالتوبة ورد المظالم]

(1)

. [قال سهل بن عبد الله التستري

(2)

: لا يتمنى الموت إلا ثلاثة: رجل جاهل بما بعد الموت أو رجل يفر من أقدار الله عليه أو مشتاق محب للقاء الله. روي أن ملك الموت جاء إلى إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام ليقبض روحه فقال إبراهيم: يا ملك الموت هل رأيت خليلا يقبض روح خليله؟ فعرج ملك الموت إلى ربه تعالى، فقال قل له: هل رأيت خليلا يكره لقاء ربه؟ فرجع إليه، فقال:

[فاقبض] روحي الساعة

جزى الله عنا الموت خيرا لأنه

أبرّ منا من والدينا وأرأف

تعجّل راحات النفوس من الردى

ويدني [لي]

(3)

إلى الدار التي هي أشرف اهـ

قاله في الديباجة]

(4)

.

(1)

حصل تأخير لهذه الفقرة في النسخة الهندية، وأدرجت بعد قوله: (أبرّ منا من والدينا وأرأف -- تعجّل راحات النفوس من الردى

ويدني [لي] إلى الدار التي هي أشرف، اهـ. قاله في الديباجة).

(2)

تفسير القرطبي (9/ 269)، وشرح الصدور بشرح حال الموتى والقبور (1/ 23).

(3)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

(4)

تكررت هذه الفقرة في النسخة الهندية في موضعين، هذا الموضع، والآخر حيث: حصل تقديمها، وأدرجت قبل قوله:(قوله: (وعن عمرو بن الحمق) كذا قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أحب الله عبدا عسله. قالوا: وما عسله يا رسول الله؟ قال: يوفق له عملا صالحا) الحديث).

ص: 252

5099 -

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تتمنوا الموت، فإن هول المطلع شديد، وإن من السعادة أن يطول عمر العبد، ويرزقه الله الإنابة. رواه أحمد

(1)

بإسناد حسن والبيهقي

(2)

.

قوله: "وعن جابر" تقدم الكلام على مناقبه. قوله: "لا تتمنوا الموت" تقدم الكلام على النهي عن تمني الموت في الحديث قبله. قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن هول المطلع" بضم الميم وتشديد الطاء وفتح اللام وهو موضع الاطلاع من الإشراف إلى [الإنجذاب]، شبه ذلك به والمطلع بفتح الميم واللام موضع الطلوع وبكسر اللام وقت الطلوع، وقيل بالوجهين فيهما، قاله عياض؛ وهول المطلع هو ما يكشف للميت عند حضور الموت من أهوال الآخرة وشدائدها التي لا عهد له بشيء منها في الدنيا، يريد به الموقف يوم القيامة أو ما يشرف من أمر الآخرة من رؤية الملائكة ورؤية أعماله من خير

(1)

رواه أحمد (14564)، وأخرجه ابن أبي شيبة (35562)، وعبد بن حميد (1153)، والبزار كما في كشف الأستار (3240)، (3422)، وابن عدي في الكامل (7/ 206)، وأبو الفضل الزهري في حديثه (338)، والحاكم (4/ 240)، وقال الحاكم: إسناده صحيح ولم يخرجاه. وقال الهيثمي: في (10/ 334): رواه أحمد والبزار، وإسنادهما جيد.، وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (2/ 420) رواه أبو بكر بن أبي شيبة، وأحمد بن منيع، وعبد بن حميد، وأبو يعلى الموصلي، وأحمد بن حنبل، والحاكم وصححه، والبيهقي. قال الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (1963): كذا قال، وتبعه الهيثمي 10/ 203 وفي إسناده ضعيف واضطراب، وبيانه في الضعيفة (4979).

(2)

البيهقي في الشعب (10105).

ص: 253

أو شر وما يبشر به عند ذلك من الجنة أو النار مع ما يلقاه من شدة الموت وكربه وغصصه فشبه بالموضع الذي يشرف عليه من موضع عال. جزع الحسن بن علي رضي الله عنهما عند موته وقال: أريد أن أشرف على ما لم أشرف عليه قط، وبكى الحسن البصري عند موته، وقال: نفيسة ضعيفة وأمر هول عظيم وإنا لله وإنا إليه راجعون. وكان حبيب العجمي عند موته يبكي ويقول: أريد أن أسافر سفرا ما سافرته قط وأسلك طريقا ما سلكته قط وأزور سيدي ومولاي وما [رأيته] قط وأشرف على أهوال ما شاهدتها قط فهذا كله من هول المطلع الذي قطع قلوب الخائفين حتى قال عمر عند موته

(1)

: لو أن لي ما في الأرض لافتديت به من هول المطلع، ومن هول المطلع ما يكشف للميت عند نزوله قبره من فتنة القبر، فإن الموتى يفتنون بالمسألة في قبورهم مثل أو قريبا من فتنة المسيح الدجال وما يكشف لهم في قبورهم عن منازلهم من الجنة والنار وما يلقون من ضمة القبر وضيقه وهوله وعذابه إن لم يعاف الله من ذلك. رئي بعض الصالحين في المنام بعد موته فسئل عن حاله فأنشأ يقول:

وليس يعلم ما في القبر داخله

إلا الإله وساكن الأجداث

[قوله صلى الله تعالى عليه وسلم] في الحديث

(2)

وإن من السعادة أن

(1)

المحتضرين (43).

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة (34421)، وأحمد (14564)، وعبد بن حميد (1156)، والبزار كشف الأستار (3240 و 3422)، وابن عدي في الكامل (7/ 206)، والبيهقي في شعب =

ص: 254

يطول عمر العبد ويرزقه الله الإنابة الحديث، الإنابة الرجوع والتوبة من ذنوبه السالفة والاجتهاد في العمل الصالح فإذا تمنى الموت فقد تمنى انقطاع عمله الصالح فلا ينبغي له ذلك. وروي إبراهيم الحربي من رواية ابن لهيعة عن ابن الهاد عن ابن المطلب عن أبيه

(1)

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: السعادة كل السعادة طول العمر في طاعة الله تعالى.

قال الكرماني

(2)

: قلت: المراد بطوله الممدوح ما لم ينتكس ويبقى على عمله ويقوى على طاعته، اللهم اجعلنا من السعداء، اهـ. وقد روي معنى الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه متعددة ففي صحيح البخاري

(3)

عن أبي

= الإيمان (10105)، والحاكم (4/ 240)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، إتحاف الخيرة المهرة (2/ 420): رواه أبو بكر بن أبي شيبة، وأحمد بن منيع، وعبد بن حميد، وأبو يعلى الموصلي، وأحمد بن حنبل، والحاكم وصححه، والبيهقي. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (2006)، وضعيف الترغيب والترهيب (1828).

(1)

أخرجه الخطيب في تاريخه (6/ 16)، قال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: 1679) أخرجه إبراهيم الحربي في كتاب ذكر الموت من رواية ابن لهيعة عن ابن الهاد عن المطلب عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال السعادة كل السعادة طول العمر في طاعة الله ووالد المطلب عبد الله بن حوطب مختلف في صحبته ولأحمد من حديث جابر إن من سعادة المرء أن يطول عمره ويرزقه الله الإنابة والترمذي من حديث أبي بكرة: أن رجلا قال يا رسول الله أي الناس خير؟ قال من طال عمره وحسن عمله قال هذا حديث حسن صحيح. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1466)، والضعيفة (3008).

(2)

الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (22/ 164).

(3)

صحيح البخاري (5673).

ص: 255

هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: لا يتمنين أحدكم الموت، إما محسنا فلعله أن يزداد خيرا، الحديث.

وفي مسند الإمام أحمد

(1)

عن أبي أمامة قال: جلسنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكّرنا ورقّقنا فبكى سعد بن أبي وقاص فأكثر البكاء، وقال: يا ليتني مت. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا سعد إن كنت خلقت للجنة فما طال من عمرك وحسن من عملك فهو خير لك، وفي هذا المعنى أحاديث وكلها تدل على النهي عن تمني الموت بكل حال وأن طول عمر المؤمن خير له فإنه يزداد فيه خيرا، وهذا قيل أنه يدخل فيه تمنيه للشوق إلى لقاء الله تعالى.

فائدة: واختلف السالكون أيما أفضل من تمني الموت شوقا إلى لقاء الله أو من تمني الحياة رغبة في طاعة الله أو من فوض الأمر إلى الله ورضي باختياره له ولم يختر لنفسه شيئا، واستدل طائفة من الصحابة على تفضيل الموت على الحياة بقوله عز وجل:{وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ}

(2)

، ولكن

(1)

أخرجه أحمد (22293)، وأخرجه العقيلي في الضعفاء 3/ 477 والطبراني في المعجم الكبير الكبير (8/ 217/ 7870) قال الإِمام أحمد: يروي عنه -يعني: القاسم- علي بن يزيد أعاجيب، وما أراها إلَّا من قبل القاسم، وإنما ذهبت رواية جعفر بن الزبير؛ لأنه إنما كانت روايته عن القاسم، ربما حدث بشر بن نمير عن القاسم. قال شعبة: ألحقوه به. انظر: العلل المتناهية 2/ 334.، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 203) رواه أحمد، والطبراني، وزاد فيه: وإن كنت خلقت للنار، فبئس الشيء تتعجل إليه.، وفيه علي بن يزيد الألهاني، وهو ضعيف. وقال ابن حجر في فتح الباري (10/ 130) سند لين.

(2)

آل عمران: 198.

ص: 256

الأحاديث الصحيحة تدل على أن عمر المؤمن كلما طال ازداد بذلك مما له عند الله من الخير فلا ينبغي له أن يتمنى انقطاع ذلك، اللهم إلا أن يخشى الفتنة على دينه فإنه إذا خشي الفتنة على دينه فقد خشي أن يفوته ما عند الله من الخير ويتبدل ذلك بالشر عياذا بالله من ذلك والموت خير من الحياة على هذه الحال.

قال ميمون بن مهران

(1)

: لا خير في الحياة إلا لتائب أو رجل يعمل في الدرجات يعني أن التائب يمحو بالتوبة ما سلف من السيئات والعامل يجتهد في علو الدرجات ومن عداهما فهو خاسر كما قال تعالى: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ}

(2)

السورة كلها، فأقسم الله تعالى أن كل إنسان خاسر إلا من اتصف بهذه [الأوصاف] الأربعة: الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر على الحق، فهذه السورة ميزان للأعمال يزن المؤمن [به] نفسه [فيبين] له بها ربحه من خسرانه و [لهذا] قال الإمام الشافعي رضي الله عنه لو فكر الناس كلهم فيها لكفتهم، اهـ. قاله ابن رجب

(3)

.

فائدة أخرى: قال الحسن

(4)

لو علم ابن آدم أن له في الموت راحة وفرحا لشق عليه أن يأتيه الموت لما يعلم من فظاعته وشدته وهوله، فكيف وهو لا

(1)

لطائف المعارف لابن رجب (ص: 299).

(2)

العصر: 1 - 5.

(3)

لطائف المعارف لابن رجب (ص: 300).

(4)

لطائف المعارف لابن رجب (ص: 298).

ص: 257

يعلم ما له في الموت نعيم دائم أو عذاب مقيم؟

بكى النخعي عند احتضاره وقال: أنتظر ملك الموت لا أدري يبشرني بالجنة أو النار، فالمتمني للموت كأنه يستعجل [حلول] البلاء وإنما أمرنا بسؤال العافية، وسمع ابن عمر رجلا يتمنى الموت فقال: لا تتمن الموت فإنك ميت ولكن سل الله العافية.

قال إبراهيم بن أدهم

(1)

: إن للموت كأسا لا يقوى عليها إلا خائف وجل مطيع لله كان يتوقعها. وقال أبو العتاهية

(2)

:

ألا للموت كأس أي كأس

وأنت لكأسه لا بد حاسي

إلى كم والممات إلى قريب

تذكّر بالممات وأنت ناسي

5100 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يتمنى أحدكم الموت إما محسنا فلعله يزداد، وإما مسيئا فلعله يستعتب. رواه البخاري، واللفظ له

(3)

ومسلم.

5101 -

وفي رواية لمسلم

(4)

: لا يتمنى أحدكم الموت، ولا يدعوا به من قبل أن يأتيه، وإنه إذا مات انقطع عمله، وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا.

قوله: "وعن أبي هريرة" تقدم.

(1)

لطائف المعارف لابن رجب (ص: 298).

(2)

ديوان أبو العتاهية (ص 72) انظر: لطائف المعارف لابن رجب (ص: 298).

(3)

صحيح البخاري (5673 - 7235).

(4)

صحيح مسلم (13)(2682).

ص: 258

قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يتمنى أحدكم الموت إما محسنا فلعله يزداد" الحديث. إما محسنا هو بكسر الهمزة على أنها عاطفة ومحسنا إما خبر كان المحذوفة أي إما أن يكون محسنا أو حال تقديره إما أن يتمناه محسنا. وقوله: "يستعتب" بفتح الياء أي يرجع عن الإساءة ويطلب الرضى. يقال: استعتب إذا طلب أن يرضى عنه، وتقدم الكلام على الاستعتاب في حديث أم الفضل وقبله.

قوله: "وفي رواية لمسلم لا يتمنى أحدكم الموت ولا يدع به من قبل أن يأتيه" الحديث. أشار بقوله من قبل أن يأتيه إلى أن في الدعاء بالموت قبل حلوله نوع اعتراض ومراغمة للمقدور والمحتوم. فإن قلت: وسائر الأدعية كذلك لأنها إما مقدرة فلا فائدة في سؤالها لوقوعها لا محالة أو غير مقدرة ففي سؤالها اعتراض ومراغمة للقدر، هذا يؤدي إلى سدّ باب الدعاء وهو باطل. قلت: أما الدعاء بالمغفرة والرحمة والأمور الأخروية ففيه إظهار الافتقار والمسكنة والخضوع والتذلل والاحتياج.

وأما الدعاء بالموت فلم يظهر فيه مصلحة لما فيه من طلب إزالة نعمة الحياة وما يترتب عليها من الفوائد. أشار النبي عليه السلام إلى المعنى في النهي عن تمني الموت والدعاء به، اهـ. قاله العراقي في شرح الأحكام

(1)

.

قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث أنه إذا مات انقطع عمله، قال النووي رحمه الله تعالى

(2)

هكذا هو في بعض نسخ مسلم وفي كثير منها

(1)

طرح التثريب في شرح التقريب (3/ 234).

(2)

شرح النووي على مسلم (17/ 8).

ص: 259

أمله وكلاهما صحيح، والأول أجود وهو المذكور في الأحاديث.

5102 -

وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يتمنى أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان ولا بد فاعلا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي. رواه البخاري

(1)

ومسلم

(2)

وأبو داود

(3)

والترمذي

(4)

والنسائي

(5)

.

قوله: "وعن أنس" تقدم. قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يتمنى أحدكم الموت لضر نزل به" الحديث، قال النووي

(6)

في هذا الحديث التصريح بكراهة تمني الموت لضر نزل به ومطلق الضر يتناول الدنيوي والأخروي لكن المراد إنما هو الضرر الدنيوي من مرض أو فاقة أو محنة من عدو ونحو ذلك من مشاق الدنيا كما هو مبين في رواية النسائي وابن حبان فقال: لا يتمنى أحدكم الموت لضر نزل به في الدنيا، وهو الذي أراده أيوب عليه الصلاة والسلام في قوله:{مَسَّنِيَ الضُّرُّ}

(7)

وإخوة يوسف عليه السلام في قولهم: {مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ} ، فأما إذا خاف ضررا في دينه أو فتنة فيه فالظاهر أنه لا بأس معه بالدعاء بالموت،

(1)

أخرجه البخاري (6351)(5671) و (7233).

(2)

صحيح مسلم (10)(2680).

(3)

أبو داود (3108).

(4)

الترمذي (993).

(5)

النسائي (4/ 3).

(6)

شرح النووي على مسلم (17/ 7).

(7)

الأنبياء: 83.

ص: 260

[وتمنيه لمفهوم] هذا الحديث وغيره ويدل لذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتني مكانه وليس به الدين إلا البلاء، وقد فعل هذا [الثاني]

(1)

خلائق من الصحابة والسلف عند خوف الفتنة في أديانهم، وفيه أنه إن [خالف] ولم يصبر على حاله في بلواه بالمرض ونحوه فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، الدعاء المذكور في الحديث، [والأفضل] الصبر والسكون للقضاء، قاله في شرح الأحكام.

فائدة: فإن قيل الآجال مضروبة قد فرغ منها فكيف يردد السؤال [في أمر] فرغ منه، وكيف ينهى عن تمنيه مع أنه لا يفيد القطع بأنه إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون.

قلنا: فائدة الدعاء برفع الآفات وطلب المسرات وقد وقع من ذلك كثير من خوارق العادات وفيه ربط الأسباب بالمسببات وفائدة التمني وقوع المخالف في الإثم وجعل الآخر للمبتلى وفائدة التمني المحبوب حصول الثواب والانتظام في سلك من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، اهـ. قاله في شرح الإلمام.

تنبيه: يختم به الباب: قوله في الحديث: "فإن كان لا بد فاعلا" هو حال وتقديره إن كان أحدكم فاعلا كونه لا بد له من ذلك.

(1)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

ص: 261

فإن قلت كيف جاز الفعل بعد النهي؟ قلت: موضع الضرورة مستثنى من جميع الأحكام، والضرورات تبيح المحظورات أو النهي عن الموت معينا، وهذا تجويز في أحد الأمرين لا على التعيين أو النهي إنما هو فيما إذا كان منجِّزا مقطوعا به وهذا معلق لا منجز. اهـ، قاله الكرماني في شرح البخاري

(1)

.

(1)

الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (22/ 153).

ص: 262