الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[التَّرْغِيب فِي الْوَصِيَّة وَالْعدْل فِيهَا والترهيب من تَركهَا أَوالمضارة فِيهَا وَمَا جَاءَ فِيمَن يعْتق ويَتَصَدَّق عِنْد الْمَوْت]
قال الأزهري
(1)
: الوصية مشتقة من وصيت الشيء أصيه إذا وصلته وسميت وصية لأنه وصل ما كان في حياته بما كان بعده، ويقال وصّى وأوصى أيضا. والاسم الوصية والوصاة فالوصية فعيلة من وصى يصي إذا وصل لأن أصل الإيصاء في اللغة الإيصال والاسم الوصاية بالكسر والفتح. والوصية في الشرع تبرّع بحق أو تفويض تصرف خاص مضافين إلى ما بعد الموت. [وكانت] في أول الإسلام واجبة لجميع الأقربين ثم نسخت بآية المواريث إلا في حق الله تعالى أو الآدمين من زكاة أو حج أو كفارة أو رد وديعة أو دين فيجب أن يوصي إذا لم يعلم به غيره [ممن] يثبت به بعد موته وهي الآن جائزة في ثلث ماله الباقي بعد [دفنه] ومئونة تجهيزه وقضاء دينه مستحبة في الجملة.
[5287]
عَن ابْن عمر رضي الله عنهما أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ مَا حق امرئ مُسلم لَهُ شَيْء يُوصي فِيهِ يبيت فِيهِ لَيْلَتَيْنِ وَفِي رِوَايَة ثَلَاث لَيَال إِلَّا ووصيته مَكْتُوبَة عِنْده قَالَ نَافِع سَمِعت عبد الله بن عمر يَقُول مَا مرت عَليّ لَيْلَة مُنْذُ سَمِعت
(1)
تهذيب اللغة (12/ 187).
رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول ذَلِك إِلَّا وَعِنْدِي وصيتي مَكْتُوبَة رواه مالك
(1)
والبخاري
(2)
ومسلم
(3)
وأبو داود
(4)
والترمذي والنسائي
(5)
وابن ماجه
(6)
.
قوله: "ما حق امرئ" الحديث أي لا ينبغي [لا] أنه حق عليه وإنما هو حق له ويؤيده رواية: له شيء يريد أن يوصي فيه؛ فعلقه على الإرادة وهذا حجة العامد في [أنّ] الوصية غير واجبة اهـ. قاله المنذري. قوله: "شيء" هو الذي رواه الأثبات. قلنا: لا فرق فإن المال أيضا يطلق على القليل والكثير، ورواية نافع: لا يحل لامرئ مسلم له مال. قال ابن عبد البرّ
(7)
: هكذا قال: لا يحل، ولم يتابع على هذا اللفظ، وهذا الأمر عام في الصحيح والمريض وخصّه بعضهم بالمريض.
قوله: "وعن ابن عمر" تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين [] وفي رواية: ثلاث ليال - إلا وصيته مكتوبة عنده" الحديث.
في هذا الحديث الحث على الوصية وقد أجمع المسلمون على الأمر بها
(1)
وفي الموطأ برواية أبي مصعب الزهري (2988).
(2)
صحيح البخاري (2738).
(3)
صحيح مسلم (1)(1627).
(4)
سنن أبي داود (2862).
(5)
سنن الترمذي (2118)، وقال: هذا حديث حسن صحيح.، والنسائي (6/ 238).
(6)
سنن ابن ماجه (2699).
(7)
ابن عبد البر في التمهيد (14/ 291).
لكن مذهب مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة والجمهور أنها مندوبة لا واجبة، وذهب داود وابن حزم وغيرهما من أهل الظاهر إلى وجوبها لهذا الحديث ولا دلالة لهم فيه وليس فيه تصريح بإيجابها.
وقال ابن عبد البر
(1)
: اختلف السلف والخلف في مقدار المال الذي تستحب فيه الوصية أو تجب عند من أوجبها، فروي عن علي أنه قال: ستمائة درهم أو سبعمائة درهم [ليس] بمال فيه وصية، ورُوي عنه أنه قال: ألف درهم مال فيه وصية، وهذا الذي تقدم من حمل الأمر بالوصية على الاستحباب هو في غير الحقوق الواجبة، أما إذا كان عند الإنسان وديعة أو في ذمته [حق لله] تعالى كزكاة أو حج أو كان عليه دين لآدمي فإنه يجب عليه أن يوصي به ومحل هذا ما إذا لم يعلم به غيره. فأما إذا علم به غيره فلا تجب الوصية بذلك، كذا عبّر به الرافعي من أصحابنا.
وقال النووي
(2)
المراد إذا لم يعلم به من يثبت بقوله، وقصد بذلك إخراج الكافر والفاسق والصبي والعبد والمرأة فإنه لا يكفي علمهم مع دخولهم في [تعبير] الرافعي.
فإن قلت: فقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه دين ليهودي فكيف لم يوص به وقد قدّرتم أن الوصية بالديون واجبة. قلت: كانت درعه عليه الصلاة والسلام مرهونة عند اليهودي فكان الرهن حجة لليهودي فلم يحتج
(1)
في التمهيد (14/ 296).
(2)
شرح النووي على مسلم (11/ 74).
للوصية به مع أن علم ذلك لم يكن مختصا به فقد علمه بعض أصحابه، ولهذا أخبرت عائشة رضي الله عنها والمعتبر فيمن تصح وصيته العقل والحرية فلا تصح وصية مجنون وعبد وفي صحة وصية الصبي المميز خلاف جوّزها مالك إذا عقل القربة ولم يخلّط، والإمام أحمد بن حنبل إذا جاوز العشر وفي [قول]، عنه إذا جاوز السبع ومنعها أبو حنيفة وهو أظهر قولي الشافعي وبه قال أكثر أصحابه وهو رواية عن الإمام أحمد وعن الشافعي قول آخر أن وصيته صحيحة.
وأما المحجور عليه بالسفه فوصيته صحيحة عند الجمهور ومنهم الشافعي. قال الشافعي رحمه الله: معنى الحديث: الحزم والاحتياط للمسلم إلا أن تكون وصيته مكتوبة عنده. وقال في النهاية أي ما الأحزم له والأحوط [والاحتياط]
(1)
إلا هذا. وقيل: ما المعروف في الأخلاق الحسنة إلا هذا إلا من جهة الفرض وقيل معناه أن الله حكم على عباده بوجوب الوصية مطلقا ثم نسخ الوصية للوارث فبقي حق الرجل في ماله أن يوصي لغير الوارث وهو ما قدره الشارع صلى الله عليه وسلم بثلث ماله، اهـ. فيستحبّ تعجيل الوصية وأن يكتبها في صحيفة ويشهد عليه فيها ويكتب فيها ما يحتاج إليه فإن [تجدّد] له أمر يحتاج إلى الوصية به ألحقهُ بها، قالوا: ولا يكلف أن يكتب كل يوم محقرات المعاملات وجزءيات الأمور المتكررة. قال ابن عبد البر
(2)
: أجمع العلماء
(1)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(2)
ابن عبد البر في التمهيد (14/ 291).
على أن من لم يكن عنده إلا اليسير [التافه] من المال أنه لا يندب إلى الوصية. قال: والحث عليها والتأكيد محمول على الندب لا على الإيجاب عند الجميع لا يختلفون في ذلك. وقد أجمع العلماء على أن الوصية غير واجبة على أحد إلا من عليه تعلقات [كما تقدم]. اهـ.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: [ووصيته] مكتوبة عنده فمعناه مكتوبة، وقد أشهد عليه فيها لا أنه يقتصر على الكتابة فإنّ الكتابة لا يعمل بها ولا تنفع إلا إذا كان قد أشهد [بها]، هذا مذهب الشافعي ومذهب الجمهور.
وقال الإمام العلامة محمد بن نصر المروزي من أصحابنا: تكفي الكتابة من غير إشهاد لظاهر الحديث وكأن السبب في ذلك أن نصر بن أحمد أحد أمراء خراسان أراد أن يوصي ولا يطلع على وصيته أحدا فشاور العلماء فلم يفت له بذلك إلا محمد بن نصر فإنه قال يكفي الإشهاد عليه بها. ونقل عنه أنه قال: تكفي الكتابة المجردة، واحتج بهذا الحديث.
قال الإمام السّبكي: فإن وجد مع الوصية شهادة أن هذه وصيته أو أنها بخطّه صح [وإن]
(1)
لم يعلم ما فيها عند محمد بن نصر واختار له من ذلك والمشهور من المذهب أن الكتابة كناية فإذا كتب وقال نويت الوصية لفلان أو اعترف ورثته به بعد الموت وجب أن يصح كذا ذكره الرافعي [كما] ونقل عن المتولي أنه إذا قال وصيت لزيد بكذا لم يصح إن كان ناطقا. قال في المطلب وهو المشهور: وقيل يصح بالكتابة مطلقا لظاهر الحديث: أما إذا
(1)
سقط هذا اللفظ من النسخة الهندية.
اعتقل لسانه فإنه يصحّ إيصاؤه بالإشارة كما روي أن أمامة بنت أبي العاصي أصمِتَت فقيل لها لفلان كذا ولفلان كذا، فأشارت أن نعم فجعل ذلك وصيته كذا استدل به الشافعي وغيره وهو غريب، اهـ. قال مالك: وليُقدِّم التشهد قبل الوصية وقد فعله الصالحون ويوصي أهله بالتقوى فيها وإصلاح ذات البين وبما أوصي به إبراهيم بنيه ويعقوب {يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ} الآية، وأخذ المالكية العمل بالخطّ من هنا قلنا المراد الخط المشهود عليه بدليل من خارج، اهـ. قاله في شرح الإلمام.
تتمة: قال الغزالي في الإحياء
(1)
في ترتيب أوراد الليل: آداب النوم عشرة: الأول الطهارة والسواك. والثاني: أن يُعدّ عند رأسه سواكه وطهوره وينوي القيام للعبادة عند التيقظ. الثالث: أن لا يبيت من له شيء يوصي فيه إلا [ووصيته] مكتوبة عنده فإنه لا يأمن القبض في النوم، يقال: إن من مات من غير وصية لم يؤذن له في الكلام بالبرزخ إلى يوم القيامة، ويتزاور الأموات ويتحدثون وهو لا يتكلم، فيقول بعضهم لبعض هذا المسكين مات من غير وصية، وذلك مستحب خوفا من موت الفجأة وموت الفجأة تخفيف إلا لمن ليس مستعدا للموت لكونه مثقل الظهر بالمظالم ثم ذكر بقية الآداب العشرة، اهـ.
قوله: "قال نافع: سمعت عبد الله بن عمر يقول: ما مرت عليّ ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك".
نافع هو أبو عبد الله نافع بن هرمز، ويقال: ابن كاوس، ذكر القولين
(1)
إحياء علوم الدين (1/ 343).
الحاكم أبو عبد الله في تاريخ نيسابور. قال الحاكم: قال البخاري، والحسن بن الوليد: هو من سبى نيسابور. وقال عبد العزيز بن أبى رواد: هو من سبى خراسان، سبى وهو صغير، فاشتراه ابن عمر، وقيل: من سبى كابل، وقيل: من سبى إيران شهر وهى نيسابور، كذا ذكرها الحاكم أبو عبد الله في مواضع من أول تاريخه، وقيل: من سبى العرب، وقيل: من سبى جبال الطالقان. وهو تابعى جليل، وأجمعوا على توثيقه وجلالته.
5288 -
وَرُوِيَ عَن جَابر رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من مَاتَ على وَصِيَّة مَاتَ على سَبِيل وَسنة وَمَات على تقى وَشَهَادَة وَمَات مغفورا لَهُ رَوَاهُ ابْن مَاجَه
(1)
.
5289 -
وَعَن أنس بن مَالك رضي الله عنه قَالَ كُنَّا عِنْد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَجَاءَهُ رجل فَقَالَ يَا رَسُول الله مَاتَ فلَان قَالَ أَلَيْسَ كَانَ مَعنا آنِفا قَالُوا بلَى قَالَ سُبْحَانَ الله كَأَنَّهَا أَخْذَة على غضب المحروم من حرم وَصيته. رواه أبو يعلى
(2)
بإسناد حسن. ورواه ابن ماجه
(3)
مُخْتَصرا قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم المحروم من حرم وَصيته
(1)
أخرجه ابن ماجه (2701). وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (2035) المشكاة (3076/ التحقيق الثاني). ولم يدرج الشارح تحته شرحا.
(2)
أبو يعلى (4122).
(3)
وأخرجه الطيالسي (2112)، وابن ماجه (2700)، وابن حبان في المجروحين (1/ 294)، وابن عدي في الكامل (4/ 461)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1489)، والمزي في تهذيب الكمال (8/ 485)، وقال البوصيري في الزوائد، وإتحاف الخيرة المهرة (3/ 423): مدار حديث أنس بن مالك على يزيد بن أبان الرقاشي، وهو =
قوله: "وعن أنس بن مالك" تقدمت ترجمته مرارا.
قوله: "كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه رجل فقال: يا رسول الله مات فلان، قال: أليس كان معنا آنفا. قالوا: بلى. قال: سبحان الله كأنها أخذة على غضب" الحديث، آنفا أي قريبا، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أكره موتا كموت الحمار، وقيل: ما موت الحمار؟ قال: موت الفجأة. الفجأة: يقال بالمدّ مع ضم الفاء وبالقصر مع فتح الفاء وهي البغتة. دون تقدم مرض ولا سبب. ويروى أن موت الفجأة أخذة على [الأسف]. والأسف بفتح السين الغضب والأسِف بكسر الغضبان. وقد روي الحديث بهما والمعنى واحد يعني أن موت الفجأة أخذة من الأسف يعني أثر غضب الله على العبد، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعاذ من موت الفجأة، وروي عن أبي السكن الهجري أن إبراهيم وداود وسليمان عليهم الصلاة والسلام [ماتوا فجأة] ويقال أنه موت الصالحين، وحمل الجمهور الأول على من له تعلقات يحتاج إلى الإيصاء أما المنقطعون المستعدّون فإنه تخفيف ورفق بهم. وعن ابن مسعود وعائشة أن موت الفجأة راحة للمؤمن وأخذة غضب للفاجر،
= ضعيف. ومع ذلك فقد حسن إسناده الحافظ المنذري، والحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 209). ولحديث أنس طريقان آخران ضعيفان: أخرجهما ابن الجوزي في العلل المتناهية (3/ 411)، وضعفه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه (6/ 200)، وضعيف، التعليق الرغيب (4/ 166)، وضعيف الجامع (5916)، وضعيف الترغيب والترهيب (2036).
قاله الكمال الدميري في شرح المنهاج
(1)
. ويروى أنه صلى الله عليه وسلم قال: موت الفجأة أخذة أسَف أو أخذة أسِف. قال الله تعالى: {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ} ، يقال أسف أسفا إذا اشتد غضبه وآسفونا منقول منه ومعناه أنهم أفرطوا في المعاصي وكذبوا موسى فاستحقوا شدة غضب الله عليهم والغضب [إما] الانتقام فيكون من صفات الفعل [وإما] إرادته فيكون من صفات الذات، اهـ. وقيل إنما كره [موت] الفجأة لئلا يلقى المؤمن ربه عز وجل على غفلة من غير أن يقدّم لنفسه عذرا و [يجدّد] توبة [ويردّ مظالمه]
(2)
ويستعدّ للآخرة [ولم] يمرض [ليكون] المرض كفارة لذنوبه.
5290 -
وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ ترك الْوَصِيَّة عَار فِي الدُّنْيَا ونار وشنار فِي الْآخِرَة. رواه الطبراني في الصغير
(3)
والأوسط
(4)
.
قوله: وروي عن ابن عباس تقدم الكلام على مناقبه رضي الله عنه.
قوله: "ترك الوصية عار في الدنيا ونار وشنار في الآخرة" الحديث. الشنار بفتح الشين المعجمة وبالنون. قال صاحب العباب: ومن أصله بخطِّه نقلت:
(1)
النجم الوهاج في شرح المنهاج (3/ 123).
(2)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(3)
المعجم الصغير (809).
(4)
المعجم الأوسط (5423)، وقال الطبراني: لا يروى هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 209) رواه الطبراني في الصغير والأوسط، وفيه جماعة لم أعرفهم. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (2426)، وضعيف الترغيب والترهيب (2037).
الشنارُ هو العار والعيب. وقال شمر الشّنار الأمر المشهور بالقبح والشنعة. وقال في النهاية
(1)
الشنار العيب والعار. وقيل: هو العيب الذي فيه عار، اهـ. ورجل شنير كثير الشنار. قال النخعي
(2)
إذا تطيبت المرأة ثم خرجت كان ذلك شنارا فيه نار.
5291 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن الرجل ليعْمَل أَو الْمَرْأَة بِطَاعَة الله سِتِّينَ سنة ثمَّ يحضرهما الْمَوْت فيضاران فِي الْوَصِيَّة فَتجب لَهما النَّار ثمَّ قَرَأَ أَبُو هُرَيْرَة رضي الله عنه من بعد وَصِيَّة يوصى بهَا أَو دين غير مضار حَتَّى بلغ وَذَلِكَ الْفَوْز الْعَظِيم رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن غَرِيب وَابْن مَاجَه وَلَفظه قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن الرجل ليعْمَل بِعَمَل أهل الْخَيْر سبعين الرجل ليعْمَل بِعَمَل أهل الشَّرّ سبعين سنة فيعدل فِي وَصيته فيختم لَهُ بِخَير عمله فَيدْخل الْجنَّة
(3)
.
[5292]
وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ الْإِضْرَار فِي الْوَصِيَّة من الْكَبَائِر ثمَّ تَلا تِلْكَ حُدُود الله النِّسَاء سنة فَإِذا أوصى حاف فِي وَصيته فيختم لَهُ بشر عمله فَيدْخل النَّار وَإِن رواه النسائي
(4)
.
(1)
النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 504).
(2)
النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 504).
(3)
أخرجه ابن ماجه (2704)، وأبو داود (2867)، والترمذي (2117). وضعفه الألباني في المشكاة (3075) وضعيف الترغيب (2038). ولم يدرج الشارح تحته شرحا.
(4)
أخرجه النسائي في تفسيره (112)، وابن جرير الطبري في تفسيره (8/ 65). عن ابن عباس، موقوفا. ورواه عمر بن المغيرة المصيصي، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عباس =
قوله: "وعن ابن عباس" تقدم الكلام عليه.
قوله: "الإضرار في الوصية من الكبائر". المضارّة في الوصية وهي أن يقصد حرمان الوارث أو تنقيصه بوصيته أو إقرار أو نحوهما لما عنده من بغضه والحقد عليه.
[5293]
وَرُوِيَ عَن أنس رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من فر بميراث وَارثه قطع الله مِيرَاثه من الْجنَّة يَوْم الْقِيَامَة. رواه ابن ماجه
(1)
.
= مرفوعا. أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (8788) والعقيلي في الضعفاء (3/ 189). والدارقطني في سننه (4/ 151) وابن مردويه في تفسيره كما في تفسير ابن كثير (1/ 213) والبيهقي في سننه (6/ 271). قال ابن كثير في تفسيره (1/ 461): قال ابن جرير: "والصحيح الموقوف". وقال العقيلي: "هذا رواه الناس عن داود موقوفا، لا نعلم رفعه غير عمر بن المغيرة". وقال البيهقي: "هذا هو الصحيح موقوف، وكذلك رواه ابن عيينة وغيره عن داود موقوفا، وروى من وجه آخر مرفوعا ورفعه ضعيف". وقال ابن حجر في التهذيب (1/ 220) في ترجمة إسحاق بن إبراهيم الفراديسي الدمشقي: "روى له الأزدي في الضعفاء حديثا عن عمر ابن المغيرة، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس رفعه: الضرار في الوصية من الكبائر، قال الأزدي: المحفوظ من قول ابن عباس لا يرفعه. قلت -القائل ابن حجر-: عمر ضعيف جدا، فالحمل فيه عليه، وقد رواه الثوري وغيره عن داود موقوفا" اهـ، والله أعلم.
(1)
أخرجه ابن ماجه (2703). وقال البوصيري في الزوائد في إسناده زيد العمى. وقال السخاوي في المقاصد الحسنة (1128) أورده الديلمي بلا سند عن أنس مرفوعا، ولا يصح. وقد أخرجه ابن ماجه فقال: حدثنا سويد بن سعيد حدثنا عبد الرحيم بن زيد العمي عن أبيه عن أنس رفعه: من فر عن ميراث وارثه قطع الله ميراثه من الجنة يوم القيامة، وهو ضعيف جدا. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (5723). وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (2040).
قوله: "وروي عن أنس" تقدمت ترجمته. قوله: "من فرّ بميراث وارثه قطع الله ميراثه من الجنة يوم القيامة".
وفي حديث آخر وهو أرجى حديث في الجنة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما منكم من واحد إلا له منزلان منزل في الجنة ومنزل في النار، فإذا مات فدخل النار ورث أهل الجنة منزله، فذلك قوله تعالى:{أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ} إن هذه الوراثة تختلف باختلاف الوارثين فمنهم من يرث بلا حساب ومنهم من يرث بحساب ومناقشة ومنهم من يرث بعد الخروج من النار على حسب اختلاف الناس.
وقيل يحتمل أن يسمى الحصول في الجنة وراثة من حيث حصولها عن غيرهم بغير تعب وهو مقتضى قوله تعالى: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ} أي أرض الجنة التي كانت لأهل النار، اهـ.
[5291]
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن الرجل ليعْمَل أَو الْمَرْأَة بِطَاعَة الله سِتِّينَ سنة ثمَّ يحضرهما الْمَوْت فيضاران فِي الْوَصِيَّة فَتجب لَهما النَّار ثمَّ قَرَأَ أَبُو هُرَيْرَة رضي الله عنه من بعد وَصِيَّة يوصى بهَا أَو دين غير مضار حَتَّى بلغ وَذَلِكَ الْفَوْز الْعَظِيم رواه أبو داود
(1)
(1)
وأخرجه أبو داود (2867).
ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى (6/ 444)، وابن عبد البر في الاستذكار (7/ 266)، وفي (14/ 305).
والترمذي
(1)
وقال: حديث حسن غريب، وابن ماجه
(2)
، وَلَفظه قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن الرجل ليعْمَل بِعَمَل أهل الْخَيْر سبعين الرجل ليعْمَل بِعَمَل أهل الشَّرّ سبعين سنة فيعدل فِي وَصيته فيختم لَهُ بِخَير عمله فَيدْخل الْجنَّة.
[قوله: "وعن أبي هريرة" تقدم.
قوله: "إن الرجل ليعمل أو المرأة بطاعة الله ستين سنة" الحديث. وفي الحديث الآخر: إن الرجل ليعمل عمل أهل الخير، الحديث.
وقوله في الحديث الأول: "ثم قرأ أبو هريرة {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ} [إلى قوله تعالى: {الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}] " وهذه الآية قال ابن عطية فيها: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} إشارة إلى القسمة المتقدمة في المواريث. واتخذ [الحجر المانع] لأمر ما إما أن يدخل على غيره أو يدخل عليه غيره ومن هذا قولهم للبواب حدّاد لأنه يمنع، ومنه إحداد المرأة وهو امتناعها من الزينة.
وقوله: "من تحتها" يريد من تحت بنائها وأشجارها الذي من أجله سميت جنة لأن أنهار الجنة إنما هي على وجه الأرض في غير أخاديد. وحكى
(1)
الترمذي (2117). وقال: هذا حديث حسن! غريب من هذا الوجه.
(2)
أحمد (7742)، وعبد الرزاق في المصنف (16455)، وإسحاق ابن راهويه (147)، وابن ماجه (2704)، وابن المنذر في الأوسط (7016)، والطبراني في المعجم الأوسط (3002). المغني عن حمل الأسفار (ص: 1382) وشهر مختلف فيه. وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود (614/ 2867)، وضعيف الترغيب والترهيب (2038)، وضعيف سنن الترمذي (ص: 241)، وضعيف ابن ماجه (برقم 591، مشكاة المصابيح 3075، ضعيف الجامع الصغير 1457.
الطبري أن الحدود هنا شروط الله، وعن ابن عباس: طاعة الله، [وعند بعضهم: سنة الله]
(1)
.
وعند بعضهم: فرائض الله، وهذا كله معنى واحد والعبارة مختلفة وهاتان آيتا وعد ووعيد والسبب في ذلك أن العرب أنكرت هذه القسمة. وقد كلّم النبي صلى الله عليه وسلم فيها عيينة بن حصن وغيره.
قال ابن عباس: الإضرار في الوصية من الكبائر. ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم، كذا رواه أحمد في مسنده عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الإضرار في الوصية من الكبائر، ورأيت في [رحلة] ابن الصلاح [التي بخطه]
(2)
أن من مات بغير وصية لا يتكلم في البرزخ وأن الأموات يتزاورون سواه فيقول بعضهم لبعض ما بال هذا فيقال أنه مات بغير وصية لم يؤذن [لهم] في الكلام مع الموتى. قيل: يا رسول الله وهل يتكلمون؟ قال: نعم ويتزاورون. أخرجه الحافظ أبو موسى، اهـ. قاله في الديباجة]
(3)
.
[5294]
وَعَن أبي هُرَيرَة رضي الله عنه قَالَ جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله أَي الصَّدَقَة أعظم أجرا قَالَ أَن تصدق وَأَنت صَحِيح شحيح تخشى الْفقر وَتَأمل الْغنى وَلَا تمهل حَتَّى إِذا بلغت الْحُلْقُوم قلت لفُلَان كَذَا وَلفُلَان
(1)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(2)
سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.
(3)
وقع تأخير لما بين المعقوفين في النسخة الهندية، وأدرج فيما سيأتي بعد قوله:(وصيته كثير الثواب بالنسبة إلى صدقة الصحيح الشحيح والله تعالى أعلم).
كَذَا وَقد كَانَ لفُلَان كَذَا رواه البخاري
(1)
ومسلم
(2)
والنسائي
(3)
وابن ماجه
(4)
بنحوه، وأبو داود
(5)
إِلَّا أَنه قَالَ أَن تصدق وَأَنت صَحِيح حَرِيص تَأمل الْبَقَاء وتخشى الْفقر قوله: "وعن أبي هريرة" تقدمت ترجمته.
قوله: "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أي الصدقة أعظم؟ قال: أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنا" الحديث.
قال الخطابي رحمه الله: الشح أعظم من البخل وكأن الشح جنس والبخل نوع وأكثر ما يقال البخل في أفراد الأمور والشح عام كالوصف اللازم وما هو من قبل الطبع. قال: فمعنى الحديث أن الشح غالب في حال الصحة فإذا سمح فيها وتصدق كان أصدق في نيته وأعظم لأجره بخلاف من أشرف على الموت وأيس من الحياة ورآى مصير المال لغيره فإن [صدقته] حينئذ ناقصة بالنسبة إلى حال الصحة والشح ورجاء البقاء وخوف الفقر اهـ. فالحكمة [فيه أن] الإنسان ما دام حيا فهو ضنين بما له شديد المحبة له فإخراج الصدقة في صحته يؤذن بقهره نفسه وسخاوته والله أعلم، وفيه من العفة أن الصحيح يضع ماله حيث شاء من المباح وله أن يشح به على من لا يلزمه فرضه وفيه المنع من الإضرار بالوصية عند الموت، اهـ. قوله: وتأمل
(1)
صحيح البخاري (1419).
(2)
صحيح مسلم (1032).
(3)
سنن النسائي (5/ 68).
(4)
سنن ابن ماجه (2706).
(5)
وأبو داود (2865).
الغنا بضمّ الميم أي تطمع فيه.
قوله: "ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم" بمعنى بلغت الحلقوم أي قاربت الروح بلوغ الحلقوم فهو إشارة إلى تأخير الصدقة إلى وقت حصول الموت وليس المراد حقيقة بلوغ الحلقوم إذ لو بلغته حقيقة لم تصح [منه]
(1)
وصية ولا صدقة ولا شيء من تصرفاته باتفاق الفقهاء وهي الحالة التي آمن فيها فرعون فلم ينفعه إيمانه، اهـ. قاله ابن عقيل وغيره. والحلقوم هو البلعوم، قاله ابن بطال
(2)
، وهو مجرى النفس إلى الرئة والمريء مجرى الطعام والشراب إلى المعدة فيتصل بالحلقوم وهو أدق منه وأضيق وهو تحت المعدة. قاله صاحب المغيث وغيره. قوله في الحديث:"قلتَ لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان كذا" الحديث. قال الخطابي رحمه الله
(3)
: المراد به الوارث، وقال غيره: المراد به سبق القضاء به للموصى له ويحتمل أن يكون المعنى أنه قد خرج عن تصرفه وكمال ملكه واستقلاله بما شاء من التصرف فليس له في وصيته كثير الثواب بالنسبة إلى صدقة الصحيح الشحيح والله تعالى أعلم. وفي قوله: "وقد كان لفلان" دليل على أنه إذا أضرّ في الوصية فإن للورثة أن يبطلوها لأنها حينئذ [مالهم] ألا تراه يقول: وقد كان لفلان يريد الوارث.
(1)
سقط هذا اللفظ من النسخة الهندية.
(2)
شرح صحيح البخاري لابن بطال (1/ 196).
(3)
إكمال المعلم بفوائد مسلم (3/ 565)، وشرح النووي على مسلم (7/ 123).
[5295]
وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لِأَن يتَصَدَّق الْمَرْء فِي حَيَاته وَصِحَّته بدرهم خير لَهُ من أَن يتَصَدَّق عِنْد مَوته بِمِائَة رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن حبَان فِي صَحِيحه كِلَاهُمَا عَن شُرَحْبِيل بن سعد عَن أبي سعيد.
(1)
[5296]
وَعَن أبي الدَّرْدَاء رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول مثل الَّذِي يعْتق عِنْد مَوته كَمثل الَّذِي يهدي إِذا شبع. رواه أبو داود
(2)
والترمذي وقال: حديث حسن صحيح
(3)
، وابن حبان في
(1)
أخرجه أبو داود (2866)، وابن حبان (3334). وضعفه الألباني في الضعيفة (1321)، ضعيف أبي داود (494) وضعيف الترغيب (2041). ولم يدرج الشارح تحته شرحا.
(2)
سنن أبي داود (3968). إسناده ضعيف لجهالة أبي حبيبة الطائي، فقد قال ابن معين في رواية عباس الدوري: لا أدري من هو. ومع ذلك صحح حديثه الترمذي، وابن حبان والحاكم، وحسنه ابن حجر في الفتح (5/ 374).
(3)
الترمذي (2123)، (2256)، وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأخرجه النسائي (6/ 238)، وفي الكبرى (4873 و 6408)، والطيالسي (980) وعبد الرزاق (16740)، وسعيد بن منصور في سننه (2330)، وابن أبي شيبة في "المسند"(23)، وأحمد (5/ 196 و 197 و 6/ 448)، وعبد بن حميد (202)، والدارمي (3226) وابن الأعرابي في معجمه (1872)، وابن حبان (3336)، والطبراني في معجمه الأوسط (5497)، وأبو الشيخ الأصبهاني في الأمثال في الحديث (328)، وأبو نعيم الأصبهاني في معرفة الصحابة (5294)، والحاكم (2846)، والبيهقي في الكبرى (4/ 190)، (10/ 273)، وفي الشعب (4347)، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. قال الحافظ في الفتح (5/ 374): إسناده حسن وصححه ابن حبان. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (5240)، والضعيفة (1322). وضعيف الترغيب والترهيب (2042).
صحيحه
(1)
إِلَّا أَنه قَالَ مثل الَّذِي يتَصَدَّق عِنْد مَوته مثل الَّذِي يهدي بَعْدَمَا يشْبع. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ وَعِنْده قَالَ أوصى رجل بِدَنَانِير فِي سَبِيل الله فَسئلَ أَبُو الدَّرْدَاء فَحدث عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ مثل الَّذِي يعْتق وَيتَصَدَّق عِنْد مَوته مثل الَّذِي يهدي بعد مَا شبع.
قوله: "وعن أبي الدرادء" تقدم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "مثل الذي يتصدق عند موته أو يعتق مثل الذي يهدي بعدما يشبع" يعني أن الذي يطعم عند الجوع يكون على النفس أشد فثوابه كثير والذي يطعم عند الشبع لا يكون شديدا على النفس فلم يكن ثوابه كثيرا، وكذا التفاوت بين الصدقة في حال الصحة والمرض.
(1)
صحيح ابن حبان (3336).