المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الترغيب في البكاء من خشية الله تعالى - فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب - جـ ١٣

[حسن بن علي الفيومي]

فهرس الكتاب

- ‌فصل في عيش السلف

- ‌الترغيب في البكاء من خشية الله تعالى

- ‌الترغيب في ذكر الموت وقصر الأمل

- ‌الترغيب في الخوف وفضله

- ‌الترغيب في الرجاء وحسن الظن بالله سيما عند الموت

- ‌كتاب الجنائز وما يتقدمها

- ‌التَّرْغِيب فِي سُؤال الْعَفو والعافية

- ‌التَّرْغِيب فِي كَلِمَات يقولهن من رأى مبتلى

- ‌التَّرْغِيب فِي الصَّبْر سِيمَا لمن ابْتُلِيَ فِي نَفسه أَو مَاله وَفضل الْبلَاء وَالْمَرَض والحمى وَمَا جَاءَ فِيمَن فقد بَصَره

- ‌التَّرْغِيب فِي كَلِمَات يقولهن من آلمه شَيْء من جسده

- ‌التَّرْهِيب من تَعْلِيق التمائم والحروز

- ‌[التَّرْغِيب فِي الْحجامَة وَمَتى يحتجم]

- ‌[التَّرْغِيب فِي عِيَادَة المرضى وتأكيدها وَالتَّرْغِيب فِي دُعَاء الْمَرِيض]

- ‌[التَّرْغِيب فِي كَلِمَات يدعى بِهن للْمَرِيض وكلمات يقولهن الْمَرِيض]

- ‌[التَّرْغِيب فِي الْوَصِيَّة وَالْعدْل فِيهَا والترهيب من تَركهَا أَوالمضارة فِيهَا وَمَا جَاءَ فِيمَن يعْتق ويَتَصَدَّق عِنْد الْمَوْت]

- ‌التَّرْهِيب من كَرَاهِيَة الْإِنْسَان الْمَوْت وَالتَّرْغِيب في تلقيه بالرضى وَالسُّرُور إِذا نزل حبا للقاء الله عز وجل

- ‌فائدة فيها بشرى:

- ‌[التَّرْغِيب فِي كَلِمَات يقولهن من مَاتَ لَهُ ميت]

- ‌[التَّرْغِيب فِي حفر الْقُبُور وتغسيل الْمَوْتَى وتكفينهم]

- ‌[التَّرْغِيب فِي تشييع الْمَيِّت وَحُضُور دَفنه]

- ‌التَّرْغِيب فِي كَثرَة الْمُصَلِّين على الْجِنَازَة وَفِي التَّعْزِيَة

- ‌[التَّرْغِيب فِي الْإِسْرَاع بالجنازة وتعجيل الدّفن]

- ‌فوائد يختم بها الباب:

- ‌[التَّرْغِيب فِي الدُّعَاء للْمَيت وإحسان الثَّنَاءعَلَيْهِ والترهيب من سوي ذَلِك]

الفصل: ‌الترغيب في البكاء من خشية الله تعالى

‌الترغيب في البكاء من خشية الله تعالى

5023 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة الله عز وجل، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه. رواه البخاري

(1)

ومسلم

(2)

وغيرهما.

قوله: "عن أبي هريرة"، تقدم وتقدم الكلام أيضا على السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله في عدة مواضع من هذا التعليق.

5024 -

وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من ذكر الله ففاضت عيناه من خشية الله حتى يصيب الأرض من دموعه لم يعذب يوم القيامة. رواه الحاكم

(3)

وقال: صحيح الإسناد.

قوله: "وعن أنس" هو ابن مالك تقدم. قوله: "من ذكر الله ففاضة عيناه من خشية الله" الحديث، فيض العين هو دمعها من البكاء.

(1)

صحيح البخاري (660 - 1423 - 6479 - 6806).

(2)

صحيح مسلم (91)(1031).

(3)

أخرجه الحاكم (4/ 260)، وأخرجه الطبراني في الأوسط (1663) و (6167)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (5583)، والضعيفة (4594)، وضعيف الترغيب والترهيب (1931).

ص: 155

5025 -

وعن أبي ريحانة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: حرمت النار على عين دمعت أو بكت من خشية الله، وحرمت النار على عين سهرت في سبيل الله، وذكر عينا ثالثة. رواه أحمد

(1)

واللفظ له والنسائي

(2)

والحاكم

(3)

وقال: صحيح الإسناد.

قوله: "وعن أبي ريحانة" تقدم الكلام عليه وعلى معنى الحديث في الجهاد مبسوطا.

5026 -

وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول عينان لَا تمسهما النَّار عين بَكت من خشيَة الله وَعين باتت تحرس فِي سَبِيل الله رَوَاهُ

(1)

أحمد (4/ 134 - 135)، وأخرجه ابن أبي شيبة (19550)، وفي المسند (733)، والدارمي (2400)، والبخاري في الكبير (4/ 264)، وابن أبي الدنيا في الرقة والبكاء (3)، وابن أبي عاصم في الجهاد (144)(145)، وفي الآحاد (2325)، (2326)، والطبراني في الأوسط (8736) والرامهرمزي في المحدث الفاصل (573)، وأبو نعيم في الحلية (2/ 28)، والبيهقي السنن الكبرى (9/ 251)، والمزي في تهذيب الكمال (12/ 566).

(2)

النسائي (6/ 13 - 14) وفي الكبرى (4325)(8869).

(3)

الحاكم (2/ 83)، وقال: صحيح الإسناد قلت: محمد بن سمير ويقال: شمير ذكره ابن حبان في الثقات على قاعدته، وقال ابن القطّان الفاسي: لا يعرف حاله (الوهم والإيهام 4/ 347)، وقال الذهبي في الميزان: لم يَرو عنه سوى عبد الرحمن بن شريح، وقال في الديوان: مجهول. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 287) روى النسائي طرفا منه. قلت: رواه أحمد، والطبراني في الكبير والأوسط، ورجال أحمد ثقات. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (12706)، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3321): حسن لغيره.

ص: 156

التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن غَرِيب.

5027 -

وَعَن أبي هُرَيرَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ حرم على عينين أَن تنالهما النَّار عين بَكت من خشيَة الله وَعين باتت تحرس الْإِسْلَام وَأَهله من الْكفْر رَوَاهُ الْحَاكِم وَفِي مُسْنده انْقِطَاع.

5028 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. لا يلج النار رجل بكى من خشية الله، حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبار "2" في سبيل الله ودخان جهنم. رواه الترمذي

(1)

وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي

(2)

والحاكم

(3)

وقال: صحيح الإسناد.

[لا يلج] أي لا يدخل.

قوله: "وعن أبي هريرة" أيضا تقدم. قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع" الحديث، الولوج هو الدخول، أي لا يدخل النار. والضرع بفتح الضاد المعجمة وسكون الراء لكل ذي ظلف أو

(1)

الترمذي (1633 و 2311).

(2)

سنن النسائي (6/ 12).

(3)

الحاكم (4/ 260)، وأخرجه الطيالسي (2565)، وأحمد (2/ 505)، وهناد في الزهد (465) وابن أبي الدنيا في الرقة والبكاء (1)، وابن بشران (1498)، والبيهقي في شعب الإيمان (779 و 780)، والبغوي في شرح السنة (2620)، وفي معالم التنزيل (4/ 189)، وأبو القاسم الأصبهاني في الترغيب (509)، والذهبي في معجم الشيوخ (1/ 366 - 367)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، وصححه لغيره الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1269).

ص: 157

خف، ومعنى الحديث لا يدخل النار أبدًا، وهو كقوله تعالى:{وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ}

(1)

، علقه على [المحال]، معناه لا يدخلون الجنة أبدا.

5029 -

وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما نزلت [أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون] بكى أصحاب الصفة حتى جرت دموعهم على خدودهم، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حسهم بكى معهم فبكينا ببكائه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يلج النار من بكى من خشية الله، ولا يدخل الجنة مصر على معصية، ولو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون فيغفر لهم. رواه البيهقي

(2)

.

قوله: "وروي عن أبي هريرة" تقدم. قوله: "لما نزلت هذه الآية {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ} بكى أصحاب الصفة حتى جرت دموعهم على خدودهم" الحديث، وتقدم الكلام على أصحاب الصفة وعلى موضع الصفة مرارا في الجهاد وغيره.

5030 -

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عينان لا تمسهما النار: عين باتت تكلأ في سبيل الله، وعين بكت من خشية الله. رواه أبو

(1)

سورة الأعراف، الآية:40.

(2)

أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (777).

وقال الألباني في السلسلة الضعيفة (6695): موضوع بفقرة (الإصرار)، وفي ضعيف الترغيب والترهيب (1932): ضعيف.

ص: 158

يعلى

(1)

ورواته ثقات والطبراني في الأوسط

(2)

إلا أنه قال: عينان لا تريان النار.

قوله: "وعن أنس بن مالك" تقدم. قوله: "عينان لا تمسهما النار أبدا عين باتت تكلؤ في سبيل الله" الحديث، أي تحفظ وتحرس.

5031 -

وَرُوِيَ عَن زيد بن أَرقم رضي الله عنه قَالَ قَالَ رجل يَا رَسُول الله بِمَ أتقي النَّار قَالَ بدموع عَيْنَيْك فَإِن عينا بَكت من خشيَة الله لَا تمسها النَّار أبدًا رَوَاهُ ابْن أبي الدُّنْيَا والأصبهاني.

5032 -

وَعَن مُعَاوِيَة بن حيدة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَة لَا ترى أَعينهم النَّار عين حرست فِي سَبِيل الله وَعين بَكت من خشيَة الله وَعين كفت عَن محارم الله رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَرُوَاته ثِقَات إِلَّا أَن أَبَا حبيب العنقري لَا يحضرني الْآن حَاله.

5033 -

وَعَن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول عينان لَا تمسهما النَّار عين بَكت فِي جَوف اللَّيْل من خشيَة الله وَعين

(1)

أخرجه أبو يعلى (4346)، وأخرجه البخاري في الكبير (4/ 231 - 232)، ابن أبي عاصم في الجهاد (147)، وابن عدي (3/ 1087)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 119)، والضياء في المختارة (2198) وقال أبو نعيم: غريب من حديث الثوري لم نكتبه إلا من حديث زافر قال الهيثمي (5/ 288): رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط بنحوه إلا إنه قال لا يريان النار ورجال أبي يعلى ثقات. وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (5/ 125): هذا إسناد رجاله ثقات. وصححه الألباني في صحيح الجامع (4111)، وصحيح الترغيب والترهيب (3325).

(2)

الطبراني في الأوسط (5775).

ص: 159

باتت تحرس فِي سَبِيل الله رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من رِوَايَة عُثْمَان عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي وَقد وثق.

5034 -

وَرُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كل عين باكية يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا عين غضت عَن محارم الله وَعين سهرت فِي سَبِيل الله وَعين خرج مِنْهَا مثل رَأس الذُّبَاب من خشيَة الله عز وجل. رَوَاهُ الْأَصْبَهَانِيّ.

5035 -

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مؤمن يخرج من عينيه دموع، وإن كان مثل رأس الذباب من خشية الله، ثم تصب شيئا من حر وجهه إلا حرمه الله على النار. رواه ابن ماجه

(1)

والبيهقي

(2)

والأصبهاني

(3)

، وإسناد ابن ماجه مقارب.

(1)

أخرجه ابن ماجه (4197) والحديث؛ أخرجه ابن أبي الدنيا في الرقة والبكاء (2)، والبزار (1760)، وابن قانع في معجم الصحابة (2/ 267)، والطبراني في المعجم الكبير (10/ 17/ 9799)، وأبو الفضل الزهري في حديثه (459)، وأبو نعيم في الحلية (4/ 266)، وقال: غريب من حديث عون، تفرد به محمد بن أبي حميد وهو أبو إبراهيم الزرقي المدني ويعرف بحماد بن أبي حميد .. وقال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص: 1511) أخرجه الطبراني والبيهقي في الشعب من حديث ابن مسعود بسند ضعيف. وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (4/ 235): هذا إسناد ضعيف حماد بن أبي حميد اسمه محمد بن أبي حميد وهو ضعيف رواه أحمد بن منيع في مسنده بإسناده ومتنه، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (5196)، والضعيفة (4490)، وضعيف الترغيب والترهيب (1936).

(2)

البيهقي في شعب الإيمان (802).

(3)

قوام السنة في الترغيب والترهيب (506).

ص: 160

قوله: "وعن ابن مسعود" تقدم الكلام على ترجمته. قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من مؤمن يخرج من عينيه دموع وإن كان مثل رأس الذباب من خشية الله ثم يصيب شيئا من حر وجهه إلا حرمه الله على النار"، الحديث. حرّ الوجه هو ما أقبل عليك وبدا لك منه، وحر كل أرض ودار وسطها وأطيبها وحر البقل والفاكهة والطين جيدها، قاله في النهاية

(1)

. وبقية أحاديث الباب تقدم الكلام عليها في أماكن متفرقة من هذا التعليق.

تنبيه: في بعض الحديث الدموع خفر العيون الخفر جمع خفرة وهي الذمة أي أن الدموع التي تجري خوفا من الله تعالى تجير العيون من النار، قاله في النهاية

(2)

.

5036 -

وَعَن أبي أُمَامَة رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَيْسَ شَيْء أحب إِلَى الله من قطرتين وأثرين قَطْرَة دموع من خشيَة الله وقطرة دم تهراق فِي سَبِيل الله وَأما الأثران فأثر فِي سَبِيل الله وَأثر فِي فَرِيضَة من فَرَائض الله عز وجل رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن

(3)

.

5037 -

وعن مسلم بن يسار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما اغرورقت عين بمائها إلا حرم الله سائر ذلك الجسد على النار، ولا سالت قطرة على خدها

(1)

النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 365).

(2)

النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 53).

(3)

أخرجه الترمذي (1669)، وابن أبي عاصم في الجهاد (108)، والطبراني في الكبير (8/ 235 رقم 7918). وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (1326) و (1376) و (3327).

ص: 161

فيرهق ذلك الوجه قتر ولا ذلة، ولو أن باكيا بكى في أمة من الأمم رحموا وما من شيء إلا له مقدار وميزان إلا الدمعة، فإنه تطفأ بها بحار من نار. رواه البيهقي

(1)

هكذا مرسلا، وفيه راو لم يسم، وروى عن الحسن البصري، وأبي عمران الجوني، وخالد بن معدان غير مرفوع وهو أشبه.

قوله: "وعن مسلم بن يسار" هو أبو عبد الله مسلم بن يسار البصرى الفقيه، قيل: هو مولى عثمان بن عفان، وقيل: مولى طلحة بن عبيد الله، وقيل: مزنى. روى عن أبيه، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وابن عباس، وأبى الأشعث الصنعانى. روى عنه ابنه عبد الله، وأبو قلابة، وابن سيرين، وثابت البناني، وأيوب، وغيرهم.

قال خليفة بن خياط: كان مسلم يعد خامس خمسة من فقهاء البصرة. وقال محمد بن سعد: كان ثقة، فاضلا، ورعا، عابدا. وقال ابن عون: كان لا يفضل أحد في ذلك الزمان. وقال ابن معين: هو ثقة، رجل صالح. وقال أحمد بن حنبل، وأحمد بن عبد الله: هو ثقة. وقال ابن سعد: توفى سنة مائة أو سنة إحدى ومائة. وقال خليفة: سنة مائة

(2)

.

قوله: "لا سالت قطرة على خدها فيرهق ذلك الوجه قتر ولا ذلة" أي لا يغشى ذلك الوجه قتر ولا ذلة، والقتر جمع قترة بالقاف المفتوحة الغبار

(1)

البيهقي في شعب الإيمان (790)، وقال الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (1937): مرسل وضعيف جدًا.

(2)

تهذيب الأسماء واللغات (2/ 93 - 94).

ص: 162

الأسود، قوله: ولا ذلة أي هوان، وقال قتادة كآبة. وفي حديث آخر: ما اغرورقت عين بمائها أي [امتلأت] بالدموع ولم تفض. قوله صلى الله عليه وسلم: "ولو أن باكيا بكى في أمة من الأمم رحموا وما من شيء إلا له مقدار وميزان إلا الدمعة فإنه يطفؤ بها بحار من نار" الحديث.

فائدة فيها بشرى: روي عن عبد الوهاب بن عطاء، عن سليمان وهو غير التيمي، عن عبيدة بن حسان، عن النضر بن سعيد

(1)

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أن عبدا بكى في أمة من الأمم [لأنجي] الله تلك الأمة من النار ببكاء ذلك العبد، وما من عمل إلا له وزن وثواب إلا الدمعة فإنها تطفئ بحورا من النار. الحديث.

وروي عن صالح المري

(2)

قال من بكى خوفا من الله تعالى من ذنب غفر له ذلك الذنب ومن بكى اشتياقا إلى الله تعالى أباحه الله تعالى النظر إليه متى شاء، وروي عن هارون بن رئاب

(3)

أنه قال: إن البكاء مثاقيل لو وزن بالمثقال الواحد منها [مثل] جبال الدنيا لرجح به البكاء وإن الدمعة لتنحدر فتطفئ البحور من النار، وما بكى عبد مخلصا في ملأ إلا غفر لهم جميعا ببركة بكائه، وروى عبد الوهاب عن خالد بن معدان

(4)

قال: ما بكى عبد من خشية الله تعالى إلا خشعت لذلك جوارحه وكان مكتوبا في الملأ الأعلى

(1)

الرقة والبكاء لابن أبي الدنيا (14).

(2)

نوادر الأصول في أحاديث الرسول (2/ 202) لكن فيه عن كعب.

(3)

نوادر الأصول في أحاديث الرسول (2/ 202).

(4)

نوادر الأصول في أحاديث الرسول (2/ 200).

ص: 163

باسمه فلان بن فلان منوّر قلبه بذكر الله تعالى. وروي عن حزم القلعي، قال: سمعت مالك بن دينار

(1)

يقول الباكي من خشية الله تعالى تهتز له البقاع التي يبكي عندها وتغمره الرحمة ما دام باكيا. ورى ابن السماك قال: سمعت عمر بن ذر

(2)

يقول إن البكاء من خشية الله تعالى [تبذل] بكل قطرة أو دمعة تخرج من عينيه أمثال الجبال من النور في قلبه ويزاد في قوته للعمل [ويطفئ] بذلك المدامع بحور من النار، والله أعلم.

قوله في آخر حديث مسلم بن يسار، وروي عن الحسن البصري وأبي عمران الجوني وخالد بن معدان غير مرفوع وهو أشبه. الحسن البصري هو الإمام المشهور المجمع على جلالته في كل فن، أبو سعيد الحسن بن أبي الحسن يسار التابعى البصري، بفتح الباء وكسرها، الأنصاري، مولاهم مولى زيد بن ثابت، وقيل: مولى جميل بن قطبة، وأمه اسمها خيرة مولاة لأم سلمة أم المؤمنين، رضى الله عنها. ولد الحسن لسنتين بقيتا من خلافة عُمر بن الخطاب رضي الله عنه. قالوا: فربما خرجت أمه في شغل فيبكى فتعطيه أم سلمة، رضى الله عنها، ثديها فيدر عليه، فيرون أن تلك الفصاحة والحكم من ذلك، وعن محمد بن سعد، قال: كان الحسن جامعا، عالما، رفيعا، فقيها، ثقة، مأمونا، عابدا، ناسكا، كثير العلم، جميلا، وسيما. وقدم مكة فأجلسوه على سرير، واجتمع الناس إليه، فيهم طاووس، وعطاء، ومجاهد، وعمرو بن

(1)

نوادر الأصول في أحاديث الرسول (2/ 200).

(2)

نوادر الأصول في أحاديث الرسول (2/ 200).

ص: 164

شعيب، فحدثهم، فقالوا، أو قال بعضهم: لم ير مثل هذا قط. وقال بكر بن عبد الله: الحسن أفقه من رأينا. ومناقبه كثيرة مشهورة. توفى سنة عشر ومائة.

ومن حكم الحسن ما ذكره الشافعي، رضى الله عنه، في المختصر في قول الله تعالى:{وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}

(1)

، قال الحسن: كان غنيا عن مشاورتهم، ولكن أراد أن يستن به الحكام بعده. وقال في قوله تعالى:{فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ}

(2)

الآية: لولا هذه الآية لرأيت الحكام هلكوا، ولكن أثنى على هذا بصوابه، وأثنى على هذا باجتهاده.

وأبو عمران الجوني هو عبد الملك بن حبيب الأزدي وقيل الكندي أحد العلماء رأى عمران بن حصين روى عن جندب بن عبد الله البجلي وأنس وأبي فراس ربيعة بن كعب الأسلمي وغيرهم وعنه ابنه عبيد وسليمان التيمي وابن عون وأبو عامر الخزاز وشعبة وأبان وآخرون قال ابن معين: ثقة وقال أبو حاتم: صالح وقال النسائي: ليس به بأس وقال عمرو بن علي: مات سنة ثمان وعشرين ومائة واسمه: عبد الرحمن كذا قال وقال غيره: سنة تسع وقال ابن حبان في الثقات: مات سنة ثلاث وعشرين. قلت: ثم قال: وقد قيل سنة ثمانية وقال ابن سعد: كان ثقة وله أحاديث وفي الطبراني بإسناد صحيح عن حماد بن سلمة عن أبي عمران الجوني قال بايعت بن الزبير على أن أقاتل أهل الشام فاستفتيت جندبا، وخالد بن معدان هو أبو عبد الله خالد بن معدان

(1)

سورة آل عمران: 159.

(2)

سورة الأنبياء: 79.

ص: 165

ابن أبي كريب الشامي الكلاعي. من أهل حمص. قال: لقيت سبعين رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكان من ثقات الشاميين، مات بأنطرطوس سنة أربع ومائة، وقيل: سنة ثلاث.

5038 -

وعن ابن أبي مليكة قال: جلسنا إلى عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما في الحجر فقال: ابكوا، فإن لم تجدوا بكاء فتباكوا، لو تعلموا العلم لصلى أحدكم حتى ينكسر ظهره، ولبكى حتى ينقطع صوته. رواه الحاكم

(1)

مرفوعا وقال: صحيح على شرطيهما.

قوله: "وعن ابن أبي مليكة" هو أبو محمد، وقيل: أبو بكر، عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة -واسم أبي مليكة زهير- بن عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة التيمي القرشي الأحول المكي. من مشاهير التابعين وعلمائهم، وكان قاضيا على عهد عبد الله بن الزبير، قال: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، سمع ابن عباس، وابن الزبير، وعائشة، روى عنه ابن جريج، وخلق سواه، مات سنة سبع عشرة ومائة.

قوله: "جلسنا إلى عبد الله بن عمر في الحجرة وقال: ابكوا فإن لم تجدوا بكاء فتباكَوا" الحديث، والتباكي هو تعاطي أسباب البكاء وإظهار الحزن،

(1)

أخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 578 - 579)، وقال: هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وأخرجه ابن المبارك في الزهد (1007 - زوائد المروزي)، ووكيع في الزهد (20)، وهناد في الزهد (457)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 289)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3328).

ص: 166

أي تكلفوا ذلك واجتهدوا فيه وبكت السحابة استرخت عزاليها ويمكن أن يكون البكاء منه. قاله صاحب المغيث

(1)

.

5039 -

وعن مطرف عن أبيه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ولصدره أزير كأزيز الرحا من البكاء. رواه أبو داود

(2)

واللفظ له، والنسائي

(3)

وابن خزيمة

(4)

وابن حبان

(5)

في صحيحيهما، وقال بعضهم:

(1)

المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (1/ 183).

(2)

أبو داود (904)، وأخرجه ابن المبارك في الزهد (109)، والترمذي في الشمائل (305) أبو عبيد في فضائل القرآن (ص 64)، وأحمد (4/ 25 و 26)، وعبد بن حميد (514) والحربي في الغريب (3/ 979)، وأبو يعلى (1599)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 255)، وأبو الشيخ الأصبهاني في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وآدابه (535)، والقطيعي في جزء الألف دينار (81)، والحاكم (1/ 264)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4217)، وابن حزم في المحلى (4/ 263)، والبيهقي (2/ 251) وفي الشعب (756 و 1889)، وفي دلائل النبوة (1/ 357)، والبغوي في شرح السنة (729)، وفي الشمائل (279)، والضياء في المختارة (436 - 437 - 443)، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم وقال الحافظ في الفتح (2/ 206): رواه أبو داود والنسائي والترمذي في الشمائل وإسناده قوي وصححه بن خزيمة وابن حبان والحاكم ووهم من زعم أن مسلما أخرجه. وقال الحافظ ابن رجب في فتح الباري (4/ 245) وهذا الإسناد على شرط مسلم. وقال النووي في الرياض (1/ 168): رواه أبو داود والترمذي في الشمائل بإسناد صحيح. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (544)، وصحيح أبي داود (840)، وصلاة التراويح (ص: 119).

(3)

النسائي (3/ 12)، وفي الكبرى (544 و 1135).

(4)

ابن خزيمة (900).

(5)

ابن حبان (665 و 753).

ص: 167

ولجوفه أزير كأزيز المرجل.

[قوله: أزيز كأزيز الرحا]: أي صوت كصوت الرحا، يقال: أزت الرحا إذا صوتت، والمرجل: القدر، ومعناه أن لجوفه حنينا كصوت غليان القدر إذا اشتد.

قوله: "وعن مطرف بن عبد الله عن أبيه" تقدم الكلام عليه وعلى مناقبه في الخشوع في الصلاة. قوله: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ولصدره أزيز كأزيز الرحى من البكاء" الحديث، أي صوت كصوت الرحي، يقال: أزّت الرحى إذا صوّتت والمرجل القدر [ومعناه أن لجوفه خنينا كصوت غليان القدر]

(1)

إذا اشتد، قاله الحافظ. [والخنين بكاء بصوت فيه غنة]

(2)

.

5040 -

وعن علي رضي الله عنه قال: ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح. رواه ابن خزيمة في صحيحه

(3)

.

قوله: "وعن علي رضي الله عنه"، كنيته: أبو الحسن فهو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف الهاشمي المكي المدني الكوفي أمير

(1)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

(2)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

(3)

ابن خزيمة (899) والحديث؛ أخرجه الطيالسي (118)، وأحمد (1023)، والنسائي في الكبرى (825)، وأبو يعلى (280)، (305)، وابن حبان (2257)، والبيهقي في دلائل النبوة (3/ 39 و 49)، وقال ابن حجر في فتح الباري (1/ 580) رواه النسائي بإسناد حسن. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (545).

ص: 168

المؤمنين ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم. واسم أبي طالب: عبد مناف على المشهور وأم علي اسمها فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف وكنيته أبو الحسن كما تقدم، وكناه رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا أبا تراب، وهو أخو رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمواخاة، قال له أنت أخي في الدنيا والآخرة، وصهره على فاطمة سيدة نساء العالمين وأبو السبطين وأول هاشمي ولد بين هاشميين وأول خليفة من بني هاشم وأحد العشرة المبشرة بالجنة وأحد الستة أصحاب الشورى الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض وأحد الخلفاء الراشدين وأحد العلماء الربانيين والشجعان المشهورين والزهاد المذكورين وأحد السابقين إلى الإسلام، واستخلفه النبي صلى الله عليه وسلم حين هاجر من مكة أن يقيم بها أياما حتى يؤدي عنه أمانته ثم يلحقه بأهل وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد إلا تبوك فإنه عليه الصلاة والسلام استخلفه فيها على المدينة وهو القائل: يا رسول الله [لا]

(1)

تخلفني على النساء والصبيان. وقال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أن لا نبي بعدي. وأصابته يوم أحد ستة عشر ضربة وأعطاه الراية يوم خيبر وأخبر أن الفتح يكون على يده. روى البخاري

(2)

ومسلم

(3)

عن سلمة بن الأكوع، قال: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي يوم خيبر وهو أرمد. فقال: لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله

(1)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

(2)

صحيح البخاري (4209).

(3)

صحيح مسلم (35)(2407).

ص: 169

ويحبه الله ورسوله، قال: فأتيت عليا فجئت به أقوده وهو أرمد حتى أتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فبصق في عينه فبرئ وأعطاه الراية. قال: فبرز مرحب وأنشد أبياتا معروفة في مواضعها، فبرز له علي رضي الله عنه وهو يقول: أنا الذي سمتني أم حيدرة. الشعر [المشهور]. قال السهيلي

(1)

: ذكر قاسم بن ثابت في تسميته حيدرة ثلاثة أقوال: الأول أنه اسمه في الكتب القديمة أسد والأسد هو حيدرة.

والثاني: أن أمه فاطمة بنت أسد حين ولدته كان أبوه غائبا فسمته باسم أبيها أسد فقدم أبوه فسماه عليا. والثالث أنه كان يلقب في صغره بحيدرة لأن الحيدرة الممتلئ لحما العظيم البطن وقيل لغلظ رقبته وكذلك كان علي رضي الله عنه، وكان مرحب رآى في المنام كأن أسدا افترسه فأراد علي أن يذكره بأنه هو الأسد الذي يقتله فكاشفه بذلك فلما سمعه أرعد [بتذكره] المنام فضرب علي مرحبا ففلق رأسه فقتله، وكان الفتح على يده، وبهذا الفعل استدل على جواز المبارزة في الحرب بشرط أن لا يتضرر المسلمون بقتل المبارزة فإن طلب المبارزة كافر استحب الخروج إليه وأحوال علي رضي الله عنه من الشجاعة مشهور.

وأما علمه رضي الله تعالى عنه فكان من العلوم بالمحل الأعلي، وتقدم الكلام على بعض مناقبه في أماكن متفرقة من هذا التعليق والله أعلم.

(1)

حياة الحيوان الكبرى (1/ 385).

ص: 170

قوله في الحديث: "ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد" والمقداد هو ابن عمرو بن ثعلبة بن مالك الكندي الهمداني أبو عمرو ويقال أبو معبد المكي حليف الأسود بن عبد يغوث الزهري وكان الأسود قد تبناه أي ربّاه وحالفه في الجاهلية أو تزوج بأمه فقيل ابن الأسود ويقال كان في حجره، ويقال كان عبدا حبشيا أسود فتبناه، شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان فارس المسلمين يوم بدر بالاتفاق، وكان المقداد من الرماة المذكورين وهو أحد الستة الذين أظهروا إسلامهم وكان من الفضلاء النجباء الكبار من خيار الصحابة.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدعو على المشركين لا نقول لك كما قال موسى {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}

(1)

ولكن نقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك ومن خلفك. فسُرّ النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.

وفي آخر كتاب الشفاء

(2)

أن عمر بن الخطاب قطع لسان ولده لما شتم المقداد بن الأسود، وقالى: ذرني أقطع لسانه حتى لا يشتم أحد بعده أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

وروى الترمذي

(3)

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله أمرني بحب أربعة

(1)

المائدة: 24.

(2)

كتاب الشفا (2/ 254).

(3)

الترمذي (3718)، ومن طريقه: ابن الأثير في أسد الغابة (5/ 242)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث شريك. وأخرجه ابن ماجه (149)، وأحمد =

ص: 171

وأخبرني [بأنه] يحبهم، قيل يا رسول الله سمّهم لنا. قال: علي والمقداد وأبو ذر وسلمان [رضي الله تعالى عنهم وعن بقية الصحابة أجمعين].

واعلم أنه يقال له المقداد بن عمرو بن الأسود منسوبا إلى الأب الحقيقي، والأب الادعائي كما يقال محمد بن علي بن الحنفية منسوبا إلى أبيه وأمه جميعا، فعلى هذا ينبغي أن ينون علي ويكتب ابن الحنفية بالألف ويكون إعرابه إعراب محمد لأنه وصف له لا لعلي وقس عليه نظائره.

قوله: "ولقد رأيتنا وما فينا قائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة يصلي ويبكي" الحديث. المراد بالقيام صلاة الليل وتقدم الكلام على ذلك.

5041 -

وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل ناجى موسى عليه السلام بمائة ألف وأربعين ألف كلمة في ثلاثة أيام، وكان فيما ناجاه به أن قال. يا موسى. إنه لم يتصنع إلي المتصنعون بمثل الزهد في الدنيا، ولم يتقرب إلي المتقربون بمثل الورع عما حرمت عليهم. ولم يتعبد إلي المتعبدون بمثل البكاء من خشيتي، فذكر الحديث إلى أن قال: وأما البكاؤون من خشيتي فأولئك لهم الرفيق الأعلى لا يشاركون فيه. رواه

= (23356)(23402) والبخاري في التاريخ الكبير (ص 31 - الكنى) والطبري في تاريخه (11/ 551)، والآجري في الشريعة (1495)، وابن المغازلي في مناقب علي (331)، (333) وأبو نعيم في الحلية (1/ 172) والحاكم (3/ 130)، وقال: على شرط مسلم. وتعقبه الذهبي بقوله: ما خرج مسلم لأبي ربيعة الأيادي. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1566) والسلسلة الضعيفة (1549).

ص: 172

الطبراني

(1)

والأصبهاني

(2)

، وتقدم بتمامه.

قوله: "وعن ابن عباس" تقدم. قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ناجى موسى عليه السلام بمائة ألف كلمة وأربعين ألف كلمة" الحديث، تقدم الكلام عليه في الزهد.

5042 -

وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله ما النجاة؟ قال أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك. رواه الترمذي

(3)

(1)

المعجم الأوسط (3937)، وفي المعجم الكبير (12/ 120/ 12650)، وأخرجه ابن أبي الدنيا في الزهد (198)، وابن شاهين في حديثه (17) و (18)، والبيهقي في شعب الإيمان (10047)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 203) رواه الطبراني، وفيه جويبر وهو ضعيف جدا. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 296) رواه الطبراني في الأوسط، وفيه جويبر بن سعيد، وهو ضعيف. وقال الألباني في الضعيفة (5258)، وضعيف الترغيب والترهيب (1938): ضعيف جدا.

(2)

الترغيب والترهيب لقوام السنة (499).

(3)

أخرجه الترمذي (2406)، وقال: حديث حسن. وأخرجه ابن المبارك في الزهد (1324)، وأحمد (5/ 259)، وفي الزهد (ص 22)، وابن أبي عاصم في الزهد (3)، وابن عدي (4/ 1632)(5/ 1813)(7/ 2672)، والروياني (158)، والطبراني في الكبير (17/ 270/ 741)، وفي مسند الشاميين (253)، والخطابي في العزلة (ص 8)، وأبو نعيم في الحلية (2/ 9 و 8/ 175) وأبو عمرو الداني في الفتن (119) والشجري في أماليه (2/ 155 - 156) وأبو سعد الماليني في الأربعين في شيوخ الصوفية (ص 193 - 194) وأبو القاسم الأصبهاني في الترغيب (1713 و 1731)، والخطيب في التاريخ (8/ 270 - 271) والسلفي في معجم السفر (363) وابن قدامة في المتحابين (144) وقال الترمذي: حديث حسن وقال ابن حجر في فتح الباري (11/ 309) أخرجه الترمذي وحسنه. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2741)، والصحيحة (888).

ص: 173

وابن أبي الدنيا

(1)

والبيهقي

(2)

، كلهم من طريق عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عنه، وقال الترمذي: حديث حسن غريب.

قوله: "وعن عقبة بن عامر الجهني" الصحابي الشريف المقرئ الفرضي الفصيح، وهو كان البريد إلى عمر بن الخطاب بفتح دمشق ووصل إلى المدينة في سبعة أيام ورجع إلى الشام في يومين ونصف بدعائه عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك أي بتقريب الطريق عليه، وتقدم الكلام على بعض مناقبه في أماكن متفرقة.

5043 -

وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: طوبى لمن ملك نفسه، ووسعه بيته، وبكى على خطيته. رواه الطبراني في الأوسط

(3)

والصغير

(4)

وحسن إسناده.

قوله: "وعن ثوبان" هو مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، تقدم الكلام على مناقبه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "طوبى لمن ملك لسانه" الحديث، تقدم الكلام على طوبي، والحديث.

(1)

ابن أبي الدنيا في الرقة والبكاء (169) وفي الصمت (2) وفي العزلة (1).

(2)

البيهقي في الشعب (784 و 4582)(7587)(7723)، وفي الزهد (236) وفي الآداب (400).

(3)

المعجم الأوسط (2340).

(4)

الطبراني في الصغير (212)، وفي مسند الشاميين (548)، وأخرجه أحمد في الزهد (ص/ 29)، وابن أبي عاصم الزهد (34)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (3929)، وصحيح الترغيب والترهيب (2740).

ص: 174

5044 -

وعن الهيثم بن مالك أنه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبكى رجل بين يديه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو شهدكم اليوم كل مؤمن عليه من الذنوب كأمثال الجبال الرواسي لغفر لهم ببكاء هذا الرجل، وذلك أن الملائكة تبكي وتدعو له، وتقول: اللهم شفع البكائين فيمن لم يبك. رواه البيهقي

(1)

وقال: هكذا جاء هذا الحديث مرسلا.

قوله: "وعن الهيثم بن مالك" كذا

قوله: "لو شهدكم اليوم كل مؤمن عليه من الذنوب كأمثال الجبال الرواسي" الحديث، شهدكم معناه حضركم.

قوله: هكذا جاء الحديث مرسلا، تقدم الكلام على الحديث المرسل في اصطلاح المحدثين.

5045 -

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}

(2)

تلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم على أصحابه فخر فتى مغشيا عليه، فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على فؤاده، فإذا هو يتحرك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا فتى قل: لا إله إلا الله، فقالها فبشره بالجنة، فقال أصحابه: يا رسول الله أمن بيننا؟ فقال: أوما سمعتم قوله تعالى: [ذلك لمن خاف مقامي وخاف

(1)

أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (789)، وقال الألباني في السلسلة الضعيفة (7/ 102) 3103): منكر جدًّا، وقال في ضعيف الترغيب والترهيب (1939): مرسل موضوع.

(2)

سورة التحريم، الآية:6.

ص: 175

وعيد]. رواه الحاكم

(1)

وقال: صحيح الإسناد كذا قال.

قوله: "وعن ابن عباس" تقدم الكلام على ترجمته. قوله صلى الله عليه وسلم: "يا فتى قل لا إله إلا الله، فقالها، فبشره بالجنة" وروي في سنن أبي داود

(2)

وغيره عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد.

وفي حديث: لقنوا موتاكم لا إله إلا الله. رواه مسلم

(3)

وزاد ابن أبي

(1)

المستدرك (2/ 351)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان (720) وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (1940) وقال ابن رجب في التخويف من النار (ص: 30): وقد روي هذا عن ابن أبي رواد عن عكرمة عن ابن عباس، وخرجه من هذا الوجه الحاكم وصححه. ولعل المرسل أشبه.، وأخرجه أبو نعيم في الحلية (8/ 195) عن عبد العزيز بن أبي رواد مرسلًا.

(2)

أخرجه أبو داود (316) والحاكم في المستدرك (1/ 351 و 500). وفي معرفة علوم الحديث (106). وأحمد (5/ 223 و 247)، والبزار (2626 - البحر الزخار). والهيثم بن كليب الشاشي (3/ 270 - 271/ 1372 و 1373)، والطبراني في الكبير (120/ 112/ 221)، وفي الدعاء (1471)، والخليلي في الإرشاد (2/ 678)، وابن منده في التوحيد (187)، والبيهقي في الشعب (94) و (9234 و 9237)، وفي الاعتقاد (37)، وفي الأسماء والصفات (1/ 171)، والخطيب في تاريخ بغداد (10/ 336). وفي الموضح (2/ 186). وابن عساكر في تاريخ دمشق (38/ 35 - 36)، والمزي في تهذيب الكمال (13/ 74) و (19/ 101 - 102)، والذهبي في السير (13/ 85)، وفي التذكرة (2/ 620)، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وحسنه الألباني في الإرواء (687)، وصححه في صحيح سنن أبي داود (2/ 279).

(3)

صحيح مسلم (1)(916).

ص: 176

الدنيا

(1)

: فإنه ما من عبد يختم له بها عند موته إلا كانت زاده [إلى الآخرة، وما أحسن ما] اتفق للحافظ أبي زرعة الرازي

(2)

عبد الله بن عبد الكريم لما حضرته الوفاة كان عنده أبو حاتم الرازي ومحمد بن مسلمة فاستحييا أن يلقناه فتذاكرا التلقين فارتج عليهما فبدا أبو زرعة وهو في النزع فذكر إسناده إلى أن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان آخر كلامه لا إله إلا الله ثم خرجت روحه مع الهاء قبل أن يقول دخل الجنة، ونقل في الروضة عن الجمهور الاقتصار على لا إله إلا الله. وعن جماعة من الأصحاب أنه يضيف محمد رسول الله لأن المقصود ذكر التوحيد والمراد موته مسلما وهو لا يسمى مسلما إلا بهما والأول أصح [أما] لا إله إلا الله إذا كان المحتضر كافرا فينبغي الجزم بتلقين الشهادتين لأنه لا يصير مسلما إلا بهما. قالوا: وينبغي أن يكون الملقن غير وارث حتى لا يتهمه باستعجال موته فإن لم يكن عنده إلا الورثة لقّنه أبرّهم به وأحبهم إليه. ومعنى قوله: "لقنوا موتاكم" أي [قولوا] لهم ذلك. وذكروهم به عند الموت، وسماهم موتى لأن الموت قد حضرهم، وتلقين الموتى هذه الكلمة سنة مأثورة عمل بها المسلمون ليختم لهم بالسعادة فيدخلوا الجنة.

(1)

في المحتضرين (5).

(2)

روي الحديث بهذه القصة جماعة منهم: ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (1/ 345). والحاكم في المعرفة، والبيهقي في الشعب، والخطيب في تاريخه وابن عساكر في تاريخه، والذهبي في السير وتذكرة الحفاظ. انظر: العزو في الحاشية السابقة رقم (1).

ص: 177

قال العلماء: فإن لم يقل هو لا إله إلا الله لقّنه من حضره، ويلقنه برفق مخافة من أن [يضجر فيردها، وإذا قالها مرة لا يعيدها عليه إلا أن]

(1)

يتكلم بكلام آخر [ولا يلح على التلقين كما تقدم لئلا يضجر فيمتنع من ذلك، ولا يقول له: قل لا إله إلا الله، بل يقول بحضرته ذلك، حتى يسمع ليتفطن فيقولها، فإن تكلم بعدها أعيد التلقين ليختم له بها أقواله. وقيل للجنيد عند الموت: قل لا إله إلا الله، فقال: ما نسيته فأذكره، انتهي].

5046 -

وروي عن أنس رضي الله عنه قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: [وقودها الناس والحجارة] فقال: أوقد عليها ألف عام حتى احمرت وألف عام حتى ابيضت وألف عام حتى اسودت فهي سوداء مظلمة لا يطفأ لهيبها قال: وبين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل أسود فهتف بالبكاء فنزل عليه جبريل عليه السلام فقال: من هذا الباكي بين يديك؟ قال: رجل من الحبشة، وأثنى عليه معروفا، قال: فإن الله عز وجل يقول: وعزتي وجلالي وارتفاعي فوق عرشي لا تبكي عين عبد في الدنيا من مخافتي إلا أكثرت ضحكها في الجنة، رواه البيهقي

(2)

والأصبهاني.

قوله: "وعن أنس" تقدم. قوله: "قال رجل من الحبشة" الحبشة اسم إقليم

(1)

سقطت هذه العبارة من النسخة الهندية.

(2)

أخرجه البيهقي في البعث والنشور (1084)، وفي شعب الإيمان (778) وأخرجه ابن مردويه (ابن كثير في البداية والنهاية (20/ 123)، وقال ابن رجب في التخويف من النار (ص: 91): خرجه البيهقي، والكديمي ليس بحجة.

ص: 178

مشهور وهي أرض واسعة شمالها الخليج البربري، وجنوبها البر، وشرقها الزنج، وغربها البجة. الحر بها شديد جدًا، وسواد لونهم لشدة الاحتراق، وأكثر أهلها نصارى يعاقبة، والمسلمون بها قليل. وهم من أكثر الناس عددًا وأطولهم أرضًا، لكن بلادهم قليلة وأكثر أرضهم صحارى لعدم الماء وقلة الأمطار، وطعامهم الحنطة والدخن، وعندهم الموز والعنب والرمان، ولباسهم الجلود والقطن.

5047 -

وروي عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا اقشعر جلد العبد من خشية الله تحاتت عنه ذنوبه كما يتحات عن الشجرة اليابسة ورقها. رواه أبو الشيخ ابن حيّان في الثواب والبيهقي

(1)

واللفظ له.

5048 -

وفي رواية له

(2)

قال: كنا جلوسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة

(1)

أخرجه البيهقي في الشعب (782)، وأخرجه البزار (1322)، وابن قانع في معجم الصحابة (2/ 276)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (8022)، والخطيب في تاريخ بغداد (4/ 56)، وأبو بكر الشافعي في الغيلانيات (288)، والماليني في الأربعين (8) وقال الهيثمي في المجمع:(10/ 310) فيه أم كلثوم بنت العباس ولم أعرفها وبقية رجاله ثقات، وأورده الحافظ في الإصابة (8/ 295) وعزاه لسمويه، إتحاف الخيرة المهرة (7/ 370) رواه أبو يعلى الموصلي والبيهقي بلفظ واحد بسند ضعيف. ورواه البزار وأبو الشيخ بن حيان في كتاب الثواب. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (319)، وفي السلسلة الضعيفة (2343).

(2)

البيهقي في الشعب (783).

ص: 179

فهاجت الريح، فوقع ما كان فيها من ورق نخر وبقي ما كان من ورق أخضر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما مثل هذه الشجرة؟ فقال القوم: الله ورسوله أعلم فقال: مثل المؤمن إذا اقشعر من خشية الله عز وجل وقعت عنه ذنوبه، وبقيت له حسناته.

قوله: "وروي عن العباس بن عبد المطلب" العباس هو أحد أعمام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعمامه حمزة والعباس والحارث وأبو طالب عبد مناف وأبو لهب عبد العزى والزبير وعبد الكعبة وضرار وقثم والمقوم والمغيرة ولقبه حجل والغيداق واسمه مصعب وقيل نوفل [وزاد بعضهم العوام، أسلم منهم حمزة والعباس رضي الله عنهما، وأسنّهم الحارث، وأصغرهم سنا العباس، وجعل بعضهم عبد الكعبة والمقوم واحدا، وبعضهم الغيداق وحجلا واحدا، والله تعالى أعلم]. قوله: "فهاجت الريح فوقع ما كان فيها من ورق نخر وبقي ما كان من ورق أخضر". الحديث. النخر هو الناشف.

ص: 180