الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الثلاثون نسبة النقائص إليه سبحانه كالولد والحاجة]
الثلاثون نسبة النقائص إليه سبحانه كالولد والحاجة فإن النصارى قالوا: {الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة: 30] وطائفة من العرب قالوا: الملائكة بنات الله، وقوم من الفلاسفة قالوا بتوليد العقول، وقوم من اليهود قالوا: العزير ابن الله (1) إلى غير ذلك.
وقد نزه الله نفسه عن كل ذلك ونفاه بقوله: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ - اللَّهُ الصَّمَدُ - لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ - وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 1 - 4]
وقوله: {أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ - وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الصافات: 151 - 152]
وهذا يعم جميع الأنواع التي تذكر في هذا الباب عن بعض الأمم، كما أن ما نفاه من اتخاذ الولد يعم - أيضا - جميع أنواع الاتخاذات، لا اصطفاؤه.
قال السُّدِّيُّ: قالوا: إن الله تعالى أوحى إلى إسرائيل: أن ولدك بِكْري من الولد، فأُدْخِلُهم النارَ، فيكونون فيها أربعين يوما حتى تطهرهم، وتأكل خطاياهم، ثم ينادي مناد: أخرجوا كل مختون من بني إسرائيل.
(1) هذا قولهم كلهم، قال تعالى: وقالت اليهود عزير ابن الله [التوبة 30] .
وقد قال الله تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ} [المؤمنون: 91]
وقال: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ} [الإسراء: 111]
وقال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا - الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان: 1 - 2]
وقال سبحانه وتعالى: {وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ - وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا} [النحل: 51 - 52] إلى قوله: {وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا} [النحل: 56] إلى قوله: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ} [النحل: 57]
وقال: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى - وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى - أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى - تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى - إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} [النجم: 19 - 23] إلى قوله: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى} [النجم: 27]
وقال تعالى: {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا} [الزخرف: 15]
قال بعض المفسرين: {جُزْءًا} [الزخرف: 15] أي: نصيبا وبعضا.
وقال بعضهم: جعلوا لله نصيبا من الولد.
وعن قتادة ومقاتل: عدلا.
وكلا القولين صحيح، فإنهم يجعلون له ولدا، والولد يشبه أباه.
ولهذا قال: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا} [الزخرف: 17] أي: البنات.
كما قال في الآية الأخرى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى} [النحل: 58]
فقد جعلوها للرحمن مثلا، وجعلوا له من عباده جزءا، فإن الولد جزء من الوالد، قال صلى الله عليه وآله وسلم:«إنما فاطمة بضعة مني» (1) .
وقوله في " الأنعام "[100] : {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 100]
قال الكلبي: " نزلت في الزنادقة، قالوا: إن الله وإبليس شريكان، فالله خالق النور والناس والدواب والأنعام، وإبليس خالق الظلمة والسباع والحيات والعقارب ".
وأما قوله: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا} [الصافات: 158]
فقيل: هو قولهم: الملائكة بنات الله، وسمي الملائكة جنا؛ لاختفائهم عن الأبصار، وهو قول مجاهد وقتادة.
(1) رواه مسلم في (فضائل الصحابة: 6308)، وله تتمة:" يؤذيني ما آذاها ".
وقيل: قالوا لحي من الملائكة يقال لهم: الجن، ومنهم إبليس: هم بنات الله (1) .
وقال الكلبي: قالوا - لعنهم الله -: بل بذور يخرج منها الملائكة.
وقوله: {وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 100]
قال بعض المفسرين: هم كفار العرب، قالوا: الملائكة والأصنام بنات الله، واليهود قالوا: عزير ابن الله، والذين كانوا يقولون من العرب: إن الملائكة بنات الله، وما نقل عنهم من أنه صاهَرَ الجن، فولدت له الملائكة، فقد نفاه عنه بامتناع الصاحبة، وبامتناع أن يكون منه جزء، فإنه صمد.
وقوله: {وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ} [الأنعام: 101] وهذا لأن الولادة لا تكون إلا من أصلين، سواء في ذلك توالد الأعيان - وتسمى الجواهر - وتوالد الأعراض (2) والصفات، بل ولا يكون تولد الأعيان إلا بانفصال جزء من الوالد، فإذا امتنع أن تكون له صاحبة امتنع أن يكون له ولد، وقد علموا كلهم أن لا صاحبة له، لا من الملائكة، ولا من الجن، ولا من الإنس، فلم يقل أحد منهم: إن له صاحبة؛ فلهذا احتج بذلك عليهم، وما حُكِيَ عن بعض كفار العرب أنه صاهر الجن فهذا فيه نظر، وذلك إن كان قد قيل فهو مما يعلم انتفاؤه من وجوه كثيرة، وكذلك ما قالته النصارى من أن المسيح ابن الله، وما قاله طائفة من اليهود أن العزير ابن الله، فإنه قد نفاه سبحانه بهذا وهذا.
وتمام الكلام في هذا المقام في كتاب " الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح "(3) و" تفسير سورة الإخلاص "(4) وغيرهما من كتب شيخ الإسلام تقي الدين قدس الله روحه.
(1) ذكره البغوي في تفسيره (4 / 44) ونسبه لابن عباس، لكن الحق أن إبليس لم يكن من الملائكة، بل إبليس "كان من الجن ففسق عن أمر ربه" [الكهف: 50] .
(2)
الجواهر والأعراض من مصطلحات وكلام المتفلسفة، فليته أعرض عنها، واستعمل بدلا منها الألفاظ الشرعية.
(3)
(3 / 202 - 212) .
(4)
مجموع الفتاوى (17/ 268 - 276) .