الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمقصود أن من يقول بإسناد الحوادث إلى غير الله تعالى كالدهر، فليس له مستند عقلي ولا نقلي، بل هو محض جهل، وقائله جاهل في أي عصر كان.
[السابعة والثلاثون إضافة نِعَم الله إلى غيره]
السابعة والثلاثون إضافة نِعَم الله إلى غيره قال الله تعالى في سورة " النحل "[83] : {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ} [النحل: 83]
وقد عدد الله تعالى نعمه على عباده في هذه السورة إلى أن قال: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ - فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ - يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ} [النحل: 81 - 83]
{يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ} [النحل: 83] إلخ، استئناف لبيان أن تولي المشركين وإعراضهم عن الإسلام ليس لعدم معرفتهم نعمة الله سبحانه وتعالى أصلا، فإنهم يعرفون أنها من الله تعالى، ثم ينكرونها بأفعالهم، حيث لم يفردوا منعمها بالعبادة، فكأنهم لم يعبدوه سبحانه وتعالى أصلا، وذلك كفران منزل منزلة الإنكار.
وأخرج ابن جرير وغيره عن مجاهد أنه قال: " إنكارهم إياها قولهم: ورثناها من آبائنا "(1) .
وأخرج هو وغيره - أيضا - عن عون بن عبد الله أنه قال: " إنكارهم إياها أن يقول الرجل: لولا فلان أصابني كذا وكذا، ولولا فلان لم أصب كذا وكذا "(2) .
(1) أخرجه ابن جرير في تفسيره بنحوه (14/ 158) .
(2)
أخرجه ابن جرير في تفسيره (14/ 158) .
وفي لفظ: " إنكارها: إضافتها إلى الأسباب ".
وبعضهم يقول: إنكارهم: قولهم: هي بشفاعة آلهتهم عند الله تعالى.
ومنهم من قال: النعمة - هنا - محمد صلى الله عليه وآله وسلم (1) أي: يعرفون أنه عليه الصلاة والسلام نبي بالمعجزات، ثم ينكرون ذلك، ويجحدونه عنادا.
{وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ} [النحل: 83] أي: المنكرون بقلوبهم، غير المعترفين بما ذكر، والتعبير بالأكثر إما لأن بعضهم لم يعرف الحق؛ لنقصان عقله، وعدم اهتدائه إليه، أو لعدم نظره في الأدلة نظرا يؤدي إلى المطلوب، أو لأنه لم تقم عليه الحجة؛ لكونه لم يصل إلى حد المكلفين لصغر ونحوه، وإما لأنه يقام مقام الكل، فإسناد المعرفة والإنكار المتفرع عليها إلى ضمير المشركين على الإطلاق من باب إسناد حال البعض إلى الكل.
ومما يجري هذا المجرى قوله تعالى في سورة " الواقعة "[81 - 82] : {أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ - وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة: 81 - 82] أي: تقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا.
إلى غير ذلك من الآثار.
وقد ذكرنا مذهب العرب في الأنواء في غير هذا الموضع، وفصلناه تفصيلا، وذكرنا شعرهم الدالَّ على مذهبهم هذا، والله الموفق.
(1) وهذا قول الفراء كما في معاني القرآن له (2 / 112) ، وقول ابن قتيبة كما في زاد المسير (4 / 479) ، وعزاه ابن جرير في تفسيره (14/ 157) إلى السدي.