الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعصي الإله وأنت تظهر حبه
…
هذا لعمري (1) في القياس بديعُ
لو كان حبك صادقا لأطعته
…
إن المحب لمن يحب مطيع
[الرابعة والسبعون تمنيهم على الله تعالى الأمانِيَّ الكاذبة]
الرابعة والسبعون تمنيهم على الله تعالى الأمانِيَّ الكاذبة قال تعالى في سورة " آل عمران "[23 - 24] : {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ - ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [آل عمران: 23 - 24]
أخرج ابن إسحاق وجماعة عن ابن عباس قال: «دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيت الْمِدْراسِ على جماعة من يهود، فدعاهم إلى الله تعالى، فقال النعمان بن عمرو والحارث بن زيد: على أي دين أنت يا محمد؟ فقال: " على ملة إبراهيم ودينه "، قالا: " فإن إبراهيم كان يهوديا "، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " فَهَلُمَّا إلى التوراة، فهي بيننا وبينكم، فأينا عليه "، فأنزل الله تعالى هذه الآية» .
(1) هذا قسم بغير الله، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح:" من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك " رواه الترمذي في (النذور والأيمان ما جاء في أن من حلف بغير الله فقد أشرك 1535)، أما حلف الله بحياة نبيه في قوله:"لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون" فالله يفعل ما يريد، ويقسم بما شاء، وفي الآية شرف عظيم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
(2)
روى القصة البخاري في صحيحه بالأرقام (1329 - 3635 - 4556 - 6819 - 6841 - 7332 - 7543) ، ومسلم برقم (4427 و 4440) وقد تقدمت ص (108) .
وفي هذه القصة العجب العجاب من فعل أهل الجاهلية، وفيها عدة مسائل من مسائلهم:
1 -
جحود ما يعلمون أنه من دينهم وفي كتابهم: وقد تقدم الكلام على مثل هذا في المسألة السادسة والعشرين من هذا الكتاب، وهذا دليل عليها وهو رواية البخاري في (التفسير سورة آل عمران: 4556) : فقد سألهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " لا تجدون في التوراة الرجم؟ " قالوا: ما نجد فيها شيئا، فقال لهم عبد الله بن سلام: كذبتم "فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين"، فوضع مدراسُها الذي يدرسها منهم كفه على آية الرجم، فطفق يقرأ ما دون يده وما وراءها، ولا يقرأ آية الرجم، فترع يده عن آية الرجم فقال: ما هذه؟ فلما رأوا ذلك قالوا: هي آية الرجم.
2 -
الكذب على الله: وقد تقدم الكلام على مثل هذا في المسألة السادسة والخمسين.
3 -
إلغاء أحكام الله، واستبدالها بأحكام وضعية وضعها بعضهم: في رواية للحديث السابق عند البخاري في (الحدود الرجم في البَلاط: 6819) قالوا: إن أحبارنا أحدثوا تحميم الوجه والتجبية، وفي رواية لمسلم في (الحدود: 4440) : نجده الرجم، لكنه كثر في أشرافنا، فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد، قلنا: تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع، فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:" اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه " فأمر به فرجم، فأنزل الله عز وجل:"يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر" إلى قوله: "إن أوتيتم هذا فخذوه"[المائدة: 141] . يقول: ائتوا محمدا صلى الله عليه وآله وسلم، فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه، وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا، فأنزل الله تعالى:"ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"[المائدة: 44]، "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون" [المائدة: 45] ، "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون" [المائدة: 47] في الكفار كلها.
ولم أجد في الروايات المذكورة اسم من وضع يده على الآية، لكن في رواية البخاري (7543) قالوا: يا أعور: اقرأ.
ومعنى قوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} [آل عمران: 24] أي: المذكور من التولي والإعراض حاصل لهم بسبب هذا القول الذي رسخ اعتقاهم به، وهونوا به الخطوب، ولم يبالوا معه بارتكاب المعاصي والذنوب.
والمراد بالأيام المعدودات: أيام عبادتهم العجل.
{وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [آل عمران: 24] أي: غرهم افتراؤهم وكذبهم، أو الذي كانوا يفترونه من قولهم:{لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ} [آل عمران: 24] أو من قولهم: {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة: 18]
، أو مما يشمل ذلك ونحوه من قولهم: إن آباءنا الأنبياء يشفعون لنا، وإن الله تعالى وعد يعقوب أن لا يعذب أبناءه إلا تَحِلَّةَ القسم.
فرد عليهم سبحانه بقوله: {فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ} [آل عمران: 25] إلخ.
رُوِيَ أن أول راية ترفع لأهل الموقف من رايات الكفار راية اليهود، فيفضحهم الله تعالى على رؤوس الأشهاد، ثم يأمر بهم إلى النار.
وهكذا رأينا كثيرا من أهل زماننا يفعلون ما يفعلون من المنكرات، اعتمادا على الشفاعة، أو على علو الحسب وشرف النسب، والله المستعان.
وفي سورة " البقرة "[80 - 82] : {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ - بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ - وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 80 - 82]