الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأنكر الله تعالى عليهم بقوله: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ} [المؤمنون: 68] ليعلموا - بما فيه من وجوه الإعجاز - أنه الحق من ربهم، فيؤمنوا به {أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ} [المؤمنون: 68] أي: بل جاءهم. . إلخ.
والمقصود أن من خصال الجاهلية التكبر بسبب الرئاسة على المواضع المقدسة، كما هو - اليوم - حال كثير ممن يدعي الشرف بسبب ذلك، فمنهم من ادعى الشرف على المسلمين بسبب رئاسته على مكة والمدينة، ومنهم من ادعاه بسبب الرئاسة في المشاهد أو مقامات الصالحين، وهؤلاء الذين يدعون انتسابهم إلى عبد القادر الْجِيلي في بغداد يدعون الشرف بسبب رئاستهم على قبر عبد القادر، واستيلائهم على النذور والصدقات والذبائح والقرابين الشركية، التي يتعبدها جهلة المسلمين من الهنود والأكراد ونحوهم، وهم أفسق خلق الله، وأدنؤهم نفسا، وأرذل خلق الله مسلكا، فما يفيدهم ذلك عند الله شيئا، وما ينجيهم من مقت الله وعذابه، وإن ظن بهم العوام ما ظنوا، فهم عند الله وعند عباده الصالحين أحقر من الذر، وأبعد عن رحمته يوم القيامة.
[السابعة والثمانون الافتخار بكونهم من ذرية الأنبياء عليهم السلام]
السابعة والثمانون الافتخار بكونهم من ذرية الأنبياء عليهم السلام فرد الله عليهم بقوله: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة: 141]
هذه الآية في آخر الجزء الأول من سورة " البقرة " وتفسيرها:
{تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ} [البقرة: 141] الإشارة إلى إبراهيم عليه السلام وأولاده في قوله: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} [البقرة: 130] إلخ.
والأمة أتت لمعان، والمراد بها - هنا - الجماعة، من " أَمَّ " بمعنى قصد، وَسُمِّيَتْ
كل جماعة يجمعهم أمر ما: إما دين واحد، أو زمان واحد، أو مكان بذلك؛ لأنهم يؤم بعضهم بعضا، ويقصده.
والخلو: المضي، وأصله الانفراد.
{لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ} [البقرة: 141] والمعنى: أن انتسابكم إليهم لا يوجب انتفاعكم بأعمالهم، وإنما تنتفعون بموافقتهم واتباعهم، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم:«يا معشر قريش إن أولى الناس بالنبي: المتقون، فكونوا بسبيل من ذلك فانظروا أن لا يلقاني الناس يحملون الأعمال، وتلقوني بالدنيا، فأصد عنكم بوجهي» .
وهذا الحديث بمعنى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]
ومعنى قوله: {وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة: 141] لا تؤاخَذون بسيئاتهم، كما لا تثابون بحسناتهم.
وهذه الخصلة موجودة اليوم في كثير من المسلمين، ورأس مالهم الافتخار بالآباء، فمنهم من يقول: أنا من ذرية عبد القادر الكيلاني، ومنهم من يقول: أنا من ذرية أحمد الرفاعي، ومنهم من يقول: أنا بكري، ومنهم من يقول: أنا عمري، ومنهم من يقول: أنا علوي أو حسني أو حسيني، ولا فضيلة لهم ولا تقوى، وكل ذلك لا ينفعهم {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ - إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 88 - 89] ورسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول لفاطمة: «يا فاطمة بنت محمد، لا أغني عنك من الله شيئا» (1) .
وما قَصْدُ أولئك المفتخرين بآبائهم - وهم عارون عن كل فضيلة - إلا أكل أموال الناس بالباطل، وفي المثل:" كن عصاميا، ولا تكن عظاميا ".
(1) رواه البخاري في (الوصايا هل يدخل النساء والولد في الأقارب؟ 2753) وبرقم (4771) بلفظ: " يا فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم سليني من مالي، لا أغني عنك من الله شيئا "، ومسلم في (الإيمان: 504) بلفظ: " يا فاطمة بنت رسول الله سليني ما شئت، لا أغني عنك من الله شيئا ".