الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[التاسعة والثمانون عظمة الدنيا في قلوبهم]
التاسعة والثمانون عظمة الدنيا في قلوبهم كقولهم: {لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف: 31]
أي: من خصال الجاهلية مراعاة الدنيا، وعظمتها في قلوبهم، كما حكى الله عنهم ذلك بقوله:{وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ - وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ - أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف: 30 - 32]
هذه الآية في سورة " الزخرف "، وموضع الاستشهاد فيها قوله:{وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف: 31]
المراد من القريتين: مكة والطائف.
قال ابن عباس: " الذي من مكة: الوليد بن المغيرة المخزومي، والذي من الطائف: حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي، وكل منهما كان عظيما، ذا جاه ومال، وكان الوليد بن المغيرة يسمى " ريحانة قريش "، وكان يقول: لو كان ما يقول محمد حقا لنزل علي أو على أبي مسعود، يعني عروة بن مسعود، وكان يكنى بذلك "(1) .
وهذا باب آخر من إنكارهم للنبوة، وذلك أنهم أنكروا أولا أن يكون النبي بشرا، ثم لما بُكِّتُوا بتكرير الحجج، ولم يبق عندهم تصور رواج لذلك، جاؤوا بالإنكار من وجه آخر، فحكموا على الله سبحانه أن يكون الرسول أحد هذين.
وقولهم: {نُزِّلَ هَذَا} [الزخرف: 31] ذكر له على وجه الاستهانة؛ لأنهم لم يقولوا هذه المقالة
(1) ذكر ابن إسحاق الوليد بن المغيرة حيث قال: أيُنْزَل على محمد وأترك وأنا كبير قريش وسيدها؟! ويترك أبو مسعود عمرو بن عمرو الثقفي سيد ثقيف؟! فنحن عظيما القريتين. " السيرة "(1 / 487) معلقا، وقد وصله أبو نعيم في " الدلائل "(ص 169) .
تسليما، بل إنكارا، كأنه قيل: هذا الكذب الذي يدعيه لو كان حقا لكان الحقيق به رجل من القريتين عظيم.
وهذا منهم لجهلهم بأن رتبة الرسالة إنما تستدعي عظيم النفس بالتخلي عن الرذائل الدنية، والتحلي بالكمالات والفضائل القدسية، دون التزخرف بالزخارف الدنيوية.
فأنكر سبحانه عليهم بقوله: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ} [الزخرف: 32] وفيه تجهيل وتعجيب من تحكمهم بنزول القرآن العظيم على من أرادوا.
{نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الزخرف: 32] قسمة تقتضيها مشيئتنا المبنية على الحكم والمصالح، ولم نفوض أمرها إليهم، علما منا بعجزهم عن تدبيرها بالكلية.
{وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ} [الزخرف: 32] في الرزق وسائر مبادئ العيش.
{دَرَجَاتٍ} [الزخرف: 32] متفاوتة بحسب القرب والبعد حسبما تقتضيه الحكمة، فمن ضعيف وقوي، وغني وفقير، وخادم ومخدوم، وحاكم ومحكوم.
{لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} [الزخرف: 32] ليستعمل بعضهم بعضا في مصالحهم، ويستخدموهم في مهنهم، ويسخروهم في أشغالهم، حتى يتعايشوا، ويترافدوا، ويصلوا إلى مرافقهم، لا لكمال في الْمُوَسَّع عليه، ولا لنقص في الْمُقَتَّر عليه، ولو فوضنا ذلك إلى تدبيرهم لضاعوا وهلكوا، فإذا كانوا في تدبير خُوَيْصَّة أمرهم، وما يصلحهم من متاع الدنيا الدنية وهو على طرف الثُّمام (1) بهذه الحالة، فما ظنهم بأنفسهم في تدبير أنفسهم، وفي تدبير أمر الدين، وهو أبعد من مناط العَيُّوق، ومن أين لهم البحث في أمر النبوة، والتخير لها من يصلح لها، ويقوم بأمرها.
وفي قوله تعالى: {نَحْنُ قَسَمْنَا} [الزخرف: 32] إلخ ما يُزَهِّد في الانكباب على طلب الدنيا، ويعين على التوكل على الله عز وجل، والانقطاع إليه جل جلاله.
(1) الثمام: جمع ثمامة وثُمَّة، وهي شجرة ضعيفة، فإذا كانوا - مع سهولة هذا الأمر الذي يشابه في ضعفه هذه الشجرة - فإنهم لا يستطيعونه، فكيف بما هو أشد منه، وهو أمر النبوة؟! .