المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌20 - باب في فضل القعود في المسجد - فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود - جـ ٥

[ياسر فتحي]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌20 - باب في فضل القعود في المسجد

وقال ابن المنذر في الأوسط (5/ 131): "وهذا الأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرُ ندب، لا أمرَ واجب، يدل على ذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي حيث ذكر خمس صلوات فقال: هل علي غيرهنَّ؟ قال: "لا، إلا أن تطوع"".

وقال أبو عمر ابن عبد البر في التمهيد (20/ 100): "لا يختلف العلماء أن كل من دخل المسجد في وقت يجوز فيه التطوع بالصلاة، أنه يستحب له أن يركع فيه عند دخوله ركعتين، قالوا فيهما: تحية المسجد، وليس ذلك بواجب عند أحد، على ما قال مالك رحمه الله، إلا أهل الظاهر؛ فإنهم يوجبونهما، والفقهاء بأجمعهم لا يوجبونهما".

***

‌20 - باب في فضل القعود في المسجد

469 -

. . . مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه؛ ما لم يُحْدِثْ، أو يَقُمْ: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه".

• حديث متفق على صحته.

أخرجه مالك في الموطأ (1/ 227/ 441)، ومن طريقه:

أخرجه البخاري (445 و 659)، وأبو عوانة (1/ 365/ 1319)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 258 - 259/ 1483)، وأبو داود (469)، والنسائي في المجتبى (2/ 55/ 733)، وفي الكبرى (1/ 402/ 814) و (10/ 415/ 11886)(13816 - تحفة)، وابن حبان (5/ 48/ 1753)، وأحمد (2/ 486)، والجوهري في مسند الموطأ (527)، وابن النحاس في أماليه (7)، وابن حزم في الإحكام (3/ 277)، والبيهقي (2/ 185).

• تنبيه:

قوله في هذا الحديث: "أو يَقُمْ" هو عند أبي داود من رواية القعنبي، وفي بعض نسخ أبي داود:"أو يَقُومُ"، وهو باللفظ الأول في موطأ القعنبي [كذا في مخطوط النسخة الأزهرية (39/ ب)، وحذفها المحقق من النص المحقق في مطبوعة دار الغرب (297)، وأثبتها في الهامش]، وكذا رواه البيهقي من طريق أبي داود.

وقد أخرجه من طريق القعنبي: البخاري، وأبو عوانة، والجوهري، وابن حزم؛ فلم يذكروا هذه الزيادة.

والذي يظهر لي -والله أعلم- أن عبد الله بن مسلمة القعنبي نفسه كان يحدث بهذه

الزيادة أحيانًا، ويدعها أحيانًا، ويحتمل أن يكون البخاري سمعها من القعنبي في الرواية لكنه حذفها عمدًا؛ لعدم ثبوتها عنده، لتفرد القعنبي بها من دون رواة الموطأ عن مالك.

فقد روى هذا الحديث عن مالك: يحيى بن يحيى الليثي (441 - الموطأ)، وأبو

ص: 406

مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري (527 - الموطأ. ابن حبان)، وابن القاسم (330 - الموطأ بتلخيص القابسي. السنن الكبرى للنسائي)، وسويد بن سعيد (171 - الموطأ)، وعبد الرحمن بن مهدي (أحمد)، وقتيبة بن سعيد (النسائي)، وعبد الله بن يوسف التنيسي (البخاري. أبو نعيم)، وعبد الله بن وهب (أبو عوانة)، وإسماعيل بن أبي أويس (ابن النحاس): فلم يذكروا جميعًا هذه الزيادة؛ مما يدل على شذوذها.

وقد رواه عن أبي الزناد جماعة من الثقات غير مالك -يأتي ذكرهم- ولم يذكروها أيضًا.

كما أن هذه الزيادة مما لا يتناسب مع بلاغة الأسلوب النبوي، وما أوتيه صلى الله عليه وسلم من جوامع الكلم، لما فيها من الأطناب، فقد تقدم معناها في قوله صلى الله عليه وسلم:"ما دام في مصلاه"، أي: مدة دوامه فيه، فإن قام انقطع عنه هذا الثواب، والله أعلم.

• قال مالك في الموطأ: "لا أرى قوله: "ما لم يُحْدِثْ" إلا الإحداث الذي ينقض الوضوء".

قال ابن عبد البر في التمهيد (19/ 43 - 44): "وأما قول مالك وتفسيره "ما لم يُحْدِثْ" بأنه الحدث الذي ينقض الوضوء، فقد خالفه فيه غيره، وقال: هو الكلام القبيح، والخوض فيما لا يصلح من اللهو، والذي قاله مالك هو: الصواب إن شاء الله؛ لأن كل من أحدث وقعد في المسجد فليس بمنتظرٍ للصلاة؛ لأنه إنما ينتظرها من كان على وضوء. . .، إلى أن قال: وقول مالك يدل على أن كل من لم يحدث حدثًا ينقض الوضوء داخل في معنى هذا الحديث، وإن خاض في بعض ما يخاض فيه من أخبار الدنيا -والله أعلم- إذا كان أصل عقده انتظار الصلاة بعد الصلاة".

وقال في الاستذكار (2/ 300): "وأما قول مالك في معنى "ما لم يُحْدِثْ": أنه الحدث الذي ينقض الطهارة، وهو قول صحيح؛ لأن المحدث في المسجد القاعد على غير وضوء لا يكون منتظرًا للصلاة، وقول مالك هذا أولى من قول من قال: إن الحدث ها هنا الكلام القبيح، وهذا قول ضعيف؛ أن من تكلم بما لا يصلح من القول لا يخرجه ذلك من أن يكون منتظرًا للصلاة، ويرجى له أن يدخل في دعاء الملائكة له بالمغفرة والرحمة؛ لأنه منتظر للصلاة في حال يجوز له بها الصلاة، إذا كان عقده ونيته انتظار الصلاة بعد الصلاة".

وسيأتي ما يؤيد ذلك في بعض طرق هذا الحديث، من أن قول مالك هو الصواب، فقد سئل أبو هريرة عن الحدث؟ فقال:"يفسو، أو يضرط"، ولا شك أن تفسير الصحابي أولى من قول غيره إذ هو الأعلم بمراد النبي صلى الله عليه وسلم.

فإن قيل: فلماذا اقتصر أبو هريرة في تفسير الحدث على الفساء والضراط؟ فيقال: لأن غيرهما من البول والغائط مثلًا لا يقع في المسجد؛ إلا من جاهل أو أثيم.

• وقد تابع مالكًا على هذا الحديث:

ص: 407

هشام بن عروة، وشعيب بن أبي حمزة، وموسى بن عقبة، والمغيرة بن عبد الرحمن بن عبد الله الحزامي، وورقاء بن عمر [وهم: ثقات]:

رووه: عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه؛ ما لم يحدث فيه، تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه". ألفاظهم متقاربة، وهذا لفظ شعيب.

أخرجه النسائي في الكبرى (10/ 415/ 11885 و 11887 و 11888)(13779 و 13909 و 13921 - تحفة)، والبزار (15/ 331/ 8885)، وأبو العباس السراج في مسنده (1185 و 1227)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (879 و 1772)، والطبراني في الأوسط (5/ 81/ 4731)، وفي مسند الشاميين (4/ 276/ 3274)، والدارقطني في الأفراد (5/ 208/ 5178 - أطرافه)، والبيهقي في الشعب (3/ 50/ 2836).

• تابع أبا الزناد عليه:

ابن شهاب، عن ابن هرمز، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن أحدكم ما قعد ينتظر الصلاة في صلاة؛ ما لم يحدث، ندعو له الملائكة: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه".

أخرجه مسلم (649/ 276)، وأبو نعيم في المستخرج (2/ 259/ 1484)، وأحمد (2/ 421)، والبزار (15/ 306/ 8829)، وأبو العباس السراج في مسنده (1234)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (887).

من طريقين عن يونس، عن ابن شهاب به.

***

470 -

. . . مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا يزال أحدكم في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه، لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة".

• حديث متفق على صحته.

أخرجه مالك في الموطأ (1/ 228/ 442)، ومن طريقه:

أخرجه البخاري (659)، ومسلم (649/ 275)، وأبو عوانة (1/ 365/ 1319)، وأبو داود (470)، وأحمد (2/ 486)، وأبو العباس السراج في مسنده (1247)، وفي حديثه بانتقاء زاهر الشحامي (807)، والجوهري في مسند الموطأ (528)، وابن النحاس في أماليه (7)، والبيهقي (3/ 65).

• تابع مالكًا عليه:

شعيب بن أبي حمزة [ثقة]، وورقاء بن عمر [ثقة]، ونافع بن عبد الرحمن أبي نعيم

ص: 408

القارئ [صدوق]، وعبد الرحمن بن إسحاق المدني [صدوق]، وعبد الرحمن بن أبي الزناد [صدوق، وهو من رواية سليمان بن داود الهاشمي عنه]، وداود بن أبي هند [ثقة متقن، لكن لا يصح عنه، تفرد به عنه: الوليد بن عمرو بن ساج، وهو: ضعيف [اللسان (8/ 386)]، رواه عنه ابنه عمرو: ولم أر من وثقه، وفي الإسناد إليه: أبو بدر أحمد بن خالد بن عبد الملك بن مسرح الحراني: قال الدارقطني: "ضعيف، ليس بشيء، ما رأيت أحدًا أثنى عليه"[اللسان (1/ 450)]؛ فهو منكر عن ابن أبي هند، والله أعلم]:

رووه عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، ولا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا انتظاره الصلاة".

أخرجه أبو يعلى (11/ 192/ 6303)، والسراج في مسنده (1185 و 1226 و 1248)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (808 و 878 و 1772)، والطبراني في مسند الشاميين (4/ 276/ 3274)، وأبو بكر ابن المقرئ في جزء نافع (12)، وتمام في فوائده (1124 و 1185).

• تابع أبا الزناد عليه:

ابن شهاب، عن ابن هرمز، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن أحدكم ما قعد ينتظر الصلاة في صلاة؛ ما لم يحدث، تدعو له الملائكة: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه".

أخرجه مسلم (649/ 276)، وأبو نعيم في المستخرج (2/ 259/ 1484)، وأحمد (2/ 421)، والبزار (15/ 306/ 8829)، وأبو العباس السراج في مسنده (1234)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (887).

من طريقين عن يونس، عن ابن شهاب به.

• وروي عن عبد الله بن الفضل، عن الأعرج، عن أبي هريرة به مرفوعًا، ولا يصح.

أخرجه المحاملي في الأمالي (483).

***

471 -

. . . حماد، عن ثابت، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"لا يزال العبد في صلاة ما كان في مصلاه ينتظر الصلاة، تقول الملائكة: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، حتى ينصرف، أو يُحْدِثَ".

فقيل: ما يُحْدِثُ؟ قال: يفسو أو يضرط.

• حديث صحيح.

أخرجه مسلم (649/ 274)، وأبو عوانة (1/ 365 - 366/ 1320) [ووقع عنده:"حماد بن زيد" وهو خطأ؛ إنما هو حماد بن سلمة]. وأبو نعيم في المستخرج (2/ 258/ 1482)،

ص: 409

وابن خزيمة (1/ 187/ 360)، وأحمد (2/ 415 و 528)، وإسحاق (1/ 118/ 33)، والطيالسي (4/ 196/ 2570)، وأبو يعلى (11/ 315/ 6430)، والقضاعي في مسند الشهاب (2/ 77/ 916).

• ولحديث أبي رافع طريق أخرى، يرويها:

عمران القطان، عن بكر بن عبد الله المزني، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الرجل في صلاة ما دام في مصلاه الذي صلى فيه ما لم يحدث".

أخرجه البزار (16/ 287/ 9493)، والطبراني في الأوسط (3/ 72/ 2521) و (4/ 101/ 3707).

ثم قال: "لم يرو هذا الحديث عن بكر بن عبد الله المزني إلا عمران القطان".

قلت: إسناده بصري حسن.

***

472 -

قال أبو داود: حدثنا هشام بن عمار: ثنا صدقة بن خالد: ثنا عثمان بن أبي العاتكة الأزدي، عن عمير بن هانئ العنسي، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أتى المسجد لشيء فهو حظُّه".

• حديث ضعيف.

أخرجه من طريق أبي داود: البيهقي (2/ 447) و (3/ 66).

وأخرجه من طريق هشام بن عمار: أبو نعيم في الحلية (5/ 159)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (54/ 200).

قال أبو نعيم: "لم نكتبه من حديث عمير إلا من هذا الوجه".

قلت: هذا حديث ضعيف؛ وإن شهد لمعناه حديث: "إنما الأعمال بالنيات"، وطريق الأعمش الآتي ذكره:"ثم أتى المسجد لا ينهزه إلا الصلاة، لا يريد إلا الصلاة"، فهذا الحديث لا يُعرف بهذا اللفظ إلا من حديث عثمان بن أبي العاتكة، وليس هو ممن يحتج به إذا انفرد، وإنما يكتب حديثه في الشواهد من غير روايته عن علي بن يزيد الألهاني، وقد وجدت ما يُنكَر عليه من غير روايته عن علي بن يزيد، فقد روى حديثًا منكرًا عن سليمان بن حبيب المحاربي [وهو تابعي ثقة، روايته عن أبي أمامة في صحيح البخاري (2909)]، عن أبي أمامة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله عز وجل يجلس يوم القيامة على القنطرة الوسطى بين الجنة والنار". . .، وذكر حديثًا طويلًا لا يتابع عليه، قاله العقيلي [الضعفاء الكبير (3/ 221)]، وذكره ابن الجوزي في الموضوعات (1/ 82)، وقال الذهبي في تاريخ الإسلام (9/ 520):"منكر".

والجمهور على تضعيف عثمان بن أبي عاتكة الدمشقي، ضعفه مطلقًا: ابن معين،

ص: 410

والنسائي، وأبو مسهر، وإسحاق بن سيار بن محمد بن مسلم النصيبي أبو يعقوب، ويعقوب بن سفيان، وأبو زرعة الدمشقي، وابن عدي.

وذكره العقيلي وابن شاهين وغيرهما في الضعفاء.

وقال عبد الله بن أحمد: "سألت أبي عن عثمان بن أبي العاتكة؟ قال: هذا رجل قاص".

قلت: يعني: أنه لم يره من أهل الحديث، ولا شأن له به، وفيه إشارة إلى تضعيفه، قال حماد بن سلمة:"كنت أسمع أن القصاص لا يحفظون الحديث".

وقال ابن الجارود وأبو أحمد الحاكم: "ليس بالقوي".

وفصَّل فيه دحيم، فقال:"لا بأس به،. . .، ولم ينكر حديثه عن غير علي بن يزيد، والأمر من علي بن يزيد".

وتبعه على ذلك أبو حاتم، وزاد:"فأما ما روي عن غير علي بن يزيد فهو: مقارب، يكتب حديثه" يعني: أنه لا يحتج به، وإنما يكتب حديثه في الشواهد.

وقال أبو داود: "صالح"، ووثقه خليفة بن خياط وابن سعد، وقال العجلي:"لا بأس به"، وذكره ابن حبان وابن خلفون في الثقات [انظر: الجرح والتعديل (6/ 163)، تاريخ دمشق (38/ 391)، العلل ومعرفة الرجال (2/ 473/ 3101)، تاريخ ابن معين للدوري (4/ 420 و 440/ 5074 و 5192)، تاريخ ابن معين للدارمي (627 و 628)، العلل لابن أبي حاتم (2/ 297/ 2403)، أحوال الرجال (279)، المعرفة والتاريخ (2/ 252)، الضعفاء الكبير (3/ 221)، الكامل (5/ 164)، التهذيب (3/ 65)، إكمال مغلطاي (9/ 155)، الميزان (3/ 40)، وغيرها].

وكما ترى فالذين ضعفوه أكثر وأعلم بأحوال الرجال من الذي وثقوه؛ ففيهم من أئمة الشام، وأهل بلد الرجل: أبو مسهر عبد الأعلى بن مسهر الدمشقي: وكان عالمًا بأهل الشام، وإليه المرجع فيهم في الجرح والتعديل، وكذلك: أبو زرعة الدمشقي، وأهل بلد الرجل أعلم بحديثه من غيرهم، فكيف وقد وافقهما على ذلك جماعة، ودحيم وإن كان فصَّل فيه؛ فلم يوافقه بقية أئمة الجرح والتعديل من أهل الشام على ذلك، بل إن أبا حاتم وإن كان قد أقر دحيمًا على أن البلية فيما رواه ابن أبي العاتكة عن علي بن يزيد إنما هي من علي بن يزيد نفسه؛ فإنه مع ذلك لم يوثقه في نفسه، بل جعله في جملة من يكتب حديثه في الشواهد؛ وهذا هو الذي يظهر لي -والله أعلم- فقد وُجِد له ما يُنكَر عن غير علي بن يزيد الألهاني.

ولم أر من تابع هشام بن عمار على هذا الحديث، وكان هشام ممن يقبل التلقين، فلعل هذا مما تلقنه، والله أعلم.

• ولحديث أبي هريرة في هذا الباب طرق كثيرة، منيها:

1 -

الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة

ص: 411

الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته، وصلاته في سوقه، بضعًا وعشرين درجة [وفي رواية: خمسًا وعشرين درجة]؛ وذلك أن أحدهم إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى المسجد لا ينهزه إلا الصلاة، لا يريد إلا الصلاة، فلم يخط خطوة إلا رفع له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة، حتى يدخل المسجد، فإذا دخل المسجد كان في الصلاة ما كانت الصلاة هي تحبسه، والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه، يقولون: اللهم ارحمه، اللهم اغفر له، اللهم تب عليه؛ ما لم يؤذ فيه، ما لم يحدث فيه".

أخرجه بتمامه أو طرفًا منه: البخاري (477 و 647 و 2119)، ومسلم (649/ 272)، وأبو عوانة (1/ 324 و 350 و 365/ 1150 و 1252 و 1316 و 1318)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 257 و 258/ 1479 و 1480)، وأبو داود (559)، والترمذي (603) وقال:"حسن صحيح"، والنسائي في الكبرى (10/ 413/ 11876 - 11878)(12337 و 12379 و 12407 - تحفة)، وابن ماجه (281 و 774 و 786 و 799)، وابن خزيمة (2/ 373 و 380/ 1495 و 1504)، وابن حبان (5/ 391/ 2043)، وأحمد (2/ 252)، والطيالسي (4/ 152 - 153 و 163 و 165/ 2522 و 2534 و 2536 و 2537)، وابن أبي شيبة (1/ 354/ 4070)، والبزار (16/ 107 و 129/ 9181 و 9216)، والمروزي في تعظيم قدر الصلاة (103)، وأبو العباس السراج في مسنده (650 - 652 و 1138 - 1140 و 1223 - 1225 و 1240 و 1246)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (783 - 786 و 875 - 877 و 923 و 933 و 2008 - 2010)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 145/ 1923)، وأبو جعفر ابن البختري في المنتقى من السادس عشر من حديثه (77)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين (3/ 489)، وأبو نعيم في الحلية (5/ 60)، وابن حزم في المحلى (3/ 38)، والبيهقي في السنن الكبرى (3/ 61)، وفي الشعب (3/ 48 - 49 و 49/ 2832 و 2833)، وابن عبد البر في التمهيد (16/ 202)، وأبو القاسم المهرواني في فوائده "المهروانيات"(68)، والبغوي في شرح السنة (2/ 117/ 472).

2 -

مصعب بن محمد بن عبد الرحمن بن شرحبيل العبدري المكي [لا بأس به]، عن أبي صالح، عن أبي هريرة مرفوعًا، بحديث:"الملائكة تصلي على أحدكم. . .".

أخرجه النسائي في الكبرى (10/ 413/ 11879)(12882 - تحفة)، بإسناد صحيح إلى مصعب.

3 -

عبد الرزاق، عن معمر، عن همام بن منبه، أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يزال أحدكم في صلاة ما دام ينتظرها، ولا تزال الملائكة تصلي على أحدكم ما كان في المسجد، تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ما لم يحدث".

فقال رجل من أهل حضرموت: وما الحدث يا أبا هريرة؟ قال: فساء أو ضراط.

أخرجه عبد الرزاق في المصنف (1/ 580/ 2211)، ومن طريقه: مسلم (649/ 276)، وأبو عوانة (1/ 224 و 364/ 743 و 1315)، وأبو نعيم في المستخرج (2/ 259/ 1485)،

ص: 412

والترمذي (330) وقال: "حسن صحيح"، وأحمد (2/ 312 و 319)، والسراج في مسنده (1141 و 1233)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (886 و 2011)، والبيهقي في السنن الصغرى (1/ 396/ 680)، وفي الكبرى (2/ 185)، وفي الشعب (3/ 86/ 2960)، وهو في صحيفة همام برقم (9 و 131).

ورُوي عن وهب بن منبه، عن همام، عن أبي هريرة به مرفوعًا.

أخرجه أحمد (2/ 289 - 290)، والطبراني في الأوسط (2/ 208/ 1747).

4 -

فليح بن سليمان، عن هلال بن علي، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، والملائكة تقول: اللهم اغفر له، وارحمه، ما لم يقم من صلاته، أو يحدث".

أخرجه البخاري (3229)، قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر: حدثنا محمد بن فليح: حدثنا أبي به.

5 -

ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يزال العبد في صلاة ما كان في المسجد ينتظر الصلاة، ما لم يحدث".

فقال رجل أعجمي: ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال: الصوت. يعني: الضرطة.

أخرجه البخاري (176) قال: حدثنا آدم بن أبي إياس، قال: حدثنا ابن أبي ذئب به.

• تابع ابن أبي ذئب عليه:

الضحاك بن عثمان [صدوق]، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا يزال العبد في صلاة ما دام في مصلاه، لم يحبسه إلا انتظار الصلاة، والملائكة معه تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ما لم يحدث".

أخرجه أحمد (2/ 532 و 533)، وإسحاق (1/ 455/ 528).

ورواه بعض الضعفاء عن المقبري به، فزاد في المتن، انظر: مسند الطيالسي (4/ 246/ 2632)، الكامل (6/ 196).

6 -

أيوب السختياني [ثقة ثبت حجة، من كبار الفقهاء والعباد، أثبت أصحاب ابن سيرين]، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مجلسه، تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ما لم يحدث، وأحدكم في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه".

أخرجه مسلم (649/ 273)، وأبو عوانة (1/ 364/ 1315)، وأبو نعيم في المستخرج (2/ 258/ 1481)، وأحمد (2/ 266)، وعبد الرزاق (1/ 580/ 2210)، والبزار (17/ 213/ 9865)، والسراج في مسنده (1228 و 1229)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (880 - 882).

• واختلف فيه على أيوب:

أ- فرواه سفيان بن عيينة، ومعمر بن راشد، كلاهما عن أيوب به مرفوعًا هكذا.

ص: 413

ب- وخالفهما أثبت أصحاب أيوب: حماد بن زيد، وإسماعيل بن علية، فروياه عن أيوب به موقوفًا، وفي رواية حماد:"عن أبي هريرة قال: قال: "الملائكة تصلي على أحدكم. . . " الحديث.

أخرجه النسائي في الكبرى (10/ 414/ 11882)(14411 - تحفة)، والخطيب في الكفاية (418).

وهذا لا يُعل المرفوع، فقد كان البصريون يفعلون ذلك في أحاديث ابن سيرين، بل ابن سيرين نفسه كان يفعل ذلك، قال الخطيب في الكفاية:"قال موسى [هو: ابن هارون، الحمال، الحافظ الكبير]: إذا قال حماد بن زيد والبصريون: "قال قال" فهو مرفوع. قلت للبرقاني: أحسب أن موسى عنى بهذا القول أحاديث ابن سيرين خاصة. فقال: كذا تحسب [وفي بعض المصادر: كذا يجب]. قلت: ويحقق قول موسى هذا ما أخبرناه ابن الفضل، قال: أنا عبد الله بن جعفر، قال: ثنا يعقوب بن سفيان، قال: ثنا يحيى بن خلف، قال: ثنا بشر بن المفضل، عن خالد، قال: قال محمد بن سيرين: كل شيء حَدَّثتُ عن أبي هريرة فهو مرفوع" اهـ كلامه.

وقول ابن سيرين هذا في المعرفة والتاريخ للفسوي (3/ 136)، ورواه من طريق الفسوي أيضًا: ابن عساكر في تاريخه (53/ 188)، ثم رواه من طريق آخر عن بشر بن المفضل، عن خالد الحذاء، قال: سمعت محمد بن سيرين يقول: "كل شيء حدثتكم عن أبي هريرة؟ فهو عن النبي صلى الله عليه وسلم".

فالمرفوع: صحيح؛ ولذا أخرجه مسلم في صحيحه.

• وممن رواه أيضًا من أهل البصرة عن ابن سيرين موقوفًا:

عبد الله بن عون [أبو عون البصري، ثقة ثبت، من أثبت أصحاب ابن سيرين]، عن محمد، عن أبي هريرة، قال:"لا يزال أحدكم في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه"، وقال:"لا تزال الملائكة يدعون لأحدكم ما دام في مصلاه، ما لم يحدث، اللهم اغفر له، اللهم ارحمه".

أخرجه النسائي في الكبرى (10/ 414/ 11883)(14476 - تحفة)، وابن أبي شيبة (1/ 354/ 4073)، وأبو جعفر بن البختري في الجزء الحادي عشر من فوائده (37 و 38)(533 و 534 - مجموع مصنفاته).

هكذا رواه عن ابن عون به موقوفًا: النضر بن شميل، وأبو أسامة حماد بن أسامة، وعبد الوهاب بن عطاء [وهم: ثقات]. وهو: المحفوظ عن ابن عون، ويقال فيه مثل ما قيل في ما يوقفه ابن سيرين عن أبي هريرة.

وممن وهم في رفعه من طريق ابن عون:

أبو خالد عبد العزيز بن معاوية القرشي [صدوق له أغلاط. التقريب (389)]: ثنا أزهر بن سعد السمان [بصري، ثقة]: ثنا ابن عون، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة،

ص: 414

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يزال العبد في صلاة ما دام ينتظر الصلاة، تقول الملائكة: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه".

أخرجه أبو العباس السراج في مسنده (1239)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (922)، وابن الأعرابي في المعجم (3/ 998/ 2129)، وتمام في فوائده (122)، والخطيب في تاريخه (10/ 452)، وأبو عبد الله محمد بن عبد الواحد الدقاق في معجم شيوخه (25)، وابن عساكر في تاريخه (36/ 361) و (52/ 104 و 105).

وهذا وهم من عبد العزيز بن معاوية فيما يظهر لي، والله أعلم.

ووهم في رفعه أيضًا عن ابن عون: عبد القاهر بن شعيب [لا بأس به].

أخرجه من طريقه: البزار (17/ 240 و 241/ 9915 و 9916)، والذهبي في التذكرة (2/ 540)، وفي السير (12/ 261).

قال البزار بعد فرقه حديثين: "وهذان الحديثان لا نعلم رواهما عن ابن عون عن محمد عن أبي هريرة؛ إلا عبد القاهر".

• ورواه يونس بن عبيد [ثقة ثبت، من أثبت أصحاب ابن سيرين] فوقف أوله، ورفع آخره: يونس بن عبيد، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، قال:"إنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة".

قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ما لم يحدث".

أخرجه النسائي في الكبرى (10/ 414/ 11881)(14584 - تحفة)، والبزار (17/ 223 و 224/ 9888 و 9889)، وبيبي في جزئها (16).

رواه بعض الضعفاء عن يونس فجعله من مسند عمران بن حصين:

عبد الله بن عيسى أبو خلف [منكر الحديث، يروي عن يونس ما لا يتابع عليه.

انظر: التهذيب (2/ 401)]، قال: نا يونس، عن محمد، عن عمران بن حصين رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا يزال العبد في صلاة ما انتظر الصلاة".

أخرجه البزار (9/ 81/ 3613).

وقال: "وهذا الحديث قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الكلام من وجوه بأسانيد مختلفة وكلام مختلف، ولا نعلم أنه يروى عن عمران بن حصين إلا من هذا الوجه، ولا نعلم رواه عن يونس إلا أبو خلف".

• هكذا رواه أثبت أصحاب ابن سيرين الثلاثة: أيوب، وابن عون، ويونس بن عبيد، ورواه من هو دونهم في ابن سيرين؛ فرفعوه:

هشام بن حسان [ثقة]، وعمران بن مسلم القصير [صدوق]: روياه عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه، ما لم يحدث: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه".

ص: 415

أخرجه النسائي في الكبرى (10/ 413 - 414/ 11880)(14557 - تحفة)، وأبو عوانة (1/ 364/ 1315)، وعبد الله بن أحمد في الزهد (21)، والبزار (17/ 298/ 10031)، والسراج في مسنده (1230 و 1231)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (883 و 884)، وابن الأعرابي في المعجم (111)، وابن عدي في الكامل (5/ 92)، وأبو نعيم في الحلية (6/ 180) و (8/ 132)، وفي تاريخ أصبهان (8/ 12)، وابن عساكر في تاريخه (53/ 5).

وانظر أيضًا: تاريخ أصبهان (1/ 228).

وكما تقدم فالمرفوع صحيح، وقال الدارقطني في العلل (10/ 54/ 1856):"وهو: الصواب".

7 -

محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال الملائكة تصلي على العبد ما دام في مصلاه الذي يصلي فيه، ما لم يقم أو يحدث، تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه".

أخرجه الدارمي (1/ 382/ 1407)، وأحمد (2/ 502)، وعلي بن حجر السعدي في حديث إسماعيل بن جعفر (171)، والسراج في مسنده (1236 و 1237 و 1245)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (889 - 891 و 931 و 932)، وابن سمعون في الأمالي (320 و 321).

وإسناده حسن.

8 -

قال الإمام أحمد في المسند (2/ 394): ثنا أبو أحمد: ثنا كثير بن زيد، عن الوليد بن رباح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يزال أحدكم في صلاة ما دام في مجلسه ينتظر الصلاة، والملائكة يقولون: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ما لم يحدث".

وإسناده حسن.

9 -

الأوزاعي، عن حسان بن عطية، عن محمد بن أبي عائشة، قال: حدثني أبو هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا يزال العبد في الصلاة ما كانت الصلاة تحبسه، ما لم يحدث".

والإحداث: أن يفسو، أو يضرط، إني لا أستحيي مما لم يستحي منه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أخرجه ابن خزيمة (18/ 1/ 26) قال: ثنا علي بن خشرم: أخبرنا عيسى -يعني: ابن يونس-، عن الأوزاعي به.

وإسناده حسن.

10 -

معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن الرجل في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه، والملائكة تصلي عليه: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه؛ ما دام في مجلسه الذي صلى فيه، ما لم يحدث".

فقيل له: وما يحدث؟ قال: فسوة أو ضرطة.

ص: 416

أخرجه الطبراني في مسند الشاميين (3/ 127/ 1928)، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن نافع الطحان: ثنا أحمد بن صالح: ثنا ابن وهب: أخبرني معاوية بن صالح به.

وهذا إسناد شامي ثم مصري حسن، وشيخ الطبراني: أحمد بن محمد بن نافع أبو بكر المصري الطحاوي الأصم: روى عنه حمزة الكناني، والعقيلي، والطبراني، وغيرهم، وله ذكر في مولد العلماء ووفياتهم (2/ 624)، وله ترجمة في تاريخ الإسلام (22/ 72).

11 -

روى الإمام مالك في الموطأ (1/ 228/ 444): عن نعيم بن عبد الله المجمر، أنه سمع أبا هريرة يقول:"إذا صلى أحدكم ثم جلس في مصلاه لم تزل الملائكة تصلي عليه: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، فإن قام من مصلاه فجلس في المسجد ينتظر الصلاة لم يزل في صلاة حتى يصلي".

قال الدارقطني في العلل (11/ 162/ 2195): "يرويه مالك بن أنس، واختلف عنه: فرواه أصحاب الموطأ عن مالك، عن نعيم المجمر، عن أبي هريرة موقوفًا.

ورواه إسماعيل بن جعفر، وعثمان بن عمر، عن مالك مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

وكذلك رواه محمد بن عمرو بن علقمة، عن نعيم المجمر، عن أبي هريرة.

ورفعه صحيح؛ إلا أن مالكًا وقفه في الموطأ".

وقال في الأحاديث التي خولف فيها مالك (73): "روى مالك في الموطأ عن نعيم، عن أبي هريرة موقوفًا: "إذا جلس أحدكم في مصلاه ينتظر الصلاة فهو في صلاة".

وحدث به في غير الموطأ مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

روى عنه جماعة كذلك، منهم: إسماعيل بن جعفر، وعثمان بن عمر، وروح بن عبادة، ويحيى بن مالك بن أنس، والوليد بن مسلم، وغيرهم".

وقال ابن عبد البر في التمهيد (16/ 205 - 207): "هكذا هذا الحديث في الموطأ من قول أبي هريرة، وقد روي عن مالك بهذا الإسناد، عن نعيم، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وممن رواه هكذا مرفوعًا عن مالك: عبد الله بن وهب، وإسماعيل بن جعفر، وعثمان بن عمر، والوليد بن مسلم"، ثم أخرجه من طريقهم به مرفوعًا.

وأخرجه مرفوعًا من طريق عثمان بن عمر، والوليد بن مسلم: ابن المظفر في غرائب مالك (96)، وابن بشران في الأمالي (9).

وأخرجه موقوفًا من طريق ابن وهب: ابن المظفر في غرائب مالك (97).

وأخرج طريق محمد بن عمرو، عن نعيم، عن أبي هريرة موقوفًا: السراج في مسنده (1237 و 1245)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (891 و 932).

• وللحديث طرق أخرى اختلف في أسانيدها، أو فيها من تكلم فيه، أو من لا تقبل زياداته في المتون، أو من لا يعرف، أو بعض الضعفاء، تركت ذكرها اختصارًا، وأحلت على مصادرها، انظر: السنن الكبرى للنسائي (10/ 414/ 11884)(12185 - تحفة)، صحيح ابن خزيمة (756)، مسند أحمد (2/ 261 و 352 و 422 و 550)، الآحاد والمثاني

ص: 417

(4/ 109/ 2080)، مسند البزار (16/ 72/ 9121)، مسند أبي يعلى (11/ 350/ 6463)، مسند السراج (1238 و 1241 و 1244)، حديث السراج (920 و 921 و 924 - 926 و 929 و 930)، مسند ابن الجعد (2540)، المعجم الأوسط للطبراني (8/ 118/ 8144)، الكامل لابن عدي (6/ 426)، تاريخ ابن عساكر (67/ 366)، التدوين للرافعي (4/ 15)، المطالب العالية (367).

• ولحديث أبي هريرة شواهد كثيرة، أذكر منها ما وقفت عليه إجمالًا واختصارًا:

1 -

حديث أنس، له طرق، والشاهد منه قوله صلى الله عليه وسلم:"وإنكم لم تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة"، وهو في الصحيحين، وقد تقدم تحت الحديث رقم (422).

وله حديث آخر طويل فيه موضع الشاهد، وهو: حديث ضعيف، مخرج في الذكر والدعاء برقم (63).

2 -

حديث جابر الطويل في المواقيت، والشاهد منه قوله صلى الله عليه وسلم:"وإنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتموها"، وهو حديث جيد، وقد تقدم تحت الحديث رقم (395).

3 -

حديث عبد الله بن سلام: حين قال لأبي هريرة: أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن العبد لا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة، تقول الملائكة: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه"؟، وهو حديث صحيح، يراجع تخريجه في أحاديث الذكر والدعاء (3/ 992)، تحت الحديث رقم (456).

4 -

حديث أبي سعيد: وله طرق كثيرة، منها:

أ- ما تقدم برقم (422)، والشاهد منه قوله صلى الله عليه وسلم:"وإنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة"، وهو حديث صحيح.

ب- عند أحمد (3/ 42 - 43 و 54)، وفي سنده مبهم.

ج- عند أحمد (3/ 95)، وإسحاق (1/ 118/ 34)، وفي سنده: علي بن زيد بن جدعان، وهو: ضعيف.

د- عند ابن خزيمة (1/ 90 و 185/ 177 و 357)، وابن حبان (2/ 127/ 402)، والحاكم (1/ 191)، والعقيلي في الضعفاء الكبير (2/ 223)، والدارقطني في الأفراد (5/ 64 - 65/ 4684 - أطرافه)، والبيهقي (2/ 16)، في حديث طويل.

من طريق أبي عاصم الضحاك بن مخلد: أخبرنا سفيان: حدثني عبد الله بن أبي بكر، عن سعيد بن المسيب، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أدلكم على ما يكفر الله به الخطايا. . . " الحديث مطولًا، وفيه موضع الشاهد.

وهو: حديث فريب من حديث الثوري، تفرد به عنه أبو عاصم النبيل، وقد أنكر عليه.

قال الإمام أحمد: "هذا باطل، ليس هذا من حديث عبد الله بن أبي بكر؛ إنما هذا حديث ابن عقيل"، قال ابنه عبد الله:"وأنكره أبي أشد الإنكار"[انظر: العلل ومعرفة الرجال (2/ 557/ 3633)].

ص: 418

وقال أبو حاتم: "هذا وهم؛ إنما هو: الثوري عن ابن عقيل، وليس لعبد الله بن أبي بكر معنى، روى هذا الحديث عن ابن عقيل: زهير وعبيد الله بن عمرو"[العلل لابن أبي حاتم (1/ 30/ 54)]، وهو الطريق الذي بعده.

هـ- عند الدارمي (1/ 189/ 698)، وابن ماجه (427 و 776)، وأحمد (3/ 3)، وابن أبي شيبة (1/ 15/ 44)، وعبد بن حميد (984)، والحارث بن أبي أسامة (153 - زوائده)، وأبي يعلى (2/ 507/ 1355)، والدارقطني في الأفراد (5/ 64 - 65/ 4684 - أطرافه)، والبيهقي (2/ 16)، والذهبي في السير (16/ 435)، في حديث طويل، وسنده حسن، وقد ضُعِّف. وانظر: علل الدارقطني (3/ 222/ 374).

5 -

حديث سهل بن سعد الساعدي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من انتظر الصلاة فهو في الصلاة ما لم يحدث".

أخرجه النسائي في المجتبى (2/ 55 - 56/ 734)، وفي الكبرى (1/ 402/ 815)، وابن حبان (5/ 45 و 47/ 1751 و 1752)، وأحمد (5/ 331)، وابن أبي شيبة في المصنف (1/ 353/ 4068)، وفي المسند (95)، وعبد بن حميد (465)، وأبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم في فتوح مصر (78)، ومحمد بن عاصم الأصبهاني في جزئه (34)، ووكيع في أخبار القضاة (3/ 229)، وأبو يعلى (13/ 541 و 544/ 7546 و 7550)، والروياني (1114)، والسراج في مسنده (1232)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (885)، والطبراني في الكبير (6/ 203/ 6011 و 6012)، وفي الأوسط (3/ 293/ 3194)، والمزي في التهذيب (32/ 14 و 15).

وهو حديث حسن.

6 -

حديث علي بن أبي طالب، واختلف في إسناده على عطاء بن السائب، فقيل: عن علي، وقيل: عمن سمع النبي صلى الله عليه وسلم.

أخرجه ابن المبارك في الزهد (420 و 421)، وابن سعد في الطبقات (6/ 174)، وابن أبي شيبة في المصنف (1/ 354/ 4071)، وفي المسند (975)، وأحمد (1/ 144 و 147)، والحارث بن أبي أسامة (131 - زوائده)، والبزار (2/ 210/ 597)، والبيهقي في الشعب (3/ 86/ 2961)، والخطيب في تاريخه (9/ 430)، والضياء في المختارة (2/ 196 و 197/ 578 و 579).

7 -

حديث ابن مسعود:

يرويه عبيد بن إسحاق العطار [منكر الحديث. اللسان (5/ 349) وغيره]، قال: نا زهير، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الرؤيا الصالحة بشرى، وهي جزء من سبعين جزءًا من النبوة، وإن ناركم -يعني: هذه- جزء من سبعين جزءًا من سموم جهنم، وما دام العبد ينتظر الصلاة فهو في صلاة ما لم يحدث".

ص: 419

أخرجه البزار (5/ 250/ 1864)، والشاشي (2/ 255/ 829)، والطبراني في الكبير (10/ 221/ 10532).

قال البزار: "هكذا رواه زهير، ولا نعلم رواه عن زهير إلا: عبيد بن إسحاق.

ورواه عمرو بن ثابت، عن أبي إسحاق، عن عمرو الأصم، عن عبد الله، عن النبى صلى الله عليه وسلم بنحوه.

ورواه غير عمرو بن ثابت، عن أبي إسحاق، عن عمرو الأصم، عن عبد الله موقوفًا.

قلت: عبيد بن إسحاق، وعمرو بن ثابت: ضعيفان، وقد خالفهما أصحاب زهير: قال أبو حاتم: "رأيتم أعجب من عبيد هذا، روى فجعله عن عبد الله!

وحدثنا النفيلي، عن زهير، عن أبي إسحاق، عن عمرو، قال: إذا دخل الرجل المسجد. . . قوله.

قال أبو حاتم: هذا عندي الصحيح: عن عمرو قوله" [العلل (1/ 143/ 398)].

وقال في حديث: "الرؤيا الصالحة بشرى"، و"وإن ناركم":"الحديث موقوف، أوقفه أصحاب زهير"[العلل (2/ 220/ 2150) و (2/ 334/ 2524)].

وانظر: جامع معمر (11/ 213/ 20357 - المصنف)، تفسير الطبري (14/ 30)، المعجم الكبير للطبراني (9/ 217/ 9057)، مستدرك الحاكم (2/ 474)، الشعب (1/ 170/ 145)، التمهيد (18/ 163).

8 -

حديث عقبة بن عامر:

يرويه عمرو بن الحارث وغيره، عن أبي عشانة، أنه سمع عقبة بن عامر الجهني، يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إذا تطهر الرجل ثم مر إلى المسجد؛ فيرعى الصلاة كتب له كاتبه -أو: كاتباه- بكل خطوة يخطوها إلى المسجد عشر حسنات، والقاعد يرعى الصلاة كالقانت [وفي رواية: ولم يزل في صلاة ما كان ينتظر الصلاة]، وبكتب من المصلين من حين يخرج من بيته حتى يرجع".

أخرجه ابن خزيمة (2/ 374/ 1492)، وابن حبان (5/ 386 و 393/ 2038 و 2045)، والحاكم (1/ 211)، وأحمد (4/ 157 و 159)، وابن المبارك في الزهد (410)، وابن عبد الحكم في فتوح مصر (134)، وأبو يعلى (3/ 286/ 1747)، والروياني (231 و 238)، والطبراني في الكبير (17/ 301 و 305/ 831 و 842)، وفي الأوسط (1/ 66/ 185)، والبيهقي في السنن (3/ 63)، وفي الشعب (3/ 68/ 2892)، والخطيب في تاريخه (2/ 229).

وهذا إسناد مصري صحيح، صححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم. وانظر: الترغيب (1/ 129 و 175/ 459 و 656)، والله أعلم.

***

ص: 420