المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌13 - باب اتخاذ المساجد في الدور - فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود - جـ ٥

[ياسر فتحي]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌13 - باب اتخاذ المساجد في الدور

والثاني: أن يكون المقبور محترمًا لا يجوز نبشه، فلا يصح بيع موضع القبور خاصة. . . .

وفي الحديث: دليل على جواز قطع النخل لمصلحة في قطعه،. . . والله أعلم".

***

‌13 - باب اتخاذ المساجد في الدور

455 -

قال أبو داود: حدثنا محمد بن العلاء: ثنا حسين بن علي، عن زائدة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدُّور، وأن تُنظَّف وتُطيَّب.

• الصحيح: مرسل، وله إسناد آخر وشاهد.

أخرجه من طريق أبي كريب محمد بن العلاء: ابن حبان (4/ 513/ 1634)، وأبو يعلى (8/ 152/ 4698)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء زاهر الشحامي (960)، وابن حزم في المحلى (1/ 172) و (4/ 44 و 240)، وابن عبد البر (14/ 160).

وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات حفاظ، رجال الشيخين.

• تابع حسينَ بنَ علي الجعفي: يعقوبُ بن إسحاق الحضرمي [صدوق]، قال: ثنا زائدة بن قدامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتخذ المساجد في الدور، وأن نُطهَّر وتُطيَّب.

أخرجه ابن ماجه (759)، والخطيب في تاريخه (6/ 152).

• تابع زائدة بن قدامة عليه:

1 -

سفيان الثوري:

رواه عبد الله بن الوليد العدني: ثنا سفيان الثوري، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتنظيف المساجد التي في البيوت.

أخرجه ابن عدي في الكامل (4/ 248).

وقال: "وهذا الحديث يعرف أيضًا من حديث الثوري عن هشام بن عروة: عن عبد الله بن الوليد"، وكذا هو في المخطوط (2/ 155/ ب).

فهو: غريب من حديث الثوري؛ لتفرد عبد الله بن الوليد بن ميمون المكي العدني به عن الثوري، فهو وإن كان صدوقًا، صحيح السماع من الثوري، أملى عليه إملاءً، وروى عنه جامعه؛ إلا أن له عن الثوري غرائب تفرد بها دون أصحابه المشهورين على كثرتهم، ولم يكن صاحب حديث، وربما أخطأ [انظر: التهذيب (2/ 452)، سؤالات أبي داود (239)، المعرفة والتاريخ (1/ 718)، الميزان (2/ 520)].

2 -

عبد الله بن المبارك، وقد اختلف عليه:

ص: 367

أ- فرواه خالد بن أبي يزيد القطربلي [كتب عنه ابن معين، وقال:"لم يكن به بأس"، التهذيب (1/ 538)، التقريب (179) وقال:"صدوق"، قال: ثنا عبد الله بن المبارك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا ببناء المساجد في الدور، ويأمر بتنظيفها.

أخرجه الطحاوي في المشكل (1/ 393/ 367 - ترتيبه).

ب- وخالفه: يعقوب بن إسحاق الحضرمي [صدوق] فقال: ثنا عبد الله بن المبارك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن الفرافصة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. . . فذكر مثله.

أخرجه الطحاوي في المشكل (368 - ترتيبه).

ويعقوب بن إسحاق: أشهر وأحفظ من القطربلي؛ إلا أنه قد اختلف عليه أيضًا:

أ- فرواه رزق الله بن موسى [صدوق له أوهام]، وإبراهيم بن محمد بن مروان، المعروف بالعتيق [قال الدارقطني:"غمزوه"، ووهَّمه في متن حديث قلبه. العلل (10/ 218/ 1985)، تاريخ بغداد (6/ 152)، اللسان (1/ 342)]، روياه عن يعقوب بن إسحاق الحضرمي، قال: ثنا زائدة بن قدامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة به، وتقدم.

ب- وخالفهما: إبراهيم بن مرزوق بن دينار البصري، نزيل مصر [صدوق، قال الدارقطني: "ثقة؛ إلا أنه كان يخطئ، فيقال له، فلا يرجع"، وكان قد عمي قبل موته. التهذيب (1/ 86)، الميزان (1/ 214)] فرواه عن يعقوب بن إسحاق الحضرمي قال: ثنا عبد الله بن المبارك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن الفرافصة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. . .، وتقدم.

فلا أدري ممن الوهم فيه؟ فلعل الوهم فيه من الرواة عن الحضرمي؛ فليس فيهم من يعتمد على حفظه، ولعل الوهم فيه من الحضرمي نفسه؛ فإنه ليس بذاك الثبت، الذي يحتمل منه التعدد في الأسانيد [انظر: التهذيب (4/ 440)].

وعليه: فلا أرى الحديث محفوظًا عن ابن المبارك من هذا الوجه المتصل؛ فإني لم أقف على من رواه عن ابن المبارك غير رواية هذين، وليسا من أصحاب الرجل المشهورين بالرواية عنه، مثل عبدان، وسويد بن نصر، وسفيان بن عبد الملك، وعلي بن الحسن بن شقيق، وأحمد بن عيسى الحمال، وغيرهم من أصحابه المعروفين.

فإن قيل: رواية ابن المبارك عن الفرافصة، قد توبع عليها:

تابعه: قران بن تمام، فرواه عن هشام بن عروة عن أبيه عن الفرافصة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.

أخرجه العقيلي (3/ 309)، وابن قانع في المعجم (2/ 330).

قلت: قران: صدوق يخطئ [انظر: التهذيب (3/ 435)، الثقات (7/ 346) وغيرهما]، والذين خالفوه أحفظ منه، وأكثر عددًا.

وقد وهَّمه العقيلي في هذه الرواية.

ص: 368

وقال الدارقطني في العلل (5/ 37/ أ)(14/ 156/ 3493): "وقيل: عن قران بن تمام، عن هشام، عن أبيه، عن الفرافصة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يصح".

فلا تصح الرواية فيه عن فرافصة.

3 -

مالك بن سعير بن الخِمس [صدوق، ضعفه أبو داود]، قال: أنبأنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة به، وقال: تطهر، بدل: تنظف.

أخرجه ابن ماجه (758)، وابن خزيمة (2/ 270/ 1294)، والسراج في حديثه بانتقاء الشحامي (950)، والطحاوي في المشكل (369 - ترتيبه).

وذكره ابن أبي حاتم في العلل (1/ 168/ 481) وسأل عنه أباه؟ فقال: "إنما يُروى عن عروة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مرسلًا".

4 -

عامر بن صالح [هو: ابن عبد الله بن عروة بن الزبير، الزبيري، أبو الحارث المدني، سكن بغداد: متروك، كذبه ابن معين، وخفي أمره على أحمد فوثقه. انظر: التهذيب (2/ 266)، الميزان (2/ 360)،، قال: حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة به.

أخرجه الترمذي (594)، والطوسي في مستخرجه على الترمذي "مختصر الأحكام"(3/ 165 - 166/ 556)، وأحمد (6/ 279)، والسراج في حديثه بانتقاء الشحامي (951)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 124/ 2510)، والعقيلي (3/ 309)، وابن عدي (5/ 83)، والبيهقي (2/ 439)، والخطيب في تاريخه (12/ 234)، والبغوي في شرح السنة (2/ 139/ 500)، والمزي في التهذيب (14/ 48).

قال ابن عدي: "وهذا الحديث يعرف بمالك بن سعير عن هشام بن عروة، وقد رواه عامر بن صالح"، ثم قال في آخر ترجمة عامر هذا:"وعامة حديثه مسروقات من الثقات، وإفرادات مما ينفرد به، وعامة ما رأيته يروي عن هشام بن عروة".

5 -

يونس بن بكير [صدوق يخطئ، صاحب غرائب. التهذيب (4/ 466)، الكامل (7/ 178)، الميزان (4/ 477)، التقريب (686)]، رواه عن هشام، عن أبيه، عن عائشة به.

أخرجه البزار [نصب الراية (1/ 122)].

• خالف هؤلاء في وصل الحديث؛ فأرسله:

وكيع بن الجراح، وسفيان بن عيينة، وعبدة بن سليمان [وهم: ثقات حفاظ]:

رووه عن هشام بن عروة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر. . . فذكروا نحوه، هكذا مرسلًا.

أخرجه الترمذي (595 و 596)، وابن أبي شيبة (2/ 141/ 7444)، والعقيلي (3/ 309).

قال الترمذي: "وهذا أصح من الحديث الأول".

وقال الطوسي: "وهذا أصح من حديث الزبيري"، يعني: عامر بن صالح.

وقال العقيلي: "هذا أولى".

وقال ابن رجب في الفتح (2/ 380): "وكذلك: أنكر الإمام أحمد وصله".

ص: 369

وقال أبو حاتم في العلل (1/ 168/ 481): "إنما يُروى عن عروة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مرسلًا".

وقال الدارقطني في العلل (5/ 37/ أ)(14/ 155/ 3493) لما سئل عن هذا الحديث: "يرويه هشام بن عروة، واختلف عنه:

فرواه عنه: الثوري، وزائدة بن قدامة، وعبد الله بن المبارك، وابن عيينة، ومالك بن سعير، وعامر بن صالح بن عبد الله بن عروة بن الزبير، ويونس، وحبان بن علي العنزي: عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة.

والصحيح عن جميع من ذكرنا، وعن غيرهم: عن هشام عن أبيه مرسلًا عن النبي صلى الله عليه وسلم".

وكلام الدارقطني هذا صريحٌ في أنَّ من تقدم ذكره ممن روى هذا الحديث متصلًا، قد رواه أيضًا مرسلًا، وهو الوجه الصحيح عنه، مثل: زائدة بن قدامة، وسفيان الثوري، وعبد الله بن المبارك، ومالك بن سعير، وعامر بن صالح، ويونس بن بكير.

وعلى هذا: فلا شك في كون المحفوظ في هذا الحديث: مرسل، والله أعلم [وانظر: الفتح لابن حجر (1/ 342)، والمحلى (1/ 172)، وغيرهما].

وقوله: "في الدور": يعني: محلات القبائل، وأحيائهم.

• وله إسناد آخر عن عروة:

فقد رواه الإمام أحمد في المسند (5/ 371) قال: ثنا يعقوب: ثنا أبي، عن ابن إسحاق: حدثني عمر بن عبد الله بن عروة بن الزبير، عن جده عروة، عمن حدثه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نصنع المساجد في دورنا، وأن نصلح صنعتها ونطهرها.

قال الهيثمي في المجمع (2/ 11): "رواه أحمد وإسناده صحيح".

قلت: هو إسناد مدني حسن؛ عمر بن عبد الله بن عروة بن الزبير: روى عنه جماعة من الثقات، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن سعد:"وكان كبيرًا، قليل الحديث"، وروى له البخاري ومسلم حديثًا واحدًا في الطِّيب للحل والإحرام [خ (5930)، م (1189/ 35)]، وقد سمع جده عروة [تخ (6/ 167)، خ (5930)، م (1189/ 35)] وانظر أيضًا: [الجرح والتعديل (6/ 117)، الثقات (7/ 166)، العلل ومعرفة الرجال (3/ 106/ 4419)، الطبقات الكبرى (233 - القسم المتمم)، التهذيب (3/ 237)].

وابن إسحاق: صدوق مشهور، وقد صرح بالتحديث، وله شاهد من حديث سمرة.

***

456 -

قال أبو داود: حدثنا محمد بن داود بن سفيان: حدثنا يحيى -يعني: ابن حسان-: حدثنا سليمان بن موسى: حدثنا جعفر بن سعد بن سمرة: حدثني

ص: 370

خبيب بن سليمان، عن أبيه سليمان بن سمرة، عن أبيه سمرة، أنه كتب إلى بَنِيه: أما بعد: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا بالمساجد أن نصنعَها في دورنا، ونُصلحَ صنعتها، ونُطهِّرَها.

• حديث حسن بشاهده.

أخرجه من طريق أبي داود: البيهقي (2/ 440)، والخطيب في المتفق والمفترق (2/ 1014/ 616).

وهذا الإسناد هو الذي يروي به أبو داود صحيفة سمرة [أو: كتاب سمرة، أو: وصية سمرة لبنيه]، وقد أخرج منها في سننه ستة أحاديث، هذا أحدها، والباقي يأتي -إن شاء الله تعالى- برقم:(975 و 1562 و 2560 و 2716 و 2787)، وقد احتج بها أبو داود.

وشيخ أبي داود فيها: محمد بن داود بن سفيان: روى عن عبد الرزاق، ويحيى بن حسان التنيسي، وروى عنه أبو داود فقط [فيما وقفت عليه من ترجمته]، ولم أر فيه جرحًا ولا تعديلًا؛ إلا رواية أبي داود عنه فإنها ترفعه.

• ولم ينفرد بهذا الحديث، فقد توبع:

قال الطبراني في معجمه الكبير (7/ 252/ 7026): حدثنا عبدان: ثنا دحيم: ثنا يحيى بن حسان به، إلا أنه قال: عن سمرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم. . . .

وهذا إسناد صحيح إلى يحيى بن حسان التنيسي، وهو: ثقة.

وسليمان بن موسى؛ هو: الزهري، أبو داود الكوفي، خراساني الأصل، نزل دمشق، وهو: صدوق، مستقيم الحديث، وقول ابن حجر في التهذيب (2/ 112):"وذكر العقيلي عن البخاري أنه قال: منكر الحديث"؛ فإنما هو خطأ محض، وقع فيه بسبب اعتماده في النقل على كتاب مغلطاي [إكمال التهذيب (6/ 101)]، وإنما الذي في كتاب العقيلي:"سليمان بن موسى: عن مظاهر بن أسلم، ومظاهر: منكر الحديث، قاله البخاري"، ثم أسنده [الضعفاء الكبير (2/ 507) ط حمدي السلفي]، فظهر بهذا أن قول البخاري إنما هو في مظاهر بن أسلم، وليس في سليمان بن موسى، ثم أورد له العقيلي حديثين ثم قال:"جميعًا غير محفوظين إلا عن مظاهر هذا"، فظهر أن الحمل فيهما على مظاهر وليس على سليمان، ولهذا فإن ابن عدي قد أصاب حين أورد هذين الحديثين في ترجمة مظاهر [الكامل (6/ 449)]، ولو كان كلام البخاري هذا معروفًا في سليمان لما أغفله ابن عدي، ولأورد سليمان هذا في كامله، ولم يفعل! فدل ذلك على أن البخاري لم يقل هذا في سليمان، وليس هو في تواريخه، ولا في الكتب التي نقلت عنها.

وليس هذا هو الخطأ الوحيد الذي وقع فيه العقيلي في حق سليمان بن موسى هذا؛ فقد ترجم ترجمة قبل هذه قال فيها: "سليمان بن موسى، أبو داود، كوفي: عن دلهم، ولا

ص: 371

يتابع على حديثه، ولا يعرف إلا به"، ثم أورد له حديثًا منكرًا [الضعفاء الكبير (2/ 506) ط السلفي]، ودلهم بن صالح، الكندي، الكوفي: ضعيف [التقريب (188)]؛ فكان الأحرى بالعقيلي أن يحمل على دلهم، لا على سليمان، لا سيما وأن العقيلي قد ذكر دلهمًا هذا في ضعفائه قبل ذلك [(2/ 394)]، وسليمان وإن تفرد به فلا يضره، وإنما التبعة فيه على من عرف بالضعف واشتهر.

فإن قيل: قد ذكر أبو زرعة الرازي سليمان بن موسى في أسامي الضعفاء (133)[وانظر: تاريخ دمشق (22/ 395)]، فيقال: ذكره ولم يميزه، فلعله الفقيه الدمشقي الأشدق؛ فإنه متكلم فيه.

والخلاصة: فالذي يترجح عندي في سليمان بن موسى، أبي داود، الكوفي: أنه صدوق، قد ثبت فيه التعديل، ولم يثبت فيه جرح، فقد قال أبو حاتم:"أرى حديثه مستقيمًا، محله الصدق، صالح الحديث"، وقال أبو داود:"ليس به بأس"، وذكره ابن حبان في الثقات، ووثقه غيرهم [الجرح والتعديل (4/ 142)، سؤالات الآجري (5/ ق 18)، تاريخ ابن عساكر (22/ 392)، التهذيب (2/ 112)، إكمال مغلطاي (6/ 101) وغيرها].

• وقد توبع سليمان بن موسى، ولم ينفرد به:

1 -

قال البزار في مسنده (10/ 448/ 4605): وحدثنا خالد بن يوسف، قال: حدثني أبي يوسف بن خالد، قال: نا جعفر بن سعد بن سمرة، قال: حدثني خبيب بن سليمان، عن أبيه سليمان بن سمرة، عن سمرة بن جندب، أنه كتب إلى بنيه: من سمرة بن جندب، سلام عليكم، فإني أحمد إليكم الله، الذي لا إله إلا هو، أما بعد: فإني أوصيكم بتقوى الله، وأن تقيموا الصلاة، وتؤتوا الزكاة. . . إلخ.

ثم سرد البزار سبعة وسبعين حديثًا بهذا الإسناد، منها هذا الحديث (10/ 454/ 4622): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا أن نصنعَ المساجد في دورنا، ونُنظفها، ونُطهِّرَها إن شاء الله.

ويوسف بن خالد، هو: السمتي، متروك، ذاهب الحديث، كذبه غير واحد [انظر: التهذيب (4/ 454) وغيره]، وابنه خالد: أصلح حالًا منه؛ فقد ضُعِّف، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال:"يعتبر حديثه من غير روايته عن أبيه"[انظر: اللسان (3/ 350) وغيره]، فهذه الطريق لا يعتمد عليها، ولا تصلح للاعتبار.

2 -

وقال الطبراني في الكبير (7/ 252/ 7027): حدثنا موسى بن هارون: ثنا مروان بن جعفر السَّمُري: ثنا محمد بن إبراهيم: ثنا جعفر بن سعد، عن خبيب بن سليمان، عن أبيه، عن سمرة، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا بالمساجد أن نصنعها في ديارنا، ونحسن صنعتها، ونطهرها.

شيخ الطبراني هو: الحمَّال، الحافظ الكبير الحجة الناقد، مشهور بالحفظ والإتقان ونقد الرجال.

ص: 372

ومروان بن جعفر السَّمُري: روى صحيفة سمرة، روى عنه أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان، وقال أبو حاتم:"صدوق، صالح الحديث"، فلا عبرة بعد ذلك بقول الأزدي:"يتكلمون فيه"[الجرح والتعديل (8/ 276)، طبقات ابن سعد (6/ 417)، تاريخ الإسلام (17/ 360)، الميزان (4/ 89)، اللسان (8/ 28)].

ومحمد بن إبراهيم، هو: ابن خبيب بن سليمان بن سمرة: ترجم له البخاري وابن أبي حاتم بروايته لرسالة سمرة بهذا الإسناد، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا، وذكره ابن حبان في الثقات؛ إلا أنه قال:"لا يعتبر بما انفرد به من الإسناد"[التاريخ الكبير (1/ 26)، الجرح والتعديل (7/ 186)، الثقات (9/ 58)، المؤتلف للدارقطني (2/ 632)، اللسان (6/ 477)]، وعلى هذا فهو صالح فيما رواه بهذا الإسناد وتوبع عليه.

وفي الجملة: فهو إسناد جيد في المتابعات.

• يبقى الكلام على إسناد هذه الصحيفة -صحيفة سمرة- المروية عن جعفر بن سعد بن سمرة، عن خبيب بن سليمان، عن أبيه سليمان بن سمرة، عن أبيه سمرة بن جندب.

• فللعلماء في أحاديث هذه الصحيفة وإسنادها آراء متباينة:

• أولًا: ذكر من احتج بها، أو حسن القول فيها، أو ذكرها فلم يقدح فيها:

أ- قال ابن سيرين: "في رسالة سمرة إلى بنيه علم كثير"[التهذيب (2/ 116)، الإصابة (3/ 178)].

ب- وذكر البخاري في التاريخ الكبير (2/ 192 - 193) و (3/ 208) و (4/ 17)، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (2/ 480) و (3/ 387) و (4/ 118) رجال هذا الإسناد؛ فلم يذكرا فيهم جرحًا ولا تعديلًا.

وذكرهم ابن حبان في ثقاته (6/ 137 و 274) و (4/ 314)، ولم يجرحهم بشيء.

ج- واحتج أبو داود بأحاديث من هذه الصحيفة.

د- واستشهد أبو عوانة في مستخرجه على صحيح مسلم (5/ 211/ 8431) بحديث من هذه الصحيفة [حديث: "المؤمن يأكل في مِعىً واحد"، أخرجه في الشواهد".

هـ- وقال الدارقطني بعد حديث زكاة عروض التجارة (2/ 127 - 128): "هذا من صحيفة سمرة، وليس له مخرج إلا من جهتهم، وليس فيهم مجروح".

و- وقال ابن عبد البر في الاستذكار (3/ 170): "من الحجة في إيجاب الصدقة في عروض التجارة مع ما تقدم من عمل العمرين رضي الله عنهما: حديث سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم، ذكره أبو داود وغيره بالإسناد الحسن عن سمرة".

ز- وقال الحافظ عبد الغني المقدسي في عمدة الأحكام الكبرى (335): "إسناده مقارب".

ح- وقال ابن سيد الناس: "هذا إسناد لا بأس به".

ص: 373

ط- وقال ابن عبد الهادي في التنقيح (2/ 219): "وإسناده حسن غريب".

ي- وقال ابن الملقن في البدر المنير (5/ 592): "وإسناد هذا الحديث: جيد".

قالوه في حديث زكاة العروض.

• ثانيًا: ذكر المضعفين:

أ- قال ابن حزم في المحلى (5/ 234) في زكاة عروض التجارة: "أما حديث سمرة فساقط؛ لأن جميع رواته ما بين سليمان بن موسى وسمرة رضي الله عنه: مجهولون، لا يعرف من هم"، وتعقبه ابن الملقن في البدر المنير (5/ 593).

ب- وقال عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى في حديث صلاة الفائتة (1/ 270): "وجعفر ومن فوقه: ليس بأقوياء"، وقال في حديث التحيات والتسليم (1/ 415):"وليس هذا الإسناد بمشهور"، وقال في حديث الوتر (2/ 54):"وخبيب: ضعيف"، وقال في حديث الزكاة (2/ 171):"خبيب هذا ليس بمشهور، ولا أعلم روى عنه إلا جعفر بن سعد بن سمرة، وليس جعفر هذا ممن يعتمد عليه".

ثم هو أحيانًا يسكت كالمصحح، أو يتكلم بكلام يوهم التصحيح [انظر: الأحكام الوسطى (1/ 286) و (3/ 80)].

ج- فتعقبه ابن القطان الفاسي في بيان الوهم (5/ 138/ 2379) فقال: ". . .، فأما حديث سمرة: فبإسناد مجهول البتة، فيه جعفر بن سعد بن سمرة، وخبيب بن سليمان بن سمرة، وأبوه سليمان بن سمرة: وما من هؤلاء من تعرف له حال، وقد جهد المحدثون فيهم جهدهم، وهو إسناد تروى به جملة أحاديث قد ذكر البزار منها نحو المائة،. . . "[وانظر أيضًا: (3/ 232 و 367/ 962 و 1110) و (5/ 137 - 139/ 2378 - 2383)].

وتعقب ابنَ القطان على كلامه هذا: مغلطاي في الإعلام بسنته (3/ 90) فقال: "فيه نظر! من حيث إن هؤلاء ليسوا كما قال، بل حالهم معروفة لا مجهولة،. . ."، وكذا ابن الملقن في البدر المنير (5/ 593).

د- وقال النووي في المجموع (6/ 4) في حديث الزكاة: "وفي إسناده جماعة لا أعرف حالهم، ولكن لم يضعفه أبو داود، وقد قدمنا أن ما لم يضعفه فهو حسن عنده"، قلت: بل هو عنده صالح، كما قال في رسالته لأهل مكة.

هـ- وقال الذهبي في الميزان (1/ 408) في ترجمة جعفر بن سعد بن سمرة، بعد ذكر قول ابن حزم وابن القطان وعبد الحق:"فسليمان هذا: زهري من أهل الكوفة، ليس بالمشهور، وبكل حال: هذا إسناد مظلم، لا ينهض بحكم".

فتعقبه ابن الملقن فقال في البدر المنير (5/ 294): "لا يسلم له ذلك، فقد قال ابن عبد البر: ذكره أبو داود وغيره بالإسناد الحسن عن سمرة، وقال الحافظ عبد الغني في عمدته الكبرى: إسناده مقارب، وقال النووي في شرح المهذب: فيه رجال لا أعرف حالهم، ولكن لم يضعفه أبو داود؛ فهو حسن أو صحيح على قاعدته، وقال شيخنا فتح

ص: 374

الدين اليعمري: هذا إسناد لا بأس به، وأقل مراتبه أن يكون حسنًا؛ فإن جعفر بن سعد: مستور الحال، وخبيب وأبوه: وثقهما ابن حبان، قلت: وكذا جعفر أيضًا، كما أسلفناه عنه".

و- وقال الحافظ في التلخيص (2/ 179): "في إسناده جهالة".

ز- وتردد الهيثمي في هذا الإسناد فضعفه مرات [المجمع (2/ 256) و (3/ 69 و 124) و (4/ 125 و 132 و 164 و 177 و 266) و (5/ 337) و (7/ 152 و 291) و (8/ 102 و 201) و (10/ 244 و 252)] وحسنه مرات [المجمع (3/ 123) و (4/ 28) و (10/ 18 و 343 و 390)].

• والذي يترجح عندي في هذا الإسناد -والله أعلم-: أنه إسناد صالح في الشواهد والمتابعات، لا ينهض على انفراده بإثبات حكم، أو تثبت به سنة، فإن جاء بمخالفة ما صح فهو منكر.

فإن سليمان بن سمرة: ذكره ابن حبان في ثقات التابعين، وروى عنه اثنان أو أكثر.

وابنه خبيب: ذكره ابن حبان في الثقات، ولم يرو عنه سوى ابن عمه جعفر بن سعد بن سمرة، وجهله ابن حزم وابن القطان، وضعفه عبد الحق، وقال الذهبي:"لا يعرف"، وقال ابن حجر:"مجهول"[التهذيب (1/ 539)، الميزان (1/ 649)، التقريب (179)، مع المصادر المتقدمة]، قلت: سكت عنه البخاري وأبو حاتم وأبو زرعة مع علمهم أنه أحد رواة رسالة سمرة إلى بنيه، ولم يجرحه ابن حبان، واحتج به أبو داود، وأثنى ابن سيرين على مضمون رسالة سمرة التي يرويها، وحسن له جماعة تقدم ذكرهم.

وجعفر بن سعد بن سمرة: ذكره ابن حبان في الثقات، وروى عنه جماعة من الثقات، لكن جهله ابن حزم وابن القطان، وقال عبد الحق:"ليس ممن يعتمد عليه"، وقال مرة بأنه ليس بقوي، وقال ابن حجر:"ليس بالقوي"[التهذيب (1/ 306)، الميزان (1/ 407)، التقريب (119)، مع المصادر المتقدمة]، قلت: يقال فيه ما قيل في ابن عمه خبيب، والله أعلم.

والحاصل: أن حديث سمرة هذا: حديث حسن؛ بشاهده من حديث عروة، عمن حدثه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

• ولحديث سمرة هذا إسناد آخر؛ لكن لا يصلح في المتابعات:

يرويه بقية بن الوليد، قال: حدثنا إسحاق بن ثعلبة، عن مكحول، عن سمرة، قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتخذ المساجد في ديارنا، وأمرنا أن ننظفها.

أخرجه أحمد (5/ 17)، والطبراني في مسند الشاميين (4/ 335/ 3483)، وابن عدي في الكامل (1/ 336).

وهذا منكر من حديث مكحول، تفرد به عنه إسحاق بن ثعلبة؛ وهو: مجهول، منكر الحديث، قاله أبو حاتم، وقال ابن عدي: "روى عن مكحول عن سمرة أحاديث مسندة لا

ص: 375