الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأمَّا حديث أبي برزة: "وكان يستحب أن يؤخر العشاء": فإنَّه لا يقتضي أنَّه كان يفعله على الدوام، فقد ترك ما يحبه خوفًا أن يشق على أمته، والأحاديث دلت على أنَّه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك في ليالي يسيرة، وليس على الدوام، وأنَّه كان يراعي حالهم، وأنَّه كان يعجلها أحيانًا فيصليها لأول وقتها، كما في حديث النُّعمان بن بشير:"كان يصليها لسقوط القمر لثالثةٍ".
المسألة الثانية: في آخر وقت العشاء الآخرة:
فيه أقوال [انظرها في: الأوسط (2/ 343)، الفتح لابن رجب (3/ 207)، وغيرها].
أصحها: أن آخر وقت الاختيار: هو نصف الليل، لحديث عبد الله بن عمرو:"ووقت العشاء إلى نصف الليل"، وأحاديث الباب.
وآخر وقت الاضطرار: إلى طلوع الفجر، لما روي عن بعض الصّحابة في ذلك.
وهذا يكون في حق نائم استيقظ، أو مغمى عليه أفاق، أو حائض طهرت، أو صبي بلغ، أو كافر أسلم، والله أعلم.
وانظر: أضواء البيان (1/ 322).
وما استدل به بعضهم في امتداد الاختيار إلى ما بعد نصف الليل بحديث عائشة قالت: أعتم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، حتَّى ذهب عامة الليل [أخرجه مسلم (638)، وتقدم قريبًا]:
فيقال: هو مجمل، تفسره الأحاديث الأخرى، والتي جاء فيها أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم إنما أخرها إلى نصف الليل، مثل حديث أبي سعيد، وأنس، وغيرهما، والله أعلم.
***
8 - باب في وقت الصبح
423 -
. . . مالك، عن يَحْيَى بن سعيد، عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة رضي الله عنها، أنَّها قالت: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي الصبح؛ فينصرف النساء متلفعات بمروطهن، ما يُعرفن من الغلس.
• حديث متَّفقٌ على صحته.
أخرجه مالك في الموطأ (4).
ومن طريقه: البُخاريّ (867)، ومسلم (645/ 232)، وأبو عوانة (1/ 309/ 1095 و 1096)، وأبو نعيم في المستخرج (2/ 240/ 1433)، وأبو داود (423)، والترمذي (153)، وقال:"حسن صحيح"، والنَّسائيُّ (1/ 271/ 545)، وابن. حبان (4/ 365 و 368/ 1498 و 1501)، والشَّافعيّ في الأم (2/ 165/ 147) و (8/ 477/ 3506)، وفي المسند (29 و 387)، وأحمد (6/ 178 - 179)، والسراج في مسنده (625 و 809 و 1171)، وفي
حديثه بانتقاء الشحامي (258 و 1658)، والطحاوي (1/ 176)، والجوهري في مسند الموطأ (790)، والبيهقيّ في السنن الكبرى (1/ 454)، وفي المعرفة (1/ 467/ 631)، والبغوي في شرح السنة (2/ 18/ 354)، والذهبي في السير (19/ 442 - 443).
• وله طريق أخرى عن عمرة:
يرويها أبو يعلى (7/ 4493/466)، وأبو العباس السَّرَّاج في مسنده (624 و 808 و 1170)، وفي حديثه بانتقاء زاهر الشحامي (1657):
بإسناد صحيح إلى: عبيد الله بن عمر، عن عمرة، عن عائشة، قالت: لقد رأيتنا ونحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر في مروطنا، ثم ننصرف، وما يعرف بعضنا وجوه بعض.
وإسناده صحيح.
• وهذا الحديث يرويه الزُّهريّ، قال: أخبرني عروة بن الزُّبير: أن عائشة أخبرته، قالت: كن نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر، متلفعات بمروطهن، ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصَّلاة، لا يعرفهن أحد من الغلس.
وفي رواية: من تغليس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة.
وفي رواية: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم انصرفن.
أخرجه البُخاريّ (372 و 578)، ومسلم (645/ 230 و 231)، وأبو عوانة (1/ 309/ 1091 - 1094)، وأبو نعيم في المستخرج (2/ 239/ 1431، 1432)، والنَّسائيُّ (1/ 271/ 546) و (3/ 82/ 1362)، وابن ماجة (669)، والدارمي (1/ 300/ 1216)، وابن خزيمة (1/ 180/ 350)، وابن حبان (4/ 366 و 367/ 1499 و 1500)، وأبو علي الطُّوسي في مستخرجه على التِّرمذيّ (138)، والشَّافعيّ في الأم (8/ 476 - 477/ 3505)، وفي الرسالة (1/ 126/ 82 - أم)، وفي اختلاف الحديث (10/ 162 - 163/ 179 - أم)، وفي المسند (175 و 387)، وأحمد (6/ 33 و 37 و 248)، وإسحاق بن راهويه (2/ 116 - 118/ 588 - 591)، والطيالسي (3/ 69/ 1562)، والحميدي (174)، وابن أبي شيبة (1/ 282/ 3233 و 3234)، وعلي بن حجر السعدي في حديث إسماعيل بن جعفر (231)[وفي سنده سقط]. وأبو يعلى (7/ 389 و 390/ 4415 و 4416)، والسراج في مسنده (616 - 623) و (1162 - 1169)، وفي حديثه بانتقاء زاهر الشحامي (1647 - 1656)، وأبو إسحاق الحربي في غريب الحديث (2/ 663)، وابن المنذر (2/ 379/ 1064)، والطحاوي (1/ 176)، وابن البختري في الجزء الحادي عشر من حديثه (26)[(522) مجموع مصنفاته]. وابن الأعرابي في المعجم (1890)، والطبراني في الأوسط (8/ 330/ 8778)، وفي مسند الشاميين (1/ 67/ 77) و (8/ 114 و 198/ 2881 و 3096)، والخطابي في غريب الحديث (2/ 282)، والبيهقيّ في السنن (1/ 454) و (2/ 235)، وفي المعرفة (1/ 467/ 630)، والحازمي في الاعتبار (132)، وابن الجوزي في التحقيق (332).
رواه عن الزُّهريّ: سفيان بن عيينة، وشعيب بن أبي حمزة، ويونس بن يزيد، وعقيل بن خالد، وإبراهيم بن سعد، وأبو عمرو الأوزاعي، ومعمر بن راشد، ويزيد بن عبد الله بن الهاد، وإبراهيم بن أبي عبلة، ومحمد بن عمرو، وعبد الرحمن بن نمر اليحصبي، وصالح بن أبي الأخضر؛ وأسامة بن زيد.
انفرد بما لا يتابع عليه: محمَّد بن عمرو، حيث قال:"من الغبش" والبقية قالوا: "من الغلس"، وهو المحفوظ.
وانفرد أسامة بن زيد الليثي حيث قال: وهن من بني عبد الأشهل على قريب من ميل من المدينة، ولم يتابع عليه؛ وفي حفظه لين.
• ورواه فليح بن سليمان، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلِّي الصبح بغلس، فينصرفن نساء المؤمنين، لا يُعرفن من النَّاس، -أو: لا يعرف بعضهن بعضًا-.
أخرجه البخاري (872)، وأحمد (6/ 258)، والطحاوي (1/ 176)، والبيهقيّ (1/ 454)، والذهبي في التذكرة (2/ 698).
• وانظر أسانيد أخرى فيها نظر: مصنف عبد الرَّزاق (1/ 573/ 2181)، المعجم الكبير للطبراني (23/ 355/ 834)، المعجم الأوسط له (1/ 178/ 566) و (5/ 6/ 4514)، مسند الشاميين (1/ 163/ 271)، أفراد الدارقطني (5/ 520/ 6267 - أطرافه).
• الغريب:
متلفعات بمروطهن: أي متجللات بأكسيتهن، والمرط: كساء أو مطرف يُشتمل به كالملحفة، واللفاع والملفعة: ما تلفع به من رداء أو لحاف أو قناع [انظر: لسان العرب (8/ 321)، تاج العروس (22/ 156)، تهذيب اللُّغة (2/ 244)، النهاية (4/ 261)].
والغلس: ظلام آخر الليل [مشارق الأنوار (2/ 134)، معجم مقاييس اللُّغة (4/ 390)، العين (4/ 378)، لسان العرب (6/ 156)].
***
424 -
. . . ابن عجلان، عن عاصم بن عمر بن قتادة بن النُّعمان، عن محمود بن لبيد، عن رافع بن خديج، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أصبحوا بالصبح؛ فإنَّه أعظم لأجوركم -أو: أعظم للأجر-".
• حديث صحيح.
أخرجه النَّسائيّ (1/ 272/ 548)، وابن ماجة (672)، والدارمي (1/ 301/ 1218 و 1219)، وابن حبان (4/ 355 و 358/ 1489 و 1419)، وأحمد (3/ 465) و (4/ 140 و 142)، والشَّافعيّ في الرسالة (1/ 125 - 126/ 81 - أم)، وفي اختلاف الحديث
(10/ 162/ 178 - أم)، وفي المسند (175)، وعبد الرَّزاق (1/ 568/ 2159)، والحميدي (409)، وأبو نعيم الفضل بن دكين في الصَّلاة (314)، وابن أبي شيبة في المصنف (1/ 283/ 3242)، وفي المسند (64)، وأبو بكر عبد الله بن محمَّد بن النُّعمان الأصبهاني في زياداته على كتاب الصَّلاة لأبي نعيم (315)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 120/ 2092)، ومحمد بن الحسن الشيباني في الحجة (1/ 4 - 5)، والطحاوي (1/ 178)، ومحمد بن عاصم الثَّقفيُّ الأصبهاني في جزئه (45)، والطبراني في الكبير (4/ 249 و 250/ 4283 و 4284 و 4287)، وابن جميع الصيداوي في المعجم (305)، وأبو نعيم في "تسمية ما انتهى إلينا من الرواة عن أبي نعيم الفضل بن دكين عاليًا"(54)، وفي معرفة الصّحابة (2/ 1046/ 2653)، وفي تاريخ أصبهان (1/ 408) و (2/ 233 - 234 و 304)، والبيهقيّ في المعرفة (1/ 43/ 6472)، وابن عبد البر (4/ 338) و (23/ 386)، وأبو طاهر السلفي فيما انتخبه من حديث أبي الحسن الطيوري [الطيوريات](714)، والحازمي في الاعتبار (1/ 392/ 130)، وابن الجوزي في التحقيق (336).
رواه عن ابن عجلان: سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، ويحيى بن سعيد القطان، ويزيد بن هارون، وعبد العزيز بن محمَّد الدراوردي، وأبو خالد الأحمر سليمان بن حيان، ومحمد بن يزيد [وهو الكلاعي الواسطيّ: ثقة ثبت].
ورواه عن الثوري جماعة من أصحابه؛ منهم: أبو نعيم الفضل بن دكين، ومحمد بن يوسف الفريابي، وعبد الرَّزاق.
ورواه النُّعمان بن عبد السَّلام الأصبهاني [وهو: ثقة عابد فقيه، وهو أرفع من روى عن الثوري من الأصبهانيين، مقدم فيه على غيره]، عن الثوري، عن محمَّد بن عجلان، ومحمد بن إسحاق، عن عاصم به [جزء محمَّد بن عاصم. الطّبرانيّ. أخبار أصبهان].
فزاد في الإسناد: ابن إسحاق، وتفرد بذلك، كما قال الدارقطني وأبو نعيم.
والحديث محفوظ عن الثوري، عن ابن عجلان وحده، ولم يقرن به ابن إسحاق سوى النُّعمان بن عبد السَّلام.
وهذا لفظ ابن عيينة، وفي لفظ آخر له:"أسفروا بصلاة الفجر، فإن ذلك أعظم للأجر -أو قال: لأجوركم-"[الحميدي. الشَّافعي].
ولفظ الثوري: "أسفروا بالفجر فإنَّه أعظم للأجر"، وفي رواية:"نوروا بصلاة الفجر؛ فإنَّه أعظم للأجر".
ولفظ أبي خالد الأحمر: "أسفروا بالفجر؛ فإنَّه أعظم للأجر".
ولفظ القطان: "أصبحوا بالصبح، فإنكم كما أصبحتم بالصبح كان أعظم لأجوركم -أو: لأجرها-".
• تابع محمَّد بن عجلان عليه:
1 -
محمَّد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن
رافع بن خديج، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أسفروا بالفجر؛ فإنَّه أعظم للأجر".
أخرجه التِّرمذيُّ (154)، وأبو علي الطُّوسي في مستخرجه عليه (139)، والدارمي (1/ 300/ 1217)، وابن حبان (4/ 357/ 1490)، وأحمد (3/ 465)، والطيالسي (2/ 264/ 1001)، وعبد بن حميد (422)، ومحمد بن عاصم الثَّقفيُّ الأصبهاني في جزئه (45)، وأبو بكر عبد الله بن محمَّد بن النُّعمان الأصبهاني في زياداته على كتاب الصَّلاة لأبي نعيم (315)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 120/ 2091)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 379/ 1063)، والطحاوي (1/ 179)، والطبراني في الكبير (4/ 250/ 4286 و 4287 و 4288 و 4290)، وفي الأوسط (9/ 116/ 9289)، وأبو الشَّيخ في ذكر الأقران (295)، والدارقطني في الأفراد (3/ 61/ 2053 - أطرافه)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 94)، وفي معرفة الصّحابة (2/ 1047/ 2654)، وفي مسند أبي حنيفة (41 - 43)، وفي تاريخ أصبهان (1/ 408) و (2/ 233 - 234 و 304)، والبيهقيّ في السنن الكبرى (1/ 457)، والبغوي في شرح السنة (2/ 19/ 355)، وابن الجوزي في التحقيق (335)، وابن الأثير في أسد الغابة (2/ 233).
رواه عن ابن إسحاق به هكذا:
شعبة، وسفيان الثوري، وعبد الله بن المبارك، وعبد الله بن نمير، وزائدة بن قدامة، ويزيد بن هارون، ويزيد بن زريع، وعبدة بن سليمان، ويعلى بن عبيد، ومحمد بن يزيد الكلاعي الواسطيّ، وجرير بن عبد الحميد، وعيسى بن يونس [وهم اثنا عشر رجلًا، وهم ثقات أثبات]، وغيرهم.
تنبيهات:
الأوَّل: لم يرو هذا الحديث عن سفيان الثوري، عن ابن إسحاق: غير النُّعمان بن عبد السَّلام الأصبهاني [وهو: ثقة، مقدم في الثوري].
قال الدارقطني: "تفرد به النُّعمان بن عبد السَّلام، عن الثوري، عن محمَّد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عنه"، يعني: عن محمود بن لبيد، عن رافع بن خديج.
وقال أبو نعيم: "تفرد به النُّعمان، عن سفيان، عن ابن إسحاق".
قلت: وهم النُّعمان بإقران ابن إسحاق مع ابن عجلان في حديث الثوري، وإنَّما يرويه الثوري، عن ابن عجلان وحده، رواه عنه به هكذا: أبو نعيم، ومحمد بن يوسف الفريابي، وعبد الرَّزاق.
وهم أعلم بحديث الثوري من النُّعمان، لا سيما وهو من الغرباء؛ وخالف فيه رجلًا من أثبت النَّاس في الثوري، وهو أبو نعيم الفضل بن دكين.
الثَّاني: قال عبد بن حميد في المنتخب من مسنده (422): حدّثنا يعلى بن عبيد: ثنا محمَّد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر، عن رافع بن خديج به. هكذا بإسقاط محمود بن لبيد من الإسناد.
والذي يظهر لي أن هذا وهم على يعلى بن عبيد نفسه، ولا أدري من أين جاء، ولعلّه من الناسخ.
فقد روى ابن المنذر الحديث في الأوسط (1063)، من طريق يعلى بن عبيد بإثبات محمود بن لبيد، مثل الجماعة وهو الصَّحيح، وكذلك رواه ابن الأثير في أسد الغابة (2/ 233)، من طريق يعلى بن عبيد مقرونًا بابن نمير، بإثبات محمود بن لبيد.
الثالث: وقع في المطبوع من مسند أحمد (3/ 465): ثنا يزيد، قال: أنا محمَّد بن إسحاق، قال: أنبأنا ابن عجلان، عن عاصم بن عمر
…
فاحتج به بعضهم على أن ابن إسحاق قد دلس هذا الحديث عن عاصم بن عمر، وهو إنَّما يرويه عن ابن عجلان، عن عاصم.
والحقيقة بخلاف ذلك من وجهين:
الأوَّل: أن يزيد بن هارون -شيخ أحمد في هذا الحديث- إنَّما يروي هذا الحديث عن ابن إسحاق، عن عاصم، بلا واسطة، رواه عنه هكذا بدون ذكر ابن عجلان في الإسناد:
سريج بن يونس [بغدادي، ثقة][عند: ابن حبان].
وعيسى بن أحمد العسقلاني [من عسقلان بلخ، يقال: إن أصله من بغداد. وهو: ثقة][عند: البغوي].
وأحمد بن الوليد الفحام [أبو بكر البغدادي، قال الخطيب: "وكان ثقة"، تاريخ بغداد (5/ 188)، تاريخ الإسلام (20/ 287)][عند: البيهقي].
وعلي بن شيبة [هو: ابن الصلت بن عصفور أبو الحسن السدوسي مولاهم، أخو الحافظ يعقوب بن شيبة، بصري سكن بغداد مدة ثم انتقل إلى مصر، روى عنه المصريون أحاديث مستقيمة. وهذا الحديث يرويه عنه الإمام أبو جعفر الطحاوي المصري. تاريخ بغداد (11/ 436)، تاريخ الإسلام (20/ 403)][شرح المعاني].
الوجه الثَّاني: جاء في نسخة مصححة للمسند (16235): "حدّثنا يزيد، قال: أخبرنا محمَّد بن إسحاق، وقال: أخبرنا ابن عجلان
…
"، فالقائل هنا: "وقال: أخبرنا ابن عجلان" هو يزيد بن هارون، سمع هذا الحديث من شيخين، من ابن إسحاق، ومن ابن عجلان، وعليه فليس بين ابن إسحاق وبين عاصم أحد.
وفي نسخة مصححة أخرى للمسند (15913): "حدّثنا يزيد، قال: أخبرنا محمَّد بن إسحاق، وابن عجلان، هكذا بواو العطف وبدون لفظ الإخبار، وكذا هو في إتحاف المهرة (4/ 472/ 4533)، وزاد: "يعني: كلاهما عن عاصم بن عمر"، وكذا في المسند الجامع (5/ 3663/252).
ووقع في طبعة الرسالة للمسند (25/ 132/ 15819)، وفي طبعة المكنز (6/ 3390/ 16061): "حدّثنا يزيد، قال: أخبرنا محمَّد بن إسحاق، قال: وأخبرنا ابن عجلان
…
"، وهو يؤيد ما سبق تقريره، والله أعلم.
وهذا الحديث وإن لم يصرح فيه ابن إسحاق بالسماع من عاصم بن عمر؛ إلَّا أنَّه من رواية شعبة عنه، وشعبة معروف بالتثبت في الأخذ عن المدلسين، ولا يروي عنهم إلَّا ما سمعوه من مشايخهم، ولم يدلسوه، وقد روى هذا الحديث عن ابن إسحاق: جمع غير من الثقات والأئمة، ولم يظهر في شيء من طرقه أنَّه دلسه، فتحمل هذه الرِّواية على الاتصال بين ابن إسحاق وشيخه، لهذه القرائن، لا سيما وقد قال التِّرمذيُّ بعد روايته من طريق عبدة بن سليمان عن ابن إسحاق به:"وقد روى شعبة والثوري هذا الحديث عن محمَّد بن إسحاق، ورواه محمَّد بن عجلان أيضًا عن عاصم بن عمر بن قتادة. وفي الباب: عن أبي برزة الأسلمي، وجابر، وبلال. قال أبو عيسى: حديث رافع بن خديج: حديث حسن صحيح".
وزيادة: "صحيح" زيادة صحيحة ثابتة، قال العلامة أحمد شاكر -رحمه الله تعالى- في تعليقه على الجامع (1/ 290):"الزيادة من ع، م، ن، هـ، ك. وهي زيادة صحيحة ثابتة، فإن كل من حكى كلام التِّرمذيّ في هذا الحديث حكاه هكذا، منهم المجد ابن تيمية في المنتقى (1/ 422)، والزيلعي في نصب الراية (1/ 123)، وابن التركماني في الجوهر النقي (1/ 458 - من سنن البيهقي)، والمنذري فيما حكاه عنه في عون المعبود (1/ 162) ".
وكذا هو في نسخة الكروخي لجامع التِّرمذيُّ (15/ أ) وهي النسخة المعتمدة عند المتأخرين، وممن أثبتها أيضًا نقلًا عن التِّرمذيِّ: الطُّوسي في مستخرجه على الجامع (1/ 409)، وابن قدامة في المغني (1/ 237)، وابن رجب في الفتح (3/ 229)، وبدر الدين الزَّركشي في النكت (1/ 334 - 335)، والنووي في المجموع (3/ 53)، وغيرهم. وفي الجملة: فإن ابن إسحاق معروف السماع من عاصم بن عمر، كثير الرِّواية عنه، يعتمد عليه كثيرًا في مغازيه.
التَّنبيه الرابع: خالف هؤلاء الثقات الإثبات: أحد التلفى فرواه عن ابن إسحاق من حديث ابن عباس.
رواه حفص بن عمر قاضي حلب [منكر الحديث، قال ابن حبان: "يروي عن الثقات الموضوعات، لا يحل الاحتجاج به"، اللسان (3/ 231)]، عن محمَّد بن إسحاق، عن محمَّد بن كعب القرظي، عن ابن عباس به مرفوعًا.
أخرجه ابن عدي في كامله (2/ 391).
وقال بعد أن أخرج له عدة أحاديث هذا منها: "ولم أجد له أنكر مما ذكرته".
2 -
عبد الحميد بن جعفر [صدوق]، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن رافع بن خديج، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أسفروا بالصبح فإنَّه أعظم للأجر".
أخرجه الطّبرانيّ في الكبير (4/ 251/ 4291)، وعنه: أبو نعيم في معرفة الصّحابة (2/ 1047/ 2655).
من طريق معلى بن عبد الرحمن، عن عبد الحميد به.
وهذا باطل عن معبد الحميد، معلى بن عبد الرحمن الواسطيّ: رمي بالوضع، وكذبه غير واحد [التهذيب (4/ 122)، الميزان (4/ 148)].
3 -
يزيد بن عياض [هو: ابن جعدبة المدني نزيل البصرة: كذَّبه مالك والنَّسائيُّ وابن معين. التهذيب (4/ 425)، الميزان (4/ 436)]: نا عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن رافع بن خديج به مرفوعًا.
أخرجه أبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (2957)، ومن طريقه: ابن عساكر في تاريخ دمشق (25/ 275).
4 -
محمَّد بن عمرو بن جارية، عن عاصم بن عمر، عن محمود بن لبيد، عن رافع بن خديج، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أصبحوا بالصبح فإنَّه أعظم للأجر".
أخرجه الطّبرانيّ في الكبير (4/ 250/ 4285)، وعنه: أبو نعيم في معرفة الصّحابة (2/ 1047/ 2656).
قال الطّبرانيّ: حدّثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة الحوطي: ثنا أبي: ثنا إسماعيل بن عياش: ثنا محمَّد بن جارية به.
ولم أقف على ترجمة محمَّد بن عمرو بن جارية، ولعلّه ابن حارثة بالحاء المهملة، والثاء المثلثة، فقد ذكره ابن ماكولا في الإكمال (9/ 2)، في الكنى والآباء من "حارثة"، فقال:"ومحمد بن عمرو بن حارثة الأنصاري: حدث عن عاصم بن عمر بن قتادة وغيره، روى عنه مجمع بن يعقوب، وإسماعيل بن عياش".
ومحمد بن عمرو بن حارثة الأنصاري هذا: ترجم له البُخاريّ في التَّاريخ الكبير (1/ 192)، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (8/ 31 - 32)، فلم يذكرا فيمن روى عنه سوى مجمع بن يعقوب الأنصاري المدني، ولا في شيوخه الذين روى عنهم سوى ابن وهب بن منبه [ووهب بن منبه وأولاده الثلاثة: يمانيون]، ولم يزد على ذلك ابن حبان شيئًا سوى أنَّه ذكره في جملة من روى عن أتباع التّابعين من الثقات (9/ 43)، ووقع في المطبوع:"روى عن وهب بن منبه"، فلعله سقط منه "ابن" سهوًا.
وله رواية في أفراد الدارقطني (1/ 168 و 169/ 216 و 217 - أطرافه)، عن عاصم بن عمر بن قتادة، وعنه موسى بن يعقوب الزمعي المدني.
وعلى هذا فإن محمَّد بن عمرو بن حارثة الأنصاري هذا: ليس بالمشهور، ولا أحسبه شاميًّا، بل هو أقرب إلى أن يكون مدنيًّا، فحديثه عند أهل المدينة، روى عن مدني ويماني، وروى عنه: مدنيان، وحمصي.
وإسماعيل بن عياش: روايته عن غير أهل الشَّام: ضعيفة، ويبدو أن هذه منها، إلَّا أنَّها صالحة في المتابعات.
وبقية رجال السند: ثقات، والله أعلم.
5 -
صالح بن المخارق، عن عاصم بن عمر، عن محمود بن لبيد، عن رافع به مرفوعًا.
أخرجه الدارقطني في الأفراد (3/ 61/ 2053 - أطرافه)، وخيثمة الأطرابلسي في حديثه (185).
من طريق محمَّد بن حمير، عن أبي بكر بن أبي مريم، عن صالح به.
قال الدارقطني: "تفرد به محمَّد بن حمير، عن أبي بكر بن أبي مريم عنه، قال ابن صاعد: هذا إسناد غريب".
قلت: وإسناده ضعيف جدًّا.
صالح بن المخارق: لم أقف له على ترجمة؛ إلَّا ما ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (4/ 416)، قال:"صالح بن أبي المخارق: روى أن أبا عبيدة بن الجراح خرج إلى بيت القدس يصلِّي فيه، واستخلف على النَّاس معاذ بن جبل، روى عنه: أبو بكر بن أبي مريم".
وصل هذه القصة: ابن عساكر في تاريخ دمشق (25/ 486).
وعليه: فإن صالحًا هذا: مجهول.
والمتفرد عنه بالرواية، وبهذا الحديث: أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم: ضعفوه.
6 -
ورواه زيد بن أسلم، واختلف عليه:
أ - فرواه أبو غسان محمَّد بن مطرف [مدني، ثقة]، قال: حدثني زيد بن أسلم، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن رجال من قومه من الأنصار، -وفي رواية: عن رجل من الأنصار-: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما أسفرتم بالفجر؛ فإنَّه أعظم بالأجر".
أخرجه النَّسائيّ (1/ 272/ 549)، والطبراني في الكبير (4/ 251/ 4294)، وعنه: أبو نعيم في معرفة الصّحابة (2/ 1048/ 2659).
قال ابن عبد الهادي في التنقيح (1/ 261): "هذا إسناد صحيح".
ب - ورواه حفص بن ميسرة [الصنعاني، نزيل عسقلان: ثقة]، وعبد العزيز بن محمَّد الدراوردي [صدوق]:
كلاهما عن زيد بن أسلم، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن رجال من قومه من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - كذا قال حفص بن ميسرة، وقال الدراوردي: عن رجل من الصّحابة قال:- قالوا: قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "أصبحوا بصلاة الصبح، فما أصبحتم بها فهو أعظم للأجر". لفظ ابن ميسرة.
في حديث الدراوردي: "فإنكم كما أصبحتم بها كان أعظم للأجر".
أخرجه ابن أبي عمر العدني في مسنده (1/ 142/ 271/ 1 - مطالب)، والطحاوي (1/ 179).
ج- ورواه داود البصري، عن زيد بن أسلم، عن محمود بن لبيد، عن رافع بن خديج، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أسفروا بالفجر فإنَّه أعظم للأجر".
أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 119/ 2090)، والطبراني في الكبير (4/ 251/ 4293) [ووقع عنده:"النصري" بالنون بدل: "البصري"، وهو تصحيف]. وأبو الشَّيخ في ذكر الأقران (399)، وأبو نعيم في معرفة الصّحابة (2/ 1048/ 2658)، والخطيب في الموضح (2/ 79)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (17/ 142).
من طرقٍ عن بقية بن الوليد: نا شعبة: نا داود البصري به.
كذا وقع داود - شيخ شعبة في هذا الإسناد - غير منسوب، وذهب أبو الشَّيخ والخطيب البغدادي إلى أنَّه: داود بن الزبرقان [وهو: متروك؛ كذَّبه الجوزجاني].
وقال أبو نعيم: "وقيل إنَّه ابن أبي هند"، قال ابن رجب في الفتح (3/ 231):"وهو بعيد".
قلت: هذه الرِّواية وهم من بقية بن الوليد، وشيخ شعبة في هذا الحديث رجل مجهول:
فقد رواه آدم بن أبي إياس [ثقة مأمون، مكثر عن شعبة، قال أحمد: "كان مكينًا عند شعبة"، التهذيب (1/ 101)، إكمال مغلطاي (2/ 29)]، قال: حدّثنا شعبة، عن أبي داود، عن زيد بن أسلم، عن محمود بن لبيد، عن رافع بن خديج، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نوروا بالفجر فإنَّه أعظم للأجر".
أخرجه النَّسائيّ في الإغراب (211)، والطحاوي (1/ 179)، وابن البختري في جزء فيه ستة مجالس من أماليه، المجلس الأوَّل (18)، وابن الأعرابي في المعجم (3/ 1035/ 2224)، والطبراني في الكبير (4/ 251/ 4292)، وفي الأوسط (3/ 334/ 3319)، وعنه: أبو نعيم في معرفة الصّحابة (2/ 1048/ 2657)، والقضاعي في مسند الشهاب (703)، والخطيب في الموضح (1/ 407)، وفي التَّاريخ (13/ 45).
هكذا رواه عن آدم: أحمد بن نصر بن زياد النيسابوري [ثقة حافظ فقيه]، محمَّد بن سهل بن عساكر [ثقة]، وإبراهيم بن الحسين بن علي الكسائي [ثقة حافظ. اللسان (1/ 265)]، وعلي بن داود بن يزيد القنطري [ثقة]، وإبراهيم بن الهيثم بن المهلب البلدي [ثقة. تاريخ بغداد (6/ 206)، السير (13/ 411)، اللسان (1/ 382)]، وغيرهم.
وخالفهم فوهم: موسى بن عبد الله بن موسى القراطيسي أبو عمران البغدادي [مجهول. تاريخ بغداد (13/ 45)]، فرواه عن آدم به؛ إلَّا أنَّه قال:"عن داود" بدل: "عن أبي داود"، قال الخطيب:"كذا قال، وإنَّما يحفظ هذا من رواية بقية بن الوليد، عن شعبة عن داود، وأمَّا آدم فيرويه عن شعبة، عن أبي داود، عن زيد بن أسلم".
وأبو داود هذا قيل: إنَّه جزري، قال البزار في مسنده (12/ 351/ 6244):"ولا نعلم أسند شعبة عن أبي داود إلَّا هذا الحديث، وهو أبو داود الجزري".
لكن قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (9/ 368): "أبو داود الواسطيّ: روى عن
…
[بيَّض له ابن أبي حاتم]، روى عنه شعبة
…
،، قال: سألت أبي عنه؟ فقال: شيخ لشعبة، واسطي مجهول".
د - ورواه هشام بن سعد [صدوق، قال أبو داود: هشام بن سعد أثبت النَّاس في زيد بن أسلم"] لكن اختلف عليه أيضًا:
• فرواه أسباط بن محمَّد [كوفي، ثقة] وأبو نعيم الفضل بن دكين [كوفي، ثقة ثبت]، ومحمد بن الحسن الشيباني [كوفي، ضعيف، كذَّبه ابن معين. اللسان (7/ 60)]:
ثلاثتهم، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن محمود بن لبيد، عن بعض أصحاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم[كذا قال أسباط، وقال أبو نعيم: عن نفر من قومه من أصحاب محمَّد صلى الله عليه وسلم قالوا:] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أسفروا بالفجر فإنَّه أعظم للأجر".
وقال أبو نعيم: "أصبحوا بالفجر، فكلما أصبحتم فإنَّه أعظم للأجر -أو لأجركم-".
أخرجه أحمد (4/ 143)، ومحمد بن الحسن الشيباني في الحجة (1/ 5)، وأبو نعيم الفضل بن دكين في الصَّلاة (316)، وابن منده [عزاه إليه ابن الأثير في أسد الغابة (6/ 378)]. وأبو نعيم في معرفة الصّحابة (6/ 3093/ 3578).
• ورواه اللَّيث بن سعد [ثقة ثبت، إمام فقيه]، وبكر بن صدقة [في عداد المجاهيل، وفي الإسناد إليه من لا يعرف. راجع الحديث (412)]:
روياه عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن عاصم بن عمر، عن رجال من قومه من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
…
فذكره.
فجعلا عاصم بن عمر مكان محمود بن لبيد.
أخرجه الطحاوي (1/ 179)، وابن الأعرابي في المعجم (2/ 783/ 1598).
• ورواه وكيع بن الجراح [ثقة حافظ] عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . . . فذكره، هكذا مرسلًا، ولم يزد على زيد بن أسلم أحدًا.
أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 3253/284).
• ورواه إسحاق بن إبراهيم الحنيني [مدني نزل طرسوس: ضعيف، قال البُخاريّ: "في حديثه نظر"]، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن ابن بجيد، عن جدته حواء -وكانت من المبايعات-، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم:
…
فذكره.
أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (6/ 160/ 3389)، والطبراني في الكبير (24/ 222/ 563)، وأبو نعيم في معرفة الصّحابة (6/ 3301 - 3302 و 3302/ 7581 و 7582)، وابن عبد البر في الاستيعاب (4/ 1814).
وعزاه ابن حجر في الإصابة (7/ 591) للبزار، ونقل عنه قوله:"تفرد به إسحاق الحنيني عن هشام بن سعد".
وقال أبو نعيم: "تفرد به الحنيني عن هشام".
وقال البزار (12/ 351): "ولا نعلم روى هذا الحديث عن هشام بن سعد إلَّا الحنيني إسحاق بن إبراهيم، ولم يتابع عليه".
وقال الدارقطني في العلل (5/ 229/ أ)(15/ 424/ 4118): "ووهم فيه".
قلت: هو حديث منكر؛ لتفرد الحنيني به عن هشام، بل ومخالفته في إسناده لرواية الثقات عن هشام.
وباستثناء هذه الرِّواية، فحديث هشام بن سعد: حديث مضطرب، اضطرب فيه هشام، ولم يقم إسناده: فإنَّه ليس بذاك الحافظ، بل قد ضعفه النَّسائيّ وابن معين، ليناه في رواية، ووافقهما على تليينه جماعة [انظر: التهذيب (4/ 270) وغيره].
هـ - ورواه معمر بن راشد [ثبت في الزُّهريّ وابن طاووس، وقد يهم في حديث غيرهما]، عن زيد بن أسلم: أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:
…
فذكره هكذا مرسلًا.
أخرجه عبد الرَّزاق (1/ 573/ 2182)، عن معمر به.
و- ورواه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم [ضعيف]، عن أبيه، عن محمود بن لبيد الأنصاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
…
فذكره.
أخرجه أحمد (5/ 429).
ز- ورواه يزيد بن عبد الملك النوفلي [منكر الحديث]، عن زيد بن أسلم، عن أنس بن مالك به مرفوعًا.
أخرجه البزار (12/ 350/ 6244)، والدارقطني في الأفراد (2/ 93/ 835 - أطرافه)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (1/ 128).
قال الدارقطني: "غريب من حديث زيد، تفرد به يزيد بن عبد الملك النوفلي".
وقال في العلل (5/ 229/ أ)(15/ 424/ 4118): "وهم فيه أيضًا".
قلت: هو حديث منكر، لا يعرف من حديث أنس بن مالك من طريق يصح، خالف فيه النوفلي -على ضعفه- ما رواه أصحاب زيد بن أسلم على اختلافهم فيه.
وأخيرًا: فإنَّه إذا استبعدنا ما رواه الضعفاء والمجاهيل، ورواية هشام بن سعد المضطربة، ورواية معمر لغلبة الظن بوهمه فيها.
فلا يبقى بعد ذلك إلَّا رواية أبي غسان، عن زيد، عن عاصم، عن محمود، عن رجل من الأنصار، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.
ورواية حفص بن ميسرة والدراوردي كلاهما، عن زيد، عن عاصم، عن رجل من الصّحابة، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.
• والذي يظهر لي: أن رواية أبي غسان أولى بالصواب.
وذلك لأنَّ أبا غسان: ثقة مدني، وأهل بلد الرجل أعلم بحديثه من غيره.
فإن قيل: قد رواه بالإسناد الثَّاني: مدني وصنعاني نزل عسقلان، والحديث الذي اشتهر في بلده وخارجها أولى من الذي لم يعرف إلَّا في بلده.
ورواية الاثنين أبعد عن الوهم من رواية الواحد.
فيقال: أولًا: عبد العزيز بن محمَّد الدراوردي المدني: صدوق، صحيح الكتاب، إلَّا أنَّه كان سيئ الحفظ، فربما حدث بهذا الحديث من حفظه فأخطأ فيه.
وثانيًا: حفص بن ميسرة، وهو وإن كان ثقة، إلَّا أنَّه كان يطعن عليه في سماعه أنَّه كان عرضًا -كذا قال ابن معين وابن المديني-، وقال أبو داود:"يضعف في السماع"، وذلك أنَّه عرض على زيد بن أسلم، وقال أبو حاتم:"يكتب حديثه، ومحله الصدق، وفي حديثه بعض الأوهام"، وقال ابن حبان في المشاهير:"ربَّما وهم"[انظر: تاريخ دمشق (14/ 440)، التهذيب (1/ 460)، الميزان (1/ 568)، التَّاريخ الكبير (2/ 369)، الجرح والتعديل (3/ 187)، الثقات (6/ 200)، مشاهير علماء الأمصار (1475)، التعديل والتجريح (2/ 507)، سؤالات ابن أبي شيبة لابن المديني (193)، العلل ومعرفة الرجال (2/ 479/ 3142)، تاريخ الدوري (4/ 441/ 5199)، سؤالات ابن الجنيد (336)، علل الحديث لابن أبي حاتم (83/ 1 و 451 و 452/ 223 و 1356 و 1358)، وغيرها كثير].
والراوي عنه: زهير بن عباد الرؤاسي: قال أبو حاتم ومحمد بن عبد الله بن عمار: "ثقة"، وقال صالح بن محمَّد جزرة:"صدوق"، وذكره ابن حبان في الثقات، لكن قال:"يخطئ ويخالف"، وضعفه ابن عبد البر، فيحتمل أن يكون منه الوهم في إسناد هذا الحديث بإسقاط محمود بن لبيد [انظر: الجرح والتعديل (3/ 591)، علل ابن أبي حاتم (223)، الثقات (8/ 256)، تاريخ دمشق (19/ 108)، التهذيب (1/ 637)، الميزان (2/ 83)، اللسان (3/ 528)].
لذلك فإن رواية أبي غسان محمَّد بن مطرف -المدني الثقة- أولى عندي بالصواب.
لا سيما وروايته هذه موافقة لرواية ابن عجلان وابن إسحاق وابن حارثة، واختارها النَّسائيّ -دون غيرها من وجوه الاختلاف على زيد بن أسلم- ليقوي بها رواية ابن عجلان.
فإن قيل: رواية أبي غسان عن زيد بن أسلم مخالفة لرواية الثلاثة، وليست موافقة، فهم يقولون:"عن رافع بن خديج"، وأبو غسان يقول:"عن رجال -أو عن رجل- من قومه من الأنصار".
قلت: هذا اختلاف لا يضر، فإن جهالة الصحابي لا تضر، ثم إن المبهم في رواية أبي غسان، قد عُيِّن في رواية غيره، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ؛ يؤيد ذلك أن رافع بن خديج من قوم محمود بن لبيد، فكلاهما أنصارى، أوسي، يلتقيان في نسبهما في الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس، فرافع هو: ابن خديج بن رافع بن عدي بن زيد بن جشم بن حارثة بن الحارث بن الخزرج.
ومحمود هو: ابن لبيد بن عقبة بن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج.
ورافع: صحابي مشهور، ومحمود: ولد في حياة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، واختلف في صحبته.
[انظر: جمهرة النسب (633 و 634 و 637 و 638)، نسب معد واليمن الكبير (1/ 375 و 376 و 380)، طبقات خليفة بن خياط (250)، طبقات ابن سعد (4/ 364) و (5/ 77
و 256)، الثقات (3/ 121 و 397)، المستدرك (3/ 561)، الأنساب (2/ 151)، الاستيعاب (2/ 479) و (3/ 1378)، الإصابة (2/ 436) و (6/ 42)، إكمال مغلطاي (4/ 311) و (11/ 102)، التهذيب (1/ 585) و (4/ 37)، وغيرها].
فإن قيل: إن نظرنا في الاختلاف الحاصل على عاصم بن عمر بن قتادة، على اعتبار أن المحفوظ عن زيد بن أسلم: هو ما رواه عنه أبو غسان؛ وجدنا أن زيد بن أسلم هو أوثق من روى هذا الحديث عن عاصم، فتقدم روايته على غيره، فيكون المحفوظ في هذا الحديث بإبهام الصحابي.
قلت: إن سلمنا، فإبهام الصحابي لا يضر، والذي يظهر لي -والله أعلم- أن الصحابي المبهم في رواية زيد، هو رافع بن خديج، لما تقدم ذكره آنفًا، وابن عجلان وابن إسحاق: صدوقان مدنيان، وابن إسحاق إمام في السير والمغازي، فلا يبعد أن يحفظ اسم الصحابي، وتابعه على ذلك اثنان، فقبل منهم تعيين المبهم في رواية زيد بن أسلم. وانظر: الفتح لابن رجب (3/ 232).
قال الدارقطني في العلل (5/ 229/ أ)(15/ 4118/424): "والصحيح: عن زيد بن أسلم، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن رافع بن خديج".
• وعليه فحديث رافع بن خديج: حديث صحيح، إسناده مدني صحيح.
قال التِّرمذيُّ: "حديث حسن صحيح".
وقال البغوي والحازمي: "هذا حديث حسن"، زاد الحازمي:"على شرط أبي داود".
وقال ابن حزم في المحلى (3/ 188 - 189): "والخبر: صحيح".
وقال العقيلي في الضعفاء (1/ 113): "يروى عن رافع بن خديج بإسناد جيد".
وصححه ابن حبان في صحيحه، وقال في المجروحين (1/ 171):"متن صحيح".
وقال ابن القطان الفاسي في بيان الوهم (5/ 335): "صحيح".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في المجموع (22/ 97): "حديثٌ صحيحٌ".
وقال الأثرم: "ليس في أحاديث هذا الباب: أثبت منه".
قال ابن رجب: "يشير إلى أن في الباب أحاديث، وهذا أثبتها وهو كما قال"[الفتح (3/ 229)].
• وممن تكلم في إسناد هذا الحديث؛ فلم يصب:
1 -
ابن عبد البر، حيث قال في التمهيد:"وحديث رافع: يدور على عاصم بن عمر بن قتادة، وليس بالقوي، رواه عنه: محمَّد بن إسحاق وابن عجلان، وغيرهما"، ثم أسنده من طريق الثوري عن ابن عجلان، ثم قال:"وهذا أحسن أسانيد هذا الحديث".
قلت: قال ابن معين وأبو زرعة والنَّسائيُّ وابن سعد والبزار: "ثقة"، وذكره ابن حبان في الثقات، وهو أحد العلماء الثقات المحتج بهم في الصَّحيح، روي له الجماعة واحتج به أصحاب الصَّحيح، ولا تعلم فيه جرحة [انظر: تاريخ دمشق (25/ 274)، تاريخ الإسلام
(7/ 389)، السير (5/ 240)، الميزان (2/ 355)، إكمال مغلطاي (7/ 116)، التهذيب (2/ 258)، هدي الساري (412 و 462)].
2 -
عبد الحق الإشبيلي، حيث قال في الأحكام الوسطى (1/ 265): "هذا الحديث يدور بهذا الإسناد -فيما أعلم- على عاصم بن عمر بن قتادة، وعاصم هذا: وثقه أبو زرعة ويحيى بن معين، وقد ضعفه غيرهما
…
،".
فرد ذلك عليه ابن القطان الفاسي فقال في بيان الوهم (5/ 334): "وهذا أمر لا أعرفه، بل هو ثقة، كما ذكر عن ابن معين وأبي زرعة، كذلك قال النَّسائيّ وغيره، ولا أعرف أحدًا ضعفه، ولا ذكره في جملة الضعفاء
…
،".
قال الذهبي في الميزان (2/ 355) مؤيدًا ابن القطان: "وصدق".
وقال ابن حجر في هدي الساري (412): "وهو كما قال، وقد احتج به الجماعة".
• خالف الجماعة في إسناد هذا الحديث فوهم:
فليح بن سليمان [مدني، ليس بالقوي]، فرواه عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن أبيه، عن جده أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:
…
فذكره.
أخرجه البزار [(384 - كشف) (271/ 2 - مطالب) (239 - مختصر الزوائد)].
والطبراني في الكبير (19/ 12/ 16).
قال البزار: "لا نعلم أحدًا تابع فليحًا على هذه الرِّواية".
قلت: فهي وهم بلا شك.
• ولحديث رافع طريق أخرى يرويها:
أبو إسماعيل المؤدب إبراهيم بن سليمان بن رزين، قال: ثنا هرير بن عبد الرحمن بن رافع بن خديج الأنصاري، عن جده رافع بن خديج: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلال: "نور بالفجر قدر ما يبصر القوم مواقع نبلهم".
وفي رواية: "يا بلال! أسفر بالفجر قدر ما يرى الرجل موقع سهمه".
أخرجه البُخاريّ في التاريخ الكبير (1/ 289) و (3/ 301)، وابن أبي حاتم في العلل (1/ 139 و 144/ 385 و 400)، والطبراني في الكبير (4/ 277 - 278/ 4414)، وأبو نعيم في معرفة الصّحابة (2/ 1049/ 2660).
هكذا رواه عن أبي إسماعيل المؤدب إبراهيم بن سليمان: هارون بن معروف [بغدادي، ثقة]، ومحمد بن بكار بن الريان [بغدادي، ثقة]، ويحيى بن عبد الحميد الحماني [كوفي حافظ؛ إلَّا أنهم اتهموا بسرقة الحديث]، موسى [هكذا رواه عنه البُخاريّ في التَّاريخ، ولم ينسبه، وأظنه: ابن إسماعيل أبا سلمة التبوذكي، الثقة الثبت، فإن البُخاريّ مكثر عنه، كثير الاعتماد عليه]، وأبو معمر [إما أن يكون: إسماعيل بن إبراهيم بن معمر الهذلي الهروي -وهو ثقة مأمون- وإما: عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج التميمي المقعد المنقري -وهو: ثقة ثبت-، فهما من طبقة واحدة وكلاهما يكنى أبا معمر].
خالفهم: محمَّد بن الصباح الدولابي [بغدادي: ثقة حافظ]، قال: ثنا إبراهيم بن سليمان بن رزين بن إسماعيل المؤدب، قال: ثنا هارون بن عبد الرحمن بن رافع بن خديج، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال: "أسفر بصلاة الصبح بقدر ما يرى القوم مواقع نبلهم".
أخرجه الدولابي في الكنى (1/ 298/ 518)، قال: أخبرني بعض أصحابنا عن أحمد بن يَحْيَى الحلواني، قال: ثنا محمَّد بن الصباح الدولابي به، هكذا بإسقاط رافع بن خديج من الإسناد، وتسمية هرير: هارون.
والوهم فيه عندي ممن حدث به الدولابي ولم يصرح به حيث قال: "أخبرني بعض أصحابنا"، والله أعلم؛ إذ بقية رجاله ثقات.
وهذا الحديث قد رواه أبو نعيم الفضل بن دكين [ثقة ثبت]، عن إبراهيم بن إسماعيل المدني: ثنا هرير بن عبد الرحمن بن رافع بن خديج، قال: سمعت جدِّي رافع بن خديج، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نور بلال بالصبح قدر ما يبصر القوم مواقع نبلهم".
أخرجه ابن أبي شيبة في المسند (83)[كذا قال في المسند: "إبراهيم بن إسماعيل المدني"، لكن في المطالب (1/ 142/ 270): "إسماعيل بن إبراهيم المدني"، وكذا في نصب الراية (1/ 238)]. وإسحاق بن راهويه أعزاه إليه الزيلعي في نصب الراية (1/ 238)، لكن قال:"إسماعيل بن إبراهيم المدني"]. والطبراني في الكبير (4/ 278/ 4415)[سقط من سند المطبوعة: "إسماعيل بن إبراهيم المدني: ثنا هرير بن"، وتصويبه من نصب الراية (1/ 238)، وعليه يدل كلام الهيثمي في المجمع (2/ 65)، وهو ظاهر صنيع الطّبرانيّ في معجمه][لكن هل هو في المعجم هكذا كما نقل الزيلعي؟ أم قلب عليه اسم الراوي: "إبراهيم بن إسماعيل" إلى "إسماعيل بن إبراهيم"؟].
قال ابن أبي حاتم في العلل (1/ 139/ 385): "وسألت أبي عن حديث رواه أبو نعيم، عن إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع، عن هرير بن عبد الرحمن، عن جده رافع بن خديج، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال: "نور بالفجر، قدر ما يبصر القوم مواقع نبلهم"؟
قال أبي: حدّثنا هارون بن معروف وغيره عن أبي إسماعيل إبراهيم بن سليمان المؤدب عن هرير، وهو أشبه".
قلت: وهذا يعني: أن الحديث ليس من رواية إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع المدني، وإنَّما يعرف من حديث إبراهيم بن سليمان المؤدب فقط؛ أخطأ فيه أبو نعيم فقلب اسمه، وقد بين ذلك أبو حاتم في موضع آخر، قال ابن أبي حاتم في العلل (1/ 143 - 144/ 400):"وسمعت أبي وذكر حديث إبراهيم بن سليمان أبي إسماعيل المؤدب، عن هرير بن عبد الرحمن بن رافع بن خديج، عن جده رافع، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال لبلال: "نور بالفجر قدر ما يبصر القوم مواقع نبلهم".
قال أبي: روى أبو بكر بن أبي شيبة هذا الحديث عن أبي نعيم، عن إبراهيم بن
إسماعيل بن مجمع، عن هرير بن عبد الرحمن، عن جده، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.
قال أبي: وسمعنا عن أبي نعيم كتاب إبراهيم بن إسماعيل، الكتاب كله، فلم يكن لهذا الحديث فيه ذكر، وقد حدّثنا غير واحد عن أبي إسماعيل المؤدب.
قلت لأبي: الخطأ عن أبي نعيم أو عن أبي بكر بن أبي شيبة؟.
قال: أرى قد تابع أبا بكر رجل آخر، إمَّا محمَّد بن يَحْيَى، أو غيره، فعلى هذا يدل أن الخطأ عن أبي نعيم، يعني: أن أبا نعيم أراد أبا إسماعيل المؤدب، وغلط في نسبته، نسب إبراهيم بن سليمان إلى إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع".
قلت: فدلت هذه القرينة على أن هذا الحديث ليس من حديث إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع المدني؛ لأنَّه لم يكن في كتابه الذي كتبه عنه أبو نعيم، وإنما يعرف هذا الحديث من حديث أبي إسماعيل المؤدب وقد اشتهر عنه.
فإن قيل: لم ينفرد بذلك أبو نعيم، فقد توبع عليه:
فقد رواه أبو سعيد مولى بني هاشم، عن إسماعيل بن إبراهيم، قال: حدّثنا هرير: سمعت جدِّي رافعًا
…
الحديث.
أخرجه البُخاريّ في التَّاريخ الكبير (1/ 289)، وقال حدثني هارون، قال: حدّثنا أبو سعيد به.
قلت: هارون شيخ البُخاريّ: هو هارون بن الأشعث البُخاريّ: ثقة، وما أرى هذه الرِّواية إلَّا وهمًا عن أبي سعيد مولى بني هاشم عبد الرحمن بن عبد الله بن عبيد البصري: وثقه أحمد، وابن معين، والطبراني، والبغوي، والدارقطني، وقال أبو حاتم: كما كان به بأس"، وقال فيه أحمد أيضًا: "كان كثير الخطأ"، وقال الساجي: "يهم في الحديث" [التهذيب (2/ 523)، الميزان (2/ 574)].
وهذه الرِّواية أوردها البُخاريّ في تاريخه عقب رواية موسى [هو: ابن إسماعيل أبو سلمة التبوذكي]، عن أبي إسماعيل المؤدب، عن هرير بهذا الحديث، وذلك في ترجمة إبراهيم بن إسماعيل بن رزين الشَّامي أبي إسماعيل المؤدب، وكان البُخاريّ أراد أن ينبه على أن أبا سعيد مولى بني هاشم قلب اسم المؤدب فجعل كنيته اسمه، واسمه اسمًا لأبيه؛ أو العكس.
ومما يؤكد هذا الذي ذهبت إليه أن ابن حبان لما ترجم للمؤدب في ثقاته (6/ 14 - 15)، قال في آخر ترجمته:"وقد قيل: إبراهيم بن إسماعيل بن رزين"، ومعلوم أن ابن حبان أخذ مادة كتابه "الثقات" من تاريخ البُخاريّ الكبير، فأشار ابن حبان بهذه الجملة إلى رواية أبي سعيد مولى بني هاشم، وأنها وهم، لكن ثمة قلب وقع لاسم الراوي إمَّا في نسخة التَّاريخ أو الثقات، والله أعلم.
• والحاصل: أن هذا الحديث إنَّما يعرف من حديث أبي إسماعيل إبراهيم بن سليمان بن رزين المؤدب، ورواية أبي نعيم وأبي سعيد مولى بني هاشم: وهم.
وعليه فلا يعتمد على روايتهما والتي جاء فيها التصريح بسماع هرير من جده رافع.
وقد وهم أبو داود الطَّيالسيُّ في إسناد هذا الحديث مرتين حين أخرجه في مسنده (2/ 266/ 1003)، فقال: حدّثنا أبو إبراهيم، عن عبد الرحمن بن هرير بن رافع بن خديج، عن رافع بن خديج، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال
…
فذكره.
فجعل اسم المؤدب كنيته، وقلب اسم هرير بن عبد الرحمن، لكن وقع في نصب الراية (1/ 238)، والإتحاف للبوصيري (488):"إسماعيل بن إبراهيم" بدل "أبي إبراهيم"، فالله أعلم ممن الوهم، وإنَّما هو أبو إسماعيل إبراهيم بن سليمان المؤدب، والله أعلم.
• وثمة متابعة أخرى لكن واهية:
فقد روى محمَّد بن الحسن الشيباني [وهو: ضعيف، كذَّبه ابن معين. انظر اللسان (7/ 60) وغيره]، في كتابه الحجة (1/ 3 - 4)، قال: أخبرنا محمَّد بن أبان بن صالح القرشي، عن هرير بن عبد الرحمن، قال: سمعت جدِّي رافع بن خديج، قال: نشز بلال يؤذن للفجر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أسفر أي بلال"، قال: فجلس، ثم نشز الثَّانية ليؤذن قال:"أسفر أي بلال"، فجلس ثم نشز الثَّالثة، قال: فتركه فأذن.
ثم رواه مرَّة أخرى (1/ 5)، قال: أخبرنا سلام بن سليم، قال: حدثني هرير بن عبد الرحمن بن رافع بن خديج، قال: سمعت جدِّي رافع بن خديج الأنصاري، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يا بلال نور بالفجر ما يرى القوم مواقع نبلهم".
قلت: محمَّد بن أبان بن صالح القرشي الجعفي الكوفيِّ: ضعيف [انظر: اللسان (6/ 488) وغيره]، والراوي عنه: ضعيف.
وسلام بن سليم هو الحنفي أبو الأحوص الكوفيِّ: ثقة متقن، لكن في تفرد محمَّد بن الحسن الشيباني عنه [وهو: ضعيف] نكارة ظاهرة.
• وقد وجدت متابعة صالحة لأبي إسماعيل المؤدب:
فقد روى البُخاريّ في تاريخه (3/ 301 - 302)، بإسناد حسن إلى عبد الله بن هرير بن عبد الرحمن بن رافع بن خديج، عن أبيه، عن جده رافع بن خديج، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.
وعبد الله بن هرير: لم أجد من ترجم له سوى ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (5/ 196)، ولم يذكر له راويًا سوى ابن أبي فديك راوي هذا الحديث، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا؛ فهو في عداد المجاهيل.
إلَّا أن يكون تصحف عن "عبيد الله بن هرير" الذي روى بهذا الإسناد حديث النَّهي عن كسب الأمة، فقال فيه البُخاريّ:"حديثه ليس بالمشهور"، وروى عنه ثلاثة، وذكره ابن حبان في ثقاتة (7/ 151)، فهو ليس بالمشهور، مقل في الرِّواية [انظر: التَّاريخ الكبير (5/ 403)، الجرح والتعديل (5/ 337)، الميزان (3/ 16)، التهذيب (3/ 30)، التقريب (409)، وقال:"مستور"].
وأبو إسماعيل إبراهيم بن سليمان بن رزين المؤدب الأردني، نزيل بغداد؛ صدوق يغرب [التقريب (59)].
وهرير بن عبد الرحمن بن رافع بن خديج:
قال الدَّارميُّ لابن معين: "فهرير الذي يروي عنه أبو إسماعيل المؤدب من هو؟
فقال: ثقة"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الأزدي: "يتكلمون في حديثه" [انظر: التَّاريخ الكبير (8/ 252)، الأسماء المفردة للبرديجي (317)، الجرح والتعديل (9/ 121)، تاريخ الدَّارميُّ (853)، الثقات (7/ 589)، الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي (3/ 173/ 3589)، المغني (2/ 709)، الميزان (4/ 295)، التهذيب (4/ 265)، إكمال مغلطاي (12/ 133)، المؤتلف والمختلف للدارقطني (4/ 2319)، إكمال ابن ماكولا (7/ 314)، توضيح المشتبه (9/ 147)].
لكن هل سمع هرير من جده رافع أم لا؟
أولًا: الرِّوايات التي ورد فيها التصريح بالسماع: لا يعتمد عليها إما لضعف رواتها، أو لكون الثقات وهموا فيها.
ثانيًا: عامة مصادر المتقدمين ذكروا روايته عن أبيه عبد الرحمن عن جده رافع، ولو كان ثابتًا عندهم سماعه من جده مباشرةً بغير واسطة لم يغفلوه، لا سيما البُخاريّ الذي يعتني بذكر سماع الرواة بعضهم من بعض.
ثالثًا: ذكره ابن حبان في طبقة أتباع التّابعين من ثقاته، مما يدل على أنَّه لم يصح عنده سماعه من أحد من الصّحابة، سيما جده رافع.
• فدلت هذه القرائن على انقطاع هذا السند، وعدم اتصاله بين هرير وجده رافع، ولا عبرة بورود السماع في بعض الرِّوايات لعدم صلاحيتها للاعتماد عليها، إذ لم يعتمد عليها أئمة هذا الشأن، والله أعلم.
ووجدت متابعة لهربر، لكن لا تصح:
قال البُخاريّ في التَّاريخ الكبير (3/ 301): "وقال نعيم: حدّثنا عبد العزيز بن محمَّد، عن عتبة بن مسلم، عن ابن رافع، عن أبيه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "أسفروا بالصبح".
وعن عبد العزيز، عن عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن ابن رافع، عن أبيه، رفعه".
قلت: ابن رافع هو: عبد الله، ورجال الإسنادين: مدنيون ثقات، عدا عبد الرحمن بن عبد العزيز، فإنَّه ليس بالقوي [انظر: التهذيب (2/ 528)، الميزان (2/ 577)].
لكن مدارهما على نعيم بن حماد المروزي، وهو ضعيف، يروي المناكير عن الثقات [انظر: التهذيب (4/ 234)، الميزان (4/ 267)]، فإن كان تفرد به عن الدراوردي وأهل المدينة، فهو حديث منكر.
• وحاصل ما تقدم: أن حديث هرير، عن جده رافع، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال لبلال:
"نور بالفجر -أو: أسفر بالفجر- تدر ما يبصر القوم مواقع نبلهم".
إسناده منقطع؛ لعدم سماع هرير من جده، إنَّما يروي عنه بواسطة.
والمتن منكر؛ لاشتماله على هذه الزيادة: "قدر ما يبصر القوم مواقع نبلهم"؛ إذ المتن الصَّحيح المعروف هو: "أسفروا بالفجر، فإنَّه أعظم للأجر"، وما كان في معناه كما تقدم من حديث عاصم بن عمر، عن محمود بن لبيد، عن رافع به مرفوعًا.
• وهذه الزيادة المنكرة مخالفة للأحاديث الصحيحة القاضية بأن بلالًا كان يؤذن قبل طلوع الفجر، الأذان الأوَّل، كما جاء في الحديث:"إن بلالًا يؤذن بلبل، فكلوا واشربوا حتَّى يؤذن ابن أم مكتوم؟ "، وهو حديث متَّفقٌ عليه من حديث: ابن عمر [البخاري (617)، ومسلم (1092)]، وابن مسعود [البخاري (621)، ومسلم (1093)]، وعائشة [البخاري (622 و 623)، ومسلم (1092)، [وانظر: الفتح لابن رجب (3/ 507 - 526)، الفتح لابن حجر (2/ 118 - 125)].
• ومخالف لما تقدم تقريره من أنَّه يؤذن للصلاة في أول وقتها للإعلام بدخول الوقت، ثم لا بأس بتأخير الإقامة حسب ما يرى الإمام من المصلحة [انظر: ما تقدم تحت الأحاديث (401 - 403)]، والله أعلم.
• ومن شواهد حديث رافع في الإسفار بالفجر:
1 -
ما رواه أيوب بن سيار: نا محمَّد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، عن أبي بكر الصِّديق، عن بلال، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"أسفروا بالفجر؛ لأنَّه أعظم للأجر".
أخرجه البزار (4/ 196 - 197/ 1357)، وأبو يعلى (1/ 144/ 281 - مطالب)، والروياني (743)، والطحاوي (1/ 179)، والعقيلي (1/ 112)، والشاشي الهيثم بن كليب (2/ 347/ 941 و 942)، وابن الأعرابي في معجمه (1/ 83/ 121)، وابن حبان في المجروحين (1/ 171)، والطبراني في الكبير (1/ 339 و 352/ 1016 و 1067) أو في سنده سقط]. وابن عدي في الكامل (1/ 346)، وأبو الشَّيخ في ذكر الأقران (168)، وأبو نعيم في معرفة الصّحابة (1/ 375/ 1134)، والبيهقيّ في الخلافيات (1/ 533 - مختصره)، وأبو أحمد العسكري في تصحيفات المحدثين (2/ 621)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (10/ 431)، وأبو موسى المديني في اللطائف (6 و 177).
قال البزار: "فلم أبدأ بهذا الحديث في أول مسند بلال لضعف أيوب بن سيار".
وقال العقيلي بعد ما أورد لأيوب بن سيار حديثين في ترجمته: "ليس لإسنادهما جميعًا أصل، ولا يتابع عليهما، فأمَّا متن الحديث الأوَّل في الإسفار بالفجر، فيروى عن رافع بن خديج بإسناد جيد، والثَّاني: فليس بمحفوظ إسناده ولا متنه".
وقال ابن حبان: "هذا متن صحيح، وإسناده مقلوب".
وقال ابن عدي بعد ما أورد لأيوب هذا حديثين بهذا الإسناد منكرًا بهما عليه: "وهذان الحديثان لا يرويهما بهذا الإسناد عن محمَّد بن المنكدر، غير أيوب بن سيار".
وقال البيهقي: "وأيوب بن سيار: ضعيف لا يحتج به، قال ابن معين: ليس بشيء".
وقال ابن عساكر: "قال ابن منده: هذا حديث غريب، لا يعرف إلَّا من حديث أيوب بن سيار".
وقال أبو موسى المديني: "غريب من حديث ابن المنكدر؛ لم يروه عنه إلَّا أيوب".
وقال أيضًا: "وهذا الحديث يُعد في أفراد أيوب بن سيار".
قلت: فهو حديث منكر، لتفرد أيوب بن سيار به عن ابن المنكدر، وأيوب: متروك، منكر الحديث [انظر: اللسان (2/ 243) وغيره، [وانظر: علل الدارقطني (13/ 332/ 3208)].
2 -
وما رواه عمرو بن عون، قال: نا حفص بن سليمان، عن عبد العزيز بن رفيع، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"لا تزال أمتى على الفطرة ما أسفروا بالفجر".
أخرجه البزار (15/ 225/ 8648)، والطبراني في الأوسط (4/ 64/ 3618)، والدارقطني في الأفراد (5/ 315/ 5566 - أطرافه).
قال البزار: "وهذا الكلام لا يروى عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد، ولا نعلم روى عبد العزيز عن أبي سلمة غير هذا الحديث، وحفص: لين الحديث، حدث بأحاديث مناكير، ولكن بما لم نحفظ هذا الحديث إلَّا من حديثه، ذكرناه عنه وبينا علته".
وقال الطّبرانيّ بعد عدة أحاديث بهذا الإسناد: "لم يرو هذه الأحاديث عن عبد العزيز بن رفيع إلَّا حفص بن سليمان، تفرد بها عمرو بن عون".
وقال الدارقطني: "تفرد به عمرو بن عون، عن حفص بن سليمان المقرئ، عن عبد العزيز"[وفي المطبوعة تصحيف].
قلت: عمرو بن عون بن أوس الواسطيِّ: ثقة ثبت، لكنَّه حديث منكر، لتفرد حفص بن سليمان الأسدي الكوفيِّ به عن عبد العزيز بن رفيع، وحفص: متروك الحديث، ثبت في القراءة.
3 -
وما رواه سعيد بن أوس أبو زيد الأنصاري، عن ابن عون، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"يا بلال أسفر بالصبح؛ فإنَّه أعظم للأجر".
أخرجه ابن حبان في المجروحين (1/ 324 - 325)، في ترجمة سعيد بن أوس هذا بإسناده إليه، ثم قال:"وليس هذا من حديث ابن عون، ولا ابن سيرين، ولا أبي هريرة، وإنَّما هذا المتن من حديث رافع بن خديج فقط، فيما يشبه هذا مما لا يشك عوام أصحابنا أنَّها مقلوبة أو معمولة".
4 -
وما رواه معلى بن عبد الرحمن: حدّثنا الثوري، وشعبة، عن زبيد الأيامي، عن مرَّة، عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أسفروا بصلاة الصبح؛ فإنَّه أعظم للأجر".
أخرجه الطّبرانيّ في الكبير (10/ 178/ 10381)، وفي حديثه لأهل البصرة بانتقاء ابن مردويه (74)، والخطيب في الموضح (1/ 460).
وهذا موضوع بهذا الإسناد، معلى بن عبد الرحمن الواسطيِّ: رمي بالوضع، وكذبه غير واحد، وتقدم له إسناد آخر لحديث رافع المتقدم.
5 -
وما رواه سليمان بن عمرو أبو داود النَّخعيُّ الكذاب، عن أبي طوالة عبد الله بن عبد الرحمن، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نور بالفجر، نور الله له في قلبه وقبره، وقبلت صلاته".
أخرجه الدارقطني في الأفراد (2/ 265/ 1332 - أطرافه)، ومن طريقه: ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 86).
قال الدارقطني: "تفرد به سليمان بن عمرو، عن أبي طوالة عبد الله بن عبد الرحمن".
قال ابن الجوزي: "هو أبو داود النَّخعيُّ، قال أحمد: هو كذاب، كان يضع الأحاديث، وقال يَحْيَى: هو ممن يعرف بالكذب، ووضع الحديث، وقال يزيد بن هارون: لا يحل لأحد أن يروي عنه".
قلت: أمارات الوضع تلوح على متنه، وانظر: اللسان (4/ 163).
6 -
قال الحارث بن أبي أسامة (1/ 144/ 280 - مطالب): حدّثنا عبد العزيز بن أبان: ثنا عمرو الجعفي، عن إبراهيم بن عبد الأعلى، عن سويد بن غفلة، عن أبي بكر الصِّديق، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسفر بالفجر.
وهذا باطل؛ عبد العزيز بن أبان الأموي، وشيخه: عمرو بن شمر الجعفي: متروكان، كذبهما غير واحد، ورميا بالوضع [انظر: التهذيب (2/ 581)، اللسان (6/ 210)].
7 -
قال الزيلعي في نصب الراية (1/ 239): "حديث آخر يبطل تأويلهم [يعني: تأويل الأئمة لحديث رافع في الإسفار وسيأتي بيان ذلك]، رواه الإمام أبو محمَّد القاسم بن ثابت السرقسطي في كتاب "غريب الحديث": حدّثنا موسى بن هارون: ثنا محمَّد بن عبد الأعلى: ثنا المعتمر: سمعت بيانًا أبا سعيد، قال: سمعت أنسًا، يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي الصبح حين يفسح البصر. انتهى.
قال: فقال: فسح البصر، وانفسح: إذا رأى الشيء عن بعد، يعني به إسفار الصبح. انتهى".
قلت: رجاله ثقات، غير بيان بن جندب أبي سعيد الرقاشي البصري، روى عنه المعتمر بن سليمان، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال:"يخطئ"[التَّاريخ الكبير (2/ 133)، الجرح والتعديل (2/ 424)، الكنى لمسلم (1304)، الثقات (4/ 79)، اللسان (2/ 373)]، وقال أبو داود:"لا أعلم له إلَّا حديث المواقيت"، وقال ابن معين:"هو مجهول"[الفتح لابن رجب (3/ 237)].
وهذا الحديث رواه بطوله في المواقيت عن معتمر بن سليمان:
أ - أميَّة بن بسطام [ثقة]، والشاهد منه قوله: وكان يصلِّي الغداة إذا طلع الفجر حين ينفسح البصر، فما بين ذلك صلاة.
أخرجه أبو العباس السَّرَّاج في مسنده (1054)، وفي حديثه بانتقاء زاهر الشحامي (1633).
بإسناد صحيح إلى أميَّة.
ب - أحمد بن حاتم الطَّويل [ثقة. التعجيل (26)]، والشاهد منه قوله: ويصلي الغداة عند الفجر حين يفسح البصر، كل ما بين ذلك وقت -أو قال: صلاة-.
أخرجه أبو يعلى في مسنده (7/ 76/ 4004)، عن أحمد بن حاتم به. ومن طريقه: الضياء في المختارة (4/ 405/ 1577).
ج- أبو الرَّبيع الزهراني سليمان بن داود العتكي [ثقة]، والشاهد منه: ويصلي الغداة عند الفجر إلى أن ينفسح البصر، كل ذلك وقت -أو: كل ما بين ذلك وقت-.
أخرجه الضياء في المختارة (5/ 404 - 406/ 1578).
د - محمَّد بن المتوكل بن أبي السري [لين الحديث. التهذيب (3/ 686)، الميزان (4/ 23)].
أخرجه الضياء في المختارة (4/ 406/ 1579)، ولم يسق لفظه وإنما أحاله على لفظ أبي الرَّبيع والطويل.
وألفاظهم في الحديث متقاربة؛ ولفظ أبي الرَّبيع الزهراني: نا المعتمر بن سليمان، قال: سمعت بيان الرقاشي، قال: قلت لأنس بن مالك: حدثني عن وقت نبي الله صلى الله عليه وسلم في الصَّلاة؟ قال: كان يصلي الظهر إذا زالت الشمس، ويصلي العصر بين صلاتيكم [ولفظ الطَّويل: بين صلاتكم الأولى والعصر]، ويصلي المغرب عند غروب الشَّمس، ويصلي العشاء عند غيبوبة الشفق، ويصلي الغداة عند الفجر إلى أن ينفسح البصر، كل ذلك وقت -أو: كل ما بين ذلك وقت-.
فظهر بجمع طرق الحديث عن معتمر: أن المراد أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يصلِّي الصبح فيما بين طلوع الفجر إلى أن ينفسح البصر، وليس المراد أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يصلِّي الفجر حين ينفسح البصر وقتًا واحدًا في الإسفار دون التغليس.
ويزيد ذلك بيانًا أن شعبة قد روى هذا الحديث عن أبي صدقة [ذهب قيس بن حفص التميمي البصري إلى أنَّه هو بيان بن جندب، فقال:"روى شعبة عن هذا فغير اسمه، ذكره البُخاريّ في تاريخه (2/ 133)، عن شيخه قيس. وقال مسلم في الكنى في ترجمة أبي سعيد بيان بن جندب (1304): "وقال شعبة: أبو صدقة العجلي، وقال أبو حاتم:"وروى شعبة، عن أبي صدقة، عن أنس، ويشبه كلام حديث بيان حديث أبي صدقة"، كأنه يوافقهم على توهيم شعبة. الجرح (2/ 424)، وتابعهم ابن حبان فذكر شعبة فيمن روى عن
بيان. وانظر: التهذيب (1/ 261) وأصوله]، مولى أنس -وأثنى عليه شعبة خيرًا-، قال: سألت أنسًا عن مواقيت الصَّلاة؟ فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي الظهر حين تزول الشَّمس، والعصر بين صلاتيكم هاتين، والمغرب حين تغيب الشَّمس، والعشاء حين يغبب الشفق، والصبح من طلوع الفجر إلى أن ينفسح البصر.
أخرجه النَّسائيّ (1/ 273/ 552)، والضياء في المختارة (6/ 167 و 167 - 168/ 2171 و 2172)، وأحمد (3/ 129 و 169)، والطيالسي (3/ 597/ 2250)، واللفظ له. والطحاوي (1/ 191 - 192).
صدق أبو حاتم فإن ألفاظ حديث أبي صدقة تشبه ألفاظ حديث بيان، مما يؤكد كونهما واحدًا، والله أعلم.
• لكن المقصود هنا بيان أن المراد في هذا الحديث في وقت الصبح أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يصليها ما بين طلوع الفجر إلى أن ينفسح البصر، وهو وقت الإسفار، فصار هذا الحديث يؤيد تأويل الأئمة بأن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يدخل في صلاته بغلس وينصرف منها بعد أن ينفسح البصر، ويسفر الجو.
لا كما يدعي بعض النَّاس بأن حديث أنس يبطل تأويلهم.
ويزيد هذا الأمر بيانًا ووضوحًا من وجه آخر -أعني بطلان كون النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم كان يدخل في صلاة الفجر حين ينفسح البصر على الدوام، وإنَّما فعله مرَّة أو مرتين لبيان آخر الوقت-: ما رواه حميد عن أنس: أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقت صلاة الفجر؟ فأمر بلالًا فأذن حين طلع الفجر، ثم أقام فصلَّى، فلما كان من الغد آخر حتَّى أسفر، ثم أمره أن يقيم فأقام فصلَّى، ثم دعا الرجل، فقال:"أشهدت الصَّلاة أمس واليوم؟ "، قال: نعم، قال:"ما بين هذا وهذا وقت".
أخرجه النَّسائيّ (642)، وغيره، وقد تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (395)، وهو حديثٌ صحيحٌ.
ولا نحتج في هذا المعني بما رواه أسامة بن زيد الليثي من حديث أبي مسعود الأنصاري في المواقيت وفي آخره: وصلى الصبح مرَّة بغلس، ثم صَلَّى مرَّة أخرى فأسفر بها، ثم كانت صلاته بعد ذلك التغليس حتَّى مات، ولم يعد إلى أن يسفر.
فإنَّه حديث شاذ، كما تقدم بيانه عند تخريجه في السنن برقم (394).
وأمَّا رواه عبد بن حميد في مسنده (1231): أنا جعفر بن عون: أنا مسلم الملائي، عن أنس، قال: كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يصلِّي الظهر حين تزول الشَّمس، ويصلي العصر والشمس بيضاء نقية، ويصلي المغرب حين تغرب، ويمسي بالعشاء، ويقول:"احترسوا فلا تناموا"، ويصلي الفجر حين يغشي النور السماء.
• فلا ينبغي أن يعارض بمثله ما تقدم تقريره، فإن مسلم بن كيسان الملائي الأعور: ضعيف؛ بل منكر الحديث واهٍ [انظر: التهذيب (4/ 71)، الميزان (4/ 106)].
• وأخيرًا؛ فإنَّه لا يصح في الإسفار بصلاة الفجر سوى: ما رواه عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن رافع بن خديج، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:"أسفروا بالفجر؛ فإنَّه أعظم للأجر"، وفي لفظ:"أصبحوا بالصبح فإنَّه أعظم للأجر"، وهو حديثٌ صحيحٌ، صحَّحه جماعة من الأئمة.
• وأما أحاديث التغليس فكثيرة منها:
1 -
حديث عائشة رضي الله عنها: أنَّها قالت: أن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي الصبح، فينصرف النساء متلفعات بمروطهن، ما يُعرفن من الغلس.
متفق عليه، وتقدم برقم (423).
2 -
حديث جابر: لما سئل عن وقت صلاة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: كان يصلِّي الظهر بالهاجرة، والعصر والشمس حية، والمغرب إذا غربت الشَّمس، والعشاء إذا كثر النَّاس عجل، وإذا قلوا آخر، والصبح بغلس.
متفق عليه، وتقدم برقم (397).
3 -
حديث أبي برزة: وآخره: وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه، ويقرأ بالستين إلى المائة.
متَّفقٌ عليه، وتقدم برقم (398)، وقد دل على أنَّه صلى الله عليه وسلم كان يدخل في الصَّلاة بغلس، ويطيل فيها القراءة حتَّى ينصرف والرجل يعرف جليسه الذي يجلس إلى جواره من الغلس، قال ابن رجب:"وهذا يدل على شدة التغليس بها"[الفتح (3/ 218)].
4 -
حديث ابن عمر: يرويه الأوزاعي، قال: حدّثنا نهيك بن يريم الأوزاعي: حدّثنا مغيث بن سمي، قال: صليت مع عبد الله بن الزُّبير الصبح بغلس، [وكان يسفر بها]، فلما سلم أقبلت على ابن عمر، فقلت: ما هذه الصَّلاة؟
قال: هذه صلاتنا كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبى بكر، وعمر، فلما طعن عمر أسفر بها عثمان.
أخرجه ابن ماجة (671)، وابن حبان (4/ 363/ 1496)، ويعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة والتَّاريخ (2/ 255)، وأبو يعلى (10/ 119/ 5747)، وابن المنذر (2/ 378 و 379/ 1061 و 1065)، والطحاوي (1/ 176)، وأبو نعيم في الحلية (6/ 70)، والبيهقيّ في السنن (1/ 456)، وفي المعرفة (1/ 469/ 635)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (59/ 452 و 453) و (62/ 326 - 327 و 327)، والمزي في تهذيب الكمال (30/ 36).
قال البيهقي -ومن طريقه ابن عساكر-: "وفي كتاب العلل لأبي عيسى التِّرمذيِّ، قال: قال محمَّد بن إسماعيل البُخاريّ: حديث الأوزاعي عن نهيك بن يريم في التغليس بالفجر: حديث حسن".
وقال الفسوي: حدّثنا عبد الرحمن بن إبراهيم [دحيم]، قال: حدّثنا الوليد، قال: حدّثنا الأوزاعي، قال: حدثني نهيك بن يريم الأوزاعي -لا بأس به-، عن مغيث بن سمي الأوزاعي، -وهؤلاء رجال الشَّام ليس فيهم إلا ثقة- . . . ، وذكر الحديث.
وصححه ابن حبان.
وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 86): "وهذا إسناد صحيح".
قلت: نعم، إسناده شامي صحيح.
5 -
حديث زيد بن ثابت:
يرويه قتادة، عن أنس، عن زيد بن ثابت، قال: تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرجنا إلى المسجد فأقيمت الصَّلاة، قلت [لزيد]: كم كان بينهما؟ قال: قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية.
أخرجه البُخاريّ (575 و 1912)، ومسلم (1097)، وأبو عوانة (2/ 180 و 181/ 2761 - 2763)، وأبو نعيم في المستخرج (3/ 172/ 2465 - 2467)، والترمذي (703 و 704)، وقال:"حسن صحيح"، وأبو علي الطُّوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(646)، والنَّسائيُّ (4/ 143/ 2155 و 2156)، وابن ماجة (1694)، والدارمي (2/ 11/ 1695)، وابن خزيمة (3/ 215/ 2156)، وأحمد (5/ 182 و 185 و 186 و 188 و 192)، والطيالسي (1/ 496/ 604)، وابن شيبة (2/ 8928/276)، وعبد بن حميد (248)، والطحاوي (1/ 176 و 177)، وابن الأعرابي في المعجم (6)، والطبراني في الكبير (5/ 116 و 117/ 4792 - 4795)، وأبو نعيم في الحلية (3/ 61)، وفي معرفة الصّحابة (3/ 1157/ 2917 و 2918)، والبيهقيّ في السنن (1/ 455) و (4/ 238)، وفي المعرفة (1/ 468/ 632)، والبغوي في شرح السنة (2/ 197/ 355)، وابن عساكر (19/ 296)، والذهبي في السير (9/ 167).
هكذا رواه عن قتادة: هشام الدستوائي، وهمام، ومنصور بن زاذن، وعمر بن عامر السلمي، وأبو هلال الراسبي محمَّد بن سليم.
تنبيه: روى مسلم بن إبراهيم الفراهيدي [ثقة مأمون]، عن هشام الدستوائي هذا الحديث بلفظ: تسحرنا مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ثم قام إلى الصَّلاة، قلت: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية [البخاري (1921)].
كذا قال: "بين الأذان والسحور".
ورواه عامة أصحاب هشام بلفظ: "كم كان بينهما؟ "، "كم كان قدر ما بينهما؟ "، بدون ذكر الأذان فيه.
وممن رواه عن هشام به هكذا: يَحْيَى بن سعيد القطان، ووكيع بن الجراح، وأبو عامر العقدي عبد الملك بن عمرو، وخالد بن الحارث، وأبو داود الطَّيالسيُّ، وروح بن عبادة [وهم ستة من الثقات، بينهم أثبت النَّاس في هشام].
ورواية الجماعة أشبه بالصواب، لا سيما وقد رواه منصور بن زاذان -وهو: ثقة ثبت- بلفظ: "كم كان بين الأذان والإقامة؟ "، والله أعلم.
ورواه سعيد بن أبي عروبة [ثقة ثبت، من أثبت النَّاس في قتادة، وممن رواه عن ابن
أبي عروبة ممن هو من أثبت النَّاس فيه أو حديثه عنه جيد: خالد بن الحارث، وروح بن عبادة، ومحمد بن بشر، وغيرهم. شرح العلل (2/ 743)، الكواكب النيرات (25)]، عن قتادة، عن أنس بن مالك: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم يزيد بن ثابت تسحرا، فلما فرغا من سحورهما، قام النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصَّلاة فصلَّى.
قلنا لأنس: كم كان بين فراغهما من سحورهما ودخولهما في الصَّلاة؟ قال: قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية.
أخرجه البُخاريّ (576 و 1134)، والنَّسائيُّ (4/ 143/ 2157)، وابن حبان (4/ 364/ 1497)، وأحمد (3/ 170 و 235)، وعبد بن حميد (1190)، وأبو يعلى (5/ 450/ 3162)، والبيهقيّ (1/ 455).
هكذا جعله ابن أبي عروبة من مسند أنس؛ والمسؤول هو أنس لا زيد.
وخالفهم: معمر في سياقه [ومعمر بن راشد: سيئ الحفظ لحديث قتادة. شرح العلل (2/ 698)]، فرواه عن قتادة، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك عند السحور: "يا أنس أني أريد الصيام، أطعمني شيئًا"، فأتيته بتمر، وإناء فيه ماء، وذلك بعد ما أذن بلال، فقال:"يا أنس انظر رجلًا يأكل معي"، فدعوت زيد بن ثابت، فجاء فقال: إنِّي قد شربت شربة سويق، وأنا أريد الصيام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"وأنا أريد الصيام"، فتسحر معه، ثم قام فصلَّى ركعتين، ثم خرج إلى الصَّلاة.
أخرجه عبد الرَّزاق عن معمر (4/ 229/ 7605).
ومن طريقه: النَّسائيّ (4/ 147/ 2167)، وأحمد (3/ 197)، وأبو يعلى (5/ 375/ 3030)، والضياء في المختارة (7/ 98/ 2512 و 2513).
6 -
حديث سهل بن سعد:
يرويه أبو حازم: سمع سهل بن سعد، يقول: كنت أتسحر في أهلي، ثم يكون سرعة بي: أن أدرك صلاة الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية: ثم تكون سرعتي أن أدرك السُّجود مع الرسول صلى الله عليه وسلم.
أخرجه البُخاريّ (577 و 1920)، وابن خزيمة (3/ 215/ 1942)، وأبو يعلى (13/ 528/ 7533)، والروياني (1020)، والطبراني في الكبير (6/ 165/ 5871)، والبيهقيّ في السنن (1/ 455 - 456)، وفي المعرفة (1/ 468/ 633).
• وفي الباب أيضًا: عن عمر بن الخطاب، وأبي هريرة، موقوفًا عليهما، ومثله لا يدرك بالرأي، إذ مبناه على التوقيف، انظر فيما تقدم تحت الحديث (398).
وانظر شواهد أخرى في فتح الباري لابن رجب (3/ 225).
• وأمَّا فقه هذا الباب:
فقد اختلفت أنظار الفقهاء في هذه المسألة: هل التغليس بصلاة الفجر أفضل؟ أم الإسفار بها؟
واختلفت أقوالهم في أحاديث الباب؛ بما يطول بذكره المقام في تفصيل القول في هذه المسألة أخذًا وردًّا.
لكن نوجز القول فيها، مع ذكر مختارات من كلام الأئمة:
فالصحيح: أن التغليس بصلاة الفجر في أول وقتها أفضل، وهو قول الجمهور.
وأجابوا عن حديث رافع في الأمر بالإسفار بأجوبة نذكر خلاصتها:
منها: تضعيفه، وهو مردود، فقد ثبت صحة هذا الحديث، وقد تقدم ذكر من صحَّحه، ومن ضعفه.
ومنها: تأويله على وجوه:
منها: أن المراد بالإسفار: أن يتبين الفجر، ويتضح، فيكون نهيًا عن الصَّلاة قبل الوقت، وقبل تيقن دخول الوقت، وبه قال الشَّافعي، وأحمد، وإسحاق.
قال التِّرمذيُّ في الجامع (154): "وقال الشَّافعي وأحمد وإسحاق: معنى الإسفار أن يَضِحَ الفجر فلا يُشكُّ فيه، ولم يروا أن معنى الإسفار تأخير الصَّلاة".
قال الشَّافعي في اختلاف الحديث (10/ 165 - أم) في الجمع بين أحاديث التغليس وحديث رافع في الإسفار: "وقد يحتمل أن لا يخالفه؛ بأن يكون الله أمرنا بالمحافظة على الصَّلاة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ذلك أفضل الأعمال، وإنه رضوان الله، فلعل من النَّاس من سمعه فقدم الصَّلاة قبل أن يتبين الفجر، فأمرهم أن يسفروا حتَّى يتبين الفجر الآخر، فلا يكون معنى حديث رافع ما أردت من الإسفار، ولا يكون حديثه مخالفًا حديثنا".
وقال نحوه في الرسالة (1/ 130 - أم).
وقال أبو داود في مسائله لأحمد (179) و (180): "سمعت أحمد بن حنبل سئل عن صلاة الصبح؟ قال: يعجبني أن يغلس بها.
فقيل لأحمد وأنا أسمع: حديث رافع: "أصبحوا بالصبح"؟ قال هذا مثل حديث عائشة: "ينصرفن النساء متلفعات"، إذا أسفر الفجر فقد أصبحوا"، وانظر أيضًا (181 و 182).
وقال أحمد في مسائل ابنه صالح (1040): "إسفار الفجر عندي: طلوعه"، وانظر (34 و 1039).
وقال أبو بكر الأثرم: "قلت لأحمد بن حنبل: ما معنى قوله: "أسفروا بالفجر"؟ فقال: إذا بان الفجر فقد أسفر. قلت: كان أبو نعيم يقول في حديث رافع بن خديج: "أسفروا بالفجر، فكلما أسفرتم بها فهو أعظم للأجر"؛ فقال: نعم كله سواء، إنَّما هو إذا تبيّن الفجر فقد أسفر" [التمهيد (2/ 306) و (9/ 121) ط. إحياء التراث].
وقال إسحاق بن منصور الكوسج: "قلت: ما الإسفار بالفجر؟.
قال: الإسفار بالفجر: أن يَضِحَ الفجر فلا يُشك أنَّه قد طلع الفجر.
قال إسحاق: كما قال" [مسائل الكوسج (124)].
• وقال آخرون في تأويل حديث رافع في الإسفار: بل الإسفار يكون باستدامته الصَّلاة، لا بالدخول فيها، فيدخل فيها بغلس، ويطيلها حتَّى يخرج منها وقد أسفر الوقت.
وروي هذا المعنى عن عطاء، وقاله أبو حفص البرمكي، والقاضي أبو يعلى في خلافه الكبير، ورجحه الطحاوي.
ورده بعضهم بأن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يدخل فيها بغلس، ويخرج منها بغلس، كما دل على ذلك حديث عائشة وأبي برزة.
• ومن الأجوبة على حديث رافع أيضًا:
القول بأنه منسوخ؛ بما رواه أسامة بن زيد الليثي من حديث أبي مسعود الأنصاري في المواقيت، وقد سبقت الإشارة إليه قريبًا وقلنا بأنه حديث شاذ لا يصلح للاحتجاج به في مثل هذا.
• ومنها: حمل بعضهم أحاديث الأمر بالإسفار على حالة تأخير المأمومين.
واحتج في ذلك بما رواه أحمد في مسنده (2/ 135)، قال: حدّثنا أبو أحمد الزبيري محمَّد بن عبد الله: حدّثنا أبو شعبة الطحان جار الأعمش، عن أبي الرَّبيع، قال: كنت مع ابن عمر في جنازة
…
فذكر قصَّة في النياحة، ثم قال: فقلت له: إنِّي أصلي معك الصبح ثم ألتفت فلا أرى وجه جليسي، ثم أحيانًا تسفر؟ قال: كذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي، وأحببت أن أصليها كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها.
قال ابن رجب في الفتح (3/ 236): "وهذا إسناد ضعيف؛ نقل البرقاني عن الدارقطني قال: أبو شعبة: متروك، وأبو الرَّبيع: مجهول"[انظر: سؤالات البرقاني (601 و 606 و 618)، الميزان (4/ 523 و 536)، اللسان (9/ 68 و 93)، إكمال الحسيني (521)، التعجيل (493)].
وبما رواه ابن عساكر في تاريخه (19/ 454)، من طريق أبي خالد الواسطيِّ، عن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي الفجر فيغلس ويسفر، ويقول:"ما بين هذين وقت، لكيلا يختلف المؤمنون"
…
وذكر حديثًا طويلًا.
وإسناده واهٍ، سأل ابن أبي حاتم أباه عن هذا الحديث، فقال:"أبو خالد عمرو بن خالد الواسطيِّ: هو ضعيف الحديث جدًّا"[العلل (1/ 151/ 421)].
• ومن الأجوبة على حديث رافع أيضًا:
أن أحاديث التغليس أكثر وأقوى من حديث رافع في الإسفار، وهي أشبه بظاهر القرآن.
قال الشَّافعي في الرسالة (1/ 127 - الأم): "فحديث عائشة أشبه بكتاب الله تبارك وتعالى، لأنَّ الله عز وجل يقول {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] فإذا دخل الوقت فأولى المصلين بالمحافظة: المقدم للصلاة.
وهو أيضًا أشهر رجالًا بالفقه وأحفظ.
ومع حديث عائشة ثلاثة كلهم يروون عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مثل معنى حديث عائشة: زيد بن ثابت، وسهل بن سعد [وذكر في موضع آخر: وأنس بن مالك].
وهذا أشبه بسنن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم من حديث رافع بن خديج
…
"، إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى، وذكر نحوه في اختلاف الحديث (10/ 162 - الأم).
وقال أحمد في مسائل ابن هانئ عنه (1/ 39 - 40): "الحديث في التغليس: أقوى".
وقال ابن عبد البر في التمهيد (9/ 121) بأن أحاديث التغليس: "أثبت من جهة النقل".
• ومن وجوه تفضيل التغليس على الإسفار: عمل الخلفاء الراشدين؛ لحديث ابن عمر المتقدم الذي يرويه نهيك بن يريم.
قال ابن المنذر في الأوسط (2/ 380): "فدلت هذه الأخبار
…
على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلِّي الصبح بغلس، ودل على مثل ذلك الأخبار المذكورة في باب: ذكر استحباب تعجيل الصلوات في أوائل أوقاتها.
وكذلك كان فعل أبي بكر وعمر.
والتغليس بالصبح: أشبه بظاهر كتاب الله
…
[فذكر نحوًا من كلام الشَّافعي إلى أن قال:]
وثبوت أبي بكر وعمر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على التغليس دال على صحة هذا القول،
…
".
وقال ابن عبد البر في التمهيد (2/ 307): "صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، وعثمان: أنهم كانوا يغلسون، ومحال أن يتركوا الأفضل، ويأتوا الدون، وهم النهاية في إتيان الفضائل.
ولا معنى لقول من احتج بأنه صلى الله عليه وسلم لم يخير بين أمرين قط إلَّا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا؛ لأنَّه معلوم أن الإسفار أيسر على النَّاس من التغليس، وقد اختار التغليس لفضله
…
،".
ونختم الباب ببعض كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيِّم في هذه المسألة:
ففي مجموع الفتاوى (22/ 95): "وسئل: هل التغليس أفضل أم الإسفار؟
فأجاب: الحمد لله، بل التغليس أفضل، إذا لم يكن ثم سبب يقتضي التأخير، فإن الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم تبيّن أنَّه كان يغلس بصلاة الفجر، كما في الصحيحين عن رضي الله عنها . . . [فذكره وذكر حديث أبي برزة الأسلمي إلى أن قال:] وهكذا في الصَّحيح من غير هذا الوجه أنَّه كان يغلس بالفجر، وكذلك خلفاؤه الراشدون بعده، وكان بعده أمراء يؤخرون الصَّلاة عن وقتها، فنشأ في دولتهم فقهاء رأوا عادتهم، فظنوا أن تأخير الفجر والعصر أفضل من تقديمها، وذلك غلط في السنة، واحتجوا بما رواه