الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث
سنن الصلاة
السنن والمندوبات والمستحبات والتطوع كلها كلمات مترادفات، وتعني ما يثاب المكلف على فعله ولا يؤاخذ على تركه. وإذا تركت ولو عمداً لا تبطل الصلاة، أما سهواً فيباح السجود لسهوه عنها.
أنواع السنن:
السنن ثلاث: قولية وفعلية وقلبية (ما يتعلق بالقلب) .
-1- السنن القولية:
أولاً: الاستفتاح سراً: وردت في دعاء الاستفتاح صيغ عدة اختار أحمد رضي الله عنه ما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة بالليل كبر، ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك. وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك)(1) ، ولو استفتح المكلف بغير ذلك مما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم كان حسناً، مثل ما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر في الصلاة سكت هُنيَّة قبل أن يقرأ، فقلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي، أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد)(2) .
ومن نسي الاستفتاح وشرع بالتعوذ سقط الاستفتاح فلا يرجع إليه.
⦗ص: 188⦘
(1) الترمذي: ج-2/ كتاب الصلاة باب 179/242.
(2)
مسلم: ج-1/ كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب 27/147.
ثانياً: التعوذ سراً في بداية الركعة الأولى فيقول: "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم قبل القراء لقوله تعالى: فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) (1) ولقوله تعالى: (فاستعذ بالله وهو السميع العليم)(2) وهذا متضمن للزيارة، وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول قبل القراءة:(أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم)(3) . ومن نسي التعوذ وشرع بالبسملة سقط عنه التعوذ ولا رجوع إليه، ولكن له أن يأتي به في الركعة الثانية.
(1) النحل: 98.
(2)
فصلت: 36.
(3)
مسند الإمام أحمد: ج-3 /ص 50.
ثالثاً: البسملة سراً: لما روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فلم أسمع أحداً منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم)(1) والمعتمد في المذهب أنها ليست من الفاتحة.
(1) مسلم: ج-1/ كتاب الصلاة باب 13/50.
رابعاً: قول "آمين جهْراً في الصلاة الجهرية وسراً في الصلاة السرية بعد الانتهاء من الفاتحة، لما روى وائل بن حجر رضي الله عنه قال:(سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقال: آمين، ومدَّ بها صوته)(1) . ويؤمن المأمومون على تأمين إمامهم لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعلمنا، يقول: لا تُبادروا الإمام، إذا كبر فكبروا، وإذا قال: ولا الضالين، فقولوا آمين
…
) (2)، وعنه أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إذا أمن الإمام فأمِّنوا، فإنه من وافق تأمينه الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه)(3) ويجهر المأمومون بها لما روى عطاءأن الزبير رضي الله عنه كان يؤمن ويؤمنون حتى إن للمسجد لَلَجَّة (4) . فإن نسيه الإمام جهر به المأموم، فإن لم يذكره حتى شرع في القراءة لم يأت به لأنه
⦗ص: 189⦘
سنة فات محلها. ويجوز مد ألف "آمين" أو قصرها لكن إن شدد الميم لم يجزئه لأنه يغير معناها.
(1) الترمذي: ج-2/كتاب الصلاة باب 184/248.
(2)
مسلم: ج-1/كتاب الصلاة باب 20/87.
(3)
الترمذي: ج-2/كتاب الصلاة باب 185/250.
(4)
رواه الشافعي في مسنده. واللجة: الصوت.
خامساً: قراءة شيء من القرآن بعد الفاتحة أو آية لها معنى مستقل غير مرتبط بما قبله ولا بعده، فلا يكفي أن يقول:(مد هامتان)(1) مثلاً. وهذا للإمام والمنفرد والمأموم إذا لم يسمع قراءة الإمام.
ويسن إن كان منفرداً القراءة من طول المفصل في صلاة الصبح ومن قصار المفصل في المغرب وفي سائرهن من أوساطه، لما روى جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر ب ق القرآن المجيد
…
) (2) وعنه أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه كان يقرأ في الظهر والعصر بالسماء والطارق، والسماء ذات البروج، ونحوهما من السور) (3) وعنه قال:(كان رسول الله صلى الله عليه إذا دحضت (4) الشمس صلى الظهر وقرأ بنحوٍ من الليل إذا يغشى والعصر كذلك، والصلوات -كذلك - إلا الصبح فإنه كان يطليها) (5) . ويجزئ بما قرأ فاتحة الكتاب.
ويستحب أن يطيل الركعة الأولى من كل صلاة، لما روى أبو قتادة رضي الله عنه قال:(كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين الأُولَيَينِ من صلاة الظهر، بفاتحة الكتاب وسورتين، وكان يطوِّل في الركعة الأولى من صلاة الصبح، ويقصر في الثانية)(6) . ولا يزيد على أم الكتاب في الأخيرتين من الرباعية ولا الثالثة من المغرب لهذا الحديث.
أما إن كان إماماً فعليه أن يخفف الصلاة بتخفيف القراءة.
⦗ص: 190⦘
سادساً: يسن للإمام الجهر في الصبح والأوليين من المغرب
والعشاء والإِسرار فيما وراء ذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك. ولا يسن الجهر لغير الإمام لأنه لا يقصد إسماع غيره، وإن جهر المنفرد فلا بأس لأنه لا ينازع غيره، وكذا القائم لقضاء ما فاته من الجماعة. وإن فاتته صلاة ليل فقضاها نهاراً لم يجهر، وكذا إن فاتته صلاة نهار قضاها ليلاً لم يجهر لأنها صلاة نهار، أما إن فاتته صلاة ليل وقضاها ليلاً في جماعة جهر.
(1) ابن ماجة: ج-1/كتاب إقامة الصلاة باب 21/890.
سابعاً: الزيادة في تسبيحات الركوع والسجود على الواحدة، فأدنى الكمال ثلاث لما روى ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إذا ركع أحدكم فليقل في ركوعه سبحان ربي العظيم ثلاثاً فإذا فعل فقد تم ركوعه، وإذا سجد أحدكم فليقل في سجوده سبحان ربي الأعلى ثلاثاً فإذا فعل ذلك فقد تم سجوده وذلك أدناه)(1) وإن اقتصر على واحدة أجزأه، لأنه ذكر مكرر فتجزيء المرة الواحدة. ولا يزيد على سبع مرات.
ثامناً: أن يقول الإمام والمنفرد بعد قولهما "سمع الله لمن حمد": "ربنا لك الحمد ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد "، لما روى ابن أبي أوفى رضي الله عنه قال:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع ظهره من الركوع قال: سمع الله لمن حمد. اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد)(2) . ولا يستحب للمأموم الزيادة على " ربنا ولك الحمد " لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (
…
وإذا قال سمع الله لمن حمد فقولوا: ربنا ولك الحمد) (3) .
⦗ص: 191⦘
(1) مسلم: ج-2/كتاب الصلاة باب 40/202.
(2)
مسلم: كتاب الصلاة باب 19/77.
تاسعاً: أن يزيد على سؤال المغفرة فيقولها ثلاثاً وهو الكمال فيها. ويستحب أن يقول ما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: (اللهم اغفر لي، وارحمني واجبرني واهدني وارزقني)(1) .
(1) الترمذي: ج-2/الصلاة باب 211/284.
عاشراً: يستحب أن يتعوز من أربع بعد التشهد الأخير، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر وعذاب النار وفتنة المحيا والممات. وشر المسيح الدجال)(1) وعنه أيضاً برواية مسلم: (إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم. ومن عذاب القبر. ومن فتنة المحيا والممات. ومن شر المسيح الدجال)(2) .
وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: علمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال:(قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فأغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم)(3) .
ولا يجوز أن يدعو في الصلاة بدعاء دنيوي يشبه كلام الآدميين لحديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن)(4) .
(1) مسلم: ج-1/ كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب 25/131.
(2)
مسلم: ج-1/ كتاب المساجد باب 25/128.
(3)
البخاري: ج-1/ كتاب صفة الصلاة باب 65/799.
(4)
مسلم: ج-1/ كتاب المساجد باب 7/33.
حادي عشر: يستحب أن يجهر بالتسليمة الأولى أكثر من الثانية، وحمل الإمام أحمد حديث عائشة رضي الله عنها (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه)(1) على أنه كان يجهز بواحدة. ويستحب أن لا يمد السلام
⦗ص: 192⦘
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حذف السلام سنة)(2) قال ابن المبارك: معناه لا يمده مداً.
(1) ابن ماجة: ج-1/ كتاب إقامة الصلاة باب 29/919.
(2)
أبو داود: ج-1/ كتاب الصلاة باب 192/1004.
ثاني عشر: يستحب ذكر الله تعالى بعد انصرافه من الصلاة ودعاؤه واستغفاره لما روى المغيرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة: لما روت عائشة رضي الله عنها لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد)(1)، وروى ثوبان رضي الله عنه أنه (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثاً وقال: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت ذا الجلال والإكرام) (2) .
ويكره للإمام إطالة الجلوس في مكانه مستقبل القبلة، لأن عائشة رضي الله عنها قالت:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلَّم لم يقعد إلا مقدار ما يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام)(3) فإن أحب قام وإن شاء القعود انحرف عن قبلته لما روى سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: (كان النبي الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة، أقبل علينا بوجهه)(4) ، وينصرف حيث شاء عن يمين أو شمال، وإذا كان هناك نساء فيستحب أن يخرجن قبل الإمام والرجال لقول أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم:(أن النساء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كن إذا سلمن من المكتوبة قُمْنَ، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صلى من الرجال ما شاء الله. فإذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قام الرجال)(5) . كما لا يستحب أن يخرج المأمومون قبل الإمام لحديث أنس رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم. فلما قضى
⦗ص: 193⦘
الصلاة أقبل علينا بوجهه فقال: (أيها الناس إني إمامكم. فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود. ولا بالقيام ولا بالانصراف
…
) (6) .
كما يكره للإمام التطوع في موضع صلاة مكتوبة، نص عليه الإمام أحمد وقال: كذا قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيعجز أحدكم أن يتقدم أو يتأخر أو عن يمينه أو عن شماله) زاد في حديث عماد: في الصلاة يعني في السُّبْحة (7) ، ويُذكر عنه أيضاً رفعه (لا يتطوع الإمام في مكانه)(8) . أما المأموم فله أن يتطوع في موضع صلاته.
(1) البخاري: ج-1/ كتاب صفة الصلاة باب 71/808.
(2)
مسلم: ج-1/ كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب 26/135.
(3)
الترمذي: ج-2/ الصلاة باب 224/298.
(4)
البخاري: ج-1/ كتاب صفة الصلاة باب 71/809.
(5)
البخاري: ج-1/ كتاب صفة الصلاة باب 79/828.
(6)
مسلم: ج-1/ كتاب الصلاة باب 25/112.
(7)
أبو داود: مسلم: ج-1/ كتاب الصلاة باب 194/1006.
(8)
البخاري: ج-1/ كتاب صفة الصلاة باب 73.
ثالث عشر: دعاء القنوت:
لا يسن القنوت قي صلاة الفرض إلا إذا نزل بالمسلمين نازلة، فللإمام القنوت في صلاة الصبح بعد الركوع اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد يقنت بعد الركوع)(1) . وعن أنس رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت شهراً يدعو إلى أحياء من أحياء العرب ثم تركه)(2) .
ويقول في قنوته نحواً من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول عمر رضي الله عنه. كان عمر رضي الله عنه يقول في القنوت: (اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وألف بين قلوبهم وأصلح ذات بينهم وانصرهم على عدوك وعدوهم، اللهم العن كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ويقاتلون أولياءك، اللهم خالف بين كلمتهم، وزلزل أقدامهم وأنزل بهمبأسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين. بسم الله الرحمن الرحيم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك
…
) (3) .
⦗ص: 194⦘
(1) البيهقي: ج-2/ص 197.
(2)
مسلم: ج-1/ كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب 54/304.
(3)
البيهقي: ج-2/ص 210.
-2ً-السنن الفعلية:
-1ً- يستحب أن يرفع يديه ممدودتي الأصابع مضموماً بعضها إلى بعض حتى يحاذي بهما منكبيه أو فروع أذنيه في تكبيرة الإحرام والهوي للركوع والرفع منه، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال:(رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام في الصلاة، رفع يديه حتى تكونا حذو منكبيه، وكان يفعل ذلك حين يكبر للركوع، ويفعل ذلك إذا رفع رأسه من الركوع ويقول سمع الله لمن حمد، ولا يفعل ذلك في السجود)(1) . ويكون ابتداء الرفع مع ابتداء التكبير وانتهاؤه مع انتهائه، فإن لم يرفعهما حتى كبر لم يرفعهما، وإن عجز عن رفع إحدى اليدين رفع الأخرى لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه أبو هريرة رضي الله عنه:(وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)(2) .
-2ً- وضع يده اليمنى على اليسرى تحت السرة، لما روى قبيصة بن هُلْبٍ عن أبيه رضي الله عنه قال:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَؤُمُّنا فيأخذ شماله بيمينه)(3) .
-3ً- يستحب أن يجعل نظره إلى موضع سجوده لأنه أجمع للمصلي وأكف لنظره.
-4ً- يستحب أن يضع كفيه على ركبتيه في الركوع قابضاً لهما، وأن يسوي ظهره مع رأسه، ويجافي يديه على جنبيه، لما روى أبو حميد الساعدي رضي الله عنه في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (
…
وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه، ثم هصر ظهره) (4)، وفي لفظ له:(فركع ثم اعتدل فلم يصوب رأسه ولم يقنعه (5)) (6)، وعن سالم البراد قال: أتانا عقبة بن عمرو، أبا مسعود، فقلنا:
⦗ص: 195⦘
حدثنا عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام بين أيدينا في المسجد فكبر، فلما ركع كبر ووضع راحتيه على ركبتيه، وجعل أصابعه أسفل من ذلك، ثم جافى مرفقيه، ثم قال: هكذا رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل) (7) .
-5ً- البداءة بوضع الركبتين ثم اليدين ثم الجبهة والأنف في السجود، وإذا رفع وجهه ثم يديه ثم ركبتيه لما روى وائل بن حجر رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا سجد يضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه) (8) . ويستحب أن يجافي عضديه عن جبنيه وبطنه عن فخذيه وفخذيه عن ساقيه، لما روى عبيد الله بن عبد الله بن الأقرم الخزاعي عن أبيه قال:(فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي، قال: كنت أنظر إلى عُفْرَتَيْ إبطيه إذا سجد، أي بياضه)(9)، ووصف البراء رضي الله عنه سجود النبي صلى الله عليه وسلم:(فوضع يديه واعتمد على ركبتيه ورفع عجيزته، وقال: هكذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يسجد)(10) ، كما يستحب أن يضم أن يضم أصابع يديه بعضها إلى بعض، ويضعها على الأرض حذو منكبيه، ويرفع مرفقيه، ويكون على أطراف أصابع قدميه ويثنيهما نحو القبلة، لما روى أبو حميد الساعدي رضي الله عنه في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم: (
…
فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما، واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة..) (11)، وعن جابر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إذا سجد أحدكم فليعتدل، ولا يفترش ذراعيه افتراش الكلب)(12) .
-6ً- الجلوس مفترشاً في كل القعود عدا القعود الأخير في الصلاة غير الثنائية (أي الصلاة الثنائية قعودها الأخير افتراش أيضاً) . والافتراش: هو أن يجلس
⦗ص: 196⦘
المصلى على رجله اليسرى، وينصب رجله اليمنى، لحديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى وكان ينهى عن عقبة الشيطان
…
) (13) ويسن أن يثني أصابع رجله اليمنى ويوجهها نحو القبلة. ويكره الإقعاع: وهو أن يفرش قدميه ويجلس على عقبيه، هذه هي عقبة الشيطان المنهي عنه في الحديث المتقدم عن عائشة رضي الله عنها.
-7ً- يستحب أن يضع المصلي يديه على فخذيه في الجلوس الأول والأخير، ويجعل اليسرى مبسوطة الأصابع مضمومة مستقبلاً بأطرافها القبلة أو يلفها ركبته، ويضع يده اليمنى على فخذه اليمنى عاقداً الوسطى مع الإبهام عقد ثلاث وخمسين، ويشير بالسبابة عند ذكر الله تعالى، ويقبض الخنصر والبنصر، لما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان إذا قعد في التشهد وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى. ووضع يده اليمنى على ركبته اليمنى. وعقد ثلاثاً وخمسين. وأشار بالسبابة)(14) .
-8ً- ويستحب التورك في القعود الأخير إن كانت الصلاة ثلاثية أو رباعية، وهو أن يجلس متوركاً على شقه الأيسر، ويجعل باطن قدمه اليسرى تحت فخذه اليمنى، ويخرجها من جهة يمينه وينصب قدمه اليمنى، لما ورد في حديث آبي حميد رضي الله عنه في صفة صلاته صلى الله عليه وسلم: (
…
فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى، وإذا جلس في الركعة الآخرة، قدم رجله اليسرى، ونصب الأخرى، قعد على مقعدته) (15) .
-9ً- يستحب أن يلتفت عن يمينه فيقول: " السلام عليكم ورحمة الله " ويلتفت عن يساره كذلك،
لما روى ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه كان يسلم عن يمينه وعن يساره: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة
⦗ص: 197⦘
الله) (16)، وأن يكون التفاته في الثانية أو في. قال ابن عقيل: يبتدئ بقوله: " السلام عليكم " إلى القبلة ثم يلتفت قائلاً: "ورحمة الله " عن يمينه ويساره لحديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان يسلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه)(17) معناه ابتداء السلام.
-10ً- تمكين أعضاء السجود من الأرض ومباشرتها لمحل السجود سوى الركبتين.
-11- يستحب للإمام أن يسكت بعد الفاتحة سكتة يقرأ فيها من خلفه الفاتحة، لما روى سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: حفظت سكتتين في الصلاة: سكتة إذا كبر الإمام حتى يقرأ وسكتة إذا فرغ من قراءة فاتحة الكتاب) (18) . قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: للإمام سكتتان فاغتنموا فيهما القراءة بفاتحة الكتاب. إذا افتتح الصلاة وإذا قال: " ولا الضالين ".
-12- ويستحب للمكلف أن يصلي إلى سترة ويدنو منها، لما روى أبو سعيد رضي الله عنه: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا صلى أحدكم فليصلِّ إلى سترة، وليْدنُ منها)(19) ،
وما روى سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: (كان بين مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الجدار (20) ممرُّ الشاة) (21) .
وقدر السترة: مثل مؤخرة الرحل، وذلك قدر الذراع أو عظم الذراع، لما روى طلحة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل فَلْيُصَلِّ ولا يبالِ من مرَّ وراء ذلك)(22) .
⦗ص: 198⦘
ويجوز أن يستتر بعصا أو بحيوان، لما روى ابن عمر رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يَركز (23) - وقال أبو بكر يَغرز العنزة (24) ويصلي عليها) (25) وعنه أيضاً
(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرض راحلته وهو يصلي إليها)(26) . وقال نافع: كان ابن عمر إذا لم يجد سبيلاً إلى سترة قال: ولني ظهرك، فإن لم يجد سترة خط خطاً، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئاً، فإن لم يجد فلينصب عصاً، فإن لم يكن معه عصا فليخطط خطاً ثم لا يضره ما مر أمامه)(27) ، ولا يصمد أمام الخط بل ينحرف عنه يسيراً، لحديث المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى عود ولا عمود ولا شجرة إلا جعله على حاجبه الأيمن أو الأيسر ولا يصمد له صمداً) (28) .
وتعد سترة لمن خلفه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بأصحابه إلى سترة ولم يأمرهم أن يستتروا بشيء.
(1) البخاري: ج-1/ كتاب صفة الصلاة باب 3/703.
(2)
البخاري: ج-6 / كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة باب 2/6858.
(3)
الترمذي: ج-2/ الصلاة باب 187/252.
(4)
البخاري: ج-1/ كتاب صفة الصلاة باب 61/794، وهصر: أمال مع استقامة من غير تقوس.
(5)
لم يصوب رأسه: لم يبالغ في خفضه وتنكيسه. ولم يقنعه: لم يرفعه.
(6)
مسند الإمام أحمد: ج-5/424.
(7)
المستدرك: ج-1/224.
(8)
الترمذي: ج-1/ الصلاة باب 199/268.
(9)
الترمذي: ج-1/ الصلاة باب 204/274.
(10)
أبو داود: ج-1/ الصلاة باب 158/896
(11)
البخاري: ج-1/ كتاب صفة الصلاة باب 61/794.
(12)
الترمذي: ج-2/ الصلاة باب 205/275.
(13)
مسلم: ج-1/كتاب الصلاة باب 46/240.
(14)
مسلم: ج-1/كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب 21/115.
(15)
البخاري: ج-1/كتاب صفة الصلاة باب 61/794.
(16)
الترمذي: ج-1/ الصلاة باب 221/295.
(17)
ابن ماجة: ج-1/كتاب إقامة الصلاة باب 29/919.
(18)
مسند الإمام أحمد: ج-5/ص-21.
(19)
أبو داود: ج-1/كتاب الصلاة باب 108/698.
(20)
الجدار: المراد به جدار المسجد النبوي مما يلي القبلة.
(21)
مسلم: ج-1/كتاب الصلاة باب 49/262.
(22)
مسلم: ج-1/كتاب الصلاة باب 47/241.
(23)
يركز ويغرز كلاهما بمعنى، وهو إثبات الشيء بالأرض.
(24)
العنزة: كنصف الرمح.
(25)
مسلم: ج-1/ الصلاة باب 47/246.
(26)
مسلم: ج-1/كتاب الصلاة باب 47/247.
(27)
أبو داود: ج-1/كتاب الصلاة باب 103/689.
(28)
أبو داود: ج-1/كتاب الصلاة باب 105/693.
حكم المرور بين يدي المصلي:
يحرم المرور بين يدي المصلي، لما روى أبو جهيم الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه، لكان أن
يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه) (1) ، فإذا أراد المرور دون السترة دفعه المصلي إلا أن يغلبه أو يحوجه إلى عمل كثير، لما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحدأن يجتاز بين يديه فليدفع في نحره، فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان)(2) .
⦗ص: 199⦘
أما المرور من وراء السترة فلا باس به، فإن صلى إلى غير سترة ومر أحد من بين يديه أي قريب منه فحكمه حكم من مر بينه وبين لسترة (أي يحرم) .
ويقطع الصلاة مرور الكلب الأسود البهيم الذي لا لون فيه سوى السواد، لحديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الكلب الأسود شيطان)(3) .
السترة في الحرم: لا حاجة في الحرم إلى سترة، ولا يضره من مر بين يديه، وكان ابن الزبير رضي الله عنهما يصلي والطواف بينه ويين القبلة، وتمر المرأة بين يديه فينتظرها حتى تمر ثم يضع جبهته في موضع قدميها:
-3ً- السنن القلبية:
-1- الخشوع: وهو حضور القلب وسكون الجوارح مع حسن الإنصات والفهم عن الله.
-2- أن ينوي بسلامه الخروج من الصلاة، وإن لم ينوِ لم تبطل صلاته، لأن نية الصلاة قد شملت جميعها والسلام من جملتها، ولأنها عبادة فلا تجب النية للخروج منها كسائر العبادات. وإن نوى بسلامه السلام على الحفظة والمصلين معه فلا بأس، لما رُوي قال:(أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسلم على أئمتنا وأن يسلم بعضنا على بعض)(4) .
⦗ص: 200⦘
(1) مسلم: ج-1/كتاب الصلاة باب 48/261.
(2)
مسلم: ج-1/كتاب الصلاة باب 48/259.
(3)
مسلم: ج-1/كتاب الصلاة باب 50/265.
(4)
ابن ماجة: ج-1/ كتاب إقامة الصلاة باب 30/922.