الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب السادس (صلاة الجماعة)
تعريفها: ربط صلاة شخص بصلاة إمام مستكمل للشروط.
حكمها:
-1ً- واجبة في الصلوات الخمس المكتوبة على الرجال الأحرار القادرين عليها (فلا تجب على الصغير ولا على الرقيق والمرأة والخنثى) حضراً وسفراً حتى في شدة الخوف. والدليل من القرآن قوله تعالى: (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم)(1) .
ومن السنة حديث أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ناساً في بعض الصلوات فقال: (لقد هممت أن آمر رجلاً يصلي بالناس ثم أخالف إلى رجال يتخلفون عنها فآمر بهم يحرقوا عليها، بحزم الحطب بيوتهم. ولو أعلم أحدهم أنه يجد عظماً سميناً لشهدها)(2) . يعني صلا العشاء. وعقوبة التحريق بالنار لا تكون إلا على الفرض وارتكاب المحرم الغليظ.
وليست الجماعة شرطاً لصحة الصلاة، بدليل ما روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:(صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة)(3) .
⦗ص: 255⦘
ولا يسقط واجب الجماعة إذا أم الرجل صبياً لأنه ليس من أهل الكمال، وفي رواية أخرى عن الإمام أحمد: أنه يصح كما لو أنه أمَّ رجلاً متنفلاً.
-2ً- سنة: بالنسبة للنساء منفردات عن الرجال، لأنهن من أهل الفرض أشبهن الرجال، عن عبد الرحمن بن خلاد، عن أم ورقة بنت عبد لله بن الحارث قال:(وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها في بيتها وجعل لها مؤذن، وأمرها أن تؤم أهل دارها)(4) . وبيت المرأة خير لها، فإن أرادت المسجد لم تمنع منه على أن لا تتطيب، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا نسائكم المساجد وبيوتهن خير لهن)(5) . وفي رواية: (ولكن ليخرجن وهن تفلات)(6) - يعني غير متطيبات.
-3ً- مكروه حضورها للنساء المشتهيات مع الرجال.
-4ً- شرط لصحة صلاة الجمعة.
-5ً- سنة أيضاً لصلاة بعض النوافل كالاستسقاء والتراويح والعيدين. وتباح في صلاة التهجد.
تحققها: تتحقق بإثنين فأكثر لحديث مالك بن حويرث رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا حضرت الصلاة فأذنا وأقيما، ثم ليؤمكما أكبركما)(7) ، فإن أمَّ الرجل عبده أو زوجته كانا جماعة، ولا تتحقق الجماعة بصلاة صبي مميز مع الإمام وحده. ويجوز فعلها في البيت والصحراء لحديث أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(أينما أدركت الصلاة فصلِّ فهو مسجد)(8) ولكن تسن أن تكون في المسجد، وعن الإمام أحمد رضي الله عنه: أنه تجب الصلاة في المسجد لقول النبي
⦗ص: 256⦘
صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد)(9) . إما إذا أراد أن يدخل المسجد ويصلي فرداً بينما لو صلى في بيته صلى جماعة فتتعين عليه الصلاة في بيته تحصيلاً للواجب، أما إن كانت جماعة البيت أكثر من جماعة المسجد فتفضل جماعة المسجد.
وأفضل الجماعات ما كانت جماعتها أكثر، فالأكثر أحب إلى الله تعالى، أما إن كان في جواره مسجد غاب عنه اختلت الجماعة فيه ففعلها فيه أفضل، وكذا إذا وجد مسجدان ففعلها في العتيق أفضل لأن الطاعة فيه أسبق، وإن كانت البلد ثغراً فالأفضل اجتماع الناس في مسجد واحد لأنَّه أعلى للكلمة وأرفع للهيبة.
(1) النساء: 102.
(2)
مسلم: ج-1/ كتاب المساجد باب 42/251.
(3)
البخاري: ج-1/ كتاب الجماعة والإمامة باب 2/619.
(4)
أبو داود: ج-1/ كتاب الصلاة باب 62/592.
(5)
أبو داود: ج-1/ الصلاة باب 53/567.
(6)
أبو داود: ج-1/ الصلاة باب 53/565.
(7)
البخاري: ج-1/ كتاب الجماعة والإمامة باب اثنان فما فوقهما جماعة /627.
(8)
مسلم: ج-1/ كتاب المساجد /1.
(9)
الدارقطني: ج-1 /ص 420.
أعذار ترك الجمعة والجماعة:
-1ً- المرض: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سمع المنادي قلم يمنعه من اتباعه عذر قالوا: وما العذر؟ قال: خوف أو مرض، لم تقبل منه الصلاة التي صلى)(1) . ومحل ذلك إذا كان المريض أو الخائف من حدوث مرض ليسا بالمسجد وإلا لزمتها الجمعة والجماعة لعدم المشقة، وتلزم الجمعة دون الجماعة لمن لم يتضرر بإتيانها راكباً أو محمولاً أو تبرع أحد بذلك أو بقود أعمى.
-2ً- الخوف: سواءً خاف على نفسه من سلطان أو لص أو سبع أو غريم يلزمه ولا شيء معه يعطيه، أو خاف على ماله من تلف أو ضياع أو سرقة، أو كان له دين على غريم يخاف سفره أو وديعة عنده إن انشغل بالجماعة مضى وتركه، أو خاف شروط دابته أو احترق خبزه أو طبيخه، أو كان ناطوراً لبستان يخاف إن أتى الجماعة سرقة شيء منه، أو مسافراً يخاف فوت رفقته، أو كان عنده مريض يخاف ضياعه أو صغير أو حرمة يخاف عليها.
⦗ص: 257⦘
-3ً- المطر
-4ً- الوحل: عن عبد الله بن الحارث، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أنه قال لمؤذنه في يوم مطير:(إذا قلت أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أنَّ محمداً رسول الله، فلا تقل حيَّ على الصلاة. قل صلوا في بيوتكم. قال: فكأن الناس استنكروا ذاك. فقال: أتعجبون من ذا؟ قد فعل ذا من هو خيرٌ مني. إن الجمعة عَزْمِةٌ. وإني كرهت أن أُحْرِجَكُمْ، فتمشوا في الطين والدحض)(2) .
-5ً- الريح الشديدة في الليلة المظلمة الباردة: وهذا يختص بالجماعة، لما روى ابن عمر رضي الله عنهما:(إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر المؤذن، إذا كانت ليلة ذات برد ومطر يقول: ألا صلوا في الرحال)(3) .
-6ً- أن يحضر الطعام ونفسه تتوق إليه أو تحتاج إليه وسواء خاف فوات الجماعة أو لم يخف، لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة فابدؤا بالعشاء)(4) .
-7ً- أن يدفع الأخبثين (البول والغائط) أو أحدهما، لما روت عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا صلاة بحضرة الطعام، ولا هو يافعه الأخبثان)(5) .
-8ً- أن يكون له قريب يخاف موته ولا يحضره، لما روي أن ابن عمر رضي الله عنهما:(دعي يوم الجمعة وهو يستجهز للجمعة إلى سعيد بن زيد بن عمر بن نضيل وهو يموت فأتاه وترك الجمعة)(6) .
⦗ص: 258⦘
أما الأعمى فلا يُعذر إن تمكن من الحضور،، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال:(أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى. فقال يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد. فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُرَخَّصْ له فيصلي في بيته، فرخص له، فلما ولَّى دعاه فقال: هل تسمع النداء بالصلاة؟ فقال: نعم. قال: فأجب)(7) .
(1) أبو داود: ج-1/ كتاب الصلاة باب 47/551.
(2)
مسلم: ج-1/ كتاب صلاة المسافرين باب 3/26، والدحض: الزلق: طين ووحل شديد.
(3)
البخاري: ج-1/ الجماعة والإمامة باب 12/635.
(4)
مسلم: ج-1/ كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب 16/64.
(5)
مسلم: ج-1/ المساجد باب 16/67.
(6)
البيهقي: ج-3/ ص 185.
(7)
مسلم: ج-1/ المساجد باب 43/255.
شروط صحة الجماعة:
أولاً: نية الإمامة والاقتداء:
إن من شروط صحة الجماعة أن ينوي كل من الإمام والمؤتم حالته (أي أن يقول الإمام: نويت الصلاة إماماً، ويقول المؤتم مقتدياً) ، فإن نوى أحدهما دون صاحبه لم تصح، لأن الجماعة تنعقد بالنية، ويجب أن تكون نية المأموم في أول صلاته بحيث تقارن تكبيرة الإحرام، فلو شرع في الصلاة بنية الانفراد ثم وجد إماماً في أثنائها فنوى متابعته فلا تصح صلاته لعدم وجود النية في أول الصلاة، فالمنفرد لا يجوز له أن ينتقل إلى صلاة الجماعة بعد أن أحرم بالصلاة منفرداً، وقال الإمام أحمد:: أحبُّ غليَّ أن يقطع الصلاة ويدخل مع الإمام. كما لا يجوز لمن بدأ صلاته في جماعة أن يتنقل إلى الانفراد بأن ينوي مفارقة الإمام، إلا لضرورة كأن يطيل الإمام أو تفسد صلاته لعذر كسبق حدث أو نحوه، عن جابر رضي الله عنهما قال:(كان معاذ يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم. ثم يأتي فَيؤمُّ قومه. فصلى ليلة مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء. ثم أتى قوماً فأمَّهم. فافتتح بسورة البقرة. فانحرف رجل فسلم. ثم صلة وحده وانصرف. فقالوا له: أنافقتَ؟ يا فلان! قال: لا والله لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأخبرنه. فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنا أصحاب نواضح نعمل بالنهار. وإن معاذاً صلى معك العشاء. ثم أتى فافتتح بسورة البقرة. فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على معاذ فقال يا معاذ أفتانُ أنت؟ اقرأ بكذا واقرأ بكذا)(1) .
⦗ص: 259⦘
- ويجوز لمن أحرم منفرداً في صلاة نفل أن ينوي الإمامة، (أي يغيَّر نيته من الانفراد إلى الإمامة) إن أتى آخر ونوى الاقتداء به، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قام يصلي في التهجد، فجاء ابن عباس رضي الله عنهما فأحرم معه فصلى به النبي صلى الله عليه وسلم. أما في صلاة الفرض فلا يجوز.
- أما إن أحرم منفرداً في فرض الصلاة، وكان يرجو مجيء من يصلي معه، فيجوز له أن ينوي الإمامة سلفاً.
- كما يجوز لمن أحرم إماماً أن ينوي الانفراد لعذر، كأن يسبق المأمومَ الحدثُ أو تفسد صلاته لعذر، أما إن كان لغير عذر فلا يصح للإِمام أن ينوي الانفراد.
- كما يجوز لمن أحرم إماماً أن ينوي الإقتداء لعذر، كأن يؤم القوم غير إمام الحي، فيأتي إمام الحي، فيتقدم في أثناء الصلاة، ويبني على صلاة الأول، فيصير الأول مأموماً، لما روى سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليُصلح بينهم. فحانت الصلاة. فجاء المؤذن إلى أبي بكر. فقال: أتصلي بالناس فأقيم؟ قال: نعم. قال: فصلى أبو بكر. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس في الصلاة. فتخلص حتى وقف في الصف. فصفق الناس. وكان أبو بكر لا يلتفت في الصلاة. فلما أكثر الناس التصفيق التفت فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن امكث مكانك. فرفع أبو بكر يديه. فحمد الله عز وجل على ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك. ثم استأخر أبو بكر حتى استوى في الصف. وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فصلى ثم انصرف) (2) . وهناك رواية أخرى: أنه يجوز لمن أحرم إماماً أن يصير مؤتماً، وأن فعل النبي صلى الله عليه وسلم يحتمل أن يكون خاصاً به، لأن أحداً لا يساويه، ولكن المعتمد أنَّه يجوز.
⦗ص: 260⦘
(1) مسلم: ج-1/ كتاب الصلاة باب 36/178.
(2)
مسلم: ج-1/ كتاب الصلاة باب 22/102.
ثانياً: عدم إجتماع إمامان في صلاة واحدة:
أي لا يصح الاقتداء بالمأموم ما دام مأموماً، أما إن كان المأموم مسبوقاً، وقام لإتمام صلاته بعد سلام إقامه، ثم جاء شخص آخر فاقتدى به، فإن ذلك يصح. إلا في صلاة الجمعة فإنه لا يصح اقتداء المسبوق بمثله.
ثالثاً: موافقة نظم صلاتيهما:
فلا تصح كسوف أو جمعة خلف من يصلي غيرهما، ولا يصلح غيرهما خلف من يصليهما، لأنه يفضي إلى المخالفة في الأفعال فيدخل في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إنما الإمام ليؤتم به. فلا تختلفوا عليه)(1) .
أما إذا كانت صلاة الإمام والمأموم واحدة إلا أنهما اختلفا في النية، فأحدهما أداء والآخر قضاء صحت الصلاة كصلاة ظهر خلف ظهر، أما إن اختلف الفرض فلا يصح كصلاة ظهر خلف عصر.
ولا يصح للإمام إن كان يصلي متنفلاً أن يؤم مفترضاً، وإنما يصح أن يؤم متنفلاً مثله. وفي رواية أنه يصح أن يؤم المتنفل مفترضاً لحديث جابر رضي الله عنهما قال: (كان معاذ يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم. ثم يأتي فيؤمُّ قومه
…
) وزاد الدارقطني في الرواية: (هي له نافلة ولهم فريضة)(2) ، ولأنهما صلاتان اتفقتا في الأفعال فأشبه المتنفل يأتم بمفترض. والرواية الأولى هي المعتمدة.
رابعاً: المتابعة:
أي أن يتبع المأموم الإمام فيجعل أفعاله بعد أفعال إمامه، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الإمام ليؤتم به. فلا تختلفوا عليه. فإذا كبَّر فكبَّروا. وإذا ركع فاركعوا. وإذا قال: سمع الله لمن حمده. فقولوا: اللهم
⦗ص: 261⦘
ربنا لك الحمد. وإذا سجد فاسجدوا. وإذا صلى جالساً صلوا جلوساً أجمعون) (1) .
(1) مسلم: ج-1/ كتاب الصلاة باب 19/86.
حالات ترك المأموم المتابعة وحكم الصلاة فيها:
-1- في حالة السبق:
أ- إن سبق المأموم إمامه بتكبيرة الإحرام عمداً أو سهواً لم تصح الصلاة.
ب- إن سبقه بالسلام عمداً بطلت الصلاة، أما إن كان سهواً وجب عليه إعادته مع الإمام وإلا بطلت الصلاة.
جـ- إن سبقه بركن من باقي أركان الصلاة عمداً حرم عليه ذلك ولزمه العودة إلى الركن الموجود فيه الإمام ومن ثم متابعته، فإن لم يعد وبقي سابقاً إمامه بطلت صلاته. أما إن سبقه جهلاً أو نسياناً، فلا بأس عليه أن يعود ليأتي بالركن مع الإمام، لحديث أنس رضي الله عنه قال:(صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم. فلما قضى الصلاة أقبل علينا بوجهه. فقال: أيها الناس إني إمامكم فلا تسبقوني بالركوع. ولا بالسجود ولا بالقيام ولا بالانصراف)(1) والنهي يقتضي التحريم. ولما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: (أما يخشى أحدكم، إذا رفع رأسه قبل الإمام، أن يجعل الله رأسه رأس حمار)(2) .
د- وإن سبقه بركنين عمداً عالماً بالتحريم بطلت صلاته لأنه لم يأتم بإمامه في معظم الركعة، كأن ركع ورفع قبل أن يركع إمامه وسجد قبل رفع إمامه من الركوع، أما إن كان جاهلاً أو ناسياً لم تبطل صلاته للعذر ولا يعتد بتلك الركعة.
(1) مسلم: ج-1/ كتاب الصلاة باب 25/112.
(2)
البخاري: ج-1/ كتاب الجماعة والإمامة باب 25/659.
-2- في حالة التأخر:
إن تأخر عنه بركنين عمداً بطلت صلاته (كأن ركع الإمام ورفع قبل ركوع
⦗ص: 262⦘
المأموم) لتركه المتابعة، أما إن كان سبب تأخير المأموم عن الإمام لنوم أو غفلة أو نحو ذلك لم تبطل صلاته لأنه سبق يسير فيركع ثم يدركه، وإن سبقه بأكثر من ذلك لعذر ففيه وجهان، أحدهما: يفعله ويلحق به كالمزحوم في الجمعة، والثاني: تبطل الركعة لأنها مفارقة كثيرة.
-3- في حالة الموافقة:
أ- في تكبيرة الإحرام عمداً أو سهواً تبطل الصلاة.
ب- في غير تكبيرة الإحرام يكره ذلك وتصح الصلاة لأنه اجتمع معه في الركن.
خامساً: عدم التقدم على الإمام في الوقوف:
-1ً- إن تقدم المأموم على إمامه في الوقوف لم تصح صلاته،، لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إنما جعل الاما ليؤتم به)(1) .
وإن وقف الواحد خلف الصف، أو خلف الإمام، أو عن يساره مع خلو يمينه، لم تصح صلاته، لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال:(بتُّ عند خالتي، فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل، فقمت أصلي معه، فقمت عن يساره، فأخذ برأسي فأقامني عن يمينه)(2) ، وروى وابصة بن معبد رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي خلف الصف وحده، فأمره أن يعيد)(3)، وعن علي بن شيبان رضي الله عنه قال: صلينا وراء النبي صلى الله عليه وسلم فقضى الصلاة فرأى رجلاً فرداً يصلي خلف الصف. فوقف عليه نبي الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اسقبل صلاتك لا صلاة للذي خلف الصف)(4) . فإذا صلى ركعة واحدة وهو خلف
⦗ص: 263⦘
الصف لم تصح صلاته، أو لو جاء آخر فوقف معه أو دخل في الصف قبل رفع الإمام من الركوع صحت صلاته، لأنه أدرك في الصف ما يدرك به الركعة، أما إن ركع فرداً لعذر بأن خشي فوات الركعة ثم دخل في الصف أو وقف معه آخر قبل سجود الإمام صحت صلاته، لأن أبا بكرة حدَّث (أنَّه دخل المسجد ونبي الله صلى الله عليه وسلم راكع. قال: فركعت دون الصف، فقال: النبي صلى الله عليه وسلم: زادك الله حرصاً ولا تُعد) (5) . فلم يأمره بالإعادة لجهله ونهاه عن العود.
(1) مسلم: ج-1/ كتاب الصلاة باب 19/77.
(2)
البخاري: ج-1/ كتاب الجماعة والإمامة باب 31/667.
(3)
أبو داود: ج-1/ كتاب الصلاة باب 100/682.
(4)
ابن ماجة: ج-1/ كتاب إقامة الصلاة باب 54/1003.
(5)
أبو داود: ج-1/ كتاب الصلاة باب 101/683.
موقف المأموم في الصلاة:
إذا كان المأموم واحداً وقف عن يمين الإمام، فإن كبر عن يساره أداره الإمام عن يمينه، فإن جاء آخر كبَّر وتأخر وصفا خلفه، ولا يتقدم الإمام إلا إن كان الموضع ضيقاً، فإن كبر الثاني عن يساره أخرهما الإمام بيديه، وإن صليا عن يمينه أو أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله جاز، لما روي عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه قال:(استأذن علقمة والأسود على عبد الله وقد كنا أطلنا القعود على بابه، فخرجت الجارية فاستأذنت لهما، فأذن لهما، ثم قام فصلى بيني وبينه، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل)(1) . فإن كانت معهم امرأة قامت خلفهم، لما روى أنس رضي الله عنه قال:(فقمت إلى حصير لنا قد اسودّ من طول ما لبس، فنضحته بماء، فقام عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز منورائنا فصلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين ثم انصرف)(2)، وروى أبو مالك الأشعري رضي الله عنه: ألا أحدثكم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: فأقام الصلاة، وصفَّ الرجال، وصفَّ خلفهم الغلمان، ثم صلى بهم، فذكر صلاته، ثمَّ قال: هكذا صلاةُ قال عبد الأعلى: لا أحسبه إلا قال صلاة
⦗ص: 264⦘
أمتي) (3) . فإن لم يكن مع الرجل إلا امرأة وقفت خلفه، فإن كان معه صبي وقف عن يمينه لحديث ابن عباس المتقدم (فقمت عن يساره فأخذ برأسي فأقامني عن يمينه) . وإن كان معه رجل وصبي في فرض وقف بينهما، لحديث عبد الرحمن بن الأسود المتقدم، ويجعل الرجل عن يمينه، ويجوز أن يجعلهما عن يمينه، فإم كانا في نافلة وقفا خلفه، لحديث أنس رضي الله عنه المتقدم (وصففت أنا واليتيم وراءه) .
أما من وقف معه كافر أو إمرأة أو خنثى مشكل أو من صلاته فاسدة فحكمه حكم الفذ، لأنهم من غير أهل الوقوف معه، وإن وقف فاسق أو أمي أو متنفل كانوا معه صفاً، لأنهم من أهل الوقوف معه، أما الصبي إذا وقف معه في النفل كان صفاً لحديث أنس رضي الله عنه المتقدم. وإن وقفت المرأة في صف الرجال فلا تبطل صلاتها ولا صلاة من يليها من الرجال ولا صلاة من خلفها منهم كما لو وقفت من غير صلاة، ولكن يكره وقوفها في صفهم.
- وإن وقف اثنان خلف الصف فخرج أحدهما لعذر واجب على الآخر أن يدخل في الصف، أو يقف عن يمين الاما، أو ينبه من يخرج فيقف معه، فإن لم يمكنه ينوي مفارقة الإمام ويتم منفرداً، لأنه عذر أشبه ما لو سبق إمامه الحدث.
- وإن دخل المسبوق فوجد فرجة قام فيها، فإن لم يمكنه قام عن يمين الإمام، فإن لم يمكنه نبه رجل يتأخر معه فإن لم يفعل لم يُكره ويصلي وحده أو ينتظر جماعة أخرى.
أما إمامة النساء فتقف وسطهن، لأن ذلك يروى عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما، فعن ريطة الحنفية قالت:(أمتنا عائشة فقامت بيننا في الصلاة المكتوبة)(4)، وعن حجيرة قالت:(أمتنا أم سلمة في صلاة العصر فقامت بيننا)(5) . فإن كان معها إمرأة واحدة وقفت عن يمينها، وإن وقفت خلفها جاز،
⦗ص: 265⦘
لأن المرأة يجوز لها أن تقف وحدها بدليل حديث أنس رضي الله عنه: (والعجوز من ورائنا) .
والسنة أن يقف الإمام حذاء وسط الصف، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وسِّطوا الإمام، وسُدُّوا الخلل)(6) ، وأن يتم المأمومون الصف الأول، لما روى أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(أتمُّوا الصف المقدم، ثم الذي يليه، فما كان من نقص فليكن في الصف المؤخر)(7) . وخير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها. وخير صفوف النساء آخرها. وشرها أولها)(8) وقال الإمام أحمد رضي الله عنه: ويلي الإمام الشُيوخ وأهلِ القرآن، ويؤخر الغلمان والصبيان، لحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليليني منكم أولو الأحلام والنهى عن الذين يلونهم - ثلاثاً.)(9) .
ومن السنة أن لا يكون الإمام أعلى من المأمومين، لحديث حذيفة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إذا أمَّ الرجل القوم قلا يقم في مكان أرفع من مقامهم)(10) ، ولا بأس بالعلو اليسير لأنه لا يحتاج فيه إلى رفع البصر المنهي عنه في الصلاة. ولا بأس أن يكون المأموم أعلى من الإمام. كما يصح أن يأتم بالإمام من في أعلى المسجد وغيره إذا اتصلت الصفوف.
(1) أبو داود: ج-1/ كتاب الصلاة باب 100/682.
(2)
مسلم: ج-1/ كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب 48/266.
(3)
أبو داود: ج-1/ كتاب الصلاة باب 97/677.
(4)
و (5) الدارقطني: ج-1 /ص 155.
(6)
أبو داود: ج-1/ كتاب الصلاة باب 99/681.
(7)
أبو داود: ج-1/ كتاب الصلاة باب 94/671.
(8)
مسلم: ج-1/ كتاب الصلاة باب 28/132.
(9)
مسلم: ج-1/ الصلاة باب 28/123.
(10)
أبو داود: ج-1/ كتاب الصلاة باب 67/598.
سادساً: عدم وجود حاجز يفصل بين الإمام والمؤتم:
-1ً- إذا كان المأموم في المسجد: يجوز أن يأتم بالإمام مهما تباعد عنه،
⦗ص: 266⦘
لأنَّ المسجد كله موضع للجماعة، أما إن كان بينهما حائل يمنع المشاهدة وسماع التكبير فلا يصح الائتمام به لتعذر استماعه، أما إن كان الحائلِ يمنع المشاهدة دون السماع ففيه وجهان، أصحهما: أن الصلاة صحيحة، لأنَّ الإمام أحمد قال في المنبر: إذا قطع الصف لم يضر ولأنهم في موضع الجماعة ويمكنهم الإقتداء به لسماع التكبير، والثاني: أنه لا يصح الائتمام به، لأنَّ عائشة رضي الله عنها قالت لنساء كنَّ يصلين في حجرتها:(لا تصلين بصلاة الإمام فإنكنَّ دونه في حجاب)(1) والحجاب موجود هاهنا..
-2ً- إذا كان المأموم خارج المسجد: وبينه وبين الإمام حائل يمنعه رؤيته أو رؤية من وراءه من المصلين لم تصح صلاته، لحديث عائشة رضي الله عنها المتقدم، وعن الإمام أحمد في رجل يصلي خارج المسجد يوم الجمعة وأبوابه مغلقة قال: أرجو ان لا يكون به بأس. ويشترط إتصال الصفوف، وهو أن لا يكون بينهما نهر تجري فيه السفن ولا طريق عريض بحيث يمنع اتصال الصفوف.
(1) البيهقي: ج-3 /ص 111.
سابعاً: الإسلام:
أي يشترط لصحة الجماعة أن يكون الإمام مسلماً، ولا تصح إمامة الكافر لأنه لا صلاة له في نفسه. وإن صلى رجل خلف آخر يدعي الإسلام، ثم تبين أنَّه كافر بطلت صلاته، وتجب عليه إعادتها.
ثامناً: أن لا يكون الإمام فاسقاً:
فلا تصح إمامة الفاسق بالأفعال أو ببدعة لا تكفره ولو بمثله، لما روى جابر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تؤمن امرأة رجلاً ولا يؤمُّ أعرابي مهاجراً، ولا يؤمُّ فاجر مؤمناً إلا أن يقهره بسلطان يخاف سيفه وسوطه)(1) ، لأن الفاسق لا يُؤمَّن على شرائط صحة الصلاة. وتجوز إمامته للضرورة في صلاتي الجمعة والعيد إذا تعذرت صلاتهما خلف غيره، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بهما خلف كل بر وفاجر، ولأنهما تختصان بإمام واحد، فالمنع منهما خلف الفاسق يؤدي إلى تفويتهما.
(1) ابن ماجة: ج-1/ كتاب إقامة الصلاة باب 78/1081.
تاسعاً: العقل:
ويشترط أن يكون الإمام عاقلاً، فلا تصح إمامة المجنون، لأنها لا تصح لنفسه، أما إذا كان يفيق أحياناً ويجنُّ أحياناً فإن إمامته تصح حال إفاقته وتبطل حال جنونه باتفاق.
عاشراً: البلوغ:
فلا تصح إمامة الصبي البالغ، ولا تصح صلاة البالغ بالصبي وحده في الصلاة المفروضة، لأن ذلك روي عن ابن مسعود وابن عباس رضوان الله عليهم، ولأن الصبي ليس من أهل الكمال، فلا يؤمُّ الرجال. أما إمامته لهم بالنفل فهناك روايتان، إحداهما: لا تصح، والثانية: تصح لما روي عن عمرو بن سلمة الجرمي رضي الله عنه قال: (كان يمر علينا الركبان فنتعلم منهم القرآن فأتى أبي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ليؤمُّكم أكثركم قرآناً، فجاء أبي فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليؤمُّكم أكثركم قرآناً، فنظروا فكنت أكثرهم قرآناً. فكنت أئمم وأنا ابن ثمان سنين)(1) . وتصح إمامة الصبي بمثله في الفرض والنفل أيضاً.
(1) النسائي: ج-2 /ص 80.
حادي عشر: أن لا يكون الإمام أمياً والمؤتمون قارئين لأنه عجز عن ركن في الصلاة فأشبه العاجز عن السجود. وتصح إمامة الأمي بمثله، وإن صلى الأمي بأميين وقائين صحت صلاة الأميين وفسدت صلاة القارئين. والأمي هو من لا يحسن قراءة الفاتحة، أو يخل بترتيلها، أو حرف منها، أو يبدِّله بغيره كالألثغ الذي
⦗ص: 268⦘
يجعل الراء غيناً وكذا من يلحن لحناً يحيل المعنى مثل أن يضم تاء أنعمتَ، أو يكسر كاف إياك، أو يخلُّ بتشديدة من تشديدات الفاتحة.
ثاني عشر: أن لا يكون الإمام أدنى بالذكورة من المؤتمين، أي لا تصح إمامة المرأة للرجال، ولا للخنثى، ولا تصح إمامة الخنثى للرجال ولا للخنثى، ولكن تصح إمامة الخنثى والمرأة للنساء، وإمامة الرجل لجميعهم.
ثالث عشر: طهارة الإمام من الحدث والخبث:
فلا تصح صلاة المأموم إن علم قبل الصلاة أو أثناءها بنجاسة الإمام أو حدثه، أما إن انتهت الصلاة ولم يعلم صحت صلاته وليس عليه إعادة، أما الإمام إن كان جاهلاً ذلك قبل الصلاة أو أثناءها ثم علم بعدها فعليه الإعادة، لأن عمر رضي الله عنه (صلى بالناس وهو جنب فأعاد ولم يأمرهم أن يعيدوا)(1) ، وروى الأثرم نحو هذا عن عثمان وعلي وابن عمر رضي الله عنهم ولم يعرف له مخالف فكان إجماعاً. أما إن علم الإمام والمأموم الحدث أو الخبث أثناء الصلاة لزمهما الاستئناف.
(1) البيهقي: ج-1 /ص 400.
رابع عشر: سلامة الإمام من الأعذار: أي يشترط أن يكون الإمام سليماًمن الأعذار كسلس البول والإسهال المستمر وانفلات الريح، وإن كانت إمرأة يشترط أن تكون سليمة من الاستحاضة، فكل هؤلاء لا تصح إمامتهم لغيرهم (لأنهم أخلُّوا بشرط من شروط صحة الصلاة) وتجوز لأمثالهم.
خامس عشر: أن لا يكون الإمام عاجزاً عن القيام (باستثناء الإمام الراتب إن كان يرجى برؤه من عجزه عن القيام) أو الركوع أو السجود أو القعود لأنه يخل بركن من أركان الصلاة.
⦗ص: 269⦘
سادس عشر: لا يشترط لصحة الجماعة صحة صلاة الإمام بمذهب المأموم، لأن العبرة بشروط صحة الصلاة لمذهب الإمام فقط، فلو اقتدى مالكي أو حنبلي بحنفي أو شافعي لم يمسح جميع الرأس في الوضوء فصلاته صحيحة لصحة الإمام في مذهبه. أما ما كان شرطاً في صحة الاقتداء فالعبرة فيه لمذهب المأموم، فلو اقتدى مالكي أو حنبلي في صلاة فرض بشافعي يصلي نافلاً فصلاته باطلة، لأن شرط الاقتداء اتحاد صلاة الإمام والمأموم.
أولى الناس بالإمامة:
أ- أحق الناس بالإمامة من حيث الصفات:
-1- أقرؤهم (1) لكتاب الله تعالى: لأن القراءة ركن في الصلاة فكان القادر عليها أولى كالقادر على القيام مع العاجز عنه بدليل الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم. وأحقهم بالإمام أقرؤهم)(2)، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال:(لما قدم المهاجرون الأولون نلوا العَصَبَة (3) قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم فكان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة، وكان أكثرهم قرآناً، زاد الهيثم وفيهم عمر بن الخطاب وأبو سلمة بن عبد الأسد رضي الله عنهما (4) وروى أبو مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله. فإن كانوا في القرءة سواءً. فأعلمهم بالسنُّة. فإن كانوا في السنة سواء. فأقدمهم هجرة. فإن كانوا في الهجرة سواء. فأقدمهم سِلْماً (5) . ولا يُؤمَّنَّ الرجلُ الرجلَ في سلطانه. ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه) قال الأشجع في روايته: (مكان سلماً سِنَّاً)(6) . وقيل لأبي عبد
⦗ص: 270⦘
الله عن حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس)(7) أهو خلاف حديث أبي مسعود؟ قال: لا، إنما قوله لأبي بكر عندي يصلي بالناس للخلافة، يعني أن الخليفة أحق بالإمامة وإن كان غيره أقرأ منه، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه بالصلاة يدل على أنه أراد استخلافه.
قال استوو بالقراءة قدم أكثرهم قرآناً) ، وإن كان أحدهم أكثر حفظاً والآخر أقلَ لحناً وأجودَ قراءة فهو أولى لأنه أعظمً أجراً في قراءته.
-2- الأفقه: إن استووا في القراءة قدم أفقههم، لحديث أبي مسعود المتقدم (فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة) ، ولأن الفقه يحتاج إليه في الصلاة للإِتيان بواجباتها وسننها وجبرها إن عرض ما يحوج إليه فيها.
-3- الأسن: فإن استووا في القراءة والفقه قدم الأسن (أكبرهم سناً)، لحديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال:(أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أنا وصاحب لي، فلما أردنا الإقفال من عنده قال لنا: إذا حضرنا الصلاة فأذَّنا، ثم أقيما وليؤمكما أكبركما)(8) . وظاهر قول الإمام أحمد: أنه يقدم أقدمهما هجرة ثم أسنهما، لأنه ذهب إلى حديث أبي مسعود رضي الله عنه المتقدم وهو مرتب.
-4- الأشرف: أي أعلاهم نسباً وقدراً، لما روى أبو حثمة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(لا تعلموا قريشاً وتعلموا منها ولا تقدموا قريشاً ولا تأخروا عنها)(9) .
⦗ص: 271⦘
-5- الأتقى والأورع: إن استووا في الخصال السابقة قدم أتقاهم وأورعهم، لأنه أشرف في الدين وأفضل وأقرب في الإجابة. قال تعالى:(إن أكرمكم عند الله أتقاكم)(10) ، ثم أعمرهم للمسجد وأتمهم مراعاة له.
-6- وإن استووا في الخصال السابقة أقرع بينهم، لأن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أقرع بينهم في الآذان فالإمامة أولى.
-7- الحر أولى بالإمامة من العبد، أما إمامة العبد فتصح لما روي (أن أبا عمرو ذكوان كان عبداً لعائشة فأعتقته، وكان يقوم لها في شهر رمضان يؤمها وهو عبد)(11) ، وروي أيضاً أن ابن مسعود وحذيفة وأبا ذر وأناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قدَّموا أبا سعيد مملوكاً لأبي أسيد فصلى بهم.
والحاضر أولى من المسافر، والبصير أولى من الأعمى في الإِمامة، لأن البصير أقدر على توقي النجاسة واستقبال القبلة، والحضري (من نشأ في المدن أو القرى) أولى من البدوي (من نشأ في البادية) ، والمتوضئ أولى من ضده.
(1) الأجود قراءة.
(2)
مسلم: ج-1/ كتاب المساجد باب 53/289.
(3)
موضع في المدينة عند قباء.
(4)
أبو داود: ج-1/ كتاب الصلاة باب 61/588.
(5)
سِلماً: أي إسلاماً.
(6)
مسلم: ج-1/ كتاب المساجد باب 53/290.
(7)
مسلم: ج-1/ كتاب المساجد باب 21/94.
(8)
مسلم: ج-1/ كتاب المساجد باب 53/293.
(9)
البيهقي: ج-3 /ص 121.
(10)
الحجرات: 13.
(11)
البيهقي: ج-3 /ص 88.
ب- أحق الناس بالإِمامة في البيت:
-1- السلطان مع الجماعة: إن كان في البيت ذو سلطان قَدّم على صاحب البيت، لأن ولايته على البيت وصاحبه.
-2- صاحب البيت إذا توفرت فيه شروط الإِمام هو أحق من غيره فيها حتى وإن كان فيهم من هو أقرأ منه وأفقه، إلا إذا أذن له صاحب البيت لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه المتقدم عند مسلم:(لا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه. ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه) .
⦗ص: 272⦘
جـ- أحق الناس بالإِمامة في المسجد:
-1- السلطان إذا كان في المسجد.
الإِمام الراتب: ولو كان عبداً، أو كان في الحاضرين من هو أقرأ منه أو أفقه منه، وقد روي عن نافع قال: أقيمت الصلاة في مسجد بطائفة المدينة.. وإمام ذلك المسجد مولى لإِبن عمر: فلما سمع عبد الله جاء ليشهد معهم الصلاة فقال له المولى: تقدم فصلي فقال عبد الله أنت أحق أن تصلي في مسجدك مني (1) . إلا أن يتأخر الإِمام الراتب لعذر فيصلي غيره، لأن أبا بكر رضي الله عنه صلى بالناس حين غاب النبي صلى الله عليه وسلم وفعل ذلك عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، فأقرهما النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك. ولا يؤم في المسجد قبل إمامه الراتب إلا بإذنه، لأن الإمام الراتب بمنزلة صاحب البيت وهو أحق من غيره، فإذا تأخر الإمام عن الحضور وكان بيته قريباً فإنه يراسل وإلا صلى غيره إذا ظن عدم مجيئه.
وإن كل ما ذكر في أولوية الإمامة هو على سبيل الاستحباب، وليس بواجب أو شرط صحة، أي إذا قدم المفضول على الأفضل في الإمامة كان ذلك جائزاً، لأن الأمر بعد هذا أمر أدب واستحباب. أماحكم إمامة المفضول بدون إذن الفاضل في مكروهة.
من تصح إمامته مع الكراهة:
-1- تكره وتصح إمامة الأعمى، روى أنس رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف ابن أم مكتوم يؤمُّ الناس وهو أعمى)(1) . تصح إمامة الأصم، لأن الأعمى والأصم لا يخلان بشيء من أفعال الصلاة ولا شروطها.
-2- تكره وتصح إمامة الأقلف (2) ، ولأنه ذكر مسلم عدل قارئ فتصح
⦗ص: 273⦘
إمامته. أما النجاسة التي تحت القلفة فلا يمكن إزالتها فيعفى عنها، وكل نجاسة معفى عنها لا تؤثر في إبطال الصلاة، هذا إذا كانت القلفة غير مفتوقة. أما المفتوقة أو التي يمكن فتقها وغسل ما تحتها فهذا إن ترك غسل ما تحت القلفة لم تصح صلاته، لأنها نجاسة لا يعفى عنها مع القدرة على إزالتها.
-3- تصح إمامة المتيمم بالمتوضئ وإمامة الغسل بالماسح، على الخف أو الحبيرة والعكس بلا كراهة، لأن عمرو بن العاص رضي الله عنه صلى بأصحابه متيمماً، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فضحك ولم ينكر عليه.
-4- تصح إمامة ولد الزنا والجندي والخصي والأعرابي إذا سلموا في دينهم بلا كراهة لدخولهم تحت عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يؤمُّ القوم أقرؤهم) .
-5- تصح إمامة الإِمام الراتب في مسجدٍ العاجز عن القيام بالقادرين عليه إن كان يرجى برؤه (3) . بلا كراهة، ويصلون خلفه جلوساً، لما روت عائشة رضي الله عنها قالت:(اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل عليه ناس من أصحابه يعودُونه. فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً. فصلوا بصلاته قياماً. فأشار إليهم أن اجلسوا. فجلسوا. فلما انصرف قال: إنما جعل الإِمام ليؤتم به. فإذا ركع فاركعوا. وإذا رفع فارفعوا. وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً)(4) .
-6- تكره وتصح خلف الفأفاء (الذي يكرر حرف الفاء) وخلف التمتام (الذي يكرر حرف التاء) وخلف من لا يفصح ببعض الحروف كالقاف والضاد.
-7- تكره وتصح صلاة اللحان، أي الذي يلحن لحناً لا يغير المعنى كأن يجر دال الحمد لله، لأنه نقص يذهب ببعض الثواب.
⦗ص: 274⦘
-8- تكره وتصح صلاة من يؤمُّ قوماً وأكثرهم له كارهون. لما روى أبو أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا ترفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبراً. رجل أمُّ قوماً وهم له كارهون. وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط وأخوان متصارمان
…
) (5) .
-9- تكره وتصح أن يؤم الرجل نساء أجانب لا رجل معهم..
-10- تكره وتصح إمامة المفضول بمن هو أفضل منه بلا إذنه، لحديث ابن عمر رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من أمَّ قوماً وفيهم من هو أقرأ لكتاب الله منه لم يزل في سفَّال إلى يوم القيامة)(6) .
إدراك صلاة الجماعة: يجب على المكلف إذا أقيمت الصلاة أن لا يشتغل بغيرها، لحديث عطاء بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة)(7) ، وإذا أقيمت وكان في نافلة خففها وأتمها، إلا أن يخاف فوت الجماعة فيقطعها، وعن الإِمام أحمد: أنه يتمها لقوله تعالى: {لا تبطلوا أعمالكم} (8) . وإن أقيمت قبل مجيئه لم يسع إليها، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون. وأتوها تمشون وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا) (9) ، لكن لا بأس أن يسرع قليلاً إذا خاف فوات الركعة.
إدراك الركعة مع الإِمام:
إن أدرك المأموم الإِمام راكعاً كبَّر للإحرام وهو قائم ثم كبَّر أخرى للركوع، وإن كبر واحدة أجزأته، فإن أدرك قدر ما يجزئ في الركوع مع الإِمام فقد أدرك
⦗ص: 275⦘
الركعة، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا، ولا تعدوها شيئاً، ومن الركعة فقد أدرك الصلاة)(10) ، أما إن أدركه في سجود أو جلوس كبَّر للإحرام وانحط من غير تكبير، أنه لم يدرك محل التكبير من السجود.
(1) البيهقي: ج-3 /ص 88.
(2)
الأقلف: غير المختون.
(3)
وصح ذلك بالعجز عن القيام دون سائر الأركان، لأن القيام أخف من سائر الأركان بدليل سقوطه بالنفل دونهما.
(4)
مسلم: ج-1/ كتاب الصلاة باب 19/82.
(5)
ابن ماجة ج-1/ إقامة الصلاة باب 43/971.
(6)
مجمع الزوائد: ج-2 /ص 64.
(7)
مسلم: ج-1/ كتاب صلاة المسافرين باب 9/63.
(8)
محمد:.
(9)
أبو داود: ج-1/ كتاب الصلاة باب 55/572.
(10)
مسلم: ج-1/ كتاب الصلاة باب 156/893.
إدراك فضيلة الجماعة:
من كبَّر قبل سلام الإِمام الأول فقد أدرك فضيلة الجماعة ويبني عليها.
صلاة المسبوق:
يعتبر ما أدركه المسبوق مع الإِمام آخر صلاته، فإن أدركه فيما بعد الركعة الأولى دخل معه ولم يستفتح ولم يستعذ، وما يقضيه المسبوق بعد سلام الإِمام هو أول صلاته: يستفتح له ويتعوذ ويقرأ السورة بعد الفاتحة. لكن لو أدرك من رباعية أو مغرب ركعة فإنه يتشهد عقب قضاء الأخرى نصاً لئلا يلزم تغيير هيئة الصلاة، لأنه لو تشهد عقب ركعتين لزم عليه قطع الرباعية على وتر والثلاثية شفعاً، ومراعة هيئة الصلاة ممكنة ولا ضرورة لتركها فلزم إِتيان بها.