المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الثالث (واجبات الحج) - فقه العبادات على المذهب الحنبلي

[سعاد زرزور]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المؤلفة

- ‌تقديم الشيخ أحمد الشامي، مفتي دوما وعالمها

- ‌لمحة عن حياة الإمام أحمد

- ‌نسبه:

- ‌طلبه للعلم ومنزلته العلمية:

- ‌محنته:

- ‌كتبه:

- ‌تلاميذه:

- ‌أولاده:

- ‌متن الكتاب

- ‌تعريف الفقه

- ‌كتاب الطهارة

- ‌الباب الأول (تعريف الطهارة)

- ‌الباب الثاني (الأعيان الطاهرة والأعيان النجسة)

- ‌الباب الثالث (أحكام التخلي)

- ‌الباب الرابع (الوضوء)

- ‌الباب الخامس (الغسل)

- ‌الباب السادس (التيمم)

- ‌الباب السابع (الحيض والاستحاضة والنفاس)

- ‌كتاب الصلاة

- ‌الباب الأول (تعريف الصلاة)

- ‌الباب الثاني (الأذان والإقامة)

- ‌الباب الثالث (شروط الصلاة)

- ‌الباب الرابع

- ‌الفصل الأول

- ‌الفصل الثاني

- ‌الفصل الثالث

- ‌الفصل الرابع

- ‌الفصل الخامس

- ‌الباب الخامس (صلاة التطوع)

- ‌الفصل الأول

- ‌الفصل الثاني

- ‌الفصل الثالث

- ‌الفصل الرابع

- ‌الباب السادس (صلاة الجماعة)

- ‌الباب السابع (صلاة الجمعة)

- ‌الباب الثامن (صلاة المسافر)

- ‌الفصل الأول

- ‌الفصل الثاني

- ‌الباب التاسع (صلاة الخوف)

- ‌الباب العاشر (الجنائز)

- ‌كتاب الزكاة

- ‌الباب الأول

- ‌الباب الثاني (محال الزكاة)

- ‌الباب الثالث (زكاة الفطر)

- ‌الباب الرابع (أداء الزكاة)

- ‌الباب الخامس (صدقة التطوع)

- ‌كتاب الصيام

- ‌الباب الأول

- ‌الباب الثاني (الاِعتكاف)

- ‌كتاب الحج

- ‌الباب الأول

- ‌الباب الثاني (أركان الحج)

- ‌الباب الثالث (واجبات الحج)

- ‌الباب الرابع (سنن الحج)

- ‌الباب الخامس

- ‌الفصل الأول

- ‌الفصل الثاني

- ‌الفصل الثالث

- ‌الفصل الرابع

- ‌الفصل الخامس

- ‌الفصل السادس

- ‌الباب السادس (العمرة)

- ‌الباب السابع (الهدي)

الفصل: ‌الباب الثالث (واجبات الحج)

‌الباب الثالث (واجبات الحج)

ص: 446

واجبات الحج هي:

-1- الإحرام من الميقات.

-2- الوقوف بعرفة إلى الليل لمن وقف نهاراً.

-3- المبيت بمزدلفة إلى نصف الليل.

-4- الرمي.

-5- المبيت بمنى.

-6- الحلق.

-7- طواف الوداع.

-8- اجتناب محظورات الإحرام.

أولاً: الإِحرام من الميقات:

تعريف الميقات:

الميقات لغة: الحد. وشرعاً: زمن العبادة ومكانها.

أقسام الميقات: للحج ميقاتان: مكاني وزماني.

آ- الميقات الزماني: شوال وذو القعدة، وعشر ليال من ذي الحجة، آخرها طلوع فجر ليلة النحر. والدليل عليه قوله عز وجل:(الحج أشهر معلومات)(1) .

والأفضل ألا يحرم بالحج قبل أشهره، لأنه تقديم للعبادة على وقتها، فإن فعل كره ذلك.

⦗ص: 447⦘

ب- الميقات المكاني

-1- للآفاقي: خمسة مواضع:

-1ً- ذو الحُلَيفة (أي آبار علي) لأهل المدينة.

-2ً- الجُحْفَة (أبدلت برابغ) لأهل الشام ومصر والمغرب.

-3ً- قَرْن ويقال له قرن المنازل: لأهل نجد (نجد والحجاز ونجد واليمن) .

-4ً- يَلَمْلَم: لأهل اليمن.

-5ً- ذات عِرْق: لأهل العراق.

ودليل تحديد المواقيت حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة ذا الحُلَيْفَة، ولأهل الشام الجُحْفَة، ولأهل نجد قَرْن المنازل، ولأهل اليمن يَلَمْلَم، هن لهن، ولمن أتى عليهن من غيرهن ممن أراد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك، فمن حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة)(2) .

وعن عائشة رضي الله عنها (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق ذات عِرْق)(3) .

فهذه المواقيت لكل من مر عليها من أهلها ومن غيرهم للحديث.

-2- لمن كان منزله بين الميقات ومكة: فميقاته منزل للحديث المتقدم.

-3- لأهل مكة: ميقاتهم منها، وسواء في ذلك أهلها أو غيرهم. ويجوز لهم الإحرام من أي موضع في مكة داخلها أو خارجها، لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه في حجة الوداع:(وإذا أردتم أن تنطلقوا إلى منى فأهلوا فأهللنا من البطحاء)(4) وهي خارج مكة.

-4- ومن سلك طريقاً لا ينتهي إلى ميقات أحرم من محاذته، براً أو بحراً، لما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: (لما فتح هذان المصران، أتوا عمر، فقالوا: يا أمير المؤمنين، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدَّ لأهل نجد قرناً، وهو جَوْر عن طريقنا، وإنا

⦗ص: 448⦘

إن أردنا قرناً شق علينا، قال: فانظروا حَذْوَها من طريقكم، فحدَّ لهم ذات عِرْق) (5) .

فإن حاذى ميقاتين أحرم من محاذاة أبعدهما عن مكة، وإن لم يحاذ ميقاتاً أحرم على بعد مرحلتين من مكة.

-5- ومن جاوز الميقات مريداً غير مكة، ثم أراد النسك أحرم من موضعه.

(1) البقرة: 197.

(2)

البخاري: ج-2/ كتاب الحج باب 7/1452.

(3)

أبو داود: ج-2/ كتاب المناسك باب 9/1739.

(4)

مسند الإِمام أحمد: ج-3/ ص 318.

(5)

البخاري: ج-2/ كتاب الحج باب 13/1458.

ص: 446

حكم من تجاوز الميقات بغير إحرام:

-1ً- من تجاوز الميقات مريداً للنسك وجب عليه العودة ليحرم منه، فإن لم يرجع عمداً أثم وعليه دم، وإن لم يرجع خوفاً من الرجوع أو خشي الفوات فعليه دم ولم يأثم. أما إن أحرم بعد اجتياز الميقات ثم رجع إليه فلا يسقط عنه الدم، لأنه استقر عليه بإحرامه من دونه فأشبه من لم يرجع، حتى ولو أفسد حجه ظلٍ دم تجاوز الميقات في ذمته ولا يسقطه وجوب القضاء.

-2ً- من تجاوز الميقات غير مريد للنسك: فعلى قسمين:

-1- لا يريد دخول الحرم: فهذا لا يلزمه الإِحرام بلا خلاف. وقد أتى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بدراً مرتين، وكانوا يسافرون للجهاد وغيره فيمرون بذي الحليفة، فلا يحرمون فإن بدا له الإِحرام وتجدد له العزم فعليه أن يحرم من موضعه ولا شيء عليه.

-2- يريد دخول الحرم: على ثلاثة أوجه:

آ- دخول الحرم لقتال مباح أو لحاجة متكررة: فلا إحرام عليه، لما روى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء بغير إحرام)(1) .

⦗ص: 449⦘

ب- دخول الحرم من غير مكلف بالحج (كالعبد أو الصبي أو الكافر) ثم أصبح مكلفاً بعد اجتياز الميقات كالعبد إذا أعتق أو الصبي إذا بلغ أو الكافر إذا أسلم، فإنه يحرم من موضعه ولا دم عليه لأنه أحرم من الموضع الذي وجب عليه الإِحرام منه.

جـ- دخول الحرم وهو مكلف، ولغير قتال ولا لحاجة متكررة، ولا يريد نسكاً: فيُحرم تجاوزه الميقات بغير إحرام، وإن فعل فلا شيء عليه (2) .

ثانياً: الوقوف بعرفة إلى الليل لمن وقف نهاراً:

كما سبق ذكره في أركان الحج.

ثالثاً: المبيت بالمزدلفة:

ويتحقق المبيت بالبقاء فيها إلى دخول النصف الثاني من الليل، فإن ارتحل منها قبل دخول نصف الليل الثاني فعليه دم.

ودليل وجوبه أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بها. وسماها موقفاً، عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(نحرت ههنا. ومنى كلها منحر. فانحروا في رحالكم. ووقفت ههنا. وعرفة كلها موقف. ووقف ههنا. وجمع كلها موقف)(3)، وقف من مزدلفة أجزأه بدليل الحديث. وحدّها: ما بين مأزمي جبل عرفة مُحَسِّر.

(1) مسلم: ج-2/ كتاب الحج باب 84/451.

(2)

وعن الإمام أحمد: أنه لا تجب الإحرام، لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه دخل مكة بغير إحرام.

(3)

مسلم: ج-2/ كتاب الحج باب 20/149.

ص: 448

سنن المبيت في المزدلفة:

-1- أن يدفع إلى المزدلفة بعد الغروب، ويسير عليه السكينة، لحديث جابر رضي الله عنه:(وأردف أسامة خلفه. وقد شنق للقصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله ويقول بيده اليمنى: أيها الناس السكينة السكينة)(1) .

-2- أن يجمع بين المغرب والعشاء في المزدلفة.

⦗ص: 450⦘

-3- يسن لغير النساء والضعفاء أن يمكثوا فيها حتى يصلوا الصبح أو دخول وقته، ثم يسيروا وشعارهم التلبية مع التكبير، فإذا وصلوا المشعر الحرام (2) وقفوا عليه، مشتغلين بالدعاء والاستغفار إلى الإِسفار، ويكون من دعائهم:"اللهم كما وفقتنا فيه وأريتنا إياه فوفقنا لذكرك كما هديتنا، واغفر لنا وارحمنا كما وعدتنا بقولك وقولك الحق". عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين. ولم يسبح بينهما شيئاً. ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر. وصلى الفجر، حين تبين له الصبح، بأذان وإقامة)(3) .

-4- أن يدفع من المزدلفة قبل طلوع الشمس متوجهاً إلى منى، فإذا أتى بطن محسّر أسرع حتى يجاوزه، لما روى جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (أتى بطن محسِّر. فحرك قليلاً. ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى)(4) .

-5- يستحب أن يأخذ من مزدلفة حصى رمي الجمار، وعددها سبعون حصاة، ومن أينما أخذها جاز.

(1) مسلم: ج-2/ الحج باب 19/147.

(2)

المشعر الحرام: جبل في آخر مزدلفة يقال له قزح.

(3)

مسلم: ج-2/ الحج باب 19/147.

(4)

مسلم: ج-2/ كتاب الحج باب 19/147.

ص: 449

رابعاً: الرمي:

آ- رمي جمرة العقبة يوم النحر:

جمرة العقبة: هي آخر الجمرات مما يلي منى، وأولها مما يلي مكة، وهي عند العقبة، والعقبة ليست من منى.

وقت رمي جمرة العقبة: أوله: من بعد نصف ليلة النحر، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: (أرسل النبي صلى الله عليه وسلم بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل

⦗ص: 451⦘

الفجر، ثم مضت فأفاضت) (1) وأفضله: بعد طلوع شمس يوم النحر، ويجوز إلى الغروب، لما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن رجلاً قال للرسول صلى الله عليه وسلم: رميت بعد ما أمسيت، فقال: لا حرج) (2) .

أما إذا غربت الشمس ولم يرم فيرمي في أي يوم من أيام التشريق بعد الزوال. ومن ترك رمي جمرة العقبة حتى فات وقتها في آخر يوم من أيام التشريق صح حجه ولزمه دم.

ب- رمي الجمرات الثلاث أيام التشريق الثلاثة بسبع حصيات لكل واحدة في كل يوم، إن لم يتعجل في يومين ويسافر، وإلا سقط عنه رمي اليوم الثالث، لقوله تعالى:(فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه)(3) .

ومن ترك الرمي كله حتى مضت أيام التشريق فعليه دم لأنه ترك نسكاً واجباً، أما إن ترك رمي حصاة أو اثنتين من جمرة أخيرة فعليه إخراج مد أو مدين.

ولا يسن لمن أخره عن أيام التشريق أن يأتي به لفوات وقته.

وقت رمي الجمرات الثلاثة: من بعد الزوال لكل يوم من أيام التشريق، فإن أخر يوم إلى آخر، أو أخر الرمي كله إلى اليوم الثالث، ترك السنة ولا شيء عليه، لكنه يقدم بالنية رمي اليوم الأول ثم الثاني ثم الثالث، لأن أيام التشريق كلها وقت للرمي، وإنما الواجب الترتيب بالنية كقضاء الفوائت.

الاستنابة بالرمي: من عجز عن الرمي لمرض، أو حبس، أو عذر، جاز أن يستنيب من يرمي عنه، لأن جابراً رضي الله عنه قال:(حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا النساء والصبيان فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم)(4) . ويستحب أن يضع كل حصاة في يد النائب ويكبّر النائب (هذا إذا كان حضر معه مشهد

⦗ص: 452⦘

الرمي) . فإذا رمى عنه ثم برئ لم يلزمه إعادته لأن الواجب سقط بفعل المستناب.

وإن أغمي على إنسان فرمى عنه آخر، فإن كان أذن له وإلا فلا.

(1) أبو داود: ج-2/ كتاب المناسك باب 66/1942.

(2)

البخاري: ج-2/ كتاب الحج باب 1291648.

(3)

البقرة: 203.

(4)

ابن ماجة: ج-2/ كتاب المناسك باب 68/3038.

ص: 450

شروط صحة الرمي:

-1- أن يكون الرمي بحجر ولا يجزئ غيره، وأن يكون الحجر المرمي به حجمه بين الحمص والبندق، فلا يجزئ صغير جداً ولا كبير.

-2- أن لا يرمي بحجر قد رمي به، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمى بالحصى وأمر بلقطه من غير المرمى.

-3- أن يرمي الحصى بالفعل، فلا يكفي وضعه في المرمى بدون رمي، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمى.

-4- أن يكون الحصى سبعه حصيات بسبع رميات، واحدة بعد أخرى، فلو رمى حصاتين أو أكثر برمية واحدة لم تعتبر إلا حصاة واحدة.

-5- أن يعلم وصول الحصى إلى المرمى فلو رمى حصاة ووقعت خارج المرمى ثم تدحرجت حتى سقطت في أجزأته.

-6- يشترط أن يكون الرمي ضمن وقته من يوم النحر وأيام التشريق، وأن يكون الرمي مرتباً بين الجمرات، بحيث يبتدئ بالجمرة الصغرى وهي أبعدها عن مكة وتلي مسجد الخيف، ثم الوسطى ثم جمرة العقبة.

سنن الرمي:

-1- أن يرمي جمرة العقبة يوم العيد راكباً لمن دخل منى راكباً، لما روى جابر رضي الله عنه قال:(رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي على راحلته يوم النحر، ويقول: لتأخذوا عني مناسككم. فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه)(1) .

-2- أن يرمي جمرة العقبة من بطن الوادي.

-3- أن يستقبل القبلة في رمي الجمرات، ويجعل رمي جمرة العقبة على حاجبه الأيمن، لما روى عبد الرحمن بن يزيد قال: (لما أتى عبد الله جمرة العقبة،

⦗ص: 453⦘

استبطن الوادي واستقبل القبلة، وجعل يرمي الجمرة على حاجبه الأيمن ثم رمى بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة. ثم قال: والله الذي لا إله إلا هو من ههنا رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة) (2) .

-4- قطع التلبية عند البداء بالرمي، لما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن الفضل أخبره (أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة)(3) ، ولأن التلبية للإحرام وبالرمي يَشرع في التحلل منه.

-5- أن يكبر مع كل حصاة، لما روى ابن عمر رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم استبطن الوادي ورمى بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة: الله أكبر الله أكبر. اللهم اجعله حجاً مبروراً وذنباً مغفوراً وسعياً مشكوراً) (4) .

-6- أن يكون الحصى المرمي به قدر حصى الخزف، أي أكبر من الحمص ودون البندق (والمعتمد أنه شرط فلا تجزئ الصغيرة جداً ولا الكبيرة) .

-7- يسن الوقوف طويلاً عند رمي الجمرتين الصغرى والوسطى ويدعو الله رافعاً يديه، أما عند جمرة العقبة فلا يسن الوقوف إن فرغ من رميها لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقف عندها.

(1) مسلم: ج-2/ كتاب الحج باب 51/310.

(2)

الترمذي: ج-3/ كتاب الحج باب 64/901.

(3)

مسلم: ج-2/ الحج باب 45/267.

(4)

مسند الإمام أحمد: ج-1 /ص 427.

ص: 452

خامساً: المبيت بمنى أيام التشريق الثلاثة:

يجب (1) المبيت بمنى أيام التشريق الثلاثة لمن لم ينفر النفر الأول، وإلا سقط عنه مبيت الليلة الثالثة، كما يسقط عنه رمي يومها، لما روت عائشة رضي الله عنها قالت:(أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه حين صلى الظهر، ثم رجع إلى منى، فمكث بها ليالي أيام التشريق)(2) ، وقد رخص صلى الله عليه وسلم للعباس في ترك المبيت لأجل السقاية، فدل ذلك على أنه لا يجوز لغيره تركه. فإن ترك المبيت كله لزمه

⦗ص: 454⦘

دم، وإن ترك مبيت ليلة أو ليلتين ما عدا الثالثة لمن تعجل لزمه دم كذلك على القول المعتمد. أما إن كان ذو عذر من مرض أو خوف على نفسه أو ماله جاز له ترك المبيت بمنى (كرعاية الإبل وسقاية الحاج) وبإمكانه أن يجمع رمي الأيام الثلاثة في وقت واحد (كما قدمنا في رمي الجمرات) أو يرمي من كل يوم في الليلة المستقبلة.

شروط جواز النفر الأول:

-1- أن يكون أنهى رمي الأول.

-2- أن ينفر قبل غروب الشمس، فإن غربت وهو في منى، لزمه البيتوتة والرمي من بعد الزوال لقوله تعالى:(فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه)(3) . وإن رحل وخرج ثم عاد إليها لحاجة لم يلزمه المبيت ولا الرمي.

(1) يجب المبيت على إحدى الروايتين، وعلى الرواية الأخرى: لا يجب، لقول ابن عباس رضي الله عنهما:(إذا رميت الجمرة فبت حيث شئت) .

(2)

أبو داود: ج-2/ كتاب المناسك باب 78/1973.

(3)

البقرة: 203.

ص: 453

سادساً: الحلق أو التقصير:

تعريف: الحلق هو استئصال الشعر بالموس، والتقصير هو قطع الشعر من غير استئصال.

دليله: قوله تعالى: {لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين} (1) . ولما رواه ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وليقصر وليحلل)(2) .

والحلق للرجل أفضل من التقصير، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(اللهم ارحم المحلقين، قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ اللهم ارحم المحلقين. قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: والمقصرين)(3) . ومن لبد رأسه فيحلق، لما روى ابن عمر رضي الله عنهما عن

⦗ص: 455⦘

النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لبد رأسه فليحلق)(4) ، ومن كان لا شعر له فلا شيء عليه، إلا أنه يستحب له أن يمرر الموس على رأسه.

ويستحب أن يكون التقصير قدر أنملة، ويجزئ بالأقل، فيقصر من جميع رأسه لا من كل شعرة بعينها.

أما المرأة فلها التقصير، لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:(ليس على النساء حلق، إنما على النساء التقصير)(5) ، ويكره لها الحلق، لأن الحلق في حقها مثلى فلم يكن مشروعاً.

(1) الفتح: 27.

(2)

البخاري: ج-2/ كتاب الحج باب 103/1606.

(3)

البخاري: ج-2/ الحج باب 126/1640.

(4)

البيهقي: ج-5/ ص-135.

(5)

أبو داود: ج-2/ كتاب المناسك باب 79/1984.

ص: 454

سنن الحلق:

- أن يكون بعد ذبح الهدي.

-2- أن يكبر عند حلقه لأن نسك.

-3- أن يستقبل القبلة.

-4- أن يبدأ بشقه الأيمن، لما روى أنس بن مالك رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى منى. فأتى الجمرة فرماها. ثم أتى منزله بمنى ونحر. ثم قال للحلاق خذ وأشار إلى جانبه الأيمن. ثم الأيسر. ثم جعل يعطيه للناس)(1) .

-5- يستحب لمن حلق أن يأخذ شاربه وأظافره، لما روى عبد الله بن زيد بن عبد ربه عن أبيه (أنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم عند المنحر هو ورجل من الأنصار فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحايا فلم يصبه ولا صاحبه شيء وحلق رأسه في ثوبه فأعطاه وقسم منه على رجال وقلم أظفاره فأعطاه وقسم منه عللا رجال وقلم أظفاره فأعطاه صاحبه..)(2) .

ولا بأس لمن حلق أن يتطيب، لحديث عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت:(طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لِحُرمِهِ حين أحرم. ولِحلِّهِ حين أحلّ. قبل أن يطوف بالبيت)(3) .

⦗ص: 456⦘

وقت الحلق أو التقصير: يبدأ وقته بعد رمي جمرة العقبة، ويجوز تأخيره إلى آخر أيام التشريق، أما إن أخره عن ذلك ففيه روايتان، إحداهما: عليه دم، والأخرى: لا شيء عليه سوى فعله، لأن الله تعالى بيّن أو وقته بقوله عزّ من قائل:{ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله} (4) ، ولم يبن آخر وقته وهو المعتمد.

(1) مسلم: ج-2/ كتاب الحج باب 56/323.

(2)

مسند الإمام أحمد: ج-4/ ص 42.

(3)

مسلم: ج-2/ الحج باب 7/32.

(4)

البقرة: 196.

ص: 455

سابعاً: طواف الوداع:

يجب طواف الوداع على كل من أراد مفارقة مكة، ولو لم يكن حاجاً أو معتمراً. أما من أراد المقام بمكة بعد قضاء نسكه فلا توديع عليه لأن الوداع للمفارق.

كما يجب طواف الوداع على من أراد الخروج من مكة، ولو كان مكياً، والابتعاد عنها مسافة القصر، أو العودة إلى وطنه، وإن كان وطنه على مسافة من مكة أقل من مسافة القصر.

دليله: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان الناس ينصرفون في كل وجه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت)(1) . ويجبر تركه بدم. فإن عاد بعد فراقه، وقبل أن يقطع مسافة القصر، أو قبل وصوله إلى بلده إن كان قريباً، وطاف مودعاً، سقط عنه الدم. أما إن رجع بعد اجتيازه مسافة القصر فلا يسقط عنه الدم، لأن طوافه لخروجه الثاني وقد استقر عليه دم الأول.

أما الحائض والنفساء فلا وداع عليهما ولا دم، بدليل ما روى ابن عباس رضي الله عنهما، قال:(أُمِر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خُفَّف عن الحائض)(2) ، إلا أنه يستحب للحائض والنفساء أن تقفا على باب المسجد فتدعوان بدعاء المودع. لكن إن طهرت الحائض والنفساء قبل مفارقة بنيان مكة لزمهما الطواف.

⦗ص: 457⦘

ومن مكث بعد الطواف أعاده، إلا إذا مكث لصلاة أقيمت، أو شغل سفر، كشراء زاد، ولم يطل زمن ذلك، أو شد حمولة أو شرب ماء زمزم، أو انتظار رفقة، أو إغماء، أو إكراه، وإن طال زمنه.

(1) مسلم: ج-2/ كتاب الحج باب 67/379.

(2)

البخاري: ج-2/ كتاب الحج باب 143/1668.

ص: 456

سنن طواف الوداع:

يستحب للمودع أن يصلي ركعتين الطواف خلف المقام، ثم يقف عند الملتزم (1) بين الركن والباب فيدعو ويقول:"اللهم هذا بيتك، وأنا عيدك وابنُ عيدك، حملتني على ما سخرت لي من خلقك وسيرتني في بلادك حتى بلغتني بيتك، وأعنتني على أداء نسكي، فإن كنت رضيت عني فازدد عني رضاً، وإلا فمن الآن قبل أن تنأى عن بيتك داري فهذا أوان انصرافي إن أذنت لي، غير مستبدل بك ولا ببيتك، ولا راغب عنك ولا عن بيتك، اللهم فأصحبني العافية في بدني، والصحة في جسمي، والعصمة في ديني، وأحسن منقلبي، وارزقني طاعتك ما أبقيتني، واجمع لي بين خيري الدنيا والآخرة إنك على كل شيء قدير". ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم.

(1) وسمي بذلك لأنهم يلزمونه للدعاء، وهو ما بين الركن والباب.

ص: 457

ما يجزئ عن طواف الوداع:

من ترك طواف الزيارة فطافه عند الخروج من مكة أجزأه عن طواف الوداع، لأنه يحصل به المقصود منه، كإجزاء طواف العمرة عن طواف القدوم وصلاة الفرض عن تحية المسجد.

أما إن نوى بطوافه الوداع لم يجزئه عن طواف الزيارة، لقوله عليه السلام:(إنما الأعمال بالنية وإنما لامرئ ما نوى) ، ويكون حكمه حكم من ترك طواف الزيارة.

⦗ص: 458⦘

ثامناً: اجتناب محظورات الإِحرام

محظورات الإحرام هي: ما يحرم على المحرم فعله بسبب الإِحرام.

أولاً: ما يتعلق باللباس:

آ- ما يحرم على الرجال:

-1- لبس المحيط أو المخيط ببدنه، أو بأي عضو منه، مثل القفازين، سواء كان محيطاً كقميص وقباء (1) أو منسوجاً كدرع أو كيس معقوداً كالطربوش، يحرم ذلك كله إذا لبسه لبساً معتاداً، كأن يضع عباءة على منكبيه دون أن يدخل يديه في كميها، لأنها تستمسك ولو لم يدخل يديه فيها، بدليل ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما (أن رجلاً قال: يا رسول الله، ما يلبس المحرم من الثياب؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يلبس القُمُصَ، ولا العمائم، ولا السراويلات، ولا البرانس، ولا الخفاف، إلا أحد لا يجد نعلين، فليلبس خفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين، ولا تلبسوا من الثياب شيئاً مسّه الزعفران أو الورس) (2) . أما إذا لم يكن الللبس على الهيئة المعتادة، كأن ألقى على نفسه عباءة أو ثوباً وهو مضطجع، وكان ذلك بحيث لو قعد لم تستمسك عليه، فلا حرمة فيه، ولا فدية عليه.

وخرج بذلك الإِزار والرداء، فلا يحرم لبسهما وإن كان بهما خياطة، لأن مدار الحرمة على الإِحاطة لا على الخياطة، فإذا لم يجد إزاراً فله لبس السراويل، ولا فدية عليه، لما روى جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لم يجد نعلين فليلبس خفين ومن لم يجد إزاراً فليلبس سراويل)(3) . ومن عدم الرداء لم يبح له القميص، لأنه يمكنه أن يرتدي به على صفته، ولا يجوز له عقد ردائه، وهو الذي يوضع على الأكتاف، ولا أن يزره عليه أو يخله بشوكة أو بغيرها، ولا يغرس طرفيه في إزاره لأنه في معنى عقده، لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (لا تعتقد

⦗ص: 459⦘

عليك شيئاً) (4) . أما الإِزار فله عقده لأنه ضروري لستر العورة، وله أن يشد وسطه بعمامة أو حبل ولا يعقده ولكن يدخل بعضه في بعض، وله أن يضع على خصره الحزام الذي وضع فيه نفقته فإن لم يثبت عقده، لقول عائشة رضي الله عنها:"أوثق عليك نفقتك". أما المنطقة وما لا نفقة فيه فلا يجوز عقده لعدم الحاجة إليه.

-2- لبس المصبوغ بالورس أو الزعفران (5) ، أما المصبوغ بالعصفر فيباح لبسه سواء كان الصبغ قوياً أو ضعيفاً للحديث المتقدم عن ابن عمر رضي الله عنهما.

-3- لبس الخفين للحديث المتقدم، فإن لم يجد نعلين لبس الخفين وقطعهما أسفل من الكعبين (6)، وعن الإِمام أحمد: لا يقطع الخفين. ومن وجد نعلين لا يمكنه لبسهما لبس الخفين وافتدى لأن إسقاط الفدية مشروط بعدم النعلين.

-4- تعمد تغطية الرأس أو بعضه بما يسمى ساتراً، سواء كان مخيطاً أو غيره كالقلنسوة أو الخرقة أو الشال، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم المحرم عن لبس العمامة، ولقوله في الذي مات محرماً:(لا تخمروا رأسه فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبياً)(7) .

فمتى غطى رأسه بلاصق معتاد كعمامة، أو سترة بغير لاصق، بأن استظل بمحمل (مظلة) أو ثوب، راكباً أو لا، حرم وفدى، لأنه قصده بما يقصد به الترفه، لأنه ستره بما يستدام ويلازمه غالباً أشبه ما لو ستره بشيء يلاقيه. بخلاف استظلاله بخيمة أو شجرة أو بيت فله ذلك. وفي الاستظلال بالمحمل رواية ثانية أنه يجوز، لما روت أم الحصين رضي الله عنها قالت: (حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، فرأيت أسامة وبلالاً وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم. والآخر

⦗ص: 460⦘

رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة) (8) . والأول هو المعتمد. وإن وضع يده على رأسه أو حمل عليه طبقاً فلا بأس إن لم يقصد به الستر.

ويعد من الرأس البياض الذي وراء الأذن، ولا فرق بين شعر الرأس وبشرته. وخرج بذلك الوجه فلا تحرم تغطيته.

وإن ستر رأسه لعذر من حر أو برد أو مداواة جاز، لكن تلزمه الفدية، لقوله تعالى:(وما جعل عليكم في الدين من حرج)(9) ، وقياساً على الحلق بسبب الأذى.

(1) عباءة.

(2)

البخاري: ج-2/ كتاب الحج باب 20/1468.

(3)

مسلم: ج-2/ كتاب الحج باب 1/5.

(4)

البيهقي: ج-4/ ص 51.

(5)

المصبوغ بما له رائحة طيبة.

(6)

هما معقد الشراك بعد أصابع القدم بأصبع تقريباً.

(7)

مسلم: ج-2/ كتاب الحج باب 14/93.

(8)

مسلم: ج-2/ كتاب الحج باب 51/312.

(9)

الحج: 78.

ص: 457

ب- ما يحرم على النساء:

-1- يحرم على المرأة ستر وجهها بما يعد ساتراً، أما ما لا يعد ساتراً، مثل وضع يدها على وجهها، فلا يحرم، ويجب عليها أن تستر من وجهها مالا يتأتى ستر جميع رأسها إلا به. وإن خشيت الفتنة وجب عليها ستر وجهها، لما روت عائشة رضي الله عنها، قالت:(كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات، فإذا حاذَوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزنا كشفناه)(1) . أما إن غطته لغير حاجة فعليها فدية.

-2- يحرم عليها لبس ما مسه الورس والزعفران من الثياب.

-3- يحرم عليها لبس القفازين، لأن إِحرام المرأة في وجهها وكفيها، لما روى ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم (نهى النساء في إحرامهن عن القُفَّازين والنِقاب وما مس الورس والزعفران من الثياب، ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب معُصفراً أو خزاً أو حلياً أو سراويل أوقميصاً أو

⦗ص: 461⦘

خفاً) (2)، وروى النجاري عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم قال:(لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين)(3) .

ثانياً: ما يتعلق بالبدن:

-1ً- إزالة الشعر، لقوله تعالى:{ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله} (4) وقيس عليه سائر شعر البدن، لأنه يتنظف ويترفه بإزالته فأشبه حلق الرأس، وقص الشعر ونتفه كحلقه. ولا يحرم عليه حلق شعر الرأس الحلال لأنه لا يترفه بذلك.

ولو دخل الشعر إلى عينه، أو استرسل شعر حاجبيه فغطى عينيه، فله إزالته، ولا فدية عليه. وكذلك يجوز إزالة الشعر للضرورة، كوجود قروح في الرأس أو شدة حر، وعليه فدية، لقوله تعالى: (فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية

) (5) .

-2ً- يحرم تقليم الأظافر من يد أو رجل بلا عذر، فإن كان لعذر كما لو كسر ظفره فأزاله فلا فدية عليه.

-3ً- يحرم استعمال الطيب في بدنه وثيابه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الذي مات محرماً:(ولا تمسوه طيباً)(6)، ولما روى ابن عمر رضي الله عنهما في الحديث المتقدم عند البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم:(ولا تلبسوا من الثياب شيئاً مسَّه الزعفران أو الورس) والطيب هو كل ما يُتطيب به أو يتخذ منه طيب كالمسك والكافور والعنبر والزعفران والورس والورد والبنفسج والياسمين.

⦗ص: 462⦘

(1) أبو داود: ج-2/ كتاب المناسك باب 34/1833.

(2)

أبو داود: ج-2/ كتاب المناسك باب 32/1827.

(3)

البخاري: ج-2/ كتاب الإحصار وجزاء الصيد باب 24/1741.

(4)

البقرة: 196.

(5)

البقرة: 196.

(6)

البخاري: ج-1/ كتاب الجنائز باب 21/1208.

ص: 460

ويلحق بحرمة استعمال الطيب ما يلي:

آ- لبس المبخّر بالطيب والمصبوغ به.

ب- أكل الطيب أو شربه، أو المخلوط به، سواء كان قليلاً أو كثيراً إلا إذا استهلك الطيب بحيث لم يبق له طعم ولا رائحة. ولا فرق في ذلك بين أن يكون ما يضاف إليه الطيب مطبوخاً أو مطبوخ.

جـ- الاكتحال بالطيب، أما الاكتحال بما ليس فيه طيب فجائز.

د- الادهان بالطيب كدهن الورد والبنفسج والزنبق ونحوها، أما الادهان بما ليس فيه طيب كالزيت والسمن فلا يحرم ولو دهن شعر رأسه ووجه.

هـ- شم الورد والياسمين والبنفسج، أي شم كل ما يتخذ منه الطيب، أما نبات البرية كالشيح والإذخر والخزامى والفواكه كالأترج والتفاح والسفرجل والحناء فليس بطيب، لأنه لا يقصد للطيب ولا يتخذ منه طيب فأشبه العصفر، وقد ثبت أن العصفر ليس بطيب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم عن أبي داود: (ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب مُعصفراً أو خزاً

) . فإن مس المحرم طيباً لا يعلق بيده كقطع الكافور والعنبر فلا فدية فيه، لأنه لم يتطيب، أما إن شمه فعليه الفدية لأنه يستعمل هكذا. وكذا إن تعمد شم الطيب، مثل أن يدخل الكعبة وهي تجمرّ، أو حمل مسكاً ليشم رائحته فعليه فدية، لأنه شمه قاصداً له فأشبه ما لو باشره، أما إن لم يقصد شمه كالجالس عند العطار لحاجة أخرى، أو دخل الكعبة ليتبرك بها، أو حمل الطيب من غير مس للتجارة فلا يمنع منه، لأنه لا يمكن التحرز منه فعفي عنه.

ثالثاً: ما يتعلق بالأفعال:

-1ً- عقد النكاح: يحرم عقد النكاح إيجاباً لنفسه، أو قبولاً لغيره، بدليل الحديث الذي روي عن عثمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يَنْكِحُ

⦗ص: 462⦘

المحرم ولا يَنْكِحُ ولا يخْطُب) (1) . ولا فدية فيه لأنه لا ينعقد أصلاً، فوجوده كعدمه، وسواء كان بوكالة أو ولاية فلا يصح ولو كان الزواج حلالاً. وتجوز له الخطبة ولكن تكره للحديث، ويؤخذ الحديث على أن قوله صلى الله عليه وسلم:(لا ينكح ولا يُنكَح) للتحريم، (ولا يخطب) للكراهة. ولا مانع من هذا التفسير قياساً على ما ورد في الآية الكريمة:(كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده)(2) فالأكل مباح والإيتاء واجب.

ويجوز أن يراجع المحرم المحرمة والمحلّة، سواء طلقها قبل الإحرام أو أثناءه، لأن المراجعة استدامة نكاح، فتصبح بلا كراهية.

-2ً- الجماع: يحرم الجماع، لقوله تعالى:(فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج)(3) وتجب فيه الكفارة. ويحرم على الحلال من الزوجين تمكين المحرم من الوطء، لأنه إعانة له على المعصية.

فإن كان الجماع قبل التحلل الأول فسد نسكهما ولو بعد الوقوف بعرفة، ولا فرق بين العامد والساهي، ويجب على الواطئ والموطوءة المضي في النسك الفاسد ولا يخرجان منه بالوطء فحكمه كالإِحرام الصحيح لقوله تعالى:{وأتموا الحج العمرة لله} (4) ، ويقضيانه وجوباً العام الثاني، أما إذا كان الوطء بعد التحلل الأول فلا يفسد النسك وعليه شاة، ولا فدية على مكرهة ونفقة حجة قضائها عليه لأنه المفسد لنسكها.

-3ً- تحرم المباشرة بشهوة وإن ينزل، كالمعانقة والقبلة واللمس والنظر، وتجب فيها الفدية، أما لو فعل ذلك مع وجود حائل ففعله حرام، فإن أنزل بما سبق

⦗ص: 464⦘

فعليه بدنة وإن لم ينزل فعليه شاة ولا يفسد حجه. وأما المباشرة بلا شهوة فلا تحرم.

-4ً- يحرم الاستمناء سواء كان بحائل أم لا، لأنه حرام في غير الإِحرام ففي الإِحرام أولى.

-5ً- يحرم الكلام الفاضح في المسائل الجنسية.

-6ً- الفسوق والجدل، لقوله تعالى:(فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج)(5) ، فينبغي أن ينزه الحاج إحرامه عن الكذب والشتم والكلام القبيح والمراء، فالحاج أحوج ما يكون إلى حسن الخلق والتذرع بالصبر، فإنه يتعرض لكثير من المتاعب في السفر، فليشهد الحاج أنه في حضرة مولاه، وليلاحظ ذلك دائماً، وليلتزم الأدب. روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق، رجع كما ولدته أمه)(6) .

وقلة الكلام في ما لا ينفع مستحبة في كل حال، صيانة لنفسه عن اللغو والوقوع في الكذب وفيما لا يحل، فإن من كثر كلامه كثر سقطه. روى أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)(7)، وعنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)(8) . فهذا في حال الإِحرام أشد طلباً وآكد، لأنه حال عبادة واستشعار لطاعة الله. فليشتغل المحرم بالتلبية وذكر الله تعالى وقراءة القرآن وتعليم الجاهل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

⦗ص: 465⦘

(1) مسلم: ج-2/ كتاب النكاح باب 15/41.

(2)

الأنعام: 141.

(3)

البقرة: 197، وفسر الرفث بأنه محركة الجماع وغيره مما يكون بين الرجل وامرأته من التقبيل والمغازلة ونحوهما مما يكون في حال الجماع. وهو أيضاً الفحش، وكلام النساء في الجماع، أو ما ووجهن به من فحش.

(4)

البقرة: 196.

(5)

البقرة: 197، والفسوق: هو الخوج عن الطاعة. والجدال: هو أن يجادل رفيقه حتى يغضبه، والمنازعة والسباب.

(6)

مسلم: ج-2/ كتاب الحج باب 79/438.

(7)

مسلم: ج-1/ كتاب الإِيمان باب 19/74.

(8)

ابن ماجة: ج-2/ كتاب الفتن باب 12/3976.

ص: 462

رابعاً: ما يتعلق بالصيد:

-1ً- يحرم الصيد البري الوحشي المأكول فقط للمحرم، لقوله تعالى:{وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرماً} (1) داخل الحرم أو خارجه، أم صيد الحرم فيحرم على المحرم والحلال طوال العام، لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح: (

إن هذا البلد حرّمه الله يوم خلق السماوات والأرض. فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة. وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي. ولم يحل لي إلا ساعة من نهار. فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة. لا يُعضد شوكه. ولا ينفر صيده. ولا يلتقط إلا من عرَّفها. ولا يختلى خَلاها، فقال العباس: يا رسول الله إلا الإِذخر. فإنه لِقَيْنِهِم ولبيوتهم. فقال إلا الإِذخر) (2) . وحكمه في الجزاء حكم صيد الإِحرام لأنه مثله في التحريم.

ويشترط في الصيد المحرم ثلاثة شروط:

أ- أن يكون برياً، فلا يحرم الصيد البحري (3)، بدليل قوله تعالى:{أحل لكم صيد البحر وطعامه} (4) .

ب- أن يكون وحشياً، فأما الأهلي كبهيمة الأنعام والدجاج فليس بمحرم، لأنه ليس بصدد الاعتبار في ذلك بالأصل لا بالحال، فلو تأنس الوحشي كحمار الوحش والحمام لم يحل وفيه الجزاء، ولو توحش الأنسي لم يحرم.

جـ- أن يكون مما يؤكل لحمه، أما ما لا يؤكل لحمه فلا حرمة في صيده، ولا فدية فيه، إلا أنه إذا كان غير مؤذٍ فيكره قتله، وإن كان مؤذياً فيباح قتله بلا كراهة، لما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

⦗ص: 466⦘

(خمس من الدواب، ليس على المحرم في قتلهن جناح: الغراب، والحدأة، والفأرة والعقرب، والكلب العقور)(5) ، والحديث ليس على سبيل الحصر، وإنما ينطبق على كل حيوان مؤذ.

فإذا تولد الحيوان من حيوان مأكول وغيره كالسمع، وهو ولد الضبع من الذئب، يحرم قتله وفيه الجزاء تغليباً لحرمة القتل كما غلبت فيه حرمة الأكل. وكذا المتولد بين أهلي ووحشي.

-2ً- يحرم تنفير الحيوان البري الوحشي المأكول، لقوله صلى الله عليه وسلم:(ولا ينفر صيده) فإن نفرّه فهلك بتنفيره ضمنه.

-3ً- يحرم الإعانة على قتله بدلالة بقول أو إشارة، أو إعانة آلة، لأن ما حرم قتله حرمت الإِعانة على قتله. فإن أعان حلالاً على قتله فالجزاء على المحرم، وإن أعان محرماً على قتله فالجزاء بينهما.

-4ً- يحرم التعرض لجزئه مثل بيضه أو فرخه، فإن أتلفه ضمنه، إلا إن كان البيض مذراً (فاسداً) فلا شيء عليه.

-5ً- يحرم شراء الصيد وهبته، لما روى ابن عباس رضي الله عنهما عن الصعب بن جثامة (أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حماراً وحشياً، وهو بالأبواء - أو بودان -، فرده عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فلما رأى ما في وجهي قال: إنا لم نرده عليك، إلا أنّا حُرُمٌ)(6) . أما إن كان مالكاً له قبل إحرامه فيبقى في ملكه ولا يجب عليه إرساله.

(1) المائدة: 96.

(2)

مسلم: ج-2/ كتاب الحج باب 82/445.

(3)

وصيد البحر: هو ما يفرخ فيه ويأوي إليه، فأما طير الماء فهو من صيد البر المحرّم لأنه يتعيش في البحر ولا يعيش فيه.

(4)

المائدة: 96.

(5)

البخاري: ج-2/ الإحصار وجزاء الصيد باب 18/1731.

(6)

مسلم: ج-2/ كتاب الحج باب 8/50.

ص: 465

حكم أكل المصيد للمحرم:

-1- يحرم أكل لحم ما صاده المحرم على المحرم وغيره لأن المحرم مُنع من الذبح لحق الله تعالى.

⦗ص: 467⦘

-2- يجوز أكل لحم ما صاده الحلال للمحرم وغيره.

-3- يحرم أكل لحم ما صاده الحلال بإشارة إعانة من المحرم على المحرم فقط، ليس على الحلال.

-4- يحرم أكل لحم ما صاده الحلال لأجل المحرم على المحرم فقط وأحل؟؟ الحلال، لما روى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(صيد البر لكم حلال وأنتم حرم، ما لم تصيدوه أو يُصَدْ لكم)(1) .

-5- يحرم أكل البيض على المحرم إن كسره، ولا يحرم على الحلال لأنه لا يحتاج إلى ذكاة وفيه جزاء.

(1) الترمذي: ج-3/ كتاب الحج باب 25/846.

ص: 466

خامساً: ما يتعلق بشجر الحرم وحشيشه:

يحرم على المحرم والحلال التعرض لشجر الحرم الرطب الذي لم ينبته الآدمي وحشيشه، بقطع أو قلع أو تلاف، ولا لغصن من أغصانه حتى الشوك والعوسج، ومن قطعه فلا يباح له ولا لغيره الانتفاع به، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إلا وأنها ساعتي هذه حرام، لا يختلى شوكها، ولا يُعضد شجرها)(1)، لما روى ابن عباس رضي الله عنهما في الحديث المتقدم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا يلتقط إلا من عرَّفها، ولا يختلى خَلاها. فقال العباس: يا رسول إلا الإذخر، فإنه لقينهم لبيوتهم فقال إلا الإِذخر)(2) .

ويستثنى ما يلي:

-1ً- والإِذخر والكمأة.

-2ً- ما زرعه الإنسان من بقل ورياحين وشجر غرس من غير شجر الحرام لأنه كالحيوان الأهلي.

⦗ص: 468⦘

-3ً- الثمر.

-4ً- قطع الشجر اليابس لأنه بمنزلة الميت، أما قلعه من جذوره فيحرم.

-5ً- يجوز أخذ ما تناثر أو يبس من الورق، أو تكسر من الشجر والعيدان بغير فل الآدمي، أما ورق الشجر الأخضر فلا يجوز أخذه والانتفاع به.

ومن قلع شجرة لزمه ردها إلى موضعها كمن صاد صيداً لزمه إرساله، فإن أعادها فيبست ضمنها لأنه أتلفها.

كما يحرم صيد المدينة وشجرها، لحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المدينة حرم ما بين عَيْر إلى ثور)(3)، وعن جابر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن إبراهيم حرّم مكة، وإني حرّمت المدينة ما بين لابتيها، لا يقطع عِضاهها (4) ولا يصاد صيدها) (4) .

(1) البخاري: ج-1/ كتاب العلم باب 39/11، ويعضد: يقطع.

(2)

مسلم: ج-2/ كتاب الحج باب 82/ 445، ويختلي: يقطع، وخلاها: نباتها الرطب.

(3)

مسلم: ج-2/ كتاب الحج باب 85/467، وعَيْر: جبل خارج المدينة على طريق جدة. وثور: جبل صغير إلى جانب جبل أُحد، وه غير ثور الذي فيه غار حراء خارج مكة المكرم.

(4)

مسلم: ج-2/ الحج باب 85/458، وعضاهها: لعضاه كل شجر يعظم وله شوك.

ص: 467

ما يجوز للمحرم فعله:

-1- أن يغتسل المحرم بالماء والصابون، لقولا النبي صلى الله عليه وسلم في الذي مات محرماً:(اغسلوه بماء سدر)(1) ، ويكون ذلك بصب الماء على الرأس، ولا بأس ن كان الصابون ذا رائحة إلا أنه مكروه وقيل عليه صدقة.

-2- أن يحتجم وأن يفتصد دون أن يقطع شعراً، لما روى ابن عباس رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم)(2) .

-3- أن يتقلد بالسيف عند الضرورة، لأن أصحاب رسول الله صلة الله عليه وسلم دخلوا في عمرة القضاء متقلدين سيوفهم.

⦗ص: 496⦘

-4- يجوز للمحرم الحاج التجارة والتكسب والصناعة لقوله تعالى: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم} (3) . قال ابن عباس رضي الله عنهما: (كان ذو المجاز وعكاظ متجر الناس في الجاهلية، فلما جاء الإسلام كأنهم كرهوا ذلك، حتى نزلت: "ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم" في مواسم الحج)(4) .

وأخيراً فإن محظورت الإحرام على وجه الإجمال تسعة:

حلق الشعر، تقليم الأظافر، تغطية رأس الذكر، لبسه المخيط، الطيب، قتل صيد البر واصطياده، عقد النكاح، الوطء، المباشرة دون الفرج.

⦗ص: 470⦘

(1) مسلم: ج-2/ الحج باب 14/93.

(2)

مسلم: ج-2/ الحج باب 11/87.

(3)

البقرة: 198.

(1)

البخاري: ج-2/ كتاب الحج باب 149/1681.

ص: 468