المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب العاشر (الجنائز) - فقه العبادات على المذهب الحنبلي

[سعاد زرزور]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المؤلفة

- ‌تقديم الشيخ أحمد الشامي، مفتي دوما وعالمها

- ‌لمحة عن حياة الإمام أحمد

- ‌نسبه:

- ‌طلبه للعلم ومنزلته العلمية:

- ‌محنته:

- ‌كتبه:

- ‌تلاميذه:

- ‌أولاده:

- ‌متن الكتاب

- ‌تعريف الفقه

- ‌كتاب الطهارة

- ‌الباب الأول (تعريف الطهارة)

- ‌الباب الثاني (الأعيان الطاهرة والأعيان النجسة)

- ‌الباب الثالث (أحكام التخلي)

- ‌الباب الرابع (الوضوء)

- ‌الباب الخامس (الغسل)

- ‌الباب السادس (التيمم)

- ‌الباب السابع (الحيض والاستحاضة والنفاس)

- ‌كتاب الصلاة

- ‌الباب الأول (تعريف الصلاة)

- ‌الباب الثاني (الأذان والإقامة)

- ‌الباب الثالث (شروط الصلاة)

- ‌الباب الرابع

- ‌الفصل الأول

- ‌الفصل الثاني

- ‌الفصل الثالث

- ‌الفصل الرابع

- ‌الفصل الخامس

- ‌الباب الخامس (صلاة التطوع)

- ‌الفصل الأول

- ‌الفصل الثاني

- ‌الفصل الثالث

- ‌الفصل الرابع

- ‌الباب السادس (صلاة الجماعة)

- ‌الباب السابع (صلاة الجمعة)

- ‌الباب الثامن (صلاة المسافر)

- ‌الفصل الأول

- ‌الفصل الثاني

- ‌الباب التاسع (صلاة الخوف)

- ‌الباب العاشر (الجنائز)

- ‌كتاب الزكاة

- ‌الباب الأول

- ‌الباب الثاني (محال الزكاة)

- ‌الباب الثالث (زكاة الفطر)

- ‌الباب الرابع (أداء الزكاة)

- ‌الباب الخامس (صدقة التطوع)

- ‌كتاب الصيام

- ‌الباب الأول

- ‌الباب الثاني (الاِعتكاف)

- ‌كتاب الحج

- ‌الباب الأول

- ‌الباب الثاني (أركان الحج)

- ‌الباب الثالث (واجبات الحج)

- ‌الباب الرابع (سنن الحج)

- ‌الباب الخامس

- ‌الفصل الأول

- ‌الفصل الثاني

- ‌الفصل الثالث

- ‌الفصل الرابع

- ‌الفصل الخامس

- ‌الفصل السادس

- ‌الباب السادس (العمرة)

- ‌الباب السابع (الهدي)

الفصل: ‌الباب العاشر (الجنائز)

‌الباب العاشر (الجنائز)

ص: 305

معناها: الجنائز بفتح الجيم جمع جنازة، وهي بالفتح والكسر اسم للميت بالنعش.

ذكر الموت وعيادة المريض وخدمته:

ذكر الموت: لئن كان الموت أعظم المصائب، فإن الغفلة عنه أعظم، من أجل هذا سنت كثرة ذكره، روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أكثروا ذكر هاذم اللذات)(1) ، يعني الموت، كما يسن الاستعداد له بالتوبة، لحديث البراء بن عازب رضي الله عنه:(كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فجلس على شفير القبر فبكى حتى بلَّ الثرى ثم قال: يا إخواني لمثل هذا فأعدوا)(2)، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)(3) .

ويكره تمني الموت إلا لخوف الفتنة في الدين، لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عن ابن عباس رضي الله عنهما:(وإذا أردت بعبادتك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون)(4) ، أو لتمني الشهادة في سبيل الله لا سيما عند حضور أسبابها، لما روى سهل بن حنيف

⦗ص: 306⦘

عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سأل الله الشهادة بصدق، بلَّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه)(5) .

ويستحب طلب الموت في بلد شريف، لما روى البخاري في صحيحه عن عمر رضي الله عنه قال:(اللهم أرزقني الشهادة في سبيلك، واجعل موتي في بلد رسولك صلى الله عليه وسلم (6) .

(1) ابن ماجة: ج-2/ كتاب الزهد باب 31/4258، وهاذم: قاطع سمي كذلك لأنه يقطع لذات الدنيا قطعاً.

(2)

ابن ماجة: ج-2/ كتاب الزهد باب 12/4195.

(3)

البخاري: ج-5/ كتاب الرقاق باب 3/6053.

(4)

الترمذي: ج-5/ كتاب تفسير القرآن باب 39/3233.

(5)

مسلم: ج-3/ كتاب الإمارة باب 46/157.

(6)

البخاري: ج-2/ فضائل المدينة باب 11/1791.

ص: 305

عيادة المريض:

حكمها:

-1ً- سنة لمسلم غير فاسق ولو كان من رمد أو وجع ضرس أو دمل، لما روى البراء رضي الله عنه قال: (أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع: أمرنا باتباع الجنائز، وعيادة المريض، وإجابة الداعي، ونصر المظلوم، وإبرار القسم، ورد السلام، وتشميت العاطس

) (1)، وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال:(عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجع كان بعيني)(2) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس)(3) .

-2ً- مكروه: تكره عيادة المريض الذي يجهر بالمعصية والمبتدع.

-3ً- محرم: تحرم عيادة الذمي، إلا إن كان جاراً للمسلم فتسن عيادته ولو كان كافراً على أحد القولين

⦗ص: 307⦘

(1) البخاري: ج-1/ كتاب الجنائز باب 2/1182.

(2)

أبو داود: ج-3/ كتاب الجنائز باب 9/3102.

(3)

البخاري: ج-1/ كتاب الجنائز باب 2/1183.

ص: 306

آداب زيارة المريض:

-1ً- تخفيف الزيارة.

-2ً- السؤال عن حاله.

-3ً- الدعاء له بالعافية إن طمع في حياته. ومن الأدعية المأثورة ما روت عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوِّذ بعضهم: (أذهب البأس رب الناس، واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاءك، شفاء لا يغادر سقماً)(1) .

-4ً- طلب الدعاء منه، لحديث عمر رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم (إذا دخلت على مريض فمره يدعو لك، فإن دعاءه كدعاء الملائكة)(2) .

-5ً- يستحب وعظ المريض بعد عافيته وتذكيره الوفاء بما عاهد الله عليه من التوبة وغيرها من ضروب الخير، وينبغي له هو المحافظة على ذلك، قال تعالى:(وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا)(3) .

-6ً- أن يحثه على التوبة، إن رأى غير مرجوة، ويرغبه في الوصية ويذكر له ما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(ما حق امرئ مسلم، له شيء يوصي فيه، يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده)(4) .

-7ً- ما يستحب ألا يكره المريض على الدواء وغيره من الطعام.

(1) البخاري: ج-5/كتاب الطب باب 43/157.

(2)

ابن ماجة: ج-1/كتاب الجنائز باب 1/1441.

(3)

الإسراء: 34.

(4)

البخاري: ج-3/كتاب الوصايا باب 1/2587.

ص: 307

ما يسن للمريض:

-1ً- التداوي، لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء) (1) .

⦗ص: 308⦘

-2ً- أن يحسن ظنه بالله تعالى بالمغفرة، وبقرب التوبة، لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل موته بثلاث: (لا يموت أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله)(2) .

-3ً- أن يحرص على تحسين خلقه.

-4ً- أن يجتنب المخاصمة والمنازعة في أمور الدنيا، وأن يستحضر في ذهنه أن هذا آخر أوقاته في دار الأعمال فيختمها بخير.

-5ً- أن يستحل زوجته وأولاده وسائر أهله وغلمانه وجيرانه وأصدقائه وكل من كانت بينه وبينهم معاملة أو مصالحة أو تعلق ويرضيهم.

-6ً- أن يتعاهد نفسه بقراءة القرآن والذكر وحكايات الصالحين وأحوالهم عند الموت.

-7ً- أن يحافظ على الصلوات وغيرها من وظائف الدين.

-8ً- أن يوصي أهله بالصبر عليه، وبترك النوح عليه وكثرة البكاء وما جرت العادة عليه من البدع في الجنائز، وبتعاهده بالدعاء له، لحديث عبد الله رضي الله عنه (أن حفصة بكت على عمر رضي الله عنه فقال: مهلاً يا بُنية، ألم تعلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه؟) (3) .

ويكره للمريض الشكوى وتمني الموت.

(1) البخاري: ج-5/كتاب الطب باب 1/5354.

(2)

أبو داود: ج-3/كتاب الجنائز باب 17/3113.

(3)

مسلم: ج-2/كتاب الجنائز باب 9/16.

ص: 307

ما يسن عند الاحتضار:

-1ً- يستحب أن يلي المريض أرفق أهله به وأعلمهم بسياسته وأتقاهم لربه.

-2ً- أن يتعاهد بلّ حلقه، إذا رآه منزولاً به، فيقطر فيه ماءً أو شراباً، ويُنْدي شفتيه بقطنة.

-3ً- أن يلقنه قوله: "لا إله إلا الله" مرة، لما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله)(1) ، ويكون

⦗ص: 309⦘

ذلك بلطف فلا يقل له وإنما يذكرُ إمامه "لا إله إلا الله" فإذا قالها لم يعدها، إلا أن يتكلم بشيء فيعيد تلقينه لتكون آخر كلامه من الدنيا، لما روى معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة)(2) .

-4ً- يستحب كثرة الدعاء له وللحاضرين.

-5ً- يندب إباعد كل شيء تكرهه الملائكة كالجنب والصور.

-6ً- أن يوضع عنده طيب.

-7ً- أن يقرأ عليه سورة (الفاتحة) وسورة (يس) ، لأن قراءتهما تسهل خروج الروح، لما روى معقل بن يسار رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اقرؤا يس على موتاكم)(3) . وأنيُوجَّه إلى القبلة على جنبه الأيمن، وإلا فعلى ظهره وأخمص قدميه إلى القبلة ويُرفع رأسه قليلاً ليصير وجهه مقابلاً لها، لأن حذيفة رضي الله عنه قال:"وجهوني"، ولأن خير المجالس ما استقبل به القبلة.

(1) مسلم: ج-2/ جنائز باب 1/1.

(2)

أبو داود: ج-3/ كتاب الجنائز باب 20/3116.

(3)

أبو داود: ج-3/ الجنائز باب 24/3121.

ص: 308

ما يسن بعد الوفاة:

-1ً- إغماض العينين لئلا يقبح منظر الميت، ويقول الذي يغمضه:"بسم الله وعلى ملة رسول الله"، لما روت أم سلمة رضي الله عنها قالت:(دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شق بصره، فأغمضه ثم قال: إن الروح إذا قبض تبعه البصر..)(1) .

-2ً- شدُّ لحيي الميت بعصابة عريضة لئلا ينفتح فمه فيقبح منظره ويدخل فيه ماء الغسل.

-3ً- تليين مفاصله بالتحريك لأنه أسهل للغسل.

⦗ص: 310⦘

-4ً- خلع ثيابه وستره بثوب خفيف، لما روت عائشة أم المؤمنين قالت:(سجّي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مات بثوب حبرة)(2) ، ويجعل على سرير أو لوح حتى لا تصيبه نداوة الأرض فتغيره.

-5ً- أن يوضع على بطنه شيء ثقيل حتى لا ينتفخ، روى البيهقي قال:(مات مولى لأنس بن مالك عند مغيب الشمس، فقال أنس رضي الله عنه: ضعوا على بطنه حديدة)(3) .

-6ً- أن يستقبل به القبلة ويُدعى له إن لم يكن استقبل به عند النزاع.

-7ً- أن يسارع في قضاء دينه، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه)(4) . فإن تعذر تعجيله استحب أن يتكفل به عنه، لما روى سلمة بن الأكوع رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بجنازة ليصلي عليها فقال: هل عليه من دين. قالوا لا. فصلى عليه، ثم أتى بجنازة أخرى، فقال: هل عليه من دين. قالوا: نعم. قال: صلوا على صاحبكم. قال أبو قتادة: عليَّ دينه يا رسول الله، فصلى عليه) (5) .

-8ً- يستحب إعلام أهله وأصدقائه بموته للصلاة عليه، ولا يكون ذلك من النعي المكروه.

-9ً- أن يسارع في تجهيزه، لما روي علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له:(يا علي ثلاث لا تؤخرها: الصلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والأيم إذا وجدت لها كفؤاً)(6) . فإن مات فجأة وجب تركه حتى يتيقن موته

⦗ص: 311⦘

بظهور أمارات الموت عليه من ميل أنفه، وانخفاض صدغ، واسترخاء قدم.

-10- أن يسارع إلى إنفاذ وصيته ليتعجل ثوابها بجريانها على الموصى له.

-11- ويستحب لأقربائه وجيرانه أن يصنعوا طعاماً لأهله، لما روى عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال: لما جاء نعي جعفر قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا لأهل جعفر طعاماً، فإنه قد جاءهم ما يشغلهم)(7) . أما صنع أهل الميت الطعام للناس فمكروه، وإذا كان في الورثة قاصر عن درجة البلوغ حرم إعداد الطعام وتقديمه.

(1) مسلم: ج-2/ الجنائز باب 4/7.

(2)

مسلم: ج-2/ الجنائز باب 14/48.

(3)

البيهقي: ج-3 /ص 385.

(4)

الترمذي ج-3/ الجنائز باب 76/1078.

(5)

البخاري: ج-2/ كتاب الكفالة باب 3/2173.

(6)

الترمذي: ج-3 / الجنائز باب 73 / 1075.

(7)

الترمذي: ج-3/ الجنائز باب 21/998.

ص: 309

حق الميت على المكلفين:

يجب على الناس وجوباً كفائياً، تجهيز موتاهم، بحسب أقسام الموتى الأربعة الآتية:

-1ً- مسلم غير شهيد: يجب غسله، وتكفينه، والصلاة عليه، ودفنه، ولو كان سقطاً أربعة أشهر فأكثر، لما روى المغيرة بن شعبة رضي الله عنه ورفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال:(والسقط يصلى عليه ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة)(1) ، ولأنه ميت مسلم فأشبه المستهل، ودليل أنه ميت ما روى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الصادق المصدوق قال: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكاً فيؤمر بأربع كلمات ويقال له: اكتب عمله ورزقه وأجله وشقي أو سعيد ثم ينفخ فيه الروح

) (2) ، ومن كانت فيه روح ثم خرجت فهو ميت. ويستحب

⦗ص: 312⦘

تسمية السقط، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(سموا أسقاطكم فإنها من أفراطكم)(3) ، فإن لم يعلم ذكر أم أنثى سمي اسماً يَصلحُ لهما كسعادة وسلامة.

-2ً- السقط دون أربعة أشهر: لا يغسل ولا يصلى عليه.

-3ً- مسلم شهيد:

(1) أبو داود: ج-3/ الجنائز باب 49/3180.

(2)

البخاري: ج-3/ كتاب بدء الخلق باب 6/3036.

(3)

فيض القدير: ج-4 /ص 112. قال ابن عساكر: حديث حسن.

ص: 311

هو من مات في المعركة مع الكفار والمشركين لإعلاء كلمة الله وسواء قتله كافر أو مسلم خطأ (1) .

حكمه على المسلمين:

-1ً- يحرم غسله لإبقاء أثر الشهادة، وهو الدم، روى جابر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ادفنوهم في دمائهم، يعني يوم أحد، ولم يغسلهم)(2) إلا إن خالطه نجاسة فيغسل. وكذا إن قتل وهو يغسل ويصلى عليه، لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال:(أصيب حمزة بن عبد المطلب وحنظلة بن الراهب وهما جنب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت الملائكة تغسلهما)(3) ، وكذا إن قتلت المرأة وهيي حائض.

⦗ص: 313⦘

-2ً- يجب تكفينه بثيابه التي استشهد فيها بعد نزع آلة الحرب كالدرع والخف والفرو، ودفنه لما روى ابن عباس رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود، وأن يدفنوا في ثيابهم بدمائهم)(4) .

-3ً- تحرم الصلاة عليه ولا تصح، أما خبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وصلى على قتلى أحد صلاته على الميت ففي تفسيره قولان: أحدهما: أنه من خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم، والثاني: أن المراد بصلاته صلى الله عليه وسلم أنه دعا لهم كدعائه للميت، وقد تقدم أن الصلاة في اللغة دعاء. يعضد هذا التفسير ما ورد عن جابر رضي الله عنه في قتلى أحد:(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بدفنهم في دمائهم ولم يصلِّ عليهم، ولم يغسلوا)(5) .

ويلحق بالشهيد المقتول ظلماً كقتيل اللصوص والمقتول دون ماله، فلا يغسل على إحدى الروايتين لأنه أشبه بشهيد المعركة.

-4ً- الكافر والذمي والمرتد والحربي والمستأمن: سواء كان قريباً أو أجنبياً لا يجب إلا دفنه إن لم يكن من يواريه، لما روي عن علي رضي الله عنه قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم إن عمك الشيخ الضال قد مات قال: (اذهب فوارِ أباك، ثم لا تُحدِثَنَّ شيئاً حتى تأتني)(6) . ولا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه، لأن في تكفينه تولٍ وقد قال تعالى:(يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوماً غضب الله عليهم)(7) ، وأما الصلاة عليه فهي شفاعة للميت والكافر ليس من أهلها.

ولا يتبع جنازته لأن في ذلك تعظيماً له.

⦗ص: 314⦘

(1) أما من سقط عن دابته، أو تردى من شاهق، أو وُجد ميتاً لا أثر به، أو عاد سلاحه عليه فقتله، أو من حمل فأكل أوشرب أو نام أو بال أو تكلم أو عطس أو طال بقاؤه ثم مات، فليس بشهيد، لذا يُغسّل ويصلى عليه. وكذا من مات في قتال البغاة أو مات في المعركة لا بسببها بل بمرض فليس بشهيد.

(2)

البخاري: ج-1/ كتاب الجنائز باب 73/1281.

(3)

فتح الباري: ج-3/ كتاب الجنائز 74، وراه الطبراني، وهو حديث غريب في ذكره حمزة رضي الله عنه.

(4)

ابن ماجة: ج-1/ كتاب الجنائز باب 28/1515.

(5)

ابن ماجة: ج-1/ الجنائز باب 28/1514.

(6)

أبو داود: ج-1/ كتاب الجنائز باب 70/3214.

(7)

الممتحنة: 13.

ص: 312

تغسيل الميت:

حكم الغسل: فرض كفاية، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذي وقصته ناقته:(اغسلوه بماء وسدر)(1) .

(1) مسلم: ج-2/ كتاب الحج باب 14/93.

ص: 314

أولى الناس بغسل الميت:

-1ً- الوصي العدل (1) ، لأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أوصى أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس رضي الله عنها فقُدِّمت بذلك، وأوصى أنس رضي الله عنه أن يغسله محمد بن سيرين ففعل، ولأنه حق الميت فقُدِّم وصيه فيه على غيره.

-2ً- إن لم يكن هناك وصي عدل فالأولى بعده أبوه وإن علا، ثم ابنه وإن نزل، ثم الأقرب من عصاباته، ثم الرجال من بني الأرحام، ثم الأجانب لأنهم أولى الناس بالصلاة عليه.

وإن مات الرجل بين نساء ليس فيهن زوجة يممته واحدة أجنبية بحائل، ويحرم أن ييمم بغير حائل، إلا إذا كان الميمم محرماً من رجل أو امرأة فيجوز بلا حائل.

وأولى الناس بغسل المرأة وصيتها أمها، ثم جدتها، ثم ابنتها، ثم القربى فالقربى، فالأجنبيات وإذا ماتت المرأة بين رجال ليس فيهم زوج وتعذر إحضار امرأة تغسلها، كأن ماتت في طرق سفر، منقطع يممها واحد من الأجانب بحائل.

ويجوز للرجل أن يغسل زوجته إن لم تكن ذمية ولو قبل الدخول، عن عائشة رضي الله عنها قالت:(رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من البقيع فوجدني وأنا أجد صداعاً في رأسي وأنا أقول: وا رأساه، فقال: بل أنا يا عائشة وا رأساه. ثم قال: ما ضرك لو متِ قبلي، فقمت عليك فغسلتك وكفنتك وصليت عليك ودفنتك)(2) ، وغسّل

⦗ص: 315⦘

علي رضي الله عنه فاطمة رضي الله عنهافلم ينكر منكر فكان إجماعاً. وأم الولد كالزوجة لأنها محل استمتاعه. كما يباح للرجل تغسيل زوجته ولو كانت رجعية (3) .

ويباح للرجل أن يغسل بنتاً دون سبع سنين، كما يجوز للمرأة أن تغسل صبياً دون سبع سنوات.

ويجوز للمرأة غسل زوجها ولو قبل الدخول بلا خلاف، لحديث أبي بكر رضي الله عنه، ولقول عائشة رضي الله عنها:(لو استقبلت من الأمر ما استدبرت ما غسّل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نساؤه)(4) .

(1) يكتفى بالعدالة الظاهرة.

(2)

ابن ماجة: ج-1/ كتاب الجنائز باب 9/1465.

(3)

الزوجة الرجعية: هي الزوجة المطلقة طلاقاً غير بائن أثناء عدتها.

(4)

مسند الإِمام أحمد: ج-6 /ص 267.

ص: 314

شروط الغاسل:

-1ً- الإسلام: فلا يصح غسل كافر لمسلم، لأن الغسل عبادة محضة فلا تصح من كافر كالصلاة.

-2ً- العقل لأن غير العاقل ليس أهلاً للنية.

-3ً- التمييز ولا يشترط البلوغ.

شروط صحة الغسل:

-1- أن يكون الماء طاهراً مطهراً.

-2- أن يكون الماء مباحاً.

-4- النية لأنها طهارة تعبدية أشبهت غسل الجنابة.

واجبات الغسل:

-1- ستر عورة الميت ما بين سرته وركبتيه.

-2- التسمية.

⦗ص: 316⦘

فرائض الغسل: تعميم البدن بالغسل وتطهيره من النجاسة.

سنن الغسل وكيفيته:

-1ً- ستر الميت عن أعين الناس بحيث لا يحضره إلا من يعين الغاسل، لأنه ربما كان به عيب يستره في حياته، وربما بدت عورته فشاهدها، والأفضل غسله في قميص رقيق ينزل الماء فيه ويُدخِل الغاسل يده في كم القميص فيمرها على يده، لما روت عائشة رضي الله عنها (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غسلوه وعليه قميصه يصبون الماء فوق القميص، ويدلكونه بالقميص دون أيديهم، وكانت عائشة تقول: لو استقبلت من الأمر ما استدبرت ما غسله إلا نساؤه)(1) ، ولأنه استر للميت.

-2ً- وضع الميت على سرير غسله متوجهاً إلى القبلة منحدراً نحو رجليه لينصب ماء الغسل عنه.

-3ً- يستحب إطلاق البخور عند غسله ليخفي رائحة ما يخرج منه.

-4ً- أن يبدأ الغاسل بحني الميت حنياً لا يبلغ به الجلوس، ويمر يده على بطنه ويعصره عصراً رقيقاً ليخرج ما في جوفه من فضلات، ويصب عليه الماء وقت العصر صباً كثيراً.

-5ً- أن يلف على يده خرقة فينجيه بها، ولا يحل له لمس عورته لأن رؤيتها محرمة أولى.

-6ً- أن لا يمس سائر بدنه إلا بخرقة، لما روى البيهقي (أن علياً رضي الله عنه غسّل النبي صلى الله عليه وسلم وعلى النبي صلى الله عليه وسلم قميص وبيد علي رضي الله عنه خرقة يتبع بها تحت القميص)(2) .

⦗ص: 317⦘

-7ً- أن يوضأه بعد إنجائه وقبل غسله، لنا روت أم عطية رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهن في غسل ابنته:(ابدأن بميامِنِها ومواضع الوضوء منها)(3) ، إلا أنه لا يدخل الماء إلى فمه ول أنفه لكن يلف على يده خرقة مبلولة ويدخلها بين شفتيه ويمسح أسنانه وأنفه.

-8ً- أن يغسل بسدر مع الماء، لما روى ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم:(خرَّ رجل من بعيره، فَوُقِص، فمات. فقال: اغسلوه بماء وسدرٍ. وكفنوه في ثوبيه. ولا تخمروا رأسه. فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبياً)(4)، ولحديث أم عطية رضي الله عنها قالت: (دخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نغسل ابنته. فقال: اغسلنها ثلاثاً، أو خمساً، أو أكثر من ذلك، إن رأيتن ذلك، بماء وسدر. واجعلن في الآخرة كافوراً أو شيئاً من كافور

) (5) أما إن كان يُخْرِجُ شيئاً فالوجوب إلى سبع، فإن خرج بعدها حشي محل الخارج بقطن ثم يغسل محل النجاسة ويوضأ الميت وجوباً، كالجنب إذا أحدث بعد غسله، لتكون طهارته كاملة، وإن خرج شيء بعد تكفينه لم يعد الوضوء ولا الغسل لما في ذلك من المشقة فإن فقد السدر جعل مكانه الخطم (الشنان) أو الصابون أو نحوه.

-9ً- أن يبدأ بغسل رأسه ولحيته، لحديث عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اغتسل من الجنابة، بدأ فغسل يديه، ثم يتوضأ كما توضأ للصلاة، ثم يدخل أصابعه في الماء، فيخلل بها أصول شعره، ثم يصب على رأسه ثلاث غرف بيديه، ثم يفيض على جلده كله)(6)، ثم يغسل شقه الأيمن لقوله عليه الصلاة والسلام:(ابأن بميامنها) فيغسل يده اليمنى

⦗ص: 318⦘

وصفحة عنقه وشقة صدره وجنبه وفخذه وساقه وقدمه، ثم يقلبه على جنبه الأيسر ويغسل شق ظهره الأيمن وما يليه، ثم يقلبه على جنبه الأيمن ويغسل شقه الأيسر كذلك.

-10- أن يغسله وتراً ثلاثاً، وإن لم ينق بالثلاث أو الخمس أو السبع لا يزيد عليها لأنها آخر ما انتهى إليه أمر النبي صلى الله عليه وسلم، ويمرّ في كل مرة يده على جسمه ولا يوضئه إلا في المرة الأولى، إلا أن يخرج منه شيء أئناء الغسل أو بعده فيعيد وضوءه.

-11- أن يجعل في الغسل قبل الأخير كافوراً، لأنه يشد الجلد ويبرده ويطيبه، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك، ثم يغسله بماء قراح (صافٍ) ويفيضه على جميع بدنه.

-12- أن يضفر شعر المرأة ثلاثة قرون ويسدل من ورائها، لما روت أم عطية رضي الله عنها قالت:(وجعلنا رأسها ثلاثة قرون)(7) .

-13- أن يكون ماء الغسل بارداً إلا من حاجة لوسخ يقلع به أو شدة برد فيسخن.

-14- يستحب تقليم أظافر الميت وقص شاربه (لغير محرم) ويترك معه في أكفانه لأنه من أجزائه، وكل ما سقط من الميت جعل معه في كفنه. وكره الإِمام أحمد تسريح الميت.

-15- ويستحب لمن غسّل ميتاً أن يغتسل، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من غسل ميتاً فليغتسل)(8) .

-16- أن يكون المغسِّل ثقة أميناً عارفاً بأحكام الغسل، لما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال:(ليغسّل موتاكم المأمونون)(9) ، ولأن غير الأمين لا يُؤمَن لأنه لا يستوفي الغسل ويذيع ما يرى من قبيح.

⦗ص: 319⦘

ويجب على الغاسل ستر ما يرى من قبيح، لما روى علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من غسّل ميتاً وكفنه وحنطه وحمله وصلى عليه، ولم يفش عليه ما رأى خرج من خطيئته مثل يوم ولدته أمه)(10) . وإن رأى الغاسل أمارات الخير استحب له إظهارها ليُترحم عليه.

وإذا تعذر غسل الميت لعدم الماء، أو خيف تقطعه به كالمجذوم والمحترق، يُمم لأن التيمم طهارة للبدن. وإن تعذر غسل بعضه يُمم أيضاً لما لم يصبه الماء. وإن أمكن صب الماء عليه وخيف من دلكه صب الماء عليه صباً دون دلك.

ومن مات في بئر أُخرج منه، فإن لم يكن إخراجه إلا بتقطيعه وكانت البئر يحتاج إليه أُخرج، لأن رعاية حقوق الأحياء أولى من حفظه من المثلة، وإن لم يحتج إليها طمّت عليه فكانت قبره.

(1) أبو داود: ج-3/ كتاب الجنائز باب 32/3141.

(2)

البيهقي: ج-3 /ص 388.

(3)

مسلم: ج 2/كتاب الجنائز باب 12/43.

(4)

مسلم: ج 2/كتاب الحج باب 14/93.

(5)

مسلم: ج 2/كتاب الجنائز باب 12/36.

(6)

البخاري: ج-1/ كتاب الغسل باب 1/245.

(7)

مسلم: ج-2/ كتاب الجنائز باب 12/39.

(8)

ابن ماجة: ج-1/ كتاب الجنائز باب 8/1463.

(9)

ابن ماجة: ج-1/ كتاب الجنائز باب 8/1461.

(10)

ابن ماجة: ج-1/ كتاب الجنائز باب 8/1462.

ص: 315

التكفين:

حكمه: فرض كفاية على كل من علم به.

نفقته تجهيز الميت وتكفينه:

-1ً- من تركته إن كان له مال ويقدّم على الدين والوصية، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذي وقصته ناقته:(كفنوه في ثوبه) .

-2ً- إن لم يكن له مال فعلى من تلزمه نفقته في حياته، إلا الزوج فإنه لا يلزمه كفن زوجته ولا مؤنة تجهيزها.

-3ً- إن لم يكن من ينق عليه فمن بيت مال المسلمين إن كان مسلماً.

-4ً- إن لم يكن بيت مال، أو كان وتعذر، فعلى كل مسلم عالم به.

الكفن:

-1ً- أقل الكفن: وهو الواجب ثوب واحد يستر جميع الجسم. ولا يصف البشرة ذكراً كان أو غيره، فإن لم يوجد إلا ثوباً لا يستر جميع جسمه، غطي

⦗ص: 320⦘

رأسه وترك على رجليه حشيش، لما روى خباب بن الأرت رضي الله عنه قال:(هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله. نبتغي وجه الله. فوجب أجرنا على الله. فمنا من مضى لم يأكل من أجره شيئاً. منهم مصعب بن عمير قتل يوم أحد. فلم يوجد له شيء يكفن فيه إلى نمرة، فكنا إذا وضعناها على رأسه، خرجت رجلاه. وإذا وضعناها على رجليه خرج رأسه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعوها مما يلي رأسه، واجعلوا على رجليه الإِذخر)(1) . وإن كان أضيق من ذلك ستر به عورته وغطي سائر جسده بحشيش أو ورق، فإن كثر الموتى وقلت الأكفان كفن الاثنان والثلاثة في الكفن الواحد، لما روي عن أنس رضي الله عنه قوله يوم أحد في حديث له:(وقلت الأكفان وكثر القتلى، فكان الرجل والرجلان والثلاثة يكفنون في الثوب الواحد ثم يدفنون في قبر واحد)(2) .

ويستحب تحسين الكفن بأن يكون جديداً أو مغسولاً، لما روى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه)(3) ، إلا أن يوصي الميت بتكفينه في خَلقِ فتُمتَثَلُ وصيته، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت:(نظر أبو بكر رضي الله عنه إلى ثوب كان يمرض فيه، به ردع من زعفران، فقال: اغسلوا ثوبي هذا وزيدوا عليه ثوبين، فكفنوني فيها، قلت: إن هذا خَلَقٌ، قال: إن الحيَّ أحق بالجديد من الميت، إنما هو لِلمُهلة)(4) .

(1) مسلم: ج-2/ كتاب الجنائز باب 13/44.

(2)

أبو داود: ج-3/ كتاب الجنائز باب 31/3136.

(3)

مسلم: ج-2/ الجنائز باب 15/49.

(4)

البخاري: ج-1/ كتاب الجنائز باب 92/1321، والمهلة دم الميت وصديده.

ص: 319

-2ً- أكمل الكفن وما يسن فيه:

آ- للرجل: يسن تكفينه في ثلاث لفائف بيض قطنية ليس فيها قميص ولا عمامة، لأن حالة الإحرام أكمل أحوال الحي، وهو لا يلبس

⦗ص: 321⦘

المخيط فيها، فكذلك حال موته، لما روت عائشة رضي الله عنها قالت:(كُفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سَمُولية من كَرْسُفٍ (1) ليس فيها قميص ولا عمامة) (2) ، وأما إلباس النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي قميصَ فإنما فعل ذلك تكرمة لبنه عبد الله بن عبد الله بن أبيّ، لأنه كان سأله ذلك ليتبرك به أبوه ويندفع عنه العذاب ببركة قميص رسول الله. وقيل إنما فعل ذلك جزاء لعبد الله بن أبيّ عن كسوته العباس رضي الله عنه قميصه يوم بدر.

(1) الكرسف: القطن.

(2)

مسلم: ج-2/ كتاب الجنائز باب 13/45.

ص: 320

ويستحب في الكفن:

-1ً- أن يكون أبيضاً، لما روى أبو المهلب سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم:(البسوا من ثيابكم البياض فإنها أطهر وأطيب وكفنوا فيها موتاكم)(1) .

-2ً- أن يكون قطنياً.

-3ً- أن يجمر ثلاثاً، لأن جابراً رضي الله عنه روى أن النبي صلى الله عليه وسلم:(إذا أجمرتم الميت فأجمره ثلاثاً)(2) .

وإن كفن الرجل في قميص ومئزر ولفافة جاز بلا كراهة، ويجعل المئزر مما يلي جلده ولا يًزَر عليه القميص.

(1) النسائي: ج-4 /ص 34.

(2)

مسند الإِمام أحمد: ج-3 /ص 331، وتجمير الكفن تبخيره.

ص: 321

ب- للمرأة: يسن تكفين المرأة في خمسة أثواب: مئزر تؤزر به، وقميص تلبسه بعده، ثم خمار تخمر به، ثم لفافتان تلف فيهما، لما روى أبو داود عن ليلى بنت قائف الثقفية رضي الله عنها قالت: (كنت فيمن غسل أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وفاتها، فكان أول ما أعطانا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحِقاء ثم الدِرع ثم الخِمار ثم الملحفة، ثم أدرجت بعد في الثوب الآخر. قالت: ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس

⦗ص: 322⦘

عند الباب معه كفنها يناولناها ثوباً ثوباً) (1) ، ولأن المرأة تزيد في حياتها على الرجل في الستر لزيادة عورتها على عورته فكذلك في موتها، وتلبس المخيط في إحرامها فتلبسها في موتها.

جـ- كفن الصبي: يكفن الصبي في ثوب واحد، ويباح تكفينه في ثلاثة أثواب ما لم يرثه غير مكلف.

د- كفن الصغير (دون التاسعة، لأنها في هذا السن قد قاربت المحيض) تكفن الصغيرة في قميص ولفافتين لا خمار فيه، لأن ابن سيرين كفن بنتاً له قد أعصرت أي قاربت المحيض في قميص (2) ولفافتين.

(1) أبو داود: ج-3/ كتاب الجنائز باب 36/3157.

(2)

القميص الذي ليس له أكمام.

ص: 321

كيفية التكفين:

تؤخذ أحسن اللفائف وأوسعها وتبسط على بساط ليكون الظاهر للناس أحسنها، ثم تبسط الثانية فوقها، ثم الثالثة، ويذرُّ الحنوط والكافور فيما بينهن، ثم يحمل الميت فيوضع عليهن مستلقياً ليكون أمكن لإِدراجه فيها، ويجعل بعض الحنوط والكافور في قطن ويوضع بين إليتيه برفق، ويكثر من ذلك ليرد شيئاً إن خرج حين تحريكه، ويشد فوقه خرقة مشقوقة الطرف كالتُبّان (1) تأخذ إليتيه ومثانته، ويجعل البعض على منافذ وجهه ومغابنه ومواضع سجوده، لما روى البيهقي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:(الكافور يوضع على مواضع السجود)(2) ، ولأن هذه المواضع شرفت بالسجود فخضت بالطيب، ثم يطيب رأسه ولحيته وجميع بدنه (ولو ماتت المرأة معتدة فيوضع لها الطيب، لأن اجتنابه في الحياة إنما كان لئلا يؤدي إلى

⦗ص: 323⦘

نكاحها) ، ولا يُترك على أعلى اللفافة العليا ولا النعش شيء من الحنوط، لما روي عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنها قالت لأهلها:(أجمروا ثيابي إذا مت ثم حنطوني ولا تذروا على كفني حنوطاً ولا تتبعوني بنار)(3) ، ثم يثني طرف اللفافة على شقه الأيمن، ثم يرد طرفها الآخر على شقه الأيسر فوق الطرف الآخر ليمسك إذا أقم على شقه الأيمن. ثم يفعل بالثانية والثالثة كذلك، ثم تربط الأكفان وتحل عند الدفن.

أما إن كان الميت مُحْرِماً فلا يقرب طيباً ولا يخمر رأسه، لأن حكم إحرامه باقٍ فيجنب ما يتجنبه المحرومون، لما روتى ابن عباس رضي الله عنهما في الحديث المتقدم، (اغسلوه بماء وسدر. وكفنوه في ثوبيه. ولا تخمروا رأسه. فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبياً) . ولا يلبس قميصاً إن كان رجلاً لأنه ممنوع من لبس المخيط، وإن كانت امرأة جاز ذلك وجاز تخمير رأسها سوى وجهها.

فإن خرج من الميت شيء بعد تكفينه لم يعد غسله، لإن في إعادته مشقة ولا يؤمن منه ثانياً وثالثاً، أما الكفن فيطهّر لأنه يؤمن مثله في الثاني بالتحفظ بالتلجم والشد.

ما يكره في الكفن:

(1) التبان: سراويل قصير صغيرة بلا تكة.

(2)

البيهقي: ج-3 /ص 405.

(3)

البيهقي: ج-3 /ص 405.

ص: 322

-1- يكره التكفين بشعر وضوف.

-2- يكره التكفين بمزعفر ومعصفر ومنقوش ولو لامرأة.

ويحرم التكفين بجلد وبحرير ومذهّب في حق الذكر والخنثى، ما لم يوجد غيره فيباح.

الصلاة على الميت:

حكمها: فرض كفاية، ولو لم يوجد من الميت إلا بعضه، لما روى ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلوا على من قال لا إله إلا الله وصلوا وراء

⦗ص: 324⦘

من قال لا إله إلا الله) (1) . ويسقط هذا الفرض بصلاة مكلف واحد ولو أنثى، لأن الصلاة على الميت ليس من شروطها الجماعة بل تسن.

(1) الجامع الصغير: ج-2 /ص 45، رواه الطبراني وهو حديث ضعيف.

ص: 323

شروط صحة الصلاة على الميت:

-1ً- النية، فينوي الصلاة على الميت.

-2ً- التكليف، لأن المميز تصح منه ولا تسقط الصلاة به فلا بد أن يكون المصلي بالغاً عاقلاً.

-3ً- استقبال القبلة.

-4ً- ستر العورة.

-5ً- اجتناب النجاسة، لأنها من الصلوات فأشبهت سائرهن.

-6ً- حضور الميت إن كان بالبلد، فلا تصح على جنازة محمولة أو من وراء جدر، ولا تصح على من وضع في تابوت مغطى بغطاء خشبي بل يجب كشفه قبل الصلاة عليه. أما إذا لم يكن الميت في البلد فتجوز الصلاة عليه غائباً خلال شهر من موته، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى للناس النجاشي في اليوم الذي مات فيه. فخرج هم إلى المُصَلَّى وكبَّر أربع تكبيرات)(1) .

-7ً- إسلام المصلي والمصلى عليه، فلا يصلى على كافر لقوله تعالى:(ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره)(2) .

-9ً- أن يكون الميت موضوعاً أمام القوم، فلا تصح الصلاة عليه إذا كان خلفهم.

⦗ص: 325⦘

(1) مسلم: ج-2/ كتاب الجنائز باب 22/62.

(2)

التوبة: 85.

ص: 324

أركانها:

-1ً- القيام للقادر عليه.

-2ً- أربع تكبيرات، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كبر على النجاشي أربعاً.

-3ً- أن يقرأ الفاتحة بعد التكبيرة الأولى، لما روى عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن)(1) فالحكم عام ويشتمل صلاة الجنازة.

-4ً- الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التكبيرة الثانية، وتجزئ الصلوات الإبراهيمية. غيرها، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا صليتم على الميتْ فأخلصوا له الدعاء)(2) . وأقله بالنسبة للكبير: اللهم اغفر له، وبالنسبة للصغير: اللهم اغفر لوالديه بسببه ونحو ذلك.

-6ً- التسليم، لحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:(أرى ثلاث خلال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلهن، تركهن الناس: إحداهن التسليم على الجنازة مثل التسليم في الصلاة..)(2) .

-7ً- ترتيب الأركان، فتتعين القراءة بعد التكبيرة الأولى، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الثانية، لكن لا يتعين كون الدعاء للميت بعد التكبيرة الثالثة. بل يجوز الدعاء للميت بعد التكبيرة الرابعة.

ومن سبق ببعض الصلاة فأرك الإِمام بين تكبيرتين دخل معه كما يدخل في سائر الصلاة، فإذا سلّم الإِمام قضى ما فاته لعموم قوله عليه السلام:(وما فاتكم فأتموا..)، قال الخرقي: يقضيه متتابعاً، وإن سلم لم يقضِ فلا بأس، لأن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لا يقضي، ولأنها تكبيرات متوالية حال القيام فلا يجب قضاء ما فات منها كتكبيرات العيد.

⦗ص: 326⦘

(1) مسلم: ج-1/ كتاب الصلاة باب 11/36.

(2)

أبو داود: ج-3/ كتاب الجنائز باب 60/3199.

(3)

البيهقي: ج-4 /ص 43.

ص: 325

سنن صلاة الجنازة:

-1- أن يقوم الإِمام حذاء رأس الرجل أو صدره (1) ، وعند وسط المرأة، لما روي عن أبي غالب قال:(صليت مع أنس بن مالك رضي الله عنه على جنازة رجل، فقام حيال رأسه، ثم جاؤوا بجنازة امرأة من قريش، فقالوا: يا أبا حمزة (2) صل عليها، فقام حيال وسط السرير، فقال له العلاء بن زياد: هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم قام على الجنازة مقامك منها، ومن مقامك منه؟ قال: نعم فلما فرغ قال: احفظوا) (3) .

وإن كان الأموات جماعة يجوز أن يُصلي عليهم صلاة واحدة، فيقدم الإِمام أفضلهم ويسوي بين رؤوسهم، فإن اجتمع رجال ونساء وصبيان وخناثى قدّم الرجال وإن كانوا عبيداً ثم الصبيان ثم الخناثى ثم النساء.

-2ً- أن تصلى جماعة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصليها بأصحابه.

-3ً- أن تكون ثلاثة صفوف فأكثر ولا ينقص الصف عن ثلاثة، ولكن إن كان المصلون أربعة جُعلوا صَفَّين، لحديث مالك بن هبيرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يموت فيصلي عليه ثلاثة صفوف من المسلمين إلا وجب) . قال: فكان مالك إذا استقبل أهل الجنازة جزأهم ثلاثة صفوف (4) . وإن اجتمع نساء فصلين عليه جماعة أو فردى فلا بأس، لما روي عن عائشة رضي الله عنها (أنها لم توفي سعد بن أبي وقاص أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يمروا بجنازته في المسجد فيصلين عليه، ففعلوا فوقف به على حُجرهن يصلي عليه)(5) .

⦗ص: 327⦘

-4ً- أن يُسر بالقراءة والدعاء فيها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُسِرُّ بها.

-5ً- أن يضع المصلي يمينه على شماله، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبَّر على جنازة فرفع يديه في أول تكبيرة، ووضع اليمنى على اليسرى (6) .

-6ً- رفع اليدين مع كل تكبيرة كتكبيرة الإحرام، لما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان إذا صلى على الجنازة رفع يديه في كل تكبيرة وإذا انصرف سلم)(7) .

-7ً- الاستعاذة قبل القراءة لقوله تعالى: (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم)(8) .

-8ً- أن يقف بعد التكبيرة الرابعة قليلاً.

-9ً- أن يسلم تسليمة واحدة ويلتفت عن يمينه، لما روى أبو هريرة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على الجنازة فكبر عليها أربعاً وسلم تسليمة واحدة)(9) .

-10- أن يدعو لنفسه ولوالديه وللمسلمين، قبل دعائه للميت، بما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة فقال: (اللهم اغفر لحيِّنا وميتنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، وشاهدنا وغائبنا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإيمان، ومن توفيته منا فتوفَّه على الإسلام، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تضلنا بعده)(10) .

-11- أن يكون الدعاء للميت بما جاء في الأحاديث الشريفة، ومنها حديث عوف بن مالك رضي الله عنه قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة. فحفظت من دعائه وهو يقول: (اللهم اغفر له وارحمه وعافِهِ واعفُ عن. وأكرِم نُزُلَه.

⦗ص: 328⦘

ووسع مُدْخَلَه واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس. وأبدله داراً خير من داره. وأهلاً خيراً من أهله وزوجاً خيراً من زوجه. وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر - أو من عذاب النار - قال: حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت) (11) .

وإن كان الميت طفلاً فيدعو لوالديه بالدعاء التالي: "اللهم اجعله لوالديه ذخراً وفرطاً (12) وسلفاً (13) وأجراً. اللهم ثقل به موازينهما (14) ، وأعظم به أجورهما. وألحقه بصالح سالف المؤمنين. واجعله في كفالة إبراهيم. وقِهِ برحمتك عذاب النار".

ولا يسن الاستفتاح في الصلاة على الميت ولا قراءة شيء بعد الفاتحة، كما لا تسن التسليمة الثانية، ولا الزيادة على أربع تكبيرات لأنها مشهورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى البيهقي بإسناد حسن إلى أبي وائل قال: كانوا يكبرون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعاً وستاً وخمساً وأربعاً فجمع عمر الناس على أربع كأطول صلاة) (15) . لكن إن كبر الإِمام خمساً جاز ويتبعه المأمومون.

تكرار الصلاة على الميت: يجوز تكرار الصلاة على الجنازة لمن لم يصلِّ أولاً ولو بعد الدفن، لما روي عن ابن نمير قال:(انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قبر رطب، فصلى عليه، وصفوا خلفه، وكبّر أربعاً)(16) ، ولا يصلى على قبر بعد أكثر من شهر إلا بقليل، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه صلى على قبر أم سعد بن عبادة بعد شهر)(17) ، ولأنه لا يعلم بقائه بعد أكثر من شهر فتقيد به. ومن صلى على الجنازة مرة فلا يستحب إعادتها، لأنها نافلة وصلاة الجنازة لا يتنفل بها، أما من فاتته الصلاة عليه حتى دفن صلى على قبره كما تقدم.

⦗ص: 329⦘

(1) وقوف المصلي عند صدر الرجل هو الأرجح في المذهب من الروايتين.

(2)

هذه كنية أنس رضي الله عنه.

(3)

الترمذي: ج-3/ الجنائز باب 45/1034.

(4)

أبو داود: ج-3/ كتاب الجنائز باب 43/3166.

(5)

مسلم: ج-2/ كتاب الجنائز باب 34/100.

(6)

الترمذي: ج-3/ الجنائز باب 75/1077.

(7)

الدارقطني: ج-2 /ص 75.

(8)

النحل: 98.

(9)

الدارقطني: ج-2 /ص 72.

(10)

أبو داود: ج-3/ الجنائز باب 60/3201.

(11)

مسلم: ج-2/ كتاب الجنائز باب 26/85.

(12)

فَرَطاً: أي أجراً يتقدمهما، أو سابقاً مهيئاً لمصالحهما في الآخرة.

(13)

سلفاً: ثمناً للأجر والثواب الذي يجازى على الصبر عليه.

(14)

وثقل به موازينهما: أي بثواب الصبر على فقده، أو الرضا به.

(15)

فتح الباري: 3/ص 202، ورواه البيهقي" ج-4 /ص 37.

(16)

مسلم: ج-2/ كتاب الجنائز باب 23/68.

(17)

الترمذي: ج-3/ الجنائز باب 47/1037.

ص: 326

مكان الصلاة على الميت:

-1ً- تجوز الصلاة على الميت في المسجد، لما روت عائشة رضي الله عنها قالت:(ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء إلا في المسجد)(1) ، وصُلِّي على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في المسجد.

-2ً- تجوز الصلاة عليه في المقبرة، لما روي عن أنس رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبرِ)(2) .

(1) مسلم: ج-2/ الجنائز باب 34/99.

(2)

مسلم: ج-2/ الجنائز باب 23/70.

ص: 329

أولى الناس بالصلاة على الميت:

-1ً- الوصي بالعدل، لإجماع الصحابة على الوصية بها، فإن أبا بكر رضي الله عنه أوصى أن يصلي عليه عمر رضي الله عنه، وعمر رضي الله عنهأوصى أن يصلي عليه صهيب رضي الله عنه، وعائشة رضي الله عنها أوصت أن يصلي عليها أبي هريرة رضي الله عنه، ولأنها حق للميت فيقدم وصيّه بها.

-2ً- إن لم يوصِ فالأمير، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث متقدم:(لا يؤمن الرجلُ الرجلَ في سلطانه) .

-3ً- ثم الأب وإن علا.

-4ً- ثم الإبن وإن نزل.

-5ً- ثم الأقرب من العصبة.

-6ً- ثم الرجال من ذوي أرحامه.

-7ً- ثم الأجانب.

فإن استووا فأولاهم أولاهم بالإِمامة في المكتوبات، والحر أولى من العبد القريب لعدم ولايته، فإن استووا وتشاحُّوا أُقرع بينهم.

⦗ص: 330⦘

حمل الجنازة والدفن:

حمل الجنازة:

حكمه: فرض كفاية، لأن في تركها هتكاً لحرمتها، وأذى للناس بها، ويسقط التكفين والحمل والدفن للكافر. ويكره أخذ الأجرة على الغسل والتكفين والدفن لأنه يذهب الأجر.

ويسن أن يحمل الجنازة أربعة رجال بحيث يحمل كل واحد منهم من كل قائمة من القوائم الأربع مرة، بأن يبدأ فيضع قائمة السرير اليسرى على كتفه الأيمن من عند رأس الميت ثم من عند رجليه ثم يضع قائمة السرير اليمنى على كتفه اليسرى من عند رأس الميت ثم من عند رجليه وهو ما يسمى بالتربيع. ولا يكره الحمل بين قائمتي السرير، ولا يكره حمل الطفل على يديه من غير نعش، كما لا يكره حمل الجنازة على دابة إذا كان لحاجة كبعد المقبرة ونحو ذلك.

ويسن الإسراع في المشي بها، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(أسرعوا بالجنازة. فإن تك صالحة فخير تقدِّمونها عليه. وإن تك غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم)(1) .

(1) مسلم: ج-2/ كتاب الجنائز باب 16/50.

ص: 329

اتباع الجنازة:

حكمه:

-1ً- سنة لحديث البراء رضي الله عنه قال: (أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع أمرنا بإتباع الجنائز (1)) .

⦗ص: 331⦘

-2ً- مكروه للنساء،. لما روت أم عطية رضي الله عنها قالت:(نهينا عن اتباع الجنائز ولم يُعْزَم علينا)(2) .

-3ً- يحرم للنساء إن خيف منهن الفتنة، ويحرم اتباع الجنازة إن صاحبها منكر وعجز عن إزالته لما فيه من إقرار بالمعصية.

(1) البخاري: ج-1/ كتاب الجنائز باب 2/1182.

(2)

مسلم: ج-2/ كتاب الجنائز باب 11/35.

ص: 330

أوجه اتباع الجنازة:

-1ً- أن يتبعها ليصلي عليها ثم ينصرف.

-2ً- أن يتبعا إلى القبر ثم يقف حتى تدفن، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من شهد الجنازة حتى يُصلى عليها فله قيراط. ومن شهدها حتى تُدفن فله قيراطان قبل وما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين)(1) .

-3ً- أن يقف بعد الدفن فيستغفر لصاحبها ويسأل الله له التثبيت ويدعو له بالرحمة، لما روي عن عثمان رضي الله عنه أنه قال:(كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت، ووقف عليه قال: استغفروا ليتكم وسلوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل)(2) .

(1) مسلم: ج-2/ كتاب الجنائز باب 17/52.

(2)

البيهقي: ج-4 /ص 56.

ص: 331

ما يسن في التشييع:

-1ً- أن يكون المشاة أمام الجنازة، لما روى ابن عمر رضي الله عنه قال:(رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازة)(1) ، ولأنهم شفعاء لها فيتقدمونها.

⦗ص: 332⦘

-2ً- أن يكون الراكب خلفها، لحديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، (الراكب يسير خلف الجنازة، والماشي يمشي خلفها وأمامها، وعن يمينها وعن يسارها قريباً منها)(2) .

-3ً- يسن التقريب منها.

-4ً- أن يكون المشيعون سكوتاً.

(1) الترمذي: ج-3/ الجنائز باب 26/1007.

(2)

أبو داود: ج-3/ الجنائز باب 49/3180.

ص: 331

ما يكره في التشييع:

-1ً- الركوب لمشيعيها إلا لحاجة، لأنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما ركب في جنازة ولا عيد، ولا بأس بالركوب في الانصراف، لما روى جابر بن سمرة رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم اتبع جنازة أبي الدحداح ماشياً، ورجع على فرس)(1) .

-2ً- رفع الصوت للمشيعين ولو بالذكر وقراءة القرآن وقراءة البردة والدلائل، ومن أراد منهم أن يذكر لله تعالى فليذكره في سره.

-3ً- أن تتبع الجنازة بنار أو شموع، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي أنه قال:(لا تُتْبع الجنازة بصوت ولا نار)(2) . ويحرم مصاحبة الجنازة بمنكر كالموسيقى والنائحة.

-4ً- القيام لمن مرت به جنازة، لحديث علي رضي الله عنه قال:(قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قعد)(3) .

-5ً- يكره لمن تبع الجنازة أن يجلس حتى توضع الجنازة عن الأعناق، لما روى أبو سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا اتبعتم جنازة فلا تجلسوا حتى توضع)(4) .

⦗ص: 333⦘

(1) الترمذي: ج-3/ الجنائز باب 29/1014.

(2)

أبو داود: ج-3/ كتاب الجنائز باب 46/3171.

(3)

مسلم: ج-2/ كتاب الجنائز باب 25/82.

(4)

مسلم: ج-2/ الجنائز باب 24/76.

ص: 332

دفن الميت:

حكمه: فرض على الكفاية إن أمكن، فإن لم يمكن كأن مات في سفينة بعيدة عن الشاطئ وتعسر أن ترسو على مكان يمكن دفنه فيه قبل تغير رائحته فإنه يربط بمثقل ويلقى في الماء.

أولى الناس بالدفن:

آ- الرجل: أولى الناس بدفنه أولاهم بغسله والصلاة عليه.

ب- المرأة: أولى الناس بإدخالها في القبر محارمها الأقرب فالأقرب ثم الزوج، وفي رواية: الزوج أولى من المحارم، لأن سيدنا أبا بكر دفن زوجته، فإن لم يكن فالمشايخ من أهل الدين، وعن الإِمام أحمد: النساء بعد المحارم لكن الأول أولى، لما روى علي رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا نسوة جلوس فقال: (ما يجلسكن قلن: ننتظر الجنازة قال: هل تغسلن. قلن: لا. قال: هل تحملن. قلن: لا. قال: هل تدلين فيمن يدلي. قلن: لا. قال: فارجعن مأزورات غير مأجورات)(1) .

(1) ابن ماجة: ج-1/ كتاب الجنائز باب 50/1578

ص: 333

أولى الأمكنة بالدفن وحكم الدفن فيها:

-1ً- الصحراء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدفن أصحابه في البقيع، ولأنه أقلُّ ضرراً على الأحياء من الورثة، وأشبهُ بمساكن الآخرة، وأكثر للدعاء للميت والترحم عليه.

-2ً- المقبرة، ويستحب الدفن في المقبرة التي دفن فيها الصالحون ليتنفع بمجاورتهم، كما يستحب جمع الأقارب في الدفن لتسهيل زيارتهم والترحم عليهم، روى المطلب (أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك عند رأس عثمان بن مطعون صخرة وقال: أتعلّم بها قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي) (1) .

⦗ص: 334⦘

-3ً- يجوز الدفن في البيت، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما دُفنوا في البيت، وإنما دفن صلى الله عليه وسلم في البيت كراهة أن يُتخذ قبره مسجداً، روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها وقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه: (لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، لولا ذلك أُبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً)(2) . وإن تنازع وارثان في مكان الدفن بين مقبرة وبيت دفن في المقبرة.

-4ً- ويدفن الشهيد في مصارعه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بشهداء أحد أن يردوا إلى مصارعهم وكان بعضهم قد حمل إلى المدينة.

-5ً- يحرم الدفن في المساجد وفي ملك الغير ما لم يأذن رب الملك في دفنه.

-6ً- لا يجوز دفن الذمية الحامل من مسلم في مقابر المسلمين لكفرها، ولا في مقابر الكفار لأن ولدها مسلم، بل تدفن مفردة ظهرها إلى القبلة لأن وجه الجنين إلى ظهرها. فإن لم يمكن دفنها وحدها دفنت في مقابر المسلمين.

(1) أبو داود: ج-3/ الجنائز باب 63/3206.

(2)

البخاري: ج-1/ كتاب الجنائز باب 94/1324.

ص: 333

نقل الميت من بلد إلى آخر:

يكره نقل الميت من بلد إلى آخر لغير حاجة، أما إن كانت هناك حاجة ولم يتغير بنقله فلا بأس بذلك. كأن ينقل إلى بقعة شريفة ليدفن فيها أو ليدفن في جوار رجل صالح، ولا فرق في ذلك بين أن يكون قبل الدفن أو بعده، لما روى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتلى أحد أن يردوا إلى مصارعهم وكانوا نقلوا إلى المدينة)(1) .

(1) ابن ماجة: ج-1/ كتاب الجنائز باب 28/1516.

ص: 334

دفن أكثر من ميت في قبر واحد:

لا يجوز دفن أكثر من ميت في قبر واحد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدفن كل ميت في قبره، ويحرم ذلك إلا لضرورة ككثرة الموتى وخوف تغيرهم أو لحاجة، عن

⦗ص: 335⦘

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد ثم يقول: (أيهم أكثر أخذاً للقرآن. فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد، وقال: أنا شهيد على هؤلاء وأمر بدفنهم بدمائهم، ولم يصلِّ عليهم، ولم يغسلهم)(1) . فإن دعت الحاجة إلى جمع أكثر من واحد في القبر قدّم أفضلهم إلى القبلة. وقدّم الكبير على الصغير، والذكر على الأنثى ويندب أن يفصل بين كل اثنين بتراب.

(1) البخاري: ج-1 / الجنائز باب 74/1282.

ص: 334

حكم نبش القبر:

-1ً- يحرم نبش القبر إن كان يظن بقاء شيء من عظام الميت فيه.

-2ً- يجوز نبش القبر ودفن آخر فيه إن تيقن بلاء العظام، ويرجع في ذلك إلى أهل الخبرة. بتلك الأرض. أما إن وجد عظاماً بعد نبش القبر دفنها وحُفر للميت مكان آخر.

-3ً- يجب نبش القبر إن دفن الميت فيه بغير غسل، أو دفن إلى غير القبلة، لتغسيله وتوجيهه إلا إن خيف عليه الفساد فلا ينبش. أما إن دفن قبلا الصلاة عليه ففيه وجهان: إما أن يخرج ويصلى عليه وهو الأرجح، أو يترك في القبر ويصلى عليه.

-4ً- يجوز نبش القبر ونقل الميت من مكانه إن كان هناك شيء يؤذيه.

ً- يجوز نبش القبر لأخذ مال ذي قيمة وقع فيه أثناء الدفن (1) .

-6ً- يجب نبش القبر لإخراج الميت منه إن دفن في أرض مخصوبة ولم يرض مالكها ببقائه، أو إن كفن بمغصوب وتعذر غرمه من تركته.

⦗ص: 336⦘

(1) المال اليسير الذي لا ينبش القبر لأجله هو مالا تقطع اليد به، أي ثلاثة دراهم فضة فأقل والدرهم يساوي (3. 5) غرام.

ص: 335

حكم شق بطن الميت:

-1ً- يجوز شق بطن الحامل إن توفيت وبقي جنينها حياً ويتحرك ويغلب على الظن أنه إن أُخرج يحيا إن لم يخرج من طريقه المعتاد. أما إن لم يغلب الظن أن يحيا فتجتهد القابلة في إخراجه، فإن لم يخرج تركت حتى يموت ثم تدفن.

-2ً- إن بلع الميت مالاً لغيره دون إذنه شق بطنه وأخذ، لأن فيه تخليصاً له من الإثم، إذا تعذر غرمه من تركته. فإن لم يكن له تركة تعيَّن شقه. أما إذا كان المال له ففيه وجهان: إما أن يشق بطنه لإِخراجه للوارث، أو لا يشق وهو المعتمد لأنه استهلكه في حياته ولم يتعلق به حق الوارث. وأما إن بلغ مالاً يسيراً فلا يشق بطنه ويغرّم القيمة من التركة.

ما يسن في القبر:

القبر هو حفرة في الأرض، أقله عمقاً ما يمنع ظهور الرائحة ونبش السباع له. ويسن فيه.

-1ً- تعميقه (بغير حد وتوسيعه وتحسينه، لحديث هشام بن عامر رضي الله عنه قال: شُكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجراحات يوم أحد فقال: (احفِروا وأوسِعوا وأحسنوا وادفنوا الاثنين والثلاثة في قبر واحد وقدموا أكثرهم قرآناً

) (1) . قال أبو الخطاب: يُعَمَّق قدر قامة وبسطة.

-2ً- أن يلحد له، لما روي أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال في مرضه الذي هلك فيه:(الحدو لي لحداً. وَانْصِبُوا عليَّ اللَّبن نصباً. كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم (2) .

⦗ص: 337⦘

-3ً- يسن الشق إن كانت الأرض رخوة، والشق هو أن يحفر في وسط القبر شقاً يضع الميت فيه ويسقفه عليه بشيء.

-4ً- أن يرفع القبر عن الأرض قدر شبر، لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم رفع قبره عن الأرض قدر شبر، ولا يزاد عليه من غير ترابه، لقول عقبة بن عامر رضي الله عنه:"لا تجعلوا على القبر من التراب أكثر مما خرج منه".

-5ً- أن يرش عليه الماء ليتلبد، لما روى أبو رافع رضي الله عنه قال:(سلَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سعداً ورش على قبره ماءٌ)(3) .

-6ً- وتسنيم القبر أفضل من تسطيحه، لما روى البخاري عن سفيان التمّار أنه (رأى قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسنّماً)(4) ، ولأن المسطح يشبه أبنية أهل الدنيا. ولا بأس بتعليم القبر بصخرة ونحوها لما ذكر من حديث عثمان بن مظعون رضي الله عنه، ولأنه يُعرف قبره فيكثر الترحم عليه.

(1) الترمذي: ج-4/ الجهاد باب 33/1713.

(2)

مسلم: ج-2/ كتاب الجنائز باب 29/90. واللحد: بمعنى ألحد، إذا بلغ أرض القبر حفر فيه مما يلي القبلة مكاناً يوضع الميت فيه.

(3)

ابن ماجة: ج-1/ كتاب الجنائز باب 38/1551.

(4)

البخاري: ج-1/ كتاب الجنائز باب 94/1325.

ص: 336

ما يكره في القبر:

-1ً- البناء عليه وتجصيصه والكتابة عليه، لما روى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:(نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُجصص القبر وأن يقعد عليه. وأن يبنى عليه)(1) زاد الترمذي: (وأن يكتب عليها)(2) . ولا يجوز بناء مسجدٍ عليه، لحديث عائشة رضي الله عنها المتقدم:(لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) .

-2ً- الجلوس عليه والاتكاء إليه لحديث جابر رضي الله عنه السابق.

-3ً- المشي عليه، لما روى عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لأن أمشي على جمرة أو سيف أو أخصف نعلي برجلي أحب إلي من

⦗ص: 338⦘

أن أمشي على قبر مسلم وما أبالي أوسط القبور قضيت حاجتي أو وسط السوق) (3) . أما إن لم يوجد طريق إلى قبر يزوره إلا بالوطأ جاز.

ويحرم البول والتغوط بين القبور وعليها كما يحرم في السوق لما في الحديث المتقدم عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، ويحرم إسراج القبور وكسوتها بحرير.

(1) مسلم: ج-2/ كتاب الجنائز باب 32/94.

(2)

الترمذي: ج-3/ الجنائز باب 58/1052.

(3)

ابن ماجة: ج-1/ الجنائز 45/1567.

ص: 337

وقت الدفن وحكمه:

-1ً- تسن المبادرة إلى دفن الميت عقب الصلاة عليه، ولا ينتظر حضور أحد إلا الوالي فإنه ينتظر ما لم يخش علي التغيير، وإذا مات له أقارب بدأ بمن يخاف تغيره، فإن استووا بدأ بأقربهم إليه على ترتيب النفقات، فإن استووا قدم أسنهم وأفضلهم.

-2ً- يحرم الدفن في ثلاث ساعات: حين طلوع الشمس وحين الاستواء وحين الغروب بدليل حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال: (ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن. أو أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع. وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس. وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب)(1) .

-3ً- ويجوز الدفن في سائر الأوقات ليلاً ونهاراً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم دُفن ليلاً ودَفن ذا البجادين ليلاً، لكن الدفن في النهار أولى، لما روى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوماً. فَذَكر رجلاً من أصحابه قبض فكُفِّن في كفن غير طائل، وقبر ليلاً. فزجر النبي صلى الله عليه وسلم أن يُقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه. إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك)(2) .

⦗ص: 339⦘

(1) مسلم: ج-1/ كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب 51/293.

(2)

مسلم: ج-2/ كتاب الجنائز باب 15/293. وكفن غير طائل: أي حقير، غير كامل الستر.

ص: 338

كيفية إدخال الميت إلى القبر:

يُسلّ الميت من قبل رأسه، بأن يجعل رأسه عند رجلي القبر ثم يُسلّ سلاً، وإن كان الأسهل غير ذلك فُعِل. ويقول الذي يدخله:"بسم الله وعلى ملة رسول الله " صلى الله عليه وسلم، ويوضع في اللحد ى جانبه الأيمن مستقبل القبلة، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخله إزاره وليتوسد يمينه

) (1) ، ويُوسَّد رأسه بلبنة أو نحوها كالحي إذا نام، ويُجعل خلفه تراباً يسنده لئلا يستلقي على قفاه وإن وطأ تحته بقطيفة فلا بأس، لأن النبي صلى الله عليه وسلم تُرك تحته قطيفة كان يفرشها. وينصب عليه اللبن نصباً، لحديث سعد رضي الله عنه المتقدم. ويكره الدفن في التابوت وأن يدخل القبر آجراً أو خشباً أو شيئاً مسته النار لأن آلة بناء المترفين. ويكره أيضاً شق الكفن وإنما يستحب حل العقد فقط. ويستحب أن يُحثى التراب في القبر ثلاث حثيات (2) ، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة ثم أتى قبر الميت فحثى عليه من قبل رأسه ثلاثاً) (3) ثم يهال عليه التراب.

ولا يغطى قبر الرجل أثناء الدفن، لما روى البيهقي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه (أنه أتاهم - قال: ونحن ندفن ميتاً وقد بسط الثوب على قبره فجذب الثوب من القبر وقال: إنما يصنع هذا بالنساء) (4) ، ويستحب ذلك لهن لئلا ينكشف من المرأة شيء فيراه الحاضرون.

⦗ص: 340⦘

(1) مسند الإِمام أحمد: 2 /ص 432.

(2)

عند الشافعية والأحناف يقال ن الأولى: "منها خلقناكم" وعند الثانية: "وفيها نعيدكم" عند الثالثة: "ومنها نخرجكم تارة أخرى".

(3)

ابن ماجة: ج-1/ كتاب الجنائز باب 44/1565.

(4)

البيهقي: ج-4 /ص.

ص: 339

تاقين اليت بعد الدفن (1) :

يسن تلقين الميت بعد الدفن، لما روى سعيد بن عبد الله الأزدي قال: شهدت أبا أمامة رضي الله عنه وهو في النزع فقال: إذا أنا مت فاصنعوا بي كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:(إذا مات أحد من إخوانكم، فسويتم التراب على قبره، فليقم أحدكم على رأس قبره ثم ليقل: يا فلان ابن فلانة فإنه يستوي قاعداً، ثم يقول: يا فلان ابن فلانة، فإنه يقول: أرشدنا رحمك الله، ولكن لا تشعرون. فليقل: اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وأنك رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً، وبالقرآن إماماً)(2) .

(1) سئل أحمد رضي الله عنه عن تلقين الميت في قبره فقال: ما رأيت أحداً يفعله إلا أهل الشام.

(2)

رواه الطبراني، مجمع الزوائد: ج-3 /ص 45.

ص: 340

البكاء على الميت:

حكمه:

-1ً- مباح: يباح البكاء على الميت إذا لم يكن معه ندب ولا نياحة، لما روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:(اشتكى سعد بن عبادة شكوى له فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده مع عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود فلما دخل عليه وجده في غشيَّةٍ فقال: أقد قضى؟ قالوا: لا. يا رسول الله. فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما رأى القوم بكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بكوا. فقال: ألا تسمعون؟ إن الله لا يُعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولا يعذب بهذا - وأشار إلى لسانه - أو يَرحم)(1) .

⦗ص: 341⦘

-2ً- يحرم لطم الخدود وشق الجيوب والدعاء بدعوى الجاهلية، لما روى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعاوي الجاهلية)(2) .

-3ً- يحرم الندب وعد محاسن الميت كقوله: واجملاه واسنداه. ويحرم النوح، لما روت أم عطية رضي الله عنها قالت:(أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في البيعة ألا تَنُحْنَ)(3) .

وينبغي للمصاب أن يستعين بالله تعالى وبالصبر والصلاة ويسترجع ولا يقول إلا خيراً، لما روت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون. اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها - إلى أَجره الله في مصيبته. وأخلف له خيراً منها.

قالت: فلما توفي أبو سلمة قلت كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأخلف الله لي خيراً منه. رسول الله صلى الله عليه وسلم (4) .

(1) مسلم: ج-2/ كتاب الجنائز باب 6/12.

(2)

البخاري: ج-1/ كتاب الجنائز باب 37/1235.

(3)

مسلم: ج-2/ كتاب الجنائز باب 10/32.

(4)

مسلم: ج-2/ كتاب الجنائز باب 2/4.

ص: 340

التعزية:

حكمها:

-1ً- سنة لمسلم مصاب بمسلم سواء الصغير والكبير والنساء والرجال، إلا المرأة الشابة فلا يعزيها إلا محارمها دفعاً للفتنة، وكذا الصغير الذي لا يميز، لما روى ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من عزى مصاباً فله مثل أجره)(1) .

-2ً- لا تجوز التعزية لأهل الذمة (على إحدى الروايتين)، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام وإذا

⦗ص: 342⦘

لقيتم أحدهم في الطريق فاضطروهم إلى أضيقه) (2) ، وفي الرواية الأخرى جائز قياساً على جواز عيادة مريضهم، لما روى أنس بن مالك رضي الله عنه (أن غلاماً يهودياً كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقعد عند رأسه فقال له: أسلم فنظر إلى أبيه وهو عند رأسه فقال: أطع أبا القاسم.

فأسلم فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه بي من النار) (3) وقتها:

تجوز التعزية قبل الدفن لكن بعده أولى، ويستمر وقتها إلى ثلاثة أيام بلياليهن بعد الدفن ويكره لأهل المصيبة الجلوس لقبول العزاء سواء في المنزل أم في غيره.

(1) البيهقي: ج-4 /ص 59.

(2)

الترمذي: ج 1/ كتاب السير باب 41/ 1602.

(3)

مسند الإِمام أحمد: ج-3 /ص 280.

ص: 341

صيغتها:

-1- مسلم مصاب بمسلم: أعظم الله أجرك، وأحسن عزاءك، ورحم ميتك.

ويقول المعزَّى: استجاب الله دعاءك، ورحمنا وإياك.

-2ً- مسلم مصاب بكافر: أعظم الله أجرك، وأحسن عزاءك.

-3ً- غير مسلم مصاب بمسلم: أحسن الله عزاءك، وغفر لميتك. بناء على الرواية المرجوحة في جواز تعزيته.

-4ً- غير مصاب بغير مسلم: خلف الله عليك ولا نقص عددك. بناء على الرواية المرجوحة.

زيادة القبور:

حكمها:

-1ً- سنة للرجال، لما روى بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

⦗ص: 343⦘

(نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها)(1)، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (

فزوروا القبور فإنها تذكر الموت) (2) .

-2ً- مكروه للنساء على إحدى الروايتين، لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال:(لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور)(3)، فلما زال التحريم بالنسخ بقية الكراهية لأن المرأة قليلة الصبر فلا يؤمن تهيج حزنها برؤية قبور الأحبة وهو المذهب. وفي رواية: مباح، لما روى البيهقي عن عبد الله بن أبي مليكة (أن عائشة رضي الله عنها أقبلت ذات يوم من المقابر فقلت لخا يا أم المؤمنين من أين أقبلت قالت من قبر أخي عبد الرحمن بن أبي بكر. فقلت لها: أليس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن زيارة القبور قالت: نعم كان نهى ثم أمر بزيارتها) (4) .

-3ً- محرمة على النساء إذا علمن أنه يقع منهن محرَّم.

(1) مسلم: ج-2/ كتاب الجنائز باب 36/106.

(2)

مسلم: ج-2/ الجنائز باب 36/105.

(3)

أبو داود: ج-3/ كتاب الجنائز باب 82/3236.

(4)

البيهقي: ج-4 /ص 78.

ص: 342

كيفية الزيارة:

عن بريدة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر. فكان قائلهم يقول: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين. وإنا إن شاء الله، للاحقون. أسأل الله لنا ولكم العافية)(1)، وفي رواية عن عائشة رضي الله عنها:(ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين)(2) .

وللزائد أن يزيد: "اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم".

⦗ص: 344⦘

ويستحب لمن دخل المقبرة خلع نعليه، إلا لحاجة كأن يخاف الشوك. وأن يقف أمام القبر قريباً منه.

كما يسن لزائر الميت فعل ما يخفف عن الميت ولو يجعل جريدة رطبة على القبر، وأن يتجنب المنكر لأن الميت يتأذى بذلك وينتفع بالخبر.

وأفضل وقت للزيارة يوم الجمعة قبل طلوع الشمس.

(1) مسلم: ج-3/ كتاب الجنائز باب 35/104.

(2)

مسلم: ج-3/ كتاب الجنائز باب 35/103.

ص: 343

ما ينتفع به الميت بعد موته:

ينتفع الميت بدعاء إنسان، أو يتصدقٍ عنه، أو بقضاء دين واجب عليه، لأن الله تعالى قال:{والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان} (1)، ولما روت عائشة رضي الله عنها (أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أمي افّتُلَتِت نفسها، وأظنها لو تكلمت تصدقت، فهل لها أجر إن تصدقت عنها؟ قال: نعم) (2) .

وإن فعل المكلف عبادة بدنية كالقراءة والصلاة والصوم وجعل ثوابها للميت نفعة أيضاً، لأن المسلمين يجتمعون في كل مصر ويقرؤون القرآن ويهدون ثوابه لموتاهم ولم ينكر منكر فكان إجماعاً.

⦗ص: 345⦘

(1) الحشر: 10.

(2)

البخاري: ج-1/ كتاب الجنائز باب 93/1322.

ص: 344