المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الفصل الثالث - فقه العبادات على المذهب الحنبلي

[سعاد زرزور]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المؤلفة

- ‌تقديم الشيخ أحمد الشامي، مفتي دوما وعالمها

- ‌لمحة عن حياة الإمام أحمد

- ‌نسبه:

- ‌طلبه للعلم ومنزلته العلمية:

- ‌محنته:

- ‌كتبه:

- ‌تلاميذه:

- ‌أولاده:

- ‌متن الكتاب

- ‌تعريف الفقه

- ‌كتاب الطهارة

- ‌الباب الأول (تعريف الطهارة)

- ‌الباب الثاني (الأعيان الطاهرة والأعيان النجسة)

- ‌الباب الثالث (أحكام التخلي)

- ‌الباب الرابع (الوضوء)

- ‌الباب الخامس (الغسل)

- ‌الباب السادس (التيمم)

- ‌الباب السابع (الحيض والاستحاضة والنفاس)

- ‌كتاب الصلاة

- ‌الباب الأول (تعريف الصلاة)

- ‌الباب الثاني (الأذان والإقامة)

- ‌الباب الثالث (شروط الصلاة)

- ‌الباب الرابع

- ‌الفصل الأول

- ‌الفصل الثاني

- ‌الفصل الثالث

- ‌الفصل الرابع

- ‌الفصل الخامس

- ‌الباب الخامس (صلاة التطوع)

- ‌الفصل الأول

- ‌الفصل الثاني

- ‌الفصل الثالث

- ‌الفصل الرابع

- ‌الباب السادس (صلاة الجماعة)

- ‌الباب السابع (صلاة الجمعة)

- ‌الباب الثامن (صلاة المسافر)

- ‌الفصل الأول

- ‌الفصل الثاني

- ‌الباب التاسع (صلاة الخوف)

- ‌الباب العاشر (الجنائز)

- ‌كتاب الزكاة

- ‌الباب الأول

- ‌الباب الثاني (محال الزكاة)

- ‌الباب الثالث (زكاة الفطر)

- ‌الباب الرابع (أداء الزكاة)

- ‌الباب الخامس (صدقة التطوع)

- ‌كتاب الصيام

- ‌الباب الأول

- ‌الباب الثاني (الاِعتكاف)

- ‌كتاب الحج

- ‌الباب الأول

- ‌الباب الثاني (أركان الحج)

- ‌الباب الثالث (واجبات الحج)

- ‌الباب الرابع (سنن الحج)

- ‌الباب الخامس

- ‌الفصل الأول

- ‌الفصل الثاني

- ‌الفصل الثالث

- ‌الفصل الرابع

- ‌الفصل الخامس

- ‌الفصل السادس

- ‌الباب السادس (العمرة)

- ‌الباب السابع (الهدي)

الفصل: ‌ ‌الفصل الثالث

‌الفصل الثالث

ص: 216

النوافل التي تسن فيها الجماعة

-1ً- صلاة التراويح:

وهي قيام رمضان.

حكمها: سنة مؤكدة.

عددها: عشرون عند أكثر أهل العلم. وقال مالك: الاختيار (36) ركعة. والدليل على أنها عشرون ما روى البيهقي عن السائب بن يزيد الصحابي رضي الله عنه قال: (كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، في شهر رمضان، بعشرين ركعة، وكانوا يقومون بالمئين، وكانو يتوكؤون على عصيهم في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه من شدة القيام)(1) .

أما الدليل على سنيتها وعلى سنية صلاتها جماعة ما روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)(2) وما رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد ذات ليلة. فصلى بصلاته ناس. ثم صلى من القابلة. فكثر الناس. ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة. فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبح قال: قد رأيت الذي صنعتم. فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم) وذلك في رمضان (3) .

⦗ص: 317⦘

فكان الناس يصلون لأنفسهم حتى جمعهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته - على أبي بن كعب رضي الله عنه، وصاروا يصلونها عشرين كل اثنتين بنية ويوتر بهم الإمام بثلاث ركعات. وسميت التراوح لأنهم كانوا يجلسون بين كل أربع ركعات يستريحون.

وقتها: من صلاة العشاء إلى الوتر. ولا بد من التراويح قبل الوتر. ولا تستحب الزيادة على الختمة فيها لئلا يشق على الناس كما لا يستحب بأقل من ذلك. ولا يكره تعقيبها بنافلة جماعة لأن أنساً رضي الله عنه قال ما يرجعون إلا لخير يرجونه أو لشر يحذرونه.

واختلف في قيام ليلة الشك فقامها القاضي ومنعها القاضي ومنعها أبو حفص العكبري لأن الأصل بقاء شعبان.

(1) البيهقي: ج-2/ 496.

(2)

البخاري: ج-1/ كتاب صلاة الترويح باب 1/1905.

(3)

مسلم: ج-1/ كتاب صلاة المسافرين باب 25/177.

ص: 216

-2ً- التطوع المطلق:

وهو مشروع في الليل والنهار لكن تطوع الليل أفضل، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(أفضل الصلاة، بعد الفريضة صلاة الليل)(1) . والنصف الأخير أفضل وبعد النوم أفضل، لأن الناشئة المعينة في قوله تعالى:(إن ناشئة الليل هي أشد وطأ)(2) ، لا تكون إلا بعد الرقدة، ومن لم يرقد فلا ناشئة له. ومعنى أشد وطأً: أي تثبيتاً تفهم ما تقرأ وتعي أذنك، عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله وهل من ساعة أقرب إلى الله تعالى من أخرى قال: (جوف الليل الآخر)(3)، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(أحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام، وأحب الصيام إلى الله صيام داود، وكان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه)(4) .

⦗ص: 218⦘

(1) مسلم: ج 2 / كتاب الصيام باب 38/202.

(2)

المزمل: 6.

(3)

مسند الإمام أحمد: ج-4/ ص 114.

(4)

البخاري: ج-1/ كتاب التهجد باب 7/1079.

ص: 217

ما يستحب للمتهجد:

-1ً- أن يذكر الله تعالى إذا استيقظ من نومه، كأن يقول: لا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله

-2ً- أن ينوي عند نومه قيام الليل ليحوز ما في حديث أبي الدرداء رضي الله عنه يبلغ به عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم يصلي من الليل فغلبته عيناه حتى أصبح له ما نوى، وكان نومه صدقة عليه من ربه عز وجل (1) .

-3ً- أن يفتتح صلاته بركعتين خفيفتين، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذ قام أحدكم من الليل فليصلِّ ركعتين خفيفتين)(2) .

-4ً- يستحب أن تكون له ركعات معلومة يقرأ فيها حزبه من القرآن، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قل)(3)، وعنها أيضاً قالت:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن يَفْرُغ من صلاة العشاء - وهي التي يدعو الناس العتمة - إلى الفجر إحدى عشر ركعة يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة. فإذا سكت المؤذن من صلاة الفجر، وتبين له الفجر، وجاءه المؤذن، قام فركع ركعتين خفيفتين. ثم اضطجع على شقه الأيمن. حتى يأتيه المؤذن للإقامة)(4) . أما القراءة فيخير بين الجهر والإسرار.

⦗ص: 219⦘

-5ً- يستحب أن يختم القرآن في كل سبع، لما روى عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: يا رسول الله في كم أقرأ القرآن؟ قال: في شهر قال: إني أقوى من ذلك

قال: أقرأه في سبع) (5) .

-6ً- يستحب أن يصلي مثنى مثنى لا يزيد على ركعتين، لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قام رجل فقال: يا رسول الله كيف صلاة الليل؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى

) (6) .

أما صلاة النهار فله أن يتطوع بأربع لكن الأفضل التثنية لأنه أبعد من السهو.

-7ً- أن يكثر من الركوع والسجود لأنه أفضل من إطالة القيام.

والتطوع في البيت أفضل لحديث زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة)(7) .

ويجوز التطوع إما منفرداً أو في جماعة، لما ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان أكثر تطوعه منفرداً، وأنه أمَّ ابن عباس رضي الله عنهما في التطوع مرة وحذيفة رضي الله عنه مرة فدل على جواز الجميع.

ويجوز أن يتطوع جالساً، لما روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: حدِّثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة الرجل قاعداً نصف الصلاة)(8) ، ويستحب أن يكون في حال القيام متربعاً ليخالف حالة الجلوس، ويثني رجليه حال السجود لأن حال الركوع كحال القيام، عن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في شيء من صلاة الليل جالساً حتى إذا كَبِرَ قرأ

⦗ص: 220⦘

جالساً. حتى إذا بقي عليه من السورة ثلاثون أو أربعون آية، قام فقرأهن، ثم ركع) (9) . وإن شاء ركع من قعود.

(1) النسائي: ج-3 /ص 258.

(2)

أبو داود: ج-2 / كتاب الصلاة باب 313/1323.

(3)

مسلم: ج-1 / كتاب صلاة المسافرين باب 30/218.

(4)

مسلم: ج-1 / كتاب صلاة المسافرين باب 17/122.

(5)

أبو داود: ج-2 / كتاب الصلاة باب 325/1390.

(6)

مسلم: ج-1 / كتاب صلاة المسافرين باب 20/147.

(7)

البخاري: ج-1/ كتاب الجماعة والإمامة باب 52/698.

(8)

مسلم: ج-1 / كتاب صلاة المسافرين باب 16/120.

(9)

مسلم: ج-1 / كتاب صلاة المسافرين باب 16/111.

ص: 218

-3ً- صلاة العيدين:

تعريف: العيد من العَوْد، وسمي عيداً لأنه يعود ويتكرر.

حكمها:

-1ً- فرض كفاية على كل من تلزمه صلاة الجمعة فلا تقام إلا حيث تقام الجمعة. والدليل على ذلك مداومته صلى الله عليه وسلم عليها وكذلك الخلفاء من بعده، لأنها من شعائر الإسلام الظاهرة فكانت فرض كفاية كالجهاد. ولا تجب على الأعيان لما روى طلحة بن عبيد الله أنه جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد يسأله عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(خمس صلوات في اليوم والليلة. فقال: هل عليَّ غيرهن؟ قال: لا، إلا أن تطوَّع)(1) . وإن اتفق أهل بلد على تركها قاتلهم الإمام لتركهم شعيرة من شعائر الإسلام الظاهرة فأشبه تركهم الأذان.

ويشترط لصحتها الاستيطان والعدد، لأنها صلاة لها خطبة راتبة أشبهت الجمعة، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم وافق العيد في حجته ولم يصل.

-2ً- سنة لمن فاتته الصلاة مع الإمام، وقد ورد عن أنس رضي الله عنه أنه كان إذا لم يشهد العيد مع الإمام جمع أهله ومواليه ثم قام عبد الله بن أبي عتبة مولاه فصلى بهم ركعتين يكبر فيهما.

-3ً- يستحب خروج النساء لما روت أم عطية رضي الله عنها قالت: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والأضحى. العواتِقَ والحُيَّضَ وذواتِ الخُدُود. فأما الحيض فيعتزِلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين

) (2) ،

⦗ص: 221⦘

ولكن لا يلبسن ثوب شهرة ولا يتطيبن، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، ولكن ليخرُجن وهن تفلات)(3) .

مشروعيتها: شرعت في السنة الأولى للهجرة. روى أبو داود عن أنس رضي الله عنه قال: (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله أبدلكم بهما خيراً منهما: يوم الأضحى، ويوم الفطر)(4) .

وقتها: من حِلّ النافلة (أي حين ترتفع الشمس) إلى ما قبيل الزوال، فإذا زالت الشمس وهو فيها فسدت إن حصل الزوال قبل القعود قدر التشهد) ومعنى فسادها أنها تنقلب نفلاً. فإن لم يعلم بها إلا بعد الزوال خرج الإمام من الغد فصلى بالمسلمين، لما روى أبو عمير بن انس عن عمومة له من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن ركباناً جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشهدون أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمرهم أن يُفطروا وإذا أصبحوا أن يغدوا إلى مصلاهم)(5) .

ويسن تقديم صلاة الأضحى وتأخير صلاة الفطر، لما روى أبو الحويرث رضي الله عنه قال:(أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى عمرو بن حزم وهو بنجران أن عجل الأضحى وأخر الفطر)(6) ، ولأن السنة إخراج الفطرة قبل صلاة الفطر ففي تأخير الصلاة توسيع لوقتها، أما الأضحية فلا تجوز إلا بعد الصلاة ففي تعجيل صلاة عيد الأضحى مبادرة إلى الأضحية.

كيفيتها: هي ركعتان عاديتان يقرأ في كل واحدة الفاتحة وسورة ويجهر بالقراءة، لما روي عن عمر رضي الله عنه قال:(صلاة السفر ركعتان وصلاة الجمعة ركعتان والفطر والأضحى ركعتان تمام غير قصر على لسان محمد صلى الله عليه وسلم (7) .

ويشترط لصحتها ما يشترط لصلاة الجمعة غير الخطبة.

⦗ص: 222⦘

(1) مسلم: ج-1/ كتاب صلاة المسافرين باب 16/111.

(2)

مسلم: ج-1/ كتاب الإيمان باب 2/8.

(3)

مسلم: ج-2/ كتاب صلاة العيدين باب 1/12.

(4)

أبو داود: ج-1/ كتاب الصلاة باب 53/565.

(5)

أبو داود: ج-1/ كتاب الصلاة باب 245/1134.

(6)

أبو داود: ج-1/ كتاب الصلاة باب 255/1157.

(7)

البيهقي: ج-3 /ص 282.

(8)

ابن ماجة: ج-1/ كتاب إقامة الصلاة باب 73/1064.

ص: 220

سننها:

-1ً- يسن أن يقرأ فيها بـ (سبح اسم ربك الأعلى) و (هل أتالك حديث الغاشية) لحديث النعمان بن بشير برواية مسلم.

-2ً- أن يكبر في الركعة الأولى ست تكبيرات عدا تكبيرة الإحرام، وموضع التكبير بعد الاستفتاح وقبل الاستعاذة والقراءة في الركعتين، وإن نسي التكبير بعد الاستفتاح وقبل الاستعاذة والقراءة في الركعتين، وإن نسي التكبير بعد الاستفتاح حتى شرع في القراءة لم يعد إليه، لأنه سنة فلا يعود إليها بعد شروعه في القراءة كالاستفتاح ومن سُبق بالتكبير أو ببعضه لم يقضه لأنه سنة فات محلها. وإن أدرك الإمام في التشهد قام إذا سلم الإمام فقضى ركعتين يكبر فيهما، وإن أدركه في الخطبة استمع ثم قضى الصلاة إن أحب. وفي صفة القضاء ثلاث روايات: إحداهن: يقضيها على صفتها لما روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه كان إذا فاته العيد يأمر مولاهم ابن أبي عتبة بالزاوية، فجمع أهله وبنيه، وصلى كصلاة المصر وتكبيرهم (1) ، ولأن قضاء صلاةٍ فكان على صفتها كغيرها.

الثانية: يصليها أربعاً بسلام واحد إن أحب أو بسلامين، لما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:(من فاته العيد فليصلِّ أربعاً)(2) ، ولأنها صلاة عيد فإذا فاتت صليت أربعاً كالجمعة.

والثالثة: يخير بين صلاة ركعتين وأربع، ولأنه تطوع نهار فكانت الخيرة فيه إليه كالضحى.

ويستحب أن يكبر في الركعة الثانية خمس تكبيرات سوى تكبيرة القيام، لما روت عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان يكبر في الفطر والأضحى في

⦗ص: 223⦘

الأولى سبع تكبيرات وفي الثانية خمساً) (3) واعتد بتكبيرة الإحرام لأنها في حال القيام ولم يعتد بتكبيرة القيام لأنها قبله.

-3ً- يسن أن يرفع يديه مع كل تكبيرة.

-4ً- أن يحمد الله ويثني عليه ويصلي علة النبي صلى الله عليه وسلم بين كل تكبيرتين، وإن أحب قال: الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا، وصلى الله على محمد النبي الأمي وآله وسلم تسليما.

-5ً- يسن أن يصليها في المصلى، لأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده كانوا يفعلونها فيه، ويستحب أن يستخلف على ضعفة الناس من يصلي بهم في المسجد. وإن كان هناك عذراً من مطر أو نحوه صلاها في المسجد، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه (أنه أصابهم مطر في يوم عيد فصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العيد في المسجد)(4) .

-6ً- يسن لها خطبتان كخطبتي الجمعة ولكن بعد الصلاة، لما روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما يصلون العيدين قبل الخطبة)(5) . ولا يجب استماعهما ولا الإنصات لهما، لما روى عبد الله بن السائب رضي الله عنه قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد، فلما قضى الصلاة قال:(إنا نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس، ومن أحب أن يذهب فليذهب)(6)

⦗ص: 224⦘

(1) البخاري: ج-1/ كتاب صلاة العيدين باب 25 معلقاً.

(2)

فتح الباري: ج-2 /ص 475، وذكر أنه أخرجه سعيد بن منصور بإسناد صحيح.

(3)

أبو داود: ج-1/ كتاب الصلاة باب 251/1149.

(4)

أبو داود: ج-1/ كتاب الصلاة باب 257/1160.

(5)

البخاري: ج-1/ كتاب صلاة العيدين باب 8/920.

(6)

أبو داود: ج-1/ كتاب الصلاة باب 253/1155.

ص: 222

سنن الخطبتين:

-1- أن يستفتح الأولى بتسع تكبيرات متواليات والثانية بسبع، ويكثر التكبير أثناء الخطبة.

-2- أن يحثهم في خطبة الفطر على إخراج الفطرة، ويبين له ما يخرجونه ووقته وجنسه، وأن يرغبهم في خطبة الأضحى في الأضحية، ويبين له ما يجزئ فيها، ووقت ذبحه، ويحثهم على الإطعام منها، لأن الأضحى وقت هذا النسك فشرع تبيينه.

أركان خطبتي العيدين: هي أركان خطبتي الجمعة.

-1- حمد الله تعالى.

-2- الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتعين لفظ الصلاة.

-3- قراءة آية من كتاب الله تعالى، ويلزم أن يكون لهذه الآية معنى مستقل، أو أن تكون مشتملة على حكم من الأحكام فلا يكفي أن يقرأ قوله تعالى:(مدهامتان) .

-4- الوصية بتقوى الله تعالى وأقلها أن يقول: اتقوا الله واحذروا مخالفة أمره أو نحو ذلك.

-5- الموالاة بين الخطبتين وبين الصلاة وبينهما.

-6- الجهر بهما بحيث يسمع العدد المعتبر.

-7- كونهما بالعربية مع القدرة.

- ولا يسن لصلاة العيدين أذان ولا إقامة، لما روى عطاء قال: أخبرني جابر (أن لا أذان للصلاة يوم الفطر حين يخرج الإمام ولا بعد ما يخرج. ولا إقامة

⦗ص: 225⦘

ولا نداء

) (1)، وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال:(صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العيدين غير مرة ولا مرتين بغير أذان ولا إقامة)(2) .

(1) مسلم: ج-2/ كتاب صلاة العيدين /5.

(2)

مسلم: ج-2/ كتاب صلاة العيدين /7.

ص: 224

ما يسن يوم العيد:

-1ً- أن يأكل في يوم الفطر قبل الصلاة وأن يمسك في يوم الأضحى حتى يصلي، لحديث

بريدة رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي)(1) .

-2ً- أن يفطر على تمرات، وأن يكون عددها وتراً، لما روى أنس رضي الله عنه قال:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات) وفي لفظ: (يأكلهن وتراً)(2) .

-3ً- الغسل لصلاة العيد أي لمن يريد حضورها، وأول وقته من الفجر ويستمر إلى صلاة العيد، وقال ابن عقيل: المنصوص عن الإمام أحمد أنه يصبح قبل الفجر.

-4ً- التطيب والتنظف والسواك، لما روي عن ابن السباق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في يوم جمعة:(يا معشر المسلمين هذا يوم جعله الله عيداً للمسلمين فاغتسلوا ومن كان عنده طيب فلا يضره أن يمسح منه وعليكم بالسواك)(3) فعلل ذلك بأنه يوم عيد، ولأن هذا يوم مشروع فيه الاجتماع للصلاة فأشبه الجمعة.

-5ً- لبس أحسن الثياب، لما روي عن جابر رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلبس برده الأحمر في العيد والجمعة)(4) ، إلا أن المعتكف يستحب له الخروج في ثياب اعتكافه ليبقى عليه أثر العبادة.

⦗ص: 226⦘

-6ً- يستحب أن يبكر إليها المأموم ماشياً مظهراً للتكبير، لما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال:(من السُّنة أن تخرج إلى العيد ماشياً، وأن تأكل شيئاً قبل أن تخرج)(5) .

-7ً- أن يغدو من طريق ويرجع من غيره، لحديث جابر رضي الله عنه قال:(كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد، خالف الطريق)(6) .

-8ً- أن لا يتنفل قبل الصلاة ولا يعدها في موضع الصلاة ولا في المسجد ولا في المصلّى إماماً كان أو مأموماً، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوم أضحى أو فِطر فصلى ركعتين. لم يصل قبلها ولا بعدها)(7) . ولا بأس أن يصلي بعد رجوعه، لما روى أبو سعيد رضي الله عنه قال:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي قبل العيد شيئاً فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين)(8) .

-9ً- يسن التكبير المطلق (وهو الذي لم يقيد بصلاة) في ليلتي العيدين للرجال والنساء (إلا أن النساء لا تجهر به) في البيوت والأسواق والمساجد وغير ذلك. والتكبير في ليلة عيد الفطر آكد بدليل قوله تعالى: (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم)(9) . وعن علي رضي الله عنه أنه كان يكبر حتى يسمع أهل الطريق.

ويبدأ وقته من غروب شمس ليلة عيد الفطر ومن أول ذي الحجة في عيد الأضحى إلى فراغ الإمام من الخطبتين.

⦗ص: 227⦘

-10ً- يسن التكبير المقيد (أي عقب الصلوات المفروضة) في عيد الأضحى، ويبدأ وقته من صلاة فجر يوم عرفة ويمتد إلى عصر آخر أيام التشريق لغير الحاج، أما الحاج المحرم فمن صلاة ظهر يوم النحر إلى آخر أيام التشريق. والأدلة على ذلك أنه قيل لأحمد رضي الله عنه بأي حديث تذهب إلى أن التكبير من صلاة الفجر يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق؟ قال: بالإجماع عن عمر وعلي وابن عباس وابن مسعود رضوان الله عليهم، وما روي عن جابر رضي الله عنه قال:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح من غداة عرفة يقبل على أصحابه فيقول: على مكانكم ويقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد فيكبر من غداة عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق)(10) .

صفة التكبير المشروع الله أكبر. الله أكبر. لا إله إلا الله. الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، لما ورد في حديث جابر رضي الله عنه، ولأنه تكبير خارج الصلاة فكان شفعاً كتكبير الأذان.

موضعه عقب الصلوات المكتوبة أداءً وقضاءً لفائتة عام هذا العيد، ومن فاتته صلاة في أيام التكبير فقضاها في غير أيام التكبير لم يكبر، لأن التكبير مقيد بوقت.

ولا يشرع التكبير عقب النوافل، لأنه لا أذان لها فلا يكبر بعدها كصلاة الجنازة. وإن سُبق الرجل ببعض الفريضة كبّر إذا سلم.

شروط تكبير المقيد:

-1ً- أن يصلي في جماعة، لأنه مخصوص بوقت محض في جماعة كالخطبة. والمسافر كالمقيم في التكبير والمرأة كالرجل. قال البخاري: (وكان النساء يكبرن

⦗ص: 228⦘

خلف أبان بن عثمان، وعمر ن عبد العزيز، ليال التشريق ممع الرجال في المسجد) (11) ، ويخفض أصواتهن حتى لا يسمعهن الرجال.

-2ً- أن يكبر المأموم مستقبلاً القبلة، أما الإمام فيس له أن يكبر مستقبلاً الناس.

-3ً- أن يكون التكبير عقب الصلاة مباشرة وقبل أذكار الصلاة، فإن نسي التكبير استقبل القبلة وكبر ما لم يطل الفصل أو يخج من المسجد أو يحدث، ولو لم يكبر الإمام.

(1) الترمذي: ج-2/ الصلاة باب 390/542

(2)

البخاري: ج-1/ كتاب العيدين باب 4/910

(3)

الموطأ (شرح الزرقاني) : كتاب الطهارة باب 17 /ص 46.

(4)

البيهقي: ج-3 /ص 247.

(5)

الترمذي: ج-2/ الصلاة باب 382/530.

(6)

البخاري: ج-1/ كتاب العيدين باب 24/943.

(7)

مسلم: ج-1/ كتاب العيدين باب 2/13.

(8)

ابن ماجة: ج-1/ كتاب إقامة الصلاة باب 160/1293.

(9)

البقرة: 185.

(10)

الدارقطني: ج-2 /ص 50.

(11)

البخاري: ج-1/ كتاب العيدين باب 12.

ص: 225

-4ً- صلاة الكسوف:

تعريف:

الكسوف ذهاب ضوء أحد النيِّريْن (الشمس والقمر) أو بعضهما. وقيل الكسوف للشمس والخسوف للقمر، وقيل الكسوف تغيرهما والخسوف تغيبهما.

حكمها: سنة مؤكدة للمقيم والمسافر.

دليلها: عن قيس قال: سمعت أبا مسعود يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد من الناس، ولكنهما آيتان من آيات الله، فإذا رأيتموها قوموا فصلوا)(1) .

وقتها: يبدأ قتها من حين بدء الكسوف إلى حين التجلي، فإن فاتت لم تقض لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد، فإذا رأيتموها فصلوا وادعوا، حتى يُكشف ما بكم)(2) . ولأن القصد عودة النور وقد عاد كاملاً. وإن انجلت وهو في الصلاة أتمها خفيفة، وإن سلم قبل انجلائها لم يصل أخرى. ويشتغل بالذكر والدعاء، وإن استترت بغيم صلى لأن القصد بقاء

⦗ص: 229⦘

الكسوف، ويعتبر بحكم التجلي إن غابت كاسفة كانجلائها، لأنه ذهب وقت الانتفاع بنورها فلا يصلي. وكذلك القمر إن غاب ليلاً خاسفاً فلا يصلي (وقال القاضي: يصلي لأن وقت سلطانه باق) .

وإذا اجتمع الكسوف مع الجنازة بُدئ بالجنازة لأنه يخشى عليها، وإن اجتمع مع المكتوبة في آخر وقتها بُدئ المكتوبة لأنها آكد، أما إن كان في أول وقتها بُدئ بصلاة الكسوف لأنه يخشى فواتها، وإن اجتمع مع الوتر وخيف فواتها بدئ بالكسوف لأنه آكد.

أقلها: ركعان عاديتان كصلاة النفل، وتصلى فردى وجماعة.

وأقل الكمال: ركعتان، في كلٍ قيامان وركوعان وسجدتان، ويطيل القراءة والركوع والسجود، وتكون الإطالة في القيام الأول أكثر من الثاني، وفي الركوع الأول أكثر من الثاني. عن عائشة رضي الله عنها قالت:(إن الشمس خسفت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فبعث منادياً الصلاة جامعة. فاجتمعوا. وتقدَّم فكبر وصلّى أربع ركعات في ركعتين وأربع سجدات)(3) . وحكم الركوع الثاني والقيام الثاني في كل ركعة سنة لذا من أدرك الإمام فيهما لا يعتبر مدركاً لهذه الركعة كما لا تبطل الصلاة بتركهما.

وإن صلى في كل ركعة ثلاثة ركوعات على نحو ما ذكرنا جاز، لما روت عائشة رضي الله عنها (أن نبي الله صلى الله عليه وسلم صلى ست ركعات وأربع سجدات)(4) ، وإن جعل في كل ركعة أربعة ركوعات جاز أيضاً، لأنه يروى كذلك عن علي وابن عباس رضوان الله عليهم عن النبي صلى الله عليه وسلم. والمختار الوجه الأول لأنه أصح وأشهر.

(1) البخاري: ج-1/ كتاب الكسوف باب 1/994.

(2)

البخاري: ج-1/ كتاب الكسوف باب 1/994.

(3)

مسلم: ج-2/ كتاب الكسوف باب 1/4.

(4)

مسلم: ج-1/ كتاب الكسوف باب 1/7.

ص: 228

سننها وكيفيتها:

-1ً- يسن أن تصلى جماعة، وينادى لها الصلاة جامعة بلا أذان ولا إقامة.

⦗ص: 230⦘

-2ً- أن تصلى في المسجد، لفعلها فيه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

-3ً- أن يقرأ فيه الركعة الأولى بعد الفاتحة سورة (البقرة) أو نحوها، ثم يركع فيسبح نحواً من مائة آية، ثم يرفع ويقرأ بعد الفاتحة سورة (آل عمران) أو نحوها، ثم يركع فيسبح نحواً من سبعين آية، ثم يرفع، ثم يسجد سجدتين يسبح فيهما نحواً من الركوع، ثم يقوم إلى الركعة الثانية فيقرأ في القيام الأول بعد الفاتحة سورة (النساء) ، ثم يركع ويسبح نحواً من خمسين آية، ثم يرفع ويقرأ بعد الفاتحة سورة (المائدة) ، ثم يركع فيسبح نحواً من أربعين آية، ثم يرفع، ثم يسجد نحواً من ركوعه ويتشهد ويسلم وذلك ليقارب ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم فيما روته عائشة رضي الله عنه زوجه صلى الله عليه وسلم قالت: (خَسَفَت الشمس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد. فقام وكبَّر وصفّ الناس وراءه. فاقترأ رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة طويلة. ثم كبر فرفع ركوعاً طويلاً، ثم رفع رأسه فقال: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد. ثم قام فاقترأ قراءة طويلة. هي أدنى من القراءة الأولى. ثم كبر فركع ركوعاً طويلاً هو أدنى من الركوع الأول. ثم قال: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ثم سجد ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك. حتى استكمل أربع ركعات وأربع سجدات. وانجلت الشمس قبل أن ينصرف

) (1) .

-4ً- يسن أن يجهر فيها بالقراءة ليلاً صلاها أو نهاراً. عن عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر في صلاة الخسوف بقراءته)(2) .

-5ً- يسن أن يخطب الإمام بعد صلاتها خطبتان. وقال القاضي: لم يذكر لها الإمام أحمد رضي الله عنه خطبة ولم يؤثر ذلك من أحد من أصحابنا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بالصلاة دون الخطبة.

⦗ص: 231⦘

(1) مسلم: ج-2/ كتاب الكسوف باب 1/3.

(2)

مسلم: ج-2/ الكسوف باب 1/5.

ص: 229

الصلاة لغير الكسوف:

لا يُصلى لغير الكسوف من الآيات لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من خلفائه، إلا أن الإمام أحمد رضي الله عنه قال: يصلي للزلزلة الدائمة ركعتين كركعتي الكسوف، لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل الكسوف بأنه آية يخوف الله بها عباده، والزلزلة أشد تخويفاً. وأما الرجفة فلا يصلي لوقوعها لأنها لا تبقى مدة تتسع للصلاة.

-5ً- صلاة الاستسقاء:

تعريف:

الاستسقاء لغة: طلب السقيا من الله أو من الناس.

شرعاً: الدعاء بطلب العباد السقيا من الله تعالى عند حاجتهم إلى الماء كإجداب أرضٍ أو قحطِ مطرٍ أو غور ماء عيون أو أنهار أو وجود الماء مع عدم كفايته.

وقتها: هو وقت صلاة العيد.

ما يسن قبلها:

-1ً- يسن للإمام أن يعظ الناس ويأمرهم بتقوى الله والخروج عن المظالم والتوبة عن المعاصي وتحليل بعضهم بعضاً والصوم والصدقة وترك التشاحن لن المعاصي سبب القحط والتقوى سبب البركات. قال الله تعالى: (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون)(1) .

⦗ص: 232⦘

-2ً- أن يعد الإمامُ يوماً يخرجون فيه (ولا يشترط أن يكون اليوم الرابع للصيام) ، ويأمرهم أن يخرجوا على الصفة التي خرج عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم متواضعين خشعاً متضرعين متذللين، لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال:(إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج للاستسقاء متبذلاً متواضعاً متضرعاً، حتى أتى المصلّى، فلم يخطب خطبتكم هذه، ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير، وصلى ركعتين كما كان يصلي في العيد)(2) .

-3ً- يسن لحاضرها التنظيف وإزالة الرائحة الكريهة لئلا يؤذي الناس بها. ولا يسن لبس ثياب الزينة ولا التطيب لأن هذا ينافي الاستكانة والخضوع.

-4ً- يسن أن يستصحب الإمام بالخروج أهل الدين والصلاح والشيوخ والصبيان لأنه أسرع للإجابة.

-5ً- أن يستسقي الإمام بمن ظهر صلاحه، لأن عمر رضي الله عنه استسقى بالعباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستسقى معاوية والضحاك رضي الله عنهما بيزيد بن أسود الجرشي، وروي أن معاوية رضي الله عنه أمر يزيد بن الأسود فصعد المنبر فقعد عند رجليه فقال معاوية رضي الله عنه:"اللهم إنا نستشفع إليك بخيرنا وأفضلنا. اللهم إنا نستشفع إليك بيزيد بن الأسود الجرشي، يا يزيد ارفع يديك إلى الله، فرفع يديه ورفع الناس أيديهم، فما كان بأوشك من أن ثارت سحابة في القرب كأنها ترس، وهب لها ريح، فسقوا حتى كاد الناس لا يبلغوا منازلهم".

- ولا يستحب إخراج البهائم لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخرجها، وكذلك لا يستحب إخراج الكفار ولكنه مباح، فإن خرجوا لم يمنعوا لأنهم يطلبون رزقهم، لكن يفردون عن المسلمين بحيث إن أصابهم عذاب لم يصب غيرهم.

⦗ص: 233⦘

(1) الأعراف: 69.

(2)

الترمذي: ج-2/ الصلاة باب 359/558.

ص: 231

كيفية الصلاة:

الاستسقاء على ثلاثة أضرب:

الأول: أن يصلي ركعتي كركعتي العيد وقت الضحى، وأن يستفتح الركعة الأولى بسبع تكبيرات والركعة الثانية بخمس تكبيرات كركعتي العيد تماماً. ويسن أن يقرأ فيهما بـ (سبح اسم ربك الأعلى) في الأولى و (هل أتاك حديث الغاشية) في الركعة الثانية، أو أن يقرأ آيات الاستغفار من سورة نوح في الركعة الأولى وما تيسر في الركعة الثانية. ثم يسن أن يخطب الإمام بعد الصلاة خطبة.

والثاني: أن يستسقي الإمام يوم الجمعة على المنبر، لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (أن رجلاً دخل المسجد يوم جمعةٍ. من باب كان نحو دار القضاء ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب. فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً ثم قال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادعُ الله يغثنا. قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه. ثم قال: اللهم أغثنا. اللهم أغثنا. اللهم أغثنا

) (1) .

والثالث: أن يدعو عقب الصلوات. ويستحب أن يقف حتى نزول أول المطر ويخرج ليصيبها البلل، لما روى أنس رضي الله عنه في حديثه:(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته)(2) .

والسنة أن يخطب الإمام خطبة واحدة، ولكن اختلفت الروايات في وقت الخطبة هل تكون قبل الصلاة أو بعدها. قيل: أنه يخطب وقت الصلاة، لما روى عبّاد بن تميم عن عمه عبد الله بن زيد الأنصاري رضي الله عنه قال:(خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً يستسقي. فجعل إلى الناس ظهره. يدعو الله واستقبل القبلة وحوَّل رداءه. ثم صلى ركعتين)(3) . وعن الإمام أحمد: أنه مخير في الخطبة قبل

⦗ص: 234⦘

الصلاة وبعدها لأن الوجهين مرويان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقبل عنه أيضاً: يخطب بعد الصلاة، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال:(خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فصلى ركعتين بلا أذان ولا إقامة ثم خطبنا فدعا الله، وحول وجهه نحو القبلة رافعاً يديه)(4) وهذا صريح، ولأن صلاتها كصلاة العيد فخطبتها بعد الصلاة.

(1) مسلم: ج-2/ كتاب صلاة الاستسقاء باب 2/8.

(2)

البخاري: ج-1/ كتاب الاستسقاء باب 23/986.

(3)

مسلم: ج-2/ الاستسقاء /4.

(4)

البيهقي: ج-3 /ص 347.

ص: 233

سنن الخطبة:

-1- أن يستفتحها بتسع تكبيرات كخطبة العيد، ويكثر فيها من الاستغفار وقراءة الآيات التي فيها الأمر بالاستغفار مثل قوله تعالى:(استغفرو ربكم إنه كان غفاراً)(1) ولقوله: (وأن استغفروا ربكم ثم توبو إليه)(2) .

-2- أن يكثر فيها من الدعاء والتضرع، ويدعو بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم. روى ابن عباس رضي الله عنهما قال:(جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: رسول الله لقد جئتك من عند قوم ما يتزود لهم راع ولا يحظر لهم فحلٍ، فصعد المنبر فحمد الله ثم قال: اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً، مريئاً، طبقاً، مربعاً، غدقاً، عاجلاً غير رائث. ثم نزل فما يأتيه أحد من وجه من الوجوه إلا قالوا: قد أحيينا)(3) . وإذا شاء قال: "اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً، وحياً (4) ربيعاً، وجداً (5) طبقاً (6) ، غدقاً (7) مغدقاً، مونقاً (8) ، هنيئاً، مريئاً، مَريعاً (9) ، مُرْبعاً (10) ، مرتعاً (11) ،

⦗ص: 235⦘

سابلاً (12) ، مسبلاً (13) ، مجللاً، ديماُ، دروراً، نافعاً، غير ضار، عاجلاً غير رائث، اللهم تحي به البلاد، وتغيث به العباد، وتجعله بلاغاً للحاضر منها والباد، اللهم أنزل في أرضنا زينتها، وأنزل في أرضنا سكنها (14) ، اللهم أنزل علينا من السماء ماء طهوراً، فأحي به بلدة ميتة، واسقه مما خلقت أنعاماً وأناسي كثيراً". أو يدعو بهذا الدعاء:"اسقنا غيثاً مغيثاً، هنيئاً، مريئاً، غدقاً، مجللاً، طبقاُ، عاماً، سحاً، دائماً، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم إن بالعباد والبلاد من اللأواء والضنك والجهد ملا نشوه إليك، اللهم أنبت لنا الزرع، وأدر لنا الضرع، واسقنا من بركات السماء وأنزل علينا من بركاتك، اللهم ارفع عنا الجهد والجوع والعري، واكشف عنا من العذاب ما لا يكشفه غيرك، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً، فأرسل السماء علينا مدراراً".

-3- يسن أن يرفع يديه بالدعاء ظهورهما إلى السماء وبطونهما جهة الأرض، لحديث أنس رضي الله عنه قال:(كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء، وإن يرفع حتى يرى بياض إبطيه)(15) .

-4- يسن للإمام أن يستقبل القبلة أثناء الخطبة، ويدعو الله في استقباله سراً فيقول:"اللهم إنك أمرتنا بدعائك ووعدتنا إجابتك، وقد دعوناك كما أمرتنا فاستجب لنا كما وعدتنا"، ثم يحول رداءه فيجعل اليمين يساراً واليسار يميناً تفاؤلاً أن يحول الله الجدب خصباً، ولا يجعل أعلاه أسفله لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله. روى عبد الله بن زيد رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى المصلى يستسقي، وأنه لما أراد أن يدعو استقبل القبلة ثم حول رداءه)(16) . وفي رواية عند أبي داود: (وحول

⦗ص: 236⦘

رداءه، فجعل عطافه الأيمن على عاتقه الأيسر، وجعل عطافه الأيسر على عاتقه الأيمن ثم دعا الله عز وجل (17) .

-5- ويسن للمأمومين أن يؤمنوا على دعاء الإمام.

فإن سقوا قبل الصلاة صلّوا وشروا الله تعالى وسألوه المزيد من فضله، فإن كثر المطر بحيث يضرهم أو كثرت مياه العيون حتى خيف منها استحب أن يدعو الإمام الله تعالى أن يخففه، لما ورد في حديث أنس رضي الله عنه قال: (

ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب، فاستقبله قائماً، فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السُّبُل، فادعُ الله يمسكها عنا، قال فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه. ثم قال: اللهم حولنا ولا علينا. اللهم على الآكام والظّراب، ويطون الأودية، ومنابت الشجر) (18) ثم يقول:(ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا)(19) .

⦗ص: 237⦘

(1) نوح: 10.

(2)

هود: 52.

(3)

ابن ماجة: ج-1/ كتاب إقامة الصلاة باب 154/127.

(4)

الحيا: الذي يحيي به الأرض.

(5)

الجدا: المطر العام.

(6)

الطبق: الذي يطبق الأرض.

(7)

الغدق: الكثير.

(8)

المونق: المعجب.

(9)

المريع: ذو المراعة والخصب.

(10)

المُربع: المقيم من قولك ربعت بالمكان إذا أقمت به.

(11)

المرتع: من قولك رتعت الإبل إذا رعت.

(12)

السابل: المطر.

(13)

المسبل: الماطر.

(14)

السكن: القوة لأن الأرض تسكن به.

(15)

البخاري: ج-1/ كتاب الاستسقاء باب 21/984.

(16)

أبو داود: ج-1/ كتاب الصلاة باب 259/1166.

(17)

أبو داود: ج-1/ الصلاة باب 258/1163.

(18)

أبو داود: ج-1/ كتاب الصلاة باب 2/8.

(19)

البقرة: 286.

ص: 234