الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب السابع (صلاة الجمعة)
حكمها: هي فرض عين على كل من استكملت فيه شروط وجوبها، ولو اتفق أهل بلد على ترك الجمعة وصلوا الظهر لم تصح صلاتهم، فإذا خرج وقت الجمعة لزمهم إعادة الظهر.
دليلها: من القرآن قوله تعالى: {يأيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع} (1) .
ومن السنة حديث عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقوم يتخلفون عن الجمعة: (لقد هممت أن آمر رجلاً يصلي بالناس، ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم)(2)، وروى ابن ماجة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:(خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: واعلموا أن الله قد افترض عليكم الجمعة في مقامي هذا في يومي هذا، في شهري هذا، من عامي هذا، إلى يوم القيامة، من تركها في حياتي أو بعدي، وله إمام عادل أو جائر استخفافاً بها أو جحوداً لها، فلا جمع الله له شمله، ولا بارك له في أمره)(3) .
وقد انعقد إجماع الأئمة على أن صلاة الجمعة فرض عين.
⦗ص: 277⦘
(1) الجمعة: 9.
(2)
مسلم: ج-1/ كتاب المساجد باب 43/258.
(3)
ابن ماجة: ج-1/ إقامة الصلاة باب 78/1081.
شروط وجوب الجمعة:
-1ً- أن يكون مكلفاً: أي مسلماً بالغاً عاقلاً، فلا تجب على مجنون ولا على صبي.
-2ً- الذكورة: فلا تجب على الأنثى ولا على الخنثى، لأن المرأة ليست من أهل الجماعات، ولا تنعقد بهن لكنها تصح منهن وتجزؤهن عن الظهر.
-3ً- الحرية: فلا تجب على العبد ولا على من به رق ولو مبعضاً، ولكن إذا حضرها وأدَّاها فإنها تصح منه. ولكن لا تنعقد به.
-4ً- انتفاء الأعذار المسقطة للجمعة والجماعة (1) : ولا يعتبر من أصحاب الأعذار من لم يتضرر بإتيان الجمعة راكباً أو محمولاً، أو تبرع أحد بالإتيان به كقعود أعمى، فإنها تجب عليه، وكذلك لو تكلف المريض الحضور وجبت عليه وانعقدت به، لأن سقوطها كان لدفع المشقة فإذا حضر زالت المشقة وانعقدت به كالصحيح، عن طارق بن شهاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(الجمعة حق واجب على كل مسلم، في جماعة، إلا أربعة: عبد مملوك، أو إمرأة، أو صبي، أو مريض)(2) .
-5ً- الإقامة بمكان الجمعة أو قريب، (أي بينه وبين الجمعة مكان أقل من مسافة القصر) فلا تجب على المسافر إلا إذا نوى الإقامة أكثر من أربعة أيام.
- وتجب الجمعة على المسافر الذي لا يباح له القصر (أي سفره أقل من مسافة القصر أو كان سفره معصية) .
كما تجب على أهل مصر قريبهم وبعيدهم عن مكان الجمعة، لأن البلد كالشيء الواحد، بشرط أن لا يكون البعد عن صلاة الجمعة (المسجد التي تقام به الجمعة) أكثر من فرسخ.
⦗ص: 278⦘
فلو سمع أهل القرية النداء من المصر لزمهم حضورها ولم تنعقد بهم، لأنهم غير مستوطنين بها، لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(الجمعة على كل من سمع النداء)(3) ، والموضع الذي يسمع منه النداء في الغالب فرسخ) (4) ، إذا كان المؤذن صيتاً والموضع عالياً والرياح ساكنة والأصوات هادئة والعوارض منتفية.
(1) تقدّم ذكرها في صلاة الجماعة.
(2)
أبو داود: ج-1/ كتاب الصلاة باب 215/1067.
(3)
أبو داود: ج-1/ كتاب الصلاة باب 212/1056.
(4)
الفرسخ يساوي ثلاثة أميال، والميل مسيرة نصف ساعة، فالفرسخ يساوي مسيرة ساعة ونصف، ويعادل تقريباً خمسة كيلو مترات.
شروط صحة الجمعة:
-1- أن تقع في الوقت، فلا تصح قبل وقتها ولا بعده بالإِجماع.
وأول وقتها: هو أول وقت صلاة العيد، عن جعفر عن أبيه أنه سأل جابر بن عبد لله رضي الله عنهما: متى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة؟ قال: كان يصلي. ثم نذهب إلى جمالنا فنريحها. زاد عبد الله في حديثه: حين نزول الشمس) (1) .
وآخر وقتها: حين يصبح ظل كل شيء مثله عدا ظل الاستواء.
ولها وقتان:
-1ً- وقت جواز: ويبدأ من ارتفاع الشمس قدر رمح، ويستمر إلى الزوال.
-2ً- وقت وجوب: ويبدأ من الزوال فما بعده ولكن الأفضل فعلها عند الزوال صيفاً وشتاءً، فلا يقدمها عن ذلك خروجاً من الخلاف مع بقية الأئمة ولا يؤخرها فيشق على الناس، لما روى سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال:(كنا نُجمِّعُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس ثم نرجع نتتبع الفيء)(2) .
⦗ص: 279⦘
فإن خرج وقتها قبل أن يكبر للإِحرام بالجمعة صلوا ظهراً (قال في الشرح: لا نعلم فيه خلافاً) وإن أحرموا بها في الوقت فجمعة كسائر الصلوات تدرك بتكبيرة الإحرام في الوقت.
-2- أن تكون في مصر (3) أو قرية مبنية بما جرت العادة ببناء القرى به حتى ولو من قصب، مجتمعة البناء، ويسكنها أربعون من أهل الجمعة سُكنى إقامة، استيطان أي لا يظعنون عنها صيفاً ولا شتاءً) . أما أهل الخيم وبيوت الشعر فلا جمعة لهم، وتجوز إقامة الجمعة فيما قارب البنيان من الصحراء، فإن خربت القرية وبقوافيها عازمين على إصلاحها وترميمها فحكمها باقٍ، وإن عزموا على الانتقال منها زال الاستيطان. ولا يشترط لإِقامتها إذنُ الإِمام لأنها من فرائض الأعيان كالظهر.
-3- حضور أربعين بما فيهم الإِمام ممن تنعقد بهم الجمعة الصلاة والخطبة ولو كان فيهم خرس أو صمم بعضهم لا كلهم، فإن نقصوا قبل إتمامها استأنفوا ظهراً نص عليه. وقال في الكافيء قياس المذهب أنهم إن نقصوا بعد إتمام الركعة أتموها جمعة، أما إن نقصوا قبل إتمام الركعة استأنفوا ظهراً ما لم يمكن إعادتها جمعة بشروطها، فلو حضر الأربعون جميع الخطبة وبعض الصلاة ثم انصرفوا بعد مجيء بدلهم صحت الجمعة، أما لو نقص العدد عن الأربعين في أثناء الصلاة قبل حضور من يكمله فإنها تبطل وتجب إعادتها جمعة إن أمكن.
-4- أن يتقدمها خطبتان، لما روى عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال:(كانت للنبي صلى الله عليه وسلم خطبتان يجلس بينها، يقرأ القرآن ويذكر الناس)(4)، وقد قال صلى الله عليه وسلم:(صلوا كما رأيتموني أصلي)(5)، وقال تعالى:{إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله} (6) والذكر هو الخطبة.
⦗ص: 280⦘
(1) مسلم: ج-2/ كتاب الجمعة باب 9/29.
(2)
مسلم: ج-2/ الجمعة باب 9/31.
(3)
المصر: كل بلد فيها حاكم ومفتي.
(4)
مسلم: ج-2/ كتاب الجمعة باب 10/34.
(5)
البخاري: ج-1/ كتاب الأذان باب 18/605.
(6)
الجمعة: 9.
شروط صحة الخطبتين:
-1ً- حضور العدد المشروط للصلاة، لأن الخطبة ذكر اشترط للصلاة فاشترط له العدد كتكبيرة الإحرام، فإن انفضوا وعادوا قبل أن يطول الفصل صلوا الجمعة لأنه فصل يسير.
-2ً- دخول الوقت قياساً على الصلاة.
-3ً- أن يتولاهما من تصح إمامته فيها، فلا تصح خطبة من لا تجب عليه الجمعة كالعبد والمسافر.
-4ً- أن تتقدما على الصلاة فلا يعتد بهما إن تأخرتا عنها.
-5ً- نية الخطبة، فلو خطب بغير النية لم يعتد بخطبته.
-6ً- وقوعها حضراً.
ولا يشترط لهما الطهارة. لأنها لو اشترطت لاشترط الاستقبال كالصلاة (وعن الإِمام: أنها شرط لصحة الخطبة) .
أركان كل من الخطبتين: سبعة هي:
-1-حمد الله تعالى، لما روى جابر رضي الله عنهما قال:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس يحمد الله ويثني عليه بما هو أهله، ثم يقول: من يهد الله فلا مضل له. ومن يضلل فلا هادي له وخير الحديث كتاب الله)(1) .
-2- الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن كل عبادة افتقرت إلى ذكر الله تعالى افتقرت إلى ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم كالآذان. ويتعين لفظ الصلاة.
-3- الموعظة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعظ الناس، وهي القصد من الخطبة، وأقلها الوصية بتقوى الله نحو قوله: اتقوا الله وأطيعوا الله ونحوه. قال الشيخ: لا بد له أن
⦗ص: 281⦘
يحرك القلوب ويبعث بها إلى الخير، فلو اقتصر على أطيعوا الله واجتنبوا معاصيه فالأظهر أنه لا يكفي.
-4- قراءة آية كاملة من من كتاب الله تعالى تستقل بمعنى أو حكم، فلو قرأ مثلاً قوله تعالى:{مدهامتان} لم يكفِ، لأن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال:(كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قصداً. وخطبته قصداً يقرأ آيات من القرآن ويذكر الناس)(2) ، ولأن الخطبة فرض في الجمعة فوجبت القراءة فيها كالصلاة.
-5- الموالاة، فإن فرق بين الخطبتين، أو بين أجزاء الخطبة الواحدة، أو بينهما وبين الصلاة، وطال الفصل بطلت الخطبة، وإن كان تفريقاً يسيراً بنى عليها.
-6- الجهر بهما بحيث يُسمع الخطيب العدد المعتبر في الجمعة، وهم أربعون من أهل وجوبها حيث لا مانع لهم من سماعه كنوم بعضهم أو غفلته أو صممه، فإن لم يسمعوا لإنخفاض صوته أو لبعدهم عنه لم تصح.
-7- أن تكونا بالعربية للقادر عليها سواءً كان القوم عرباً أو غيرهم، فإن كان عاجزاً عن العربية صحت إلا الآية فلا تصح إلا بالعربية.
(1) مسلم: ج-2/ كتاب الجمعة باب 13/45.
(2)
مسلم: ج-2/ كتاب الجمعة باب 13/42.
سنن الخطبتين:
-1- طهارة الإِمام من الحدث والخبث، كما يسن له ستر العورة.
-2- أن يخطب على المنبر أو موضع عالٍ، لما روى ابن عمر رضي الله عنهما أنه (سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر)(1) .
-3- أن يسلم عقب صعوده، إذا أقبل على الناس، لحديث جابر رضي الله عنهما قال:(كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر سلّم عليهم)(2) .
⦗ص: 282⦘
-4- أن يجلس إذا سلم عليهم، لما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال:(كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب خطبتين: كان يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ، أراه قال المؤذن. ثم يقوم فيخطب، ثم يجلس فلا يتكلم، ثم يقوم فيخطب)(3) .
-5- أن يؤذن لها إذا جلس الإِمام على المنبر، لأن الله تعالى قال:{إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة} يعني الآذان (4) .
-6- أن يخطب قائماً، لما روى جابر بن سمرة رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائماً. ثم يجلس. ثم يقوم فيخطب قائماً فمن نبأك أنه كان يخطب جالساً فقد كذب)(5) .
-7- أن يعتمد على سيف أو قوس أو عصا، فإن لم يكن معه شيء أمسك شماله بيمينه أو أرسلهما عند جنبيه وسكّنهما، روى الحكم بن حزم قال: (قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة
…
شهدنا فيها الجمعة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم متوكئاً على قوس أو قال على عصا فحمد الله وأثنى عليه بكلمات خفيفات طيبات مباركات) (6) .
-8- أن يرفع صوته، لأنه أبلغ في الإسماع، لما روى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرّت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه. حتى كأنه منذر جيش، يقول: صبحتكم ومساكم. ويقول: بعثت أنا والساعة كهاتين ويقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى ويقول: أما بعد، فإن خير
⦗ص: 283⦘
الحديث كتاب الله. وخير الهُدى هُدى محمد. وشر الأمور محدثاتها. وكل بدعة ضلالة
…
) (7) .
-9- أن يستقبل بخطبته جهة وجههه فلا يلتفت يميناً أو شمالاً.
-10- أن يكون في خطبته مترسلاً مُعرباً مبيناً من غير عجلة ولا تمطيط، لأنه أبلغ وأحسن.
-11- أن يُقصرِّ الخطبة، لما روى عمار رضي الله عنهما قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مَئِنَّةٌ من فقهه. فأطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة
…
) (8) .
-12-أن تكون الخطبة الأولى أطول من الثانية.
-13- أن يرتب الخطبة، بأن يبدأ بالحمد لله ثم بالصلوات على رسوله صلى الله عليه وسلم ثم بالوعظ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد
…
أقطع) (9) .
-14- أن يدعو للمسلمين، لأن الدعاء لهم مسنون في غير الخطبة ففيها أولى، وإن دعا للسلطان فحسن، لأن صلاحه نفع للمسلمين فالدعاء له كالدعاء لهم.
-15- أن يجلس بين الخطبتين جلسة استراحة بقدر سورة الإخلاص وليس فيها ذكر.
-16- أن يخطب من صحيفة.
-17- أن يتولاهما مع الصلاة واحد.
⦗ص: 284⦘
(1) البخاري: ج-3/ كتاب بدء الخلق باب 14/3123.
(2)
ابن ماجة: ج-1/ كتاب إقامة الصلاة باب 85/1109.
(3)
أبو داود: ج-1/ كتاب الصلاة باب 227/1092.
(4)
يسن الأذان الأول في أول الوقت، وهو مشروع للإعلام بالوقت، وهو الذي سنه عثمان رضي الله عنه: والثاني: والإمام على المنبر للإعلام بالخطبة، وهو الذي كان في عهده صلى الله عليه وسلم، والثالث للإقامة، وهو للإعلام بالقيام إلى الصلاة.
(5)
مسلم: ج-2/ كتاب الجمعة باب 10/35.
(6)
مسند الإِمام أحمد: ج-4 /ص 212.
(7)
مسلم: ج-2/ كتاب الجمعة باب 13/43.
(8)
مسلم: ج-2/ الجمعة باب 13/47.
(9)
ابن ماجة: ج-1/ كتاب النكاح باب 19/1894.
مكروهات الخطبتين:
ترك أي سنة من السنن المتقدمة. وقد يكون خلاف الأولى أو من المكروه استدبار القوم حال الخطبة ورفع يديه حال الدعاء فيها.
كيفية صلاة الجمعة:
إذا فرث الإِمام من الخطبتين نزل، فأقيمت الصلاة، فيصلي بالناس ركعتين يقرأ في كل ركعة (الحمد لله) وسورة، ويجهر بالقراءة للإجماع على ذلك، ومهما قرأ به بعد أم الكتاب فيها أجزأه، إلا أن المستحب أن يقرأ فيها بالأولى بعد الفاتحة سورة (الجمعة) وفي الثانية (المنافقين) ، أو بالأولى (سبح اسم ربك الأعلى) والثانية (هل أتاك حديث الغاشية)، لما روى النعمان بن بشير رضي الله عنه قال:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيدين وفي الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية)(1) .
ويسن أن يصلي بعد الجمعة أربعاً، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان منكم مُصلياً بعد الجمعة فليصلِّ أربعاً)(2) ، وأقل السنة الراتبة بعدها ركعتان وأكثرها ست ركعات، لأن ابن عمر رضي الله عنهما (كان إذا كان بمكة وصلى الجمعة تقدم فصلى ركعتين ثم تقدم فصلى أربعاً وإذا كان بالمدينة صلى الجمعة ثم رجع إلى بيته فصلى ركعتين ولم يصلِّ في المسجد فقيل له فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك) (3) .
ويستحب أن يفصل بين الجمعة والركوع بكلام أو رجوع إلى المنزل، لما روى السائب بن يزيد قال: قال لي معاوية: (إذا صليت الجمعة فلا تَصِلها بصلاة
⦗ص: 285⦘
حتى تكلم أو تخرج. فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا ذلك أن لا تُصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج) (4) .
وليس لها سنة راتبة قبلها بل يستحب صلاة أربع ركع.
(1) مسلم: ج-2/ كتاب الجمعة باب 16/62.
(2)
مسلم: ج-2/ كتاب الجمعة باب 18/69.
(3)
البيهقي: ج-3 /ص 240.
(4)
مسلم: ج-2/ كتاب الجمعة باب 18/73.
إدراك صلاة الجمعة:
من أدرك مع الإِمام الركوع في الثانية فإنه يتمها جمعة، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من أدرك ركعة من الصلاة مع الإِمام فقد أدرك الصلاة)(1) .
أما من أدرك أقل من ذلك فقال الخرقي: يبني على ظهر إذا كان قد دخل بنية الظهر وفي وقته، وإلا أتمها نفلاً ووجبت عليه صلاة الظهر.
وقال أبو إسحاق بن شاقلا، ينوي الجمعة عند الدخول فيها لئلا يخالف بنيته نية الإِمام ثم يبني عليها ظهراً، لأنهما فرض في وقت واحد ردت إحداهما من أربع إلى ركعتي فجاز أن يبني عليها الأربع التامة مع المقصورة.
- من أحرم مع الإِمام ثم زوحم عن السجود فأمكنه السجود على ظهر إنسان أو قدميه لزمه ذلك، لما روي عن عمر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إذا اشتد الزحام فليسجد الرجل منكم على ظهر أخيه)(2) فإن لم يمكنه ذلك انتظروا زوال الزحام ثم يسجد ويتبع الإِمام، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بذلك في صلاة عسفان للعذر والعذر هاهنا قائم.
(1) مسلم: ج-2/ كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب 30/161.
(2)
مسند الإِمام أحمد: ج-1 /ص 32.
تعد المساجد التي تقام فيها الجمعة:
يحرم إقامة صلاة الجمعة وصلاة العيد في أكثر من موضع واحد من البلد إن
⦗ص: 286⦘
أمكن الاستغناء بجمعة واحدة في المصر، لأن الغرض من صلاة الجمعة هو أن يجتمع الناس في مكان واحد خاشعين لربهم فتتوثق بينهم روابط الألفة وتقوى صلات المحبة والتعاون ولأن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه لم يقيموا إلا جمعة واحدة.
ويجوز إقامة أكثر من جمعة إذا كان هناك حاجة كضيق مساجد البلد، أو بعد المسافة بحيث يشق على من منزله بعيد عن مكان إقامة الجمعة مجيئه إليها، أو خوف الفتنة كأن يوجد بين أهل البلد عداوة مثلاً.
فإن صليت الجمعة في موضعين أو أكثر من غير حاجة صحت معة الإِمام، لأن في تصحيح غير جمعة الإِمام افتئاتاً عليه وإبطالاً لجمعته، فإن لم يكن الإِمام مصلياً في إحداهما فالسابقة بالإحرام هي الصحيحة، لأنه لم يتقدمها ما يفسدها، ويَفْسدُ ما بعدها. فإن وقعت جميعها في وقت واحد بطلت جميعها وعليهم إقامة جماعة أخرى، لأنه مِصرٌ لم تصلِّ فيه جمعة صحيحة. وإن عُلم سبق إحداها وجهلت فعلى الجميع صلاة الظهر، لأن كل واحد لم يتيقن براءة ذمته من الصلاة.
وقت صلاة الظهر لمن لم يصلِّ الجمعة:
-1- يجوز لمن لم تجب عليه الجمعة أن يصلي صلاة الظهر قبل فراغ الإِمام من صلاة الجمعة بسلامه منها، إلا إن ظنَّ زوال عذره قبل صلاة الإِمام فالأفضل له أن لا يُصلي الظهر إلا بعد صلاة الإِمام. أما ان كان صلى قبل صلاة الإِمام ومن ثم زال عذره قبل انتهاء الإِمام فلا تلزمه الجمعة، لأنه أدى فرض الوقت.
-2- لا تصح صلاة الظهر قبل صلاة الإِمام لمن تجب عليه الجمعة، لأنه غير مخطب بالظهر.
-3- من فاتته الجمعة أعادها ظهراً، لأنه يخاطب بها حينئذٍ.
⦗ص: 287⦘
صلاة الظهر جماعة في يوم الجمعة:
لا يكره لمن فاتته الجمعة أو لمن لم يكن من أهل فرضها أن يصلي الظهر في جماعة، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة)(1) ، فإن خاف التهمة استحب إخفاؤها ليدفع التهمة عن نفسه.
(1) مسلم: ج-1/ كتاب المساجد باب 42/249.
حالة اجتماع يوم الجمعة والعيد:
-1- إذا اتفق عيد في يوم جمعة فصلاة العيد تُسقط الجمعة وتُصلى الظهر بلاً عنها، لما رُوي أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه سأل زيد بن أرقم قال:(أشهَدتَ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا في يوم؟ قال: نعم. قال: فكيف صنعَ؟ قال: صلى العيد ثم رخَّص في الجمعة فقال: من شاء أن يُصلِّي فليصلِّ)(1) .
(1) أبو داود: ج-1/ كتاب الصلاة باب 217/1070.
ما يستحب في ليلة الجمعة ويومها:
-1- تلاوة سورة الكهف في ليلة الجمعة ويومها، لحديث أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم:(من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين)(1) .
-2- أن يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة (الم تنزيل الكتاب) و (هل أتى على الإنسان) ، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه كان يقرأ في الفجر، يوم الجمعة الم تنزيل، وهل أتى)(2) .
-3- أن يغتسل يوم الجمعة، وقيل الغسل واجب، لما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (غسل يوم الجمعة على كل محتلم.
⦗ص: 288⦘
وسواك. ويمسس الطيب ما قدر عليه) (3)، ولكن المعتمد الأول عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من توضأ يوم الجمعة فَبها ونِعْمَتْ، ومن اغتسل فالغسل أفضل)(4) ، والخبر الأول أريد به تأكيد الاستحباب، والدليل على ذلك أنه ذُكر فيه السواك والطيب وليسا واجبين.
ووقت الغسل من بعد طلوع فجر يوم الجمعة لقوله في الخبر: (يوم الجمعة) ، والأفضل فعله عند الرواح لأنه أبلغ في المقصود، ولا يصح إلا بنية لأنه عبادة، فإن اغتسل للجمعة والجنابة أجزأه لأن المقصود التنظيف وهو حاصل.
-4- يستحب التطيب والتنظيف، أي قطع الشعر وقص الأظافر، وإزالة الرائحة، لما روي عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهر ما استطاع من طهرٍ، ويدهن من دهنه، أو يَمَسُّ من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كُتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإِمام، إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى)(5) .
-5- أن يتزين بأحسن ثيابه، والمندوب الأبيض لا غير.
-6- الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
-7- التكبير بالسعي لها، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بكرة. ومن راح في الساعة الثالثة، فكأنما قرب كبشاً أقرن. ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة. ومن راح في الساعة الخامسة، فكأنما قرب بيضة. فإذا خرج الإِمام حضرت الملائكة يستمعون
⦗ص: 289⦘
الذكر) (6)، وفي حديث آخر عن علقمة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(إن الناس يجلسون يوم القيامة على قدر رواحهم إلى الجمعات)(7) .
-8- ويستحب أن يأتيها ماشياً، ويقرب بين خطاه لتكثر حسناته وليكون أعظم للأجر، وعليه السكينة والوقار، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا ثوب للصلاة فلا تأتوها. وأنتم تسعون. وأتوها وعليكم السكينة
…
) (8) . ولكن يجب السعي بالنداء الثاني، إلا لمن كان منزله بعيداً فعليه أن يسعى في الوقت الذي يكون به مدركاً للجمعة.
ويحرم لمن تجب عليه الجمعة السفر بعد دخول وقتها (بعد الزوال) ، لأنه يكون تاركاً لها بعد وجوبها عليه، أما قبل دخول وقتها فيجوز السفر للجهاد، لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال:(بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة في سرية، فوافق ذلك يوم الجمعة، فغدا أصحابه فقال: أتخلف فأصلي يوم الجمعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ألحقهم، فلما صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم رآه، فقال: ما منعك أن تغدو مع أصحابك؟ فقال: أردت أن أصلي معك ثم ألحقهم، قال: لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما أدركت فضل غدوتهم)(9) . أما السفر لغير الجهاد قبل دخول وقتها فمكروه إن لم يأت بها في طريقه.
(1) البيهقي: ج-3 /ص 249.
(2)
مسلم: ج-2/ كتاب الجمعة باب 17/65.
(3)
مسلم: ج-2/ الجمعة باب 2/7.
(4)
الترمذي: ج-2/ الصلاة باب 357/497.
(5)
البخاري: ج-1/ كتاب الجمعة باب 5/843.
(6)
مسلم: ج-2/ كتاب الجمعة باب 2/10.
(7)
ابن ماجة: ج-1/ كتاب إقامة الصلاة باب 82/1094.
(8)
مسلم: ج-1/ كتاب المساجد باب 28/152.
(9)
الترمذي: ج-2/ الصلاة باب 380/527.
الأحكام المتعلقة بالأذان الثاني (الأذان الذي بين يدي الخطيب)(1) وبحضور الجمعة:
-1- يجب السعي لصلاة الجمعة إذا نودي لها بالأذان الثاني الذي بين يدي الخطيب، ويحرم البيع لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم
⦗ص: 290⦘
الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) ، ولا ينعقد البيع على من تجب عليهم الجمعة، فإن كان أحد المتعاقدين ممن تجب عليه والآخر لا تجب عليه فإنه يحرم عليهما معاً، وذلك لأن من لا تجب عليه أعان من تجب عليه على المعصية. وهذا يدل على عدم التحريم قبل الأذان.
-2- يكره تخطي الرقاب إذا دخل المسجد، إلا إن كان إماماً ولم يجد طريقاً غيره، أو لسد فرجة.. وإن ازدحم الناس في المسجد وفي داخله اتساع فلم يجد الداخل لنفسه موضعاً، فعلم أنهم إذا قاموا تقدموا، جلس حتى يقوموا، وإن لم يرجُ ذلك فله تخطيهم. ولا يقيم أحداً غيره ويجلس مكانه، لما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لا يقيم الرجل الرجل من مقعده ويجلس فيه)(2) . ولو قدَّم رجل غلامه فجلس في موضع ثم جاء هو فقام الغلام وجلس مكانه فلا بأس به، وروي أن ابن سيرين كان يفعله. وإن فرش له مصلى لم يكن لغيره الجلوس عليه، ولا يجوز لغيره رفعه إلا إذا حضرت الصلاة، وهناك وجه آخر أنه يجوز، لكن المعتمد هو الأول.
وإن قام الجالس من موضعه لحاجة ثم عاد إليه فهو أحق به، لما روى وهب بن حذيفة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(الرجل أحق بمجلسه، وإن خرج لحاجته ثم عاد فهو أحق بمجلسه)(3) .
-3- يستحب الدنو من الإِمام، لحديث أوس بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من اغتسل يوم الجمعة وغَسَّلّ، وبكرّ وابتكر، ودنا واستمع وأنصت، كان له بكل خطوة يخطوها أجر سنة، صيامها وقيامها)(4) .
⦗ص: 291⦘
-4- يسن لمن حضر قبل الخطبة الاشتغال بالتنفل أو ذكر الله وقراءة القرآن، وأن يكثر من الدعاء لعله يوافق ساعة الإجابة، حتى يجلس الإِمام على المنبر. ومن دخل والإمام يخطب لم يجلس حتى يركع ركعتين يوجز فيهما، لما روى جابر رضي الله عنه قال:(دخل رجل المسجد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة. قال: أصليت؟ قال: لا. قال: قم فصلِّ)(5)، وفي رواية أخرى عنه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إذا جاء أحدكم يوم الجمعة، والإمام يخطب، فليركع ركعتين وليتجوز فيهما)(6) .
-5- يحرم الكلام أثناء الخطبة للحاضر (السامع وغيره)، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة، والإمام يخطب فقد لغوت)(7) ، أما البعيد فيذكر الله ويقرأ القرآن سراً. ومن سأله الإِمام عن شيء فعليه إجابته، لحديث جابر رضي الله عنه المتقدم:(قال: أصليت؟ قال: لا..) . ولا يُشمَّت العاطس ولا يُعطى السائل والإمام يخطب، ولكن لا بأس بشرب الماء لمن لم يسمع الخطبة.
ولا يحرم الكلام على الخاطب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتكلم، وسأل عمر عثمانَ: أية ساعة هذه وهو في الخطبة.
⦗ص: 292⦘
(1) الأذان الأول لدخول الوقت، والثاني بين يدي الخطيب قبل الخطبة، والأذان الثالث لإقامة الصلاة.
(2)
مسند الإِمام أحمد: ج-2 /ص 22.
(3)
الترمذي: ج-5 /كتاب الأدب باب 10/2751.
(4)
الترمذي: ج-2 / الصلاة باب 356/496.
(5)
مسلم: ج-2/ كتاب الجمعة باب 14/55.
(6)
مسلم: ج-2/ الجمعة باب 14/59.
(7)
مسلم: ج-2/ الجمعة باب 3/11.