الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَاب تَفْسِير الْحُرُوف الْمُقطعَة
روى ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما فِي الْحُرُوف الْمُقطعَة، مثل ألم ألمص المر وَغَيرهَا، ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا أَن قَول الله عزوجل: ألم أقسم بِهَذِهِ الْحُرُوف ان هَذَا الْكتاب، الَّذِي أنزل على مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم، هَذَا الْكتاب الَّذِي من عِنْد الله عزوجل لَا شكّ فِيهِ، قَالَ هَذَا فِي قَوْله تَعَالَى: ألم ذَلِك الْكتاب لَا ريب فِيهِ، وَالْقَوْل الثَّانِي عَنهُ: إِن الرَّحِم ن اسْم الرَّحْمَن مقطع فِي اللَّفْظ، مَوْصُول فِي الْمَعْنى، وَالْقَوْل الثَّالِث عَنهُ إِنَّه قَالَ: الم ذَلِك الْكتاب، قَالَ: ألم مَعْنَاهُ أَنا الله أعلم وارى.
وروى عِكْرِمَة فِي قَوْله: الم ذَلِك الْكتاب قَالَ: الم قسم، وروى عَن السّديّ قَالَ: بَلغنِي عَن ابْن عَبَّاس انه قَالَ: ألم اسْم من أَسمَاء الله وَهُوَ الِاسْم الاعظم، وروى عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس: ألر والم وحم حُرُوف معرفَة 1 أَي بنيت معرفَة، قَالَ أبي فَحدثت بِهِ الاعمش فَقَالَ: عنْدك مثل هَذَا وَلَا تحدثنا بِهِ! وَرُوِيَ عَن قَتَادَة قَالَ: الم اسْم من اسماء الْقُرْآن، وَكَذَلِكَ حم وَيس، وَجَمِيع مَا فِي الْقُرْآن من حُرُوف الهجاء فِي أَوَائِل السُّور.
وَسُئِلَ عَامر عَن فواتح الْقُرْآن، نَحْو حم وَنَحْو ص والم والر.
قَالَ: هِيَ اسْم من أَسمَاء الله مقطعَة بالهجاء، إِذا وصلتها كَانَت اسْما من اسماء الله.
ثمَّ قَالَ عَامر، الرَّحْمَن 2.
قَالَ: هَذِه فَاتِحَة ثَلَاث سور، إِذا جمعتهن كَانَت اسْما من اسماء الله تَعَالَى.
وروى أَبُو بكر بن أبي مَرْيَم عَن ضَمرَة بن حبيب وَحَكِيم بن عُمَيْر وَرَاشِد بن سعد 3 قَالُوا: المر والمص والم واشباه ذَلِك، وَهِي ثَلَاثَة عشر حرفا، ان فِيهَا اسْم الله الاعظم.
وَرُوِيَ عَن ابي الْعَالِيَة فِي قَوْله: الم قَالَ: هَذِه الاحرف الثَّلَاثَة من التِّسْعَة وَالْعِشْرين حرفا لَيْسَ فِيهَا حرف إِلَّا وَهُوَ مِفْتَاح اسْم من اسماء الله، وَلَيْسَ فِيهَا حرف إِلَّا وَهُوَ فِي الآئه وبلائه، وَلَيْسَ فِيهَا حرف إِلَّا وَهُوَ فِي مُدَّة قوم وآجالهم.
قَالَ وَقَالَ عِيسَى بن عمر: أعجب انهم ينطقون باسمائه ويعيشون فِي رزقه كَيفَ يفكرون بِهِ: فالالف مِفْتَاح اسْمه الله، وَلَام مِفْتَاح اسْمه لطيف، وَمِيم مِفْتَاح اسْمه مجيد.
فالالف آلَاء الله، وَاللَّام لطف الله، وَالْمِيم مجد الله، والالف وَاحِد، وَاللَّام ثَلَاثُونَ، وَالْمِيم اربعون.
وَرُوِيَ عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ قَالَ: الم آيَة، وحم آيَة.
وَرُوِيَ عَن أبي عُبَيْدَة أَنه قَالَ: هَذِه الْحُرُوف الْمُقطعَة حُرُوف الهجاء، وَهِي افْتِتَاح كَلَام وَنَحْو ذَلِك.
قَالَ الاخفش: وَدَلِيل ذَلِك أَن الْكَلَام الَّذِي ذكر قبل السُّورَة قد تمّ.
(1) قَوْله " حُرُوف معرفَة الخ " كَذَا بالاصول الَّتِي بايدينا وَلَعَلَّ الاولى مفرقة.
(2)
الرَّحْمَن " قَالَ هَذِه الخ " كَذَا بالنسخ الَّتِي بايدينا وَالْمُنَاسِب لما بعده ان تكْتب مفرقة هَكَذَا الر حم ن قَالَ هَذِه فَاتِحَة ثَلَاث الخ.
(3)
قَوْله " وَرَاشِد بن سعد " فِي نُسْخَة ورائد بن سعد.
(*)
وروى سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: فِي كهيعص هُوَ كَاف، هاد، يَمِين، عَزِيز، صَادِق، جعل اسْم الْيَمين مشتقا من الْيمن، وسنوسع القَوْل فِي ذَلِك فِي تَرْجَمَة يمن ان شَاءَ الله تَعَالَى.
وَزعم قطرب أَن الر والمص والم وكهيعص وص وق وَيس ون، حُرُوف المعجم لتدل أَن هَذَا الْقُرْآن مؤلف من هَذِه الْحُرُوف الْمُقطعَة الَّتِي هِيَ: حُرُوف اب ت ث، فجَاء بَعْضهَا مقطعا، وَجَاء تَمامهَا مؤلفا ليدل الْقَوْم، الَّذين نزل عَلَيْهِم الْقُرْآن، أَنه بحروفهم الَّتِي يعقلونها لَا ريب فِيهِ.
قَالَ، ولقطرب وَجه آخر فِي الم: زعم أَنه يجوز أَن يكون لما لَغَا الْقَوْم فِي الْقُرْآن فَلم يتفهموه حِين قَالُوا: " لَا تسمعوا لهَذَا الْقُرْآن والغوا فِيهِ " أنزل عَلَيْهِم ذكر هَذِه الْحُرُوف لانهم لم يعتادوا الْخطاب بتقطيع الْحُرُوف، فَسَكَتُوا لما سمعُوا الْحُرُوف طَمَعا فِي الظفر بِمَا يحبونَ، ليفهموا، بعد الْحُرُوف، الْقُرْآن وَمَا فِيهِ، فَتكون الْحجَّة عَلَيْهِم أثبت، إِذا جَحَدُوا بعد تفهم وَتعلم.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَق الزّجاج: الْمُخْتَار من هَذِه الاقاويل مَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس وَهُوَ: أَن معنى الم أَنا الله أعلم، وان كل حرف مِنْهَا لَهُ تَفْسِير.
قَالَ: وَالدَّلِيل على ذَلِك أَن الْعَرَب تنطق بالحرف الْوَاحِد تدل بِهِ على الْكَلِمَة الَّتِي هُوَ مِنْهَا، وانشد: قلت لَهَا قفي فَقَالَت ق فَنَطَقَ بقاف فَقَط تُرِيدُ أَقف.
وانشد أَيْضا: ناديتهم أَن ألجموا أَلا تا! قَالُوا، جَمِيعًا، كلهم: أَلا فا! قَالَ تَفْسِيره: نادوهم أَن الجموا أَلا تَرْكَبُونَ؟ قَالُوا جَمِيعًا: أَلا فاركبوا، فانما نطق بتاء وَفَاء كَمَا نطق الاول بقاف.
وَقَالَ: وَهَذَا الَّذِي اختاروه فِي معنى هَذِه الْحُرُوف، وَالله أعلم بحقيقتها.
وَرُوِيَ عَن الشّعبِيّ أَنه قَالَ: لله عزوجل، فِي كل كتاب، سر، وسره، فِي الْقُرْآن، حُرُوف الهجاء الْمَذْكُورَة فِي أَوَائِل السُّور.
واجمع النحويون: أَن حُرُوف التهجي، وَهِي الالف وَالْبَاء وَالتَّاء والثاء وَسَائِر مَا فِي الْقُرْآن مِنْهَا، انها مَبْنِيَّة على الْوَقْف، وانها لَا تعرب.
وَمعنى الْوَقْف أَنَّك تقدر أَن تسكت على كل حرف مِنْهَا، فالنطق بهَا: الم.
وَالدَّلِيل على أَن حُرُوف الهجاء مَبْنِيَّة على السكت، كَمَا بني الْعدَد على السكت، أَنَّك تَقول فِيهَا بِالْوُقُوفِ 1، مَعَ الْجمع، بَين ساكنين، كَمَا تَقول، إِذا عددت وَاحِد اثْنَان ثَلَاثَة اربعة، فتقطع ألف اثْنَيْنِ، والف اثْنَيْنِ ألف وصل، وتذكر الْهَاء فِي ثَلَاثَة واربعة، وَلَوْلَا أَنَّك تقدر السكت لَقلت ثَلَاثَة، كَمَا تَقول ثَلَاثَة يَا هَذَا، وحقها من الاعراب أَن تكون سواكن الاواخر.
وَشرح هَذِه الْحُرُوف وتفسيرها: ان هَذِه الْحُرُوف لَيست تجْرِي مجْرى الاسماء المتمكنة والافعال المضارعة الَّتِي يجب لَهَا الاعراب، فانما هِيَ تقطيع الِاسْم الْمُؤلف الَّذِي لَا يجب الاعراب إِلَّا مَعَ كَمَاله، فقولك جَعْفَر لَا يجب أَن تعرب مِنْهُ الْجِيم وَلَا الْعين وَلَا الْفَاء وَلَا الرَّاء دون تَكْمِيل الِاسْم، وانما هِيَ حكايات
(1) فِي نُسْخَة بِالْوَقْفِ.
(*)
وضعت على هَذِه الْحُرُوف، فان أجريتها مجْرى الاسماء وَحدثت عَنْهَا قلت: هَذِه كَاف حَسَنَة، وَهَذَا كَاف حسن، وَكَذَلِكَ سَائِر حُرُوف المعجم، فَمن قَالَ: هَذِه كَاف أنث بِمَعْنى الْكَلِمَة، وَمن ذكر فلمعنى الْحَرْف، والاعراب وَقع فِيهَا لانك تخرجها من بَاب الْحِكَايَة.
قَالَ الشَّاعِر: كافا وميمين وسينا طاسما وَقَالَ آخر: كَمَا بيّنت كَاف تلوح وميمها 1 فَذكر طاسما لانه جعله صفة للسين، وَجعل السِّين فِي معنى الْحَرْف، وَقَالَ كَاف تلوح فانث الْكَاف لانه ذهب بهَا إِلَى الْكَلِمَة.
وَإِذا عطفت هَذِه الْحُرُوف بَعْضهَا على بعض أعربتها فَقلت: ألف وباء وتاء وثاء إِلَى آخرهَا وَالله أعلم.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: قَالَت الْعَامَّة فِي جمع حم وطس طواسين وحواميم.
قَالَ: وَالصَّوَاب ذَوَات طس وَذَوَات حم وَذَوَات الم.
وَقَوله تَعَالَى يس كَقَوْلِه عزوجل الم وحم واوائل السُّور.
وَقَالَ عِكْرِمَة مَعْنَاهُ يَا إِنْسَان، لانه قَالَ: إِنَّك لمن الْمُرْسلين.
وَقَالَ ابْن سَيّده: الالف والاليف حرف هجاء.
وَقَالَ الاخفش هِيَ من حُرُوف المعجم مُؤَنّثَة وَكَذَلِكَ سَائِر الْحُرُوف.
وَقَالَ: وَهَذَا كَلَام الْعَرَب، وَإِذا ذكرت جَازَ.
وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: حُرُوف المعجم كلهَا تذكر وتؤنث كَمَا أَن الانسان يذكر وَيُؤَنث.
قَالَ: وَقَوله عزوجل الم والمص والمر.
قَالَ الزّجاج: الذى اخترنا فِي تَفْسِيرهَا قَول ابْن عَبَّاس: ان ألم أَنا الله أعلم، والمص أَنا الله اعْلَم وافصل، والمر أَنا الله أعلم وارى.
قَالَ بعض النَّحْوِيين: مَوضِع هَذِه الْحُرُوف رفع بِمَا بعْدهَا أَو مَا بعْدهَا رفع بهَا.
قَالَ: المص كتاب، فكتاب مُرْتَفع بالمص، وَكَانَ مَعْنَاهُ المص حُرُوف كتاب أنزل إِلَيْك.
قَالَ: وَهَذَا لَو كَانَ كَمَا وصف لَكَانَ بعد هَذِه الْحُرُوف أبدا ذكر الْكتاب، فَقَوله: الم الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم، يدل على أَن الم رَافع لَهَا على قَوْله، وَكَذَلِكَ يس وَالْقُرْآن الْحَكِيم، وَكَذَلِكَ حم عسق، كَذَلِك يوحي إِلَيْك، وَقَوله حم وَالْكتاب الْمُبين انا انزلناه، فَهَذِهِ الاشياء تدل على أَن الامر على غير مَا ذكر.
قَالَ وَلَو كَانَ كَذَلِك أَيْضا لما كَانَ الم وحم مكررين.
قَالَ وَقد اجْمَعْ النحويون على أَن قَوْله الاشياء تدل على أَن الامر على غير مَا ذكر.
قَالَ وَلَو كَانَ كَذَلِك أَيْضا لما كَانَ الم وحم مكررين.
قَالَ وَقد اجْمَعْ النحويون على أَن قَوْله عزوجل كتاب أنزل إِلَيْك مَرْفُوع بِغَيْر هَذِه الْحُرُوف، فَالْمَعْنى هَذَا كتاب أنزل إِلَيْك.
وَذكر الشَّيْخ أَبُو الْحسن عَليّ الْحَرَّانِي شَيْئا فِي خَواص الْحُرُوف الْمنزلَة أَوَائِل السُّور وسنذكره فِي الْبَاب الَّذِي يَلِي هَذَا فِي ألقاب الْحُرُوف.
(1) قَوْله " كَمَا بيّنت الخ " فِي نُسْخَة كَمَا بنيت.
(*)