المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الطلاق ‌ ‌مدخل … الطلاق: تعريفه: الطلاق في اللغة العربية رفع القيد الحسي أو المعنوي، فكما - أحكام الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية

[عبد الوهاب خلاف]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الموضوعات:

- ‌الزواج

- ‌مدخل

- ‌مقدمات الزواج:

- ‌أركان الزواج:

- ‌شروط الزواج:

- ‌صيغة الزواج من حيث إطلاقها وتقييدها:

- ‌حكم الزواج:

- ‌المحرمات من النساء:

- ‌الولاية على الزواج:

- ‌الوكالة بالزواج:

- ‌الكفاءة في الزواج:

- ‌حقوق الزوجة على زوجها

- ‌مدخل

- ‌ المهر:

- ‌ نفقة الزوجة:

- ‌ عدم الإضرار بالزوجة:

- ‌ العدل بين الزوجات:

- ‌حقوق الزوج على زوجته

- ‌مدخل

- ‌ الطاعة:

- ‌ ولاية التأديب:

- ‌الحقوق المشتركة بين الزوجين:

- ‌زوج المسلم بالكتابيات

- ‌زواج غير المسلمين بعضهم ببعض:

- ‌الطلاق

- ‌مدخل

- ‌أحوال صيغة الطلاق:

- ‌أنواع الطلاق:

- ‌حكم الطلاق:

- ‌طلاق المريض مرض الموت:

- ‌تفويض الطلاق إلى الزوجة:

- ‌الخلع:

- ‌الحالات التي يطلق فيها القاضي:

- ‌فسخ الزواج:

- ‌العدة:

- ‌ثبوت النسب

- ‌ثبوت النسب بالفراش

- ‌ ثبات النسب بالإقرار:

- ‌ثبوت النسب بالبينة

- ‌اللقيط:

- ‌الرضاعة:

- ‌‌‌الحضانةوالنفقات

- ‌الحضانة

- ‌نفقة الأقارب:

- ‌مقارنة بين أنواع النفقات بعضها وبعض:

- ‌الحَجْر:

- ‌الولاية على المال:

- ‌المفقود:

- ‌المريض مرض الموت

- ‌مدخل

- ‌الهبة:

- ‌الوصية:

الفصل: ‌ ‌الطلاق ‌ ‌مدخل … الطلاق: تعريفه: الطلاق في اللغة العربية رفع القيد الحسي أو المعنوي، فكما

‌الطلاق

‌مدخل

الطلاق:

تعريفه:

الطلاق في اللغة العربية رفع القيد الحسي أو المعنوي، فكما يطلق على فك عقال البعير يطلق على إباحة إبداء الرأي ومثله الإطلاق، فالطلاق والإطلاق في اللغة يستعملان لحل القيد حسيا كان أو معنويا، غير أن العرف قصر الإطلاق على رفع القيد الحسي، وقصر الطلاق على رفع القيد الزوجي، ففي العرف يقال: السجين مطلق سراحه، ولا يقال طالق سراحه، ويقال: طلق الرجل زوجته ولا يقال أطلقها؛ ولهذا كان الإطلاق وما اشتق منه من الكنايات عن الطلاق، لا من الصريح بحكم العرف وسيتبين هذا.

وأما الطلاق شرعا فهو حل رباط الزوجية الصحيحة في الحال أو المآل، بعبارة تفيد ذلك صراحة أو دلالة، تصدر من الزوج أو نائبه أو من القاضي بناء على طلب الزوجة. أم الزوجية غير الصحيحة فلا تثبت بها رابطة شرعية تحل بالطلاق، والفرقة فيها فسخ لعقد لم يصح لا رفع لقيد ثبت بالزواج، ولذلك لا طلاق من زواج غير صحيح.

فإذا أراد أحد الزوجين التخلص من رابطة الزوجية لأسباب تحمله على ذلك، فإن كان هو الزوج فله أن يستقل بحل هذه العقدة بعبارة تصدر منه مسندة إلى زوجته تدل على طلاقها منه، ورفع القيد الذي يربطهما كأن يقول لها أنت طالق أو زوجتي فلانة طالق، وإن كانت الزوجة فلها أن ترفع أمرها إلى القضاء طالبة تطليقها من زوجها للسبب الذي تستند إليه في طلبها، ومتى أثبتت سببا مسوغا شرعا لتطليقها حكم لها القاضي بما طلبت وطلقها من زوجها.

وإذا كان الطلاق الذي صدر من الزوج أو حكم به القاضي رجعيا لا تحل به عقدة الزواج في الحال، وإنما تحل به في المآل، أي: إذا انقضت عدة المطلقة من غير

ص: 131

أن يراجعها مطلقها في أثنائها، وإذا كان بائنا حلت به عقدة الزوجية في الحال، أي: من حين صدوره بحيث لا تحل له بعقد ومهر جديدين وبتراضيهما.

وقد تكون العبارة التي تصدر من المطلق صريحة في دلالتها على معنى التطليق بحيث لا تحتمل معنى آخر مثل أنت طالق، وقد تكون كناية عن الطلاق بحيث تحتمله وغيره، ولا تتعين له إلا بالنية أو القرينة مثل أنت بائن أو أنت مطلقة.

حكمة تشريعه:

شرع الطلاق في الإسلام1 ليستطيع الزوجان التخلص من رابطة الزوجية إذا تبين أنها مصدر الشقاء وأنه لا يمكن أن يتعاشر الزوجان بالمعروف، ولا أن يقوم كل منهما بحقوق الزوجية وواجباتها وذلك لأسباب عدة.

منها أن الزوجين قد يتبين لهما بعد المعاشرة الزوجية أن بينهما تباينا في الأخلاق وتنافرا في الطباع، وأن ما بذلاه من البحث والتحري في وقت الخطبة لم يظهر الحقيقة التي أظهرتها المعاشرة الزوجية، وأنهما مع هذا التباين والتنافر لا يتبادلان مودة ولا رحمة، ولا يقوم واحد منهما بحقوق الزوجية وواجباتها. فلرفع الحرج عنهما فتح الله لهما بابا للخلاص من هذا الشقاء والتباغض ليستبدل كل منهما زوجا آخر قد يأتلف به ويتبادل معه المودة والرحمة. {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ} .

ومنها أنه قد يتحقق الزوجان أن أهم مقاصد الزواج وهو التوالد والاستمتاع الجنسي لا توصل إليه هذه الزوجية؛ لأن بعض النساء قد تكون عقيما مع زوج وولودا مع آخر، وكذلك بعض الأزواج قد يولد له من زوجة ولا يولد له من أخرى، وكم زوجين عاشا عقيمين فلما افترقا ولد له من زوجته الأخرى وولد لها من زوجها الآخر، وكذلك الشهوة الجنسية قد تكون مفقودة لبعض النساء وغير مفقودة

1 كما شرع الطلاق في الإسلام شرع في اليهودية والنصرانية، غير أنه في اليهودية لا يباح إلا لسبب من ثلاثة: الزنا، والعقم، وعيب الخلق والخلق. وفي النصرانية من طلق زوجته إلا لعلة الزنا يجعلها تزني. وفي الإسلام أبيح لأي سبب يدعو إلى الخلاص.

ص: 132

لأخرى. فمن الحكمة أن شرع الله سبيلا لتخلص مثل هذين الزوجين من زوجية لا تحقق أغراضها.

ومنها أن الزوج قد يرتاب في زوجته أو يجد فيها من العيوب الخلقية أو الخلقية ما لا يستطيع معه المعاشرة بالمعروف والقيام بحقوق الزوجية.

ومنها أن الزوجة قد تجد من زوجها ما يحملها على حل العقدة التي تربطهما، كأن يمرض بداء عضال لا يمكن البرء منه ولا معاشرته معه، أو يضارها بأقواله أو أفعاله أو أخلاقه، أو يكيدها بعدم الإنفاق عليها، أو يعسر عن نفقتها، أو يغيب عنها المدة الطويلة بلا عذر.

فلا ريب في أنه قد تدعو الحاجة القاهرة إلى حل عقدة الزواج، وأن الحاجة قد تبعثهما معا على الرغبة في الطلاق وقد تحمل أحدهما، فلو لم يشرع الله سبيلا لحل عقدة الزواج عند الحاجة القاهرة لنال بعض الأزواج حرج، وكانت بعض الزوجيات مصدر شقاء دائم، مع أن الله شرع الزواج ليكون مصدر معونة متبادلة ورحمة ومودة.

وإنما أباح الله لكل واحد من الزوجين أن يحل عقدة الزواج وحده ولم يلزم تراضيهما وتوافق إرادتهما عليه، كما لزم تراضيهما على عقده؛ لأن الحاجة الملجئة إلى الطلاق قد تدعو أحدهما إلى الخلاص ويتعنت الآخر ولا يوافقه، فزوجة المسلول أو المجذوم تريد الخلاص من زوجيته وهو لا يرضى، وزوج المريبة يريد الخلاص من زوجيتها وهي لا ترضى. فلهذا لا يشترط تراضيهما على إيقاع الطلاق، بل لكل منهما الانفراد به دفعا للضرر عن نفسه.

وإنما شرع للزوج أن يستقل بحل رباط الزوجية ويطلق بنفسه، ولم يكن للزوجة أن تحل رباط زوجيتها إلا بواسطة القضاء لسببين:

"الأول" أن المرأة في الغالب سريعة الانفعال شديدة التأثر تدفعها انفعالاتها إلى أبعد مدى، فلو كان حل العقدة الزوجية بيدها كانت هذه الرابطة مهددة بالحل

ص: 133

وعرضة للخطر بأوهى الأسباب، ولا ينقض هذا أن من النساء من هن ذوات عقل وأناة وقدرة على ضبط أنفسهن حين الغضب، وأن من الرجال من يغلب عليهم الحمق، ويخضعون لسلطان الغضب؛ لأن التشريع يبنى على الغالب وما هو الشأن في الرجال والنساء، ولا يبنى على الآحاد والجزئيات.

السبب الثاني: أن الطلاق يلزم الأزواج حقوقا مالية؛ لأنه يحل به المؤجل من الصداق وتلزمه نفقة العدة، ويضيع عليه ما أنفقه من مهر ونفقة في الزوجية التي يحلها، ويحتاج إلى بذل مال جديد لإيجاد زوجية جديدة، وهذه التبعات المالية التي تترتب على الطلاق من شأنها أن تحمل الرجل على التروي في إيقاعه، وأما الزوجة فلا يستحق عليها بالطلاق حق مالي يحملها على التروي في إيقاعه.

وإنما شرع على ثلاث دفعات لتكون الأولى والثانية بمثابة إنذارين لتنبيه الزوج إلى أن يجرب نفسه ويروضها على الصبر والاحتمال، وتنبيه الزوجة إلى أن تحسن العشرة وتجنب ما يدعو إلى الفرقة، حتى إذا لم يفد الإنذار بعد الإنذار ووقعت الطلقة الثالثة علم أنه ليس في زوجيتهما خير وأن الانفصال البات بينهما أحق وأولى.

فالحقيقة أن الإسلام شرع الطلاق ليكون وسيلة إلى الخلاص من زوجية لا خير في بقائها، ولا يمكن معها أداء حقوق ولا واجبات، وشرع إيقاعه على سنن يكفل تدارك الخطأ فيه. ولو أن الناس ساروا على سنن الشرع، ولم يتعدوا حدود الله وراعوا أن الطلاق أبغض الحلال إلى الله، ولم يلجئوا إليه إلا للضرورة وأوقعوه على سننه المشروع ما كان هذا النظام موضع شكاية ولا مبعث شقاء للأسرة الإسلامية؛ لأن الأصل فيه الحظر وإباحته للضرورة والواجب أن تقدر الضرورة بقدرها.

من يقع منه الطلاق:

الذي يقع طلاقه هو الزوج العاقل البالغ المختار اختيارا صحيحا، الذي يعي ما يقول، سواء كان صحيحا أو مريضا، رشيدا أو سفيها، فإذا توافرت في الزوج هذه الشروط فهو أهل لإيقاع الطلاق، وإذا صدر الطلاق منه أو من رسوله أو وكيله وصادف محله وقع وانحل به رباط الزوجية.

ص: 134

أما غير الزوج أو رسوله أو وكيله فلا يملك إيقاع الطلاق، فليس للولي أن يطلق زوجة موليه، وليس للسيد أن يطلق زوجة عبده؛ لأن الطلاق حق شخصي للزوج لا يملكه غيره إلا بتوكيل منه أو تفويض.

وأما غير العاقل وهو المجنون والمعتوه ومن اختل عقله لكبر أو مرض أو مصيبة فاجأته فلا يقع طلاق واحد منهم لعدم أهليتهم لإيقاعه؛ لأنه تصرف لا يصح شرعا إلا من كامل العقل الذي يقدر المصلحة من إيقاعه.

وأما غير البالغ وهو الصبي مميزا أو غير مميز، فلا يقع طلاقه؛ لأنه من التصرفات الضارة التي لا يكون الصبي أهلا لها حتى يبلغ الحلم ويتم ببلوغه عقله.

وأما غير المختار وهو المكره على الطلاق فلا يقع طلاقه؛ لأنه ما صدر منه عن إرادته والعبرة للقصد لا اللفظ؛ لأن المكره لم يكن الباعث له على إيقاع الطلاق إرادته ورأيه، وإنما حمل عليه بإرادة المكره ورأيه، فهو خضوع لهذا الباعث الخارجي وتوقيا من الخطر المهدد به أوقع طلاقا لا يريده، فاختياره أهون الشرين اختيار غير صحيح وهو كعدمه.

وكذلك من لا يعي ما يقول وهو السكران، والنائم لا يقع طلاق واحد منهما؛ لأنه لا إرادة له.

وكان العمل جاريا على وقوع طلاق المكره والسكران، إذا سكر بشرب محرم باختياره. طبقا لمذهب الحنفية، حتى صدر القانون رقم 25 سنة 1929، ونص في المادة رقم "1" منه على أنه لا يقع طلاق السكران والمكره. وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد وعليه عمل المحاكم الشرعية المصرية.

ولا فرق في الأهلية لإيقاع الطلاق بين الزوج الصحيح والزوج المريض؛ لأن المرض ما دام لم يؤثر في العقل لا يعدم الأهلية ولا ينقصها.

ص: 135

ولا بين الرشيد والمحجور عليه للسفه، ولا بين الجاد والهازل، ولا بين القاصد والمخطئ والغافل والساهي؛ لأن كل واحد من هؤلاء عاقل بالغ مختار يعي ما يقول، والسفه والهزل والخطأ والغفلة والسهو لا يعدم الأهلية ولا ينقصها1.

ولأن الوقوف على الحقيقة متعذر، فربما لم يكن هازلا ولا خاطئا ولا غافلا ولا ساهيا، وبعد أن وقع الطلاق ادعى ذلك والقضاء يبني على الظاهر.

ولهذا نص علماؤنا على أن من نطق بالطلاق خطأ أي: أراد التكلم بغير الطلاق فسبق لسانه إلى الطلاق لا يقع عليه الطلاق ديانة أي: فيما بينه وبين ربه، وتبقى زوجته حلالا له، لكن إذا تنازعا أمام القضاء، فالقاضي يحكم بوقوع الطلاق لصدور صيغته ممن هو أهل لإيقاعه.

من يقع عليها الطلاق:

بما أن الطلاق حل رباط الزوجية الصحيحة فهو لا يقع إلى على الزوجة القائمة زوجيتها الصحيحة حقيقة، والمعتدة من طلاق رجعي، والمعتدة من طلاق بائن بينونة صغرى، والمعتدة من فرقة هي طلاق، والمعتدة من فسخ الزواج بسبب إباء الزوجة المشركة الإسلام إذا أسلم زوجها. وبسبب ردة أحد الزوجين عن الإسلام؛ وذلك لأن الزوجة حال قيام الزوجية الصحيحة قبل وقوع أي فرقة الرابطة بينها وبين زوجها متحققة بثبوت الملك والحل معا، فهي محل لوقوع الطلاق عليها، ومثلها المعتدة من طلاق رجعي. والمعتدة من طلاق بائن بينونة صغرى ملكها زال ولكن حلها باق، وأثر الزوجية وهو العدة باق فهي محل لوقوع الطلاق عليها ومثلها المعتدة من فرقة هي طلاق.

أما الأجنبية التي لم يربطها بالرجل عقد الزواج أصلا، والتي ارتبطت به بعقد زواج غير صحيح شرعا، والتي طلقت وزال أثر زوجيتها بانقضاء عدتها. والمعتدة من طلاق بائن بينونة كبرى، والمعتدة من فسخ الزواج بسبب غير السببين السابقين

1 السفيه هو المبذر المسرف الذي يصرف ماله في غير مصلحة. والهازل من ينطق باللفظ لاعبا غير قاصد معناه وآثاره. والمخطئ من يريد النطق بغير الطلاق فيسبق لسانه إلى الطلاق. والغافل والساهي من صدر منه لفظ الطلاق غافلا عن المقصود منه.

ص: 136

كالفسخ بخيار البلوغ، أو لنقصان المهر عن مهر المثل1، فليست واحدة منهن محلا لوقوع الطلاق عليها، فلو قال الرجل لواحدة منهن أنت طالق فهو قول لغوو بحيث لو عقد عليها ملك ثلاث طلقات.

وبما أن المطلقة قبل الدخول تبين ولا عدة عليهاو فتكون أجنبية من مطلقها بمجرد الطلاقو فلا تكون محلا لطلاقه بعد ذلكح لأنها لا هي زوجته ولا معتدته.

وعلى هذا لو قال الزوج لزوجته المدخول بها حقيقة أنت طالق. أنت طالق. أنت طالق. وقعت عليها ثلاث طلقاتح لأن الأولى صادفتها والزوجية قائمة حقيقة، والثانية والثالثة صادفتاها وهي في العدة، فكانت محلا لوقوع الطلقات الثلاث فوقعن؛ لأن كل جملة من هذه الثلاث صيغة تامة لإنشاء الطلاق صدرت مرة بعد مرة من زوج أهل لإيقاعه، وصادفت محلا لوقوعه.

أما لو قال لزوجته غير المدخول بها حقيقة أنت طالق. أنت طالق. أنت طالق. وقعت بالأولى فقط طلقة بائنة؛ لأنها صادفتها والزوجية قائمة، أما الثانية والثالثة فهما لغو لا يقع بهما شيءح لأنهما صادفتاهما وهي ليست زوجته ولا معتدته.

وقد أوجبت المادة 32 من لائحة المأذونين على من يباشر إشهاد الطلاق أن يذكر في إشهاد الطلاق تاريخ الزواج والجهة التي حرر فيها، والذي باشره، وإلا وجب قيد تصادق على الزوجية أولا ثم إثبات الطلاق بعد ذلك، والغرض من هذا التحقق قبل إيقاع الطلاق من أن المطلقة محل لوقوعه.

1 فسخ الزواج بسبب عدم كفاءة الزوج، أو لنقصان المهر عن مهر المثل، أو بخيار البلوغ، أو بسبب ظهور عدم صحة العقد لفقد شرط من شروطه، يرجع كله إلى نقض العقد من أصله، فلا تكون المعتدة منه محلا للطلاق؛ لأن الطلاق رفع القيد الثابت بالعقد الصحيح. وأما فسخ الزواج بسبب رده أحد الزوجين أو إباء الزوجة الإسلام فهو لطارئ طرأ يمنع بقاء العقد بعد أن وقع صحيحا، ولهذا فرق بين الفسخ بهذين السببين والفسخ بغيرهما؛ لأن المعتدة من فسخ بأحد هذين السببين لا تزال مرتبطة بزوجها بعدة هي أثر لزوجية صحيحة، فتكون محلا لطلاقه بحيث لو قال لها وهي في العدة أنت طالق وقع عليها، ولو كان مسبوقا بطلقتين بائت بينونة كبرى.

ص: 137

ما يقع به الطلاق:

يقع الطلاق بكل لفظ يدل على حل عقدة الزوجية من أي لغة، وبما يقوم مقام اللفظ من كتابة وإشارة.

فاللفظ قد يكون صريحا إذا كان يفهم منه عند النطق به معنى الطلاق، ولا يستعمل عرفا إلا فيه. مثل أنت طالق ومطلقة وكل مشتقات الطلاق والتطليق، وكل لفظ استعمله الناس لرفع قيد الزواج مثل الحرام.

وقد يكون كناية إذا كان يحتمل معنى الطلاق وغيره ولم يتعارف في الاستعمال قصره على معنى الطلاق مثل أنت بائن -أنت حرام- أمرك بيدك؛ لأن بائن يحتمل البينونة عن العصمة والبينونة عن الشر، وحرام يحتمل حرمة المتعة بها وحرمة إيذائها، وأمرك بيدك يحتمل تمليكها عصمتها وتمليكها حرية التصرف في شأنها، وهكذا كل لفظ كنائي.

والصريح يقع به الطلاق بدون توقف على نيته؛ لأنه ظاهر الدلالة ومعناه متعين وغير محتاج إلى نية تبين المراد منه، حتى لو قال الناطق باللفظ الصريح لم أنو به الطلاق، وإنما نويت معنى آخر لا يصدق قضاء ويقع عليه الطلاق، وأما الكناية فلا يقع الطلاق بها إلا بنيتهح لأن اللفظ يحتمل معنى الطلاق وغيره، والذي يعين إرادة الطلاق به هو نية المطلق حتى لو قال الناطق بالكناية لم أنو الطلاق، وإنما نويت معنى آخر يصدق قضاء ولا يقع عليه الطلاق.

وهذا هو الذي عليه العمل الآن، وهو مذهب مالك والشافعي وهو المنصوص عليه في المادة 4 من القانون رقم 25 لسنة 1929، ونصها "كنايات الطلاق وهي ما تحتمل الطلاق وغيرها لا يقع بها الطلاق إلا بالنية".

وعلى مذهب أبي حنيفة يقع الطلاق بها بالنية أو دلالة الحال، فعنده تقوم قرينة الحال مقام النية، وعلى ما عليه العمل لا بد من النية حتى لو قال الناطق بالكناية لم أنو الطلاق، لا يقع مهما كانت الحال.

ص: 138

ويقوم مقام اللفظ الكتابة ولو كان الكاتب قادرا على النطق، فمن أراد أن يطلق زوجته فله أن يشافهها به وله أن يكتبه إليها.

والكتابة المستبينة المرسومة كألفاظ الصريح يقع بها الطلاق بدون توقف على نية، والكتابة المستبينة غير المرسومة كألفاظ الكنايات لا يقع الطلاق بها إلا بالنية.

والكتابة غير المستبينة لا عبرة بها ولا يقع بها طلاق.

والمراد بالمستبينة البيّن أثرها بحيث تقرأ في صحيفة ونحوها، وغير المستبينة ما لا يبيّن لها أثر كالكتابة في الهواء أو على الماء.

والمراد بالمرسومة المكتوبة برسم الزوجة وعنوانها الخاص بها كائن يكتب: إلى زوجتي فلانة. أما بعد إن علمت من أمرك ما علمت فأنت طالق، وغير المرسومة ما لم تكن بعنوان خاص كأن توجد ورقة مكتوب فيها بخط الزوج فلانة طالق وفلانة اسم زوجته، ولا يدري إن كانت هذه العبارة كتبها لإيقاع الطلاق، أو لتجربة قلم أو مداد، فلا بد من النية ليتعين المقصود.

ويقوم مقام اللفظ أيضا إشارة الأخرس المعهودة في الدلالة على قصده لإيقاع الطلاق. والراجح أنه لا يقع طلاقه بالإشارة إلا إذا كان لا يعرف الكتابة. أما إذا كان قادرا على الكتابة فلا يكتفي بالإشارة؛ لأن الكتابة أدل على المراد، والإشارة أداة تفهم يكتفى بها للضرورة ومع القدرة على الكتابة لا ضرورة.

ويشترط لوقوع الطلاق أن يكون لفظه مضافا، أي: مسندا إلى الزوجة إضافة حقيقية أو معنوية، فالإضافة الحقيقية مثل أنت طالق أو زوجتي فلانة طالق، والإضافة المعنوية مثل علي الطلاق على رأي من يوقع به؛ لأن معناه يلزمني طلاقك.

عدد الطلقات:

يعتبر عدد الطلقات بالزوجات لا بالأزواج، فإذا كانت الزوجة حرة ملك عليها زوجها ثلاث طلقات سواء كان هو حرا أو عبدا، وإذا كانت الزوجة أمة ملك عليها زوجها طلقتين سواء كان هو حرا أو عبدا.

ص: 139

قال الله تعالى في سورة البقرة: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} إلى أن قال: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} دلت هذه الآية على أمور:

"أحدها" أن عدد الطلقات ثلاث فقط؛ لأنها رتبت على كل مرة من المرتين إمساكا بمعروف أو تسريح بإحسان، والإمسكاك بالمعروف يكون بالرجعة في العدة. والتسريح بالإحسان يكون بتركها حتى تنقضي عدتها، ورتبت على الثالثة أنها لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، فدل هذا على أنه بالثالثة انتهى ملكه وحله، فليس له إلا ثلاث طلقات.

"ثانيها" ما يترتب على الطلاق في كل مرة. فالطلاق أول مرة وثان مرة يترتب عليه أن يكون للزوج حق في إمساك الزوجة بالمعروف، وذلك بمراجعتها في عدتها أو في التسريح بالإحسان، وذلك بتركها حتى تنقضي عدتها، والطلاق للمرة الثالثة يحرمها عليه فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره.

ومقتضى إطلاق الآية أن لا يفرق بين الحرة والأمة، ولكن الحديث المشهور وهو قوله -صلى الله عليه: $"طلاق الأمة ثنتان وعدتها حيضتان". قيد إطلاق الآية ودل على أنها خاصة بالحرة، فعدد الطلقات ثلاث للحرة وهو ثابت بالقرآن، وثنتان للرقيقة وهو ثابت بالسنة.

"ثالثها" أن هذه الطلقات الثلاث لا تقع إلا مرة بعد مرة ولا تقع دفعة واحدة؛ لأن معنى قوله: الطلاق مرتان: التطليق مرة بعد مرة، وعلى هذا لو أوقع الثلاث مرة واحدة لا تقع الثلاث، وإنما تقع طلقة واحدة فلو قال لزوجته أنت طالق ثلاثا أو بالثلاث أو هكذا وأشار بأصابعه الثلاث لا تقع إلا واحدة والعدد لغو، وهذا هو ما عليه العمل الآن وهو الوارد بالمادة "3" من القانون رقم 25 سنة 1929، ونصها:"الطلاق المقترن بعدد لفظا أو إشارة لا يقع إلا واحدة".

وهذا مخالف لمذاهب الأئمة الأربعة وموافق لمذاهب أئمة آخرين من فقهاء الصحابة ومجتهدي المسلمين، وفي الأخذ به صيانة لرباطة الزوجية من العبث وحمل الأزواج على اتباع السنن المشروع لإيقاع الطلاق مرة بعد مرة.

ص: 140