الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الايجاب بلفظ منها؛ لأن معانيها تنافي معنى الزواج الشرعي المقصود به ملك المتعة في الحال على سبيل التأييد والدوام.
وإذا كان العاقدان حاضرين تكو الصيغة منهما بالعبارة؛ لأنها أدل طرق الدلالة فحيث أمكنت لا يعدل عنها إلى غيرها، وإذا كان أحدهما غائبا عن الآخر تكون الصيغة بالكتابة لتعذر المشافهة، وإذا كان العاقد أخرس فإن كان يحسن الكتابة عقد بها، وإن كان لا يكتب عقد بإشارته المعهودة الدالة على قصده، فلا عقد بالكتابة إلا حيث تعذرت المشافهة بالعبارة. ولا عقد بالإشارة إلا حيث تعذرت الدلالة على القصد بالكتابة، وفي هذا جمع بين الاحتياط واليسر. ولذا قال في الدرر "لو كتب الحاضر على شيء لامرأة زوجيني نفسك فكتبت المرأة على ذلك الشيء عقبه زوجت نفسي منك لا ينعقد الزواج".
شروط الزواج:
للزواج شروط شرعية لانعقاده، ولصحته، ولنفاذه للزومه، وشروط وضعية لسماع الدعوى به قانونا في محاكمنا الشرعية المصرية، وتسجيله في الوثيقة الرسمية.
وهذا بيان الشروط جميعها:
شروط الانعقاد: شروط انعقاد الزواج هي التي تلزم لتحقق أركانه ويترتب على الإخلال بواحد منها إخلال بركن من أركان الزواج فلا ينعقد شرعا ولا تترتب عليه آثار الزواج الشرعي، وهي أربعة:
1-
أهلية العاقدين بالتمييز، فإذا كان أحد العاقدين فاقد الأهلية للعقد بفقده التمييز بأن كان مجنونا أو صغيرا غير مميز فلا ينعقد الزواج بعبارته كما لا ينعقد منه أي عقد أو تصرف؛ لأن فاقد التمييز لا إرادة له ولا يتصور منه رضا يعتد به.
2-
اتحاد مجلس الايجاب والقبول والمراد باتحاد مجلسهما أنه إذا صدر الايجاب لا يوجد من العاقدين أو أحدهما ما يدل على الإعراض عنه، والاشتغال بغيره حتى يصدر القبول؛ لأنه إن وجد ذلك يعد منهيا للايجاب فلا يصادف القبول
محله ولا ترتبط العبارتان، وليس المراد باتحاد مجلسهما الفور، وأن يكون القبول أثر الإيجاب فورا؛ لأنه لو طال المجلس وتراخى القبول عن الإيجاب ولم يصدر بينهما ما يدل على الاشتغال والإعراض فمجلسها متحد.
وهذا إذا كان العقد بالمشافهة بين عاقدين حاضرين. أما إذا كان العقد بين غائبين بطريق الكتابة أو الرسول فإن مجلس الإيجاب هو مجلس قراءة الغائب للكتاب أما الشهود أو إسماعهم رسالة الرسول، فإذا كتب الرجل إلى امرأة زوجيني نفسك، أو أرسل إليها رسولا بذلك، فلما وصل إليها الكتاب أو الرسول أحضرت الشهود وقرأت عليهم الكتاب، أو عرفتهم مضمونه أو أبلغتهم رسالة الرسول، وأشهدتهم أنها زوجت نفسها منه انعقد الزواج، فلا بد من القبول في مجلس قراءة الكتاب أو بلاغ الرسول بحضرة الشهود ليتحد مجلس الإيجاب والقبول. ولا بد أن يسمع الشهود ما في الكتاب أو رسالة الرسول، ثم يسمعوا القبول ليكونوا سمعوا شطري العقد وشهدوا الإيجاب والقبول.
3-
موافقة القبول للايجاب ولو ضمنا حتى يتحقق اتفاق إرادتي العاقدين على شيء واحد، فإذا خالف القبول الايجاب كله أو بعضه لا ينعقد الزواج، إلا إذا كانت المخالفة إلى خير للموجب فإنها تكون موافقة ضمنية.
فإذا قال الموجب: زوجتك ابنتي فلانة على مهر قدره ستون جنيها فقال القابل: قبلت زواجها على المهر المسمى، انعقد الزواج للموافقة الصريحة، وكذا لو قال قبلت زواجها على ثمانين للموافقة الضمنية. أما لو قبل القابل زواج ابنته الأخرى أو على مهر أقل فلا ينعقد الزواج إلا إذا قبل الموجب الزيادة أو النقص في المجلس حينما تكون المخالفة في المهر.
4-
سماع كل من العاقدين كلام الآخر مع علم القابل أن قصد الموجب بعبارته إنشاء الزواج وإيجابه، وعلم الموجب أن قصد القابل الرضا به والموافقة عليه وإن لم يفهم كل واحد منهما معاني المفردات لعبارة الآخر؛ لأن العبرة للمقاصد.
وهذه الشروط الأربعة ترجع عند التحقيق إلى شيء واحد وهو تحقق رضا الطرفين وتوافق إرادتيهما؛ لأن الشرط الأول وهو تميز العاقدين؛ إنما شرط لأن الرضا لا يكون إلا ممن له إرادة وفاقد التمييز لا إرادة له فلا يتصور منه رضا. والشروط الثلاثة الباقية إنما شرطت ليتحقق ارتباط رضا كل من العاقدين برضا الآخر، وتتفق إرادتهما على شيء معين دلت عليه عبارتهما.
شروط الصحة:
شروط صحة الزواج هي ما يتوقف عليها صحته بعد انعقاده، وليست شروطا لتحقق أركانه وهي اثنان.
1-
أن تكون الزوجة غير محرمة على من يريد التزوج بها بأي سبب من أسباب التحريم المؤبد أو المؤقت؛ لأن للشارع حكمة في تحريم بعض النساء على الرجل، فمن عقد على من لا تحل له فزواجه غير صحيح ولا يحل ما حرم الله.
2-
أن يحضر عقد الزواج شاهدان رجلان أو رجل وامرأتان؛ لأنه عقد له خطره وشأنه لما يترتب عليه من آثار وحقوق فلهذا امتاز شرعا عن سائر العقود بأن اشترط لصحته حضور الشهود؛ ولأنه يترتب على عدم إعلانه بحضور الشهود أن يرتاب الناس ويسيئوا الظن إذا رأوا رجلا يتردد على امرأة من غير أن يكون قد أعلن زواجه بها. ولذا ورد في الحديث: "لا نكاح إلا بشهود1".
ويشترط في الشاهدين أن يكونا عاقلين بالغين حرين؛ لأن هذا العقد الذي له خطره وشأنه لا يعلن إلا عن طريق العقلاء الأحرار البالغين، وأن يسمعا معا كلام العاقدين مع فهمهما أن الغرض منه إيجاب الزواج وقبوله، وإن لم يفهما مفرداته؛ لأنهما إن لم يسمعا معا الصيغة بتمامها فاهمين المراد منها لم يشهدا العقد، فالأصم والنائم والسكران الذي لا يعي ما يسمع لا يصح الزواج بحضورهم؛ لأنهم لا سماع ولا فهم.
1 وقال الإمام مالك: ليس حضور الشهود شرطا لصحة الزواج، وإنما الشرط إعلانه بأي طريق حتى لا يكون سرا، فلو أعلن بغير الشهود صح ولو حضره الشهود وشرط عليهم كتمانه لم يصح.
ولأن الغرض من حضور الشاهدين مجرد إعلان الزواج وإشهاره لا يشترط فيهما العدالة ولا البصر ولا انتفاء التهمة. ولذا يصح الزواج بشهادة فاسقين أو أعميين أو ابني الزوجين أو أحدهما، كما يصح بشهادة رجل وامرأتين، ولا يصح بشهادة النساء وحدهن، وإذا كان الزوجان مسلمين يشترط إسلام الشاهدين. أما إذا كان الزوج مسلما والزوجة كتابية فيصح زواجهما بشهادة كتابيين.
وفي بعض الصور قد يصح عقد الزواج بحضور شاهد واحد في الظاهر كما إذا وكلت امرأة من يزوجها بزوج معين فزوجها الوكيل بمن عينته بحضور شاهد وحضورها صح العقد، وكما إذا وكل الولي من يزوج موليته من معين فزوجها وكيل الولي بحضور شاهد وحضور الولي صح العقد. والحقيقة أن الزواج صح في هاتين الصورتين بحضور شاهدين لا شاهد واحد؛ لأن الضابط العام أنه كلما أمكن اعتبار الموكل مباشرا للعقد بأن كان حاضرا وقت إجرائه يعتبر هو المباشر للعقد ويعتبر الوكيل مجرد سفير ومعبر وكأنه ليس أحد طرفي العقد فيقوم مقام شاهد ثان مع الشاهد الحاضر. ولذلك إذا كان الموكل غير حاضر، بحيث لا يمكن اعتباره هو المباشر للعقد لا يصح إلا بحضور شاهدين.
عقد الزواج رضائي أو شكلي: الباحثون في نطرية العقد عرفوا العقد الرضائي بأنه: ما يكفي في انعقاده اقتران القبول بالإيجاب، ويكون رضا الطرفين وحده موجدا ومكونا للعقد، كالإجارة والوكالة وأكثر العقود، وعرفوا العقد الشكلي بأنه: ما يجب لتكوينه اتباع شكل مخصوص يحدده القانون كالهبة لا توجد قانونا إلا إذا صدرت في ورقة رسمية أمام الموظف العمومي المختص، فبعد أن بينا شرائط انعقاد الزواج وصحته نبين هل هو رضائي أو شكلي.
إذا نظرنا في عقد الزواج نجد أن تكوينه وانعقاده يتم بتحقق ركنه وشرائط انعقاده، وهذه الشرائط مرجعها كما بينا إلى التحقق من تراضي الطرفين وتوافق
إرادتيهما على شيء واحد، وإذا كان انعقاد الزواج يكفي فيه تراضي الطرفين ولا يتوقف على شيء آخر غير رضاهما وتوافق إرادتيهما فهو من هذه الوجهة عقد رضائي؛ لأنه ينعقد بتحقق تراضي العاقدين.
لكن إذا نظرنا إلى أن مجرد انعقاده لا تترتب عليه كل آثاره الشرعية، بل لا بد لترتب آثاره الشرعية عليه من صحته بعد انعقاده، وأن من شرائط صحته شرطا زائدا عن رضا الطرفين وهو إعلانه بحضور الشهود ينتج أنه عقد شكلي؛ لأنه لا تترتب عليه كل آثاره الشرعية إلا بتوفر شيء خارج عن رضا الطرفين وهو حضور الشهود، فهو من هذه الوجهة عقد شكلي. ولكنه ليس شكليا بتمام المعنى الذي أرادوه؛ لأن الشهود المشروط حضورهم يرجع اختيارهم إلى محض إرادة الطرفين؛ ولأن حضور الشهود ليس شرطا متفقا عليه بل فيه خلاف الإمام مالك كما قدمنا.
شروط النفاذ:
شرط نفاذ الزواج هي التي تشترط لنفاذه وعدم توقفه على إجازة أحد بعد انعقاده وصحته وهي اثنان:
1-
أن يكون كل من العاقدين كامل الأهلية بالعقل والبلوغ والحرية، فإن كان واحد منهما ناقص الأهلية بأن كان معتوها مميزا أو صغيرا مميزا أو عبدا فإن عقده الذي يعقده بنفسه إذا استوفى شروط الانعقاد والصحة ينعقد صحيحا موقوفا على إجازة الولي أو المالك، فإن أجازه نفذ وإن لم يجزه بطل. والمراد بالولي ولي النفس لا المال.
فلوجود أصل الأهلية في العاقد بوجود التمييز كان العقد منعقدا، ولنقصها بسبب العته أو الصغر أو الرق كان موقوفا ليتسنى للولي عليهم أن يتدارك منع الضرر عنهم.
2-
وأن يكون كل من العاقدين ذا صفة تخول له أن يتولى العقد وتجعل له الحق في مباشرته بأن يكون أحد الزوجين أو وكيلا عنه أو وليا عليه، فلو كان أحد العاقدين فضوليا باشر العقد لا بوكالته عن أحد الزوجين ولا بولاية عليهما، أو كان وكيلا ولكن خالف فيما وكل فيه، أو كان وليا ولكن يوجد ولي أقرب منه مقدم
عليه، كان عقد أي واحد من هؤلاء إذا استوفى شروط الانعقاد والصحة منعقدا صحيحا موقوفا على إجازة صاحب الشأن1.
شروط اللزوم:
شروط لزوم الزواج يجمعها شرط واحد وهو ألا يكون لأحد الزوجين ولا لغيرهما حق فسخ العقد بعد انعقاده وصحته ونفاذه، فلو كان لأحد حق فسخه كان عقدا صحيحا نافذا غير لازم.
وعلى هذا إذا تزوجت المرأة ووجدت بزوجها عيبا لا يمكنها أن تعاشره معه إلا بضرر فإن زواجها غير لازم؛ لأن لها الحق في طلب فسخه سواء أكان العيب قبل الزواج ولم تعلم به أم حدث بعده ولم ترض به.
وعلى مذهب أبي حنيفة لا يثبت لها هذا الحق إلا إذا كان العيب واحدا من ثلاثة: الجب والخصاء والعنة. وعلى ما عليه العمل الآن بالمحاكم الشرعية المصرية يثبت لها هذا الحق إذا كان العيب مستحكما، لا يمكن البرء منه، أو يمكن بعد زمن، ولا يمكنها المقام معه إلا بضرر أيا كان هذا العيب "مادة 9 من القانون سنة 1930" وسيفصل هذا في موضعه".
وإذا زوجت الكبيرة العاقلة نفسها من زوج كفء لها ولكن على مهر أقل من مهر مثلها بدون رضا أقرب عصبتها كان زواجها غير لازم؛ لأن لهذا العاصب حق طلب فسخ الزواج إن لم يتم الزوج مهر مثلها.
وإذا زوج الصغير أو الصغيرة أو من في حكمهما من الكبار غير المكلفين غير الأب والجد من الأولياء عند عدمهما وكان الزوج كفئا، والمهر مهر المثل كان الزواج غير لازم؛ لأن للصغير أو الصغيرة حق طلب فسخ الزواج إذا بلغ.
وسيبين كل هذا مفصلا في مواضعه.
1 إذا تولى العقد اثنان وكان أحدهما أو كلاهما فضوليا كان العقد موقوفا بالاتفاق، أما إذا تولاه واحد هو فضولي من الجانبين أو من جانب واحد كان العقد موقوفا أيضا عند أبي يوسف. وغير منعقد عند الطرفين لعدم اتحاد مجلس الإيجاب والقبول. ومنشأ الخلاف هل عبارة هذا الواحد عقد تام أو شطر عقد.
شروط سماع الدعوى به قانونا:
لما أثبتت الحوادث أن الزواج كثيرا ما يدعى زورا، طمعا في المال أو رغبة في النكاية والتشهير، اشترط الشارع الوضعي في مصر لسماع الدعوى به وجود دليل كتابي يؤيدها على التفصيل الذي سنبينه. كذلك لما تبين أن في زواج صغار السن أضرارا صحية واجتماعية وأريد حمل الناس على عدم عقد الزواج قبل بلوغ الزوجين سنا معينة اشترط الشارع الوضعي في مصر لسماع دعوى الزوجية أن لا تقل سن الزوجة عن 16 سنة وسن الزوج عن 18 سنة وقت الدعوى، كما اشترط لمباشرة العقد لدى الموظف الرسمي المختص أن لا تقل سن الزوجين عن هذه السن وقت العقد.
فالشرط القانوني لسماع دعوى الزوجية في المحاكم الشرعية المصرية أمران: "الأول" وجود مسوغ كتابي على التفصيل الذي سنبينه. "والثاني" بلوغ الزوجين وقت الدعوى سنا حددها القانون، والشرط لمباشرة عقد الزواج لدى الموظف الرسمي المختص بإجرائه هو بلوغ الزوجين وقت العقد السن المحددة.
ونحن نفصل هذه الشروط ونبين مصدرها من لائحة الإجراءات الشرعية وبعض ما صدر بشأنها من المنشورات والمذكرات الإيضاحية.
المسوغ الكتابي لسماع دعوى الزواج: يختلف المسوغ الكتابي لسماع دعوى الزواج باختلاف الوقت المدعى حصول الزواج فيه؛ وذلك لأن لائحة إجراءات المحاكم الشرعية المصرية التي نصت على عدم سماع دعوى الزوجية في بعض الحالات إلا بمسوغ كتابي صدرت سنة 1897م. ثم عدلت ثانيا في سنة 1910م. ثم عدلت ثالثا في سنة 1931م، وهو المعروف بالقانون رقم 78 سنة 1931، وفي كل تعديل زيدت قيود جديدة في المسوغ رغبة في سد الذريعة إلى دعوى الزواج زورا. ومن هذا التدرج التشريعي اختلف المسوغ باختلاف الوقت المدعى أن الزواج وقع فيه.
فإذا كان الزواج مدعى حصوله قبل سنة 1897م، والدعوى مقامة من أحد الزوجين والمدعى عليه ينكره فلا يشترط وجود دليل كتابي لسماع الدعوى به قانونا، بل يكتفي بشهادة الشهود بشرط أن تكون الزوجية معروفة بالشهرة العامة.
وهذا وارد بالفقرة 2 من المادة 99 من القانون رقم 78 سنة 1931 ونصها:
ومع ذلك يجوز سماع دعوى الزوجية أو الإقرار بها المقامة من أحد الزوجين في الحوادث السابقة على سنة 1897 فقط بشهادة الشهود وبشرط أن تكون الزوجية معروفة بالشهرة العامة.
وإذا كان الزواج مدعى حصوله في المدة من سنة 1897 إلى سنة 1911م والمدعى عليه ينكره، وأحد الزوجين متوفى، فلا تسمع الدعوى به إلا إذا كانت مؤيدة بأوراق خالية من شبهة التزوير تدل على صحتها سواء كانت الدعوى من أحد الزوجين أو من غيره، وهذا وارد بالفقرة 1 من المادة 99 المذكورة ونصها:
لا تسمع عند الإنكار دعوى الزوجية أو الطلاق أو الإقرار بهما بعد وفاة أحد الزوجين في الحوادث السابقة على سنة 1911م سواء كانت مقامة من أحد الزوجين أم من غيره، إلا إذا كانت مؤيدة بأوراق خالية من شبهة التزوير وتدل على صحتها.
وإذا كان الزواج مدعى حصوله في المدة من سنة 1911 إلى غاية يوليو سنة 1931 والمدعى عليه ينكره، وأحد الزوجين متوفى فلا تسمع الدعوى إلا إذا كانت ثابتة بأوراق رسمية أو مكتوبة كلها بخط المتوفى وعليها إمضاؤه كذلك، سواء كانت الدعوى من أحد الزوجين أم من غيره، وهذا وارد بالفقرة 3 من المادة 99 ونصها:
ولا يجوز سماع دعوى ما ذكر كله من أحد الزوجين أو غيره في الحوادث الواقعة من سنة 1911م إلا إذا كانت ثابتة بأوراق رسمية أو مكتوبة كلها بخط المتوفى وعليها إمضاؤه كذلك.
وإذا كان الزواج مدعى حصوله في المدة من أول أغسطس سنة 1931م والزوجية منكرة، فلا تسمع الدعوى به إلا إذا كان ثابتا بوثيقة زواج رسمية صادرة على يد الموظف المختص بمقتضى وظيفته بإصدارها سواء كانت الدعوى في حال حياة الزوجين أو بعد الوفاة. وهذا وارد بالفقرة 4 من المادة 99 ونصها:
ولا تسمع عند الإنكار دعوى الزوجية أو الإقرار بها إلا إذا كانت ثابتة بوثيقة زواج رسمية في الحوادث الواقعة من أول أغسطس سنة 1931.
ومن هذا يتبين أنه لا يشترط المسوغ الكتابي لسماع دعوى الزواج إلا عند إنكار الزوجية. أما إذا كان المدعى عليه مقرا بها فإن المقر يعامل بإقراره في أية مدة ادعى حصول الزواج فيها. ويتبين أن التدرج التشريعي بالمسوغ حصل في أمرين: "أحدهما" في نوع الدليل الكتابي فبعد أن كان يكفي أن يكون الدليل أية ورقة خالية من شبهة التزوير صار لا بد أن يكون ورقة رسمية أو مكتوبة وممضاة بخط المتوفى ثم صار لا بد أن يكون وثيقة زواج رسمية. "وثانيهما" في حال المتداعيين فبعد أن كان لا يشترط المسوغ الكتابي إلا إذا كانت الدعوى بعد وفاة أحد الزوجين صار ابتداء من أغسطس سنة 1931 يشترط المسوغ عند الإنكار مطلقا سواء كانت الدعوى في حياة الزوجين أو بعد وفاتهما أو وفاة أحدهما.
والحكمة في هذا كما قدمنا سد الطريق في وجه من يحاول ادعاء الزوجية زورا وبهتانا طمعا في المال أو رغبة في التشهير.
تحديد سن الزوجين لسماع دعوى الزواج: نصت الفقرة 5 من المادة 99 من لائحة الإجراءات الشرعية على أنه "لا تسمع دعوى الزوجية إذا كانت سن الزوجة تقل عن ست عشرة سنة أو سن الزوج تقل عن ثماني عشرة سنة إلا بأمر منا".
وعلى هذا إذا كانت سن أحد الزوجين وقت الدوى أقل من هذه السن المحددة فلا تسمع دعوى الزوجية بينهما. والغرض من هذا حمل الناس على الامتناع من إجراء زواج لمن لم يبلغوا هذه السن؛ لأنه إذا علم أن الزوجية التي تتم بين من لم يبلغوا هذه السن لا يمكن سماع الدعوى بها قانونا ولا المطالبة أمام القضاء بحق من حقوقها أو أي أثر من الآثار المترتبة عليها ما دامت سن الزوجين أو أحدهما أقل من السن المحددة، إذا علم ذلك كف الناس من تلقاء أنفسهم عن الزواج الذي لم يبلغ فيه الزوجان السن المعينة، فبهذا تتلاقى الأضرار الصحية والاجتماعية التي تنشأ من الزواج بين صغار السن.
وقد جاء في المذكرة الإيضاحية بشأن هذه الفقرة ما نصه:
كانت دعوى الزوجية لا تسمع إذا كانت سن الزوجين وقت العقد أقل من 16 سنة للزوجة و18 للزوج سواء كانت سنهما كذلك وقت الدعوى أم جاوزت هذا الحد، فرئي تيسيرا على الناس وصيانة للحقوق، واحتراما لآثار الزوجية أن يقصر المنع من السماع على حالة واحدة وهي ما إذا كانت سنهما أو سن أحدهما وقت الدعوى أقل من السن المحددة.
وقد توهم بعض القضاة أن هذه السن المحددة شرط لسماع الدعوى إذا كان النزاع في ذات الزوجية. أما إذا كان النزاع في الآثار المترتبة عليها فليست شرطا. ودفعا لهذا التوهم أصدرت وزارة الحقانية المنشور رقم 29 لسنة 1921 تلفت نظر القضاة إلى العمل بإطلاق هذه الفقرة وعدم سماع دعوى الزوجية ممن لم يبلغ السن المحددة مطلقا، سواء أكان النزاع في ذات الزوجية أم فيما يترتب عليها من الآثار كالنفقة والطاعة.
تحديد سن الزوجين لمباشرة عقد الزواج رسميا: نصت الفقرة الثانية من المادة 266 من لائحة الإجراءات على أنه لا يجوز مباشرة عقد الزواج،
ولا المصادقة على زواج مسند إلى ما قبل العمل بهذا القانون ما لم تكن سن الزوجة ست عشرة سنة وسن الزوج ثماني عشرة سنة وقت العقد.
فإذا كانت سن أحد الزوجين وقت العقد أقل من هذه السن المحددة فلا يجوز للموظف الرسمي المختص بمباشرة عقد الزواج أن يجريه رسميا بينهما.
ومما جاء في المذكرة الإيضاحية بشأن هذه الفقرة أن عقد الزواج له من الأهمية في الحالة الاجتماعية منزلة عظمى من جهة سعادة المعيشة المنزلية، أو شقائها والعناية بالنسل أو إهماله، وقد تطورت الحال بحيث أصبحت تتطلب المعيشة المنزلية استعدادا كبيرا لحسن القيام بها ولا تستأهل الزوجة والزوج لذلك غالبا قبل سن الرشد المالي1. غير أنه لما كانت بنية الأنثى تستحكم وتقوى قبل استحكام بنية الصبي. وما يلزم لتأهل البنت للمعيشة الزوجية يتدارك في زمن أقل مما يلزم للصبي كان من المناسب أن يكون سن الزواج للفتى 18 سنة وللفتاة 16سنة. فلهذه الأغراض الاجتماعية حدد الشارع المصري سن الزواج لمباشرة رسميا كما حدد سنا لسماع دعوى الزوجية قانونا.
غير أن تنفيذ هذا القانون لاقى صعوبات من جهة الطرق التي توصل إلى معرفة حقيقة سن الزوجين وقت العقد؛ لأن كثيرا من الأزواج لا يظهرون شهادات الميلاد الرسمية أو لا تكون لديهم شهادات ميلاد. ولذلك أصدرت وزارة الحقانية عدة منشورات بشأن ما يتبع لتعرف سن الزوجين وقت العقد من الاكتفاء بما يدل على السن من أوراق رسمية أو شهادات الأقارب أو من لهم معرفة تامة بحال الزوجين. ثم أصدرت منشورا بالاكتفاء بشهادة الطبيب. ثم أصدرت منشورا بأن للمأذون
1 كان ذلك حين كانت سن الرشد المالي 18 سنة قبل أن يعدل بزيادته إلى 21 بمقتضى المادة 29 من قانون المجالس الحسبية الصادر في أكتوبر سنة 1925 ونصها: "تنتهي الوصاية أو الولاية على المال متى بلغ القاصر من العمر إحدى وعشرين سنة ميلادية إلا إذا قرر المجلس استمرارها".
أن يأخذ على مسئوليته بلوغ الزوجين السن القانونية عند عدم الاشتباه، وكان من نتائج ذلك أن هذا القانون قلل من مباشرة الزواج بين صغار السن ولم يمنعه بتاتا.
ومما زاد في صعوبة تنفيذ هذا القانون أن محكمة النقض والإبرام لم تعتبر ذكر الشهود سنا غير حقيقية مع علمهم بالسن الحقيقية جناية تزوير معنوي معاقب عليه بعقوبة التزوير، بناء على أن واقعة السن ليست ركنا أساسيا في عقد الزواج؛ لأن الزواج شرعا بدونها يصح وينفذ ويترتب عليه آثاره الشرعية.
وقد جاء في حكم محكمة النقض والإبرام الصادر في 29 نوفمبر سنة 1930 ما نصه:
"إن الزواج عقد قررته الأحكام الدينية أو المدنية تنظيما لأمر طبيعي لا محيص عنه البتة، وهو الضرورة الدافعة لتلاقي الذكر بالأنثى متى بلغ أيهما حد النضوج الجنسي".
وهذه الضرورة الدافعة يستحيل معها لأي شارع سياسي أن يمس أصل حلية الزواج لأي ذكر وأنثى غير محرمين. وكل ما في الأمر أن ما توجبه الضرورات الاجتماعية من مراعاة الأفراد المتزاوجين مراعاة صحية حميدة الأثر في الأمة تبيح لأولي الأمر من طريق السياسة الشرعية أن يتخذوا من التدابير ما به يقللون جهد الاستطاعة أن يحصل تزاوج بين فردين أحدهما، أو كلاهما لما يبلغ سنا خاصة، معها يغلب على الظن حيازته لدرجة كافية من الخبرة والاتزان العقلي اللازمين لحسن الحال في المعيشة الزوجية ويترجح معها أن الزواج غير مؤذ به.
ولكن مهما تكن تلك التدابير فلا يجوز قطعا أن تصل إلى تحريم الزواج على من لم يبلغ تلك السن، وإلا كان الشارع معاندا للطبيعة فلا تلبث أن تثأر لنفسها بإحباط عمله ومقابلته بفشو الزنا بين صغار السن، ويصبح وقد وقع فيما يريد اتقاءه، وزاد عليه كثرة النسل الضعيف من أولاده الغير الشرعيين.
ولقد أدرك الشارع الوضعي المصري هذه الحقيقة فلم يتعرض قط لحلية الزواج بين صغار السن، بل ترك الناس أحرارا يتزاوجون كما يشاءون في حدود الأوضاع الدينية في أية سن أرادوا، وسلك إلى تحقيق غرضه طريقا غير مباشر ذلك بأن حرم على عماله: قضاة شرعيين كانوا أو مأذونين أن يحرروا عقد زواج رسمي لمن لم تبلغ سن السادس عشرة أو لمن يبلغ الثامن عشرة، كما حرم على المحاكم الشرعية أن تسمع دعوى زوجية من لم يبلغوا هذه السن.
بهذه الطريقة السلبية غير المباشرة رجا الشارع أن يحمل الأفراد على ما يريد من تقليل الزواج بين الصغار جهد الاستطاعة، ولكن بقي مع ذلك دائما أن من يعقد عقدا مستوفيا شروطه الشرعية الأساسية مهما تكن سنه فعقده صحيح ديانة، بل وصحيح قانونا في غير ما نص على عدم اعتباره فيه وهو مجرد عدم سماع الدعوى به؛ لأنه لو لم يكن كذلك لاعتبرت مقاربة الزوج للزوجة الصغيرة هتك عرض يعاقب عليها بالمادة 232 من قانون العقوبات، وهذا لا يستطيع أن يقول به أحد.
وصيانة القانون تحديد السن لمباشرة العقد من التلاعب به صدر أخيرا القانون رقم 44 لسنة 1933 ونص المادة 2 منه ما يأتي:
مادة 2- يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنتين أو بغرامة لا تزيد على مائة جنيه كل ما أبدى أمام السلطة المختصة بقصد إثبات بلوغ أحد الزوجين السن المحددة قانونا لضبط عقد الزواج أقوالا يعلم أنها غير صحيحة أو حرر أو قدم لها أوراقا كذلك متى ضبط عقد الزواج على أساس هذه الأقوال أو الأوراق.
ويعاقب بالحبس أو بغرامة لا تزيد على مائتي جنيه كل شخص خوله القانون سلطة ضبط عقد الزواج، وهو يعلم أن أحد طرفيه لم يبلغ السن المحددة في القانون.