الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحَجْر:
تعريفه:
الحجر لغة المنع. وشرعا هو المنع من نفاذ العقود والتصرفات القولية. فمن قام به سبب من أسباب الحجر الستة الآتي بيانها منع من أن يباشر عقدا أو تصرفا قوليا، بحيث إذا باشر شيئا من ذلك لا ينفذ، ولا يلزمه حكمه على التفصيل الذي سيذكر لكل محجور عليه.
ومن هذا التعريف يؤخذ أن الحجر إنما يكون عن العقود والتصرفات القولية؛ لأنها هي التي يتصور الحجر فيها بالمنع من نفاذها، وعدم ترتب حكمها عليها فكأنها شرعا لم تكن. أما أفعال الجوارح فلا يتصور الحجر فيها؛ لأن الفعل متى وقع لا يمكن رفعه. وبناء على هذا فالمحجور عليه بأي سبب من أسباب الحجر مؤاخذ بأفعاله، وإن كانت لا تنفذ عليه تصرفاته القولية. فإذا أتلف المجنون أو المعتوه أو الصبي مالا أو نفسا أو ما دونها ضمنوا ما أتلفوه؛ لأن اعتبار الفعل لا يتوقف على القصد، كالنائم إذا انقلب على مال إنسان فأتلفه ضمن وإن عدم القصد1. ومتى لزمهم الضمان فإن كان للمتلف منهم مال ألزم الولي عليه بأن يؤدي الضمان من ماله، وإذا لم يكن للمتلف مال لا يخاطب بأداء ضمان ما أتلفه، إلا عند القدرة كالمعسر لا يطالب بالدين إلا إذا أيسر.
وهذا إذا لم يكن صاحب المال المتلف هو الذي سلط المحجور عليه على ماله بدون إذن الولي أو الوصي عليه. أما إذا أقرض إنسان ماله لمجنون أو معتوه أو صبي أو أي محجور عليه بدون إذن الولي عليه، أو أودعه وديعة، أو أعاره عارية، فهلك القرض أو الوديعة أو العارية، أو استهلك في يد المحجور عليه، فلا ضمان عليه، والمالك هو المفرط؛ لأنه عرض ماله للضياع وسلط عليه يدا لا تحفظه. لكن إذا فعل صاحب المال شيئا من ذلك بإذن الولي فأتلفه المحجور عليه وجب الضمان.
1 ولهذا نصوا على أن الصبي أو المجنون إذا قتل أحدهما إنسانا كان مؤاخذا بفعله، غير أن ليس لواحد منهما عمد، بل القتل منهما يعتبر خطأ يوجب الدية على العاقلة.
دليله:
الأصل الذي بني عليه الحجر هو قوله تعالى في سورة النساء: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا، وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} .
نهى الله سبحانه الولاة أن يؤتوا السفهاء أموالهم؛ لأن في إعطائها لهم تعريضها للضياع، وهذا يدل على منع هؤلاء السفهاء من التصرف فيها؛ لأنهم لو نفذت تصرفاتهم فيها لأضاعوها، وهي في يد الولاة ببيعها أو هبتها أو أي تصرف فيها، فلا يكون لحبسها عنهم فائدة ولا للنهي عن إيتائهم أموالهم ثمرة.
حكمة تشريعه: لما كان فاقد العقل وهو المجنون والصغير غير المميز ليس أهلا للقصد، ولا يتصور منه الرضا لعدم التمييز. وناقص العقل وهو المعتوه والصبي المميز ليس أهلا لتقدير المصلحة، حجر الشارع على كل واحد منهم ومنعه من التصرف في ماله حتى لا تضيع أموالهم وحتى يحال بينهم وبين من يحتالون عليهم لأخذ أموالهم بالباطل رحمة بهم، وصيانة لمالهم، كما حجر على السفيه وذي الغفلة رحمة بهما وحفظا لمالهما. وكما حجر على المدين دفعا للضرر عن دائنيه. وكم حجر على الطبيب الجاهل بمنعه من مزاولة مهنته دفعا للضرر عن الأبدان. وعلى المفتي الماجن الذي يعلم الناس الحيل دفعا للضرر عن الأديان. وعلى المكاري المفلس صيانة الأموال، ففي الحجر على كل من حجر عليهم مصلحة خاصة ومصالح عامة وكلها ترجع إلى حفظ مال من لا يستطيع المحافظة على ماله، وإلى دفع الضرر عنهم وعن الناس، فالحجر على المجنون والمعتوه والصبي والسفيه هو لمصلحة أنفسهم بحفظ أموالهم من أن يبددوها، ومن أن يسلبها الناس منهم بالباطل. والحجر على المدين، والطبيب الجاهل، والمفتي الماجن، هو لمصلحة الناس بحفظ حقوقهم وأبدانهم ودينهم.
وليس في الحجر أضرار بأموال المحجور عليهم؛ لأن الشارع جعل عليهم ولاة ماليين يحفظون أموالهم، ويستثمرونها بالمعروف وبما فيه نفعهم. ومن لا ولي له
من أب أو جد أو وصي أوجب الشارع على القاضي أن يدير شئون أمواله بما يتفق ومصلحته بواسطة من يقيمهم من الوصاة أو القوام.
أسبابه: أسباب الحجر ستة
الصغر، والجنون، والعته، والسفه، والغفلة، والدين. والأسباب الثلاثة الأولى ترجع إلى فقد الأهلية أو نقصها. ولذا كان الحجر بها متفقا عليه بين الإمام وصاحبيه. أما الأسباب الثلاثة الأخيرة فلا ترجع إلى فقد الأهلية أو نقص فيها؛ لأن كلا من السفيه والمدين وذي الغفلة بالغ عاقل لا قصور في أهليته، وإنما عرض لهم ما يقتضي الحجر عليهم دفعا للضرر عنهم وعن الناس. ولكونهم لا قصور في أهليتهم لم يتفق الإمام وصاحباه على الحجر عليهم، فالإمام لا يرى الحجر عليهم، وصاحباه يريان الحجر عليهم.
استدل الإمام بأن الإنسان متى بلغ عاقلا رشيدا، فقد كملت أهليته، وكان له بمقتضى كمال أهليته حرية التصرف في ملكه، فالحجر عليه بمنعه من التصرف في ملكه فيه إضاعة لأهليته، وإهدار لآدميته، وإلحاق له بالعجماوات، وفاقدي الأهلية. ولا ينبغي إهدار آدمية الإنسان خوفا على ماله من الضياع؛ لأنه لا يرتكب الضرر الأعلى اتقاء للضرر الأدنى. فالإمام يحمي أهلية الإنسان وحرية تصرفه إلى أبعد مدى. ويرى أن لا يحجر على السفيه وذي الغفلة، وإن أضاعا مالهما؛ لأن المال غاد ورائح. كما لا يرى الحجر على المدين فلا توقف تصرفاته ولا يباع ماله عليه جبرا، بل يلجأ بالحبس إلى أن يبيع بنفسه ويسدد دينه، وعلى هذا الأساس نفسه رأى أن الوقف غير لازم؛ لأنه تصرف لا يخرج العين الموقوفة عن ملك الواقف، وما دام ملك المالك ثابتا فلا يسلب حق التصرف في ملكه.
أما الصاحبان فاستدلا بقول الله تعالى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ} . وهذا النهي عن إعطاء السفهاء أموالهم يدل على منعهم من التصرف فيها؛ لأنهم لو أبيح لهم التصرف فيها أضاعوها، وهي في يد أوليائهم فضاعت حكمة النهي. وبأن الصبي المميز والمعتوه حجر عليهما
مع أن إضرارهما بمالهما محتمل، فالسفيه وذو الغفلة أولى بالحجر عليهما؛ لأن إضرارهما بأموالهما محقق؛ ولأن في عدم الحجر على المدين إضاعة لحقوق الدائنين، وإضرارا بهم والضرر مدفوع شرعا. والمفتى به مذهب الصاحبين وعليه العمل.
والمحجور عليهم لفقد الأهلية أو نقصها أو للسفه أو الغفلة خاضعون الآن بمصر في كل ما يتعلق بالحجر عليهم، وبرفع الحجر عنهم، وتدبير شئونهم المالية للمجالس الحسبية بمقتضى المادة 3 من قانون المجالس الحسبية الصادر في أكتوبر سنة 1925، أما المدين فالنظر في تصرفاته والفصل ببطلانها أو عدمه من اختصاص المحاكم الأهلية المدنية، فهي التي يطلب منها الدائنون الحكم ببطلان تصرف مدينهم الضار بحقوقهم. ومن هذا ما نص عليه في المادة 53 من القانون المدني من أنه لا يجوز لأحد أن يوقف ماله إضرارا بمداينيه، وإن وقف كان الوقف باطلا.
أثر الحجر:
يختلف أثر الحجر في تصرفات المحجور عليه باختلاف سببه بمعنى أن أثر الحجر في تصرف الصغير يخالف من بعض الوجوه أثره في تصرف المجنون أو المعتوه أو السفيه. وهذا البيان:
الصغير غير المميز والمجنون:
الصغير غير المميز هو الطفل الذي لم تبلغ سنه سبع سنين، ولا يفهم ما يترتب على العقود والتصرفات. ولا يميز الغبن الفاحش من اليسير، والمجنون جنونا مطبقا هو من فقد عقله واستوعب جنونه جميع أوقاته. هذان فاقدا الأهلية وليس واحد منهما أهلا لأي تصرف، سواء كان نافعا أو ضارا، أو دائرا بين النفع والضرر، فكل عقد أو تصرف يباشره أحدهما يكون باطلا غير منعقد؛ لأن عبارة العاقد إنما تعتبر شرعا لما تدل عليه من الرضا والقصد. وهذان لا تمييز عندهما فلا رضا ولا قصد، فعبارة الواحد منهما لغو.
أما إذا كان المجنون جنونه غير مطبق، بأن كان يذهب عقله في بعض الأوقات ويعود إليه في بعضها، فإن تصرفاته في وقت ذهاب عقله تكون باطله؛ لصدورها
من فاقد الأهلية. وتصرفاته في وقت عودة عقله إليه، تكون صحيحة لصدورها من كامل الأهلية بشرط أن يكون في وقت عودة عقله إليه مفيقا إفاقة تامة.
الصغير المميز والمعتوه المميز:
الصغير المميز هو من بلغ سبع سنين. ويفهم ما يترتب على العقود والتصرفات. ويميز الغبن الفاحش من اليسير. والمعتوه المميز هو من كان قليل الفهم مختلط الكلام، سيئ التدبير لاضطراب عقله، هذان ناقصا الأهلية وليسا فاقديها؛ لأن أصل الأهلية يكون بالتمييز وهو متحقق فيهما، ولوجود أصل الأهلية فيهما ونقصها كان حكم تصرف الواحد منهما على ما يأتي:
إن كان تصرفه نافعا له نفعا محضا كقبوله الهبة له أو الوصية صح، ونفذ بدون توقف على إجازة وليه. وإن كان تصرفه ضارا به ضررا محضا كتبرعه بشيء من ماله، أو إقراضه، أو إعارته، بطل، ولا تصححه إجازة الولي؛ لأن الإجازة إنما تلحق الصحيح الموقوف ولا تلحق الباطل. وإن كان تصرف محتملا النفع والضرر كبيعه وشرائه وتأجيره واستئجاره، وسائر معاوضاته صح، وكان موقوفا نفاذه على إجازة وليه، فإن أجازه إجازة معتبرة شرعا بأن كان التصرف الذي أجازه ليس فيه غبن فاحش نفذ، وإن لم يجزه أو أجازه مع أن فيه غبنا فاحشا لم ينفذ، فلوجود أصل الأهلية صححنا التصرف الدائر بين النفع والضرر، ولنقصها جعلناه موقوفا نفاذه على إجازة الولي ليجبر برأيه وتقديره ما نقص من أهلية الصغير المميز أو المعتوه1.
السفيه وذو الغفلة:
السفيه هو من يبذر ماله ويضيعه فيما لا مصلحة له فيه، ولا يرتضيه عقل ولا دين، وذو الغفلة هو السليم القلب الذي يغبن في المبايعات ولا يهتدي إلى الرابح من التصرفات.
1 وبعض الصبيان المميزين يأذنهم الولي عليهم بالاتجار لما يأنسه فيهم من خبرة، وبهذا الإذن تنفذ تصرفاتهم التجارية من بيع وشراء ورهن وصلح وتأجيل دين وكل ما تستلزمه التجارة، ولكن ليس له أي تبرع. فالإذن السابق كالإجازة اللاحقة، ويسمى الصبي المأذون له بالتجارة.
هذان بالغان عاقلان ليسا فاقدي الأهلية ولا ناقصيها، والحجر عليهما على مذهب الصاحبين المفتى به ليس لقصور أهليتهما، وإنما هو لدفع الضرر عنهما، ودفع الضرر عن الناس بمعاملتهما، فإذا وجد من إنسان ما يدل على سفهه أو غفلته حجر عليه. ولكمال أهليتهما وكون الحجر عليهما إنما هو لحفظ مالهما كان كل منهما مخاطبا بجميع العبادات، وأهلا للتكاليف، وكان حكم تصرف الواحد منهما بعد الحجر عليه على ما يأتي:
إن كان تصرفه مما لا يقبل الفسخ ولا يبطله الهزل كان صحيحا نافذا، ولذا كان زواج كل منهما وطلاقه صحيحا نافذا لصدوره من كامل الأهلية.
وإن كان تصرفه مما عدا ذلك من العقود والتصرفات فحكمه حكم تصرف الصبي المميز والمعتوه المميز. فإن كان نافعا له نفعا محضا صح ونفذ. وإن كان ضارا به ضررا محضا بطل ولا تلحقه إجازة1. وإن كان محتملا النفع والضرر صح وكان موقوفا على إجازة القيّم عليه، فإن أجازه ولم يكن فيه غبن فاحش نفذ، وإن لم يجزه أو أجازه وفيه غبن فاحش لا ينفذ.
مبدأ ثبوت الحجر: ومع إتفاق الصاحبين على الحجر على السفيه وذي الغفلة اختلفا في أن الحجر هل يثبت بمجرد ظهور دلائل السفه والغفلة ويزول بزوالها، أو لا يثبت إلا بصدور قرار بالحجر من الجهة المختصة، ولا يزول إلا بصدور قرار منها برفعه.
قال محمد إن المسبب يدور مع سببه وجودا وعدما، فإذا وجدت دلائل السفه أو الغفلة يثبت الحجر من حين ظهورها، سواء صدر قرار الحجر معها أو بعدها، وإذا زالت هذه الدلائل ارتفع الحجر سواء صدر قرار رفعه معها أو بعدها.
وقال أبو يوسف إن مجرد وجود وقائع السفه أو الغفلة لا يثبت بها الحجر حتى يصدر قرار بالحجر بناء عليها فيكون محجورا عليه من حين القرار. وكذلك مجرد ظهور
1 وعلى هذا تكون تبرعات المحجور عليه للسفه باطلة، لكن استثني من ذلك وقفه على نفسه في حياته ثم من بعده على أي جهة عينها؛ لأن وقفه على نفسه حفظ العين وضمان ريعها له، واستثني أيضا وصيته بثلث في سبيل الخير؛ لأن الوصية لا تخرج العين عن ملكه حال حياته. وهو بعد موته في حاجة إلى الثواب لا إلى المال.
دلائل الرشد لا يرتفع بها الحجر حتى يصدر قرار برفع الحجر فيكون غير محجور عليه من حين القرار؛ وذلك لأن وقائع السفه أو الغفلة قد تشتبه وقد تقدر وقائع سفه مع أنها ليست كذلك. وكذا الحال في وقائع الرشد، وإنما الذي يقدر هذه الوقائع ويحكم بأنها أمارات السفه أو أمارات رشد هو القضاء، فيناط الحجر أو رفعه بقراره. ولأن الحجر بالسفه والغفلة مختلف فيه. وإنما يرجحه قضاء الحاكم به. ولأنه إذا اعتبر محجورا عليه قبل صدور قرار بالحجر عليه كان في هذا تغرير بالناس الذين يعاملونه، بناء على أنه لم يقرر حجر عليه. والعمل جار بمذهب أبي يوسف؛ لأنه أضبط ووجهته أوضح.
وعلى هذا الخلاف فكل تصرفات السفيه وذي الغفلة بعد ظهور أمارات سفهه وغفلته، وقبل صدور قرار الحجر عليه تكون على قول أبي يوسف كتصرفات المطلق غير المحجور عليه. وعلى قول محمد حكمها حكم تصرف المحجور عليه.
وتصرفات المحجور عليه للسفه أو الغفلة بعد ظهور أمارات رشده، وقبل صدور قرار برفع الحجر عنه هي كتصرفات الرشيد على قول محمد، وكتصرفات السفيه أو ذي الغفلة على قول أبي يوسف.
المدين:
إذا طلب الدائنون الحجر على مدينهم فعلى مذهب الصاحبين المفتى به يجابون إلى طلبهم، ويحجر على المدين أن يتصرف تصرفا يضر بحقوق الدائنين، بحيث لو باشر تصرفا فيه إضرار بحقوقهم كان غير نافذ وتوقف على إجازتهم، ولهذا لو وقف المحجور عليه للدين فوقفه موقوف نفاذه على إجازة الغرماء، فإن أجازوه نفذ ولزم، وإن لم يجيزوه بطل. ولو وهب أو أوصى فكذلك، وإذا امتنع المدين من أداء ما عليه من الديون، فعلى قول الصاحبين للقاضي أن يبيع من أمواله ما يفي بالدين المطلوب منه مراعيا البدء ببيع ما يخشى عليه التلف منها، ثم بيع سائر المنقولات، ثم بيع سائر العقار. ويترك له ما يلزم له، ولمن تجب عليه نفقتهم بقدر الكفاية من طعام وكسوة وسكنى.
رفع الحجر:
يرفع الحجر عن المحجور عليه متى زال السبب الذي بني عليه الحجر، فيرفع الحجر عن السفيه إذا ظهر رشده وأمارات حرصه على ماله، ويرفع الحجر عن ذي الغفلة إذا ظهرت خبرته واهتدى إلى حسن التصرف، وعن المجنون إذا شفي وعاد إليه عقله. وعن المعتوه إذا كملت قواه العقلية وزال اختلاطه. وأما الصغير فما دام دون سبع سنين فهو غير مميز والحجر عليه كلي يشمل كل تصرف، فإذا بلغ سبع سنين فأكثر فهو مميز والحجر عليه إنما هو في التصرفات الضارة، والدائرة بين النفع والضرر، فإذا بلغ الحلم عاقلا رشيدا فلا حجر عليه، وله حرية التصرف ولا ولاية لأحد عليه في نفس ولا مال.
وبلوغ الحلم للبنت والغلام يكون بظهور علامة من علامات البلوغ كالاحتلام والأحبال، والحيض، فإن لم يظهر على أحدهما شيء من علامات البلوغ، فإنه يحكم ببلوغ كل منهما الحلم متى وصلت سنه خمس عشرة سنة على القول المفتى به.
وأما بلوغ الرشد فإنه على ما عليه العمل الآن في المجالس الحسبية يكون ببلوغ القاصر أو القاصرة إحدى وعشرين سنة ميلادية، وقد جاء في المادة 29 من قانون المجالس الحسبية ما نصه:"تنتهي الوصاية أو الولاية على المال متى بلغ القاصر من العمر إحدى وعشرين سنة ميلادية إلا إذا قرر المجلس استمرارها. ومع ذلك فمتى بلغ القاصر 18 سنة، ولم يمنع من التصرف، جاز له تسلم أمواله ليديرها بنفسه. ويكون للقاصر في هذه الحالة قبض دخله مدة إدارته والتصرف فيه، والتأجير لمدة لا تتجاوز سنة، وزراعة أطيانه، وإجراء ما يلزم للعقارات من أعمال الحفظ والصيانة، ويعد القاصر رشيدا بالنسبة إلى هذه التصرفات، ويبقى قاصرا فيما عداها، ويستمر الوصي في أداء وظيفته بالنسبة إليه".
والرشد شرعا هو كون الشخص مصلحا في ماله لا ينفقه في غير مصلحة ولا يعمل فيه بالتبذير والإسراف، وليس له في الشرع سن محددة غير سن بلوغ الحلم، فإذا بلغ الشخص خمس عشرة سنة رشيدا أصبح ذا أهلية تامة للتصرفات الشرعية جميعها
فتكون له الولاية التامة في ماله، ويصح أن يكون ناظرا على الأوقاف، وأن يكون وليا على غيره في النفس أو المال، وتحديد القانون الحسبي سنا للرشد بعد سن البلوغ إنما هو للاحتياط، ولأجل التحقق من إيناس الرشد.
تنبيه: إذا بلغ الصبي الحلم غير رشيد بأن قارن سفهه بلوغه منع عنه ماله بالاتفاق بين الإمام وصاحبيه؛ لأن الله سبحانه شرط لدفع أموال اليتامى إليهم شرطين: بلوغ الحلم، وإيناس الرشد في قوله تعالى:{وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} . فمتى بلغ الصبي الحلم سفيها لا يدفع إليه ماله حتى يرشد، مهما امتد زمن سفهه ولو بلغ من السن أي مبلغ وهذا قول الصاحبين. وأما الإمام فقال: إذا بلغ سفيها لا يدفع إليه ماله حتى يرشد أو يبلغ خمسا وعشرين سنة، فإذا بلغها دفع إليه ماله على أي حال كان؛ لأنها مظنة رشده وكافية لتجربته، ولا فائدة في الانتظار بعدها.
فعلى مذهب الصاحبين لا فرق بين من بلغ غير سفيه ثم طرأ عليه السفه، وبين من بلغ سفيها، كل منهما يمنع عنه ماله ويحجر عليه أن يتصرف فيه إلى أن يرشد.
وأما على مذهب الإمام فالذي بلغ غير سفيه، ثم طرأ عليه السفه لا يمنع عنه ماله ولا يحجر عليه أن يتصرف فيه. والذي بلغ سفيها يمنع عنه ماله حتى يرشد أو يبلغ خمسا وعشرين سنة فهو يفرق بين السفه المقارن والسفه الطارئ.