الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذا كانت الزوجة مريضة مرض الموت وخالعها زوجها على مال وقبلت صح الخلع ويلزمها المال بشرط ألا يزيد عن ثلث ما تملكه؛ لأنها متبرعة والتبرع في مرض الموت وصية والوصية لا تنفذ إلا من الثلث للأجنبي، والزوج بالخلع صار أجنبيا.
وإذا ماتت هذه المخالعة المريضة وهي في العدة لا يستحق زوجها إلا أقل هذه الأمور، بدل الخلع، وثلث تركتها، وميراثه منها؛ لأنه قد تتواطأ الزوجة مع زوجها في مرض موتها وتسمى له بدل خلع باهظا يزيد عما يستحقه بالميراث، فلأجل الاحتياط لحقوق ورثتها وردا لقصد المتواطئ عليه، قلنا إنها إذا ماتت في العدة لا تأخذ إلا أقل الأشياء الثلاثة، فإن برئت من مرضها ولم تمت منه فله جميع البدل المسمى؛ لأنه تبين أن تصرفها لم يكن في مرض الموت.
أما إذا ماتت بعد انقضاء عدتها فله بدل الخلع المتفق عليه بشرط ألا يزيد عن ثلث تركتها؛ لأنه في حكم الوصية كما قدمنا، ولا نظر إلى مقدار ما يرثه؛ لأنه في هذه الحال ليس من ورثتها.
الحالات التي يطلق فيها القاضي:
قدمنا أن الطلاق قد يكون من الزوج وقد يكون من القاضي بناء على طلب الزوجة، وبينا أن الزوج له حق الطلاق في أي حال ما دام أهلا لإيقاعه، وأما القاضي فلا يطلق الزوجة بناء على طلبها إلا في خمس حالات: نص القانون رقم 25 سنة 1920 على اثنتين منها: وهما التطليق لعدم الإنفاق، والتطليق للعيب. ونص القانون رقم 25 سنة 1929 على الثلاث الباقية وهي التطليق للضرر، والتطليق لغيبة الزوج بلا عذر، والتطليق لحبسه، وهذا بيان حكم كل منها1:
1-
التطليق لعدم الإنفاق:
إذا كان للزوج مال ظاهر يمكن تنفيذ النفقة فيه بالطرق المبينة بلائحة التنفيذ، فللزوجة أن تستوفي نفقتها منه وليس
1 وسنذكر نصوص هذين القانونين في آخر هذا الكتاب ليرجع إليها من أراد.
لها أن تطلب تطليقها منه لعدم إنفاقه عليها، سواء كان الزوج حاضرا أو غائبا قريب الغيبة أو بعيدها؛ لأن غرضها وهو حصولها على نفقتها يتحقق بالتنفيذ في ماله الظاهر.
وإذا لم يكن للزوج مال ظاهر يمكنها أن تنفذ نفقتها فيه، فإما أن يكون حاضرا أو غائبا، غيبة قريبة أو بعيدة.
فإن كان حاضرا وادعت عليه زوجته أنه تاركها بلا نفقة وليس له مال ظاهر تستوفي نفقتها منه وطلبت تطليقها منه لذلك، فإن قال إني معسر وصادقته الزوجة على إعساره، أو لم تصادقه فأثبته بالبينة، ففي هاتين الحالتين اللتين ثبت فيهما إعساره بتصادقهما أو ببينته يمهله القاضي مدة لا تزيد على شهر، فإن أنفق فلا تطلق وإلا طلقها منه القاضي بقوله طلقتك منه.
وإن اعترف بأنه موسر، أو سكت عن بيان حاله من يسار أو إعسار، أو قال إني معسر ولم يثبت قوله بمصادقتها أو بينته، وأصر في كل حالة من هذه الحالات الثلاث على عدم الإنفاق، وأصرت هي على طلب التطليق طلق عليه القاضي في الحال بدون إمهال.
والفرق أنه في الحالين اللتين ثبت فيهما إعساره بالتصادق أو البينة ظاهر حاله أنه غير متعنت، ولا يقصد الإضرار بها، وأنه ما منعه من الإنفاق عليها إلا عسره فيمهل مدة قصيرة لا تزيد على شهر لعل الله يجعل من عسره يسرا، ولا ضرر على الزوجة في اصطبار هذه المهلة القصيرة، وأما في الحالات الثلاث التي اعترف فيها بيساره أو لم يثبت فيها إعساره، فإن الظاهر من إصراره على عدم الإنفاق مع اعترافه باليسار أو عجزه عن إثبات الإعسار أنه يقصد العنت والإضرار بها، فلا فائدة في إمهاله ويطلق عليه في الحال.
وإن كان الزوج غائبا غيبة قريبة وادعت عليه أنها زوجته وغاب عنها وتركها بلا نفقة وليس له مال ظاهر تنفذ فيه، وأثبتت وقائع دعواها جميعها يضرب القاضي لهذا الغائب أجلا يقدر مدته بحسب ما يراه، ويقرر أنه إذا لم يرسل الغائب
في خلال تلك المدة ما تنفق الزوجة منه على نفسها النفقة الحاضرة الواجبة لها عليه أو لم يحضر للإنفاق عليها تطلق عليه، ويكلف قلم الكتاب إعلان الغائب بصورة من هذا القرار والأجل المضروب له، فإن مضت المدمة وحل الأجل ولم يرسل الزوج لزوجته ما تنفق منه على نفسها ولم يحضر للإنفاق عليها وتحققت المحكمة من وصول الإعلان إليه طلقها القاضي منه ما دامت مصرة على طلبها.
ومثل الغائب غيبة قريبة المسجون إذا طلبت زوجته تطليقها منه لعدم إنفاقه عليها وعدم وجود مال ظاهر له لا يطلقها القاضي إلا بعد ضرب أجل له وإعذاره كما تقدم؛ لأنه ما خرج عن كونه غائبا غيبة قريبة.
وإن كان الزوج غائبا غيبة بعيدة وادعت عليه أنها زوجته وغاب عنها وتركها بلا نفقة، وليس له مال ظاهر تنفذ فيه وأثبتت وقائع دعواها جميعها يطلقها القاضي منه في الحال بدون ضرب أجل ولا إعذار.
ففي حضور الزوج يطلق زوجته بدون إمهال في حالات ثلاث، ويمهله في حالتين، وفي غيبته يطلق بدون إمهال في الغيبة البعيدة، ويمهل بحسب ما يرى في القريبة.
ومثل الغائب غيبة بعيدة: الغائب الذي لا يدري مكانه ولا يعلم له محل إقامة، والمفقود الذي لا يعلم أحي هو أو ميت، فمتى أثبتت زوجة الواحد منهما وقائع دعواها التي بيناها تطلق منه في الحال، بدون ضرب أجل ولا إعذار.
والمراد بالغيبة القريبة أن يكون الغائب بمكان يسهل وصول قرار المحكمة إليه بضرب الأجل في مدة لا تتجاوز تسعة أيام، وبالغيبة البعيدة ما ليست كذلك.
ووجه الفرق بين الغائب غيبة قريبة ومن في حكمه وهو المسجون، والغائب غيبة بعيدة ومن في حكمه وهما المجهول محل إقامته والمفقود، أنه في الحالة الأولى يمكن الاحتياط بإعذار الزوج قبل تطليق زوجته منه، ولا ضرر على الزوجة في هذا الاحتياط. وأما في الحالة الثانية فلا يمكن هذا الاحتياط بغير إضرار بالزوجة؛ لأن
الفرض أنه بعيد الغيبة أو مجهول محله أو مفقود فإعذاره متعذر أو ممكن بضررها لحاجته إلى أمد طويل.
والطلاق الذي يوقعه القاضي لعدم الإنفاق في أي حال من هذه الأحوال السابقة رجعي ما دام إيقاعه بعد دخول الزوج بزوجته، فيجوز للزوج أن يراجع زوجته ما دامت في العدة بشرطين: أن تثبت قدرته على الإنفاق عليها، وأن يستعد للقيام بهذا الإنفاق، فإذا لم يتوافر الشرطان لم تصح الرجعة؛ لأن سبب التطليق قائم. وأحكام التطليق لعدم الإنفاق التي بيناها مأخوذة من مذهب الإمام مالك، ودليله أن الزوج عجز عن الإمساك بالمعروف فيجب التسريح بالإحسان، وما دام الزوج لم يسرحها من تلقاء نفسه فإن القاضي ينوب عنه. "المواد 4 و5 و6 من القانون رقم 25 لسنة 1920".
وأما على مذهب الحنفية فلا تطليق لعدم الإنفاق ولا للعجز عنه؛ لأن الزوج إن كان ذا عسر فنظرة إلى ميسرة، وتؤمر الزوجة باستدانة نفقتها ممن تجب عليهم نفقتها عند عدم الزوج ويؤمرون بالإدانة، وكذلك الحال في نفقة من يستحقون النفقة من أولادها، وإن كان موسرا يحبس حتى ينفق على زوجته.
2-
التطليق للعيب:
إذا وجدت الزوجة بزوجها عيبا مستحكما لا يمكن البرء منه أو يمكن بعد زمن طويل، ولا يمكنها المقام معه إلا بضرر كالجنون والجذام والبرص، فلها أن تطلب من القاضي تطليقها منه، سواء كان ذلك العيب بالزوج قبل العقد ولم تعلم به أم حدث بعد العقد ولم ترض به، فإن تزوجته عالمة بالعيب، أو حدث العيب بعد العقد، ورضيت به صراحة أو دلالة بعد علمها، فليس لها طلب التطليق لأجله.
وليست عيوب الزوج التي تسوغ طلب التطليق محصورة، وإنما المدار على كون العيب مستحكما لا يمكن البرء منه أو يمكن بعد زمن طويل، ولا تستطاع العشرة معه إلا بضرر أيا كان نوعه.
ويستعان بأهل الخبرة من الأطباء في معرفة العيب، وما إذا كان متحققا فيه هذه الأوصاف ومسوغا طلب التطليق أو لا.
ومن العيوب التي تتحقق فيها هذه الصفات وتسوغ طلب التطليق: العنة، والجبّ، والخصاء. والعنين هو من لا يقدر على مباشرة النساء، والمجبوب هو الذي استؤصل مه عضو التناسل، والخصي هو الذي سلت خصيتاه.
فإذا تزوجت المرأة ووجدت زوجها عنينا أو مجبوبا أو خصيا ولم تكن قد علمت حين العقد بحقيقة حاله، ولم ترض بالمقام معه على ذلك صراحة أو دلالة وطلبت تطليقها منه، فإن كانت دعواها أنه مجبوب وثبت أنه مجبوب طلقها القاضي منه في الحال ولا فائدة في الانتظار؛ لأن الجب أمر حسي يمكن تعرفه في الحال.
وإن ادعت عليه أنه عنين "ومثله الخصي" وطلبت تطليقها منه؛ لأنه لم يصل إليها بسبب عنته سأله القاضي عن دعواها فإن أقر بها وصادقها على أنه لم يصل إليها يؤجله سنة قمرية ليتبين بمرور الفصول الأربعة المختلفة ما إذا كان عجزه عن مباشرة النساء لعارض يزول أو لعيب مستحكم وهو العنة. ولا يحتسب من السنة أيام غيبتها أو مرضها أو مرضه إن كان مرضا لا تستطاع معه المباشرة، وابتداء السنة من يوم الخصومة إلا إذا كان الزوج مريضا أو به مانع شرعي أو طبعي يمنعه من المباشرة، فإن كان كذلك فيكون ابتداء السنة من حين زوال المانع، فإن مضت السنة وعادت الزوجة إلى القاضي مصرة على طلبها؛ لأنه لم يصل إليها طلقها القاضي منه.
وأما إن سأله القاضي عن دعواها فأنكرها، وقال إنه وصل إليها فإن كانت ثيبا من الأصل فالقول للزوج بيمينه؛ لأن الظاهر يشهد له إذ الأصل في الإنسان السلام، فإن حلف أنه وصل إليها رفضت دعواها، وإن نكل اعتبر نكوله مصادقة لها فيؤجل سنة كما في حال المصادقة السابقة، وإن كانت بكرا من الأصل عين القاضي امرأتين يثق بهما للكشف عليها، فإن قالتا هي ثيب فالقول للزوج بيمينه؛ لأن الظاهر يشهد له والقول بيمينه أيضا في أنه أزال بكارتها بالوقاع لا بالأصبع مثلا. وإن قالتا هي بكر يؤجله سنة كما مر.
فإذا مضت السنة وعادت الزوجة مصرة على طلبها؛ لأنه لم يصل إليها أراها لامرأتين يثق بهما مرة ثانية، فإن قررتا أنها ما تزال بكرا طلقها القاضي منه، وإن قررتا أنها ثيب فالقول للزوج بيمينه.
والسبب في اتخاذ هذه الإجراءات بشأن عيب العنة خاصة أن الوقوف على حقيقة العنة متعذر وليس لأهل الخبرة من الأطباء في هذا العيب رأي قاطع، وقد يكون عجز الرجل عن مباشرة زوجته لعارض سريع الزوال، وليس عيبا مستحكما لا يمكن البرء منه، وقد يعجز الرجل عن مباشرة امرأة دون أخرى أو في حين دون آخر. فلهذا إذا أقر أنه لم يصل إليها يمهل سنة حتى تستبين حاله، وإذا ادعى أنه وصل إليها والظاهر يشهد له صدق يمينه. وإن كان الظاهر يكذبه بأن كانت ما تزال بكرا كما كانت، يمهل والغرض من هذا بناء التطليق على عيب مستحكم لا على مجرد عارض قد يكون سريع الزوال.
والفرقة بالعنة وبأي عيب من العيوب المستحكمة التي لا يمكن البرء منها طلاق بائن، والمأخذ لأحكام التفريق بالعيوب هو مذهب محمد من أئمة الحنفية ومذاهب الأئمة الثلاثة "المواد 9 و10 و11 من القانون رقم 25 سنة 1920".
3-
التطليق للضرر:
إذا ادعت الزوجة على زوجها إضراره بها بأي نوع من أنواع الضرر الذي لا يستطاع معه دوام العشرة بين أمثالها، كأن ادعت عليه أنه يضربها ضربا مبرحا، أو أنه يسبها أو يكرهها على محرم، وطلبت من القاضي تطليقها منه بناء على هذا الضرر، فإذا ثبت الضرر الذي ادعته سواء كان ثبوته باقرار الزوج أو بينته الزوجة وكان من أنواع الضرر الذي لا تستطاع معه العشرة بين أمثالهما، وعجز القاضي عن الإصلاح بينهما طلقها منه.
وإذا عجزت عن إثبات الضرر الذي ادعته قررت المحكمة رفض دعواها، فإذا جاءت ثانية مكررة شكواها طالبة التطليق لإضراره بها ولم تثبت ما تشكو منه،
فحينئذ يعين القاضي حكمين رجلين عدلين من أهل الزوجين إن أمكن وإلا فمن غيرهم ممن لهم خبرة بحالهما وقدرة على الإصلاح بينهما.
وعلى الحكمين أن يتعرفا أسباب الشقاق بين الزوجين ويبذلا جهدهما في الإصلاح، فإن أمكن على طريقة معينة قرارها، وإذا عجزا عن الإصلاح وكانت الإساءة من الزوج أو منهما أو جهل الحال قررا التفريق بينهما بالطلاق. وأما إذا كانت الإساءة من الزوجة فلا تطلق، وإذا اختلفا أَمَرَهما القاضي بمعاودة البحث فإن استمر الخلاف بينهما حَكّم غيرهما، وعلى الحكمين أن يرفعا إلى القاضي ما يقررانه وعلى القاضي أن يحكم بمقتضاه، والطلاق الذي يوقعه القاضي بناء على الضرر الذي أثبتته الزوجة أو بناء على تقرير الحكمين طلاق بائن. ومأخذ هذه الأحكام مذهب مالك ومستنده قوله تعالى في سورة النساء:{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} . "المواد 6 و7 و8 و9 و10 و11 من القانون رقم 25 سنة 1929".
4-
التطليق لغيبة الزوج:
إذا ادعت الزوجة على زوجها أنه غاب عنها سنة فأكثر بلا عذر مقبول وطلبت تطليقها منه لتضررها من بعده عنها هذه المدة الطويلة وأثبتت وقائع دعواها، فإن كان زوجها الغائب لا يمكن وصول الرسائل إليه بأن كان غير معلوم محل إقامته أو معلوما ولا سبيل إلى مراسلته طلقها القاضي منه في الحال، وإن كان يمكن وصول الرسائل إليه ضرب القاضي له أجلا وأعذر إليه بأنه يطلقها عليه إن لم يحضر للإقامة معها، أو ينقلها إليه أو يطلقها، فإذا انقضى الأجل ولم يفعل ولم يبد عذرا مقبولا طلقها القاضي منه، ولو كان له مال تستطيع أن تنفق على نفسها منه؛ لأن هذا تطليق لتضررها ببعده عنها المدة الطويلة بلا عذر، وليس سببه عدم وجود ما تنفق منه، والتطليق لهذه الغيبة طلاق بائن؛ لأنه من