الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثبوت النسب
ثبوت النسب بالفراش
…
ثبوت النسب:
النسب يثبت شرعا بواحد من أدلة ثلاثة: الفراش، والإقرار، والبينة.
1-
ثبوت النسب بالفراش:
المراد شرعا بالفراش الزوجية القائمة حين ابتداء الحمل. فمن حملت وكانت حين حملت زوجة يثبت نسب حملها من زوجها الثابتة زوجيتها به حين حملت، من غير حاجة إلى بينة منها، أو إقرار منه، وهذا النسب يعتبر شرعا ثابتا بالفراش.
وعلة ثبوت النسب بالفراش أن مقتضى عقد الزواج الاختصاص، وأن تكون الزوجة مقصورة على زوجها وحده لا يحل لغيره أن يستمتع بها. ومقتضى هذا الاختصاص أن تكون علقت بحملها من زوجها القائمة زوجيتها به حين حملت؛ لأن الأصل حمل حال الناس على الصلاح، وعدم اعتبار الاحتمالات المبنية على سوء الظن والمؤدية إلى الفضيحة وضياع الأولاد.
ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته يوم حجة الوداع: "والولد للفراش وللعاهر الحجر". والمراد أن الولد نتيجة للفراش وثمرة للزوجية. وأما العاهر الذي لا يتخذ زوجة تختص به فلا ثمرة له ولا ينسب إليه ولد، وعبر عن هذا بأنه له الحجر. إذ يقال لمن خاب ولم يجن ثمرة: بيده التراب أو له الحجر.
وأحكام ثبوت النسب بالفراش مبنية على ثلاثة أصول:
1-
ما يشترط لاعتبار الزوجية فراشا يثبت به النسب.
2-
أقل مدة الحمل.
3-
أقصى مدة الحمل.
فأما ما يشترط لاعتبار الزوجية فراشا يثبت به النسب فهو أن تكون زوجية يتصور عادة أن يكون الحمل منها من جهة أهلية الزوج؛ لأن تحمل منه زوجته. ومن جهة التلاقي بين الزوجين، وقد تفرع على هذا ما يأتي:
لا يثبت نسب الولد من زوج صغير السن ليس بالغا ولا مراهقا؛ لأنه ليس أهلا لأن تحمل منه زوجته فلا تعتبر زوجيته فراشا يثبت به النسب.
ولا تسمع عند الإنكار دعوى النسب لولد زوجة ثبت عدم التلاقي بينها وبين زوجها من حين العقد؛ لأنه مع ثبوت عدم التلاقي بين الزوجين من حين العقد لا يتصور عادة أن يكون الحمل من هذا الزوج، فإذا أنكره ونفى أنه ابنه لا تسمع عليه دعوى نسبه؛ لأنها دعوى يكذبها الظاهر.
وكذلك لا تسمع عند الإنكار دعوى النسب لولد زوجة أتت به بعد سنة من غيبة الزوج عنها؛ لأن ولادتها بعد سنة من غيبته دليل على أنها حملت وهو غائب
عنها، بناء عل ما قرره الطب الشرعي من أن الحمل لا يمكث في بطن أمه أكثر من سنة. فإذا أنكر الزوج هذا الولد ونفى أنه ابنه لا تسمع عليه دعوى نسبه؛ لأن كل دعوى يكذبها الظاهر لا تسمع" "المادة 15 من القانون رقم 25 سنة 1929".
وأما أقل مدة الحمل: فمن المقرر شرعا أنها ستة أشهر لأن الله تعالى قال في سورة الأحقاف: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} . وقال في سورة لقمان: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} . فقد دلت الآية الأولى على أن الحمل والفصال أي: الرضاع معا في ثلاثين شهرا. ودلت الآية الثانية على أن الفصال وحده في عامين، فاستنتج من هذا أن الحمل وحده في ستة أشهر، فهي أقل مدة يتكون فيها الجنين حتى يولد حيا، وقد تفرع على هذا ما يأتي:
أ- ثبوت النسب حال قيام الزواج الصحيح:
إذا ولدت الزوجة حال قيام الزواج الصحيح ولدا لأقل من ستة أشهر من تاريخ العقد عليها لا يثبت نسب ولدها هذا من زوجها؛ لأنها ولدته لأقل من ستة أشهر من تاريخ العقد، ومدة الحمل لا تقل عن ستة أشهر، فحين حملت به لم تكن زوجة ولا فراشا لزوجها فلا يثبت نسبه منه. ولكن إذا أقر الزوج أنه ابنه لا من زنا يثبت نسبه منه بإقراره، ويحمل على أنه كان زوجا لها سرا قبل العقد العلني، أو أنه دخل بها بناء على شبهة فحملت منه، فحملا لحال الزوجين على الصلاح، ومعاملة للمقر بإقراره، وصيانة للولد من الضياع، أثبتنا نسبه ممن أقر أنه ابنه لا من زنا بالإقرار لا بالفراش والمقر أعلم بنفسه والأصل حسن الظن بالناس.
وإذا ولدت حال قيام الزواج الصحيح ولد لتمام ستة أشهر أو لأكثر من تاريخ العقد الصحيح عليها ثبت نسب ولدها هذا من زوجها؛ لأنها حين حملت به كانت
فراشا له بالعقد الصحيح والولد للفراش. فإذا نفى الزوج نسب هذا الولد منه فلا ينتفي إلا بشرطين.
"الأول" أن يسارع إلى نفيه بأن ينفيه ساعة ولادته، أو في وقت شراء أدواتها، أو في أيام التهنئة المعتادة؛ لأنه إن سكت عن نفيه في هذه الأوقات اعتبر سكوته إقرارا بنسبه فلا يقبل منه نفيه بعد ذلك.
"والثاني" أن يلاعن زوجته؛ لأنه بنفيه نسب ولدها منه يرميها بأنها زانية، وهي ترميه بأنه قاذفها، فلا بد من شهادات منهما مقرونات بالأيمان تدرأ حد الزنا عنها، وحد القاذف عنه، بأن يشهد الزوج أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين فيما رماها به من الزنا، والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، وتشهد الزوجة أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماها به من الزنا، والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين. وهذه الشهادات المقرونات بالأيمان هي اللعان، فإذا بادر الزوج إلى نفي الولد ولاعن زوجته وهما مستوفيان شروط اللعان بأن كان كل منهما أهلا لأداء الشهادة، وزوجيتهما صحيحة، والمرأة عفيفة عن الزنا وقته. قضى القاضي بالفرقة بين الزوجين بطلاق بائن، وحكم بنفي نسب الولد من أبيه وإلحاقه بأمه.
والأصل في هذا ما روي عن عبد الله بن مسعود قال: كنا جلوسا في المسجد ليلة الجمعة إذ دخل أنصاري فقال: يا رسول الله أرأيتم الرجل يجد مع زوجته رجلا فإن قتله قتلتموه، وإن تكلم جلدتموه، وإن سكت سكت على غيظ ثم قال: اللهم افتح، فنزلت آية اللعان في سوة النور، وهي قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ، وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ، وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ، وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} .
ب- ثبوت النسب حال قيام الزواج الفاسد:
إذا ولدت الزوجة المدخول بها بعقد زواج فاسد قبل مفارقة زوجها ولدا لأقل من ستة أشهر من تاريخ الدخول الحقيقي بها، لا يثبت نسب ولدها هذا من زوجها؛ لأنها حملت به قبل أن تكون فراشا له بالدخول بها، وإذا ولدت لتمام ستة أشهر أو لأكثر من تاريخ الدخول الحقيقي بها ثبت نسب ولدها من زوجها؛ لأنها حملت به بعد أن صارت فراشا له بالدخول بها. ولا يمكنه أن ينفي نسب هذا الولد أصلا؛ لأن النفي في حال قيام الزواج الصحيح إنما كان بعد اللعان. ولا لعان بين الزوجين بزواج فاسد؛ لأن الآية واردة في الذين يرمون أزواجهم، والزواج عند إطلاق الشارع لا ينصرف إلا إلى الزواج بعقد صحيح.
ويؤخذ من هذا أمران: "الأول" أن الفراش في الزواج الصحيح يتحقق بنفس العقد، وفي الزواج الفاسد لا يتحقق إلا بالدخول الحقيقي بعد العقد الفاسد، ولهذا احتسبت مدة الحمل في حال الزوجية الصحيحة من تاريخ العقد، وفي حال الزوجية الفاسدة من تاريخ الدخول لا العقد. "الثاني" أن الفراش الثابت بالدخول الحقيقي في الزواج الفاسد أقوى من الفراش الثابت بنفس العقد في الزواج الصحيح من جهة أن النسب الثابت بالفراش الأول لا يمكن نفيه أصلا، وأن النسب الثابت بالفراش الثاني يمكن نفيه بالشرطين السابقين.
جـ- ثبوت النسب بعد الدخول بشبهة: إذا دخل رجل على امرأة بشبهة ثم ولدت ولدا، فإن ادعى أنه ابنه ثبت نسبه بهذه الدعوة، وإن لم يدع نسبه لا يثبت منه؛ وذلك لأن الشبهة التي بني عليها دخوله بها أثبتت شبهة فراش، فلا بد لثبوت النسب أن تنضم إليها الدعوة. ولا فرق بين أن تكون الشبهة شبهة في الحكم وهي التي تسمى شبهة الملك، وذلك بأن يشتبه عليه الدليل الشرعي فيفهم منه الإباحة، كما إذا واقَعَ الأب جارية ابنه بشبهة الحديث "أنت ومالك لأبيك" أو واقع المطلق
بلفظ من ألفاظ الكنايات مطلقته وهي في العدة بشبهة الأثر "الكنايات رواجع1" أو شبهة في العقد، كما إذا عقد على امرأة ودخل بها ثم تبين أنها أخته رضاعا، أو شبهة في الفعل، كما إذا زفت إلى الرجل امرأة على أنها زوجته ثم تبين أنها ليست زوجته.
فالدخول بأي شبهة من هذه لا يثبت النسب فيه إلا بادعاء الزوج للولد في أي وقت من تاريخ دخوله بمن اشتبه فيها؛ لأنه أعلم بحال نفسه، فهو نسب ثابت بالإقرار لا بالفراش.
وأما أقصى مدة الحمل: فلم يرد في القرآن الكريم، ولا في السنة الصحيحة المتفق عليها ما يحددها. ولهذا تعددت فيها آراء المجتهدين، فالإمام مالك حددها بأربع سنين، والإمام أبو حنيفة حددها بسنتين. والظاهرية حددوها بتسعة أشهر.
فمن أجل هذا الاختلاف، ولعدم ورود نص يرجع إليه سئل رجال الطب الشرعي وهم أهل الذكر في هذا عن أقصى مدة يمكثها الحمل في بطن أمه، فقرروا بناء على بحوثهم واستقراءائهم أن أقصى مدة الحمل تعتبر عند التشريع سنة عدد أيامها 365 يوما لتشمل جميع الأحوال النادرة، وعلى هذا سارت المحاكم الشرعية المصرية وتفرع عليه ما يأتي:
إذا وقعت الفرقة بين الزوجين سواء كانت بالطلاق، أو بالوفاة، أو بالفسخ. وسواء كان الطلاق رجعيا أو بائنا، ثم ولدت الزوجة بعد الفرقة ولدا لسنة أو أقل من تاريخ الفرقة ثبت نسب ولده من زوجها الذي وقعت الفرقة بينها وبينه؛ لأن
1 هذا على مذهب الحنفية القائلين بأن الطلاق إذا كان بلفظ من ألفاظ الكنايات يقع بائنا ولا تحل المطلقة لمطلقها إلا بعقد جديد، فإذا واقعها قبل أن يعقد بشبهة أن الطلاق الواقع رجعي، كان دخولا بشبهة. وأما على ما عليه العمل الآن فلا فرق بين ألفاظ الصريح وألفاظ الكنايات، والطلاق الواقع بالكنايات رجعي ما دام مجردا عن العوض، وبعد الدخول، وليس مكملا للثلاث، فإذا واقع مطلقته في عدتها كان مراجعا لها؛ لأنها حلال له ما دامت في العدة.
ولادتها لسنة أو أقل من تاريخ الفرقة دليل على إمكان أنها كانت حاملا قبل حصول الفرقة حين كان الفراش قائما فيثبت به النسب.
وأما إذا وقعت الفرقة بين الزوجين سواء كانت بالطلاق، أو بالوفاة، أبو بالفسخ. وسواء كان الطلاق رجعيا أو بائنا، ثم ولدت الزوجة بعد الفرقة ولد لأكثر من سنة من وقت الفرقة وأنكر زوجها الذي وقعت الفرقة بينها وبينه، أو ورثته، أنه ابنه فلا تسمع عليه دعوى نسبه؛ لأن ولادتها لأكثر من سنة من تاريخ الفرقة دليل على أنها حملت به بعد الفرقة بناء على أن أقصى مدة الحمل سنة، فدعواها على من فارقها أو على ورثتها أنه ابنه دعوى يكذبها الظاهر فلا تسمع عند الإنكار.
هذه هي أحكام ثبوت النسب بالفراش على ما عليه عمل المحاكم الشرعية المصرية، وهي مبنية على ما يشترط لاعتبار الزوجية فراشا يثبت به النسب، وعلى ما قرره الشرع من تحديد أقل مدة الحمل بستة أشهر، وما قرره الطب الشرعي من تحديد أقصى مدته بسنة، وما تقرر شرعا من جواز تخصيص القاضي بالحادثة والزمان والمكان، وما دعا إلى هذا التخصيص من شيوع فساد الذمم والجرأة على ادعاء نسب أولاد غير الشرعيين.
وهذه الأحكام تخالف مذهب أبي حنيفة في مواضع:
"الأول" أن الزوجية الصحيحة في مذهب أبي حنيفة تعتبر من حين العقد فراشا يثبت به النسب مهما تباعد الزوجان، ولا عبرة بثبوت عدم تلاقيهما من حين العقد، ولا بغيبته عنها؛ لأن التلاقي ممكن عقلا، والإمكان العقلي كافٍ لثبوت النسب، محافظة على الأولاد من الضياع. وعلى هذا يثبت نسب ولد المغربية من زوج مشرقي ولو ثبت عدم تلاقيهما من حين العقد.
"الثاني" أن أقصى مدة الحمل في مذهب أبي حنيفة سنتان بناء على أثر ورد عن عائشة: "ما تزيد المرأة في الحمل عن سنتين قدر ما يتحول ظل المغزل". وبناء على هذا يثبت نسب ولد المطلقة بائنا، والمتوفى عنها زوجها، إذا أتت به لأقل
من سنتين من تاريخ الطلاق، أو الوفاة، ولا يثبت نسب إذا ولدته لتمام سنتين أو لأكثر من تاريخ الطلاق أو الوفاة.
"الثالث" أنه في مذهب أبي حنيفة ما دام يوجد احتمال ولو بعيد يبنى عليه ثبوت نسب الولد يحكم بثبوت نسبه، إبقاء على حياة الولد وسترا على أمه وترجيحا لجانب حسن الظن بالناس وحفظ الولد من الضياع. وبناء على هذا فالمطلقة رجعيا إذا كانت كبيرة ممن تعتد بالحيض ولم تقر بانقضاء عدتها، وولدت ولدا لسنتين من تاريخ طلاقها أو لأقل أو لأكثر ولو لعدة سنين يثبت نسب ولدها من مطلقها؛ لأن المطلقة رجعيا ما لم تقر بانقضاء عدتها، فزوجيتها قائمة حكما، فلاحتمال أن عدتها طالت بامتداد طهرها، وأن مطلقها راجعها بوقاعها، يثبت نسب ولدها منه، سترا على الأعراض وحفظا للولد من الضياع. وأما إذا أقرت هذه المطلقة رجعيا بانقضاء عدتها في مدة تحتمله، فإن ولدت لأقل من ستة أشهر من تاريخ الإقرار ثبت نسب ولدها من مطلقها، وظهر كذبها في إقرارها بانقضاء عدتها، وإن ولدت لتمام ستة أشهر أو لأكثر من وقت الإقرار لا يثبت نسب ولدها من مطلقها.
ولكن لما كان اعتبار الزوجية فراشا لمجرد إمكان الزوجين عقلا ولو ثبت عدم تلاقيهما حسا مما يابأه العقل، ولا ينبغي أن تبنى عليه الأحكام. ولما كان تحديد أقصى مدة الحمل بسنتين مما يخالف المشاهد في مختلف العصور ولم يقره الطب الشرعي الذي أفتى بأن الحمل لا يمكث في بطن أمه أكثر من سنة، ولما كان إثبات النسب بمجرد الاحتمال ولو بعيدا مما جرأ على الدعاوي الباطلة وأثار شكايات الناس. لهذا كله بنيت أحكام ثبوت النسب بالفراش على الأصول الثلاثة التي بيناها، وسارت المحاكم الشرعية المصرية على هذه الأحكام طبقا لنص المادة 15 من القانون1 رقم 25 لسنة 1929.
1 ومما ينبغي التنبه له أن المادة المذكورة إنما منعت القضاة من سماع دعوى النسب عند الإنكار في الأحوال التي نصت عليها. ولم تتعرض لموضوع النسب نفسه، ولذا لم تنص على أنه لا يثبت النسب في هذه الأحوال. وإنما نصت على أنه لا تسمع الدعوى به عند إنكاره، فهي تمنع سماع الدعوى عند إنكار النسب فيها، ولا تنفي ثبوته فيها.
وهذا نص المادة: "لا تسمع عند الإنكار دعوى النسب لولد زوجة ثبت عدم التلاقي بينها وبين زوجها من حين العقد، ولا لولد زوجة أتت به بعد سنة من غيبة الزوج عنها، ولا لولد المطلقة والمتوفى عنها زوجها إذا أتت به لأكثر من سنة من وقت الطلاق أو الوفاة".
وهذا نص مذكرتها الإيضاحية: "بناء على الأحكام الواجب تطبيقها الآن يثبت نسب ولد الزوجة في أي وقت أتت به مهما تباعد الزوجان، فيثبت نسب ولد زوجة مشرقية من زوج مغربي عقد الزواج بينهما مع إقامة كل في جهته دون أن يجتمعا من وقت العقد إلى وقت الولادة اجتماعا نصح معه الخلوة. وذلك بناء على مجرد جواز الاجتماع بينهما عقلا.
كذلك يثبت نسب ولد المطلقة بائنا إذا أتت به لأقل من سنتين من وقت الطلاق. ونسب ولد المتوفى عنها زوجها إذا أتت به لأقل من سنتين من وقت الوفاة.
ويثبت نسب ولد المطلقة رجعيا في أي وقت أتت به من وقت الطلاق ما لم تقر بانقضاء العدة. والعمل بهذه الأحكام مع شيوع فساد الذمم وسوء الأخلاق أدى إلى الجرأة على ادعاء نسب أولاد غير شرعيين. وتقدمت بذلك شكاوى عديدة.
ولما كان رأي الفقهاء في ثبوت النسب مبنيا على رأيهم في أقصى مدة الحمل، ولم يبين أغلبهم رأيه في ذلك إلا على أخبار بعض النساء، بأن الحمل مكث كذا سنين. والبعض الآخر كأبي حنيفة بنى رأيه في ذلك على أثر ورد عن السيدة عائشة يتضمن أن أقصى مدة الحمل سنتان، وليس في أقصى مدة الحمل كتاب ولا سنة1.
فلم تر الوزارة مانعا من أخذ رأي الأطباء في المدة التي يمكثها الحمل، فأفاد الطبيب الشرعي بأنه يرى أنه عند التشريع يعتبر أقصى مدة الحمل 365 يوما، حتى يشمل جميع الأحوال النادرة.
وبما أنه يجوز شرعا لولي الأمر أن يمنع قضاته من سماع بعض الدعاوى التي يشاع فيها التزوير والاحتيال، ودعوى نسب ولد بعد مضي سنة من تاريخ الطلاق بين الزوجين أو وفاة الزوج. وكذا دعوى نسب ولد من زوج لم يتلاق مع زوجته في وقت ما، ظاهر فيها الاحتيال والتزوير. لذلك وضعت المادة "15" من القانون.
1 وأما الأثر الذي روي عن عائشة وهو قولها: "ما تزيد المرأة في الحمل عن سنتين قدر ما يتحول ظل المغزل". وهو الذي استند إليه أبو حنيفة فهو ليس حجة؛ لأن في سنده رواية مجهولة؛ ولأن الظاهر أنها أخذت هذا التقدير عن بعض الحوامل لا عن الرسول. ولهذا لم تتفق الأئمة على الأخذ به. ولما حدث مالك به قال: من قال هذا؟ من أجل ذلك لا مانع من الأخذ بقول أهل الذكر من الأطباء الذين بنوا قولهم على استقرار الحوامل في مختلف الأزمان والبلدان.